-->

النسب في الاسرة



موضوع : النسب
للاستاذ: عمر لمين 
رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف ملحق بوزارة العدل 

تمهيـد :
يعتبر النسب من أقوى الدعائم التي تقوم عليها الأسرة، ويرتبط به أفرادها، ذلك أن رابطة النسب هي نسيج الأسرة الذي لاتنفصم عراه، وهو نعمة عظمى من الله تعالى للإنسان، إذ لولاه لتفككت أواصر الأسرة، ولدابت الصلات بينها، ولما بقي أثر من حنان وعطف ورحمة بين أفرادها.
واعتبارا لأهمية النسب فهو يعتبر أحد مقاصد الشريعة، ومن الضروريات الخمس الدين والنفس والنسل والعقل والمال... لذا أولته الشريعة الإسلامية عناية خاصة، من أجل الحفاظ عليه وعدم تضييعه، وفي هذا الصدد، فإن من العناية والاهتمام بالنسب أن الشرع منع الأباء من إنكار نسب الأولاد إليهم، وحرم على النساء نسبة الولد إلى غير أبيه الحقيقي، ومنع الأبناء من انتسابهم إلى غير آبائهم، كما حرم التبني، وجعل النسب من حقوق الله المعبر عنها بالنظام العام.
وعلاوة على هذا فإن من اهتمام الشرع بالنسب أنه يتشوف إلى ثبوته، وهيأ له المناخ لتحقيقه، إذ جعله يثبت- بالإضافة إلى الفراش والإقرار- حتى بالشبهة، والظن والقيافة، وشهادة عدلين، وشهادة السماع، وحتى في حالة الزواج الباطل عند حسن القصد، وفي الزواج الفاسد، واعتبر الإقرار وحده مجردا كافيا لإلحاق النسب، ودونما بحث مع المقر في العلاقة الزوجية، وأسباب ثبوت النسب الأخرى، واعتبر-في إطار الترجيح بين الحجج- تقديم إثبات النسب على نفيه، فضلا عن أن إثبات النسب لايحتاج إلى حكم قضائي إلا حينما يقع نزاع بشأنه، خلاف نفيه الذي لا يكون إلا بحكم قضائي، يضاف إلى هذا أن النسب من ضمن القضايا التي لا ينظر فيها إلا القضاء دون غيرهم إلى غير هذا، مما يدل على مدى عناية الشرع به، وتطلعه إلى ثبوته، فماذا عن مدونة الأسرة في هذا الصدد ؟.
جاءت مدونة الأسرة بمستجدات هامة في باب النسب تجسد مقصد الشرع وعنايته بالنسب، وفي طليعتها الخبرة الطبية لإثبات النسب أو نفيه التي تعتبر من التطورات العلمية، ومنتجات الثورة التكنولوجية الحديثة، ولم تشترط فيها القطع في إثبات النسب كما هو الشأن عند نفيه، مما يدل على أن فلسفة المشرع في مدونة الأسرة جسدت عناية الشريعة الإسلامية بالنسب في كل تجلياتها وأبعادها.

- فماذا عن أحكام النسب ؟

- وماذا عن المضامين الجديدة التي جاءت بها مدونة الأسرة في النسب؟.
-       وكيف تعامل القضاء مع أحكام النسب بصفة عامة، ومع مستجدات مدونة الأسرة بصفة خاصة، وعلى الأخص مع الخبرة الطبية كوسيلة لإثبات النسب أو نفيه، ومع إثبات النسب بالشبهة في الخطوبة؟ .
-       وماذا عن الإشكاليات التي يفرزها التطبيق القضائي من حين لأخر في قضايا النسب؟
ـ أسئلة تقتضي بلا شك الوقوف عندها لبيان كيفية تطبيق المقتضيات التي تتعلق بقضايا النسب.
هذا ما أعرض له من خلال بيان : مفهوم النسب، وأسباب لحوقه، ووسائل إثباته ونفيه، والآثار المترتبة عنه، والتساؤلات التي تثار حول بعض الحالات، والإجابة عنها وذلك في ضوء مدونة الأسرة، والعمل القضائي، في المحاور التالية:
المحور الأول : مفهوم النسب:
النسب رابطة شرعية تربط الفروع بالأصول، أي الأولاد بالآباء، في إطار الضوابط المنصوص عليها في مدونة الأسرة، وفي هذا الصدد تطرقت هذه المدونة إلى البنوة الشرعية والبنوة غير الشرعية، وأوضحت أن البنوة تعتبر شرعية بالنسبة للأب والأم إلى أن يثبت العكس، وبالنسبة للأب في حالة قيام سبب من أسباب النسب،وبالنسبة للأم في حالة الزوجية والشبهة والاغتصاب.
وعلى هذا الأساس تخرج البنوة غير الشرعية، وهي التي يعبر عنها بالبنوة الطبيعية، أو البيولوجية، الناتجة عن علاقة غير شرعية، كما يخرج التبني والتنزيل. 
القــضـاء:
اعتبر القضاء البنوة غير شرعية بالنسبة للولد المزداد لأقل من أدنى أمد الحمل، وهي ستة أشهر من تاريخ العقد، وبالتالي غير لاحق بالمطلوب في النقض[1].

الـمحور الثاني : إثبات النسـب:
نظرا للتشوف إلى ثبوت النسب، اعتبارا لأهميته، حتى لايبقى أحد وخاصة الطفل بدون نسب، نصت مدونة الأسرة على وسائل إثبات النسب وهي: الفراش، والإقرار، والشبهة، وشهادة عدلين، وشهادة السماع، والخبرة القضائية.
أولا : إثبات النسب بالفراش :
المراد بالفراش قيام علاقة زوجية بين رجل وامرأة، وهو المعبر عنه بالزواج الصحيح، أو ما يلحق به كالزواج الفاسد.
وجاء في تعريف المجلس الأعلى للفراش-عند استشهاده بالحديث الشريف:"الولد للفراش"- ما نصه: والمراد به العقد الصحيح، مع إمكان الاتصال بينهما، وحصول الوضع بعد ستة أشهر من تاريخ العقد، حسبما هو ثابت من الفقه المعمول به[2].
شـــروط إثبات النسب بالفراش:
يشترط لثبوت النسب بالفراش أن يتم وضع الحمل لستة أشهر على الأقل من تاريخ العقد، وأن يمكن الاتصال بين الزوجين، سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا، وأن تتم الولادة خلال سنة من تاريخ انتهاء العلاقة الزوجية.
القــضـاء:
من خلال التطبيق العملي لهذه المقتضيات كرس القضاء ما جاء في المدونة وفي هذا الصدد :
- جاء في قرار المجلس الأعلى أن الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب، وأنه لا يمكن نفيه شرعا إلا عن طريق اللعان، أو الخبرة القضائية إذا توفـرت شروطهما[3].
- وجاء في قرار آخر له أن فراش الزوجية حجة في إثبات النسب إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل، وأمكن الاتصال[4].
- واعتبر المجلس الأعلى الاتصال حاصلا ودونما حاجة إلى إثباته، في الواقعة التي يتم الاتفاق فيها على الوضع بعد مرور أدنى أمد الحمل، وينفي الزوج الاتصال دون إثبات، لأن الخلوة بين الزوجين ثابتة، ولأنها هي الأصل، ولم يثبت خلاف هذا الأصل[5].
- ونقض المجلس الأعلى القرار الاستئنافي الذي لم يجب على ما ادعاه الطاعن من أنه لم يتصل بالمطلوبة خلال فترة قضاها بعيدا عن زوجته بإيطاليا، وأدلى بموجب لفيف[6].
- حث القضاء على ضرورة تحديد تاريخ الازدياد لبيان ما إذا تمت الولادة داخل أمد الحمل الأدنى أم خارجه، ففي قرار للمجلس الأعلى:" أن النسب المدعى به لابد فيه من تحديد تاريخ ازدياد المستأنف بدقة، حتى يمكن القول بأنه ازداد داخل أو خارج المدة المعتبرة شرعا للحوق النسب[7].
- وجاء في قرار للمجلس الأعلى بغرفتين: لئن كان الفراش الشرعي قرينة قاطعة على إثبات النسب فإن ذلك مشروط بأن تكون الولادة ثابتة التاريخ وداخل الأمد المعتبر شرعا بشكل لامراء فيه ولاجدال، وأنه أمام اختلاف الزوجين بشأن تاريخ ازدياد الابن فإنه كان على المحكمة أن تبحث بوسائل الإثبات المعتمدة شرعا، ومنها الخبرة التي لايوجد نص قانوني صريح يمنع المحكمة من الاستعانة بها[8].

إشكاليات تتعلق بإثبات النسب بالفراش :
أثيرت بعض التساؤلات حول بعض الحالات التي تتعلق بثبوت النسب بالفراش وهي :
ـ هل يجب مراعاة أمد الحمل لإثبات نسب الولد بالفراش، حتى ولو أثبتت الخبرة البنوة؟
لابد من مراعاة أقل مدة الحمل وأكثرها لإثبات النسب بالفراش، حتى ولو أثبتت الخبرة البنوة، لكون الخبرة قاصرة على إثبات العلاقة الطبيعية فقط، ولكن الفراش يثبت الإطار الشرعي الذي تكونت فيه هذه العلاقة.

ـ هل تحتسب أقل مدة الحمل بالأشهر القمرية أم الشمسية ؟

طالما أنه لا يوجد في مدونة الأسرة ما يشير إلى هذا، فيمكن الرجوع بشأنه إلى ماهو مقرر في الفقه المالكي الذي يعتمد التقويم القمري وهذا ماكرسه القضاء، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى: أن المحكمة لما اعتمدت التقويم القمري في احتساب أقل مدة الحمل بدلا من التقويم الشمسي فإنها تكون قد طبقت ماهو مقرر فقها وجرى به العمل قضاء[9].
ثانيا : إثبات النسب بالـشبهة:
من أسباب لحوق النسب وإثباته، الاتصال بشبهة، وهي كل مالم يتيقن هل هو حلال أم حرام، وقيل هي الاتصال غير الشرعي بين رجل وامرأة، مع اعتقاد الرجل شرعية الاتصال.
ومن الحالات التي يثبت فيها النسب للشبهة الحالة التي تعتبر من مستجدات مدونة الأسرة التي تتم فيها الخطوبة، ويحصل الإيجاب والقبول، وتحول ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج، ويظهر حمل بالمخطوبة، لكن بشروط وهي: إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتي الخاطب والمخطوبة ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء، ووقع حمل المخطوبة أثناء الخطبة، وأقر الخطيبان أن الحمل منهما.
وتتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن، وإذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب.
وللإشارة فالخطبة واقعة مادية تثبت بجميع وسائل الإثبات، إما بإقرار الخطيبين وأسرتيهما، أو بالشهود، أو بالقرائن كالصور التي تكون بمناسبة الاحتفال بالخطوبة والتي تظهر فيها أسرة الخطيبين، وكذا ما يسمى بتركيب الخاتم، وشرب الحليب وتناول التمر في هذه المناسبة.
القــضـاء:
من خلال التطبيق العملي لهذه المقتضيات أسفر القضاء عن بعض الأحكام يجب أخذها بعين الاعتبار، وفي هذا الصدد:
أوضح القضاء أن مقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة تطبق على المخطوبة التي ظهر بها حمل بعد دخول هذه المدونة حيز التنفيذ لاقبلها[10].
ـ اشترط القضاء لإلحاق النسب بالخاطب للشبهة ثبوت الخطبة الناتج عنها الحمل[11].
ـ القضاء: لم يستجب لطلب إجراء خبرة بعدما تبين له أن هناك علاقة غير شرعية قبل العقد، اعترف بها الزوجان[12].
ـ أوضح القضاء بأن إقرار الزوجين بأن الابن ولد قبل زواجهما من صلبهما، وأثناء خطبتهما يقتضي إلحاقه بهما (محكمة الاستئناف بتازة).
إشكاليات تتعلق بثبوت النسب بالشبهة في الخطوبة:
برزت بعض الحالات بشأن الشبهة في الخطبة، وأثير النقاش حولها، وتتمثل فيما يلي:
ـ هل تطبق مقتضيات المادة 156 على الوقائع التي جاءت بعد صدور مدونة الأسرة، أم تطبق بأثر رجعي على الوقائع السابقة لها؟.
طبقا لقاعدة عدم رجعية القانون، وسعيا إلى معرفة متى يطبق القانون الجديد على الوقائع توجد ثلاث فرضيات.
الأولى: وقوع خطبة قبل صدور المادة 156 نتج عنها حمل ووضع قبل صدور مدونة الأسرة، ففي هذه الحالة -التي نشأت الواقعة واكتملت في ظل القانون القديم- فهو الذي يطبق عليها، وليس المادة 156 المذكورة، لما فيه من تطبيق القانون بأثر رجعي.
الثانية: حصول خطبة قبل صدور المادة 156 من المدونة،  نتج عنها حمل، غير أن وضعه لم يقع إلا بعد صدور مدونة الأسرة، فهنا تطبق هذه المدونة، طبقا لمبدأ فورية القانون الذي يطبق على كل الوقائع التي لم تكتمل، وكذا التي سبقت وجوده من حيث النشوء.
الثالثة: حصول خطبة نشأت وانتهت في ظل مدونة الأسرة فهي تخضع لها.
ـ هل يشترط أقل مدة الحمل في إثبات النسب بالشبهة في الخطوبة، أم أنه قاصر على فراش الزوجية فقط ؟.
من المعلوم أن إثبات النسب في هذه الحالة يكون بالشبهة إذا توفرت الشروط المقررة في المادة 156 من المدونة، لذا يجب مراعاة قاعدة أقل مدة الحمل وأكثرها، حتى يكون الحمل الناتج عن الاتصال بشبهة داخل الأجل القانوني، لكي ينسب إلى المتصل، طبقا للمادة 155 من المدونة، التي تشترط أقل مدة الحمل عند الاتصال بشبهة.

ما الحكم إذا نازع الزوج على أن الولد ليس منه، فهل يمكن إثبات نسبه بوسيلة أخرى؟
في هذه الحالة ينظر ما إذا كانت هناك خطبة سابقة على إبرام عقد الزوج، وما إذا توفرت الشروط المقررة لثبوت نسب الولد بواسطتها للشبهة، لما هو معلوم من أن الخطبة تسبق الزواج.


ثالثا : إثبات النسب  بالإقــرار:
من وسائل لحوق النسب وإثباته إقرار الأب، ولو في مرض الموت، ببنوة ولد مجهول النسب، وفق الشروط المقررة شرعا وقانونا، وهي أن يكون الأب المقر متمتعا بكامل قواه العقلية، وأن يكون الولد المقر به غير معلـوم النسب، وأن لايكذب المستلحق –المقر- عقل أو عادة، وأن يوافق الولد المقربه إذا كان راشدا حين الاستلحاق، وإذا استلحق قبل أن يبلغ سن الرشد فإنه يمكنه أن يرفع دعوى بنفي النسب عند بلوغه سن الرشد.
وللإشارة فلا يكلف الأب المقر بالبينة، ويجب –لاعتبار الاقرار- أن لايصرح المقر أن الولد المقر به من زنى.
وبخصوص الإقرار بالنسبة للأم فإن مدونة الأسرة نصت في المادة 147 على أن البنوة بالنسبة للأم تثبت عن طريق واقعة الولادة، وعند إقرارها بهذه البنوة، طبقا لنفس الشروط المقررة للأب المومأ إليه أعلاه، وفقا للمادة 160 من مدونة الأسرة، وكذا عند صدور حكم قضائي بها.
والخلاصة أن الإقرار الذي يثبت به النسب إلى الأب هو الصادر عنه، أما الإقرار بما فيه تحميل النسب على الغير كالإقرار بالأخوة والأعمام والأجداد فلا يثبت به نسب، فإذا أقر شخص مثلا بأن شخصا آخر أخوه فإن هذا الإقرار لايثبت به نسب الأخ إلى والد المقر، لكون الإقرار حجة قاصرة على المقر فقط، غير أن المقر به يشارك المقر في نصيبه في الإرث.
القــضـاء:
باستقراء العمل القضائي الصادر في الإقرار المعبر عنه بالاستلحاق، تبين أنه تضمن أحكاما مهمة، وفي هذا الصدد:
ـ اعتبر القضاء الإقرار ولو لولد ازداد لأقل من أدنى أمد الحمل، استنادا إلى مافي مدونة الإمام مالك ج 3 ص 146 من أن الزوج إذا أقر بنسب الولد إليه، ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر، فإنه يلحق به على اعتبار أن الرضى بالزواج كان متوفرا قبل كتابة العقد[13].
ـ اعتبر القضاء الإقرار الضمني المتمثل في تنفيذ الأمر القضائي القاضي بتقييد الابن في كناش الحالة المدنية للطاعن[14].
ـ القضاء لم يقبل رجوع المقر- بنسب البنتين في عقد الخلع- في إقراره[15].
إشكاليات تتعلق بالإقرار:
من خلال التطبيق أثيرت بعض الحالات في الإقرار، وتم التساؤل بشأنها وهي:
ـ هل يعتبر الإقرار المضمن في محررات قضائية أو إدارية حجة أمام محكمة الموضوع التي تنظر في دعوى نفي النسب ؟
نعم يعتبر هذا الإقرار حجة أمام المحكمة التي تنظر في دعوى نفي النسب، ذلك أنه كما يثبت الإقرار بإشهاد رسمي وبمحرر عرفي يكتبه المقر بيده وبخطه الذي لا يشك فيه، يثبت كذلك بالمحررات المذكورة، ويسعف في الأخذ به تشوف الشرع إلى ثبوت النسب، والاكتفاء في لحوقه بالظن.
ـ هل يعتد بإقرار المتهم في جريمة الفساد بأن علاقته بالمتهمة علاقة شرعية في ظل خطوبة، وأن الحمل الناتج عنها منه، ويعمد إلى نفيه في دعوى ثبوت النسب من المدعية؟.
إذا أدين المتهم بحكم نهائي فلا يعمل بإقراره، لكون هذا الحكم حجة على أن العلاقة بين الطرفين غير شرعية، وإذا لم يدن بحكم نهائي في جريمة الفساد، فيعتبر إقراره في هذه الحالة أقوى من إثبات النسب بالظن.

ـ هل يمكن الأخذ بإقرار الأب ببنوة ولد ازداد لأقل مدة الحمل ؟

نعم يمكن الأخذ بهذا الإقرار، ويحمل إقرار الزوج -في هذه الحالة- على أن المرأة حملت به قبل العقد عليها، إما بناء على عقد آخر، وإما بناء على عقد فاسد، أو وطء بشبهة، مراعاة لمصلحة الولد، وسترا للأعراض بقدر الإمكان، مالم يثبت أن الولد من علاقة غير شرعية فلا يثبت النسب، لأن النسب نعمة، وهي لاتنال بالمحظور[16] وهو ما كرسه المجلس الأعلى –كما ذكر-.
ـ ما الحكم إذا أقر الزوج بأن الحمل الظاهر بزوجته منه، وادعت الزوجة أنه من غيره فهل يقبل ادعاؤها أم لا؟
العبرة بقاعدة الولد للفراش الذي يعتبر حجة قاطعة على ثبوت النسب ولا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان، أو بواسطة خبرة قضائية تفيد القطع. المادة 153 من مدونة الأسرة.
ـ ما حكم إقرار غير الأب واستلحاقه النسب بالغير وهل يترتب عليه آثر؟
المقرر كقاعدة أنه لايلحق بشخص ولد بإقرار غيره، لكون الإقرار حجة قاصرة على المقر، ولايتعداه إلى غيره، وهكذا فإذا كان الإقرار من بعض الإخوة فإنه يثبت به الإرث ولايثبت به النسب، ولايؤثر على الورثة الذين لم يصدر عنهم إقرار، وإنما على المقر أو المقرين فقط، وجاء في مدونة الأسرة في المادة 161 : لايثبت النسب بإقرار غير الأب.

ـ هل يمكن استلحاق المولود خارج نطاق الزواج ؟
يمكن للأب أن يستلحق المولود خارج نطاق الزواج ويلحق به، شريطة أن لايصرح أنه من علاقة غير شرعية.




رابعا : ثبوت النسب بالخبرة القضائية:
تعتبر هذه الوسيلة من التطورات العلمية الحديثة، ومن نتاج التقدم التقني والتكنولوجي، ويعتبر تبني مدونة الأسرة هذه الوسيلة لإثبات النسب ونفيه، قفزة نوعية، ومن كبريات المستجدات التي جاءت بها في باب النسب، فكيف تعامل القضاء مع هذا المستجد ؟.
القــضـاء:
منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق والقضاء يأخذ بالخبرة الطبية في الأحكام والقرارات لإثبات النسب أو نفيه، ويستجيب لطلب إجرائـها عندما يكون هناك مبـرر، ولا يستجيب له عند عدم توفره، وفي هذا الصدد.
ـ اعتبر القضاء الخبرة الطبية وسيلة لإثبات النسب أو نفيه، ونقض المجلس الأعلى القرار الذي جاء فيه أن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب، ورد بأنها من وسائل الطعن في النسب، إثباتا أو نفيا، طبقا للمادة 153 من مدونة الأسرة[17].
ـ استجاب القضاء لطلب إجراء خبرة في واقعة المدعية التي التمست الحكم بثبوت الزوجية، وإجراء خبرة طبية على المدعى عليه ونفقتها ونفقة ولدها منه، فقضت المحكمة بثبوت الزوجية، بناء على شهادة الشهود، وبالنسب، بناء على الخبرة الطبية، وبالنفقة كأثر لذلك[18].

وقرر القضاء:
ـ عدم الاستجابة لطلب إجراء خبرة طبية لما تبين له أن الولد غير لاحق بنسب الذي ينفيه عنه، لكونه وضع لأقل من أمد الحمل، وجاء عن المجلس الأعلى بأن المحكمة لم تكن في حاجة إلى إجراء خبرة طبية في هذا الشأن، مادام قد تم إبرام العقد، مما يجعل تطبيق مقتضيات المادة 153 من المدونة مستبعدا[19].
ـ عدم الاستجابة لطلب إجراء خبرة، بعلة أن الخبرة القضائية وفق نص المادة 153 من مدونة الأسرة تعالج المنازعة في النسب داخل مؤسسة الزواج وليس خارجها، وأنه لما كانت العلاقة بين طرفي الزواج قد انقضت بطلاق بتاريخ 29/1/1990 وكانت ولادة البنتين بعد ثمان سنوات من تاريخ الطلاق المذكور فإنه لا يمكن اللجوء إلى خبرة قضائية لتحليل الحمض النووي للمستأنف عليه والبنتين المذكورتين (محكمة الاستئناف بالجديدة).
ـ عدم الاستجابة لطلب الخبرة الطبية، لعدم إدلاء الزوج بدليل قوي على ادعائه نفي النسب[20].
ـ عدم الاستجابة لطلب الخبرة الطبية، لعدم ثبوت خطبة بين الطرفين، بعدما تبين للمحكمة أن العلاقة المزعومة الناتج عنها الحمل موضوع النزاع مجرد علاقة فساد، حسبما تثبته وقائع القرار الجنحي[21].
ـ عدم الاستجابة لطلب إجراء خبرة طبية لثبوت الولد بالفراش، وجاء في قرار للمجلس الأعلى بأن المحكمة لما اعتبرت نسب الولد ثابتا لأبيه، بناء على قاعدة" الولد للفراش" تكون قد أقامت قضاءها على وثائق لها أصلها بالملف، وعللته تعليلا كافيا، وهي غير ملزمة بإحالة طلب إجراء خبرة، مادام قد اتضح لها وجه الحكم في القضية[22].
ـ عدم الاستجابة لطلب إجراء خبرة طبية من المقر المتراجع عن إقراره، لعدم إدلائه بدلائل قوية، تدحض إقراره، المنجز تحت عدد 247 وتاريخ 3/12/2002 [23].
ـ عدم اعتبار ماأسفرت عنه الخبرة الطبية عندما يكون نسب الولد ثابتا بالفراش، وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس الأعلى : أن المحكمة المطعون في قرارها لما بنت قضاءها على أنه إذا ولدت الزوجة بعد فراق ثبت نسب الولد إذا جاءت به خلال سنة من تاريخ الفراق، وأنه ثبت أن الطالب طلق زوجته المطلوبـة بتاريـخ 2/2/1996 وأن الطفلـة .... ولـدت بتاريـخ 13/9/1996 من أبويها ........................... داخل سنة من تاريخ الفراق، وأن نسبها ثابت لأبيها، طبقا لمقتضيات الفصل 76 من مدونة الأحوال الشخصية.
وأنها لما عللت بأن الحكم الأجنبي المحتج به الصادر عن محكمة المنازعات الكبرى بمولهوز بفرنسا حكم بأن المدعى عليه ليس أبا للطفلة المذكورة، اعتمادا على دراسة الدم وتحليله لنفي نسب البنت عنه، يعتبر مخالفا لمقتضيات الفصل المذكور، وأنه كان في وسع الزوج الطاعن نفي النسب عن طريق اللعان، وأنه ثبت لقضاء الموضوع أن البنت المولودة داخل السنة بنت للمدعى عليه، وأنه ملزم بالانفاق عليها.
وأنها لما اعتبرت استدلال الطاعن بالاتفاقية المغربية الفرنسية المؤرخة في           10/8/1981 التي تنص في فصلها الرابع على أنه لايمكن العدول عن تطبيق قانون إحدى الدولتين بمقتضى هذه الاتفاقية من طرف محاكم الدولة الأخرى إلا إذا كان منافيا، بصفة واضحة للنظام العام – في غير محله، واستبعدتها ضمنيا، لكون القضية تخضع لمقتضيات مدونة الأحوال الشخصية (الفصول 83-84-85-86-89 ).
تكون قد ردت على الدفوع المثارة، وعللت قرارها تعليلا كافيا، مما يكون معه الفرع والوسيلة على غير أساس ... قرار عدد 658 صادر في 30/12/2004
إشكاليات تتعلق بالخبرة الطبية :
أثيرت بعض الإشكاليات حول الخبرة الطبية لإثبات النسب، وتتجلى فيما يلي:

ـ حالة امتناع الزوج من إجراء خبرة طبية عليه في دعوى نفي النسب :
إن عدم الامتثال لما يتطلبه القضاء يكون له أثره، وفي هذا الصدد يعتبر عدم امتثال الزوج للحكم التمهيدي بإجراء خبرة طبية عليه قرينة على عدم صحة ادعائه إذا كان مدعيا، وقرينة على صحة ماجاء في مقال المدعية إذا كان مدعى عليه.
ـ حالة تعذر إجراء خبرة طبية على الحامض النووي للشخص بسبب وفاته.
في هذه الحالة يمكن أن تستعمل جميع وسائل الإثبات المقررة شرعا، كشهادة عدلين، أو بينة السماع، لما هو مقرر من أنه "لاتعجيز في النسب"، ولأن المشرع متشوف إلى ثبوت النسب، وحريص على حفظه، كما يمكن – طبيا - إجراء الخبرة (البصمة الوراثية) ولو على بقايا العظام، لكن يجب مراعاة المقتضيات التي تتعلق باستخراج الجثة من القبر.

ـ هل سلوك دعوى نفي النسب عن طريق الخبرة يغني عن سلوك مسطرة اللعان ؟

إذا اختار الزوج سلوك مسطرة الخبرة وكانت نتيجتها إيجابية، فإنها تغني عن مسطرة اللعان، إذ لافائدة من استصدار حكم بنتيجة تحققت مع الخبرة، أما إذا كانت نتيجتها سلبية فلا تسلك مسطرة اللعان، لكونها مقيدة بأجل محدد.
ـ من يحق له المطالبة بإجراء خبرة طبية تتعلق بالنسب؟
حفاظا على الأنساب، وسترا للأعراض فلا يحق طلب إجراء خبرة طبية إلا لمن خوله القانون ذلك، وفي هذا الصدد يطلب الخبرة الزوج الذي يريد نفي النسب، طبقا للمادة 153 من مدونة الأسرة، وكذا الورثة عند المنازعة في الاستلحاق، طبقا للمادة 160 من المدونة، كما يطلبها كل من له مصلحة في إثبات النسب.
ـ هل يمكن للمحكمة أن تأمر تلقائيا بإجراء خبرة طبية أم أن ذلك قاصر على من يعنيه الأمر؟
نظرا لكون مجال القضاء الأسري وثيق الصلة بالنظام العام يمكن للمحكمة أن تأمر تلقائيا بإجراء خبرة، لما لها من كامل الصلاحية في تقدير نتائج الخبرة وكذا في إجراء خبرة مضادة.

خامسا : إثبات النسب بشهادة عدلين:
بالإضافة إلى مايثبت به النسب من الفراش، والإقرار، والشبهة، يثبت أيضا بشهادة عدلين، والمقصود بهما العدلان المنتصبان للشهادة بصفة رسمية، ذلك أن مما يثبت بشهادة شاهدين في الفقه المالكي النسب.
والمراد هنا الشهادة العلمية التي يستند فيها العدلان إلى ما يعلمانه من وقوع الشهادة، حيث يكون سند هذه الشهادة علمهما الشخصي.

سادسا : إثبات النسب بشهادة السـمـاع :
يثبت النسب بشهادة السماع التي يعمل بها في عدة مواضع، ومنها النسب، وهي أن يسند الشاهد شهادته فيها إلى سماع من غير معين، وصيغتها أن يقول الشهود سمعنا أو لم نزل نسمع سماعا فاشيا من أهل العدل وغيرهم بأن فلانا ابن فلان، أو أنه ولده، ويشترط -لاعتمادها -أن تكون متوفرة على شروط قبولها المقررة في الفقه المالكي، ففي التحفة لابن عاصم: وأعملت شهادة السماع إلخ... وشرطها... إلخ {البهجة على التحفة ج 1 ص 137}.


القــضـاء:
اعتبر القضاء البينة من وسائل إثبات النسب، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى بأن المحكمة لما عللت قرارها أن المطلوب من مواليد 1940 وأن الناس كانوا يعقدون على زوجاتهم خلال هذه الفترة عن طريق الجماعة، أو مايسمى بـ "الفاتحة" دون تحرير عقود الزواج، وقد أسسته على الموجب اللفيفي 681 الذي شهد شهوده بثبوت العلاقة الزوجية بين الطرفين، ومعلوم أن البينة من وسائل إثبات النسب... جاء بذلك قرارها المطعون فيه معللا تعليلا كافيا[24].

المحور الثالث : نفي النسب :
نظرا لما للنسب من أهمية كبرى، لاتخفى، ونظرا لما لنفيه من خطورة، لكونه يجرد الولد من نعمة النسب، كان لا بد من التحري و اليقين بشأنه، وهذا ماجاءت به مدونة الأسرة، حيث نصت في المادة 151 على أن النسـب يثبت بالظن، ونصت -في المادة 158- على أن من بين وسائل إثباته الخبرة القضائية، وفي المادة 16 على أن المحكمة تعتمد سائر وسائل الإثبات، وكذا الخبرة بالنسبة لثبوت الزوجية من غير تقييدها في كل ماذكر بأن تكون قطعية، بينما في المادة 153 اشترطت- المدونة- أن تكون الخبرة الطبية التي يمكن الاعتماد عليها في نفي النسب، مفيدة للقطع، وفي هذا الصدد فقد نصت مدونة الأسرة على أنه لا يمكن الطعن في قاعدة: الولد للفراش إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين:
ـ إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على ادعائه.
ـ صدور أمر قضائي بهذه الخبرة.

القــضـاء:
من خلال تتبع بعض الأحكام الصادرة في نفي النسب تبين أن القضاء تعامل معه وفق فلسفة المشرع وذلك بالتحري في دعاوى نفيه.
- وفي هذا السياق قرر القضاء أن النسب الثابت بالفراش الصحيح الذي يعتبر حجة قاطعة على ثبوته لا يمكن نفيه شرعا إلا عن طريق اللعان، أو الخبرة الطبية، إذا توفرت شروطهما[25].
ومن شروط نفي النسب باللعان استبراء الزوجة، والقيام بفورية مسطرة اللعان، أما نفي النسب بواسطة خبرة فاشترط فيها المشرع أن تكون تفيد القطع، واشترط قبل الأمر بها أن يدلي الزوج بدلائل قوية على ادعائه، واشترط بعده، أن يصدر بها أمر قضائي.
ومعـنى الاستبراء، هو أن يدعي الزوج أن رحم زوجته بريء من مائه وخال منه بأحد أسباب الاستبراء المحددة شرعا، ومنها الحيض، أو وضع حمل سابق فإن ظهر بها حمل فيعتمد على هذا الاستبراء وينفي الحمل عن نفسه ويسلك مسطرة اللعان منه.
ومعنى القيام بفورية مسطرة اللعان أن يعجل الطالب للعان بسلوك مسطرته فور العلم بالحمل والوضع، فإن أخر سلوك المسطرة بلا عذر فلا يقبل طلبه.
والدلائل القوية كل الحجج التي تفيد عدم تأتى الاتصال بالزوجة، وكذا تلك التي تؤكد عدم القدرة على الإنجاب كحالة الخصي والمجبوب.
وقرر القضاء عدم الاستجابة لطلب إجراء خبرة طبية عند عدم إدلاء الزوج بدليل قوي على ادعائه[26].
ـ كما قرر القضاء عدم الالتجاء إلى الخبرة الطبية بخصوص نفي النسب إلا بعد الإدلاء بالحجج المثبتة لكونه كان عقيما قبل حصول الحمل (محكمة الاستئناف بتازة).
إشكاليات تتعلق بنفي النسب :
تبين من خلال الجانب التطبيقي أن هناك بعض الحالات أثير التساؤل بشأنها وهي:
    
ـ هل نفي النسب حق للزوج فقط أم يمكن ممارسته حتى من طرف الغير؟
يجب التفريق بين ما إذا كان النسب ثابتا بالفراش، ففي هذه الحالة لا يمكن الطعن فيه إلا من طرف الزوج وحده، ووفق الشروط المقررة في المادة 153 من مدونة الأسرة، وما إذا كان ثابتا بوسائل الإثبات الأخرى فيمكن الطعن فيه من كل من له مصلحة كالورثة.
ـ ماهو مفهوم الدلائل القوية التي بجب على الزوج إدلاؤه بها لنفي النسب، طبقا للمادة 153 من المدونة؟:
الدلائل القوية ليسـت محصورة في حـالات معينة، وإنما هي كل الأدلة التي تؤيـد-بقوة- ادعاء الزوج نفي الولد عنه، ومنها على سبيل المثال شهادة الشهود لنفي النسب، وإثبات أن الزوج مصاب بالعقم، أو أنه كان معتقلا أكثر من سنة قبل الولادة ولم يتصل بزوجته، أو أنه مجبوب، أو خصى أو عنين، أو أسير في الحرب، وكذا كل الحجج التي تفيد بيقين عدم تأتي اتصال الزوج بزوجته، وكذا كل الحجج التي تفيد عدم قدرته على الإنجاب، كحالة الخصى والعنين والمجبوب.
ـ ما الحكم إذا سلك الزوج مسطرة اللعان لنفي النسب وطلبت الزوجة إجراء خبرة طبية لإثبات نسب الولد؟
طالما أن الخبرة الطبية أصبحت من وسائل إثبات النسب أو نفيه، وطالما أن اللعان لا يلجأ إليه إلا حينما تنعدم وسائل الإثبات الأخرى، لقوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم[27]، ورعيا لأهمية النسب الذي يتشوف الشرع إلى ثبوته، وسترا للأعراض، يبدو أن تعتمد الخبرة أولا، وعلى ضوئها يتحدد ما إذا كان اللعان مايزال مطروحا أم لا؟.
وفي هذا الصدد ومن أجل الاطلاع والاستئناس عرضت واقعة على القضاء المصري تتعلق بنفي نسب بنت، بناء على طلب من الزوج، ولما تم اللعان بين الزوجين أجابت المحكمة الزوجة بإحالة البنت على الطب الشرعي الذي أثبت نسبها من الزوج الملاعن، فعرضت المحكمة القضية على دار الإفتاء المصرية، فقررت التفريق بين الزوجين المتلاعنين، وإثبات نسب البنت إلى والدها الملاعن.
وعللت المحكمة حكمها بأن الزوجة وضعت الطفلة بعد أكثر من ستة أشهر، وقبل مرور سنة شمسية من تاريخ الوطء والغيبة، وأن إمكانية حدوث الحمل من الزوج والتلافي بينهما قائمة من عقد القران، وأن الثابت شرعا "الولد للفراش"، وأن أثر اللعان يقتصر على درء الحد عن الزوج، والتفريق بين الزوجين دون أن يؤثر على نفي نسب الطفلة حتى لو نفاه الأب، لأن ذلك حق الشرع، والشارع يتشوف إلى إثبات النسب، حفاظا على مصلحة الطفل وعدم تضيعه، ولأن الواقعة لا يوجد فيها ما يدل على نفي النسب، خاصة وأن الزوج دخل بالزوجة وعاشرها معاشرة الأزواج، وأن التحاليل الطبية أثبتت، بفحص الحامض النووي أن الطفلة "ب" تحمل الصفات الوراثية للمدعي والدها، والمدعى عليها والدتها، فلا يمنع من نسب الطفلة لوالدها للعمل بالدليل العلمي، قياسا على إثبات الرسول صلى الله عليه وسلم النسب بالشبه للزوج صاحب الفراش، فيقاس عليه-من باب أولى– ما يقرره العلم عن طريق الفحوصات والتحاليل الطبية المثبتة للنسب، لأنه أقوى من مجرد التشابه في الشكل الذي أخذ به الرسول صلى الله عليه وسلم في إثبات النسب، وعلى الزوج والزوجة أن يرعيا حق الله[28].

المحور الرابع : الآثار المترتبة عن إثبات النسب :
إذا ثبت النسب بزواج صحيح، أو فاسد، أو بشبهة، أو بالاستلحاق فإنه تترتب عليه جميع نتائج القرابة، وأحكام النسب، وآثاره، ومن هذه الآثار :
-       حقوق وواجبات الأبوة، حيث يصبح الوالد المقر، أبا للمقر به، ووالد المقر جدا له وهكذا
-       حقوق وواجبات البنوة، إذ يصبح الولد المقر به ابنا للمقر.
-       جميع الصلات النسبية، من أخوة وعمومة وغيرها، حيث يصبح أولاد المقر إخوة للإبن المقر به.
-       موانع الزواج، وذلك بمنع الزواج بالقرابة، وفق موانع الزواج المقررة.
-       واجبات النفقة، حيث تجب نفقة كل من المقر والمقر به على الآخر، طبقا للمقتضيات المقررة في هذا الصدد.
-       حق الإرث، إذ يرث كل من المقر والمقر به في الآخر، طبقا للمقتضيات المتعلقة بأحكام الإرث.






[1] قرار المجلس الأعلى عدد 313 صادر في 13/4/2005.
[2] قرار المجلس الأعلى عدد 622 الصادر في 10/5/1988.
[3] قـرار المجلس الأعلى عدد 04 الصادر في4/1/2006.
[4] قرار المجلس الأعلى عدد 272 الصادر في 3/5/2006.
[5] قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 16/2/1999.
[6]  -  قرار المجلس الأعلى عدد 554 الصادر في 27/9/2006.
[7] قرار المجلس الأعلى الصدر بتاريخ 28 أكتوبر 1997.
[8] قرار المجلس الأعلى عدد 150 الصادر في 9 مارس 2005.
[9]  -  قرار المجلس الأعلى عدد 43 الصادر في 18/1/2006.
[10] قرار محكمة الاستئناف بأكادير عدد 744 الصادر في 25/7/2006.
[11] قرار المجلس الأعلى عدد 264 الصادر في 26/5/4/2006.
[12] قرار المجلس الأعلى عدد 289 الصادر في 10/5/2006.
[13] قرار المجلس الأعلى عدد 553 الصادر في 27/9/2006.
[14] قرار المجلس الأعلى عدد 41 الصادر في 18/1/2006.
[15] قرار المجلس الأعلى عدد 4 الصادر في 4/1/2006.
[16]  -  د وهبة الزحيلي ج 10 ص 7257-7267.
[17] -  قرار المجلس الأعلى عدد 37 الصادر في 18/1/2006.
[18] حكم رقم 94 صدر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 18/1/2007 في الملف عدد: 3987-33-05.
[19] قرار المجلس الأعلى عدد 313 الصادر في 13/4/2005.
[20] قرار مجلس الأعلى عدد 939 الصادر في 15/11/2006.
[21] قرار المجلس الأعلى عدد 264 الصادر في 26/4/2006.
[22] قرار المجلس الأعلى عدد 545 الصادر في 27/9/2006.
[23]  - قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد: 677 الصادر في 19/3/2007.
[24] قرار المجلس الأعلى عدد 30 الصادر في 30/11/2005.
[25] قرار المجلس الأعلى عدد 04 الصادر في 4/1/2006.
[26] قرار المجلس الأعلى عدد 939 الصادر في 15/11/2006.
[27] -  سورة النور، الآية 6.
[28] انتهى بتصرف من (شرح مدونة الأسرة للدكتور محمد الكشبور ج 2 ص 316-317).
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *