-->

الهيئات القضائية المكلفة بالفصل في النزاعات المتعلقة بالتحفيظ العقاري



مقدمة:
يقصد بالتحفيظ العقاري هو إخضاع العقار لقانون 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري وذلك بتحفيظه بعد إجراء مسطرة للتطهير، يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، كما يقصد منه تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك في الرسم العقاري المؤسس له[1].
ومن هنا تظهر الأهمية البالغة لنظام التحفيظ العقاري الذي يطهر العقار ويحمي حقوق مالكه. وتجدر الإشارة أن مسطرة التحفيظ هي مسطرة إدارية بحتة مبدئيا، إلا أنه يمكن أن تتخللها مرحلة قضائية في حالة وجود نزاعات، حيث يعرض فيها الأمر على  القضاء ليفصل فيه.
ومن أهم هذه النزاعات حالة وجود تعرضات على مطلب التحفيظ وكذا في حالة الطعن في قرارات المحافظ على الأملاك، فهذا الأخير يمارس مهامه عن طريق إصدار مجموعة من القرارات التي تختلف باختلاف التصرف القانوني المراد ترتيبه على العقار، وهي قرارات تكتسي أهمية بالغة وخطورة أكبر على اعتبار أنها تنصب على حق الملكية العقارية وباقي الحقوق العينية المتفرعة عنه.
مما يكون لها تأثير مباشر على الوضعية القانونية للعقارات المحفظة أو التي في طور التحفيظ ومن ثم على المراكز القانونية للأشخاص الذين يدعون حقوقا عينية على هذه العقارات.
ولما كان الأمر كذلك، فقد كان من اللازم تمكين المتضرر من قرارات المحافظ من وسيلة قانونية لمخاصمتها والتظلم منها سواء أمام سلطته الرئاسية المتمثلة في المحافظ العام، أو أمام القضاء في إطار رقابة هذا الأخير على عمل المحافظ العقاري[2].
ولما كانت المسطرة القضائية هي التي تهمنا في هذا العرض، فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بالهيئة القضائية المختصة نوعيا للبث في الطعون الموجهة ضد القرارات التي يصدرها المحافظ على الأملاك العقارية، هل هو القضاء العادي باعتباره الحامي التقليدي لحق الملكية العقارية، أم القضاء الإداري باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل للبث في الطعون الموجهة ضد القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة؟
للإجابة على هذه التساؤلات إرتأينا تقسيم العرض إلى مبحثين :
-         المبحث الأول: الهيئات القضائية المكلفة بالفصل في نزاعات التحفيظ العقاري
-         المبحث الثاني: توزيع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ.



المبحث الأول: الهيئات القضائية المكلفة بالفصل في نزاعات التحفيظ العقاري:
إن الهيئات القضائية المكلفة بالبث في قضايا التحفيظ العقاري، وكذا النزاعات المتعلقة به، هي نفس الهيئات القضائية التي يحددها التنظيم القضائي المغربي والمتمثلة في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف ومحكمة النقض.
المطلب الأول: المحاكم الابتدائية:
تعتبر المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة للنظر في جميع القضايا المدنية والتجارية والعقارية والاجتماعية، وقضايا الاحوال الشخصية والميراث.
وحسب تنظيم هذه المحاكم فإنه يمكن تقسيمها إلى عدة أقسام حسب نوعية القضايا، وبالرجوع إلى المبادئ العامة نجد بأن الدعاوى التي تحمي الحقوق العينية العقارية تعتبر دعاوى عقارية ويجب إقامتها أمام المحاكم الابتدائية[3].
وبالرجوع إلى ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري نجده يشير إلى اختصاص المحاكم الابتدائية بصفة صريحة للنظر في قضايا التحفيظ العقاري في أكثر من فصل، وعلى سبيل المثال الفصل 32 في فقرته الأخيرة التي جاء فيها:
"... خلال الثلاثة أشهر الموالية لانصرام الأجل المنصوص عليه في الفصل 23 يوجه المحافظ على الأملاك العقارية مطلب التحفيظ والوثائق المتعلقة به إلى المحكمة الابتدائية التي يقع العقار بدائرتها".
وبما أن المحاكم الابتدائية تعتبر ذات الولاية العامة للفصل في جميع القضايا، فمن البديهي أن تكون جميع الدعاوى والنزاعات المتعلقة بالعقارات المحفظة من اختصاص هذه المحاكم تبعا للفصل 5 من التنظيم القضائي المغربي الذي جاء فيه:
"تختص المحكمة الابتدائية بما فيها المصنفة – إذا نص قانون صراحة على إسناد الاختصاص إلى محكمة غيرها – ابتدائيا او انتهائيا أو ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف بالنظر في جميع الدعاوى طبقا للشروط المحددة بمقتضى ق.م.م. أو ق.م.ج أو نصوص خاصة عند الاقتضاء".
وعليه يمكن القول بأن محكمة الدرجة الأولى المكلفة بالنظر في النزاعات المتعلقة بالتحفيظ العقاري هي المحكمة الابتدائية التي يوجد العقار في دائرتها.
المطلب الثاني: محاكم الاستئناف ومحكمة النقض:
نص الفصل 9 من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي، في معرض بيانه لطرق الطعن بأن محكمة الاستئناف تختص بالنظر في جميع الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية وكذا في جميع القضايا الأخرى التي تختص بالنظر فيها بمقتضى ق.م.م. و ق.م.ج. أو نصوص خاصة عند الاقتضاء.
ويمكن أن نستوحي من هذا النص، بأن جميع الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية في قضايا التحفيظ العقاري بجواز استئنافها لدى محكمة الاستئناف.
حيث أكد الفصل 134 من ق.م.م على هذا الحق حيث جاء فيه:
"استعمال الطعن بالاستئناف حق في جميع الاحوال عدا إذا قرر القانون خلاف ذلك".
وبالرجوع إلى الفصل 41 من ظهير التحفيظ العقاري نجده ينص صراحة على مبدأ الاستئناف دون اعتبار لقيمة الدعوى أو قيمة العقار، حيث جاء فيه:
"يقبل الاستئناف في موضوع التحفيظ مهما كانت قيمة العقار المطلوب تحفيظه".
وبالتالي إذا لم يلق حكم المحكمة الابتدائية رضى الأطراف فإن لهؤلاء أو بعضهم اللجوء إلى هيئة أخرى أعلى درجة وهي محكمة الاستئناف قصد إعادة بسط القضية من جديد وتصحيح الحكم الابتدائي إن كان في حاجة إلى تصحيح أو تصديقه إن كانت المحكمة الابتدائية على صواب في حكمها[4].
هذا بخصوص محاكم الاستئناف، أما بخصوص محكمة النقض فمهمتها تنحصر في مراقبة صحة الأحكام الصادرة عن المحاكم مدى قانونيتها.
ولهذا نجد بأن حالات الطعن بالنقض قد وردت على سبيل الحصر طبقا لما جاء في الفصول: 353 و359 و379 من قانون المسطرة المدنية.
وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون الأحكام الانتهائية الصادرة في قضايا التحفيظ العقاري تقبل الطعن بالنقض إذا ما توفرت فيها شروط طلب الطعن، حيث أكد على هذا الحق الفصل 47 من ظهير التحفيظ العقاري الذي نص على أنه:
"يبلغ القرار الاستئنافي وفق الكيفية المقررة في قانون المسطرة المدنية ويمكن الطعن فيه بالنقض داخل الأجل المحدد في نفس القانون".
وتجدر الإشارة إلى أنه من المستجدات التي جاء بها القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري اقتصار الطعن القضائي في مادة التحفيظ العقاري على الطعن بالاستئناف والنقض، حيث نص الفصل 109 من هذا القانون على أنه:
"لا تقبل الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري الطعن إلى بالاستئناف والنقض".
ويتبين من خلال هذا أن الهيئات القضائية المكلفة بالبث في النزاعات المتعلقة بتطبيق نظام التحفيظ العقاري هي المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف ومحكمة النقض، حيث منح المشرع للأطراف حق تتبع الدعوى والطعن في الأحكام الصادرة بشأنها حتى يستنفذوا جميع طرق الطعن المقررة في القانون ويصل الحكم إلى مرحلته الأخيرة لكي يحوز قوة الشيء المقضي به بين أطراف النزاع، ويكتسب الحكم بذلك الدرجة القطعية حيث يصبح نهائيا وقطعيا في آن واحد.
وتجدر الإشارة بأن هذه الهيئات لا ينحصر دورها في النزاعات التي تقع بين طالبي التحفيظ والمتعرضين بل حتى بين طالبي التحفيظ أو المتعرضين والمحافظة على الأملاك العقارية، وذلك في حالة رفض المحافظ لبعض طلبات التحفيظ حيث يحق لطالب التحفيظ أو المتعرض للطعن في قرارات المحافظ إذا كان متضررا منها أمام القضاء.
إلا أن الملاحظ في هذا الصدد أن الطعن في قرارات المحافظ تتجاذبها عدة جهات قضائية فأحيانا تكون الجهة القضائية المختصة هي المحاكم العادية، وأحيانا أخرى تكون الجهة القضائية المختصة هي المحاكم الإدارية، هذا ما سنحاول التطرق إليه في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: توزيع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ:
مبدئيا يمكن القول أنه مادام المحافظ على الأملاك العقارية يمثل سلطة إدارية يمارسها بواسطة قرارات، ومادام القضاء الإداري هو صاحب الاختصاص الأصيل للرقابة على مشروعية القرارات الإدارية عن طريق دعوى الإلغاء، فإنه من الطبيعي أن تكون هذه القرارات خاضعة لرقابة القضاء الإداري عن طريق دعوى الإلغاء. إلا أن المشرع نظم طرقا أخرى للطعن في قرارات المحافظ في ظهير التحفيظ العقاري. وفي هذا الصدد فقد ثار نقاش هام في أوساط الفقه والقضاء حول مجال اختصاص كل من القضاء العادي والقضاء الإداري للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ وحدود هذا الاختصاص ومداه.
ومن هذا المنطلق سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين، نخصص المطلب الأول لنطاق اختصاص القضاء العادي، ونخصص المطلب الثاني لنطاق اختصاص القضاء الإداري.
المطلب الأول: نطاق اختصاص القضاء العادي:
سنتطرق أولا لمعيار انعقاد الاختصاص للقضاء العادي، قبل استعراض الحالات التي يعتبر فيها هذا القضاء مختصا.
الفقرة 1: معيار انعقاد الاختصاص للقضاء العادي:
يجد اختصاص القضاء العادي للبث في الطعون الموجهة ضد القرارات التي يصدرها المحافظ على الأملاك العقارية أساسه في الظرفية التاريخية التي ميزت صدور وتطبيق نظام التحفيظ العقاري بواسطة ظهير 12 غشت 1913، حيث أن مشرع تلك الحقبة أي مشرع الحماية الفرنسية منح الاختصاص للبث في مثل هذه الطعون إلى المحاكم العادية، معتمدا بذلك الفلسفة التي كانت سائدة آنذاك في العالم الليبرالي، والتي كانت تقضي باعتبار القضاء العادي الحامي الطبيعي لحق الملكية العقارية، بالرغم من أن فرنسا كانت تعرف مبدأ القضاء المزدوج (العادي والإداري) إلا أنها لم تعمد على إرسائه بالمغرب ولم تسمح بوجود قضاء مختص بالنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة[5].
غير أنه بعد نشأة قضاء الإلغاء بالمغرب وإصدار قانون المسطرة المدنية سنة 1974 وإحداث المحاكم الإدارية بمقتضى قانون رقم 41-90، أصبح هذا القضاء هو صاحب الولاية العامة للنظر في الطعون الموجهة ضد مقررات السلطات الإدارية،إلا أنه بخصوص قرارات المحافظ على الأملاك العقارية أصبح الوضع يتميز بإخضاع بعض قرارات المحافظ المعينة بذاتها لاختصاص المحاكم العادية، الأمر الذي حدا بالقضاء الإداري إلى استثناء هذه القرارات من نطاق ولايته نظرا لخصوصيتها.
وعليه فإن معيار الاختصاص للقضاء العادي للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ على الأملاك العقارية هو معيار موضوعي قوامه النص الخاص أو الاستثناء الذي قرره المشرع بخصوص قرارات معينة على سبيل الحصر أبقى الاختصاص بشأنها للقضاء العادي.
وبناء على ما سبق سنتطرق في الفقرة الموالية لحالات اختصاص القضاء العادي للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ.
الفقرة 2: حالات اختصاص القضاء العادي:
إن حالات اختصاص القضاء العادي للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ محددة على سبيل الحصر في ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري. ويتعلق الأمر بقرار المحافظ برفض مطلب التحفيظ (أولا) وكذا قرار رفض تقييد حق عيني أو التشطيب على حق عيني مسجل (ثانيا).
أولا: قرار رفض مطلب التحفيظ:
يتم افتتاح مسطرة التحفيظ عن طريق تقديم مطلب إلى المحافظ على الأملاك العقارية يتضمن لزاما مجموعة من البيانات المنصوص عليها في الفصل 13 من ظهير التحفيظ العقاري، وذلك مقابل وصل يسلمه المحافظ كدليل على إيداع هذا المطلب، وهو المطلب الذي يشكل نقطة انطلاق مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تحفيظ العقار. ولما كان مطلب التحفيظ إدعاء بملكية عقار أو حق عيني عقاري فإن رفضه من طرف المحافظ من شأنه التأثير في المركز القانوني لطالب التحفيظ بالنسبة للعقار الذي يدعي ملكيته أو يدعي بحق عيني عليه. وعليه فقد أجاز المشرع للمتضرر الطعن في هذا القرار.
غير أنه تجدر الإشارة أن الطعن القضائي ضد قرار رفض التحفيظ كان منظما بمقتضى الفصل 96 حيث اعتبر بأن قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب يكون قابل للطعن أمام القضاء العادي متى كان قراره معللا بعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الحجج، وبمقهوم المخالفة متى كان قراره معللا بسبب آخر أصبح الاختصاص منعقدا للقضاء الإداري طبقا للمبدأ العام وهو الاجتهاد الذي تواثرت عليه محكمة النقض في قراراتها.
لكن قانون 07-14 جاء بتعديلات شكلية وجوهرية أساسية في هذا المجال، فمن الناحية الشكلية تم فصل المراقبة القضائية لمشروعية قرار رفض التحفيظ عن النص المرجعي المنظم للمراقبة القضائية لقرار رفض تقيد حق عيني أو التشطيب عليه وهو الفصل 96، حيث خصص قانون 07-14 لقرار رفض التحفيظ فصلا مستقلا إضافيا ضمن الفرع الخامس من الباب الثاني من القسم الأول المخصص للتحفيظ وهو الفصل 37 مكرر الذي نص على أنه:
" يجب على المحافظ على الأملاك العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيها مطلبا للتحفيظ أن يعلل قراره ويبلغه لطالب التحفيظ.
يكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبث فيه مع الحق في الاستئناف وتكون القرارات الاستئنافية قابلة للطعن بالنقض".
أما جوهريا فقد حافظ قانون 07-14 على نفس قواعد الاختصاص القضائي بأن منح المراقبة القضائية لقرار رفض التحفيظ للقضاء العادي.
كما أن هذه المراقبة كانت مقتصرة على حالتي عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الحجج (الفصل 96) أما بعد التعديل فقد أصبح الاختصاص القضائي موكولا للقضاء العادي بصفة مطلقة وعامة تشمل جميع الحالات التي يرفض فيها المحافظ تحفيظ العقار.
إضافة إلى ذلك، فإنه من مستجدات قانون 07-14 إلزامية تعليل قرار رفض التحفيظ وضرورة تبليغه إلى المعني بالأمر، الأمر الذي لم يكن منصوصا عليه في ظل مقتضيات الفصل 96 من ظ.ت.ع حيث كان الأمر متروكا لمقتضيات القرار الوزاري المؤرخ في 3 يونيو 1915 بشأن ضبط تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري في مادته 10 وبذلك تم الارتقاء بإلزامية التعليل والتبليغ من مستوى النص التنظيمي إلى مستوى القانون.
ثانيا: قرار رفض تقييد حق عيني أو التشطيب على حق عيني مسجل:
يقوم نظام الإشهار العيني على مبدأ مشروعية التقييد الذي يقتضي ألا تقيد في السجل العقاري إلا الحقوق الثابثة التي تستند على سبب صحيح.
وبمقتضى هذا المبدأ فإن المحافظ على الأملاك العقارية ملزم بإجراء مراقبة مسبقة على المستندات والعمليات قبل اتخاذ أي قرار بتقييد حق عيني أو التشطيب عليه.
وبالتالي فإن هذه المراقبة قد تؤدي إما إلى قبول إجراء التقييد في السجلات العقارية، أو رفض الأمر الذي من شأنه التأثير على المركز القانوني للمعني بالأمر، وبالتالي يخوله حق المنازعة في مشروعية القرار، وهو ما نص عليه الفصل 96 من ظ.ت.ع الذي ينص على أنه:
"يجب على المحافظ على الأملاك العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيها تقييد حق عيني أو التشطيب عليه أن يعلل قراره ويبلغه للمعني بالأمر.
يكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبث فيه مع الحق في الإستئناف وتكون القرارات الإساتئنافية قابلة للطعن بالنقض".
والملاحظ من هذا الفصل أن المشرع ألزم المحافظ بتعليل قراره برفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه كما هو الشأن بالنسبة لقرار رفض التحفيظ.
كما أنه منح الاختصاص للقضاء العادي بصفة مطلقة وفي جميع الحالات التي يرفض فيها المحافظ تقييد حق عيني أو التشطيب عليه، وليس فقط في الحالة التي يكون فيها الرفض مبنيا على عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم كما كان الأمر قبل التعديل.
هذا بالنسبة لنطاق اختصاص القضاء العادي فماذا عن نطاق اختصاص القضاء الإداري؟
هذا ما سنحاول التطرق إليه في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: نطاق اختصاص القضاء الإداري:
سنتطرق أولا لمعيار انعقاد الاختصاص للقضاء الإداري. قبل استعراض بعض حالات هذا الاختصاص.
الفقرة الأولى: معيار انعقاد الاختصاص للقضاء الإداري:
إن الحديث عن معيار انعقاد اختصاص القضاء الإداري للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ على الأملاك العقارية يحيلنا حتما على قواعد الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية في مجال الرقابة على قرارات السلطات الإدارية، والأساس القانوني في هذا الإطار هو المادة 8 من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية الذي ينص على اختصاص المحاكم الإدارية للبث في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة.
ولما كانت قرارات المحافظ على الأملاك العقارية في إطار إشرافه على مسطرتي التحفيظ وإشهار الحقوق العينية لا تخرج عن نطاق القرارات التي يتخذها أي مسؤول إداري بمناسبة تسيير المرفق الإداري الذي يشرف عليه، فإنها تبقى قرارات إدارية وبالتالي تخضع لرقابة القاضي الإداري باعتباره الجهة المختصة للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات السلطات الإدارية. وإن كانت خصوصية المهام التي يضطلع بها اقتضت إسناد هذا الاختصاص استثناء للقضاء العادي بخصوص القرارات المنصوص عليها في الفصول 37 مكرر و96 من قانون 07-14 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المطلب الأول.
ولا شك أن إشكالية ازدواجية الاختصاص بين جهتي القضاء العادي والقضاء الإداري في مجال البث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ لم تكن لتطرح لولا التعدد الذي أصبح يطبع النظام القضائي المغربي خاصة بعد إحداث المحاكم الإدارية بمقتضى القانون رقم 41-90 في الوقت الذي كانت المحاكم العادية هي المختصة للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ متى سمحت بذلك المقتضيات القانونية المؤطرة لعمل المحافظ بذلك.
غير أنه مع إحداث المحاكم الإدارية ومنحها اختصاص النظر في طلبات إلغاء القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة، بدأت تظهر ملامح التمييز بين قرارات المحافظ التي يصدرها في إطار مسطرة التحفيظ أو في مجال إشهار وتقييد الحقوق العينية. وبين تلك القرارات التي يظهر فيها المحافظ العقاري بمظهر السلطة الإدارية، وإن كان الأمر لا يخرج دائما عن مجال اختصاصاته، المتعلقة بالتحفيظ والتسجيل[6].
الفقرة 2: بعض حالات اختصاص القضاء الإداري:
إن مجال اختصاص قضاء الإلغاء للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ على الأملاك العقارية هو مجال واسع ولا حصر له، بحيث يشمل جميع القرارات التي يتخذها المحافظ في إطار إشرافه على مسطرة التحفيظ وإشهار الحقوق العينية ما لم تكن هذه القرارات خاضعة لرقابة القضاء العادي كما رأينا ومن حالات اختصاص القضاء الإداري في هذا المجال نجد:
أولا: قرار الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي:
مما لا شك فيه أن المحافظ على الأملاك العقارية باعتباره سلطة إدارية يصدر قرارات إدارية منها قراره برفض تسجيل حكم قضائي نهائي بالرسوم العقارية، مما قد يفسر بالمماطلة في تنفيذ الأحكام القضائية وقد يصل الأمر إلى حد الامتناع ويكتسي صبغة الشطط في استعمال السلطة الذي يعتبر عيبا موجبا للطعن بدعوى الإلغاء، وهو ما انتهت إليه المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكمها الصادر بتاريخ: 08/07/2009، حيث أكدت أن امتناع المحافظ على الأملاك العقارية عن تنفيذ مقتضيات حكم قضائي دون مبرر يشكل قرارا إداريا قابلا للطعن فيه للتجاوز في استعمال السلطة ويعد تجاهلا لحكم اكتسب قوة الشيء المقضي به ويشكل شططا في استعمال السلطة وخرقا للقوانين الأساسية للمسطرة والتنظيم القضائي[7].
كما أن اجتهاد الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى استقر على أن المحافظ على الأملاك العقارية يعتبر سلطة إدارية، وأن المبدأ هو أن القرارات الصادرة عنه تقبل الطعن بالإلغاء إلا في الحالات المحددة قانونا، وأن مقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري وإن كانت تخول للمتضرر من قرار المحافظ القاضي برفض التحفيظ أو التشطيب على ما هو مضمن بالرسم العقاري أن يطعن في هذا القرار أمام المحكمة العادية، فإنه في الأحوال الأخرى يجب الطعن في قرار المحافظ أمام القضاء الإداري ومن هذه الحالات الحالة التي يمنع فيها المحافظ عن تنفيذ مقتضيات حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به.
ثانيا:قرار رفض أو قبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل:
خول المشرع النغربي بمقتضى الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري للمحافظ سلطة تقديرية في قبول التعرضات خارج الأجل القانوني، مادام أن الملف يوجد بين يديه ولم تتم إحالته على المحكمة الابتدائية إلا أن هذا الفصل كان يلتزم الصمت بشأن إمكانية الطعن في قرار رفض أو قبول التعرض خارج الأجل الذي يمكن أن يتخذه المحافظ.
إذ في كلتا الحالتين من المحتمل أن يتضرر من موقفه أحد الأطراف المعنية، قد يكون طالب التحفيظ في حالة القبول. لأن ذلك سيؤدي إلى تمديد مسطرة التحفيظ مما سيضر بمصلحته، وقد يكون المتعرض في حالة الرفض، لأن ذلك سيحرمه من إمكانية الدفاع عن حقوقه المحتج بها في مواجهة مطلب التحفيظ أمام القضاء. لذا فإن احتمال الطعن في قرار المحافظ برفض أو قبول التعرض خارج الأجل وارد سواء من طرف طالب التحفيظ أو المتعرض.
وقد تضاربت مواقف المحاكم المغربية سواء العادية أو الإدارية بخصوص الطعون الموجهة ضد قرار المحافظ المتعلق بالتعرض خارج الأجل القانوني غير أن المشرع تدخل بموجب القانون رقم 07-14 ليضع حدا لكل الاجتهادات القضائية في الموضوع وذهب إلى إخراج قرار المحافظ بشأن التعرض الاستثنائي خارج الأجل من دائرة المراقبة القضائية، وذلك حين نص الفصل 29 في فقرته 3 والأخيرة على أنه:
"يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي".
فهذا التحصين التشريعي لقرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل يشكل مساسا بالضمانات الدستورية الممنوحة للأفراد في مجال القضاء ولا سيما حق التقاضي، كما يشكل مخالفة دستورية للفقرة 2 من الفصل 118 من الدستور التي تنص على إمكانية الطعن في أي قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا أمام القضاء الإداري.
ثالثا: قرار رفض التعرض على مطلب التحفيظ:
كان المشرع المغربي ينص في الفصل 32 من التحفيظ العقاري على أن قرار المحافظ يرفض التعرض لعدم الإدلاء بالوثائق المعززة له أو عدم إثبات استحالة تقديمها يكون قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبث فيه بصفة انتهائية واستعجالية. غير أن الاجتهاد القضائي سار في اتجاه اعتبار رفض التعرض لسبب آخر غير السببين المذكورين في الفصل 32 يبقى قابلا للطعن أمام القضاء الإداري باعتبار قرارا إداريا.
لكن قانون 07-14 أدخل تعديلا جوهريا بهذا الخصوص، وهو حذف الفقرة التي كانت تنص على إمكانية الطعن في قرار إلغاء التعرض أمام المحكمة الابتدائية، وبالتالي يمكن القول أن المتضرر من هذا القرار يبقى من حقه الطعن فيه أمام القضاء الإداري باعتباره قرارا إداريا.
أما إلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة، فلم يكن أصلا يخضع للطعن القضائي بنص صريح حيث ظل المشرع ساكتا بشأنه، وكان الاتجاه يميل نحو إقرار قابليته للطعن أمام القضاء الإداري بحكم عدم وجود دعوى موازية وهو الاتجاه الذي سيظل ساريا في ظل قانون 07-14.






خاتمة:

وختاما لا يسعنا إلا القول أن المحافظ على الأملاك العقارية يبقى سلطة إدارية وأن قراراته وإن كانت تعتبر جميعها قرارات إدارية، فإن الطعن قيها بدعوى الإلغاء يبقى رهينا بنوعية القرار، انسجاما مع ما تم النص عليه في الفصل 37 مكرر و96 من ظهير التحفيظ العقاري، الذي استثنى قرار رفض التحفيظ وقرار تسجيل أو رفض تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه من اختصاص القضاء الإداري وأخضعه للقضاء العادي، ومن هنا يكون مجال اختصاص القضاء الإداري للبث في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ أوسع نطاقا لكونه غير مقيد بنص قانوني كما هو الحال بالنسبة للقضاء العادي، ومن ثم فإن الواقع العملي هو الذي سيكشف عن حالات أخرى يبث فيها القضاء الإداري في الطعون ضد قرارات المحافظ على الأملاك العقارية.




لائحة المراجع

    I.            المؤلفات:

·       محمد خيري، قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، المساطر الإدارية والقضائية، الطبعة الخامسة 2009.
·       مجلة الحقوق المغربية، القواعد الموضوعية والشكلية في مساطر المنازعات العقارية، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2011.
·       سلسلة الندوات والأيام الدراسية العدد 38، نحو تشريع عقاري جديد طيعة 2011.

II.            النصوص القانونية:

·       ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، المغير والمتمم بمقتضى القانون رقم 07-14.
·       القرار الوزاري المؤرخ في 19 رجب 1933 الموافق ل 3 يونيو 1915 المتعلق بتفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري.





[1] الفصل 1 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.
[2]مجلة الحقوق المغربية، القواعد الموضوعية والشكلية في مساطر المنازعات العقارية، الجزء 2، الطبعة 2، 2011.
[3] محمد خيري، قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، المساطر الإدارية والقضائية، الطبعة الخامسة 2009.
[4] محمد خيري، مرجع سابق.
[5] مجلة الحقوق المغربية، مرجع سابق.
[6] مجلة الحقوق المغربية، مرجع سابق.
[7] سلسلة الندوات والأيام الدراسية العدد 38-2011، نحو تشريع عقاري جديد.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *