-->

تنازع الاختصاص القضائي


مقدمة :
يعتبر الاختصاص القضائي من أدق أبواب التنظيم وأهمها, لكونه الأساس المجدد لصلاحيات واختصاصات كل جهة وكل محكمة. وقد ظهر الاختصاص بداية في الفقه الإسلامي وذلك منذ وقت مبكر, غير أن حاجات العصور الأولى لم تدعوا إلى كثرة التوزيع في الاختصاصات والجهات, خلافا لما هو عليه الأمر اليوم حيث أنه مع تعدد وتنوع القضايا أصبح من اللازم توزيع الاختصاصات بناء على معايير وأسس معينة, مما أفرز اختصاصا نوعيا للمحاكم يقوم على توزيع أنواع من القضايا على محاكم معينة تختص بالنظر فيها دون غيرها , واختصاصا آخراً مكانيا يحدد لكل محكمة نطاقا معينا يقع تحت إشرافها , إلا أنه مع تعدد الاختصاصات وتعدد جهات القضاء وخاصة بعد تغيير الخريطة القضائية للمملكة وتفعيل المحاكم الإدارية والتجارية , فقد تثور مشكلة التسارع في الاختصاص , الذي قد يتحقق بين المحكمة الواحدة أو بين محكمتين مختلفتين أو بين محكمة وطنية وأخرى دولية , وهذا يعد صورة من صور تعطيل العدالة وإرهاق الخصوم .
ومن هنا نطرح التساؤل الرئيسي لهذا الموضوع حول : ماهية تنازع الاختصاص القضائي وكيفية حله ؟. وانطلاقا من هذا التساؤل تتفرع إشكاليات عدة أهمها : ما المقصود بتنازع الاختصاص القضائي ؟ ما هي أسبابه ؟ وما حالاته ؟ ومن هي الجهة المختصة بالبث فيه ؟ وما الإجراءات الواجبة الإتباع لحله ؟ وما هي أهم الآليات التي تساعد على حل التنازع في الاختصاص القضائي ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات نستعين منهجا تحليليا يقوم على جمع المعلومات وتأصيلها مع استقراء وتحليل النصوص القانونية والكتب التي تطرقت لموضوع التنازع في الاختصاص القضائي.
وذلك من خلال تقسيم الموضوع إلى مبحثين أولهما بعنوان تنازع الاختصاص القضائي : تعريفه ,أسبابه , صوره وحالاته , وينقسم إلى مطلبين الأول يتطرق لتعريف تنازع الاختصاص القضائي وأسبابه والثاني يهم صور تنازع الاختصاص القضائي وحالاته , وثانيهما تحت عنوان تنازع الاختصاص القضائي الدولي وآليات فك التنازع وهو الآخر ينقسم إلى مطلبين , الأول يخص تنازع الاختصاص القضائي الدولي والثاني حول آليات فك تنازع الاختصاص القضائي .


المبحث الأول : مفهوم الاختصاص القضائي: أسبابه, صوره وحالاته
المطلب الأول: تعريف تنازع الاختصاص القضائي وأسبابه.
إن دراسة الاختصاص القضائي ترمي لمعرفة الجهة القضائية والمؤهلة للنظر في قضية معينة، فالاختصاص هو سلطة  المحكمة للحكم في قضية ما، وعدم الاختصاص هوة فقدان ولاية هذه الجهة أو المحكمة إزاء نوع معين من الخصومة .
 فدراسة تنازع الاختصاص القضائي يقتضي منا تعريفه من الناحية اللغوية والشرعية (الفقرة الأولى)، وكذا تعريفه في الاصطلاح القانوني (الفقرة الثانية).
 الفقرة الأولى: تعريف التنازع في الاصطلاح اللغوي والشرع
فمعنى التنازع اللغوي يكون المقصود به هو "تجاذب وتخاصم واختلاف جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي  ([1]) أو جهة قضائية أخرى لا تخضع جميعها، إلى جهة واحدة بل تتبعان جهات قضائية مختلفة" والاختصاص لغة: التخصيص والخصوصية أي الانفراد بالشيء دون الغير، أي إفراد الشخص دون غيره بشيء ما خلاف للعموم، يقول تعالى "يختص برحمته من يشاء ذو الفضل العظيم"([2]). كما يقصد به التفصيل تفرد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة، وذبك خلاف العموم، كم يقصد به التفصيل والانفراد  والخاص ضد العام.
فقد ظهر الاختصاص القضائي في الفقه الإسلامي، ويدل على ذلك الفقهاء والعلماء في مؤلفاتهم في القرن الرابع([3])، التي وردت على الاختصاص القضائي وتنازع الاختصاص، غير أنه لم يرد في الاصطلاح الشرعي لفظ التنازع وإنما ورد بالألفاظ أخرى.
ومن أمثلة ذلك، ما كتبه الإمام الماوردي عن الولاية والاختصاص القضائي في كتابه الأحكام السلطانية، وكذلك الإمام أبو يعلي محمد القراء في كتابه الأحكام السلطانية، فهذه الكتب تناولت مشكلة التنازع لكن لم يصطلح تسميتها بهذا الاسم، إنما كان يطلق عليها التجاذب بين الخصوم "قول الطالب دون المطلوب" فإن تساويا اعتبر أقرب الحاكمين إليهما ويطلق أيضا: اختلاف القضاة فيمن يتولى النظر في الخصومة، والتنازع والتخاصم والتشاجر والتجاذب في اللغة بمعنى واحد.
كما يقصد بالتنازع "اختلاف بين قضائين هو " تنازع بين شخصين أو أكثر في وضع اليد على عين"([4]) أو "توجه العاملين أو أكثر إلى معمول واحد باختلاف الجهة أو باتحادها" والتنازع يقصد به في مجال القضاء ورد".التجاذب بين قاضيين أو محكمتين إيجابا أو سلبا.
والاختصاص افتعال من الخصوص، والخصوص مركب من شيئين: أحدهما عام بين شيئين: أحدهما عام بين شيئين أو أشياء والثاني معنى منظم إليه يفصله عن غيره، ما اختص به رسول الله صل الله عليه وسلم أو مما اختص الله به.
ويمكن أن يعرف تنازع الاختصاص القضائي في الاصطلاح الشرعي بانه هو "الاختلاف بين القضاة أو الخصوم فيمن يتولى النظر في الخصومة"([5]).
      الفقرة الثانية: تعريف التنازع في الاصطلاح القانوني
إن التنازع في الاصطلاح القانوني يقصد به الحالة التي تصدر فيها عدة محاكم في نزاع واحد قرارات غير قابلة للطعن، صرحت فيها باختصاصها أو عدم اختصاصها فيه، بمعنى أنه ذلك "الخلاف بين جهتين قاضيتين في شأن اختصاصها بنظر دعوى معينة"([6])
فتنازع الاختصاص هناك من عرفه بأنه ذلك "التنازع الذي ينشأ حين يكون هناك خلاف بين محكمتين حول ولاية الدعوى فتكون إحداهما قضائية والثانية إدارية" وهناك من اعتبره هذا التعريف على انه  غير دقيق لأنه يحصر التنازع بين القضاء العادي والإداري والحال أنه أحد أنواع التنازع.
وعلى عكس التعريف السابق، ما ذكره الأستاذ إبراهيم الموجان بقوله يفترض تنازع الاختصاص قيام الخلاف في شان الاختصاص بين محكمتين تتبعان القضاء العادي، أما الخلاف بين محكمتين تتبعان تضامين قضائيين متميزين فهو تنازع في الولاية.
إن الاصطلاح التنازع يصح إطلاقه على كل تنازع في الاختصاص فهو الاختلاف بين قاضيتين من جهة واحدة أو مختلفة حول اختصاصها في نظر دعوى واحد([7]).
حيث يحدث التنازع في الاختصاص عندما ترفع أمام محكمتين دعوى واحدة أو دعوى واحدة أو دعويين بينهما ارتباط قانوني([8])، فقد يقع أن يرتفع أحد المتقاضين دعوى واحدة ضد نفس المدعى عليه أمام محكمتين كلاهما مختصان، أو يقيم دعويين بينهما ارتباط أمام محكمتين كذلك، وهنا تثار مسألة التنازع، مما يؤدي إلى عرقلة سير العدالة، ولما كانت إقامة الدعوى واحدة أمام محكمتين قد تعرض لصدور أحكام متناقضة، فقد عالج المشرع قواعد الفضل قي تنازع في فصول (300 - 306) قانون المسطرة المدنية .
 و 261 – 263 من  قانون المسطرة الجنائية.
وعليه، استنادا للمادة 300 من قانون المسطرة المدنية فتنازع الاختصاص القضائي غالبا ما يقع في الاختصاص المكاني أما النوعي فيمكن أن يثار أمام محكمة النقض باعتبارها أعلى درجة متشركة بينهما.
كما يشترط لقبول طلب الفصل في تنازع ثلاثة شروط:
أولا: وجود نزاع في الاختصاص محليا أو نوعيا.
ثانيا: أن يكون النزاع ناتجا عن أحكام نهائية أي غير قابلة لآي طريق من طرق الطعن العادية.
ثالثا: أن يكون النزاع هو نفسه المعروض على المحكمتين موضوعا وأطرافا وسببا.

فتنازع الاختصاص  القضائي بين مرجعين يعني التعارض بين موقفين لمرجعين قضائين حول اختصاهما في نظر قضية واحدة حيث يكون التنازع في حالة تصريحها بالاختصاص، بينما نكون أمام تنازع سلبي إذا صرحت بعدم الاختصاص.
 فتنازع الاختصاص القضائي  يشكل مسطرة تمكن من فصل المنازعات المتعلقة بالاختصاص التي تقوم بين المحاكم([9]) أي وجود دعوى واحدة سجلت مرتين أمام القضاء، فالمفروض أن يكون هناك ارتباك بين دعويين تجهله المحكمتين













الفقرة الثالثة: أسباب تنازع الاختصاص
كما سبق وأن عرفنا تنازع الاختصاص القضائي في إطار الفقرة السابقة فهو صدور أحكام غير قابلة للطعن من محاكم مختلفة على نفس النزاع في وقت واحد باختصاصها فيه أو عدم
اختصاصها فيه . وقد وضع المشرع المغربي قواعد تنظيم تنازع الاختصاص بين المحاكم في الفصول 300 ,301 ,302 و 4/353 , 354 ,362 وما يليه والفصول 388 ,389 , 390 و الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية وذلك قبل إحداث محاكم إدارية ومحاكم تجارية ,حيث كانت  تلك الفصول منظمة فعلا, لكن بعد ازدواجية القضاء وتخصصه ازدادت نسبة حدوث تنازع الاختصاص ولم تعد تلك الفصول كافية لتنظيمه .
وبالتالي ما الأسباب الدافعة لحدوث تنازع الاختصاص القضائي ؟
هناك عدة دوافع تستلزم حصول تنازع حول الاختصاص القضائي تأتي على رأسها تضارب القواعد المسطرية الخاصة بنظرية الاختصاص النوعي في التشريع المغربي, وذلك لتعدد المراجع المستقاة منها 1 , خصوصا القواعد المنظمة للاختصاص النوعي في قانون المسطرة المدنية والقانون الخاص بإحداث المحاكم الإدارية رقم 90-41.
إن اعتماد المشرع في قانون المحاكم الإدارية وكذا في قانون المحاكم التجارية معيار التجديد الحصري للاختصاص النوعي ( المادة 5 من قانون أحداث المحاكم التجارية  والمواد 8 و 9 و 11 من قانون أحداث المحاكم الإدارية ) , والغموض الذي يكتنف هذه المواد . وقد ظهرت على الساحة القضائية تضاربات عديدة في العمل القضائي بشأن الاختصاص النوعي بين نفس المحاكم ذات الطبيعة الواحدة , ( مثال ذلك ما يتعلق بالنزاعات المتعلقة بظهير 24 ماي 1955 بالنسبة للمحاكم التجارية , وما يتعلق بالنزاعات الهاتفية , أو المنازعات الانتخابية بالنسبة للمحاكم الإدارية ).2
كما أن هناك عدم إقرار قواعد واضحة بخصوص "الإحالة ", فالواضح أن إحالة النزاع عند الحكم بعدم الاختصاص من محكمة ما إلى محكمة أخرى من نفس النوع تكون مقبولة من محكمة الإحالة وتأخذ بها , لكن الصعوبة تكمن حينما تقع الإحالة من محكمة عادية ,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – عبد الله درميش , في مقال له بعنوان " تنازع الاختصاص " منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 80 يناير/ فبراير 2000 ,ص 72 إلى  85. ذ
2 – عبد الله درميش مقال له في  :
« Nofawad.blogspot.com »   

أو متخصصة إلى محكمة إدارية أو العكس أيضا, بحيث لا تستجيب أغلب جهات الإحالة إلى  قبولها لانعدام نص وتأسيسا على قاعدة " لا يسلط قضاء على قضاء إلا إذا كان أعلى منه "
 وحيال هذا لم تتردد المحاكم الإدارية في رفض الإحالة عليها طبقا للمواد 12 و 13 و 14 من القانون المحدث لها بدعوى أن القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية من النظام العام, وعليه لا يسوغ لأية محكمة تجارية كانت أو ابتدائية , أن تحيل عليها القضايا أو تأمرها بالنظر فيها , بل عليها فقط أن تحكم بعدم الاختصاص دون إحالة..  ويبقى على الأطراف أن يستأنفوا ذلك الحكم أمام المجلس الأعلى الذي يجب عليه أن يبث داخل أجل ثلاثين يوما من تسلم كتابة الضبط به لملف الاستئناف.
وهو ما قد يزيد من حالات التنازع السلبي الذي هو مبدأ دستوري وزعزعة ثقة المتقاضين في العدالة التي هي أساس الملك والعمران ودعامة الاستقرار .3
وفي هذا الصدد أصاب المشرع حينما جعل بينهما قواعد مشتركة للتقليص من الدفع بعدم الاختصاص النوعي سواء أثير أمام محكمة إدارية أو تجارية, وهذا عكس التوجيه الذي خطاه بموجب القانون رقم 53/95 المحدث للمحاكم التجارية بحيث نجده قد أهمل وضع قواعد أو مقتضيات مشتركة من قريب  ولا من بعيد , خصوصا عندما جعل أمر اتصال قواعد الاختصاص النوعي بالنظام العام فيها , وكما هو معلوم فالمحاكم التجارية محاكم عادية تسري عليها مقتضيات المادة 13 من قانون أحداث المحاكم الإدارية التي تعني بتوحيد جهة الطعن في الأحكام الفاصلة في الدفع بعدم الاختصاص أمام المجلس الأعلى كمرجع استثنائي وهذا كضمان لتوحيد الاجتهاد والعمل  القضائي على صعيد المحاكم الدنيا4 .
وكون أن الدولة ومؤسساتها لم تعد تخضع للقانون العام لوحده بحيث أنها أصبحت مقاولة وتاجرة بامتياز في أعلى المستويات مما يجعلها تخضع للقانون الخاص , وعلى التحديد للقانون التجاري مما أصبح معه التنازع قائما بين المحاكم الإدارية والتجارية, فمدونة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 – عبد الله درميش , مرجع سابق
4 – موقع – الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية والنظام العام


 التجارة أتت على ذكر بعض الأنشطة التي تمارسها المؤسسات العامة ( مثال الأشغال العمومية , توزيع الماء والكهرباء , استغلال المناجم , استغلال المستودعات و والمخازن العمومية ) المادة 6 من مدونة التجارة , وبعض الأنشطة الت ي تمارسها المؤسسات الشبيهة بالائتمانية كأنشطة بنك المغرب, والخزينة العامة ومصلحة الحسابات التجارية وصندوق الإيداع والتدبير والصندوق المركزي للضمان والبنك والشركات القابضة الخاضعة للتشريع المتعلق بالمناطق الحرة .
إن الدعوى الموازية التي كان المجلس الأعلى يتخذها كمعيار لتحديد الاختصاص بين القضاء العادي والإداري لم تعد كافية بعد إحداث المحاكم الإدارية التي اتسع اختصاصها. ويبقى في حالة التنازع الإيجابي أو السلبي , أو تعارض الأحكام القضائية فيما بينها تكييف النزاع والبحث عن طبيعته القانونية هل هو إداري أم عادي ؟ والدعوى الموازية بمفهومها الواسع ليست لها الصلاحية في ذلك الآتي الحدود المرسومة في الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون أحداث المحاكم الإدارية في موضوع طلبات الإعفاء بسبب تجاوز السلطة 5.
وإن صياغة المدعي للدعوى وطريقة عرضها هي بدورها سبب في إحداث تنازع حول الاختصاص, حيث أن قلة معرفة وإلمام المدعي بالمصطلحات القانونية تجعله يستعمل مصطلحات تفيد اختصاصا آخر يختلف عن موضوع الدعوى , وتقديم الدعوى بصورة مخالفة للواقع تجعل المحكمة تنظر في قضية ليست هي من اختصاصها .
كما أن غياب التواصل بين المحاكم وقلة التعاون فيما بينها , يعمق مشكل التنازع بين الاختصاص , إذ أن كل محكمة ترسم حدودا لاختصاصها وتعمل على البث في إطارها مناسبة ذلك لعدم وضوح النصوص القانونية .





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 – عبد الله درميش ,مرجع سابق


المطلب الثاني : صور تنازع الاختصاص القضائي وحالاته
يختص التنازع في الاختصاص القضائي محددة قانونا وهذا ما سنوضحه في الفقرة الأولى, كما له حالات تختلف وتتعدد إلى جانب أن له جهة قضائية تبث فيه وإجراءات خاصة تتبع أمامها وهذا موضوع ق 2 .
الفقرة الأولى : صور تنازع الاختصاص القضائي :
يأتي التنازع على صورتين, فإما أن يكون إيجابيا أو سلبيا, وهما معا منصوص عليهما في إطار الفصل 300 من ق.م.م. الذي جاء فيه أنه : " يكون هناك مجال لتنازع الاختصاص إذا أصدرت عدة محاكم في نزاع واحد قرارات غير قابلة للطعن, صرحت فيها باختصاصها فيه أو عدم اختصاصها فيه ".
إلا أنه عند وضع هذا الفصل كان التنظيم القضائي للمملكة لا يعرف إلا المحاكم العادية دون الإدارية والتجارية , واليوم بعد أن تغيرت الخريطة القضائية فإننا نرى أن هذا التنازع بنوعيه السلبي والايجابي قد يزداد حدة,  ذلك أن التنازع بين المحاكم ذات الجهة القضائية الواحدة قد لا يعرف إشكالا كبيرا بفضل أعمال قاعدة " الإحالة " بين هذه المحاكم , إذا أن مقتضيات الفصلين 49 و 109 من ق.م.م قد تحد من معضلة هذا التنازع وكذلك الشأن بالنسبة للمواد 15/16/17 من قانون أحداث المحاكم الإدارية والمادة 8 من قانون أحداث التجارية غير أن هاتين الصورتين من التنازع قد تزداد مساحتهما حينما يرفع نزاع واحد أمام محكمتين مختلفتين من حيث الطبيعة , كأن يرفع نزاع واحد أمام المحكمة التجارية والإدارية , أو أمام المحكمة الإدارية والابتدائية ,ففي هذه الحالة لن تجدي قواعد "الإحالة " نفعا لموقف الرفض الذي يعرفه أغلب القضاء الإداري بخصوص الإحالة.
وللأسباب السابقة أعلاه, ولكي نكون أمام الصورتين المنصوص عليهما في الفصل 300 ق. م.م. يتعين أن تفصح المحكمتين عن قرارهما في الاختصاص إما سلبا أو إيجابا بمقتضى حكم غير قابل للطعن , أي أن يستفيد الأطراف من كل وسائل التقاضي وطرف الطعن للتوصل أخيرا إلى المحكمة المختصة , لأن محكمة الفصل في تنازع الاختصاص هي محكمة غير عادية , لا يجوز اللجوء إليها إلا بعد استنفاذ الوسائل العادية , لا بقصد الفصل النهائي في الموضوع وإنما البث في الاختصاص بحكم حاسم .
أما إذا صدر الحكم النهائي في النزاع من محكمة غير مختصة , فإنه لا يبقى المجال لسلوك مسطرة التنازع في الاختصاص , لأن هذه المحكمة تكون قد حسمت في النزاع , وباستنفاد طرق الطعن يكون حكمها صحيحا ولا يشوبه عيب .
وإذا ما تعارض هذا الحكم الذي قضى في الموضوع مع حكم آخر فلا يبقى أمام المعني بالأمر إلا سلوك المسطرة المنصوص عليها في الفصل 390 ق.م.م  بحيث يمكن للمجلس الأعلى في حالة تناقض أحكام غير قابلة للطعن صادرة عن محاكم عادية أو محاكم استئناف مختلفة الحكم بالبطلان عند الاقتضاء , دون إحالة أحد الأحكام المقدمة إليه 1. أما بالنسبة للجهة القضائية المخول لها في التنازع في الاختصاص القضائي إيجابيا أو سلبيا , فسيتم التفصيل فيها في الفقرة الموالية .
الفقرة الثانية: حالات التنازع الاختصاص والجهة القضائية التي تبث فيه
أ – حالات تنازع الاختصاص:
1 ) الحالة الأولى :
  قد يكون هناك فارق بين تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي،حيث أن تنازع القوانين يبحث في القوانين الاحق تطبيقا،بينما يبحث تنازع الاختصاص القضائي في المحاكم التي تختص بالنضر في تلك القضية.
والفرق بين تنازع الاختصاص القضائي الدولي والداخالي أن الاول يقصد به بيان القواعد التي تحدد ولاية محاكم الدولة في المنازاعت التي تتضمن عنصرا أجنبيا ازاء غيرها من محاكم الدول الاخرى،ومقابل ذلك في قواعد الاختصاص الداخلي فهي تحدد اختصاص كل محكمة من محاكم الدولة إزاء غيرها من محاكم نفس الدولة.
2) الحالة الثانية : تنازع الاختصاص بين جهات القضاء
ففي الأنظمة التي تعدد فيها الجهات القضائية كالقضاء العادي والقضاء المختص تتحدد الاختصاصات بناء على ضوابط ومعايير محددة .
ويسند إلى جهة اختصاصات معينة وإلى أخرى بقية الاختصاصات. و هذا يسبب وجود تنازع حول الاختصاص في تحديد ولاية كل جهة ويطق عليه أيضا تنازع حول الولاية القضائية لكل منهما.
3 ) الحالة الثالثة : تنازع الاختصاص بين محكمتين تابعتين لجهة قضاء واحد.
عند تعدد الجهات القضائية فإن كل جهة تتوزع الاختصاصات فيها حسب النوع والمكان بين المحاكم التابعة لها وتتعدد الدرجات بين المحاكم ويحد لكل محكمة اختصاص نوعي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 : عبد الله درميش , مرجع سابق
 ومكاني تلتزم به.
لدى ينشأ بين هذه المحاكم تنازع حول اختصاصها بالنظر في قضايا معينة سواء كان التنازع حول إقليمية المحكمة وحدود اختصاصها المكاني أو حول نوع القضية وأشخاصها
4) الحالة الرابعة : تنازع الاختصاص بين قضاة داخل محكمة واحدة
وتتميز هذه الحالة بصفات معينة:
-أنه يقع بين قضاة داخل محكمة مختصة بالنظر في القضية محليا ونوعيا
-أن تحديد الاختصاص للقضاة هو شأن داخلي للمحكمة.
-المرجع في حل هذا التنازع هو رئيس المحكمة.2
ب- الجهة القضائية التي تبث في تنازع الاختصاص والاجراءات المطبقة أمامها
والمحكمة التي يرجع إليها النظر في دعوى التنازع هي المحكمة الاعلى درجة المشتركة بين المحاكم التي تتنازع فيما بينها،أو أمام المجلس الاعلى إذا تعلق الامر بأحكام صادرة من محاكم لا تنضوي تحت محكمة واحدة مشتركة،المادة( 301 م.م)
وتمر دعوى التنازع بمرحلتين،أولاهما تتعلق بالقبول،زتعرض على غرفة المشورة بدون حضور الاطراف أو وكلائهم،أي في جلسة تتسم بالمرونة والسرية فإذا تبين لغرفة المشورة أنه ليس هناك ما يدعو الى تنازع الاختصاص كأن يكون الحكم أو الحكمان معا قابلين للطعن،تصدر المحكمة مقررا معللا برفض الطلب،ويكون هذا القرار قابلا للطعن إذا لم تكن غرفة المشورة بالمجلس الاعلى هي التي أصدرت القرار.
وثانيهما إذا رأت غرفة المشورة أن هناك مجالا لتنازع الاختصاص قررت الغرفة انطلاق الاجراءات العادية للتقاضي بعد تقليص الاجال الى النصف (م 302، م.م)
وبمجرد إعلان غرفة المشورة إخضاع الدعوى للاجراءات العادية يتعين على  المحكمتين المتنازعتين حول الاختصاص إيقاف البث وعدم مواصلة دراسة القضية في الموضوع .وهذا ما يستلزم إبلاغ المحكمتين اللتين تنظران في موضوع النزاع لتعملا على إيقاف البث في الموضوع دون الاجراءات التحفضية التي يبقى الباب مفتوحا أمامها .
هذا وتجدر الاشارة الاشارة الى أن طلب إيقاف البث يمكن أن يقدم من كل ذي مصلحة أو صفة، كما يمكن أن يقدم من لدن النيابة العامة التي تكون طرفا منضما أمام المحاكم العادية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 :  بحث مقدم لاستكمال متطلبات الحصول على ماجستير/ منشأة المعارف الاسكندرية
والتجارية.ولا نرى أي مانع من إمكانية تقديم هذا الطلب من المفوض الملكي أمام المحاكم
الادارية ،وكذلك فإنه يمكن إعمال هذا المقتضى من لدن المحكمة تلقائيا ما دام أن طلب البث هو إجراء حتمي يفرضه القانون ويترتب على مخالفته البطلان لكون هذا الاجراء وضع أساسا لمصلحة حسن سير العدالة.

المبحث الثاني : تنازع الاختصاص القضائي الدولي وآليات فك النزاع
 المطلب الأول : تنازع الاختصاص القضائي الدولي
إن دراسة تنازع الاختصاص الدولي يهدف بالأساس إلى معرفة الحكمة القضاية والمحكمة المؤهلة للنظر في النزاعات على اختلافها وهذا ما سنحاول التطرق إليه في الفقرة الأولى : اختصاص المحاكم المغربية في القضايا التي يكون فيها عنصر أجنبي وفي الفقرة الثانية القواعد الواجبة التطبيق عند تنازع الاختصاص الدولي
الفقرة الأولى : اختصاص المحاكم المغربية في القضايا التي يكون عنصر أجنبي
من المعلوم أن يكون تنازع الاختصاص القضائي إما داخليا أو خارجيا , فالتنازع الداخلي هو الواقع بين محاكم الدولة نفسها وهذا الاختصاص بتضمنه القسم الأول من ق.م.م من الفصل 1 إلى 22
أما تنازع الاختصاص القضائي الخارجي أو الدولي  هو الذي يقع بين المحاكم دولتين وهو بالدرجة الأولى تنازع في الاختصاص المحلي الذي بعينيه الدولة الدولة التي يرجع إليها الحق في اختصاص محاكمها للبث في النزاع متى وقع تعيين تلك الدولة التي وجب تطبيق قواعدها الداخلية أي تطبيق قواعد الاختصاص النوعي والمحلي لها . ما لم تكن القاعدة الدولية قد عينت مباشرة المحكمة التي يجب أن تنظر في الدعوى ومن المسلم به في القانون الدولي أن محاكم كل دولة تطبق قواعد الإسناد المقررة فيها , بمقتضى تشريعها أو اجتهاد محاكمها وقواعد الاسناد تختلف من دولة إلى أخرى وبالتالي محاكم كل دولة تطبق قواعد المسطرة الجاري بها العمل في تلك الدولة , والتي تختلف عن مثيلتها في الدول الأخرى . وقد تختلف أيضا وسائل الاثبات والقواعد الواجب التطبيق فيها , وبحيث نجد المادة 212 من ق.م.م يؤكد إماكنية إسناد الاختصاص لغير المحاكم المغربية وهذا ما سعى إليه منشور وزير العدل إلى الساحة القضاة والمناشدة به والي ورد فيه يجب تنبيه المعنيين بالطلاق الاتفاقي إلى أن بعض الدول الاروبية تفرض لقبول الاحكام الصادرة بالتطليق في الدول الاجنبية مراعاتها لقواعد الاختصاص ذي صلة بالسكن الاعتيادي الفعلي للزوجين , أما قاعدة الاسناد المعمول بها في فرنسا تنص على توارث العقارات الموجودة في فرنسا يخضع المقتضيات القانون الفرنسي بشأن الإرث وعليه إذا رفعت قضية توزيع التركة الموروث في حين تطبق قواعد الاختصاص النوعي والمحلي الداخلية وقد عمل الفقه الدولي على تحديد معايير الضبط في مجال القانون الدولي الخاص في مجموعة من الضوابط العامة التي تسترشد بها الدول عندما تقوم بعد الحالات التي تعطي فيها محاكمها الولاية في الفصل في المنازعات المشتملة على عنصر أجنبي وعلى هذا النحو الآتي :
1 ضبط اختصاص تقوم على أساس ارتباط أطراف النزاع بالدولة ( مثل الجنسية والموطن)
2 ضبط اختصاص يقوم على أساس ارتباط موضوع النزاع بالدولة ( مثل العقارات )
4 ضوابط اختصاص تقوم على اعتبارات حسن سير العدالة
أما قواعد الاسناد في تنازع القوانين ترشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق في النزاع المشتمل على عنصر أجنبي وقواعد الاختصاص القضائي تحدد مدى اختصاص المحاكم الوطنية بالمنازعات المشتملة على عنصر أجنبي باعتبارها قواعد أحادية الجانب دورها يقتصر على توجيه القاضي الوطني لاختصاصه القضائي في المنازعات المشتملة على عنصر أجنبي باعتبارها قواعد أحادية الجانب دورها يقتصر على توجيه القاضي الوطني لاختصاصه القضائي في المنازعات المشتملة على عنصر أجنبي بطريقة مباشرة في النزاع وهي قواعد مباشرة تفصل بطريقة مباشرة في النزاع المطروح عليها .
في حين نجد أن اعتماد القانون المغربي للمسطرة المدنية على معيار الموطن المشترك لاسناد الاختصاص للمحاكم الوطنية بحيث ينسجم مع ما سار به العمل في القانون الدولي الخاص المقارن ويأخذ بما نصت عليه المادة 5 من اتفاقية لاهاي الخاصة بالتطليق التي تقضي بان يرفع دعوى التطليق او الانفصال لدى قضاء مختص وفقا للقانون الوطني للزوجين أو لدى القضاء المختص في المكان الذي اتخذ فيه الزوجان موطنهما , وإذا لم يكن لهما موطن وفقا لقانونهما الوطني ترفع الدعوى لدى محكمة المدعى عليه وفي حالة الهجرة أو تغيير الموطن بعد قيام سبب التطليق ترفع لدعوى لدى قضاء آخر موطن مشترك للزوجين ,
فموطن الزوجة وقت رفع الدعوى سواء كانت مستوطنة في المغرب من الأصل قبل رفع الدعوى او أنها كانت مقيمة في الخارج تم عادت للإقامة في المغرب وقت رفعها ويرجع اسناد الاختصاص وفقا لموطن الزوجة للاعتبارين :
كون القانون الواجب التطبيق في الدعوى هو القانون الوطني وإن كان المشرع المغربي لم ينص على الجنسية كعنصر للخضوع أمام القضاء المغربي في إطار الاختصاص القضائي الدولي .
الاعتبار الثاني : عنصر الموطن كضابط شخصي إفليمي لاسناد الاختصاص إلى محاكم الوطنية يوفر الرعاية للمدعي باعتبار أن موطن الزوجة في المغرب يكون عنصراىهاما من عناصر الاختصاص القضائي الوطني المقارن , والموطن الذي ابرم فيه عقد الزواج بحيث يتم النظر في الدعوى بناء على محل الاقامة التي ابرم فيه العقد دون التخصيص بان يكون قد ابرم في المغرب أم لا ويوضع لنا المشرع المغربي قبول فكرة اسناد الاختصاص لغير المحاكم الوطنية بالرغم من اطرافى العالاقة يحملون الجنسية المغربي إذا تم والزواج وفق ما نصت عليه المادة 14 من قانون الاسرة المغربي .1













ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1:موسي عبود،الوجيز في القانون الدولي الخاص المغربي.ص, 
328
الفقرة الثانية: القواعد الواجبة التطبيق عند تنازع الاختصاص الدولي
لحل تنازع دولي في الاختصاص القضائي يجب تطبيق بعض قواعد التنازع الداخلي , إلا أنه هناك بعض القواعد التي لا تطبق أهمها عدم نظر المحكمة في قضية مرفوعة أمام محكمة أخرى وهذا ما يسمى في قواعد الاختصاص الداخلية " الدفع بأسبقية رفع الدعوى أمام محكمة أخرى " , إذ استقر الرأي في المحاكم الفرنسية على عدم تطبيق هذا الدفع لتعارضه مع مبدأ استقلال الدول 1.
أما بالنسبة للقواعد العامة المطبقة عند أي تنازع اختصاص دولي يذكر منها :
1 – أن المدعي يقاضي المدعى عليه في محكمة هذا الأخير وهي قاعدة قديمة, ومفادها أن الحكم لكي يكون ساريا على المدعى عليه وملزما له يجب أن يصدر من محاكم دولة لها الولاية عليه وإلا كان تنفيذه غير ممكن.
2- أيضا من ضمن هذه القواعد المطبقة أن الاختصاص في المسائل العينية المتعلقة بعقار يكون لمحكمة موقع العقار.
3 – محاكم أي دولة مختصة بالحكم على أي شخص يخضع باختباره لاختصاصها, مثلا أن يرفع الدعوى أمامها أو يترافع في دعوى مرفوعة ضده عندها 2.
إلا أنه يمكن أن تخالف القواعد السابقة الذكر بمقتضى نصوص داخلية أو اتفاقيات دولية , مثال على هذا مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص قدم في دورته الثامنة المنعقدة سنة 1956 اقتراحا يقضي بإسناد3 , الاختصاص في قضايا النفقة الواجبة للأبناء القاصرين إلى قانون ومحاكم الدولة التي تكون فيها الإقامة العادية للولد القاصر المدعي لا محاكم الدولة التي يكون فيها موطن الوالد المدعى عليه.
أما بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على الإجراءات فإن أول قاعدة نجدها بهذا الصدد هي قاعدة خضوع الإجراءات لقانون القاضي 4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – موسى عبود " الوجيز في القانون الدولي الخاص المغربي ص 389, الطبعة الأولى 1994.
2- موسى عبود مرجع سابق ص 330
3- مرجع سابق ص 330
4- هشام علي صادق "تنازع الاختصاص القضائي الدولي طبعة 2002 ص 197 .

إذ على القاضي المغربي أن يطبق جميع القواعد التي تضمنها قوانين م.م ونجد نفس الشيء بالنسبة للمشرع المصري , إذ جاء في م 2.2 من القانون المدني المصري أنه " يسري على قواعد الاختصاص وجميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البلد الذي تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات " 5.
ثم نجد قاعدة خضوع التشكل للقانون المحلي وهي تهدف إلى التيسر على المتعالمين .
كما نجد في إطار التعاون الدولي بين المحاكم الذي يقتضي أن تمد محاكم كل دولة يد المساعدة لمحاكم دولة أخرى لكي تقوم بتنفيذ مهمتها القضائية, ما يسمى بالإنابة القضائية,  إذ قد تقتضي ظروف الدعوى إجراء معين خارج إقليم الدولة كالخبرة وسماع لشهادة الشهود أو التحقيق , إذ في مثل هذه الأحوال تلجأ المحاكم التي تنظر في الدعوى إلى إنابة قناصل دولتها إن كان ذلك ممكنا أو إلى السلطات القضائية المختصة 6. إلا أن الدولة التي يطلب من سلطتها القيام بالإنابة غير ملزمة بأداء الإجراء المطلوب منها لما لها من سيادة مطلقة على إقليمها7 .
إلا أننا نجد بهذا الصدد العديد من الاتفاقيات التي أبرمت من أجل الإنابة القضائية والتعاون القضائي مثل: الاتفاقية المصرية المغربية الموقعة بالرباط في 22 مارس 1989 8.






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- هشام علي , مرجع سابق ,ص 198
6- موسى عبود , مرجع سابق ص 333
7- هشام علي صادق , مرجع سابق , ص 231
8- هشام علي صادق , مرجع سابق , ص 233


المطلب الثاني :آليات فك تنازع الاختصاص
إن مسألة تنازع الاختصاص قد طفت على السطح ولاحت في الأفق وقفزت الى الواجهة وألقت بضلالها على العمل القضائي لدى المحاكم بمختلف أنواعها مما جعل من الملح والضروري والمستعجل التفكير في إحداث "محكمة تنازع" مستقلة عن باقي الجهات القضائية الأخرى،قائمة بذاتها لها قواعدها الإجرائية،تكون مختصة للبث في كل حالات التنازع سواء تعلق الأمر بالتنازع بين المحاكم ذات الجهة الواحدة،أو بين محاكم مختلف الجهات،وتعمل أيضا على ترسيخ المبادئ الأساسية في مجال الاختصاص.
ونقترح أن يضع المشرع المغربي تشكيلا خاصا لهذه المحكمة،بحيث تتكون من قضاة متخصصين في مختلف المجالات سواء المدني أو التجاري أو الإداري،بمعنى أن تكون المحكمة مختلطة،تجمع من خلال تنوع قضائها مختلف التخصصات القانونية.
كما نرى أن تكون الإجراءات مبسطة ويسيرة للبث بأقصى ما يمكن من السرعة في مسألة الاختصاص لحسمها في أقرب وقت ممكن دونما المرور بمرحلة القبول .وأن تكون يكون الحكم الصادر من هذه المحكمة نهائيا غير قابل لاي طعن عادي أو غير عادي.
وفي انتظار تفعيل هذه المقترحات فيتم الى جانب ذلك اعتماد أقسام مختصة في القضاء التجاري والقضاء الإداري لدى المحاكم الابتدائية،وذلك من خلال ما تم إدراجه في المادة 46 من مسودة التنظيم القضائي،والذي جاء نصها: "أنه يمكن أن تحدث ببعض المحاكم الابتدائية،فضلا عن الأقسام المبينة في المادة السابقة،
- أقسام متخصصة في القضاء التجاري،تختص بالبث في القضايا التجارية المسندة الى المحاكم التجارية بموجب القانون، كما يمكنها النظر في القضايا التجارية الاخرى التي تدخل في اختصاص المحاكم الابتدائية.
-أقسام مختصة في القضاء الإداري تختص بالبث في القضايا الإدارية المسندة الى المحاكم الإدارية بموجب القانون.
تحدث الأقسام المختصة في القضاء التجاري والأقسام المختصة في القضاء الإداري بالمحاكم الابتدائية المعنية بمرسوم بعد استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية يبين عددها ودوائر اختصاصها المحلي.



خاتمة:
 وختاما لما سبق فمرغم وجود قوانين خاصة بالهيكل القضائي والاختصاصات المنوطة به ،تبقى مسألة تنازع الاختصاص عائقا على سير عمل المحاكم ،حيث يبطئ من سرعة البث في القضايا والبحث عن المحكمة التي ستفضي النزاع القائم،وهذا من شأنه أن يفقد المتقاضي الثقة في العدالة،ومتابعة الإجراءات للبحث عن الجهة التي يمكن أن تقضي مصالحه .ففكرة إنشاء محاكم التنازع هي المطلب الذي نأمل أن يكون له مفاتح هذه البوابة اليسيرة على المواطن.






 ([1])  فايز بن زويد الثقفي: التنازع الولاني في القضاء العادي طبعة 2010 ص 23.
 ([2])  سورة آل عمران آية 74.
 ([3])  عبد الرحمن بن محمد إبراهيم العنقوي "تنازع الاختصاص" القضائي طبعة 2004 ص 84.
 ([4])  فايز  بن زويد الثقفي: مرجع سابق ص 24.
 ([5])  مرجع سابق ص 23 -24.
 ([6])  عبد الرحمن بن محمد إبراهيم مرجع سابق ص 85.
([7])  محمود نجيب حسني: شرح قانون الإجراءات الجنائية ص 399.
([8])  عبد العزيز خصري: القانون القضائي الخاص، الطبعة الثانية 2000 دار الجسور للنشر وجدة ص 98.
 ([9])  أدو لف ر يبولط ترجمة إدريس ملين: قانون المسطرة المدينة في شروح 1996، دار النشر المونية الرباط، ص 236.

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *