-->

مراحل التقاضي في إطار المرحلة القضائية للتحفيظ

تقديم:
    
الأصل أن مسطرة التحفيظ هي مسطرة  إدارية تنتهي بصدور قرار من المحافظ  العقاري يقضي بتحفيظ العقار على إسم طالب التحفيظ أو رفض هذا التحفيظ , إلا انه إستثناءا قد  يحصل أن تنتقل هذه المرحلة  إلى المرحلة القضائية هذه الاخيرة التي تعتبر مرحلة حاسمة في إطار نظام التحفيظ العقاري لهذا سوف نتعرض إلى مراحل التقاضي في إطار المرحلة القضائية للتحفيظ في (المبحث الأول)  على أن نتناول أهم المبادئ التي يبث فيها القضاء في نزاعات التعرض في (المبحث الثاني).[1]

          المبحث الأول:   مراحل التقاضي أثناء المرحلة القضائية:

1. المرحلة الابتدائية:  في نطاق هذه المرحلة يحيل المحافظ العقاري ملف التحفيظ  والتعرضات المتعلقة به الى المحكمة الإبتدائية الكائن في دائرتها العقار المراد تحفيظه [2], هنا يكلف  رئيس المحكمة الإبتدائية أحد القضاة لتحضير القضية للحكم طبقا للفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري هذا و للقاضي المقرر أن يتخذ ما يراه ضروريا لتحقيق مهمته وله في سبيل ذلك الإنتقال  إلى العقار المراد تحفيظه ليطابق  الرسوم و يستمع للشهود, وله كذلك أن ينتدب قاضيا أخر للقيام بهذه المهمة وله كذلك أن يستعين بمهندس تابع للمصلحة الطبوغرافية يختار بواسطة رئيس مكتب المساحة, كما أن للقاضي المنتدب أن يتلقى و يصدر جميع التصريحات و الشهادات و يستمع إلى الشهود الذين يطلبون الأطراف الإستماع إليهم الفصل 34 من ظهير التحفيظ العقاري.

عندما ينتهي القاضي المقرر من مهمته و تصبح القضية جاهزة و صالحة للحكم يعلم الأطراف بموعد الجلسة قبل ثمانية أيام على الأقل ثم تعقد الجلسة علنية في التاريخ المحدد حيث يستمع إلى تقرير القاضي المقرر الذي يعرض المشاكل المثارة دون ابداء أي رأي ثم تستمع المحكمة إلى الأطراف فممثل النيابة العامة إن إقتضى الحال ثم تصدر حكمها فورا بعد المداولة. مع حق الأطراف الطعن بالإستئناف بعد وصول التبليغ وفقا للشروط التي ينص عليها الفصل 40 من ظهير التحفيظ العقاري.
2. المرحلة الإستئنافية:    يجوز لأطراف دعوى التعرض إستئناف حكم المحكمة الإبتدائية هذا و يمكن رفع طلب الإستئناف على الكيفية المنصوص عليها في الفصل 231 من قانون المسطرة المدنية و يوجه الملف بدون مصاريف مع نسخة الحكم المطعون فيه إلى كتابة الضبط بمحكمة الإستئناف الفصل 41 من ظهير التحفيظ العقاري. و مهما كانت قيمة العقار المراد تحفيظه, هذا و يجوز رفع الإستئناف من طرف طالب التحفيظ الأطراف أو المتعرض و بدون محامي ولا الحصول على إذن بالترافع [3], و يجب تقديم الإستئناف داخل اجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه إلى كتابة الضبط المحكمة الإبتدائية مصدرة الحكم.[4]  
و عندما يحال الملف على محكمة الإستئناف يعين رئيسها مستشارا مقررا له بتتبع المسطرة حيث يكلف المستأنف بتقديم أوجه إستئنافه إذا لم يكن قد فعل ذلك عند إستئنافه ثم يستدعي الأطراف الاخرى لتقديم مذكرة جوابية على الأسباب الاستئناف الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري مع إمكانية جواز قيام المستشار المقرر القيام بجميع الإجراءات بما فيها الإستماع للشهود, الانتقال إلى عين المكان, الإستعانة بمهندس عقاري هذا وفي مرحلة الإستئناف لا يجوز للأطراف أن يتقدموا بطلب جديد كما أن التحقيق الإضافي المنجز من قبل المستشار المقرر يقتصر على النزاعات التي أثارها مطلب التحفيظ في المرحلة الإبتدائية الفقرة الثالثة من الفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري هذا و إذا ظهر للمستشار المقرر أن القضية أصبحت جاهزة للبث فيها وأن الإجراءات قد تمت  يصدر قرارا بالتخلي ثم يعين تاريخ الجلسة التي ستدرج فيها القضية ثم يوجه إستدعاء للأطراف جميعا قبل 15 يوما على الاقل من تاريخ الجلسة.
و تكون الأحكام التي تصدرها حضورية  بحيث لا تقبل التعرض ولو لم يحضر الاطراف أثناء الجلسة, هذا وتقتصر محكمة الإستئناف في حكمها على القول بصحة التعرض أو الغاءه أو بوجود تلك الحقوق المتعرض عليها و نوعها و مداها و محتواها أو عدم وجودها ثم تحيل الأطراف على المحافظ العقاري ليقرر قبول الطلب التحفيظ أو رفضه كلا أو بعضا ثم يتم التبليغ الى جميع الأطراف وفق قواعد قانون المسطرة المدنية ليتسنى لصاحب المصلحة الطعن فيه بالنقض.
3.مرحلة محكمة النقض:    بالرجوع إلى ظهير التحفيظ العقاري لم يكن ينص على هذه المسطرة [5] 
  في هذه المرحلة بخصوص مادة التحفيظ كما فعل بالنسبة للمرحلتين السابقتين ولاكن بموجب ظهير 27/09/1957 المحدث للمجلس الأعلى و الذي أحال عليه الفصل 47 من ظهير التحفيظ العقاري أصبح لا مناص من سلوك هذه المرحلة.

وفي هذا الصدد نجد الفصل 109 من ظ.ت.ع جاء فيه ما يلي " لا تقبل الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري إلا بالاستئناف و النقض".

المبحث الثاني  :   المبادئ التي يبث وفقها القضاء المغربي في نزاعات التعرض:

1. من حيث التعرضات:  إستقر القضاء المغربي على مجموعة من المبادئ التي يتم وفقها البث في نزاعات  التعرض و التي إستخلصها من الفصل 37 ممن ظهير التحفيظ العقاري[6] ;
·      البث في حدود التعرض:  أي أن القضاء يقتصر دوره على البث في صحة التعرض أو عدم صحة التعرض ولا يمتد نظره إلى التقرير بشأن مطلب التحفيظ إذ أن ذلك يدخل ضمن الإختصاص الكامل للمحافظ على الأملاك العقارية و الذي له وحده الصلاحية في قبول أو رفض مطلب التحفيظ في إطار الصلاحيات الكاملة التي خولها له المشرع.[7]     
·      المحكمة تبث بين طالب التحفيظ و المتعرض:  أي أن المحكمة لا تبت في النزاع بشكل شمولي بل إنها تبث بين طالب التحفيظ من جهة و كل متعرض من جهة ثانية .
حث أنه في بعض القضايا تحكم بصحة تعرضين كليين ينصبان على نفس العقار في مثل هذه الأحوال و في حالة تقدم أحد المتعرضين طبقا للفصل 37 من ظ.ت.ع قبل التعديل هنا كان يضطر الطرف الأخر الذي حكم هو أيضا بصحة تعرضه يضطر إلى تقديم تعرضه من جديد تبعا للأحكام القضائية التي حصل عليها و يحال الملف من جديد على أنظار القضاء.

هذا هو الوضع أثناء الحماية الفرنسية و إستمر القضاء المغربي على هذا الحال إلى غاية 2011 مع التعديل ظهير 1913 ب قانون 14.07  تنبه المشرع إلى هذه الحالة و عدل المادة 37 من ظهير التحفيظ العقاري و أعطى للمحكمة الحق في الفصل بين المتعرضين ولو أن صياغة المادة لم توضح ذلك بهذا الشكل هذا الحل و لكن مع تفسير القضاء أصبح المحكمة الفصل و البث فيما بين المتعرضين.

·      المتعرض هو المكلف بالإثبات:  و هذا المبدأ يثير إشكالات خطيرة خصوصا في الحالة التي يكون فيها المتعرض هو الحائز بحيث يكلف بالإثبات ولو كان حائزا خلافا للقاعدة الشرعية القاضية " أن كل من سبقت يده على شيء فإنه لا يخرج من يده  إلا بيقين  إذ أن وضع  اليد  يعتبر حجة و يجب أن يعارض بحجة أقوى".[8]

ولكن مع ذلك فإن القاعدة تبقى هو أن المتعرضين هم المكلفين بالإثبات ولا تناقش حجج طالب التحفيظ إلا اذا  عند معارضتها بحجج  صحيحة يدلي بها الطرف المتعرض .
لهذا هناك من الفقه يأمل في إعفاء الحائز من عبئ الإثبات تماشيا مع القاعدة الشرعية الأنفة الذكر.[9]
·      بقيت مسألة هامة و هي تنفيذ الأحكام القضائية في مادة التعرضات :

1. تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مادة التعرضات  :
يختلف تنفيذ الأحكام في مادة التحفيظ العقاري على غيره وذلك نظرا للطبيعة الخاصة التي تميز نظام التحفيظ العقاري بحيث يعتبر المحافظ هو الساهر على تطبيق النظام و بناء على ذلك فإن المحافظ العقاري هو الذي يسهر على تنفيذ الأحكام و هو ما يختلف طبعا عن طرق تنفيذ الأحكام القضائية في المادة المدنية.
·      بصفة عامة  في إطار خصوصيات  التنفيذ هناك نقطتين :
أ‌.     في ما يخص طبيعة الأحكام القابلة للتنفيذ نشير إلى أن المادة 361 من قانون المسطرة المدنية يلاحظ أن الطعن بالنقض يوقف التنفيذ في قضايا التحفيظ العقاري ومن ثم فان نزاعات التعرض لا تكون قابلة للتنفيذ بمجرد أن تكون مكتسبة لقوة الشيء  المقضي به أي إستنفذت حتى طريق الطعن بالنقض وعليه فإن المحافظ العقاري لا يقدم على تنفيذ حكم إبتدائي إلا بعد الإدلاء أمامه بشهادة عدم التعرض و الاستئناف وإذا ثم الادلاء أمامه بحكم ابتدائي و قرار استئنافي فلا يتم التنفيذ إلا بعد الإدلاء بشهادة عدم الطعن بالنقض أو بالقرار الصادر عن محكمة النقض و هذا الأمر يختلف عن طبيعة الأحكام القضائية التي تكون في باقي القضايا المدنية حيث أن الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ و يكون الحكم نافذا بمجرد ما أن يكتسب قوة الشيء المقضي به.[10]
ب. أما فيم يتعلق بطريقة تنفيذ الحكم القضائي:  فإن المحافظ العقاري يكون ملزما بتطبيق مقتضيات المادة 83 من ظهير التحفيظ العقاري أي نشر خلاصة و إعلان جديد عن إنتهاء التحديد النهائي يعلن عن الحقوق الجديدة المحكوم بصحتها و التي تجعل صاحبها طالبا جديدا للتحفيظ و من ثم تفتح أجال جديدة للتعرض تصل إلى شهريين من تاريخ نشر الإعلان الجديد عن إنتهاء التحديد بالجريدة الرسمية.

و لهذا بسن المشرع المغربي لهذه المقتضيات جعل من التحفيظ في هذه الحالة إجباريا في حالة الحكم بصحة التعرض الكلي ولم يبقى إختياريا كيفما كان عليه الوضع في المادة 37 من ظهير التحفيظ العقاري قبل التعديل لسنة 2011.مما كان لا يساهم في تعميم نظام التحفيظ العقاري في بلادنا أما الوضعية الآن مع التعديل ظهير 1913 بقانون 14.07 فقد تغيرت الصورة.



   
خاتمة :
من نافلة القول يلاحظ أن المشرع المغربي حاول تكريس مجموعة من المقتضيات في ما يخص موضوع التحفيظ كان و لا زال من أهمها موضوع التعرضات الذي يعتبر بلا شك من أخطر مراحل التحفيظ العقاري سواء بالنسبة للأطراف سواء طالب التحفيظ أو المتدخل طبقا للمادة 84 من ظ.ت.ع أو بالنسبة للمحافظ أو بالنسبة للمؤسسات القضائية التي كانت ولا زالت تعاني من كثرة الملفات المتعلقة بالتعرضات و النزاعات التي تثيرها هذه المؤسسة ولاكن تبقى هذه المرحلة من أهم المراحل في اطار نظام التحفيظ  العقاري في بلادنا و في كل البلدان التي تأخذ بنظام الشهر العيني لمؤسسه روبرت تورانس.






المراجع المعتمدة
   1.    عبد العالي الدقوقي.محاضرات في نظام االتحفيظ العقاري.طبعة 2011-2010. مكتبة سجلماسة مكناس. ص 86-87
    2.  ادريس الفاخوري, نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات 14.07. ص 68-69. 
      3.محمد بونبات. قوانين التحفيظ و التيجيل و التجزئة العقارية.منشورات كلية الحقوق بمراكش.عدد12.السنة الجامعية 1995-1996.
 4. لحسن توغزاوى العقار في طور التحفيظ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا الرباط 1999-2000 .
5. المختار العطار الوجيز في القانون العقاري المغربي و الموريتاني الطبعة الاولى 1999




[1] .عبد العالي الدقوقي.محاضرات في نظام االتحفيظ العقاري.طبعة 2011-2010. مكتبة سجلماسة مكناس. ص 86-87
[2] .ادريس الفاخوري, نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات 14.07. ص 68-69.
[3] .محمد بونبات. قوانين التحفيظ و التيجيل و التجزئة العقارية.منشورات كلية الحقوق بمراكش.عدد12.السنة الجامعية 1995-1996.ص.11.
[4] .عبد العالي الدقوقي. مرجع سابق .ص 88.
[5] . المختار العطار الوجيز في القانون العقاري المغربي و الموريتاني الطبعة الاولى 1999 ص 288.
[6] .ينص الفصل 37 الفقرة2  و تبث المحكمة في وجود الحق الذي ادعاه المتعرضون وكذا  في نوعه و تبوثه و مداه تم التوجه الخصوم الى المحافظ الذي له وحده النظر في القضية ليتامل في مقررها و يقبل او يرفض طلب التحفيظ كليا او جزئيا.
[7] .هناك استتناءات قليلة بمقتضاها للمحكمة ان تنظر في اساس مطلب التحفيظ منها ما ينص عليه الفصل 48 من ظ.ت.ع, حيث يمكن للمحكمة ان تنظر في مطالب التحفيظ التعسفية وما ينص عليه الفصل 96 بخصوص الطعن في قرار المحافظ بشات رفض التحفيظ.
[8] .لحسن توغزاوى العقار في طور التحفيظ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا الرباط 1999-2000 و ما بعدها.
[9] .عبد العالي الدقوقي .م.س ص 94
[10] .نفس المرجع .الصفحة 94-95 
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *