-->

واقع النقابات بالمغرب

واقع النقابات بالمغرب 
                          محمد الشرقاني
                       ( 02 مارس  2015 ) 

  تقديم  : 

        لا شك أن  تحليل واقع الممارسة النقابية  هو في العمق تحليل للواقع  الاقتصادي و الاجتماعي لأي بلد ، وهو  بالتالي رصد لمدى و حدود انتعاش الحركية الاجتماعية في علاقاتها سواء بالدولة أو بالمنظمات المهنية للمشغلين .
     و يفترض بداهة أن تكون  النقابات -  كقوة ضاغطة -   مستهدفة من جهات مختلفة ترمي تكسير شوكتها ، لذلك ينتظر أن تعرف حركيّتها المد و الجزر باختلاف الملابسات المرتبطة بميزان القوة و الخيارات   السياسية للدولة ذات البعد الاقتصادي و الاجتماعي و الحقوقي من
جهة و كيفيات إعمال تلك الخيارات  و تطبيقها من طرف المشغلين من جهة أخرى . 
   و لا تخرج النقابات المغربية عن هذا السياق إذا علمنا أنها بقدر ما خاضت الصراعات المتتالية مع جل الحكومات المتعاقبة بقدر ما أن صوتها ظل خافتا في بعض المحطات التاريخية  أو أنها انخرطت في  توافقات تراوحت بين انتزاع المكاسب الاجتماعية  الجديدة  و قبول التنازلات عن بعض مطالبها .
  ولعل من العوامل الأساسية التي كانت وراء ذلك النوع من التوافقات
قوة الطرف الآخر المتمثل في الباترونا المغربية ممثلا بالأساس في جمعية المشغلين " الاتحاد العام لمقاولات المغرب " و الذي ما فتئ يطالب الدولة و النقابات بمراعاة إكراهات العولمة و المنافسة الشرسة في سوق الإنتاج قبل اتخاذ أي قرار ذي بعد اقتصادي أو اجتماعي
يحتمل أن يمس بمصالح المقاولات و استقرارها و تنمية أنشطتها  ، إذ في الوقت الذي كان فيه ذلك الاتحاد  يرفع شعار " المقاولة المواطنة " كان يلح  في  المطالبة بتكريس قدر كبير من المرونة في علاقات الشغل و التخفيف من التزامات المقاولات سواء في العلاقة مع الدولة أو في العلاقة من كتلة الأجراء . 
   و قد كشفت بالفعل مدونة الشغل ( الصادرة سنة 2003 و النافذة سنة 2004 ) هذه الصورة حين جاءت نموذجا لذلك التوافق . بحيث حققت المنظمات المهنية مآربها من خلال نوعية  تنظيم تلك المدونة لعلاقات الشغل الفردية ، و حققت النقابات بعضا من مطالبها  من خلال نوعية تنظيم المدونة لعلاقات الشغل الجماعية  .
  و قد عكست  لحظات الحوار حول مدونة الشغل البداية الحقيقية لبوادر اقتناع المنظمات النقابية بأهمية البعد الحقوقي في مطالبها و نضالاتها ، في وقت كانت لها مواقف واضحة من جل مشاريع الدساتير المغربية ، و التي عهدت لها بمهمة  المساهمة في الدفاع عن الحقوق و المصالح الاجتماعية و الاقتصادية للفئات التي تمثلها و في النهوض بها ( الفقرة الأولى من الدستور الأخير  لسنة 2011 ) .
   و إذا كان معلوما أن النقابات المغربية قد فشلت ، إلى حد ما ، في الاضطلاع بتلك المهمة بالنظر لنسبة التنقيب الضعيفة الملحوظة في صفوف الطبقة الشغيلة و خاصة في القطاع الخاص ، فإنها ظلت الطرف الأساسي المخاطب من طرف الدولة في جل الإصلاحات الوطنية التي تعتزم القيام بها على الصعيدين الاجتماعي و الاقتصادي . هذا فضلا عن أن النقابات تظل إلى حد كبير  ، بالنسبة للدولة  ، الضامنة للسلم الاجتماعي الكفيل بضمان استمرارية نشاط المقاولات و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية .
  و إذا كانت التعددية النقابية المفرطة قد أضعفت من قوة النقابات المغربية خاصة إذا علمنا أنها تناسلت من خلال انشقاقات داخلية لعب فيها الفاعل السياسي دورا بارزا ،  و ما ترتب عن هذا الواقع من توترات بين النقابات ، فإنها بالمقابل كانت تستدرك ذلك من خلال التنسيقات التي مافتئ يقيمها البعض منها عند العزم على مواجهة القرارات التي تمس بمصالح الطبقة الشغيلة  . 
   كما اكتسبت النقابات المغربية تجربة مهمة في مجال الحوار و المفاوضة الجماعية و كيفيات استثمار حركات الإضراب . 
  ومقابل ذلك مازالت النقابات تواجه عدة تحديات على مستوى واجهات مختلفة أهمها  سنفصل البعض منها لاحقا  . 
      
      
      في ضوء ما سبق نحاول رصد واقع النقابات بالمغرب و ذلك من خلال المحاور الثلاثة التالية : 
     المحور الأول : موقع النقابات في الساحة العمالية 
     المحور الثاني : موقع النقابات في المشهد السياسي 
     المحور الثالث : التحديات المطروحة على النقابات 

    وقبل الخوض في تحليل محاور هذه الدراسة يجدر التذكير ، بداية ، بصعوبة بل و اصطدام الباحث للوصول إلى  المعطيات الإحصائية حول بنية النقابة و تشكيلة هياكلها  وذلك بالنظر لضعف و قلة الأدبيات النقابية بل و أحيانا التستر عنها أو المزايدة في إبراز حجم النقابة و مكانتها سواء على مستوى الساحة النقابية أو السياسية أو في علاقتها بالمجتمع المدني . 

  المحور الأول : موقع النقابات في الساحة العمالية 

     نحاول في هذا الإطار الكشف عن مكونات المشهد النقابي   من جهة  ( أولا ) لنبرز من  جهة أخرى بعض آليات عمل النقابات ( ثانيا ) 

  أولا  : مكونات المشهد النقابي : 

    يتشكل المشهد النقابي المغربي من عدة اتحادات نقابية تلقب بالمركزيات أو الفدراليات النقابية ( 1 ) بجانب نقابات مستقلة عادة ما تمثل قطاعات معينة سواء تلك المندرجة في القطاع العام أو شبه العمومي أو  القطاع الخاص ( 2 ) :

    1 - فعن الفئة الأولى نشير-  من منطلق تاريخ إحداثها - إلى كل من : 
    - الاتحاد المغربي للشغل ( UMT ) الذي تأسس في 20 يونيه 1955 و الذي  ترأسه عند إحداثه السيد الطيب بن بوعزة منتخبا و الذي تنازل مضطرا عن تلك الرئاسة للسيد المحجوب بنصديق الذي هدد بتأسيس نقابة أخرى إذا لم يستفد من تلك الحظوة ، وقد ظل على
رأس الاتحاد  إلى حين وفاته  لتنتقل  رئاسته  إلى السيد الميلودي الموخارق .

  - الاتحاد العام للشغالين المغاربة ( UGTM ) الذي أحدث بإيعاز من حزب الاستقلال في مارس  1960 ، و هي النقابة التي ستدشن مرحلة التعددية النقابية التي سيكرسها أول دستور مغربي في سنة 1962 . 
  و قد تبوأت رئاسته عدة قيادات كانت ارتباطاتها السياسية واضحة  بحزب الاستقلال ، و يتعلق الأمر بكل من السيد هاشم أمين ثم السيد عبد الرزاق أفيلال ثم السيد بنجلون الأندلسي إلى حين المرحلة الراهنة التي جمع فيها السيد حميد شباط بين قيادة النقابة و الحزب في نفس الوقت .  
  - الكونفدرالية الديموقراطية للشغل ( CDT ) و التي أسست في 26 نونبر 1978 كجناح نقابي  لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . 
 وهي النقابة المعتبرة أكثر تقدما في النضال النقابي المغربي خلال السنوات الأولى لتأسيسها و ذلك من خلال شنها لإضرابات عامة وطنية 
( 1979 و 1981 ) و التي كان من نتائجها تسريح العديد من مسؤوليها بل و اعتقال بعض أطرها . 
  ويتحمل قيادة  هذه المركزية النقابية منذ نشأتها إلى اليوم السيد محمد نوبير الأموي . 

  - الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب  ( UNTM ) ، وهي النقابة التي أحدثت  في سنة 1973 بمبادرة من السيد عبد الكريم الخطيب . وتظل خاضعة لتوجيهات حركة الوحدة و الإصلاح المرجعية الإيديولوجية لحزب العدالة و التنمية .  و يقود  هذه النقابة حاليا السيد محمد يتيم . 
  
 - الفيدرالية الديموقراطية للشغل ( FDT ) ، و التي  أحدثت في أبريل 2003 في إطار انشقاق عن الكونفدرالية الديموقراطية  للشغل  . 
  و قد قادها في البداية السيد منشد الطيب و تلاه السيد عبد الرحمان العزوزي .  

  تلك هي النقابات المعتبر أكثر تمثيلا في المغرب وفق معايير النقابة الأكثر تمثيلا في ظل مدونة الشغل ( المادة 425 ) ، و في ضوء آخر انتخابات مهنية التي أجريت  في شهر ماي من سنة 2009 .
  غير أنه يجدر التذكير أن الانتخابات المهنية الأخيرة قد أفرزت على مستوى انتخابات مندوبي الأجراء  ثلاث مركزيات نقابية فقط أكثر تمثيلا  : الاتحاد المغربي للشغل بنسبة 13,74% و الكونفدرالية الديموقراطية للشغل بنسبة 7,71 %  و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بنسبة 5,79 %،  لكن  الحكومة بادرت إلى تمديد صفة الأكثر تمثيلا إلى كل من الفدرالية الديموقراطية للشغل ( التي حصلت على مجرد نسبة 2,88 % ) و الاتحاد الوطني للشغل ( الذي حصل على مجرد نسبة 3,78 % ) بإرادة سياسية ظلت على هامش القانون و كانت محط تنديد و استنكار من جانب النقابات التي لم تستفد من تلك الحظوة . أما إذا أضفنا نتائج انتخابات اللجان المتساوية الأعضاء في القطاعين العام وشبه العمومي فستلتحق الفدرالية الديموقراطية للشغل - قانونا - بالنقابات الأكثر تمثيلا . 

    أما عن القطاعات التي تؤطرها تلك النقابات  فيمكن القول بأن  بعضها يكاد يحتكر بعض القطاعات وتبقى القطاعات الاخرى مقتسمة بين جل تلك النقابات  : 
  - فالاتحاد المغربي للشغل يكاد يحتكر تأطير الوكالات المستقلة و المطارات و الموانئ و التكوين المهني و الداخلية و البريد فضلا عن القطاع الجديد للمواصلات ( tramway ) ،  ويقتسم جزءا كبيرا من قطاع الوظيفة العمومية و الجماعات المحلية مع باقي النقابات و القطاع الفلاحي و الابناك و النظافة و السكك الحديدية مع الكونفدرالية الديموقراطية للشغل .
  - أما الاتحاد العام للشغالين المغاربة فيكاد يحتكر تأطير الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل و الكفاءات ( L'ANAPEC ) و موظفي وزارة التشغيل فضلا عن  قطاع البناء و النسيج و الألبسة  و يقتسم مع باقي النقابات قطاعات التعليم و الصحة و التجهيز و النقل . 
 - أما الكونفدرالية الديموقراطية للشغل فتتمتع بتمثيلية واسعة في القطاع العام كالتعليم و الصحة  و العدل و التجهيز و الإسكان ، فضلا عن قطاعات مختلفة تابعة للقطاع الخاص . 
 - أما عن الفدرالية الديموقراطية للشغل فتبرز تمثيليتها خاصة في قطاعي العدل و المالية و جزء من قطاعي التعليم و الصحة .
 - و عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب فيستوعب ،  إلى حد ما ،  قطاعات التخطيط و التجهيز و النقل و الشباب و الرياضة و الإسكان و التعمير و الوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية   و إدارة الطرق السيارة ،  هذا في حين يقر هذا الاتحاد بضعف تمثيليته في القطاع الخاص ( وذلك حسب ما جاء في نشرة  عن المؤتمر الوطني الخامس لذلك الاتحاد ) . 

  و إذا كان من الممكن اعتماد نتائج انتخابات مندوبي الأجراء في القطاع الخاص  و انتخابات اللجان المتساوية الأعضاء في القطاع العام  و شبه العمومي ،  فقد تبين من خلال تصريحات قياديين في بعض المركزيات النقابية أن نتائج تلك الانتخابات لا تعكس حقيقة حجم قواعدها طالما يتاح حتى لغير المبطقين المشاركة في تلك الانتخابات . 
  و بغض النظر عن  الصعوبات المعيقة للوقوف على حقيقة المعطيات الدقيقة بشأن حجم النقابات ،  فواضح أن عدد المنخرطين في الاتحاد المغربي للشغل يفوق بكثير عدد المنخرطين في باقي النقابات بالنظر لأقدميته و العدد الهائل للقطاعات التي يؤطرها ، و علما بأنها النقابة التي تصدرت نتائج الانتخابات المهنية الأخيرة .
  و حسب تصريح لأحد مسؤولي هذا الاتحاد فإن عدد المنخرطين يتجاوز بقليل 80000 . و يبلغ عدد المكتب المركزي ( التنفيذي ) 11عضوا بتمثيلية امرأة واحدة و دون أي تمثيلية للشباب . 
   أما عن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و بالنظر لارتباطه الوثيق بحزب الاستقلال فيمكن القول أن ذلك الاتحاد ينهل بقوة من الحزب
و يكاد يكون أعضاء الحزب  هم أعضاء في الاتحاد العام  .
   و عن الكونفدرالية الديموقراطية للشغل فقد صرح لنا مسؤول قيادي  أن عدد المنخرطين في هذه النقابة بلغ حوالي 64560 عضوا و ذلك انطلاقا من عدد المنخرطين في المكاتب المحلية . 
  و إذا كان المكتب التنفيذي لتلك النقابة يضم 25 عضوا فإن عدد النساء بلغ الخمسة و شاب واحد ضمن تلك التشكيلة . 
  أما عن الفيدرالية الديموقراطية للشغل فيتعذر الحسم في وضعية حجمها بالنظر لما تعرفه من تصدع و تفكيك بين جناح السيد عبد الرحمان العزوزي القريب من الكونفدرالية الديموقراطية للشغل و المنبثق عن المؤتمر من جهة و بين جناح عبد الحميد  الفاتيحي المدعم من طرف السيد لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي من جهة أخرى . و ما زال ينتظر من القضاء أن يبت في النزاع بين الجناحين  . 
 أما عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب فيكاد وضعه يقترب من وضع الاتحاد العام للشغالين المغاربة ، حيث واضح أن جل أعضاء حزب العدالة و التنمية هم أعضاء في  الاتحاد .
  و مع ذلك فقد صرح لنا أحد قياديي هذه النقابة بأن عدد المنخرطين فيها يتراوح ما بين 50000 و 55000 في أحسن الأحوال . 

و كيفما كانت صدقية المعطيات و الإحصائيات المقدمة من طرف المسؤولين النقابيين فواضح ان النقابات المغربية ما زالت بعيدة عن تأطير و احتضان مختلف فئات الشغيلة المغربية التي يقارب عددها الإحدى عشر مليون أجيرا ناهيك عن  العاملين في القطاع غير المهيكل و فئات الموظفين  . 

   أما عن النقابات المعتبرة أقل تمثيلا فتجدر  الإشارة إلى كل من    القوات العمالية المغربية المؤسسة سنة 1970 و وحدة العمال المغاربة المؤسسة في نفس السنة و الاتحاد المغربي للعمل المؤسس سنة 1974 و الاتحاد الوطني لنقابات العمال الأحرار المؤسس سنة 1977
و الاتحاد الوطني للعمل المؤسس 1993  و النقابة الوطنية المهنية المؤسسة سنة 1994 و النقابة الوطنية المتحدة المؤسسة سنة 1995
و النقابة المستقلة للشغل المؤسسة في نفس السنة و النقابات الكونفدرالية المؤسسة هي الأخرى في نفس السنة و الاتحاد الديموقراطي للشغالين المؤسس سنة 1996 و النقابة الوطنية الديمقراطية المؤسسة في نفس السنة .
   و بالنظر لمحدودية حجم قواعد تلك النقابات و ضعف إشعاعها فلم تمتلك القدرة الكافية لتلعب دور  الفاعل على مستوى الحياة السياسية خاصة و أن جلها يفتقد لأي تمثيلية في البرلمان ( مجلس المستشارين).
  و تجدر الإشارة إلى أن الانتماء النقابي و خاصة في القطاع الخاص  
لا يعرف الاستقرار في جميع الحالات بل قد يحصل أن يتراوح الأجير بين نقابة وأخرى في فترات متعاقبة و ذلك إما لأسباب شخصية أو مصلحية  أو من منطلقات سياسية  . 

  2 - أما عن الفئة الثانية المتمثلة في النقابات المستقلة ، فيجدر التذكير أنها  انبثقت عن نقابات أو اتحادات كانت قائمة أصلا وذلك للدفاع عن مصالح قطاعية و فئوية  و التفرغ للمطالب المهنية بدل الانشغال بالسياسي على حساب الوضعية الاجتماعية و المهنية لأعضائها حسب تصريحات مؤسسيها .
 و يتعلق الأمر على سبيل المثال بكل من  النقابة المستقلة للمهن التعليمية التي أسست سنة 1977و النقابة الوطنية للتعليم العالي التي أسست سنة 1979 والنقابة المستقلة لبنك المغرب التي أسست سنة 2000 و النقابة المستقلة لمفتشي التعليم التي أسست سنة 2000
و النقابة المستقلة لاتصالات المغرب التي أسست سنة 2003 و النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام التي أسست سنة 2003 و النقابة المستقلة للطاقة و المعادن التي أسست سنة 2004 و النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الإبتدائي التي أسست سنة 2007 و النقابة المستقلة لموظفي مجلس المستشارين التي أسست سنة 2008 و النقابة المستقلة لموظفي مجلس النواب التي أسست سنة 2009 و النقابة المستقلة لموظفي الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان و المجتمع المدني التي  أسست سنة 2013 .
  و معلوم أن المقصود باستقلالية هذه النقابات هو عدم تبعيتها لأي مركزية نقابية أو اتحاد نقابي و دون أن يعني ذلك الاستقلالية عن الحساسيات السياسية ، فجل الأحزاب و التيارات السياسية ممثلة في تلك النقابات مع اختلاف نسبي بين نقابة و أخرى ، بل إن النقابة الوطنية للتعليم العالي ظلت ومنذ نشأتها محتضنة لجميع الأحزاب و التيارات السياسية من اليسار إلى اليمين  . 

    ثانيا : بعض آليات عمل النقابات :

   نذكر بداية أن آليات عمل النقابات كما تحددها ، عادة ، قوانينها الأساسية و أنظمتها الداخلية ، تخضع ، في أغلب الحالات ، للممارسات و الأعراف النقابية . كما يتدخل ميزان القوة ، أحيانا ، في رسم معالم تلك الآليات . 
   ولعل من أبرز آليات عمل النقابات امتلاك " فن " المراوحة بين المد و الجزر في إطار المفاوضة و الحوار كمرحلة أولية و التصعيد و خوض الإضرابات كمرحلة قصوى .  
  و إذا كان المغرب قد عرف إضرابات عامة وطنية كانت تثير التساؤلات حول حدود مشروعيتها و تنتج ردود فعل قاسية ضد المضربين المنتمين للنقابات الداعية لها ، فسيلاحظ ، بمناسبة الإضراب العام الأخير الذي شاركت فيه العديد من المركزيات النقابية (في يوم 29 أكتوبر 2014) ،  أن الدولة و كأنها وقفت موقفا بدا حياديا على الرغم من أنها استنفذت بعض الوسائل التي من شأنها أن تحد من نطاق ذلك الإضراب العام الوطني في محاولة لتبخيس نتائجه أمام الرأي العام الوطني . 

   أما عن آلية الحوار و المفاوضة الجماعية فقد صادفت الحركة النقابية العديد من المعيقات في سبيل تفعيل تلك الآلية و مأسستها  و على امتداد محطات الحكومات المغربية المتعاقبة سنعود إليها في هذه الدراسة لاحقا ، و  نكتفي هنا بإبراز ما انبثق عن تلك الحوارات من اتفاقات وطنية و اتفاقيات جماعية قطاعية  .
  فعن الاتفاقات الوطنية التي انتزعتها المنظمات النقابية يمكن الإشارة إلى كل من التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 و اتفاق أبريل 2000 و الاتفاق الاجتماعي ل أبريل 2003 و اتفاق أبريل 2011 ، وهو الاتفاق الأخير الذي ما فتئت تلك النقابات تطالب بتنفيذ بنوده  .  و هي الاتفاقات الوطنية الي انعقدت ما بين الحكومة و الاتحاد العام لمقاولات المغرب من جهة و المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا من جهة أخرى .  
  أما عن الاتفاقيات الجماعية التي قدر لها أن تبرم في بعض القطاعات ،  فنشير على سبيل المثال  إلى كل من اتفاقية مقاولة     "لاسامير" مع الكونفدرالية الديموقراطية للشغل في سنة 2005 و اتفاقية مقاولة " صوماكا " في نفس السنة و مع نفس النقابة و اتفاقية 
" اتصالات المغرب " مع كل النقابة السابقة الذكر بمعيّة الاتحاد المغربي للشغل و اتفاقية هذه النقابة الأخيرة مع الغرف المهنية للمصبرين في سنة 2009 . 
    و كما تعتبر الاتفاقية الجماعية التي أبرمت مؤخرا بين " ضيعات إبراهيم زنيبر " و الكونفدرالية الديموقراطية للشغل في دجنبر 2014
آخر اتفاقية جماعية عرفتها الساحة النقابية ، فإنها تظل  أيضا أول اتفاقية جماعية في القطاع الفلاحي في مرحلة مغرب الاستقلال . 
    وتعتبر تمثيلية المنظمات النقابية في الهيئات الاستشارية  الوطنية من أهم آليات عملها و ذلك سواء في المؤسسة الدستورية ( المجلس الاقتصادي و الاجتماعي )  و مجلس المفاوضة الجماعية و المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل و مجلس طب الشغل و الوقاية من المخاطر المهنية و المجلس الأعلى للوظيفة العمومية و المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي  ، هذا فضلا عن التمثيلية التي يضمنها القانون للنقابات في الهيئات الجهوية و الإقليمية  . 
    وعن نسبة تمثيلية المنظمات النقابية في الهيئات الاستشارية الوطنية نشير على سبيل المثال فقط  إلى  المؤسسة الدستورية  : المجلس الاقتصادي و الاجتماعي ، حيث يمثل الاتحاد المغربي للشغل بثمانية ( 08 ) مقاعد و الكونفدرالية الديموقراطية بست ( 06 ) مقاعد و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بأربعة ( 04 ) مقاعد و الفيدرالية الديموقراطية للشغل بنفس العدد  و الاتحاد الوطني للشغل بمقعدين  .  
  
     و يجدر التأكيد في إطار آليات عمل النقابات  أن بوادر التنسيق
بينها  بدأت تترسخ في الممارسة النقابية  و ذلك من خلال  التقارب الملحوظ  بين كل من الاتحاد المغربي للشغل و الكونفدرالية الديموقراطية للشغل و الفيدرالية الديموقراطية للشغل في السنتين الأخيرتين خاصة على مستوى خوض الإضرابات الوطنية و القطاعية ، و كذا التنسيق في المواقف خلال جلسات الحوار الوطني و الذي أفرز نتائج إيجابية على مستوى تقوية الموقع النقابي في العلاقة مع الحكومة . 
  و بمناسبة هذه التنسيقات النقابية ، و بالنظر لما تعرفه الفيدرالية الديموقراطية للشغل  من نزاعات داخلية ، فينتظر - حسب أصداء الساحة النقابية - أن يلتحق جناح السيد العزوزي إما بالكونفدرالية الديموقراطية للشغل أو الاتحاد المغربي للشغل و أن يلتحق جناح  السيد الفاتحي بالاتحاد العام للشغالين بالمغرب . 
  كما تظهر معالم التنسيقات النقابية على مستوى التكوين وذلك بمناسبة عزم وزارة التشغيل و الشؤون الاجتماعية  تنظيم المناظرة الوطنية حول مدونة الشغل بعد مرور عشر سنوات على صدورها و بدعم من منظمة العمل الدولية في شتنبر 2014  ،  حيث برزت المشاركة القوية لجميع النقابات الأكثر تمثيلا و في جميع أوراش تلك المناظرة  و بمواقف موحدة كان لها الأثر الواضح على  توصيات المناظرة . 

  أما عن التكوينات التي تنظمها النقابات لفائدة منخرطيها و خاصة القياديين منهم ،  فمعلوم أن أغلبها اعتاد تنظيم ندوات و أوراش إما بمبادرة ذاتية مستثمرا الإعانة المالية السنوية التي تمنح له  من طرف الدولة  ، و إما من خلال دعم بعض المركزيات النقابية الدولية خاصة 
الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة ( CISL ) و كذا بعض نقابات الدول الأوروبية كإسبانيا و فرنسا و هولاندا و إيطاليا . هذا فضلا عن مشاركة النقابات في برامج التكوين التي تنجزها منظمة العمل الدولية في المغرب ، في حين نادرا ما تشارك منظمة العمل العربية في إنجاز مثل تلك البرامج . 
  و في إطار وسائل الاتصال المستعملة من طرف النقابات فمعلوم أن هذه الأخيرة تفتقد لهذ الوسائل المنتظمة و الكفيلة بنقل المعطيات و رصد واقع الطبقة الشغيلة وطنيا و جهويا  و كذا المساهمة في تكوين منخرطيها ،  بحيث يتم الاكتفاء بالمجالس الوطنية كآلية للتواصل مع قواعد المنخرطين و في أحسن الأحوال  اعتماد أسلوب إطلاق المواقع الإلكترونية و الشبكات الهاتفية و بعض النشرات الداخلية و التنظيمية و بعض الكتيبات القليلة العدد  الموجهة للتكوين أساسا  ، هذا مع استحضار - تاريخيا -  جريدة " الديمقراطية العمالية "  التي كانت تصدرها الكونفدرالية الديموقراطية للشغل بقدر كبير من الانتظام ،  ثم سرعان ما تعطل ذلك الانتظام و لم تعد تصدر إلا بمناسبة كل فاتح ماي . كما نستحضر نشرة " المكافح " التي كانت تصدر عن الاتحاد المغربي للشغل ، إلا أنها توقفت عن الصدور . ويعرف هذا الاتحاد ، حاليا ، إصدارا جديدا لجناح النهج الديموقراطي داخل الاتحاد ، وهو الإصدار المعروف ب " صوت المكافح "  .  
 بقي أن نشير إلى أن من هواجس النقابات تنتصب  الإشكالات التي أضحت تنتجها ظاهرة العولمة على المستوى الاجتماعي حيث ما فتئت تلك النقابات تندد بالتداعيات  السلبية لتلك الظاهرة  على قطاعات متعددة خاصة النسيج و الألبسة فضلا عن ظهور آليات جديدة في المجال التجاري كترحيل الخدمات و الاستثمار و النهج الجديد المتمثل في إحداث المناطق الحرة ،  و حيث سبق للنقابات المغربية أن شاركت على المستوى الدولي في مناقشة ظاهرة العولمة داخل المغرب و خارجه . 

    و في إطار علاقتها الدولية و الإقليمية نلاحظ سعي النقابات المغربية إلى نسج علاقات تعاون و شراكة مع مجموعة من النقابات الدولية والإقليمية من أجل تنسيق جهودها و تبادل الدعم و الخبرات في ما بينها .
  و هكذا نشير على سبيل المثال فقط إلى علاقة التعاون الوطيدة بين الاتحاد المغربي للشغل و الاتحاد العام لنقابات مصر ، فضلا عن العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل و الاتحاد العام للعمال الجزائريين و الاتحاد الوطني لعمال ليبيا و اتحاد العمال الموريتانيين .
و كذا الاتحاد العام للعمل الإسباني و مؤسسة اليابان الدولية للعمل . 
   كما تم التوقيع على اتفاقية شراكة و توأمة و تعاون بين الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ( الجامعة الوطنية للتعليم ) مع الاتحاد العام لنقابات عمال السودان (  النقابة العامة لعمال التعليم العام ) . 
   كما تربط الاتحاد العام للشغالين بالمغرب علاقات تعاون مع كل من CFTC الفرنسية و CMT البلجيكية و CCL الهولندية . كما يحظى الاتحاد المغربي للشغل بالتمثيلية في المجلس الإداري لمنظمة العمل الدولية و هو عضو في الكونفدرالية الدولية .  


      المحور الثاني  : موقع النقابات المغربية في المشهد السياسي 

    نعالج في إطار هذا المحور طبيعة العلاقة  بين النقابات و الأحزاب السياسية من جهة ( أولا ) و تفاعلات النقابات إزاء التحولات السياسية من جهة أخرى ( ثانيا ) . 

   أولا : طبيعة العلاقة بين النقابات و الأحزاب السياسية 

   لعل من بين النقاشات الفكرية التقليدية  على المستوى الاجتماعي في علاقته بالسياسي ذاك  الذي انصب على العلاقة الجدلية بين النقابي و السياسي و التأثيرات المتبادلة بينهما ، بحيث بات معلوما أن لجل الأحزاب أذرع نقابية  وبالمقابل فلجل النقابات غطاء سياسي من حزب سياسي واحد أو أكثر . 
  و هي العلاقة التي تبدو بارزة في بعض محطات التوتر السياسي بين الأحزاب أو النقابات من جهة و النظام السياسي من جهة أخرى و ذلك من خلال الإضرابات  العامة الوطنية التي شنتها بعض المركزيات النقابية الكبرى و بدعم مباشر أو غير مباشر من بعض الأحزاب السياسية  المغربية  الموالية لها . 
   ولتأكيد هذا الاستنتاج ، نطرح فرضيتين متقابلتين من خلال بحث حدود تأثير النقابي على السياسي من جهة ( 1 ) و تأثير السياسي على النقابي من جهة أخرى ( 2 )  : 

     1 - حدود تأثير النقابي على السياسي :

   لاشك أن المتتبع لتاريخ الحركة النقابية بالمغرب في ارتباطها بالحركة
السياسية سيلاحظ تفاعلا قويا بين الحركتين و منذ بداية مرحلة الاستقلال إلى المرحلة الراهنة بحيث تأسست - في بعض المحطات التاريخية - أحزاب سياسية على إثر مخاض عرفته الساحة النقابية .
  فمعلوم أن الاتحاد المغربي للشغل إذا كان قد احتوى عددا كبيرا من مناضلي الحركة الوطنية فقد كان جلهم قياديين وراء المطالب السياسية في العلاقة مع المستعمر . 
  و في مرحلة لاحقة سيجد بعض الاشتراكيين القادة في الاتحاد المغربي للشغل أنفسهم بعيدين عن التوجهات السياسية لحزب الاستقلال ليقرروا تأسيس حزب جديد تمثل في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيرأس أول حكومة وطنية تحت قيادة السيد عبد الله إبراهيم . 
  ولن يكون صدفة أن يبادر بعض مناضلي الاتحاد المغربي للشغل إلى تأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي سيكون، في ما بعد ، وراء تأسيس مركزية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي ستكون لها الأدوار البارزة و القوية في الساحة النقابية و السياسية .
  و في هذا الإطار بات معلوما ،  السنين الأخيرة  ، أن النقابات أصبحت تمثل  خزانا انتخابيا للأحزاب السياسية .  

  2 - حدود تأثير السياسي على النقابي : 

   يشهد تاريخ الحركة السياسية في ارتباطها بالحركة النقابية أن المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد أقصى مناضلي الكونفدرالية الديموقراطية للشغل من اللجنة التحضيرية لذلك المؤتمر ، الأمر الذي سيدفع أولائك الذين كانوا مناضلين في ذلك الحزب للانسحاب من المؤتمر ، و كرد فعل على ذلك سيتم إقصاء جميع مناضلي ذلك الحزب من هياكل الكونفدرالية خلال مؤتمرها الرابع بمدينة العيون سنة 2000 ، الأمر الذي دفع بهم إلى تأسيس نقابة جديدة هي الفيدرالية الديمقراطية للشغل ، و هو الأمر الذي سيدفع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى تأسيس حزب جديد هو حزب المؤتمر الوطني الاتحادي . 
  ولن يتوقف مسلسل التناسلات السياسية و النقابية بل إن المؤتمر الاول لهذا الحزب الجديد سيبعد الدكتور عبد المجيد بوزبع ( الذي كان كاتبا عاما للنقابة الوطنية للصحة داخل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ) من قيادة حزب المؤتمر مما سيدفعه إلى تأسيس حزب جديد هو  الحزب الاشتراكي الذي سيؤسس بدوره نقابة جديدة هي المنظمة الديموقراطية للشغل . و إذا كان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو الذي كان - في مرحلة لاحقة - وراء تأسيس الفدرالية الديمقراطية ، فإن نزاعا بين الطرفين ستصبح معه المنظمة الديمقراطية للشغل فضلا عن جناح  السيد عبد الحميد فاتحي بمثابة الذراع النقابي لذلك الحزب . و إذا كان الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بمثابة جهاز مواز لحزب الاستقلال ، فإن الغاضبين من الحزب و نقابته بادروا
إلى تأسيس نقابة جديدة : الاتحاد العام الديمقراطي للشغل في نونبر من سنة 2008 . و حزب الوحدة و الديمقراطية الذي ولد من رحم حزب الاستقلال هو الذي سيكون وراء تأسيس نقابة أخرى و هي المعروفة باتحاد النقابات المستقلة بالمغرب في أبريل 2009 . 

    إن هذا المد و الجزر بين الحركتين النقابية و السياسية خلال جل المحطات التاريخية بالمغرب  يطرح التساؤل ، فعلا ، عن حدود إستقلالية النقابات على المستوى السياسي . فواضح أن  إستقلالية النقابات عن 
الأحزاب السياسية تظل باهتة ، فمعروف أن لكل حزب ذراعه النقابي و لكل نقابة ارتباطات سياسية . 
   و بتفاوتات مختلفة يمكن أن نستحضر نموذج الاتحاد المغربي للشغل الذي قد يعتبر - نسبيا - من النقابات الأكثر استقلالا على المستوى السياسي و ذلك من منطلق أنه يستوعب عدة حساسيات سياسية مختلفة بل ومتباينة المشارب يسارا و يميناً : فمن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و جزء كبير من حزب التقدم و الاشتراكية والنهج الديموقراطي (  الذي استطاع أن ينتزع ثلاثة ( 03 ) مقاعد في المكتب التنفيذي من أصل خمسة عشر عضوا ( 15 ) ) و الاشتراكي الموحد إلى حزب الاتحاد الدستوري ، هذا فضلا عن  مستقلين لكن بقناعات سياسية . كما أصبح  واضحا أن لليسار تمثيلية وازنة في هذا الاتحاد . 
  و نفس الاستنتاج أو المشهد  يمكن أن  ينسحب على الكونفدرالية الديمقراطية التي تضم أعضاء من حزب  المؤتمر الوطني الاتحادي و حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي و كذا جناح من النهج الديموقراطي و جزء من حزب الاشتراكي الموحد و كذا جماعة  العدل  و الإحسان و بعض  المستقلين بالمفهوم الذي حددناه سابقا . 

   
   ثانيا : تفاعلات النقابات إزاء التحولات السياسية 

     لم تقف النقابات المغربية موقف الحياد إزاء أهم التحولات السياسية التي عاشها المغرب خلال المحطات الأساسية التي عرفها و القرارات الدولتية المتخذة على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي . 
   و من أهم تلك المحطات نستحضر فترة تطبيق  سياسة  التقويم الهيكلي وفق " توصيات " البنك الدولي مع بداية الثمانينيّات و ما تلاها من حركات اجتماعية قوية مناهضة لذلك التوجه الاقتصادي  الذي اعتبر مسا بالقدرة الشرائية للمواطنين و إضعافا لإمكانات و فرص التشغيل .
   و قد مثل الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديموقراطية للشغل في 20 يونيه 1981 بعد الإضراب العام 18 يونيه  الذي دعا إليه الاتحاد المغربي للشغل ،  من أبرز ردود  الفعل ضد ذلك التوجه الحكومي للضغط على الحكومة من أجل التراجع عن الزيادات في المواد الاستهلاكية  ، مع ما أعقب ذلك  من ردود فعل حكومية  قوية كان ضحيتها العديد من قواعد و أُطر تلك النقابة . 
  وسيعرف المغرب في مرحلة لاحقة  سياسة التقشف و خوصصة قطاعات عمومية و ما نتج عن هذا الخيار  من نتائج كارثية من أبشعها التسريحات الجماعية لفئة عريضة من فئة الشغيلة المغربية اضطرت النقابات إلى التفاعل إزاءها من خلال شن إضراب عام في 14 دجنبر من سنة 1990 دعت إليه كل من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و بدعم من بعض الأحزاب السياسية .
  و مع توجهات الحكومة الحالية " المهووسة " بالتوازنات المالية أيا كانت آثارها الاجتماعية كان منتظرا أن تنهض النقابات لمواجهة تلك الخيارات السياسية / الاقتصادية  ، حيث طالبت بالحوار الاجتماعي للتداول مع الحكومة حول ملف مطلبي شامل يضم جميع القضايا الاقتصادية و الاجتماعية ، في حين أصرت الحكومة على حصر نطاق ذلك  الحوار في قضايا خاصة معينة بذاتها ( على رأسها أنظمة التقاعد ) و هو التوتر الذي أفرز قرار الإضراب العام الذي تم خوضه في 29 أكتوبر 2014  و الذي دعت إليه الكونفدرالية الديموقراطية للشغل و الفيدرالية الديمقراطية للشغل ( جناح العزوزي ) ثم التحق بهما كل من  الاتحاد المغربي للشغل و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و الفدرالية الديمقراطية للشغل  ( جناح الفاتحي ) . 
  وقد دعت الحكومة المركزيات الأكثر تمثيلا لاستئناف الحوار يوم 10 فبراير 2015 ، إلا أن اختلافا سيثار حول جدول أعمال اللقاء الذي رتب الملف المطلبي للنقابات في النقطة  الثانية بعد إصلاح أنظمة المعاشات المدنية ضدا على مطلب تلك النقابات التي أصرت من جانبها أن ينصب الحوار على الملف المطلبي في شموليته و على رأسه تحسين الدخل و الاجور و التعويضات وتنفيذ كافة بنود اتفاق  26 أبريل 2011 ، وذلك  تحت طائلة  خوض إضراب عام  وطني آخر .
  وبعد أن التأم اللقاء يوم 23 فبراير 2015 اتضح أَن الوضع ما زال محجوزا بين الفريقين الحكومة من جهة و المركزيات الثلاث من جهة أخرى و ذلك بسبب جدول الأعمال و أولوية النقط الواردة به و حيث انتهى ذلك التوتر إلى انسحاب ممثلي تلك المركزيات النقابية من ذلك اللقاء ليعلق استئناف الحوار الاجتماعي إلى أجل غير مسمى .

   و واضح من خلال تلك المحطات التاريخية أن النقابات المغربية مصرة على أن تنتصب طرفا وازنا في جميع القرارات الحكومية السياسية  ذات المضامين الاجتماعية و الاقتصادية ، بحيث بات من  الصعب على الحكومة تمرير قراراتها دون حصول توافق مع تلك المركزيات النقابية . 
  بل إن النقابات المغربية لا تجد حرجا في طرح المطالب ذات البعد السياسي إما بصيغ مباشرة أو غير مباشرة ، فقد اعتادت أن تطالب 
- و أساسا من منبر مجلس المستشارين - باحترام مقتضيات الدستور
و تنزيل القوانين التنظيمية التي وعد بها و تنفيذ الحكومة للالتزاماتها و التنبيه إلى أن استقرار البلاد رهين بضمان التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ، بل لقد جاء في بيان للجهاز التنفيذي للكونفدرالية الديموقراطية للشغل " إن هناك هيمنة على المؤسسات السياسية من أجل حماية اللوبيات المالية و الإقطاع القديم و الجديد " . 
 كما لا تفوت النقابات الفرصة للتعبير عن مواقفها سواء من القضايا الوطنية الأساسية أو من القضايا الدولية و الإقليمية.
  فعن القضية الوطنية ، على سبيل المثال ، يجدر التذكير بأن المركزيات النقابية الخمسة سبق لها منذ سنة 2005 أن كونت لجنة دائمة للديبلوماسية النقابية للدفاع عن مواقف المغرب بشأن الصحراء المغربية. 

   و في علاقتها بالمجتمع المدني خاصة المرتبط - و لو بشكل غير مباشر - بالحساسيات السياسية ، نلاحظ تواجدا بارزا لممثلي المنظمات النقابية  في أغلب الإطارات الجمعوية  خاصة  المنشغلة  بمجال  حقوق الإنسان . 
   فالعصبة المغربية لحقوق الإنسان المشبعة بروح حزب الاستقلال تضم - بداهة - أعضاء من الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ، هذا فضلا عن أن رئيس هذه العصبة  السيد محمد الزهري هو المؤسس  للنقابة المستقلة لموظفي الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان و المجتمع المدني و الذي خلفه السيد إبراهيم العطوي بعد أن  التحق الأول بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب  . 
 و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تستوعب أساسا أعضاء من الاتحاد المغربي للشغل و خاصة جناحه الراديكالي . 
أما المنظمة المغربية لحقوق الإنسان فتضم ممثلين عن كل من  الكونفدرالية الديموقراطية للشغل و الفيدرالية الديموقراطية للشغل و بعض العناصر من الاتحاد المغربي للشغل . 
 و عن الهيئة المغربية لحقوق الإنسان فتتمثل الحساسيات النقابية أساسا من أعضاء كل من الاتحاد المغربي للشغل و الكونفدرالية الديموقراطية للشغل و بعض عناصر من الفدرالية الديموقراطية للشغل.

   على أن العلاقة بين النقابات و المجتمع المدني ليست علاقة عضوية فحسب بل هناك تنسيقات - و لو بشكل غير مباشر - من خلال تأطير الأطر النقابية للمركزيات النقابية للأنشطة التي تنظمها جمعيات المجتمع المدني في الموضوعات ذات الصلة بالحقل النقابي و الاجتماعي عموما ، و بالمقابل فإن تلك النقابات تستفيد من خبرات الجمعيات الحقوقية خاصة في مجال الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية 
و هذه الجمعيات الحقوقية لا تتردد في إشراك المنظمات النقابية في أنشطتها الإشعاعية و التحسيسية خاصة المتعلقة بحقوق الأجراء . 
   و دائما  في إطار العلاقة بين النقابات و المجتمع المدني تجدر الإشارة إلى الإطار المدني ذي التوجه النقابي المطلبي ضد الرأسمالية
( ATAC المغرب ) و حيث معلوم أن أعضائه  متواجدون في النقابات و جمعيات حقوق الإنسان  . 


     المحور الثالث : التحديات المطروحة على النقابات المغربية 

    تواجه النقابات المغربية عدة تحديات  على مستويات متنوعة  نختزلها  في  تلك المرتبطة  بالديموقراطية الداخلية (  أولا )  و استقلال " النقابي "  إزاء " السياسي "  ( ثانيا )  و الوحدة النقابية  ( ثالثا ) و توسيع معدل التأطير النقابي  ( رابعا )   و التصورات الاستراتيجية    ( خامسا) و عوائق المحيط  الاقتصادي و الاجتماعي ( سادسا ) . 

      أولا : الديمقراطية الداخلية : 
    بالرجوع إلى تاريخ القوانين الأساسية و الأنظمة الداخلية للمركزيات النقابية بالارتباط مع واقع الممارسة النقابية ، سيقف الملاحظ على تلك المفارقة بين القانون و الواقع ،  بحث إذا كان الأول يوحي بكثير من الأحكام المكرسة للديموقراطية الداخلية خاصة في ما يتعلق بآليات انتخاب هياكل النقابة و دوريته و الفصل بين الأجهزة المقررة و الأجهزة التنفيذية ، فإن واقع الحال يكشف عن مشهد آخر للعمل النقابي بحيث يصرح جزء كبير من قواعد بعض النقابات أن بلورة  كثير من  القرارات الهامة - خاصة المتخذة بين مؤتمرين - تتم من طرف المكاتب التنفيذية عوض الهيآت التقريرية للنقابات . هذا فضلا عن ما معرف من تأخر لانعقاد المؤتمرات الوطنية خلافا لما تقضي به القوانين الأساسية ، ناهيك عن ديمومة بعض رؤساء النقابات في قيادتها و غياب التناوب على مواقع المسؤولية ، و لعل  حالتي  الاتحاد المغربي للشغل و الكونفدرالية الديموقراطية أبرز نموذجين على تلك المعضلة . 
  و ينتظر من القانون المرتقب للنقابات المهنية الذي تعتزم الحكومة عرضه على أنظار البرلمان بعد استكمال المشاورات مع أهم المركزيات النقابية ، أن يشدد المراقبة على سير العمل النقابي و التكريس القانوني للحدود الدنيا للديموقراطية داخل النقابات ، حيث حدد ذلك القانون المرتقب أربع سنوات كسقف زمني لانعقاد المؤتمرات الوطنية .  
  و إذا كان الاتحاد المغربي للشغل قد عبر ، في مؤتمره الأخير ،  عن نيته في شرعنة بعض مظاهر الديموقراطية الداخلية في إطار تعديل القانون الأساسي من أجل حصر مدة انعقاد المؤتمر الوطني في  أربع ( 04 ) سنوات مع تحديد ولايتين اثنتين متتابعتين  فقط لرئيس الاتحاد ، فقد سكتت الكونفدرالية الديموقراطية للشغل عن ذلك في مؤتمرها
 الأخير !! هذا مع العلم أن هذه المركزية لم تعقد مؤتمرها الخامس في نونبر 2010  إلا بعد مرور 12 سنة على المؤتمر الرابع ، و لم يعقد الاتحاد المغربي للشغل مؤتمره الأخير في دجنبر 2010 إلا بعد مرور 13 سنة على المؤتمر السابق . 
   و أمام هذا الواقع اللاديموقراطي للممارسة النقابية فالمأمول  أن تنضبط  المنظمات النقابية لما نص عليه الدستور المغربي الأخير 
( 2011 ) صراحة في فصله الثامن من وجوب أن تكون هياكل المنظمات النقابية و تسييرها مطابقة للمبادئ الديمقراطية . 

     ثانيا :  الاستقلال " النقابي " إزاء " السياسي " : 
    إن علاقة  التأثيرات المتبادلة بين النقابات و الأحزاب السياسية كما تم تحليلها  في المحور السابق تنتهي ، في حقيقة الأمر ، إلى انتصاب حقيقة جلية مفادها هيمنة الأحزاب السياسية على مسار النقابات بالمغرب ، و هي الهيمنة التي لا تؤثر سلبا على استقلاليتها فحسب بل أيضا على كينونتها و الأغراض  التي أحدثت من  أجلها و كذا مصداقيتها أمام المجتمع . 
  و مظاهر تبعية النقابات للأحزاب السياسية جد متعددة بحيث أصبح معلوما أن النقابات تدبر أمورها وفق أجندة الحزب السياسي المهيمن على تشكلتها ، و بنية المكاتب التنفيذية غالبا ما يراعى في تأثيثها الحساسيات السياسية المؤلفة لها ، و هو الأمر الذي ينسحب حتى على الكاتب العام أو رئيس النقابة ، هذا فضلا عن أن القرارات النقابية الجريئة على المستوى الوطني لا يمكن أَن  تتخذ دون " مصادقة " الأحزاب السياسية المعنية بالنقابة صاحبة ذلك القرار . 
  و هو ما يفسر أن الأحزاب السياسية القوية الحضور في الساحة السياسية هي التي " تملك "  النقابات الأكثر تأثيرا .  
    
    ثالثا :  الوحدة النقابية : 
   يصعب الحديث عن عودة الإطار النقابي الموحد الذي عرفه المغرب في مرحلة تأسيس الاتحاد المغربي للشغل أمام تناسل المنظمات النقابية 
 و النقابات المستقلة بل و الجمعيات المهنية  ( مثل حالة الخطوط الجوية الملكية )  خاصة أمام الحضور القوي للأحزاب السياسية وراء كل مركزية نقابية ومع اتساع نطاق التعددية السياسية بالمغرب . 
  لذلك يظل رهان الوحدة النقابية منحصرا في النضالات المشتركة للنقابات في بعض المحطات و الفترات التاريخية  و في مواجهة بعض القرارات السياسية  ذات الانعكاسات  السلبية على الوضع  الاجتماعي و الاقتصادي للشغيلة المغربية كما عرضنا سابقا لبعض النماذج . 

   رابعا :  توسيع معدل التأطير النقابي  : 
      لعل المثير للانتباه في نتائج  الانتخابات المهنية - كما عرضنا لها سابقا -  أن فئة غير المنتمين  لأي نقابة قد حصلت على نسبة 64,28 % ، مما يكشف عن الضعف المهول لنسبة التنقيب بالمغرب و ما يعنيه ذلك من ضعف للنقابات في مجال التأطير خاصة في القطاع الخاص ، بحيث يسود الحديث بكون  نسبة التنقيب بالمغرب تتراوح ما بين 8% و 10% فقط  . و هي المعضلة التي يقر بها حتى البعض من تلك المركزيات صراحة ، فقد جاء في نشرة  المؤتمر الخامس للفدرالية الديمقراطية للشغل  ( الصفحة 40 ) بأن هناك تراجعا في إشعاع النقابات وسط المأجورين في القطاعين العام و الخاص . 
   إن معضلة ضعف نسبة التأطير النقابي لا يعتبر تجاوزها رهانا مطروحا بالنسبة للنقابات فحسب ، بل تمثل تلك المعضلة إحراجا حتى  لاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي أصبح يخشى - في ضوء تلك النسبة الضئيلة للتأطير النقابي - من ظهور حركات إضراب فوضوية و دون أي احتضان نقابي و مفتوحة على جميع الاحتمالات .

   خامسا :  التصورات الاستراتيجية الحداثية : 
     إذا كانت النقابات المغربية قد حاولت من خلال مؤتمراتها أن تقدم رؤية مستقبلية يتداخل فيها الاجتماعي بالسياسي ، فإن إكراهات واقع
نزاعات الشغل و مطالب القواعد النقابية لا تترك مجالا واسعا لإنجاز هذا الطموح ، هذا علاوة على ضعف تكوين الأطر النقابية  و قلة إمكانات التفرغ النقابي و عدم اعتماد اللجان المتخصصة و الخبراء في 
هذا المجال ، الأمر الذي يترك  هياكل النقابات سجينة متابعة و تدبير يوميات النزاعات الشغلية و القضايا التنظيمية الداخلية دون أن ترتقي إلى طرح التصورات الاستراتيجية الحداثية وبلورتها على أرض الواقع . 

        سادسا :  عوائق المحيط الاقتصادي و الاجتماعي : 
    تتمثل هذه العوائق في مجموعة من العناصر تعوق إمكانات التطور الكمي و النوعي للنقابات : 
   فعلى المستوى الاقتصادي يظل القطاع غير المهيكل و هشاشة تنظيم المقاولات و سيادة المؤسسات الصغيرة و العائلية و كذا  ضعف نمو الاستثمارات ،  أحد العوامل الأساسية في إضعاف وتيرة التشغيل ، هذا فضلا عن ما تتعرض له كثير من القطاعات لتأثير العولمة و المنافسة القوية ، و على العموم فإن هشاشة النسيج الاقتصادي تشكل عائقا حقيقيا من أجل إنعاش  عملية التنقب (la syndicalisation  ) . 
بل إن بروز قطاع الخدمات قد أفرز فئة من المأجورين ( أصحاب الياقات البيضاء ) المعتبرين أقل ميلا للعمل النقابي ، مقابل تراجع القطاعات التي تضم قواعد العمال ( أصحاب الياقات الزرقاء ) وهم الأكثر ميلا و حاجة للعمل النقابي . 
  أما على المستوى الاجتماعي ، فيجب التأكيد أولا على الآثار المترتبة عن عدم احترام مقتضيات  مدونة الشغل ، إذ حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة التشغيل فإن عدد المقاولات التي تنضبط لتلك المقتضيات القانونية لا يتجاوز عشرين في المائة ( 20% ) . 
  كما أن  النزاعات الفردية و الجماعية  تنصب موضوعاتها بنسبة تفوق سبعين  في المائة ( 70 % ) على عدم تطبيق مقتضيات تلك المدونة  . 
   و يشكل عدم احترام الحريات النقابية إحدى أهم هذه الموضوعات . 
   و أمام هذا الوضع فإن النقابات تظل مطالبة ببذل مجهودات يومية و متواصلة من أجل الحرص على تفعيل القانون ، بل هو رهان على مشروعية وجودها ،  إذ أن فشلها في ذلك يعني فقدان ثقة المنخرطين 
فيها وهم الذين يطمحون إلى تحسين أوضاعهم من خلالها .  


ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *