-->

أحكام الوقف في مدونة الاوقاف المغربية

تقديم
     من القوانين التي أصدرها المشرع المغربي مؤخرا في إطار إصلاح و تجديد ترسانته القانونية،مدونة الأوقاف بمقتضى الظهير الشريف رقم 236.09.1 الصادر في ربيع الأول 1431 موافق 23 فبراير 2010 . وهي من التجارب الفريدة التي سنها المشرع من أجل توحيد وجمع شتات مجموعة من النصوص في تقنين موحد . هذه المدونة كما يتضح ومن خلال الاطلاع على موادها تجمع الأحكام الفقهية المتناثرة للوقف و تحسم التضارب في أمور عدة، و تعيد تنظيم الأحكام القانونية شكلا و مضمونا ، بما يضمن تقييدها بأحكام الفقه الإسلامي . ويضفي عليها طابعا عصريا . وبذلك يكون الوقف المغربي قد اكتسى من خلال المدونة ثوبا جديدا.
وفيما يخص تعريف الوقف فقد اختلف الفقهاء حول طبيعته من حيث لزومه و حقيقة الملك فيه .
وقد عرف الشيخ أبو زهرة رحمه الله تعريفا جامعا على أن الوقف هو حبس العين بحيث لا يتصرف فيها بالبيع أو الهبة أو التوريث و صرف الثمرة إلى جهة من جهات البر وفق شروط الواقف.
فالوقف هو احدي المؤسسات الخيرية الإسلامية، و يستمد مشروعيته بنصوص من القرآن  و السنة النبوية و خاصة التي تحض على الإنفاق في سبيل الله.
وفي مدونة الأوقاف جاء تعريف الوقف في المادة الأولى "حيث نصت على أنه كل مال حبس أصله بصفة مؤقتة أو مؤبدة وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة  أو خاصة ،ويتم إنشاؤه بعقد أو بوصية أو بقوة القانون . يكون الوقف إما عاما أو معقبا أو مشترك".
فما هي خصوصيات عقد الوقف و الآثار التي تترتب عليه؟ وما هي أنواعه؟ ثم ماهي الامتيازات التي خولها المشرع لهذا العقد من أجل حمايته ؟.

المبحث الأول: القواعد المتعلقة بإنشاء الوقف و آثاره
 المبحث الثاني:أنواع الوقف و آليات حمايتها.            













المبحث الأول: القواعد المتعلقة بإنشاء الوقف و آثاره.
سيتم الحديث في هذا المبحث عن موضوع التعاقد في مجال الوقف (المطلب الأول)،
و الآثار الناتجة عن هذا العقد( المطلب الثاني).
المطلب الأول: تنظيم موضوع التعاقد في مجال الوقف.
لم يكن في النصوص القانونية المنظمة للاحباس قبل المدونة الأوقاف أي مقتضى قانوني يبين كيف يتم إنشاء الوقف ولا الآثار المترتبة عليه،وهو ماكان يعني الرجوع إلى الفقه .
ووعيا من المشرع لهذه الخلاف بادر إلى في المدونة إلى تخصيص مجموعة من النصوص تصب في مجال التعاقد من خلال التنصيص على شروطه و أركانه.

أولا : عقد الوقف.
إذا كان الفقه يعرف العقد بأنه إتفاق إرادتين على إحداث اثر قانوني معين، فإن ذلك يعني أن الأصل في التعاقد أن يكون بين حاضرين لتفادي الإشكال القانوني الذي يثار عن التعاقد بين غائبين بشأن تحديد زمان و مكان الانعقاد، فضلا عن ما يشكله الإطار القانوني للتعاقد عن بعد من آثار من جراء إبرام العقد عبر وسيلة  من وسائل الاتصال عن بعد و عن حضور المتعاقد ين مع أطرافه لحظة تبادل الرضاء بينهم[1].
في هذا المنحى يمكن التساؤل، هل الحبس عقد أم تصرف بإرادة منفردة يتم بالإيجاب وحده ولا يحتاج إلى قبول.؟ اختلف فقهاء المذاهب عن الإجابة عن هذا التساؤل حيث اعتبر الشافعية و الحنابلة أن الوقف يتم بالإيجاب وحده. ومع ذلك فجمهور المالكية يفرق بين الحبس على المعينين، والحبس على غير المعينين، ويرى بأنه يحتاج للقبول في حالة الحبس على المعينين فلا يتم إلا بالإيجاب و القبول كجميع العقود و يقبل عن القاصرين من وليهم و المقدم. أما الحبس على غير المعينين كالمساجد فلا يحتاج للقبول لتعذر من يقوم بالقبول إلا أنه في حالة وجود من يقبل باسم هؤلاء نيابة عنهم و تمثيلهم أصبح كالعقد على المعين.
ثانيا : أركان الوقف .
تتمثل في منشئ التصرف ( الواقف) والمنشأ لفائدته التصرف ( الموقوف عليه) و محل التصرف (الموقوف) و العبارات الدالة على التصرف ( الصيغة ) و هذا ما نصت عليه المادة 3 من المدونة.
الواقف:
له ثلاث شروط و هي أن يكون أهلا للتبرع ، مالكا للموقوف و مطلق التصرف فيه.أما أقسامه فهي :
1)   بحسب شخص الواقف : واقف ذاتي و واقف اعتباري ( شريطة أن يكون الغرض مشروعا).
 2) بحسب صحة الوقف : فمن يصح وقفه كل من توافرت فيه الشروط الثلاث السابقة الذكر  -أهلا للتبرع، مالكا للموقوف ، مطلق التصرف فيه- ومن يبطل وقفه كل من تخلفت فيه أحد هذه الشروط ، ومن يصح وقفه بشرط إجازة غيره كالمدين المفلس.
3) اعتبارا لأصالة الواقف و عدمها: فإما أن يكون الواقف أصيلا، أو و كيلا و في هده الحالة لابد من وكالة خاصة بالحبيس.
الموقوف عليه:
يشترط في الموقوف عليه أن يكون مما يحوز صرف منفعة الوقف فيه، وألا يكون هو الواقف نفسه ، لان الوقف على النفس مناقض لمقتضى عقد الوقف الذي يلزم فيه إخراج الموقوف من ذمة الواقف و نصت المدونة على أنه يمكن أن يكون الموقوف عليه معينا بالشخص أو بالنوع أو غير معين أو قابل للتعيين ، و أن للواقف تعيينه طيلة حياته  وإلا صار الوقف إلى الأوقاف العامة ، عملا بقصد التبرع العام لدى الواقف. كما نصت على انه يمكن أن يكون موجودا وقت التحبيس أو منتظر الأولاد دون البعض، و جعلت الاستفادة لهم جميعا.[2]
المال الموقوف:
من شروط المال الموقوف أن يكون ذا قيمة، منتفعا به شرعا، و أن يكون مملوكا للواقف ملكا صحيحا، وكذلك يمكن أن يكون عقارا أو منقولا أو حقا من الحقوق الأخرى.
و بذلك نجد أن المدونة حسمت الخلاف الفقهي حول ما يصح وقفه لصالح الاتجاه المرن    والموسع لدائرة التحبيس. و هو مايوافق الاتجاه الحديث في الأدبيات الوقفية.

الصيغة:
الأصل في عقد الوقف الاقتصار على الإيجاب باعتبار عقد الوقف من عقود التبرع التي تنعقد بالإرادة المنفردة. فلا يشترط القبول إلا إذا كان الوقف معين لأجل، و الإيجاب في الوقف حسب مقتضيات المدونة يمكن التعبير عنه إما كتابة أو بالإشارة المفهومة أو الفعل الدال على الوقف. كما يمكن أ، يكون صريحا أو ضمنيا . بما يقترن به من شروط أو قرائن تدل على الوقف ، كما يمكن أن يأتي بصيغة ناجزة أو معلقة على شرط.
و القبول كذلك عندما يكون الوقف على معين يصح منه إذا كان كامل الأهلية بنفسه أو بواسطة وكيله. وإذا رفض عاد الوقف للأوقاف العامة، ويصح قبول ناقص الأهلية بنفسه أو بواسطة و ليه. و يقبل عن فاقد الأهلية وليه أو من يعينه القاضي لذلك ، ويصح القبول بالقول أو الكتابة أو الإشارة المفهومة أو بالفعل الدال عليه، وقد يكون القبول صريحا أو ضمنيا ، كما يمكن أن يكون مقترنا بالإيجاب أو متأخرا عنه، إلا أنه في هذه الحالة يتعين أن يتم خلال أجل معقول ، فإذا ثم تسري آثاره من تاريخ الإيجاب.[3]
ثالثا: شروط صحة الوقف
لقد حصرت المدونة شرطين أساسيين هما: الإشهاد على الوقف، و حوز المال الموقوف عن الواقف.
أ‌-     الشرط المتعلق بالإشهاد: اشترطت المدونة لإنشاء الوقف ثوتيقه في وثيقة رسمية   وخصت بدلك العدول مع مخاطبة قاضي الثوتيق الذي ألزمته ببعث نسخة من رسم التحبيس إلى إدارة الأوقاف كآلية تمكنها من تتبع عمليات التحبيس.و هدا هو الأصل،  وكاستثناء يمكن إنشاء الوقف في وثيقة مكتوبة بخط اليد من طرف الواقف شريطة المصادقة علي إمضائه لدى السلطات المختصة بذلك قانونا.[4]
ب‌-                       الشرط المتعلق بالحوز: من المعروف فقها انه يشترط لصحة الوقف حوز الموقوف قبل حصول المانع للواقف من موت أو إفلاس أو مرض. و إلا كان الوقف باطلا.  وهو ما تبناه المشرع صراحة في المادة 24 من المدونة.
والحوزالمقصود هنا هو الحوز المادي الذي يختلف حسب اختلاف الشيئ الموقوف.و إذا كان الوضع بالنسبة للعقار غير المحفظ لا يثير إشكالا على اعتبار انه لا يتصور بخصوصه إلا الحوزة المادي ، إلا أن الإشكال  حينما يتعلق الأمر بعقار محفظ  و الذي أثار إشكال على مستوى القضاء و ذلك بين من يعتبر تسجيل التبرعات بالسجلات العقارية حيازة، و اتجاه آخر يتشبث بضرورة تحقيق الحيازة المادية لاعتبار الوقف صحيحا.
هذا الخلاف لم يكن على مستوى محاكم الموضوع فحسب بل كان حتى على مستوى محكمة القانون . هذا ما استلزم البث بجميع الغرف في هده النقطة القانونية بقرارها الشهير لسنة 2003 و الذي اعتبر تسجيل التبرع قبل حصول المانع حيازة قانونية  تغني عن الحيازة الفعلية .
و هذا الموقف تبنته مدونة الأوقاف بشكل صريح في المادة 26 حيث نصت" يصح الحوز بمعاينة أو تسجيل الوقف في الرسم العقاري أو بكل تصرف يجريه الموقوف عليه في المال الموقوف"
و هذا التوجه ستترتب عنه نتائج إيجابية تتمثل في عملية الإشهار و التقييد بالرسوم العقارية الشيء الذي سيسهل عملية التداول للعقارات الموقوفة.[5]

المطلب الثاني: آثار الوقف
نصت المدونة في الفصل الثاني من الباب الأول على الآثار التي تترتب عن عقد الوقف بعد إنشائه مستجمعا لأركانه و مستوفيا لشروطه.و سيتم الحديث في هذا المطلب على الرجوع في الوقف، وإثبات الوقف، و انقضاؤه

أولا: الرجوع في الوقف.
نصت المدونة في المادة 37 على أنه يمكن الرجوع في الوقف إلا في حالتين:
1- إذا تعلق الوقف بموقوف عليه سيوجد مستقبلا و قام الواقف بتفويت الموقوف قبل و جود الموقوف عليه، و العلة هنا أن عقد الوقف لم تكتمل أركانه بأكملها،و ينبغي أن نستثني من هذا الاستثناء  الحالة التي يكون الموقوف عليه هو أحد أماكن إقامة شعائر الدين الإسلامي. فقد نص ظهير 02 أكتوبر 1984 المتعلق بأماكن إقامة شعائر الدين الإسلامي فيها،كما تم تغييره و تتميمه، على أنه للحصول على رخصة بناء أحد هذه الأماكن ينبغي لطالب الرخصة تحبيس عقارات أو أبنية يخصص ريعها للصرف على تسيير شؤون هذه الأماكن،و بالتالي لا يمكن التشبث بالاستثناء الوارد في مدونة الأوقاف و الرجوع في تحبيس العقارات التي على أساسها منحت رخصة بناء أحد أماكن إقامة شعائر الدين الإسلامي.
2- إذا اشترط الواقف  الرجوع عنه عند افتقاره ’ ففي هذه الحالة يكون الرجوع تنفيذا لشرط مشروع من الواقف الذي يبقى أولى بماله من غيره.

ثانيا: وسائل إثبات الوقف:
الملاحظ أن المشرع المغربي لم يبين الوسائل المتعلقة بالإثبات في مجال الأوقاف فلم يكن يحيل على القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات و العقود و قانون المسطرة المدنية، فقد كان يعمل فقط بالقواعد المنصوص عليها في الفقه الإسلامي المعمول به في المغرب من خلال الفصل 75 من ظهير 19 رجب 1333 الموافق ل 2 يونيو 1915. وكان لتعدد الآراء انعكاسا سلبيا على أداء القضاء في هذه المنازعات في مجال الإثبات مما أفرز موقفين:
الأول: يقيد هذا الموقف وسائل الإثبات و يحصر هذه الوسائل محددة ليصل إلى القول بأنه لاتبات الحبس يجب أن يتم في رسم التحبيس. وفي هذا الاتجاه نجد قرارا صادرا عم محكمة الاستئناف بفلس بتاريخ 16 يناير 2002 جاء فيه" الحبس لايتبت إلا برسم التحبيس أو بالاقرارالصريح و المشهود عليه لدى من قدم ذلك و بالتالي بكل ما من شأنه أن يثبت يقينا واقعة الحبس"

الثاني: يتبنى حرية الاتبات و يميل إلى التساهل في طرقه غايته تحقيق المصلحة الفضلى للوقف و من القرارات التي تجسد هذا الموقف، حكم ابتدائية القصر الكبير الصادر 13 ماي 2010"الحوالة الحبسية المدلى بها دليل على الحبس إذا لم يوجد ما يعارضها"
و الذي يبدو أن مدونة الأوقاف حسمت الموضوع و انهت دابر الخلاف حينما نصت في المادة 48 " يمكن اتبات الوقف بجميع وسائل الاتباث،و تعتبر الحوالات الحبسية حجة على أن الأملاك المضمنة بها موقوفة الى أن يتبت العكس".[6]
ثالثا:انقضاء الوقف.
فيما يخص انقضاء الوقف نجد أن المادة 49 من المدونة اشترطت توفر حالتين وهما:
انتهاء المدة إذا كان مؤقتا و هلاك الأصول الوقفية مع استحالة إمكانية التعويض، فإن كان كذلك فالوقف لاينتهي و إنما يتحول إلى العين المعوض بها. وهنا يمكن الحديث عن الهلاك الجزئي للوقف. وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 49" إذا هلك المال الموقوف هلاكا جزئيا فإن الوقف يستمر على الجزء الباقي و على ما يعوض الجزء الهالك".
و الملاحظ أنه فيما يخص الوقف المعقب نص المشرع على حالات خاصة ينتهي بها فبالإضافة إلى انتهاء المدة إذا كان محددا ، نجد الحالة المنصوص عليها في المادة 109 لايجوز إنشاء الوقف المعقب إلا في حدود ثلاث طبقات و إذا شمل عقد الوقف أكثر اعتبر باطلا باستثناء الأوقاف المنشأة قبل دخول المدونة حيز التنفيذ. أو بانتهاء طبقاته المحددة بالنسبة للأوقاف المستقبلية،ينتهي هذا الوقف برجوع الواقف وهذا ما نصت عليه المالكية على خلاف الجمهور، وهو الرأي الذي أخدت به مدونة الأوقاف المغربية كمبدأ عام و لكنها لم تسوغ للواقف الرجوع في وقفه في جميع الأحوال، وذلك حماية لحقوق الموقوف عليهم نظرا لما قد ينجم عن هذا الرجوع من ضرر لم يكن مقدرا و لا متوقعا وقت الوقف حيث قصرت المادة 37 هذا الأمر على الحالتين المنصوص عليهما في مدونة   الأوقاف .
إضافة إلى ما سبق يتجلى الانقضاء للوقف المعقب عن طريق التصفية،التي تتم بالقسمة العينية للمال الموقوف في حالة القابلة لذلك و إلا بيع بالمزاد العلني ووزع ثمنه بين المستحقين،إلا أ، هذه التصفية ليست محل إتفاق فقهي،فجمهور المالكية يرى أنه يمنع بيع العقار المحبس و لو خرب، وذلك خوف اتخاذ هذا الأمر ذريعة إلى بيع الاحباس وأكل أثمانها،و لأنه لا ييأس من إصلاحه إما من طرف بعض الأعقاب وإما بإيجاد من يصلحه بإيجار سنتين فيعود كما كان.[7]  و قد انعكس هدا الخلاف الفقهي على آراء الجهات العلمية المغربية عندما استشارتها في هذا الموضوع من طرف وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ، حيت دهب المجلس العلمي لمدينة فاس بجواز هذه التصفية ، بينما ذهبت أغلب المجالس العلمية و رابطة المغرب إلى منع ذلك مطلقا و قد كان المبرر هو حماية مقاصد الواقفين .
و قد نصت المادة 122 من مدونة الأوقاف على الحالات التي تصفى بها الأوقاف المعقبة[8] و المادة 123 على الجهة المخول لها بالتصفية.و قد نصت على أن هذه التصفية تتم إما بمبادرة من إدارة الأوقاف ، وإما بطلب من أغلبية المستفيدين ، وفي كلتا الحالتين يعهد إلى السلطة الحكومية المكلة بالأوقاف بإحالة ملف التصفية، وذلك بموجب مقرر،على لجنة خاصة تحدت لهذا الغرض، تسمى "لجنة التصفية".
و الملاحظ أنه لحد الساعة لم يصدر أي قرار عن السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف يحدد تشكيل هذه اللجنة و كيفية عملها رغم تنصيص المدونة على هذا الأمر.[9]
و الجدير بالملاحظة أن مرسوم 18 أبريل 1979 يعهد للجنة المكلفة بالتصفية الأوقاف المعقبة و المشتركة مهمة إتخاد القرار ة اختيار الطريقة الفعلية و المثلى للتصفية،حيث يمكن لها أن تأمر بالقسمة ، وعند تعذرها يمكن أن تأمر بالبيع بالمزاد العلني ، خلافا لمدونة الأوقاف الجديدة التي جعلت اتخاذ قرار التصفية من عدمه بيد السلطة الحكومية.و يترتب على صدور قرار التصفية الآثار التالية:
أولا:إخراج المال الموقوف وقفا معقبا من دائرة الاحباس؛
ثانيا:صيرورته ملكا خاصا؛
ثالثا:استحقاق الأوقاف العامة نسبة الثلث من المال مالم يتعلق الأمر بمحل لازم لسكنى المستفيدين.


المبحث الثاني:أنواع الوقف و آليات حمايتها.            
سنتناول في هذا المبحث أنواع الأملاك الموقوفة كما نظمها المشرع في مدونة الأوقاف (المطلب الأول),ثم ننتقل للحديث عن الحماية المقررة للأملاك الموقوفة بعد تأسيس الرسم العقاري ومدى حجيته في مواجهة الوقف (المطلب الثاني)

  المطلب الأول: أنواع الأملاك الوقفية.
تنقسم الأحباس إلى ثلاثة أقسام: أحباس عامة أو ما يعرف بالوقف الخيري وأحباس خاصة وهو ما يعرف بالوقف الذري أو الأهلي في المشرق وبطلق عليه الحبس المعقب في الفقه والتشريع المغربيين إلى جانب الأحباس المشتركة.                            أولا: الوقف العام.
 وهو المسمى عند بعض الفقهاء بالوقف الخيري وهو الذي يكون على جهة من جهات البر والإحسان، أي جهة عامة[10]، وهو الأصل الغالب فهو كل وقف خصصت منفعته. ابتداء أو مآلا لوجوه البر والإحسان وتحقيق المنفعة العامة، وقد عرفه المشرع في المادة 50 من مدونة الأوقاف "الوقف العام كل وقف خصصت منفعته ابتداء أو مآلا لوجوده البر والإحسان وتحقيق المنفعة العامة".
                         ثانيا: الوقف المعقب.
 وهو المسمى عند بعض الفقهاء بالوقف الذري أو الأهلي وهو ما وقف على ولد أو عقب أو نسل أو ذرية المحبس، والمدونة حصرت الوقف المعقب في حدود 3 طبقات، الموقوف عليه، ثم أولاده ثم أولاد أولاده بالنسبة للطبقة الأولى ، وأولاد الذكور بالنسبة الثانية و والثالثة (المادة 110من مدونة الأوقاف) وذلك تحت طائلة البطلان فإذا انقرض الموقوف عليهم فإن الموقوف يرجع إلى  ورثة الواقف إن وجدوا وإلا رجع على الأوقاف العامة، واستثنت المدونة الأوقاف المعقبة المنشأة قبل دخولهاحيز التطبيق.
وقد  عرفته المادة 108 بأنه "يعتبر وقفا معقبا ما وقف على ولد أو عقب أو نسل أو ذرية المحبس أو غيره".
                     ثالثا: الوقف المشترك
 وهو ما وقف ابتداء على جهة عامة وعلى شخص بذاته أو عليه وعلى عقبة فهو وقف على الطبقات وفق عبارة الواقف كقوله. وقفت على أولادي و أولاد أولادي، ثم على الفقراء، فالعطف بالواو يقتضي التشريك والجمع بخلاف العطف ب "ثم" الذي يفيد الترتيب فلا يستحق أهل الطبقة الثانية إلا بعد انقراض أهل الطبقة الأولى وهكذا مع مراعاة أحكام المادة 109 من مدونة الأوقاف التي رسخت مبدأ سلطة الدولة في تنظيم الوقف المعقب بجعله مؤقتا ومحددا. وبهذا يكون المشرع المغربي خالف بعض التشريعات العربية التي ألغت الوقف المعقب نهائيا، كمصر وسوريا وتركيا في حين نجد المشرع حددها في طبقتين.
المطلب الثاني: حماية الوقف بعد تأسيس الرسم العقاري.
إذا كان الحبس ملكا ممنوعا من التمليك والإرث والهبة طالما أنه خصص للغرض الذي حبس من أجله. فهو بذلك يكسب الحقوق ويتحمل بالالتزامات حيث تكون له شخصية معنوية مستقلة ولعل ذلك ما جعل المشرع يخول لوزارة الأوقاف ممثلة في نظارة الأحباس الصفة في المحافظة على الحبس وإن كان معقبا والتعرض على تحفيظه كملك خاص، غير أنه رغم هذا الإشراف والمراقبة فإنه كثيرا ما يتم الترامي على العقارات المحسبة من طرف الغير الذي قد يتأتى له تحفيظ العقار في اسمه الآمر الذي يثير إشكالية مدي خضوع الوقف لمبدأ التطهير الناتج عن تحفيظ العقار.[11]
لذلك سنحاول بيان مدى خضوع الوقف لمبدأ التطهير الناتج عن تحفيظ العقار.
لقد نصت المادة 54 من مدونة الأوقاف على ما يلي "أن الرسوم العقارية المؤسسة لفائدة الغير لا تمنع المحكمة من النظر في كل دعوى ترمى إلى إثبات صفة الوقف العام لعقار محفظ، شريطة ان ترفع الدعوى في مواجهة جميع ذوى الحقوق المقيدين وإذا أثبت أن العقار المذكور موقوف وقفا عاما، بناءا على الحكم القضائي الصادر بذلك والحائز لقوة الشيء المقضي به،فإن المحافظ يشطب على كل تسجيل سابق ويقيد العقار بالرسم العقاري المتعلق به في اسم الأوقاف العامة.
إن هذا النص يستدعي إبداء ملاحظتين:
1- يلاحظ أن المشرع قد ميز بين الوقف المعقب والوقف العام حينما استثنى هذا الأخير من قاعدة التطهير،ونعتقد أن هذا التمييز ليس له من يسيره وكان الأولى أن يشمل المشرع بعطفه أيضا الوقف المعقب لاشتراكهما في العلة كما أن الحبس المعقب ينقلب إلى وقف عام إذا انقطع نسل المعقب عليه الأمر الذي بمقتضى استثناءه من قاعدة التطهير والحجية المطلقة.
2- إن الاستفادة من مقتضيات هذا النص تقتضي تقديم مقال افتتاحي للدعوى أمام المحكمة المختصة في مواجهة جميع ذوي الحقوق المقيدين تطبيقا لقاعدة نسبة الأحكام وانتظار صدور حكم في الموضوع حائز لقوة الشيء المقضي به، وهي مرتبة يصل إليها إذا أصبح غير قابل لا للتعرض ولا للاستئناف وان ظل قابل لطرق الطعن غير العادية.







لائحة المراجع
_ عبد الرزاق الصبيحي,حجية الرسم العقاري في مواجهة الوقف, مقال منشور بمجلة القضاء المدني :دراسات و أبحاث في ضوء المدونة الجديدة للأوقاف ,الجزء الأول.
  
_ أحمد الوجدي,التطور التاريخي لمنازعات الوقف بالمغرب-في ضوء مدونة الأوقاف-مقال منشور بمجلة القانون المغربي –العدد18. 2012. 
                 
   _ د محمد المهدي،الوقف المغربي في ثوبه الجديد-تأملات في مدونة الاوقاف،مجلة القبس،العدد 3، الطبعة2012

_ عبد الرزاق اصبيحي،قراءة في مدونة الاوقاف،مجلة القبس المغربية،عدد خاص ملامح النظام الوقفي المغربي الجديد،العدد 4 2013.

_ ادريس بلمحجوب،مسار العمل القضائي في مجال اتباث الوقف، مجلة النظام القانوني للاملاك الوقفية ،الجزء الاول طبعة 2012.


                                                                                         


- ادريس بلمحجوب،مسار العمل القضائي في مجال اتباث الوقف، مجلة النظام القانوني للاملاك الوقفية ،الجزء الاول طبعة 2012،ص93    .  [1]
- عبد الرزاق اصبيحي،قراءة في مدونة الاوقاف،مجلة القبس المغربية،عدد خاص ملامح النظام الوقفي المغربي الجديد،العدد 4 2013 ص32.[2]
- عبد الرزاق اصبيحي،قراءة في مدونة الاوقاف،مرجع سابق ، ص32 وما بعدها. [3]
- ينظر الى المادة 25 من مدونة الاوقاف.[4]
- د محمد المهدي،الوقف المغربي في ثوبه الجديد-تأملات في مدونة الاوقاف،مجلة القبس،العدد 3، الطبعة2012 ،ص90 و ما بعدها.[5]
- د محمد المهدي،الوقف المغربي في ثوبه الجديد،مرجع سابق،ص88 وما بعدها.[6]
-المواق ،التاج و الاكليل،6/42.الخرشي 7/95.التسولي،البهجة،2/435.أشير إليها في مقالة ،د عبد القادر بوعصيبة مرجع يابق،ص69.[7]
- إذا انقطع نفع المال الموقوف أو قل نفعه إلى حد كبير؛[8]
- إذا أصبح المال الموقوف في حالة يتعدر معها الانتفاع به؛
- إذا صار عائده ل يغطي نفقاته و الواجبات المفروضة عليه؛
- إذا كثر المستفيدون وقل نصيب كل واحد منهم.
- عبد القادر بوعصيبة، مرجع سابق،ص70.[9]
[10] أحمد الوجدي,التطور التاريخي لمنازعات الوقف بالمغرب-في ضوء مدونة الأوقاف-مقال منشور بمجلة القانون المغربي –العدد18. 2012 ص145 .                                                                                                                                 
[11] عبد الرزاق الصبيحي,حجية الرسم العقاري في مواجهة الوقف, مقال منشور بمجلة القضاء المدني :دراسات و أبحاث في ضوء المدونة الجديدة للأوقاف ,الجزء الأول.ص 63.                                                                                                    
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *