-->

آثار نظام الوقف

مقدمة:
لقد أصبح من المسلمات أن الوقف الخيري يعتبر أحد مظاهر الرقي الحضاري لأمة الإسلام، فالمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن معارف الوقف نهضت بالأمة وغطلت غالب احتياجاتها في كافة مناحي الحياة[1]، فلقد ساهم الوقف على مر التاريخ في تأمين الحاجات الأساسية للمجتمعات ولفئاتها المعوزة، حتى أصبح من المستحيل الإستغناء عنه، ليس فقط بالنسبة للمجتمع بل وأيضاً بالنسبة للدولة التي وجدت فيه تعويضاً لتقصيرها وركيزة أساسية تستند عليها لمعالجة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية أو على الأقل الحد من تفاقمها، وهذه الوظائف بالإضافة إلى كثرتها لم تقتصر على مجال دون آخر، بل كانت عامة وشاملة فشملت مجال الشعائر التعبدية، ومجال العلم والتعليم، ومجال التطبيب والرعاية الصحية، ومجال الخدمات العامة وأعمال التضامن الإجتماعي على اختلاف أنواعها، ووظائف الوقف ظلت متجددة بتجدد الحاجات المجتمعية، حيث نجد أن المجتمعات السابقة للإسلام عرفت فقط أشكالاً أولية من الأوقاف، فقد كان الشائع والمعروف عندها هو وقف أماكن العبادة من بيع ومعابد، وكذا الوقف على الفقراء والمساكين من خلال الكهان وغيرهم من رجال المعابد، ووجد كذلك شكل أولي من الوقف على المكتبات عند متأخري اليونان والرومان.
ولكن الطفرة أو النقلة في الوقف إنما جاءت مع المجتمع الإسلامي، حيث تعددت أغراضه وتنوعت أهدافه وانتقل من الصعيد الديني إلى الصعيد المجتمعي، فتم تعريفه من خلال الآية الكريمة مصداقاً لقوله تعالى: "وقفوهم إنهم مسؤولون"[2]، والمعنى المراد به هنا احبسوهم، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"[3].
وبالتالي يقصد بالوقف من الناحية الإصطلاحية: "حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على الفقراء أو على وجه من وجوه البر".
كما أدرك المسلمون في عهد الصحابة أهمية الوقف التنموية، فابتكروا الوقف الذري الذي يهدف إلى تكوين رأس مال يعين أولاد الواقف وذريته على زيادة دخولهم وإيراداتهم المستقبلية.
كما توسعوا في مفهوم الوقف الإستثماري الذي يقصد إلى التنمية الإقتصادية البحتة، وبذلك أعطى المسلمون للوقف وجهاً جديداً اقتصادياً وأقاموا للمرة الأولى في تاريخ البشرية مؤسسات اقتصادية طويلة الأمد تقوم على مبدأ خدمة المجتمع بشكل هو أشبه ما يكون بما يسمى اليوم بمؤسسات المجتمع المدني. فما إن مضى القرن الثالث الهجري حتى وجدنا المجتمع الإسلامي قد توسع وتفنن في الأغراض الوقفية حتى لم تبق مصلحة اجتماعية أو منفعة عامة إلا وقد شملها، بل إن الأوقاف الإسلامية قد أخذت على عاتقها قطاعين كبيرين من الخدمات الإجتماعية هما قطاع التعليم وقطاع الصحة، فازدهر هذان القطاعان ازدهاراً لم يعرفه أي مجتمع آخر[4].
إلى أن جاءت نكبة التخلف التي حلت بلاء في بلاد المسلمين، فأتت على كثير مما بناه الأجداد، وكان نصيب الأوقاف من ذلك التخلف والهدم وافراً، فتعطلت هذه المؤسسة الإجتماعية عن الكثير من عطائها، وأهملت الأملاك الوقفية، وبعد ذلك جاء الإستعمار الغربي ليستهلك ما تبقى من أملاك الأوقاف، ومع ذلك فمازالت أملاك الأوقاف الإسلامية كثيرة وطائلة إذا ما أحسن استثمارها وأعيد تنظيم إدارتها واعتني بتنميتها، والمغرب يعتبر واحداً من الدول العربية الإسلامية التي نظمت هذا المجال وأخضعت الأوقاف في البداية للإدارة الفردية أو العائلية تحت إشراف القضاء، ومن ثم تم إسناد أمر تسييرها إلى مؤسسات معينة قصد القيام بتحسين مردوديتها، سواء الإقتصادية أو الإجتماعية أو الثقافية، وهكذا أخذت الحكومة زمام أمر الأوقاف بيدها ببسط ولاية مباشرة عليها متمثلة أساساً في إدارة الأحباس والتي أصبحت ابتداء من يونيو 1961 تحمل اسم وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، وقد استمر الوضع على ما هو عليه إلى سنة 1976 حيث صدر ظهير شريف رقم 1.75.300 المؤرخ في 12 ربيع الثاني 1396 (1961) في شأن تنظيم واختصاصات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية معاً، وتوالت بعد ذلك مجموعة من الظهائر التي تم نسخها ولم يرد أي مستجد في متضمناتها، إلى غاية صدور الظهير الشريف الصادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) المتعلق بمدونة الأوقاف، على اعتبار أنها أول تجربة مغربية في مجال تقنين الأوقاف، وكما جاء في ديباجتها: "تجمع الأحكام الفقهية المتناثرة للوقف، وتحسم التضارب في أمورها المختلفة، وتعيد تنظيم أحكامه القانونية شكلاً ومضموناً، بما يضمن تقيدها بأحكام الفقه الإسلامي ويضفي عليها طابعاً عصرياً متميزاً". وبذلك يكون الوقف المغربي قد اكتسى فعلاً من خلال هذه المدونة ثوباً جديداً[5].
وبناء على ما سبق، نخلص أن الوقف كان له الأثر في تطور مؤسسة الأحباس من حيث قدرته على التجديد والإستجابة لمستجدات الواقع[6]، بالإضافة إلى إفرازه لمجموعة من الآثار التعاقدية بين الطرفين فيما يخص التزاماتهما المتبادلة، وكذا جملة من الآثار الإقتصادية والإجتماعية وأهم رهاناتها المطروحة.
وتبقى أهم التساؤلات المطروحة في هذا الصدد هي:
ما هي أبرز آثار الوقف؟ وكيف قننت مدونة الأوقاف هذه الآثار؟ وهل يمكن القول أن ما أقدمت عليه هذه المدونة يمكن اعتباره تجديداً فقهياً مقاصدياً بامتياز أم مجرد قالب تشريعي جديد جاء في خضم ترسانة تشريعية شاملة؟
وسنحاول الإجابة عن هذا الإشكال من خلال التقسيم التالي:
المبحث الأول: الآثار التعاقدية للوقف
المبحث الثاني: الآثار الإقتصادية والإجتماعية للوقف ورهاناته
المبحث الأول: الآثار التعاقدية للوقف
لم يكن في النصوص القانونية المنظمة للأحباس قبل مدونة الأوقاف أي مقتضى قانوني سن كيفية إنشاء الوقف أو الآثار المترتبة عليه، وهو ما كان يعني ضرورة الرجوع إلى الفقه في هذه المسألة، ووعياً بأهمية تنظيمها بأحكام حاسمة تضع حداً للإختلاف، بادر المشرع في المدونة إلى تخصيص الفصل الثاني من الباب الأول من هذه المدونة إلى الحديث عن الآثار المترتبة عن الوقف بين المتعاقدين (المطلب الأول)، كما نظمت جملة من التصرفات الجارية على الأموال الموقوفة، ويعتبر الكراء نموذجاً لهذه التصرفات وأبرز طريقة سمح من خلالها المشرع بأن تستثمر الأموال الوقفية بموجب ظهائر شريفة نظمت قواعد شكلية وأخرى في الموضوع تهدف إلى حماية الأوقاف العامة من الغبن عن طريق منحها عدة امتيازات تجاه المتعامل معها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الآثار التعاقدية للوقف وحالات انقضائه
نصت المدونة في الفصل الثاني من الباب الأول على الآثار التي تترتب عن الوقف بعد إنشائه مستجمعاً لأركانه مستوفياً لشروطه، وفي ذلك نظمت الآثار التعاقدية للوقف (الفقرة الأولى)، وكذا حالات انقضائه (الفقرة الثانية).


الفقرة الأولى: الآثار التعاقدية للوقف
يترتب عن عقد الوقف مجموعة من الآثار على أطرافه، وهذا ما سنخصص الحديث عنه وفق الشكل الآتي:
أولاً: بالنسبة للواقف
نصت المدونة على أنه لا يمكن الرجوع في الوقف إلا في حالتين، هما حسب مقتضى المادة 37 من مدونة الأوقاف:
1-   إذا تعلق الوقف بموقوف عليه سيوجد مستقبلاً وقام الواقف بتفويت الموقوف قبل وجود الموقوف عليه، والعلة في ذلك أن عقد الوقف هنا لم تكتمل أركانه كلها.
2-   إذا اشترط الواقف الرجوع عنه عند افتقاره، ففي هذه الحالة يكون الرجوع عن تنفيذ الشرط مشروع من الواقف الذي يبقى أولى بماله من غيره[7].
أما بالنسبة لباقي التزامات الواقف فهي:
·      الواقف مسؤول عن العمد والخطأ الجسيم الذي يضر بالوقف[8].
·      الواقف غير ملزم باستحقاق المال الموقوف ولا بضمان العيوب الخفية[9].
·      لا يتوقف الحوز على إذن الواقف ويجبر عليه إن امتنع عنه[10].
ثانياً: بالنسبة للموقوف عليه
ينبغي على الموقوف عليه التقيد بشروط الواقف وألفاظه باعتبارها هي المعبرة عن الإرادة التي كانت هي السبب في نشوء الوقف، ويتم التعامل معها بنفس ما يتعامل به مع النص الشرعي، لا من حيث ضرورة التقيد بها فقط، وإنما أيضاً من حيث كيفية فهمها، وهكذا نصت المدونة على ضرورة التقيد بشروط الواقف إذا كانت واضحة وممكنة التنفيذ[11]، فإذا كانت غامضة، يبحث عن قصد الواقف[12].
أما إذا تعارضت بنود عقد الوقف، فيجب الجمع بينها ما أمكن قبل اللجوء إلى ترجيح ما يحقق مصلحة الوقف أكثر.
ونصت المدونة على أنه إذا اقترن الوقف بشرط غير مشروع أو استحال تنفيذه صح الوقف وبطل الشرط[13].
أما من حيث حقوق الموقوف عليه:
·      يحق للموقوف عليه استغلال واستعمال المال الموقوف وفق شروط الواقف، وكذلك يجوز له تفويت الإنتفاع به للغير بشرط أن لا يكون الوقف مقصوراً على شخصه[14].
·      يحق له التمتع بجميع الحقوق المقررة على العقار إذا انصب الوقف على العقار[15].
·      إذا تعلق الوقف بأرض فإن ذلك يشمل انتفاع الموقوف عليه بكل المنشآت والأغراس فوقها[16].
·      يجوز للموقوف عليه ترتيب حقوق عينية لفائدة عقار بغية الزيادة في قيمته[17].
·      في حالة إنشاء بناءات أو منشآت من طرف الموقوف عليه أو الغير على عقار الموقوف دون رخصة من إدارة الأوقاف، فإما أن تحتفظ به هذه الأخيرة أو تلزمه بإزالتها على نفقته[18].
·      لا يلزم الموقوف عليه بإعادة بناء ما تهدم إلا إذا كان ناتجاً عن خطئه أو إهماله[19].
ثالثاً: بالنسبة للمال الموقوف عليه
ذهبت المدولة إلى أن الموقوف عليه يمكنه استعمال المال الموقوف واستغلاله وفق شروط الواقف، إلا أن الموقوف عليه باعتباره غيراً بالنسبة للوقف يبقى مسؤولاً عن إضراره بالموقوف وعدم المحافظة عليه. أي أن مسؤوليته تجاه الوقف هي مسؤولية حارس الشيء[20].
ويترتب على اكتساب المال لصفة الوقف العام عدم جواز حجزه أو كسبه بالحيازة أو التقادم[21]، وكذلك يبقى غير قابل للبيع، وسنسلط الضوء على هذه النقاط باختصار:
أ ـ عدم القابلية للتصرف:
هنا ينبغي أن نميز بين المنقولات والعقارات، فبالنسبة لهذه الأخيرة، فإن المبدأ المسلم به هو عدم جواز بيعها إلا في حالات استثنائية، إذ يمكن بيع العقار في حالة الإضطرار بترخيص من السلطة لأجل المنفعة العامة، مثل توسيع مسجد أو طريق عام.

ب ـ عدم القابلية للتقادم:
يعتبر هذا المبدأ نتيجة طبيعية للوقف وعدم القابلية للتصرف فيه، فمادامت الأوقاف غير قابلة للتصرف فهي في مأمن من كل تقادم.
وقد أقر المذهب المالكي هذا المبدأ، وعليه درج الإجتهاد القضائي المغربي للمحاكم، وفي هذا الصدد نجد بكل وضوح حكماً صادراً عن قاضي فاس بتاريخ 20 شوال 1331 هـ الموافق لـ 12 غشت 1916 المؤيد بقرار 14 غشت 1917 يؤكد على مبدأ عدم قابلية الأوقاف للتقادم ويؤكد صحته.
ج ـ عدم القابلية للحجز:
إن الممتلكات الموقوفة غير قابلة للحجز مادامت خارجة عن إطار المعاملات، ولا يمكن أن تكون موضوع ديون ممتازة أو بيع جبري[22].
الفقرة الثانية: حالات انقضاء الوقف
نصت المدونة على أربع حالات ينتهي فيها حق الموقوف عليه في الإستفادة من الوقف وهي:
1-   وفاته حقيقة أو حكماً.
2-   زوال الصحة التي استحق بها الإستفادة من الوقف.
3-   تنازله عن حقه ما لم يكن مقصوراً على شخصه.
أما انتهاء الوقف نفسه فيكون في حالتين هما:
1-   انتهاء مدته إذا كان مؤقتاً.
2-   هلاك الأصول الوقفية دون إمكانية تعويضها، فإن أمكن التعويض فلا ينتهي الوقف وإنما يتحول إلى العين المعوض بها[23].
المطلب الثاني: آثار الوقف الجارية على عقد الكراء نموذجاً
إن الوقف؛ عاماً كان أو معقباً أو مشتركاً؛ هو حسب المادة الأولى من مدونة الأوقاف للمملكة المغربية: "كل مال حبس أصله بصفة عامة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة".
والظاهر من هذا التعريف أن الوقف لا يحقق الغرض المتوخى منه إلا من خلال ما يدره المال الموقوف من ثمار ـ غلة ـ أو منتجات، وإذا كان استمرار هذه الغلة بمعناها الواسع يستوجب العمل على حفظ الشيء الموقوف المغل، فإن حسن تدبير هذا الشيء المغل يقتضي الحرص على تنمية الغلة بكل تصرف مشروع من شأنه أن يفضي إلى توسيع وعائها، وهذه النظرة هي التي صدرت عنها مدونة الأوقاف المغربية في المادة 60[24] منها عندما نظمت بالأساس جملة من التصرفات الجارية على الأموال الموقوفة وقفاً عاماً أو منعت تصرفات أخرى لما قد ينتج عنها من الإضرار بحفظ الوقف وتنميته كعقد المغارسة[25]، والتصرفات التي يسمح بجريانها على الأموال الموقوفة منها ما هو أصل في استغلال المال الموقوف وقفاً عاماً ومنها ما هو استثناء[26].
وإذا غضضنا الطرف عن التصرفات الموصوفة بالإستثناء، قلنا أن كل تصرف لا يفضي إلى فقدان أصل المال المحبس بنقل ملكيته وقف عند حد منفعة هذا المال يعتبر أصلاً في استغلاله، ولقد نظمت مدونة الأوقاف المغربية من هذه التصرفات الواقعة على منفعة المال الموقوف وقفاً عاماً تصرفين هما الكراء وبيع منتوج الأشجار والغلات ومواد المقالع. غير أن الكراء يبقى هو النموذج في التصرفات المعتبرة أصلاً، ولذلك نرى الإقتصار عليه في هذا المطلب.
ويستفاد من قراءة أحكام الكراء في مدونة الأوقاف المغربية أن المشرع قد استحضر عند صياغة هذه الأحكام كل القوانين التي كانت تنظم مادة الكراء للمال الحبسي منذ سنة 1913، وهو التاريخ الذي صدر فيه الظهير الشريف المتعلق بنظام تحسين حالة الأحباس العمومية، باعتباره أول قانون في هذا الصدد[27] دون أن يتغافل عن استحضار أحكام الكراء في كل من القانون المغربي للإلتزامات والعقود والقوانين الخاصة بكراء الأماكن المعدة للإستعمال السكني أو المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي[28]، والتخفيض من مبلغ الكراء لفائدة بعض فئات مكتري الأماكن المعدة للسكنى ومراجعة ما يسمى بالسومة الكرائية، كما أن المشرع قد أخذ في الإعتبار عند إضافة ما يبلور جوانب المعاصرة إلى ما تكرسه المدونة من مظاهر أصالتها[29] ضرورة توفير ما يلزم من الحماية للمال الموقوف وقفاً عاماً حتى عندما يتعلق الأمر بكرائه دون التقصير في توفير الضمانات للمكتري ولو لم يكن مستهلكاً.
ويمكن أن نلمس هذا من خلال آثار عقد الكراء من زاوية ما يرتبه من التزامات على عاتق كل من عاقديه، فالمدونة نظمت الأحكام الخاصة بالتزامات المكتري، وهي حقوق للمكري (الفقرة الأولى)، كما نظمت التزامات المكري، والتي هي حقوق بالنسبة للمكتري (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التزامات مكتري المال الموقوف
إن الأحكام المنظمة لالتزامات المكتري في مدونة الأوقاف لا تخرج على العموم عما هو منصوص عليه من الأحكام العامة للكراء في ق.ل.ع أو من الأحكام الخاصة مثل كراء ما هو معد للإستعمال السكني أو المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي، وحسب هذه الأحكام العامة والعامة للكراء العادي، فإن المكتري يتحمل جملة من الإلتزامات وهي على الشكل الآتي:
أولاً: التزام المكتري بأداء الكراء
إن الكراء بمعناه الدقيق هو العرض المقدم قصد التمتع بمنفعة العين المكراة، وهذا المعنى الدقيق احترمته مدونة الأوقاف أحياناً[30]، لكنها عبرت عنه أيضاً بالسومة الكرائية[31] أو بالوجيبة الكرائية[32].
والكراء أو السومة أو الوجيبة الكرائية التي يلتزم بها المكتري هي تلك التي تسفر عنها نتيجة للسمسرة أو طلب العروض أو التراضي في الإتفاق المباشر. وهذا الكراء لا يقبل المراجعة أثناء مدة العقد من طرف المكتري بالإعفاء أو التخفيض[33] ما لم تتوفر الشروط التي حددتها المادة 101[34] من مدونة الأوقاف لإمكانية الإعفاء أو التخفيض المؤقت من الكراء في العقد الواقع على عقار فلاحي[35].
وبالتالي تنبغي الإشارة إلى أن المنطق يقتضي أن يشرع المكتري في أداء الكراء[36] عند انعقاد العقد على الأقل إذا لم يكن بعد التمتع بحصة من المنفعة خلال مدة زمنية، غير أن مدونة الأوقاف جعلت من الكراء الأول إلى جانب مبلغ الضمان مما يدخل ضمن الإجراءات الشكلية لانعقاد العقد، أو فيما يخص الأكرية اللاحقة، وإلى حين انتهاء مدة الكراء فإن المكتري يلتزم بأدائها في الأجل المحدد لها في العقد إما مشاهرة كما هو في الغالب في العقارات غير الفلاحية أو بطريقة أخرى في العقارات الفلاحية، وكل إخلال بالأداء خلال هذا الأجل من شأنه أن يفضي إلى طلب إنهاء العقد مثلاً:
·      فيما يخص كراء العقارات غير الفلاحية: فإن عدم أداء كراء ثلاثة أشهر خلال ثمانية أيام من تاريخ توصل المكتري بالإنذار بالأداء يجعل هذا المكتري في حالة المطلب المبرر لطلب فسخ العقد والتعويض إن اقتضى الحال من طرف إدارة الأوقاف[37].
·      فيما يخص كراء العقارات الفلاحية سكتت المدونة عن تحديد عدد الأكرية التي تجعل المكتري متأخراً في أدائها في حالة المطل المبرر لطلب الفسخ والتعويض إن اقتضى الحال من قبل إدارة الأوقاف، لكن هذا السكوت يمكن استنطاقه بالرجوع إلى الفصل 255 من ق.ل.ع والذي بموجبه يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للإلتزام.
·      فيما يخص كراء العقارات المثقلة بحق من الحقوق العرفية كالجلسة أو الزينة، فإن عدم أداء المكتري صاحب الحق العرفي للكراء المتخلد في ذمته خلال سنتين متتاليتين ينفسخ به عقد الكراء قانوناً.
ثانياً: التزام المكتري بالحفاظ على العين المكتراة وباحترام الإستعمال المعقول الذي رصدت له بحسب طبيعتها أو بحسب عقد الكراء
أ ـ التزام المكتري بالحفاظ على العين المكتراة:
إن يد المكتري على العين المكتراة إنما هي يد أمين مرخص له بالإستغلال، ولذلك يكون عليه الحفاظ على هذه العين وصيانتها بما يسمح ببقائها على الحالة التي تسلمها عليها إذا لم يلزمه العقد أو دفتر التحملات بالزيادة في تحسين هذه الحالة[38]، ومن هنا تقع على عاتقه جميع مصاريف الإصلاحات الكرائية، ثم إن الحفاظ على العين المكتراة تجعل المكتري مسؤولاً عن أي تماطل في إخبار إدارة الأوقاف بما يستوجب إصلاحه على وجه السرعة، مما يقع في الأصل على كاهل إدارة الأوقاف من الإلتزام بالإصلاحات غير البسيطة بالتزام المكتري باحترام الإستعمال المعقول للعين المكتراة بطبيعة هذه العين، كما قد يتحدد بعقد الكراء الذي يعتبر دفتر التحملات من مشمولاته، وهكذا يمنع الإفراط والتعسف في حق الإستعمال المنجز على عقد الكراء بإحداث تغييرات في العين المكتراة، كما يمنع تحويل الإستعمال الذي رصدت له العين إلى استعمال آخر، كما لو كان الإستعمال المرصود هو السكن فحوله المكتري إلى استعمال مهني أو تجاري وغير ذلك...
غير أن هذا المنع ليس مطلقاً، ولذلك يجوز إحداث التغيير أو تحويل الإستعمال إذا ما أذنت به إدارة الأوقاف قصد الزيادة في تنمية مداخيل العين المكتراة، حيث تأذن بالترخيص له[39].
ثالثاً: التزام المكتري بعدم تولية العين المكتراة أو كرائها من الباطن
إنه من المنطقي أن يحرم المكتري للمال الموقوف وقفاً عاماً والمعد مثلاً للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي من التمتع ولو بعنصر معنوي واحد من عناصر الأصل التجاري، كالحق في الكراء[40]، كما يحرم مكتري المال الموقوف وقفاً عاماً والمعد للإستعمال السكني أو المهني من التمتع بالأصل المدني أو ما يعبر عنه بـ "الساروت"، وأمام هذا المنع فإنه يكون من العنت أن يقوم المكتري بتولية الغير حقاً لا يتمتع به، وإلا كنا أمام بيع ملك الغير باعتبار أن التولية إنما هي في حد ذاتها بيع يصطلح عليها بحوالة الحق بمفهوم الفصل 194 من ق.ل.ع، كما يمنع على المكتري القيام بكراء العين المكتراة من الباطن لمكتر فرعي، غير أن هذا المنع ليس مطلقاً، إذ يجوز لهذا المكتري استصدار إذن مكتوب من إدارة الأوقاف يرخص له بإجراء هذه التولية أو الكراء من الباطن، أما إذا لم يقم بهذا الإستئذان المكتوب وخالف المنع فإن عقد التولية أو الكراء من الباطن يقع باطلاً كما تسمح المخالفة بطلب فسخ عقد الكراء الأصلي.
رابعاً: التزام المكتري بأداء التكاليف المفروضة على العين المكتراة
إن الكراء في حقيقته إنما هو بيع وشراء لمنفعة الشيء، ومالك المنفعة خلال مدة الكراء هو المكتري، والأصل فيمن يتحمل التكاليف بمجرد انعقاد البيع من ضرائب وغيرها من الأعباء عندما لا يشترط خلاف ذلك هو المالك[41]، وهذا التصور الذي يخضع له المشتري المالك في بيع أصل الشيء هو الذي يكرس حسب الأحكام العامة في تملك منفعة هذا الشيء خلال مدة الكراء من طرف المكتري[42].
ولهذا، عندما نصت المادة 87 من مدونة الأوقاف على أنه: "يتحمل المكتري جميع الضرائب والرسوم التي تفرض على العين المكتراة". فإنها لم تكرس إلا ما تقضي به الأحكام العامة في ق.ل.ع، وتعتبر مصاريف التسلم من التكاليف التي يتحملها المكتري أيضاً من حيث المبدأ[43].
الفقرة الثانية: التزامات إدارة الأوقاف بصفتها مكرية للمال الموقوف
تتجلى هذه الإلتزامات في الإلتزام بتسليم العين المكتراة وبالقيام بالإصلاحات غير البسيطة، وكذا بضمان التعرض القانوني.
أولاً: الإلتزام بتسليم العين المكتراة
يقوم الإلتزام بتسليم العين المكتراة وما يتبعها من الملحقات إن وجدت بمجرد انعقاد العقد بالمصادقة على نتيجة السمسرة أو طلب العروض أو بالتوقيع عليه[44].
ويكون تسليم العين المكتراة على الحالة التي وصت بها وأعلم بها المكتري من خلال وثائق الإعلام والإشهار والعقد ودفتر التحملات إن وجد، غير أن التأخير في هذا التسليم يمسح للمكتري بالمطالبة بإنقاص الكراء بما يتناسب وفترة التأخير[45].
والجدير بالإشارة أن مصروفات التسليم حسب الأحكام العامة تقع على عاتق المكري ما لم يتفق على خلاف ذلك[46]، ولا شك أن مراعاة مصلحة الوقف ستحمل المكري ـ إدارة الأوقاف ـ على اشترط تحمل المكتري هذه المصروفات.
ثانياً: الإلتزام بالقيام بالإصلاحات الكبرى غير البسيطة
إذا كانت الإصلاحات الكرائية البسيطة تقع ـ كما مر بنا ـ على كاهل المكتري، فإن المكري بالمقابل يتحمل مصاريف الإصلاحات الكبري الرامية إلى الحفاظ على العين المكتراة[47]، وبالأساس العناصر التي يرتكز عليها ثباتها وصلابتها وكذا جميع العناصر المكونة لها أو الملازمة لها على غرار ما يضمنه المكري في الإيجار المفضي إلى تملك العقار غير الموقوف[48].
ثالثاً: الإلتزام بضمان التعرض القانوني
المفروض في التسليم الذي يقوم به المكري كالتزام أصلي في عقد الكراء أن يكون هادئاً، ويتحقق هذا الهدوء في التسليم بتمكين المكتري من الإنتفاع بالعين المكتراة بلا عائق[49]، وهذا معناه أن المكري أو أحد مأموريه يكون عليه أن يمتنع عن القيام بكل ما من شأنه أن يحرم المكتري من التمتع بمنافع العين المكتراة المعول عليها بحسب الغرض الذي أعدت له بطبيعتها أو بالعقد والحالة التي وجدت عليها العين وقت التسليم إذا كانت هذه الحالة متطابقة مع ما وصفت به في وثائق التعاقد، ومثل هذا التعرض الشخصي يضمنه المكري، وبالمقابل فإن التشويش على الإنتفاع بالعين أو عرقلته من طرف الغير بدون أن تتمثل هذه العرقلة في اداء أي حق على العين المكتراة لا يضمنه المكري[50]، غير أن التشويش المادي من الغير ومجاراة للأحكام العامة، إذا ما بلغ حداً من شأنه أن يحرم المكتري من الإنتفاع بالعين المكتراة سمح للمكتري بطلب إنقاص الكراء بما يتناسب وحجم التشويش الجسيم الذي عليه أن يقيم الدليل بشأنه وعلى تنافيه مع استمرار انتفاعه، كما أن المكري يضمن التعرض القانوني الصادر من الغير بادعائه حقاً على العين المكتراة من شأنه أن يتعارض مع الحق الشخصي في الإنتفاع الذي يتمتع به المكتري، غير أن ضمان المكري في هذه الحالة لا يقوم إلا إذا بادر المكتري إلى إعلام المكري ـ إدارة الأوقاف ـ بمظنة التعرض القانوني من الغير فور حصوله[51].
وبالتالي نستنتج أنه تم تنظيم أحكام الكراء باعتباره أهم الطرق التي سمح المشرع المغربي بأن تستثمر به الأموال الوقفية[52].



المبحث الثاني: الآثار الإقتصادية والإجتماعية للوقف ورهاناته
يعد الوقف مورداً اقتصادياً مهماً، يسهم في إعادة ترتيب علاقات المجتمع، فنظام الوقف يطرح علاقة الوقف بالدولة في إطار أخلاقي يجمع بين مفهوم الربح والهبة، إذ يهدف الوقف إلى المنفعة الإخروية عن طريق التصدق والهبات، ويهدف أيضاً إلى المنفعة الدنيوية، لأنه يتضمن تأمين الحاجات الأساسية والضرورية لأفراد المجتمع المحتاجين، ويخلق فرصاً للإستثمارالعائد على النفع العام أو الخاص في ضوء شروط الواقف، أو ما تراه الدولة يصب في المصلحة العامة[53].
وكما سبق وأن تناولنا في المقدمة، فقد عرف الوقف الإسلامي تراجعاً في البلاد الإسلامية عموماً، نظراً لمجموعة من التحديات الخارجية والداخلية، فخارجياً، كان للإستعمار الدور الكبير في تقهقر هذه المؤسسة الذي حاول الفصل بين دواوين الأوقاف الإسلامية والحكومات المسلمة وربطها مباشرة بالمفوضيات العليا، وتنصيب مسؤولين غير مسلمين عليها يتمتعون بنفوذ واسع في تدبير شؤونها التي كانت تخدم استراتيجية المستعمر[54].
وبما أن أغلب الدول الإسلامية بعد استقلالها قد اختارت نظم حكمها مستأنسة بالدساتير الأوربية معبرة بذلك عن رغبات في التحديث على المنوال الأجنبي، فقد وجدت الأوقاف الإسلامية في دائرة خاصة تكاد تعزل فيها عن الحياة المدنية[55]، الشيء الذي يصب في تلك التحديات الداخلية التي عرفها الوقف الإسلامي، إلى حين صدور مدونة الأوقاف الجديدة، والتي جاءت بمجموعة من المستجدات التي أعادت بطريقة أو بأخرى الفعالية والحيوية لهذه المؤسسة الإسلامية العريقة.
وهذا ما سنتناوله من خلال مطلبين، حيث سنتطرق في (المطلب الأول) إلى الآثار الإجتماعية والإقتصادية للوقف، وفي (المطلب الثاني) إشكالات الوقف والحلول الكفيلة بالنهوض به.
المطلب الأول: الآثار الإجتماعية والإقتصادية للوقف
تتمثل أهمية الوقف في الجانب الاجتماعي في الإنفاق على المشروعات الخيرية ذات الطابع الإنساني، وتندرج في جملة العمل الصالح الذي يشمل نفعه عامّة الناس، وبناء الحضارة الإسلامية على أساس المبادئ التي أقرَّها الإسلام وحضَّت عليها النصوص الشرعية، أما الأهمية الإقتصادية فتتجلى في أن إنشاء الوقف هو أشبه ما يكون بإقامة مؤسسة اقتصادية ذات وجود دائم أو مؤقت بحسب طبيعة الوقف إن كان دائماً أو مؤقتاً، فهي عملية تتضمن الإستثمار للمستقبل والبناء للثروة الإنتاجية من أجل الأجيال القادمة[56]، ومن ثم سنتناول الآثار الإجتماعية للوقف (الفقرة الأولى)، وبعد ذلك الآثار الإقتصادية التي يحظى بها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الآثار الإجتماعية للوقف
شملت الأوقاف في المجتمع المغربي مجالات اجتماعية كثيرة منها ما هو مرتبط بإعانة الإنسان وخاصة الفقراء والمستضعفين (أولاً)، ومنها ما هو مرتبط بالوجهة التنموية والبيداغوجية والعلمية (ثانياً):
أولاً: آثار الوقف من حيث الوجهة الإنسانية
تحتفظ الخزانات في المغرب بسجلات كثيرة، تتعلق بأوقاف تساند كثيراً من الناس، وخاصة الفقراء والمعوزين وذوي الحاجة. ولذلك نرى منها ما جعل ريعه للمساكين، والأيتام، والأرامل وغيرهم... ولعل أبرز أوجه الوقف الإنسانية تجلت في:
·      أنَّ الواقفين كانوا يوقفون أموالاً بصندوق خاص يُسْعََف به كلُّ ولدٍ يتعلم صنعةً ما، ومن تنكسر له آنيةٌ خزفية فيخاف من عقاب معلِّمه[57].
·      كما كان الوقف يُخصَّص لإقامة ديار للشيوخ العَجَزة، ولتعريس المستضعفين من الرجال والنساء المكفوفين، ولمن يريد إقامة ولائم الأعراس من المتوسِّطين والضِّعاف، وقد اهتم السلطان أبو الحسن المريني وابنه أبو عنان بهذه الديار وتجهيزها، وكانت منتشرةً في كثير من المدن المغربية كمدينة فاس، ومكناس، وتازة وغيرها[58]، وكان من بين هذه الدِّيار أربع دورٍ وقفية بمدينة فاس، تبتدئ من دار بدرب السَّعود في حيِّ الجزيرة بفاس، قد جُهِّزت كلُّ واحدةٍ منها بالفرش والأثاث اللاّئق بوليمة التزويج، وكان هناك قصرٌ بفاس يحمل اسم: "دار الشيوخ"، وآخر عند زقاق رياض جحا بين الصّاغة ورحبة قيس، أُعِدَّت لتعريس المكفوفين الذين لا سكن لهم ولإقامة مراسيم الزفاف، وتجهيز وتزيين العرائس.
·      كما اهتم الواقفون المغاربة بإنشاء دورٍ يُستضاف فيها الغرباء المارون، وإنشاء الملاجئ الخيرية لمن لا سكن لهم ولا مأوى، يقطنون فيها مجّانًا ويُزوَّدون بالطعام والملابس صيفًا وشتاء.
بالإضافة إلى المبرات الإحسانية التي كان يعتني بها المحسنون والمحبسون المغاربة منها:
·      الأوقاف الخاصة بقضاء ديون الغُرماء المعسرين، مثل أوقاف السلطان أبوعنان المريني، حيث التزم بأداء ديون المعسرين المسجونين من ماله الخاص بسائر الجهات المغربية وإطلاق سراحهم، وقضاء ديون من توفي وعليه دين من الديون من بيت المال.
·      الأوقاف الخاصةّ بإنارة الدُّروب المظلمة كما كان بمدينة فاس، وقد تضمنت"الحوالة العبد الرحمانية"لائحة لعدد من السَّوامر (الفوانيس)التي كانت توقد بعد غروب الشمس لإنارة الأمكنة المظلمة من فاس، مصحوبةً بلائحة الموقوفات على ذلك[59].
·      والأوقاف الخاصة بتوفير المياه، وحفر الآبار، والعيون، وتحبيسها وإقامة السِّقايات المسبَّلة، ومدِّ القنوات لنقل المياه من منابعها إلى أماكن استعمالها، وتجهيزالمدن بالمياه ودور الوضوء والحمامات وغيرها، وقد ذكر الشيخ محمد المكي الناصري: أن الحمامات يرجع أكبر عدد منها في المدن المغربية إلى الأحباس، لأن المحبِّسين كانوا يعتبرونها مراكز للطهارة الإسلامية، فكانت أكريتها منخفضة وأجرة الاستحمام بها رخيصة[60].
·      كما شاركت أوقاف النساء في تنمية المجتمع، ورعاية وتنشئة وترقية بنات جنسهن ضمن المنافذ المتعددة التي وجَّهت إليها أوقافهن، فقد خصَّصن جانبا كبيرا من عائدات أوقافهن لصالح رعاية اليتيمات ماديا ومعنويا وتربويا، لضمان حسن تنشأتهن[61].
ثانياً: آثار الوقف من حيث الوجهة التنموية
إن رفع مستوى حياة الموقوف عليهم، يمكن تداولها من وجهات: التنمية العلمية، والفلاحية والعمرانية.
أ ـ آثار الوقف من وجهة التنمية العلمية:
من الملاحظ أن الأوقاف الخيرية أو العامة، قامت وما تزال تقوم بدور فعال في تنمية الحركة العلمية، وتنشطيها في المغرب، سواء في المساجد، أو في المراكز العلمية الإشعاعية التي يتلقى فيها الطلبة أنواع العلم، وضروب المعرفة والبيان، ومن أكبر المساجد التي كانت زاخرة بالمعرفة في المغرب، ويؤمها الطلبة من مختلف الآفاق هما مسجد ابن يوسف بمراكش ومسجد القرويين بفاس، وهما أثران من آثار الأوقاف، وقد كان يتولى التدريس فيهما كبار العلماء، عرفوا برصيدهم العلمي الواسع... وقد كانوا يعطون رواتب مهمة من طرف الأوقاف، تكفيهم مؤنة الحياة، كما كان الطلبة يتلقون منها منحاً تساعدهم على الاغتراف من مناهل المعرفة، زيادة على السكن الذي يوفر لهم – مجانا- في مدارس، أو في فنادق مساعدة لها في السكنومن بين المدن المغربية التي اشتهرت فيها المدارس الدينية والعلمية: مكناس وفاس ومراكش وسلا...[62].
ب ـ آثار الوقف من وجهة التنمية الفلاحية:
مما لا شك فيه، أن هناك كثيراً من الأراضي العارية الموقوفة على الغير، قد شجرت بمختلف أنواع الأشجار من أجل الانتفاع بغلاتها من طرف المحبس عليهم، ويمكن الاسترشاد بما ورد من إحصاء في المخطط الثلاثي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب لسنوات 1978-1980...فقد جاء في هذا الإحصاء: أن الوزارة..قامت بتشجير:10,105 هكتار من أجل الاستفادة من غلاتها، كما قامت باستصلاح أرض شاسعة، تقدر ب 9,356 هكتار، وها هي أسماء البلدان التي وقع فيها الاستصلاح والتشجير[63].
ج ـ آثار الوقف من وجهة الحماية الصحية:
من الغني عن البيان، أن الأوقاف أدت أدوارا عظيمة في مكافحة كثير من الأمراض لدى الإنسان، وينفيها عنه أكثر من إنشاء مستشفيات، ومصحات – تخفف عنه من بلوائها، سواء كانت تلك المستشفيات، أو تلك المصحات، تتعلق بعلاج أمراض عضوية، أو بعلاج أمراض نفسية أو عقلية، بالإضافة إلى إسعاف الحيوانات والطير، إذ أن الواقفين لم يقتصروا في وقف أموالهم على إسعاف الإنسان فحسب، وإنما زادوا فوقفوا أموالهم على إسعاف المصابين من الحيوان والطيور على اختلاف أشكالها، وتباين أجناسها، وعموماً لا يمكن حصر آثار الوقف الإجتماعية والخدمات الجليلة التي قدمتها وماتزال تقدمها للمجتمع على كافة الأصعدة وفي شتى الميادين.
الفقرة الثانية: الآثار الإقتصادية للوقف
إن من أهم الآثار الإقتصادية للوقف تتجلى في إيصال الحقوق إلى أصحابها وحماية الإقتصاد الوطني من الآثار السلبية التي قد تنتج عن تعرض الأموال الوقفية لتعطيل مساهمتها في الدورة الإقتصادية إذا ما بقيت جامدة أو بطيئة في تطورها غير مواكبة لتطور باقي القطاعات الحيوية[64].
فللوقف أثر كبير في تحريك النشاط الإقتصادي، إذ أنه قابل للدخول في كل المجالات التنموية التي لا يحدها إلا شرعية الغاية والوسيلة، ولهذا فهو صالح لأخذ كل أوجه الإستثمار الإقتصادي، وكثيرة هي أوجه استغلال الوقف التي تعطي صورة جلية على مشاركته في التنمية، وتعتبر مسألة كراء الوقف ـ التي سبق التطرق إلى أحكامها ـ أحد أهم أوجه استغلاله وتحقيق أهدافه الإستثمارية.
وقد اتفق العلماء على كراء الوقف بوجه عام، واعتبروه أنجع وسيلة للإستثمار مع المحافظة على الرقبة وصيانتها، حتى كاد أن يكون الكراء هو الأغلب في الإستثمار.
حيث تقوم إدارة الأوقاف باستثمار أملاكها بموجب عقود كراء سواء كانت عقارات زراعية أم غير زراعية إما بالإجارة العادية أو بالإجارة الطويلة[65].
وعموماً، يمكن إجمال الدور الإقتصادي للأوقاف في النقط التالية:
·      تحريك وتنشيط قطاع العقار في مجال البناء والصيانة خاصة عن طريق بناء المساجد والكتاتيب القرآنية والمدارس وغيرها.
·      الاستثمار في مختلف أوجه القطاع التربوي (مدارس، خزانات، سكن طلابي، خدمات مدرسية..إلخ) أي الاستثمار في الموارد البشرية.
·      الاستثمار في المجال الإنتاجي خاصة أراضي الوقف الفلاحية.
·      الاستثمار في المجال المالي عن طريق تأسيس البنوك الإسلامية من أموال الوقف[66].
ويمكن ملاحظة أن جل هذه الأهداف الإقتصادية تصب بشكل أو بآخر في الأهداف الإجتماعية للوقف، نظراً للإرتباط الوثيق بين المجالين، ونظراً لحرص مؤسسة الأوقاف على الحفاظ على الإستقرار والأمن الإجتماعي من خلال المساهمة في التنمية الإقتصادية ومواكبة تطوراتها.
المطلب الثاني: إشكالات الوقف والحلول الكفيلة بالنهوض به
يمكن القول أنه من حسنات مدونة الوقف أنها استفادت من تراكمات العمل القضائي قصد الحسم في بعض الإشكالات القانونية المتعلقة بالوقف، من أجل استقرار المعاملات العقارية وتكريس الأمن العام، وهذا ما سنعالجه من خلال الفقرات التالية:

الفقرة الأولى: إشكالات الوقف
يعاني الوقف من عدة مشاكل وهذا راجع إلى قصور التشريع الوقفي المعمول به، ويمكن تلخيص المشاكل التي عانى منها الوقف بالمغرب في ظل الضوابط الحبسية القديمة والتي عمرت مدة قرن من الزمن في:
·      ضعف الحماية: سواء في مواجهة الواقف أو الموقوف عليه أو الناظر والغير، ويتجسد ضعف الحماية كذلك من خلال مختلف مراحل حركية الوقف، ابتداء من مرحلة الإنشاء وبمناسبة تدبيره وكذا إجراء التصرف عليه[67].
·      ضعف مساهمة الوقف في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وذلك بسبب نوع التدبير والقيود الواردة على أولوياته وتوجهاته[68].
·      قواعد متضاربة في موضوع واحد مما يؤدي إلى تضارب الأحكام القضائية الصادرة بشأنها، كموضوع الإثبات والأحكام الصادرة في النزاعات المتعلقة بأكرية المحلات الحبسية وهذا راجع لصياغة ركيكة وغير منضبطة واعتماد مصطلحات قديمة وأخرى متجاوزة.
·      تراجع عمليات التحبيس، وهذا راجع إلى فقدان الثقة لدى فئة من المواطنين.
·      عدم التمكن من ضبط الأملاك الحبسية.
·      عدم استمرارية البرامج والخطط.
·      مشاكل التسيير المركزي للوقف العام في ظل الإدارة الحكومية، فمركزية القرار تنعكس سلباً على أداء الوقف لأدواره، لإن إدارة الأموال الإستثمارية للأوقاف من قبل الإدارة المركزية تجعل الإدارات الإقليمية ـ نظارات الأوقاف ـ لا تتمتع إلا بصلاحيات قليلة، الشيء الذي يمنع من استجابة الوقف بالسرعة والفعالية المطلوبين للحاجات الملحة على الصعيد المحلي.
وفي الأخير، تعتبر هذه نبذة صغيرة عن المشاكل التي يعرفها مجال الوقف، والتي حاولت مدونة الأوقاف مؤخراً إيجاد حلول لمجموعة منها، إلا أن هناك إشكالات مهمة متعلقة بالوقف والتي أثارت خلافاً كبيراً على مستوى الفقه وتضاربت بشأنها توجهات القضاء، قبل أن تدخل مدونة الأوقاف وتعالجها بنص صريح.
أولاً: نهائية الأحكام الصادرة لفائدة الأوقاف في مجال المنازعات المتعلقة بأكرية المحلات الحبسية
إذا كان المشرع المغربي قد جعل مبدأ التقاضي على درجتين قاعدة عامة فإنه يرد عليها استثناءات كالأحكام الصادرة في المنازعات المتعلقة بأكرية الأملاك الحبسية للإستئناف، فقد عالج المشرع هذا الإستئناف من خلال ظهير 21 يوليوز 1913، حيث جاء في الشرط 13 من الباب الأول: "إن القاضي يحكم نهائياً في شأن النزاع الناتج عن هذا الإتفاق، ولا يطلب المكتري استئناف الحكم في أي محكمة كانت وإن صدر عليه الحكم فلا يطلب استئنافه".
ونفس المقتضى جاء به الشرط 17 من الباب الثاني الذي ينص على أنه: "يفصل القاضي نهائياً في النزاع الناتج عن هذا الإتفاق، ولا يطلب المكتري الحكم في محكمة أخرى وإن صدر عليه الحكم فلا يطلب استئنافه".
إلا أن صيغة هذا المقتضى خلقت اختلافاً في التطبيق القاضي على مستوى نطاق عدم القابلية للإستئناف من حيث الأطراف وعلى مستوى نظام عدم القابلية للإستئناف من حيث المنازعات المعنية[69].
واختلف القضاء المغربي بخصوص تحديد الأطراف التي تخضع لقاعدة عدم قابلية الأحكام الصادرة في المنازعات المتعلقة بأكرية المحلات الحبسية للطعن بالإستئناف.
فمن المحاكم من ذهب إلى تمديد نطاق المنع ليشمل الطرفين معاً، مستنداً إلى المبادئ العامة التي تقضي بأن وصف الحكم يسري في مواجهة جميع الأطراف.
وقد جاء في قرار لمحكمة الإستئناف بفاس جاء فيه: "إن الفصل 13 المذكور لا يمكن أن يكون محصوراً على المكتري، باعتبار أن وصف الحكم بكونه نهائياً لا يمكن أن يكون إلا شاملاً للطرفين معاً".
وعلى العكس من ذلك سارت قرارات أخرى في اتجاه حصر نطاق المنع من الطعن في المكتري لوحده، دون إدارة الأوقاف.
ومن بين القرارات الصادرة في هذا منحى قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 26/10/2000 جاء فيه: "إن الفصل 17 من الباب الثاني من ظهير 21 يوليوز 1913 يقضي بأن القاضي الإبتدائي يبت في النزاعات حول كراء الأملاك الحبسية بصفة نهائية ولا يحق للمكتري استئناف حكمه، وإن المحكمة لما قبلت استئناف المكتري للملك الحبسي تكون قد خرقت الفصل المذكور"[70].
ثانياً: نطاق عدم القابلية للإستئناف من حيث المنازعات المعنية
ونلمس هنا أيضاً تبايناً في العمل القضائي حيث اعتبر اتجاه أول أن المنع من الإستئناف وبصرف النظر عما إذا كان يشمل المكتري وإدارة  الأوقاف معاً أم المكتري فقط، فإنه ينسحب على جميع الأحكام الصادرة في الدعاوى المتعلقة بمنازعات كراء الأملاك الحبسية بصفة عامة، سواء كانت متعلقة بالأداء أو الفسخ أو الإفتراغ أو التولية، ففي قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 26 مارس 1996 جاء فيه: "إن جميع الأحكام التي تصدر بشأن المنازعات المتعلقة بالمحلات التي نظمها ظهير 21 يوليوز 1913 تكون نهائية بالنسبة للمستأجر، الذي لا يمكنه اللجوء إلى أي جهة قضائية أخرى، أو ممارسة حقه في الإستئناف".
وفي المقابل هناك اتجاه آخر حصر نطاق المنع المشار إليه في الدعاوى المتعلقة بالمنازعات التي تخص التولية التي يقوم بها المكتري الغير دون موافقة إدارة الأحباس:
قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 14 شتنبر 1999 جاء فيه: "حيث إن ما نص عليه الفصل 13 من ظهير 21 يوليوز 1913 المحتج به من اعتر حكم القاضي نهائياً في شأن النزاع الناتج عن هذا الإتفاق، إنما ينصرف تحديداً إلى الحكم الصادر في الدعوى المقدمة في نطاق الفصل 12 قبله[71].
إلا أن المدونة حسمت هذا التباين والإختلاف الذي عرفه العمل القضائي من حيث قراراته من خلال المادة 93 من مدونة الأوقاف ونص على: "تكون الأحكام والأوامر القضائية الصادرة لفائدة الأوقاف العامة في النزاعات المتعلقة بكراء الأملاك الحبسية نهائية، ولا يجوز الطعن فيها بالإستئناف".
ثالثاً: الإستثناء من قاعدة التطهير الناجمة عن تحفيظ العقار وتأسيس الرسم العقاري
إن تأسيس الرسم العقاري يعمل على تطهير العقار من جميع الحقوق غير المصرح بها أثناء جريان مسطرة التحفيظ، إلا أن القاعدة يرد عليها استثناء فيما يخص بعض الحقوق ومنها الوقف أو الحبس، حيث أن قاعدة التطهير يستثنى منها الوقف، وقد سار الإجتهاد القضائي بدوره في تكريس مبدأ عدم مواجهة الأوقاف بالأثر التطهيري الناجم عن مسطرة التحفيظ العقاري، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض: "الحبس لا يطهر بالتحفيظ، فيمكن للجهة المحبس عليها أن ترفع الدعوى بشأن الحبس ولو كان في طور التحفيظ، بل حتى ولو حصل تحفيظه، لأن ثبوت حبسيته يبطل تحفيظه".
وعملت مدونة الأوقاف على تكريس هذا المبدأ بمقتضى المادة 54 منها: "إن الرسم العقاري المؤسس لفائدة الغير لا يمنع المحكمة من النظر في كل دعوى ترمي إلى إثبات صفة الوقف العام لعقار محفظ، شريطة أن ترفع الدعوى في مواجهة جميع ذوي الحقوق المقيدين، وإذا ثبت أن العقار المذكور موقوف وقفاً عاماً بناء على الحكم القضائي الصادر بذلك والحائز لقوة الشيء المقضي به، فإن المحافظ يشطب على كل تسجيل سابق، ويقيد العقار بالرسم العقاري المتعلق به في اسم الأوقاف العامة"[72].
رابعاً: عدم جواز المغارسة للأراضي الموقوفة
إن الرأي المشهور في المذهب المالكي ذهب إلى عدم جواز قيام المغارسة في الأرض المحبسة مطلقاً، ونفس الإتجاه ذهب إليه القضاء ببطلان المغارسة في أرض حبسية.
وعمل المشرع المغربي في المادة 102 على تقنين بطلان المغارسة في الأراضي الحبسية: "لا يجوز إعطاء أرض الوقف بالمغارسة".
الفقرة الثانية: مدونة الأوقاف حل تشريعي للنهوض بالوقف
عملت مدونة الأوقاف على تأسيس نوعين من الرقابة:


أولاً: الرقابة الداخلية
نصت المادة 153 من المدونة على أن كلاً من المراقب المالي المركزي ومساعداه ومراقبون محليون على مستوى كل نظارة من نظارات الأوقاف يختصون بما يلي:
·      التأكد من توفر الإعتمادات اللازمة لتغطية النفقات وصحة تقييدها في الأبواب المتعلقة بها في الميزانية السنوية الخاصة بالأوقاف العامة.
·      التأكد من مطابقة إجراءات إبرام الصفقات للنصوص المنظمة لها.
·      تتبع وضعية الحسابات المعهود إليهم بمراقبتها.
ثانياً: الرقابة الخارجية
المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة هو هيئة رقابية وإرشادية توجيهية تتولى القيام بمراقبة مالية الأوقاف العامة ودراسة القضايا المتعلقة بها، واقتراح الإجراءات الهادفة إلى ضمان حسن تدبيرها.
وهي الجهة المختصة بالموافقة المسبقة على المعاوضات المتعلقة بالعقارات والمنقولات المعتبرة ضمن الأوقاف العامة، إذا كانت القيمة التقديرية لهذه العقارات بين خمسة ملايين درهم وعشرة ملايين درهم.
وقد جاءت المدونة بقواعد المسؤولية شاملة لجميع الأطراف التي تتعامل مع الأوقاف بشكل من الأشكال، ومستوفية لعناصرها وأنواعها، ذلك أنها شملت الجوانب الثلاثة للمسؤولية، وهي الجانب التأديبي والجانب الزجري والجانب المدني، وبالتالي ضمنت للأوقاف الحماية الإدارية والمدنية والجنائية.
كما عملت المدونة على تمتيع المال الوقفي العام بنفس امتيازات المال العام لما يجمع بينهما من خدمة المصلحة العامة.
فصت على أن الوقف الذي يتمتع بالشخصية المعنوية منذ إنشائه[73] لا يمكن حجزه أو كسبه بالحيازة أو التقادم، ولا يجوز التصرف فيه إلا وفق المقتضيات المنصوص عليها في المدونة[74].
كما أكدت مدونة الأوقاف على أن الديون المستحقة لفائدة الأوقاف العامة تعتبر ديوناً لا تسقط بالتقادم، ويكون لاستيفائها حق الأولوية[75].
هذه بعض الحلول التي جاءت بها مدونة الأوقاف فيما يخص الإشكالات التي يعاني منها الوقف والتي كانت تشكل عراقيل في تفعيل دور الوقف من أجل أن يحقق التنمية الإقتصادية والإجتماعية، لكن هذه مجرد مبادئ وأحكام جاءت بها المدونة في وقت قريب لم نلمس نجاحها بعد أو فشلها لأنها حديثة العهد بالصدور.

خاتمة:
ختاماً يمكن القول أن من ينظر في تاريخ النظام الوقفي المغربي وما يزخر به من فتاوى فقهية أو أحكام قضائية في موضوع الوقف ومتعلقاته... يجدها لا تخرج في الغالب عن انتهاج المنحى المقاصدي في تدبير شؤون الأوقاف، بل إننا نجزم على وجه القطع واليقين بأن تلك الإجتهادات الفقهية ذات الأبعاد المصلحية تستحق كل الإشادة والإعجاب، فقد كانت موفقة إلى حد كبير في رعاية أوقاف المحسينين وصونها وضمان بقائها وعطائها، بل يمكن اعتبار تلك الإجتهادات ذخيرة علمية وموروثاً ثقافياً أحوج ما يكون اليوم إلى الجمع والتصنيف والدراسة.
والجدير بالذكر أن ما أقدمت عليه مدونة الأوقاف بهذا الصدد يمكن اعتباره تجديداً فقهياً مقاصدياً بامتياز، لأنه يروم بالأساس ضبط الوقف وجعله أكثر وضوحاً وأجدى نفعاً وأقل نزاعاً، نظراً لما جاءت به من مقتضيات وتنظيمات شاملة جامعة ومانعة لجميع التصرفات، لكن مع ذلك كان حرياً بالمشرع أن يسلط الضوء على مدى ملاءمتها للإشكالات المطروحة في الواقع العملي وتقويم ثغراتها وتأهيل مكتسباته القديمة لاقتحام مجالات حديثة وكفيلة بتفعيل دور الوقف في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية المنشودة.
فإلى أي مدى استطاعت مدونة الأوقاف توفير حماية قوية للوقف؟

لائحة المراجع
·      عبد الرزاق اصبيحي: "الحماية المدنية للأوقاف العامة بالمغرب"، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة الأمنية الرباط، 2009.
·      خلاد بن هدوب المهيدب: "الوقف على الكراسي العلمية. 'كراسي الحسبة' نموذجاً".
·      منذر قحف: "الوقف، تطوره، إدارته، تنميته".
·      منذر قحف: "الدور الإقتصادي لنظام الوقف الإسلامي في تنمية المجتمع المدني مع نظرة خاصة للدول العربية شرق المتوسط". ورقة عرضت في ندوة نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي، بيروت 20/24 رجب 1422 هـ الموافق لـ 8-12/10/2001.
·      محمد المهدي: "ملامح النظام الوقفي المغربي الجديد في ضوء مستجدات مدونة الأوقاف". العدد الرابع.
·      المؤسسات الحبسية في المغرب: ترجمة نجيبة أغرابي، تقديم أحمد شوقي بنيس. دار أبي رقراق، الطبعة الأولى: 2010.
·      أحمد محمد السعد: "الملامح الأساسية للعلاقة بين نظام الوقف والإقتصاد: مدخل نظري". مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، المجلد السابع عشر، العدد الثامن، 2002.
·      مهدية أمنوح: "الوقف الإسلامي الحديث بين تحديات الواقع وضرورة الإصلاح". كلية الاداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان.
·      السعيد بوركبة: "آثار الوقف في الحياة المجتمعية بالمغرب عبر التاريخ". مجلة دعوة الحق، العدد 284، ذو الحجة 1411/ يوليوز 1991. موقع المجلة في الإنترنت: http://www.habous.net/daouat-alhaq/.
·      عبد العظيم فاتح: "خصوصيات عقد الكراء الحبسي من النص التشريعي والعمل القضائي، دراسة في ضوء مدونة الأوقاف الجديدة". رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بطنجة.
·      زكرياء العماري: "النظام القانوني للأملاك الوقفية". دراسات وأبحاث في ضوء المدونة الجديدة للأوقاف، دار الآفاق المغربية، طبعة 2012، الجزء الأول.
·      مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، ملف قراءة في النظام العقاري الجديد، العدد الثالث، يوليوز 2012.




[1] خلاد بن هدوب المهيدب: "الوقف على الكراسي العلمية. 'كراسي الحسبة' نموذجاً". ص: 1.
[2] سورة الصافات، الآية: 24.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب: الشروط في الوقف، في كتاب الوصايا، باب الوقف، رقم الحديث: 2772.
[4] منذر قحف: "الوقف، تطوره، إدارته، تنميته". ص: 3.
[5] محمد المهدي: "قراءة في النظام العقاري الجديد". مجلة القبس المغربية، العدد الثالث، 2012، ص: 76.
[6] عبد الرزاق اصبيحي: "الحماية المدنية للأوقاف العامة بالمغرب". مطبعة الأمنية بالرباط، ص: 15.
[7] محمد المهدي: "ملامح النظام الوقفي المغربي الجديد في ضوء مستجدات مدونة الأوقاف". العدد الرابع، ص: 34.
[8] المادة 39 من مدونة الأوقاف: "...ويعتبر مسؤولا عن كل فعل عمدي أو خطأ جسيم صادر عنه ألحق ضررا بالمال الموقوف".
[9] نفس المادة أعلاه، الفقرة الأولى: "الواقف غير ملزم بضمان استحقاق المال الموقوف من يد الموقوف عليه، و لا بضمان عيوبه الخفية...".
[10] المادة 20 من مدونة الأوقاف: "يكون القبول صراحة أو ضمنا، ويعتبر حوز المال الموقوف وفق أحكام المادة 26 بعده دليلا على القبول".
[11] المادة 34 من مدونة الأوقاف: "يجب التقيد بشروط الواقف والوفاء بها إذا كانت مشروعة وقابلة للتنفيذ. فإذا اقترن الوقف بشرط غير مشروع أو استحال تنفيذه، صح الوقف وبطل الشرط مع مراعاة أحكام الفقرة الأولى من المادة 14 أعلاه".
[12] المادة 35 من مدونة الأوقاف: "إذا كانت ألفاظ عقد الوقف صريحة، وجب التقيد بها. وإذا كانت غامضة، تعين البحث عن قصد الواقف، ويمكن الاستعانة في ذلك بالعرف وبظروف الحال".
[13] المادة 34 من مدونة الأوقاف.
ـ محمد المهدي: مرجع سابق، ص: 34.
[14] المادة 40 من مدونة الأوقاف: "يحق للموقوف عليه أن يستعمل المال الموقوف وأن يستغله وفق شرط الواقف بكيفية تتوافق مع الأغراض المتوخاة من الوقف.
ويجوز له أن ينتفع بالمال الموقوف بنفسه، أو أن يفوت حق الانتفاع به إلى الغير، ما لم يكن حق الوقف مقصورا على شخصه".
[15] المادة 41 من مدونة الأوقاف: "إذا انصب الوقف على عقار، فإن للموقوف عليه أن يتمتع بجميع الحقوق المقررة لفائدة العقار الموقوف، وبكل الزيادات التي تلحق به عن طريق الالتصاق".
[16] المادة 42 من مدونة الأوقاف: "إذا تعلق الوقف بأرض، فإنه يشمل الأرض وكل البناءات والمنشآت والأغراس الموجودة فوقها، ما لم يوجد شرط أو عرف يقضي بخلاف ذلك".
[17] المادة 43 من مدونة الأوقاف: "يجوز للموقوف عليه أن يرتب لفائدة العقار الموقوف حقوقا عينية تزيد في قيمته، وتعتبر في هذه الحالة وقفا مثله".
[18] المادة 44 من مدونة الأوقاف: "إذا أقام الموقوف عليه أو الغير بناءات أو منشآت أو أغراسا من ماله في العقار الموقوف دون ترخيص مسبق من إدارة الأوقاف، فإن لهذه الأخيرة إما الاحتفاظ بها وقفا أو إلزامه بإزالتها على نفقته وإعادة حالة العقار إلى ما كانت عليه".
[19] المادة 46 من مدونة الأوقاف: "إذا تهدم العقار الموقوف كلا أو جزءا ، فلا يلزم الموقوف عليه بإعادة بنائه، ما لم يكن ذلك ناتجا عن خطئه أو إهماله أو تقصيره".
[20] محمد المهدي: مرجع سابق، ص: 35.
[21] المادة 51 من مدونة الأوقاف: "يترتب عن اكتساب المال لصفة الوقف العام عدم جواز حجزه أو كسبه بالحيازة أو بالتقادم، وعدم جواز التصرف فيه إلا وفق المقتضيات المنصوص عليها في هذه المدونة".
[22] المؤسسات الحبسية في المغرب: ترجمة نجيبة أغرابي، تقديم أحمد شوقي بنيس. دار أبي رقراق، الطبعة الأولى: 2010، ص: 63 وما بعدها.
[23] محمد المهدي: مرجع سابق، ص: 35.
[24] تنص المادة على: "تجري على الأموال الموقوفة وقفا عاما جميع التصرفات القانونية الهادفة إلى الحفاظ عليها، وتنمية مداخيلها بما يلائم طبيعتها ويحقق مصلحة ظاهرة للوقف.
ولهذه الغاية، تكلف إدارة الأوقاف بتدبير هذه الأموال واستثمارها وفق القواعد المنصوص عليها في هذه المدونة والنصوص المتخذة لتطبيقها".
[25] المادة 102 من مدونة الأوقاف: "لا يجوز إعطاء ارض الوقف بالمغارسة".
[26] كالمعاوضة النقدية والبيع والمناقلة...
[27] عبد الرزاق اصبيحي: مرجع سابق، ص: 207.
[28] ظهير 25 دجنبر 1980 المنظم لكراء العقارات المخصصة للإستعمال السكني أو المهني وظهير 24 ماي 1955 المنظم لكراء العقارات المخصصة للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي.
[29] ما جرى به العمل من المذهب المالكي.
[30] المواد 95 و 96 و 101 من المدونة.
[31] المادتان 94 و 98 من المدونة.
[32] المادة 105 من المدونة.
[33] تنص الفقرة الأولى من المادة 90 من مدونة الأوقاف على أنه: "لا حق للمكتري في... 1ـ تخفيض السومة الكرائية المحددة عن طريق السمسرة العمومية أو طلب العروض...".
[34] تنص المادة 101 من مدونة الأوقاف على:
"لا حق للمكتري في الإعفاء ممن الكراء أو استرداده كليا إلا إذا زرع الأرض تم هلك كل الزرع نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة.
وإذا كان هلاك الزرع جزئيا، لم يكن هناك موجب لتخفيض الكراء أو لاسترداده بما يتناسب مع الجزء الهالك إلا إذا تجاوز هذا الجزء النصف.
لا موجب للإعفاء من الكراء ولا لتخفيضه:
·       إذا كان سبب الهلاك موجودا عند إبرام العقد؛
·       إذا حدث الهلاك بعد فصل المحصول عن الأرض".
[35] محمد المهدي: مرجع سابق، ص: 48 و 49.
[36] أو السومة أو الوجيبة الكرائية.
[37] المادة 95 من المدونة.
[38] المادة 84 من المدونة.
[39] محمد المهدي: مرجع سابق، ص: 52.
[40] الفقرة الثانية من المادة 90 من المدونة.
[41] الفصل 493 من ق.ل.ع.
[42] الفصل 642 من ق.ل.ع.
[43] الفقرة الثانية من الفصل 637 من ق.ل.ع.
[44] الفقرة الأولى من المادة 83 من المدونة.
[45] الفقرة الثانية من المادة 83 من المدونة.
[46] الفصل 637 من ق.ل.ع.
[47] المادة 89 من المدونة.
[48] المادة 13 من القانون 51.00 المنفذ بظهير 11 نونبر 2003 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار.
[49] الفصل 643 من ق.ل.ع.
[50] الفقرة الأولى من المادة 88 من المدونة.
[51] الفقرة الثانية من المادة 88 من المدونة.
[52] عبد الرزاق اصبيحي: مرجع سابق، ص: 206.
[53] أحمد محمد السعد: "الملامح الأساسية للعلاقة بين نظام الوقف والإقتصاد: مدخل نظري". مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، المجلد السابع عشر، العدد الثامن، 2002، ص: 181.
[54] مهدية أمنوح: "الوقف الإسلامي الحديث بين تحديات الواقع وضرورة الإصلاح". كلية الاداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان، ص: 8.
[55] نفس المرجع السابق، ص: 10.
[56] منذر قحف: "الدور الإقتصادي لنظام الوقف الإسلامي في تنمية المجتمع المدني مع نظرة خاصة للدول العربية شرق المتوسط". ورقة عرضت في ندوة نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي، بيروت 20/24 رجب 1422 هـ الموافق لـ 8-12/10/2001، ص: 11
[57] السعيد بوركبة: "البعد الثقافي والمجتمعي للوقف الخيري في الإسلام". ص: 85.
[58] نفس المرجع السابق، ص: 83 و 84.
[59] السعيد بوركبة: مرجع سابق، ص: 85.
[60] محمد المكي الناصري: "الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية". ص: 47.
[61] ريهام أحمد خفاجي: "أوقاف النساء". نماذج لمشاركة المرأة في النهضة الحضارية، دراسة للحالة المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، ص: 22.
[62] السعيد بوركبة: "آثار الوقف في الحياة المجتمعية بالمغرب عبر التاريخ". مجلة دعوة الحق، العدد 284، ذو الحجة 1411/ يوليوز 1991. موقع المجلة في الإنترنت: http://www.habous.net/daouat-alhaq/.
[63] خريطة استصلاح الأراضي وتشجيرها، كتاب الأوقاف في مواكبة مسيرة النماء، ص: 82 لسنة: 1398هـ-1978م.
[64] عبد الرزاق اصبيحي: مرجع سابق، ص: 261.
[65] عبد العظيم فاتح: "خصوصيات عقد الكراء الحبسي من النص التشريعي والعمل القضائي، دراسة في ضوء مدونة الأوقاف الجديدة". رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بطنجة، ص: 99.
[66] عمر الكتاني: "الجوانب الإقتصادية للوقف". الملتقى المنظم بالتعاون ما بين المؤسسة الوطنية للأوقاف و المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية والأمانة العامة للأوقاف بالكويت، حول" النصوص القانونية المنظمة للوقف والزكاة" والدورة التدريبية حول "دور الوقف و الزكاة في التخفيف من حدة الفقر"في الفترة ما بين 16 -21 مارس 2008 بمقر المؤسسة، ص: 3.
[67] زكرياء العماري: "النظام القانوني للأملاك الوقفية". دراسات وأبحاث في ضوء المدونة الجديدة للأوقاف، دار الآفاق المغربية، طبعة 2012، الجزء الأول، ص: 43.
[68] عبد الرزاق اصبيحي: مرجع سابق، ص: 3.
[69] مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، ملف قراءة في النظام العقاري الجديد، العدد الثالث، يوليوز 2012، ص: 83.
[70] زكرياء العماري: مرجع سابق، ص: 54.
[71] مجلة القبس: مرجع سابق، ص: 87.
[72] زكرياء العماري: مرجع سابق، ص: 62.
[73] المادة 50 من مدونة الأوقاف.
[74] المادة 51 من مدونة الأوقاف.
[75] محمد المهدي: مرجع سابق، ص: 36 و 38.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *