-->

المسؤولية المدنية للطبيب



مقدمة
       الطب مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية مقدسة، لها أهميتها الدائمة وينشأ عنها علاقة ما بين المريض والطبيب، هي إنسانية بطبيعتها وقانونية تحتم على الطبيب الاهتمام بالمريض وعمل كل ما يلزم لعلاجه وبذل العناية التي تقتضيها مهنة الطب.
       والمشرع المغربي كغيره من التشريعات لم يتعرض للمسؤولية الطبية بل تركها للقواعد العامة في المسؤولية المدنية، وهي غير واضحة المعالم وخاصة في ظل التطور العلمي الحديث، وظهور الاختراعات والاكتشافات العلمية والطبية، وعدم وجود قوانين متخصصة في هذا الموضوع في الكثير من دولنا العربية حيث أن المريض الذي يعاني من الإصابة بخطأ طبي يصعب عليه أو حتى يستحيل عليه أحياناً الحصول على التعويض.
   والمسؤولية الطبية في ظل التقدم العلمي والفني في مجال الطب بهذا العصر، بدأت تأخذ أشكالاً مختلفة، وتبدو أهميتها الأساسية بأنها تتعامل مع أثمن شيء لدى الإنسان وهي حياته، وفي ظل عدم وجود قواعد قانونية واضحة تعالج هذه المسألة المهمة ، حيث أنه لغاية هذه الأيام لا يوجد قانون يضبط هذه المسألة أو يعالجها وخاصة مع كثرة الأخطاء الطبية المرتكبة من قبل الأطباء سواء في عياداتهم الشخصية أو في المستشفيات العامة والخاصة.
  فالمسؤولية المدنية هي الالتزام بتعويض الضرر المترتب على الإخلال بالتزام أصلي سابق، والالتزامات الأصلية ينشأ بعضها من العقد، والبعض الآخر من القانون, لذا فقد جرى الفقه على التمييز بين نوعين من المسؤولية المدنية، فتعرف المسؤولية الناشئة عن الإخلال بالتزام عقدي مسؤولية عقدية، والمسؤولية المترتبة عن الإخلال بالتزام قانوني مسؤولية تقصيرية، ويفترض النوع الأول من المسؤولية قيام رابطة عقدية بين المسئول والمضرور، أما المسؤولية التقصيرية فتقوم حين تنتفي هذه الرابطة بينهما.
هنا يطرح إشكال  البحث عن الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية المدنية للطبيب,هل على أساس عقدي أم على أساس تقصيري؟ وتتناسل عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات    ما هي الأركان المتعلقة بالمسؤولية المدنية للطبيب؟   ما هي الوسائل المعتمدة لإثبات الخطأ الطبي؟                                                                         ماهو موقف القضاء من المسؤولية المدنية للاطياء؟                                                                             

للإجابة عن هذه التساؤلات وجب تقسيم الموضوع إلى:

المبحث الأول:طبيعة المسؤولية المدنية للطبيب و العناصر المكونة لها.

المبحث الثاني:المسؤولية الطبية: الإثبات في الميدان الطبي و موقف
القضاء المغربي من المسؤولية المدنية للطبيب.
   
   سنحاول في المبحث الأول عرض الجوانب المتعلقة بالمسؤولية المدنية للطبيب,و تناول الآراء التي عالجت إشكالية طبيعة هذه المسؤولية مع إرجاء الحديث عن العناصر المتعلقة بالمسؤولية إلى المطلب الثاني من هذا المبحث محاولين في ذلك ربطها بالموضوع قدر المستطاع.

المبحث  الأول : طبيعة المسؤولية المدنية للطبيب و العناصر المكونة لها.
المطلب الأول : طبيعة المسؤولية المدنية للطبيب
        تقسم المسؤولية المدنية بصفة عامة إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية، فإذ كان الالتزام الذي حصل الإخلال به مصدره العقد كانت المسؤولية عقدية، وإذا كان الالتزام مصدره العمل غير المشروع والفعل الضار، أو واقعة مادية رتب عليها القانون التزامًا كانت المسؤولية تقصيرية لذلك يمكننا القول أن المسؤولية العقدية هي الحالة التي يخالف بها الشخص التزام مصدره العقد ويخل بشروطه، أما المسؤولية التقصيرية فهي حالة الشخص الذي يخالف التزام فرضه عليه القانون والذي يهمنا هو تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب المدنية، فهنالك اتجاهين مختلفين أحدهم يعتبر أنها مسؤولية عقدية، والآخر يعتبرها مسؤولية تقصيرية.
       وسنقوم بالحديث في هذا الموضوع  للوصول إلى الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب المدنية من خلال عرض كل اتجاه على حدا وأدلته على ذلك وفي النهاية ما استقر عليه الرأي الراجح وطبيعة المسؤولية الطبية أمام القضاء والفقه المغربي.
الفقرة الأولى: المسؤولية العقدية للطبيب
       تتحقق المسؤولية العقدية بشكل عام إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه العقدي أو قام بتنفيذه بشكل معيب وأدى هذا إلى إلحاق الضرر بالدائن، وهذا يستوجب بداية وجود عقد صحيح حصل الإخلال به.
       و بالرجوع إلى الفصل 263 من قانون الالتزامات والعقود المغربي فانه يمكن للضحية المتضرر من جراء خطأ الطبيب المعالج له أن يرتكز على أساس الإخلال بالتزام تعاقدي للمطالبة بالتعويض، شرط أن يكون هناك اتفاق مسبق يكون الطبيب بمقتضاه ملزما بالمعالجة.
     وعليه فالمسؤولية العقدية هنا تقوم كلما تم الإخلال بتنفيذ أحد الالتزامات الناشئة عن العقد على نحو يسبب ضررا للمتعاقد وبالتالي فقيام هذا النوع من المسؤولية متوقف على شرطين :
     - وجود عقد صحيح يربط بين المتضرر والمسؤولية عن الضرر  
    - أن يقع من احد طرفي العقد إخلال بالتزام مترتب عن هذا العقد وأن سبب هذا الإخلال ضررا للطرف الآخر
                                                                                        
اولا : الاتجاه القائل بأن مسؤولية الطبيب عقدية.
      الطبيب والمريض يرتبطان مع بعضهما بموجب عقد، في اللحظة التي يبدأ بها الطبيب علاج المريض في الظروف العادية ويكون ذلك بناءًا على اتفاق مسبق بينهما، فمجرد قيام الطبيب بفتح عيادته وتعليقه لافته عليها، فإنه يضع نفسه في موقف من يعرض الإيجاب وعند قبول المريض لهذا العرض يتم إبرام العقد، فالأخير يطلب العناية والطبيب يتقبل الأجر ويقدم العناية المطلوبة منه.
       فالقضاء الفرنسي [1]ظل يعتر مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية إلى غاية 20 ماي 1936 حيث أصدرت الغرفة المدنية بمحكمة النقض الفرنسية قرارها الشهير في القضية المعروفة بقضية ميرسي  الذي يعد نقطة تحول مهمة في ميدان مسؤولية الطبيب حيث قلبت لأوضاع وأعطى للقضاء الفرنسي منذ ذلك الوقت اتجاها آخر اعتبر فيه الطبيب  مرتبطا بعقد مع مريضه يلتزم بمقتضاه ليس بشفائه من المرض ولكن بتقديم عناية يقضة له تقتضيها ظروف المريض الصحية ومطابقة للأصول الثابتة لمهنة الطب ولمقتضيات التطور العلمي، وأن إخلال الطبيب لهذا الالتزام المتولد عن العقد تنتج عنه مسؤولية عقدية حتى ولو كان ذلك الإخلال عفويا وغير مقصود.
  و يقدم هدا الاتجاه حججه التي يبني عليها رأيه و تتلخص في : 
أولا: الرابطة العقدية: يعتبر القائلين بأن مسؤولية الطبيب هي عقدية حتى في الحالات العاجلة التي يقوم بها الطبيب بعلاج المريض فإنه يكون بحالة إيجاب دائم، ومستمر اتجاه الجمهور وأن اللافتة الموجودة على عيادته والبيانات التفصيلية المتعلقة بالطبيب من حيث اسمه وتخصصه ودرجته العلمية وعضويته في نقابة الأطباء تدل على ذلك، وأيضًا فإن دعوة المريض لعلاجه يعد قبو لا للعقد.    
     ثانيا : المهن الطبية: عندما يقوم المريض بالتعاقد مع الطبيب لعلاجه فإنه الأخير يلتزم اتخاذ المريض بكل ما تقتضيه مهنة الطبيب والعلم من خلال بدل العناية اللازمة وفق ما هو مقرر في مثل حالة المريض وأن يلتزم بكل ما يطلب منه أن يقدم اتجاه مريضه وعن الجهود المطلوبة من الطبيب فإنها موجودة في القواعد والأصول العلمية لمزاولة المهن الطبية.
ثالثا : الخدمات التي يقدمها الطبيب لا يمكن تقديرها ماديا:  هذا القول صحيح ولكن لا يجوز اعتباره أساسا في تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب في ظل أن الأمر يقوم بالمطالبة بأجره ويلتزم بعمل يتفق مع قواعد المهن الطبية ومحل التزامه مشروع وهو الالتزام بالعلاج،
ويقع على عاتق المريض الالتزام بدفع الأجر المشار إليه في العقد الطبي وهو التزام ببذل عناية وهذا يلتقي مع إثبات ذلك بالمسؤولية التقصيرية، ويقع على الطبيب التزام عام بفرضه القانون وأخر موجود في العقد وأن المسؤولية الطبية هي عقدية وليست تقصيرية، لأن الاتفاق بين الطرفين أضاف شيئًا جديدًا للالتزام القانوني، لأنه بدون وجود العقد ليس فيه حق المريض أن يلزم الطبيب المعالج أن يقدم له العناية الطبية اللازمة، وحيث أن الطبيب إذا لم يقم بما يطلب منه ويهمل في ذلك تتحقق المسؤولية العقدية وهذا يؤكد القول بأن مسؤولية الطبيب هي عقدية.[2]
الفقرة الثانية : المسؤولية التقصيرية للطبيب
تقوم المسؤولية التقصيرية كلما وقع الإخلال بالتزام قانوني هو التزام الفرد بعدم الإضرار بالغير، فمصدرها العمل غير المشروع ومن بين المبررات المعتمد عليها من قبل القائلين بأن مسؤولية الطبيب تقوم على أساس تقصيري ما يلي[3]:
أولا: حياة الإنسان ليست محلا للتعاقد: وهذا غير واقعي لأن وضع المريض تحت سيطرة الطبيب ليتصرف بجسمه كما يريد لا يجوز، وحياته وسلامته يحميها القانون والنظام العام وأي شيء غير ذلك يخضع الطبيب بسببه للمسؤولية وفقًا لأحكام المسؤولية التقصيرية
ثانيًا: وجود اللافتة على مدخل عيادة الطبيب: تمثل دعوة للتعاقد ويدل على ذلك أن شروط العلاج لا يتم الاتفاق عليها إلا بعد حديث الطرفين وتفاوضهم ومعرفة سابقة على إبرامهم العقد وغير ذلك فيه إهدار واعتداء على حرية الطبيب وكذلك حالات الاستعجال تدخل ضمن المسؤولية التقصيرية.
ثالثًا: المهن الطبية لها طبيعة فنية: ليس من العدل أن تكون مجال للتعاقد لأنها معروفة فقط من قبل الأطباء وطبيعة التزاماتها لا تدخل ضمن العقد المبرم بين الطبيب والمريض، والعلم بالأمور الطبية تكون من قبل الطبيب فقط والمريض يجهل هذه الأمور ولا يعلم عنها إلا القليل جدا .
رابعًا: حالات إصابة المريض المفاجئة: يكون المريض هنا فاقد الوعي أو في حالة الغيبوبة تجعل من المستحيل وجود علاقة تعاقدية بينه وبين الطبيب، لأن المريض يكون غير قادر عن التعبير عن إرادته بالإيجاب أو الرفض، بحيث أن خطأ الطبيب هنا يعتبر خطأ تقصيريًا لعدم وجود العلاقة التعاقدية كما أشرنا سابقًا.
خامسًا: إخلال الطبيب بالالتزام بعلاج المريض هو إخلال بالتزام قانوني لأن القاضي عند مسائلته للطبيب لا يفسر البيئة المشتركة بين الطرفين وإنما يؤسسها على الالتزامات الطبية وقواعد المهنة وعلاقتها بالضمير والعلم الطبيب، وهذه الالتزامات لا تدرج ضمن العقد المبرم بين الطبيب والمريض، ولذلك يجب إقامة المسؤولية التقصيرية.
موقف الفقه المغربي:
وقد ساند غالبية الفقه  المغربي اتجاه القضاء الفرنسي بتشبثهم وتأكيدهم على أن المسؤولية الطبية مسؤولية عقدية  ،هدا الاتجاه الفقهي  الذي يرى  أن الفصل 724 من قانون الالتزامات والعقود المتعلق بإجارة الصنعة يصلح كسند قانوني للعقد الطبي بالمسؤولية الطبية.
أما موقف القضاء المغربي سنخصص له مطلب بالمبحث الثاني لمعرفة التوجه الذي سار عليه القضاء المغربي.

 المطلب الثاني :عناصر المسؤولية المدنية للطبيب.               

الفقرة الأولى: الخطأ الطبي تعريفه و أنواعه.                     

أولا: التعريف .
يقتضي الحديث عن عناصر المسؤولية المدنية للطبيب تعريف الخطأ ثم التطرق لأنواعه و صوره و كذا الضرر و العلاقة السببية.

    عرف الفصل 78 من ق ل ع: الخطأ هو ترك ما يجب فعله ، أو كل فعل ما كان يجب الإمساك عنه و ذلك من غير قصد لإحداث الضرر
أما في الشر ع فقد عرفه بإخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته و هو ما ليس للإنسان فيه قصد فانتفاء قصد الشيء لفاعله موجب لوصفه مخطأ.
   و الخطأ الطبي بمثابة إخلال بواجب قانوني كان في وسع المخل أن يتبينه أو أن يلتزم به و هذا الواجب إما أن يكون منصوصا عليه في القانون أو ناشئا عن عقد أو واجبا أدبيا أو عاما يفرض على كل شخص عدم الإضرار بالغير،إذن فالخطأ الطبي في تعريفه لا يختلف عن تعريف الخطأ العادي إلا في كون الخطأ الطبي مرتبط بمهنة الطب التي تقوم على أمور فنية و تقنية دقيقة أي أن الخطأ الطبي هو خروج الطبيب في سلوكه عن القواعد و الأصول الطبية المتعارف عليها نظريا و علميا أو إخلاله بواجبات الحيطة و الحذر و اليقظة التي يفرضها القانون .
هذا عن تعريف الخطأ

ثانيا: أنواع الخطأ                                                  

  الخطأ إما أن يكون عادي بسبب الإهمال و عدم الاحتراز أو مهني و يتمثل في مخالفة الأصول الفنية الثابتة للمهنة و الخروج عليها فالطبيب يكون مسؤولا في الحالتين .
الخطأ الفني أو المهني :
        وهو إخلال بواجب خاص مفروض على فئة محدودة من الناس ينتسبون إلى مهنة محددة كالأطباء أي انه يصدر عن الطبيب و يتعلق بأعماله الطبية، كالخطأ في تشخيص المرض  أو خطا في نقل الدم  وضمان عدم تلوث الدم بأي مرض قد يسببه للمنقول إليه، وقد ثارت في هذا الصدد قضية مهمة [i]: حيث أدخلت إحدى السيدات مستشفى الرويس التابع لشركة بترول أبو ظبي (أدنوك) والتي تشرف عليها إحدى الشركات الأمريكية لإجراء جراحة بالرحم، وخلال العملية احتاجت إلى نقل دم، وفعلا تم النقل، ولكن بعد العملية ظهرت عليها أعراض تبين بالفحص أنها أصيبت بمرض الإيدز (فقدان المناعة المكتسبة) بسبب الدم الذي نقل لها حيث تبين أنه مأخوذ من مساعد طبيب شاذ جنسيًا يعمل بالمستشفى ويحمل المرض، وقامت المريضة برفع دعوى أمام محكمة أبو ظبي الابتدائية على الطبيب المعالج ومساعد الطبيب الذي أخذ منه الدم الملوث وعلى الشركة الأمريكية المشرفة على المشفى حيث أسست دعواها على أن ما قامت به الشركة المدعى عليها والعاملون فيها من نقل دم ملوث بفيروس المرض من المدعي عليه مساعد الطبيب للمريضة قد تم دون مراعاة الأصول الطبية والحيطة والحذر الواجبة عليها بعدم فحص وحدة الدم المأخوذة من مساعد الطبيب والتي نقلت لها رغم توافر أجهزة الفحص داخل المستشفى مما أدى لانتقال الفيروس إليها، وقد أحالت محكمة الموضوع القضية إلى ذوي الخبرة وحكمت بإلزام المدعى عليهم بالتضامن وشركة التأمين بأن يؤدوا للمدعية مبلغ عشرة ملايين درهم خفضته محكمة الاستئناف في أبو ظبي إلى ستة ملايين.
        و الخطأ المهني ينقسم بدور ه إلى نوعين: 
إما أن يكون خطا جسيم : و هو الذي يتحقق نتيجة جهل الطبيب بالقواعد و الأصول الأساسية الفنية في علم الطب، أو عن غش و مخالفة الواجبات  المهنية ،و هو ما يسال عنه الطبيب قرار محكمة النقض بتاريخ 18 يونيو 1935 و المعروفة بقضية توريه و هو أول حكم قضائي يكرس نظرية الاعتداد بالخطأ الجسيم ، و هو نفس توجه القضاء المغربي بشرط ثبوت الخطأ الجسيم.
أو أن يكون خطا يسير: و هو الذي يصدر عن الطبيب أثناء مزاولته مهنته دون أن يكون الخطأ متعلق بالأصول الفنية لمهنته، كان يقوم الطبيب بعملية جراحية وهو في حالة سكر أو به عجز بيده أو أن يستعمل أدوات غير معقمة ...

الفقرة الثانية: الضرر أنواعه شروطه و صوره .

أولا: تعريف الضرر.
      الضرر هو كل ما ينجم عن الاعتداء على حق من الحقوق أو عن المساس بمصلحة مشروعة، سواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة متعلقة بسلامة جسمه وحقه في الحياة أو ماله أو عاطفته أو شرفه أو غير ذلك. وقد عرفه الفصل 98 من قانون الالتزامات و العقود المغربي " بأنه الخسارة التي لحقت المدعي فعلاً و المصروفات التي اضطر، أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل″.
  و الضرر الطبي هو حالة تنتج عن فعل طبي مست بالأذى المريض، وقد يستتبع ذلك نقصاً في حالة المريض أو في معنوياته أو في عواطفه.
ثانيا: شروط الضرر.  
   الضرر الموجب للتعويض هو:
    الضرر المحقق: وهو الضرر المؤكد الحدوث سواء كان حالاً أي وقع فعلاً أو كان مستقبلاً إذا كان وجوده مؤكداً وإن تراخى وقوعه إلى زمن لاحق، وقد ذهب القضاء إلى التوسع في مفهوم الضرر؛ إذ أجاز أن تقوم المسؤولية الطبية على أساس الضرر المتمثل في تفويت الفرصة للشفاء أو الحياة..
   الضرر المباشر: و هو النتيجة التي ترجع أساساً إلى خطأ الجاني، وحتى لو كانت هناك أسباب أخرى ساعدت على تحقيقه.  و للقاضي أن يقدر توافر السببية بين الخطأ والنتيجة الضارة. بمعنى أن يكون نتيجة مباشرة لعمل الطبيب..
  الضرر الشخصي: الضرر لا يكون شخصياً إلا إذا أصاب مصلحة شخصية لطالب التعويض. فالضرر الذي يلحق الشخص الذاتي هو وحده الذي يكون قابل للتعويض،وأن ضحية الخطأ الطبي وحده له الحق في المطالبة بالتعويض بمعنى أن من لم يتضرر بطريقة شخصية لا يجوز له المطالبة بالتعويض. فما هي الصور التي يتخدها الضرر.
ثالثا:صور الضرر.
   يأخذ الضرر الطبي صوراً وأشكالاً عديدة تتراوح بين الضرر البسيط ، إلى إحداث عاهة دائمة، أو إلحاق تشويه بالمريض، أو وفاته.
   وعموماً يمكننا تقسيم الضرر الذي قد يلحق بالمريض إلى ضرر مادي، ومعنوي، وجسدي.
  فالضرر المادي يمس جوهرياً المصالح المالية للمضرور، ويكبده خسارة تصيب ذمته المالية مثل: مصاريف العلاج/الأدوية / مصاريف الإقامة في المستشفى...إلخ....
    و مما تجدر الإشارة إليه أن الضرر المادي قد يتجاوز الشخص المضرور إلى أفراد عائلته الذين يعيلهم، وهنا تقوم مصلحة من كان يعولهم المتضرر في المطالبة بالتعويض نتيجة إصابة معيلهم وهو ما يسمى بالضرر المرتد أو المنعكس..
   والضرر المعنوي هو الضرر الذي يمس حقاً أو مصلحةً غير مادية للمتضرر، أي ذمته الأدبية  كالمس بالكرامة الإنسانية،أو الاعتبار،أو السمعة،أو العرض، أو يصيب العاطفة من حزن وحرمان ومثاله : أن يذاع على شخص أنه مريض مرضاً خطيراً فيسئ هذا الأمر إلى سمعته ومركزه،وفي هذا الصدد ورد في إحدى القرارات الصادرة عن المحاكم المصرية " إن الأمراض من العورات التي يجب سترها حتى لو كانت صحيحة،فإذاعتها في محافل عامة،وعلى جمهرة المستمعين يسيء إلى المرضى إذا ذكرت أسماؤهم، وبالأخص بالنسبة للفتيات،فإنه يضع العراقيل في طريق حياتهن، وهذا خطأ يستوجب التعويض.
     و الضرر الأدبي قد يتصل بالضرر المادي، ومثال ذلك التشوه الذي أصاب المضرور نتيجة للحادث الذي سبب له جروحاً وكسوراً، فمن النادر جداً أن لا ينجم عن الضرر الأدبي ضرر مادي أيضاً. فالجرح مثلاً يسبب آلاماً للضحية، وهذا هو الضرر الأدبي ،ولكنه يسبب لها ضرراً مادياً أيضاً، ويتمثل في نفقات العلاج والتعطيل عن العمل..   
   أما الضرر الجسدي فهو الذي يصيب الإنسان في جسمه، ومن ثم يقع التعدي على الجسم أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إحداث تشويه فيه، أو نقص وظيفي...وأشد أنواع الضرر الجسدي هو الضرر الذي يؤدي إلى الوفاة.وعلى العموم يبقى الإجماع على أنه كلما وقع خطأ من الطبيب أثناء معالجته للمريض ونتج عن هذا الخطأ ضرر قامت مسؤولية الطبيب عن ذلك.
  وحتى تقوم المسؤولية المدنية للطبيب بشكل كامل يتعين التأكد من وجود العناصر المشكلة للمسؤولية , فلا يكفي وجود الخطأ و الضرر بل يجب أن يتوفر الخيط الرفيع الذي يجمع بين العنصرين و هو علاقة السببية

الفقرة الثالثة: علاقة السببية:                                               
أولا: الطبيعة الخاصة لعلاقة السببية . 
    تعتبر علاقة السببية الركن الثالث المكون للمسؤولية المدنية بنوعيه العقدية و التقصيرية إلى جانب الخطأ و الضرر,فلا يكفي الحديث عن وجود الخطأ و الضرر و نقول بوجود مسؤولية , فلا بد من العنصر الذي يجمع بين الخطأ و الضرر و يسمح بالقول بأن الخطأ كان هو السبب المباشر في حدوث الضرر.
  ويمكن تعريف علاقة السببية بأنها حلقة الوصل بين الخطأ المنسوب للمسؤول و الضرر الحاصل للمضرور.
و هناك عدة نصوص في ق ل ع المغربي تؤكد ضرورة توفر هذه العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر من ذلك ما ورد في الفصليين 77و 78 من أن المسؤولية عن الفعل الضار لا تتحقق إلا إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر حصول الضرر.
   و يصدق هذا القول على مسؤولية الطبيب ,إذ يتوجب على المريض أن يثبت أن خطأ الطبيب هو سبب الضرر الذي أصابه.
  وإذا كانت علاقة السببية مشكلة صعبة فإن حدة هذه الصعوبة تزداد تعقيدا في الميدان الطبي, ويعزى هذا الأمر لطبيعة التدخلات الفنية التي يقوم بها الطبيب و كذا لكون جسم الإنسان هو موضوع هذه التدخلات و ما يتميز به هذا الأخير من تعقيد من جهة و من جهة أخرى لكونه أغلى ما يملكه الإنسان.
  و تطرح علاقة السببية من الناحية القانونية إشكالات عديدة كتعدد الأسباب التي تؤدي إلى ضرر واحد أو و جود سبب واحد غير أن الأضرار المترتبة عنه كثيرة,فندخل في متاهة تحديد أي هذه الأسباب هو السبب المباشر و أي من الأضرار الحاصلة يستوجب التعويض؟
 لأجل ذلك انبرى الفقه لدفع مثل هذه الإشكالات القانونية,و يمكن في هذا الصدد الإشادة بالفقه الألماني الذي كان له قصب السبق في هذا المجال من خلال وضعه لنظريتين لحل الإشكالات المرتبطة بالعلاقة السببية.
أ) نظرية تعادل الأسباب [4]:
      يرجع الفضل في بروز هذه النظرية للفقيه الألماني " فان بوري", وقد كانت البداية الممهدة لما سيأتي بعدها من نظريات.
     تقوم هذه النظرية على اعتبار أن كافة الأسباب المشاركة في حدوث الضرر تكون مسؤولة على قدم المساواة في تحمل المسؤولية.
  و تبدوا هذه النظرية بسيطة و سهلة التطبيق, فأي سبب أدى إلى حدوث الضرر فإن صاحبه مسؤول,غير أن ما يعاب عليها عدم إخضاعها هذه الأسباب للتدقيق و التمحيص ومعرفة أي منها كان له الدور الحاسم في إحداث الضرر أكثر من غيره.فهذه النظرية تأخذ كل الأسباب بعين الاعتبار حتى ولو كانت غير مباشرة أو عرضية وهذا هو الانتقاد الذي وجه إليها -تضع كافة الأسباب في كفة واحدة- و يترتب عن ذلك تشطير المسؤولية وفق عدد المسؤولين المشاركين في النتيجة الضارة ويتكبد من قام بخطأ يسير نفس التعويض الذي سيتحمله مرتكب الخطأ الجسيم, وأمام هذه الإنتقدات فسح المجال لظهور نظرية  السبب الفعال أو المنتج.
ب)  نظرية السبب الفعال:
   أمام عجز النظرية السابقة عن إيجاد معيار جامع مانع لتحديد العلاقة السببية, تم التوجه نحو نظرية السبب الفعال أو المنتج  و يعتبر الفقيه "فون كريس"أحد رواد هذه النظرية.و بنيت على أساس أنه لكي يكون السبب منتجا يجب أن يجعل النتيجة هي نفسها بمجرد ظهوره, و المعيار المعتمد الذي يقاس على أساسه السبب المنتج هو معيار التوقع المعقول .
  و الملاحظ أن المشرع المغربي أخد بهذه النظرية بحكم الإجماع الفقهي عليها من بين النظريات السابقة و يتجسد ذلك من خلال مقتضيات الفصلين 77و78 من ق ل ع بعبارة "كان هو السبب المباشر في حدوث الضررر".

ثانيا:حالات انعدام السببية و الإعفاء منها.
   تنتفي مسؤولية الطبيب بعدم إثبات العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر ,وقد تنتفي هذه الرابطة بفعل القوة القاهرة أو الحادث الفجائي و بحكم عدم كونهما السبب الذي ينفي المسؤولية في الغالب بفعل التطور الحاصل في الميدان الطبي والذي, لم يعد معه حصول وفاة لآنقطاع التيار الكهربائي مثلا سببا يثار في الغالب,ارتأينا الوقوف فقط عند كل من خطأ المريض و الغير.
 أ)خطأ المريض:
  أحيانا يكون المريض هو المقصر الحقيقي فيتسبب بخطئه في إحداث الضرر لنفسه مما يترتب معه نفي العلاقة السببية بين نشاط الطبيب و النتيجة الضارة.[5]
  فإذا كان المريض الذي أحدث بفعل خطئه ضررا لنفسه, و كان الخطأ وحده كافيا لإحداث الضرر فإن من شأن ذلك أن يقطع العلاقة السببية بين الفعل و النتيجة الضارة بما يترتب معه إعفاء المدعى عليه –الطبيب-من المسؤولية طالما أنه لم يحدث بخطئه النتيجة الضارة.و يمكن تمثيل ذلك بإعطاء المريض للطبيب معلومات خاطئة عن الحالة الرضية التي يعاني منها إما سهوا أو تهاونا أو رغبة في استظهار القدرات المعرفية للطبيب,فيقوم هذا الأخير بمنح المريض دواء وفق الأوصاف التي حددها هذا المريض فيؤدي الدواء إلى إصابة المريض بأضرار خطيرة نتيجة تناوله لهذا الدواء.
  وقد يحدث أن يقع الخطأ من كلا الطرفين-الطبيب و المريض- وهو ما يسمى بالخطأ المشترك, يرتكب على إثره الطبيب خطئا جسيما ويشارك معه المريض بخطأ بسيط.فمادام خطئ الطبيب يستغرق خطأ المريض فإن الأول يسأل مسؤولية كاملة عن الخطأ الذي اقترفه, أما إن لم يعرف أيهما أكثر جسامة و استغراقا للآخر فإنه يلجأ إلى تشطير المسؤولية بينهما.
ودواء لا يتناسب و الحالة المرضية لزبونه و يقوم هذا الأخير و رغبة منه في تسريع وثيرة الشفاء بتناول الدواء بطريقة غير منتظمة و دون احترام مقدار الجرعات,فيؤدي ذلك إلى وفاته.فخطا المريض جاء هنا نتيجة لخطأ الطبيب الذي يسأل مسؤولية كاملة لأن الضرر كان سيقع للمريض حتما ما دام الطبيب أخطأ في وصف العلاج .
ب) خطأ الغير:
  إضافة إلى القوة القاهرة و الحادث الفجائي و كذا خطا المريض نفسه, فإن علاقة السببية قد تنتفي بخطأ الغير.
  يتحمل الغير المسؤولية عن الضرر الذي لحق المريض إن كان الخطأ الذي صدر عنه كافيا لوحده في حصول الضرر,و بذلك تسقط المسؤولية عن الطبيب بإثبات ذلك. فقد يكون الغير أحد مساعدي الطبيب أو الأشخاص الذين اختارهم بعناية من أجل مساعدته في القيام بمهامه,فخطأ هؤلاء – مثل الممرضين و أطباء التخدير-لا يعفي المدعى عليه من المسؤولية رغم أنهم أغيار و يرجع السبب في ذلك لكونهم يشتغلون تحت إمرة الطبيب فيتحمل عنهم المسؤولية في إطار مسؤولية المتبوع عن فعل التابع.
  و أحيانا يصادف أن أحدا من الأغيار –غير الطبيب و المضرور- ارتكب خطئا ما و أن خطأ الطبيب استغرقه, فالأخير هو من يتحمل المسؤولية وكذا الحال إن كان خطأ الغير نتيجة لخطأ الطبيب.
 أما إن كان الخطأين لا يستغرق أحدهما الآخر و لا يعد الواحد نتيجة للثاني ,فإن المسؤولية تبقى مشتركة بين الطرفين و يسألان أمام الطرف المضرور بالتضامن و إعسار أحدهما لا يغني الآخر من دفع كامل التعويض للمضرور مع احتفاظ دافع التعويض بحق الرجوع على الطرف الذي ساهم أو شارك معه في ارتكاب الفعل الضار.[6]
  من هنا تقع على عاتق الطبيب رقابة أعمال و تصرفات من هم تحت عهدته من ممرضين و مساعدين و أطباء مبتدئين...إلخ, ذلك أن التعامل مع جسم الإنسان يقتضي انتباها و حذرا شديدين, بأن يكون كل من يحترف مهنة الطب أو المهن المرتبطة به مجيدا لحرفته وعلى اتصال بالتطور الحاصل في مجال الطب.[7]
و أخيرا يمكن القول أن البحث في العلاقة السببية من حيث الإثبات و النفي ضمن دائرة المسؤولية الطبية هي عملية شاقة و معقدة,لأن أساس موضوعها جسم الإنسان و قوة تحمله للمرض و مضاعفاته,و كل مرض محاط بالكثير من الأسرار و الغموض, و كثيرا ما تختلف تطورات المرض و مضاعفاته بحيث يصبح أكثر الأطباء خبرة غير قادرين على الحكم على الوضع الصحي للمريض و السبب الحقيقي في تدهور وضعه الصحي.[8]

المبحث الثاني: الإثبات في الميدان الطبي و موقف الاجتهاد القضائي من المسؤولية المدنية للطبيب.

 المطلب الأول:الإثبات بواسطة الخبرة الطبية و الملف الطبي.
   
تعتبر الخبرة الطبية و الملف الطبي من أكثر الوسائل استعمالا بحكم نجاعتهما في إثبات المسؤولية من عدمه, لذا ارتأينا إدراج كل من الوسيلتين للوقوف عليهما بطريقة وافية و خصصنا لكل واحدة منهما فقرة خاصة به.

الفقرة الأولى: الخبرة الطبية.

      أضحت الخبرة الطبية تشكل أحد الركائز التي يستقيم بها الجسم القضائي في كل أمر تقني يصعب على القاضي أمر الفصل فيه.فبفعل التطور التكنولوجي الذي استفادت منه كافة الميادين وما ترتب عن ذلك من مشاكل قانونية, فإنه أضحى لزاما على القضاء مواكبة هذا التطور و تحسين آلياته بغية التمكن من تطبيق القانون بطريقة تحفظ حقوق الأفراد.
     وتعد الخبرة القضائية أحد أهم هذه الوسائل القانونية,و قد عرفها بعض الفقه بأنها"إجراء للتحقيق يعهد به القاضي إاى شخص مختص ينعت بالخبير ليقوم بمهمة محددة تتلق بواقعة أو عدة وقائع مادية يستلزم بحثها و تقديرها أو على العموم إبداء رأي يتعلق بها علما أو فنا لا يتوفر في الشخص العادي ليقدم له بيانا أو رأيا فنيا لا يستطيع القاضي الوصول إليه وحده"[9]
    و الملاحظ أن المشرع المغربي أحاط هذا الموضوع بنوع من العناية, نظرا لما يحققه من مكاسب يستنير بها القاضي فيبث في القضايا انطلاقا من ما هو ثابت علميا ليريح ضميره و يحقق العدالة المرجوة, و يتجسد هذا المعطى في كل من القانون 45.00 و قانون المسطرة المدنية (الفصول من 59 إلى 66) ثم قانون المسطرة الجنائية (المواد من 194 إلى 209).
    و على المستوى الطبي فإن للخبرة دور حاسم في القول بوجود المسؤولية المدنية للأطباء من عدمه,مثال ذلك ما أكدته الخبرة الطبية في الحكم عدد 683-2010 بتاريخ 17_05_2010 و جاء فيه".........الذي خلص في تقريره المؤرخ في 20_10_2009 إلى نتيجة بأنه لا يمكن الجزم بأن الوصفة الطبية هي سبب الوفاة لكن يمكن القول بأن الدواء المسمى "أسطاف" المضمن في الوصفة الطبية يمكن أن يؤدي إلى حساسية مفرطة.", و الملاحظ أن مقتضيات الفصل 194 من قانون المسطرة ج جعل اللجوء إلى الخبرة الطبية أمرا خاضعا للسلطة التقديرية للقاضي, كما أن دور الخبير في هذا الصدد محدد في توضيح النقاط التقنية التي طلب القاضي توضيحها دونما أن يتعداه للخوض في المسائل القانونية وهو ما أكدته الفقرة الأخيرة من المادة 59 من ق م م " يجب على الخبير أن يقدم جوابا محددا وواضحا عن كل سؤال فني كما يمنع عليه الجواب على أي سؤال يخرج عن اختصاصه الفني و له علاقة بالقانون", وقد أكد هذا المعطى قرار للمجلس الأعلى سابقا بتاريخ 30 مايو 1982 " ... إن مهمة الخبير الذي تعينه المحكمة تنحصر في جلاء أمر تقني يرى القاضي الإطلاع عليه ضروريا للفصل في النزاع المعروض عليه".
   و لا يعدو دور الخبرة الطبية أن يكون استشاريا[10],خاضعا للسلطة التقديرية للمحكمة كغيره من الوقائع المادية و ذلك وفق ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 2 من ق 45.00 "يمكن للمحكمة أن تستعين بآراء الخبراء القضائيين على سبيل الاستئناس دون أن تكون ملزمة لها". غير أن الواقع العملي جعل هذا الاستثناء قاعدة عامة, و أصبح القضاء يأخذ في الغالب الأعم بما تتضمنه تقارير الخبراء, ويفسر الفقه ذلك بأن القاضي ما دام لجأ إليها فإن عدم أخده بها سيجعله يتناقض مع نفسه لأنه ما لجأ إليها إلا لإحساسه بعدم التمكن من حل المسائل الفنية التي صادفته.
    غير أن هذا الواقع, يصطدم بإرهاصات أخرى أبرزها التضامن الضمني الذي يعمد إليه الخبراء محاولين في ذلك عدم تشويه صورتهم المثالية بما يعرض حقوق المضرورين للضياع بما يستوجب معه على القاضي الإمعان في الخبرات الطبية قبل الأخد بمضمونها, ولعل المشرع المغربي فطن لهذا الطرح فتصدى له من خلال تمكين القاضي طلب خبرات أخرى إذا كانت طبيعة القضية تستدعي ذلك (الفصل 66 ق م م).  
  الفقرة الثانية : الملف الطبي.
     يعتبر الملف الطبي أحد الوسائل التي لا تدع مجالا للشك في وجود مسؤولية الطبيب من عدمه و يفسر ذلك باحتوائه على مجموعة من البيانات التي تؤكد بوضوح الحالة المرضية للمريض منذ الإصابة بالمرض إلى الشفاء منه.
   وتزداد أهمية هذا الملف في الحالة التي لايترك فيها الملف العمل الطبي اثارا مادية ملموسة يستدل بها الخبير على وجود الخطأ.[11]
و يتضمن الملف الطبي في العادة البيانات التالية:
1_ معلومات عن المريض, كاسمه و سنه و جنسه.
2_ معلومات عن أسباب اللجوء إلى الطبيب.
3_ نتائج الإختبارات الطبية الأولية و الإختبارات الطبية التالية التي أجريت للمريض.
4_تقارير الفحص الأولي و الفحوصات المكملة له..إلخ[12]
   هذا وأن إثبات المسؤولية يقع على عاتق المريض في المجال الطبي هذا الأخير ملزم بإثبات الخطأ الشخصي  الذي اقترفه الطبيب و أحدت بذلك ضررا لمن يريد تأكيده مادام التزام الطبيب بوسيلة لا بتحقيق غاية.
  و يعتبر عدم مسك الملف الطبي خطئا مهنيا من جانب الطبيب يرتب مسؤوليته القانونية[13],و ما يؤكد ضرورة مراعاة الملف الطبي و الأخد بما يحتويه درءا لكل خطأ و استعماله كذلك كوسيلة إثبات, قرار عدد 574 بتاريخ 06.02.1992 ماف مدني عدد 87_ 1281 وجاء فيه "..أضاف المدعي أنه وضع بين يدي الدكتور... الملف الطبي لزوجته و الذي  يتجلى منه بكل وضوح و بصفة إجبارية ضرورة إجراء عملية قيصرية إلا أن الدكتور ... غامر في توليد الحامل من دون عملية و بذلك ارتكب خطأ فادحا يبقى مسؤولا عن نتائجه إذا لم تراعى أصول التوليد."

 المطلب الثاني : موقف القضاء المغربي من المسؤولية المدنية للطبيب.
         سنقوم بإدراج بعض القرارات القضائية في هدا الصدد في فقرة أولى ثم نقوم بتقييم موقف القضاء المغربي في هدا الخصوص.
الفقرة الأولى: بعض القرارات القضائية الصادرة في موضوع المسؤولية المدنية للطبيب.
        لابد من الإشارة إلى أن هناك شح في القرارات القضائية في هدا الخصوص وصعوبة في الوصول إليها خاصة قرارات جديدة لذلك حاولنا الاعتماد على بعض القرارات القضائية ما بين سنة 2000 و 2010 و دلك لمحاولة رسم صورة عن توجه القضاء المغربي بخصوص المسؤولية المدنية للطبيب.
       و أول قرار صادر عن المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا عدد 1081⁄9 . بتاريخ 4⁄7⁄2001 ،في الملف ألجنحي عدد 4186⁄98 اعتبر فيه أن العلاقة التي تربط الأطباء الزائرين بالمصحة ،ولو بصفة مؤقتة ،لا تنتهي بانتهاء العملية الطبية التي أجريت للمريض و إنما تبقى المصحة مسئولة مدنيا عما يرتكبه الأطباء من أخطاء أثناء ممارستهم لعملهم تحت عهدتها، وبحكم التبعية بمقتضى العقدة الخاصة المبرمة بينهما.[14]
        وهدا القرار يجعل من مسؤولية الطبيب الجراح و المصحة تقوم على أساس عقدي.  
        أيضا حكم صدر بتاريخ 2006⁄03⁄27 ملف رقم 01⁄23⁄224 [15] ، و هو حكم يكرس الالتزام بنتيجة في مجال جراحة التجميل ، إذ يتعلق الآمر بامرأة تعرضت لحروق بالأنف و انه بعد شفائها من الحروق قررت إجراء عملية تجميل لإزالة أثار الحروق، واقترح عليها الطبيب الجراح إزالة جزء من أدنها من اجل زرع عضو في مكان الجزء المحروق من انفها، غير أن إجراء عملية التجميل ترتب عنه ظهور تشوهات بشعة جعلت وجهها أسوء مما كان عليه. وقد أمرت المحكمة تمهيديا بأجراء خبرة دون أن تعتمد عليها في تعليلها، واقتصرت على المعاينة التي وقعت بجلسة البحث، و الملف الطبي لتقتنع بوجود ضرر فادح حاصل بوجه المدعية و تقضي لفائدتها بتعويض اعتمادا على الالتزام بنتيجة الذي يميز جراحة التجميل ، وقد جاء في حيثيات الحكم ″حيث أن الطبيب الجراح في عمليات التجميل بالإضافة إلى الالتزام ببذل العناية فهو ملزم بتحقيق النتيجة المتفق عليها، خصوصا أن التدخل الطبي ليس وظيفيا من اجل العلاج من مرض معين بل هو تقويمي تجميلي.
         أيضا قرار صادر عن المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا تحت عدد 3844 بتاريخ 20⁄12⁄2006، ملف مدني عدد 3418⁄1⁄3⁄2005[16]،  و تتلخص وقائع النازلة في أن امرأة حامل توقف حملها فعرضت نفسها على أخصائية في أمراض الولادة فنصحتها بتدخل طبي لتنظيف الرحم، و الذي خضعت له بعيادتها لإزالة الجنين الميت لكن لم تنجح العملية، فازداد الشعور بالألم و النزيف،و بعد فحوص من أطباء آخرين تبين لهم وجود بقايا الجنين و المشيمة بالرحم مع إصابة هذا الأخير بجروح عميقة لا يمكن شفاؤها لذلك اعتبر المجلس الأعلى في قراره  أن الضرر الحال بالضحية من جراء تكرار العمليات الجراحية على المريضة في فترة قصيرة ودون استعمال تخدير كامل وما سببه ذلك من الآم وضرر جسماني ونفسي ، يعتبر دليلا على خطا الطبيب الجراح و المتجلي في عدم بذل العناية الطبية اليقظة و اللازمة لشخص في مستواه العلمي،.
        قرار آخر صادر عن المجلس الأعلى [17]عدد 1795 بتاريخ 20⁄4⁄2010 في الملف المدني عدد 129⁄1⁄3⁄2008 حول المسؤولية المدنية للطبيب الجراح و المصحة  و تتلخص وقائع النازلة في أن امرأة تم استقبالها بالمصحة في حالة وجع الوضع، وتم الوضع فعلا بصفة طبيعية، بإشراف من الطبيب المولد الذي قام بإفراغ الرحم ، إلا انه حدث نزيف دموي حاد لم ينقطع الشيء الذي جعله يقرر إجراء عملية جراحية لاستئصال الرحم ، و الذي زاد من حدة النزيف، حيث توفيت السيدة بسبب عدم تغذية شرايينها بالدم في إبانه، في حين أن المصحة لم تكن تتوفر على فصيلة الدم المطلوبة لحقن المريضة ، ولم تكن تتوفر أيضا على سيارة إسعاف ، وان أقاربها هم الذين اضطروا إلى التنقل على عجل لمركز تحاقن الدم لتوفير كمية الدم المطلوبة ، و الذي تم بعد فوات الأوان ،فاعتبر هذا القرار أن الطبيب ملزم ببدل عناية الرجل المتبصر حي الضمير .وان يسلك في ذلك مسلك الطبيب اليقظ من نفس مستواه المهني الموجود في نفس الظروف المحيطة به، وان أي تقصير أو إهمال منه منافي للأصول العلمية الثابتة في علم الطب يكون مسئولا عته و يستوجب التعويض، و كذلك اقر بمسؤولية المصحة التي تأخرت في إحضار الدم من مركز تحاقن الدم و أن المصحة عليها أن تحضر الوسائل و الأدوات التي يحتاجها الطبيب أثناء العملية باستعجال و دون تأخير و إلا تحملت المسؤولية مع الطبيب عن الإهمال و التقصير.
 الفقرة الثانية : تقييم موقف القضاء المغربي.
        من خلال القرارات السابقة التي تم وضعها بالفقرة الأولى و قرارات أخرى اطلعنا عليها لم نقم بنشرها بسبب عدم التأكد من صحتها يمكن أن نخلص أن القضاء المغربي قد أخد التوجه التالي:
       ما يخص الطبيب فقد تم إخضاعه من حيث المسؤولية المدنية عن أخطائه إلى القواعد العامة للمسؤولية العقدية بالأصل و بالاستثناء إلى المسؤولية التقصيرية ، و أن عبء إثبات الخطأ المهني يقع على عاتق المريض ،أما ما يخص تقدير الخطأ من طرف المحكمة فهي تعتمد في ذلك تقدير موضوعي سواء ا كان الطبيب مرتبط مع المريض بعقد أم لا، وسواء شاب عمله خطا مادي أو فني، معتمدة في ذلك على المعيار المجرد الذي يقوم على أساس قياس سلوك الطبيب محدث الضرر ،بسلوك الطبيب المتوسط من المستوى المهني نفسه و المحاط بالظروف الخارجية ذاتها ، وان كل خروج عن هذا السلوك العادي يعد خطا ويوجب مسؤولية الطبيب، فالطبيب ملزم ببذل عناية و لا يلتزم بتحقيق النتيجة إلا في حالات معينة كعمليات التجميل و التقويم و أيضا تم الإقرار بمسؤولية المصحة مع الطبيب في حالة الإهمال و التقصير.
     لكن يبقى الإشكال مرتبط في الأساس بعدم وجود نصوص قانونية تنظم بشكل صريح للمسؤولية المدنية للطبيب بل فقط ما هو منصوص عليه في الفصلين 77 و 78 من قانون الالتزامات و العقود كقاعدة عامة في المسؤولية المدنية ، هذا الفراغ التشريعي سيؤدي بلا شك إلى التهرب من المسؤولية من طرف الطبيب محدث الضرر، زد على ذلك أن العديد من الضحايا يجهلون كيفية التعامل القانوني مع الخطأ الطبي ، و قد يجدون أنفسهم في دوامة التقادم بسبب استنفاد الآجال القانونية لتقديم الدعوى.
    أيضا هناك إشكال آخر يتعلق بشرط إثبات الخطأ الطبي من طرف المريض و الذي يعد من الأمور الصعبة و المعقدة....
      لذلك لابد من الإسراع بإصدار قانون خاص بالمسؤولية المدنية للأطباء ، و دسترة قانون يتعلق بحقوق المريض، و تشديد المراقبة على المصحات الخاصة و العمومية ، و مدى القطب العمومي بأجهزة طبية حديثة تستجيب للمعايير الدولية في المجال الطبي، الاهتمام بالجانب الإعلامي في توعية المواطنين بالأخطاء الطبية و الطرق القانونية التي


   -  أحمد ادريوش: مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، مطبعة الأمنية ـ الرباط 1989 [1]
   الحياري، أحمد المسؤولية المدنية للطبيب، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2005 ، ص35                                               [2]
 3 محسن عبد الحميد، نظرة حديثة إلى خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية في ظل القواعد القانونية
التقليدية، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت، 1993 ، ص 13  .
4- ينصح بالرجوع إلى مؤ لف الأستاذ محمد عبد النباوي بعنوان المسؤولية المدنية للأطباء بالقطاع الخاص لما لامسنا  فيه من معالجة جيدة لشق العناصر المشكلة للمسؤولية المدنية للطبيب و المسؤولية بوحه عام , الطبعة الثانية يناير 2005 تقديم الدكتور محمد الكشبور.                                                                    .                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  
 5- سيدي حمو,المسؤولبة الطبية عن الجرائم غير العمدية,رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية,جامعة محمد الخامس أكدال 2009 2010 ,ص  37                                                                                   .                                                                                           
6- الدكتور عبد القادر العرعاري النظرية العامة للإلتزامات في القانون المدني المغربي الجزء الأول مصادر       الإلتزامات, الكتاب الثاني المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار,ص 100 مطبعة دار الأمان الرباط.                      
 سيدي حمو , مرجع سابق ص 39.                                                                                      [7]
8- عبد السلام التوجني,الفقه المصري مشار إليه  في أطروحة لنيل الماجستير ق خاص بكلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية في نابلس فلسطين ,2008 الصفحة 112                                                  
 محمود جمال الدين زكي: الخبرة في المواد المدنية و التجارية مطبعة جامعة القاهرة .1990 ص 13.[9]
 يستفاد ذلك من خلال استهلال المادة 2 من ق 45.00 بعبارة "يمكن".                                                     [10]
11-سيدي حمو,                                                                                                                           
12-للمزيد من الإطلاع حول مجمل البيانات المتوفرة في الملف يرجى مراجعة هامش الصفحة 56 من أطروحة الباحث سيدي حمو مرجع سابق,
 نور الدين العمراني مشار إليه في أطروحة البحث سيدي حمو, مرجع سابق.                                            [13]
- 14  قرار منشور بمجلة قضاء محكمة النقض ، ضمن تعليق ل أسماء أحيد على المسؤولية المدنية للطبيب الجراح و المصحة ، العدد 74 ص

15_  حكم صدر بتاريخ 2006⁄03⁄27 ملف رقم 01⁄23⁄ 224 ،منشور بمجلة المحاكم المغربية  عدد 101 ص1471238

 -   قرار عدد 3844 بتاريخ 20⁄12⁄2006، ملف مدني عدد 3418⁄1⁄3⁄2005 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، مرجع سابق ص .121[16]
   قرار عدد 1795 بتاريخ 20⁄4⁄2010 في الملف المدني عدد 129⁄1⁄3⁄2008 ،منشور بمجلة قضاء محكمة النقض ،مرجع سابق، ص 111[17]



يمكن سلكها للتوجه إلى القضاء ، فواجب الإعلام و التبصر هو واجب على الطبيب و أيضا على الإعلام السمعي البصري، و كذلك يجب دعم جمعيات خاصة بحماية المرضى من الأخطاء الطبية ...
     هذا ما يمكن القول بخصوص تقييم موقف القضاء المغربي من المسؤولية المدنية للطبيب.  

الخاتمة:
   مسك الختام أن موضوع المسؤولية المدنية للطبيب ,يبقى من المواضيع التي لم تأخد حضها من الدراسة و التمحيص في المغرب,على عكس الدول المشرقية التي أسهبت بكثير في تناول الموضوع من كافة جوانبه.أضف إلى ذلك أن الشق التشريعي غير واضح في المجال و أن القضاء في هذا الصدد لم يجد من بد سوى الإستعانة بالقواعد العامة للفصل في الموضوع.
   ونهيب في هذا المقام بالمشرع للتدخل و صياغة نصوص مستقلة بالموضوع حتى تصان الحقوق والمراكز.



لا ئحة المراجع:

-أحمد ادريوش: مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب.

-الحياري، أحمد المسؤولية المدنية للطبيب، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2005
                                                                                 - --محسن عبد الحميد، نظرة حديثة إلى خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية في ظل القواعد القانونية
التقليدية، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت،  1993

- سيدي حمو,المسؤولبة الطبية عن الجرائم غير العمدية,رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية,جامعة محمد الخامس أكدال 2009 2010

-محمد عبد النباوي, المسؤولية المدنية للأطباء بالقطاع الخاص الطبعة الُامنية يناير 2005.


- الدكتور عبد القادر العرعاري النظرية العامة للإلتزامات في القانون المدني المغربي الجزء الأول مصادر الإلتزامات, الكتاب الثاني المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار مطبعة الأمنية الرباط.

- محمود جمال الدين زكي: الخبرة في المواد المدنية و التجارية مطبعة جامعة القاهرة .1990

-وائل تسير محمد عفاف, أطروحة لنيل الماجستير قانون خاص كلية الدراسات العليا ,جامعة النجاح الوطنية في نابلس فلسطين 2008.


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *