ذ. مصطفى التراب
الريس الأول لمحكمة
الاستئناف بالرباط
مقدمة:
إن هناك مفارقة عجيبة يمكن ملاحظتها على القضاء في جميع دول المعمور، أنه
كان قديما قضاءا واحدا يمتازا بالفعالية والنجاعة، والسرعة والعجلة في إصدار
الأحكام وتنفيذها، والسهولة والمرونة في الإجراءات المسطرية، لكن هذه السمة بدأت
تتضاءل في اتجاه معاكس للحضارة المعاصرة، حيث إننا اليوم في عصر السرعة التي شملت
بشكل مهول وخطير مختلف ميادين الحياة، إلا أن القضاء أصبح يتسم بالبطء وتنوع
الإجراءات وتشعبها وتعقدها، فبقدر ما تزداد الحضارة الإنسانية تطورا تتباطأ خطى
القضاء الذي أضحى لا يقوى على مسايرة هذا التطور وهذه السرعة بنفس الوتيرة وعلى
نفس الإيقاع، مما دفع برجال القانون إلى الحث عن السبل الكفيلة لاستباط الطرق
الإجرائية الكفيلة لتحقيق الانسجام بين سير القضاء وسير المعاملات، فظهرت مسطرة
التحكيم لفض النزاعات \ات الطابع التجاري الدولي، وهي مسطرة تمتاز بالسرعة
والبساطة كأحسن بديل لمسطرة القضاء العادي التي يرى البعض أنها لم تعد تناسب هذا
النوع من النزاعات.
وفي نفس هذا الإطالر ظهرت الحاجة أيضا إلى خلق قضاء من نوع آخر اسمه
"القضاء المستعجل" وهي آلية فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية
لحماية الحقوق من طمع الطامعين، وكيد الكائدين، بعد أن اصبحوا يستغلون بطء القضاء
للعبث بتلك الحقوق والنيل منها تحقيقا لأغراضهم غير المشروعة، ولئن ظهرت هذه
الآلية من أجل حماية الحقوق مؤقتة فقط وبمقتضى مسطرة استثنائية، فإنها استطاعت أن
تعيد الثقة إلى النفوس، فأضحى الناس يقبلون على القضاء المستعجل نظرا للدور الكبير
الذي اصبح يقوم به، وذلك من خلاللا صد كل محاربة يائسة لعرقلة حق أو إهداره، عن
طريق الأمر بكيفية فاعلة وناجعة باتخاذ الإجراء الوقتي والتحفظي المناسب لحماية ه\ا
الحق ريثما يتم البت في جوهر النزاع المتعلق به.
وقد عرف القضاء المستعجل لأول مرة في باريس سنة 1685، وأضحى ينمو ويتطور
بوثيرة سريعة خلال القرن 19، وذلك بفضل الاجتهادات القضائية خصوصا تلك الصادرة عن
رئيس المحكمة الابتدائية بباريس.
ومن تم بدأ هذا القضاء المستعجل ينتشر في ربوع العالم، فأخذت به جل
التشريعات العربية ومن ضمنها المغرب.[2]
إلا أن لاحاجة إلى قضاء سريع وفعال، دفع بالمشرع في كثير من البلدان سواء
العربية منها أو الأجنبية، إلى مد اختصاص قضاي المستعجلات إلى مجالات أخرى بعيدة
نوعا ما عن اختصاصه الطبيعي والوظيفي، حيث أصبحت تسند له اختصاصات ذات الطابع
الموضوعي في بعض الأحيان، بغية التعجيل بالبت في بعض القضايا التي هي من نوعية
خاصة والتي لا تحتمل بطبيعتها التأخير والتطوير في الإجراءاتن وكمثال على ذلك فقد
أسند المشرع المغربي لقاضي المستعجلات بناء على ظهير 15/01/1953 الاختصاص للبت في
قضايا الزيادة في السومة الكرائية للمحلات التجارية، وظهير 6/5/1982 المتعلق بنزع
الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت أسند لقضاي المستعجلات الاختصاص
المتعلق بالإذن في الحيازة الذي يأمر به "بناء على الطلب الذي يتقدم به نازع
الملكية" مقابل تعويض مؤقت يحدده للمنزوعة ملكيته، كما اسند أخيرا الظهير الصادر
في 25/8/1999 لرئيس المحكمة الابتدائية الاختصاص للمصادقة على الإنذار، والأمر
بالأداء في حالة عدم أداء المكتري لوجيبة الكراء المحددة في الإنذار.
فكل هذه الأمثلة تدل على أن المشرع استغل نجاعة القضاء المستعجل وفعاليته
ليوظفها في مسائل موضوعية ماسة بجوهر الحق، خروجا عن القاعدة التي تحرم على قاضي
الأمور المستعجلة المساس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر.
وكان مع ذلك، تبقى السمة الغالية لقاضي المستعجلات هو اتخاذه للإجراءات
الوقتية والتحفظية شريطة توفر عنصر الاستعجال وعدم المساس بجوهر الحق، وبما أن
موضوع القضاء المستعجل واسع ومتشعبن ويمكن تناوله من زوايا متعددة ومختلفة، فقد
أثرت ركوب أسلوب الإيجاز، والاقتصار على استجلاء ما تدعو الضرورة المقام إلة بسطه
وتحليه، محاولا في ه\ال البحث المتواضع طرح بع7ض الجوانب \ات الطابع العملي
والتطبيقي، والتي ما زالت مثل جدل فقهي واختلاف في العمل القضائي، علنا نخرج من
خلال المناقسة وتبادل الرأي برؤية موحدة لحل الخلاف التباين في الاتجاهات.
وساقتصر على تناول الموضوع من زاويتين اثنتين:
الزاوية الأولى: شروط الحراسة القضائية
الزاوية الثانية: شروط انعقاد اختصاص قاضي المستعجلات للنظر في الصعوبة في
التنفي
أولا: شروط
الحراسة القضائية:
لم يعرف
المشرع المغربي الحراسة القضائية تعريفا شاملا، بل اقتصر على قوله في الفصل 818 من
ق.ع.ل "إيداع الشيء عليه بين يدي الغير يسمى حراسة..." وأخضعها بذلك
لأحكام الوديعة الاختيارية، ولبعض أحكام الوكالة، ولبعض المقتضيات الخاصة سواء
المنصوص عليها في نصوص متفرقة في ق.ع.ل أو في قانون المسطرة المدنية خصوصا في
الباب المتعلق بقضاء الاستعجال في الفصل 149 من ق.م.م.
فلئن كانت
الحراسة القضائية تشابه الوديعة والوكالة في بعض أحكامها، فإنها تختلف عنهما من
وجوه أخرى مما يجعلها ذات طبيعة خاصة، ذلك أنها تعتبر نيابة قانونية وقضائية، على
اعتبار أن القول هو الذي يحدد نطاقها، والقضاء الذي يحدد مهمة الحارس القضائي حسب
ما يسمح به القانون.
أما عن شروط
الحراسة القضائية، فإنها غير واردة في نص خاص، وإنما يمكن استباطها من نصوص
قانونية متفرقة، ذلك أن الفصل 818 من ق.ع.ل نص على أن الحراسة هي "إيداع شيء
متنازع عليه بين يدي أحد من الغير"، وتحدث الفصل 149 من ق.م.م عن الرحاسة
القضائية عند تحديد اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضي المستعجلات حيث جعل
الأمر بها من اختصاص هذه الجهة القضائية، شريطة توفر عنصر الاستعجال، كما تحدث
الفصل 152 من نفس القانون عن الأوامر الاستعجالية بصفة عامة، حيث أعطاها صبغة
"الوقتية" وعدم المساس "بجوهر الحق".
فمن خلال هذه
النصوص، يمكن استجماع شروط الحراسة القضائية في وجود نزاع على الشيء، وفي وجوب
توفر عنصر الاستعجال، وبمعنى أصح في وجود الخطر الذي يهدد مصلحة ذي الشأن في بقاء
الشيء تحت حيازة الخصم، وفي عدم مساس إجراء الحراسة القضائية بجوهر الحق ما دام
ينتمي إلى الإجراءات الوقتية، وبالإضافة إلى هذه الشروط القانونية، فهناك شرط آخر
ابتدعه القضاء، وهو أن تكون الحراسة القضائية هي الوسيلة الوحيدة والضرورية لحماية
الحق المتنازع فيه.
الشرط الأول:
النزاع
إن ش زرط
النزاع هو الشرط الوحيد الذي اشار إليه الفصل 818 من ق.ع. إلا أن المشرع لم يبين
كنه هذا لانزاع ولا المقصود منه، مما أدى
إلى وجود اختلاف في بيان المعنى الحقيقي له، فقد اعتبره البعض[3]: "بأنه النزاع
المنصب على المنقول أو العقار أو مجموع الأموال المراد وضعها تحت الحراسة، أو
النزاع الذي يتصل بهذا المال يقتضي عدم بقائه في يد حائزه، وإن لم يكن منصبا على
المال المذكور بالذات.
فالقائل بهذه
النظرية يعتبر النزاع المقصود إذن هو المنصب على عدم إبقاء المال المطلوب فرض
الحراسة عليه بين يدي حائزه، وليس مجرد النزاع على ملكية العقار أو المنقول.
إلا أن
التطبيق العملي لهذه النظرية، قد يؤدي إلى بعض الإخلالات في معالجة قضايا الحراسة
القضائية التي لا علاقة لها بالنزاع في الحيازة، وبالتالي فيمكن القول بأن هذه
النظرية وإن كانت قد عممت مفهوم النزاع، فإنها في الواقع قد خصصته وضيقت من مجال
تطبيق أحكام الحراسة القضائية بصفة عامة.
وهناك من التي
بنظرية أكثر تعميما من النظرية الأولى لتغيير مفهوم النزاع معتبرا بأن النزاع في
شأن المال، أو عدم ثبوت الحق فيه، يجب أن يكون "نزاعا جديا" وجدية
النزاع ليس معناها وجود دعوى مرفوعة أمام القضاء، وإنما يكفي أن يكون النزاع منصبا
على الملكية أو الحيازة، بل وتصح الحراسة إذا وجد القضاي هذا الإجراء ضروريا
للمحافظة على حقوق الخصوم.
إلا أن شرط
النزاع في نظرنا، يجب أن يبقى تقديره موكولا لقاضي المستعجلات دون اعتماد هذه
النظرية على اعتبار أن النزاع قد يختلف من حالة إلى أخرى، وقد أحسن المشرع صنعا
بعدم تحديده لمعنى النزاع تاركا هذا الأمر للقضاء ليحدده حسب كل حالة تعرض عليه.
وفي هذا
المعنى أصدر المجلس الأعلى قرارا بتاريخ 30/07/1980 في الملف المدني رقم 78851 جاء
فيه: "إن الحراسة القضائية إجراء مؤقت وتحفظي، يرجع الأمر في تقدير ظروفها
إلى السلطة المخولة لقضاء الاستعجال.
الشرط الثاني:
شروط الاستعجال
إن شرط
الاستعجال بالنسبة لإجراء الحراسة القضائية، يأخذ طابعا خاصا ومتميزا عن غيره من
الإجراءات الوقتية والتحفظية الأخرى، وهذه الميزة تتمثل في الخطر العاجل الذي يجب
أن يتوفر في دعوى الحراسة القضائية، وهو خطر يجب أن يكون فوريا وحالا، ويهدد مصلحة
ذي لالشأن ولا يكفي لردئه إجراءات التقاضي العادية، وتقدير الخطر كما هو الحال
بالنسبة لتقدير النزاع، موكول للسلطة التقديرية لقاضي المستعجلات، وهناك ملاحظة
أساسي لا بد من بسطها، وهي أن قاضي المستعجلات عند فحصه لظاهر المستندات المدلى
بها أمامه قد يعتبر بأن عنصر الاستعجال – بالمفهوم الذي أوضحناه سابقا- غير متوفر
في النازلة، فهل يقضي برفض طلب الحراسة القضائية أم بعدم الاختصاص؟
إن الجواب عن
هذا التساؤل يقتضي منا توضيح ما يلي:
إن شرط
الاستعجال في جميع الإجراءات التحفظية هو الذي يحدد اختصاص قاضي المستعجلات (فضلا
عن شرط عدم المساس بجوهر الحق)، ولكن فيما يتعلق بإجراء الحراسة القضائية، فإن
الاستعجال الذي يجب أن يتوفر هنا يأخذ طابعا خاصا ومتميزا عن غيره من الإجراءات
التحفظية الأخرى بل هو شرط صحة لقبول الحراسة القضائية نفسها، بمعنى أن طلب
الحراسة القضائية لا يكفي لقبوله توفر عنصر الاستعجال العادي، بل لا بد أن يتعداه
إلى درجة معينة تصل إلى حد الخطر الذي يمكن أن يهدد مصلحة ذي الشأن.
ومن هنا يمكن
القول بأن قاضي المستعجلات إذا لم يجد عنصر الخطر متوافرا في نازلة الحراسة
القضائية المعروضة أمامه، يتعين عليه أن يقضي الطلب بعدم الاختصاص، لأن قاضي
الموضوع لا يمكنه أيضا لاستجابة لنفس الطلب أمام غياب هذا الشرط وهو الخطر العاجل
والحال الذي يهدد مصلحة ذي الشأن
الشرط الثالث:
أن تكون الحراسة القضائية هي الوسيلة الضرورية والوحيدة للمحافظة على الشيء:
لقد ظهر العمل
القضائي خطورة الحراسة القضائية كإجراء سمح به القانون، واعتبارا لما يترتب لهذخ
الخطورة وما يترتب عنها من نتائج وخيمة سواء على مصلحة الأطراف المتنازعة أو على
المصلحة العامة في بعض الأحيان، فإن القضاء بدأ يشترط لقبول الحراسة القضائية، أن
تكون هي الوسيلة الوحيدة والضرورية للمحافظة على الشيء من الضياع، ويمكن تصور هذه
الخطورة من عدة زوايا، بحيث أن الحراسة القضائية في حد ذاتها تقيد من حرية التملك
للفرد، وتغل يده على التصرف في أمواله بعد أن يتم وضعها تحت حيازة الغير وهو
الحارس القضائي الذي قد يبعث بها، ويسيء إدارته لها، فتضيع مصلحة صاحب المال ويهدر
حقه، كما تضيع مصلحة طالب هذا الإجراء الذي يجني منه شيئا بعد فساد ما كان يرجو
إصلاحه وتصبح بذلك الغاية من أجلها اتخذ هذا الإجراء، وهو حفظ الشيء وإدراته،
منعدمة الأساس وغير منسجمة مع الواقع.
وحيث على
افتراض أن الأمر بالحراسة سمح للحارس القضائي بتعيين من يراه مناسبا من الخبراء
والمؤهلين، للقيام بعملية الإدارة والتسيير، فإن النتائج السلبية قد تحصل مع ذلك
إذا لم يقم هذا الشخص المكلف بالإدارة بعمله على الوجه الأكمل وفق ما يفرضه عليه
واجب الأمانة من حرص على الشيء بنزاهة واستقامة كحرصه على أمواله بنفسه.
ونتيجة
للصعوبات التي يمكن أن تواجه تنفيذ الحارس القضائي لمهنته، وتفاديا لخروج هذا
ال}راء عن الغاية التي اتخذ من أجلها، فقد كان القضاء وما زال متشددا عند النظر في
الطلب المتعلق بالحراسة القضائية، ولا يأمر بها إلا إذا تأكد له أنها هي الوسيلة
الوحيدة والضرورية التي من شأنها ضمان حفظ الشيء من الضياع.
فقد جاء في
قرار محكمة الاستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 06/08/1968 في الملف رقم 40501
"أن الأمر بوضع الشيء تحت نظام الحراسة القضائية إجرا ء خطير يجب أن لا يتخذ
إى في حالة الضرورة الحقيقية، كما ورد في أكر استعجالي صادر عن السيد رئيس المحكمة
الابتدائية بالمحمدية بتاريخ 03/05/1980 في القضية الاستعجالية رقم 36/84 أنه
"يجب أن تكون الحراسة القضائية هي الوسيلة الوحيدة للمحافظة على الشيء"[4].
وما دامت
الحراسة القضائية لا تظهر خطورتخا إلا عند التنفيذ، فيجب قبل الأمر بهذا التأكد من
فعاليتها، ومن عدم تعرضها مع مصلحة الطرفين وذلك تحقيقا للعدالة، وفي هذا المعنى
جاء في قرار المحكمة العصرية بالرباط بتاريخ 29/11/1944 ما معناه: "إن طلب
وضع الشيء تحت الحراسة القضائية، ليس من المفروض أن يستجاب له بمجرد مطابقته
لاختصاص قاضي المستعجلات، بل إن هذا الأخير ملزم بتدقيق وفحص ما إذا كان هذا الإجراء
التحفظي يوافق مصلحة الطرفين ويؤمن له الإدارة القضائية الجيدة[5]".
هذا وتجدر
الإشارة إلى وزارة العدل قد تنبهت بدورها إلى خطورة إجراء الحراسة القضائية نظرا
للحالات الكثيرة التي وقفت عندها، والشكايات المتعددة التي عرضت عليها في هذا
الشأن، فأصدرت منشورا بتاريخ 21/11/1968 تحت رقم 462 أثارت فيه انتباه السادة
القضاء، إلى ما يكتسيه الإجراء المذكور من خطورة بالغة وحثتهم على عدم الاستجابة
له إلا في حالة الضرورة القصوى، وقد جاء في بعض فقرات هذا المنشور: "... وعلى
كل حال، فإن هذا التدبير يكتسي صبغة اختيارية سواء تعلق الأمر بالمحكمة أو بقاضي
المستعجلات، ولا يلزمالقضاة بالأمر به مطلقا وهنا ينبغي على المحكمة التي يرفع
إليها مثل هذا الطلب، أن تكون صارمة في عدم الاستجابة إليه، وأن لا تسمح به إلا في
حالة ضرورة محلة" ومن نافلة القول فإن دعوى الحراسة القضائية، يجب اعتبارها
دعوى احتياطية بمعنى أنه لا ينبغي اللجوء إليها إلا إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة
التي من شأنها المحافظة على الشيء من الضياع، بحيث إذا كان في إمكان المدعي اللجوء
إلى إجراء وقتي أو تحفظي آخر يغني عنها، كالحجز التحفظي مثلا أو التقييد الاحتياطي
بالنسبة للعقارات المحفظة، فيكون من الأحسن عدم الاستجابة إلى الدعوى المتعلقة.
وقد لاحظنا
أثناء ممار ستنا للقضاء الإداري وجود عدة دعاوى تتعلق بالمسوؤلية الإدارية موجهة
ضد وزارة العدل نتيجة عدم إدارة الحارس القضائي بالمحكمة للأموال الموضوعة تحت
حراسته إدارة محكمة، وبالتالي فإنه يمكن تفادي مثل هذه الدعاوى إذا تم التأكد من
فعالية وجدوى هذا الإجراء قبل الإقدام على اتخاذه.
ثانيا: شروط
انعقاد اختصاص قاضي المستعجلات للبت في الصعوب في التنفيذ:
من المعلوم أن منازعات التنفيذ تنقسم من حيث
موضوعها إلى منازعات موضوعية ومنازعات وقتية
بحسب إذا ما كان الطلب يتجه نحو إصدار حكم موضوعي أو وقتي، ولما نص الفصل
149 من ق.م.م. على منح الاختصاص لرئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات
أو للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حينما يكون النزاع معروضا أمام محكمته (طبقا
للفقرة الثالثة من نفس الفصل) للبت في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند
تنفيذي، فمعنى ذلك أن الصعوبات التي تدخل ضمن اختصاص القضاء المستعجل هي الصعوبات
الوقتية، أما لاصعوبات الموضوعية فهي خارجة هذا الإطار، بدليل أن المشرع في النص
المذكور قد اشترط، توفر عنصر الاستعجال في الإجراء المطلوب، كما نص في الفصل 152
من ق.م.م. على أن الأوارم الاستعجالية لا تبت إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس
بما يمكن أن يقضى به في الجوهر.
أما الصعوبات
الموضوعية، فإن النظر فيها يرجع إلى نفس المحكممة التي أصدرت الحكم المستشكل في
تنفيذه، وذلك من أجل تأويل أو تفسير حكم أو قرار طبقا للفصل 26 من ق.م.م.
أوجه الخلاف
بين الصعوبة الوقتية، والصعوبة الموضوعية في التنفيذ:
يقصد بالصعوبة
الوقتية في التنفيذ تلك التي ترمي إلى اتخاذ إجراء وقتي يقضي بوجودها، وبإيقاف
نفاذ السند التنفيذي مؤقتا، إلى غاية النظر في أصل النزاع، أو إلى حين البت
موضوعيا في أمر هذه الصعوبة، كوجود خطإ مادي في الحكم تسرب إما إلى اسم المطلوب في
التنفيذ، أو إلى عنوان مكان التنفيذ، فريثما يتم النظر في تصحيح هذا الخطأ من طرف
المحكمة التي اصدرت الحكم (في إطار الصعوبة الموضوعية) يصرح قاضي المستعجلات بوجود
صعوبة وقتية، وبإيقاف إجراءات تنفيذ الحكم، أو في الشروط والأركان الواجب توافرها
فيه، أو في صحة إجراءات تنفيذه، كدعوى بطلان إجراءات التنفيذ مثلا، فكل ذلك يخرج
عن الإطار الوقتي المرسوم لقاضي المستعجلات.
فبعد التعريف
بالصعوبة الوقتية والصعوبة الموضوعية، يجدر بنا الآن عن شروط انعقاد اختصاص قاضي
المستعجلات للنظر في الصعوبات الوقتية في التنفيذ وهي كالتالي:
أولا -
الاستعجال:
إن الفصل 149
من ق.م.م. أورد شرطا عاما لانعقاد اختصاص قاضي المستعجلات وهو توفر عنصر الاستعجال
وذلك بالنسبة لجميع الإجراءات الوقتية بما فيها الصعوبات في التنفيذ، إلا أن شرط
الاتسعجال في هذه الأخيرة في نظرنا هو شرط مفترض بقوة القانون ولا حاجة للتنصيص
عليه، لأنه لا يمكن أن تصور إشكالا وقتيا في التنفيذ بدون توفر عنصر الاستعجال،
وهو ما دفع المكشرع المصري غب الوقت الذي كان فيه قاضي المستعجلات ما زال يبت في
إشكالات التنفيذ إلى حذف شرط الاستعجال من نص المادة 49 من قانون المرافعات رقم 77
لسنة 1949 التي تتحدث عن إشكالات التنفيذ الوقتية، بحيث جاء في تقرير لجنة
المرافعات بمجلس الشيوخ بأن شرط الاستعجال قد رفع عمدا، لكي يكون اختصاص القضاء
المستعجل شاملا لكل إشكالات التنفيذ باعتبار أنها دائما مستعجلة.
ويلاحظ أن هذا
الموقف هو الذي سبق أن تبناه المشرع المغربي في الفصل 219 من قانون المسطرة
المدنية القديم.
ونرى بأن شرط
الاستعجال في دعوى الصعوبة الوقتية هو من باب تحصيل الحاصل، لأن خطر التنفيذ الذي
يلاحق المنفذ عليه، هو الذي يدفعه إلى رفع دعوى الصعوبة على الرغم من أن بعض يفترض
إمكانية تصور عدم توفر عنصر الاستعجال في دعوى الصعوبة، كمن يرفعها بعد تمام
التنفيذ، أو يقيمها بشأن تنفيذ حكم غير قابل أصلا للتنفيذ، إلا أننا نعتبر بأن هذه
الحالات نادة جدا، والنادر لا حكم له.
ثانيا: عدم
المساس بجوهر الحق:
إن الشرط
الثاني لانعقاد اختصاص قاضي الأمور المستعجلة للبت في الصعوبة في التنفيذ هو أن لا
يكون من شأن البت في الطلب، المساس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر، إلا أن الشرط
لا يمنع القضاي المذكور وهو ينظر في طلب الصعوبة الوقتي من تلمس وفحص ظاهر
المستندات حتى يمكنه النظر في مدى جدية الاستشكال في التنفيذ المرفوع أمامه.
إلا أنه يجب
التنبيه هنا إلى الفرق الموجود بين مساس الصعوبة المثارة بالموضوع (أي أصل الحق)
وبين تأسيس هذه الصعوبة على أسباب موضوعية.
ذلك أن
الصعوبة الوقتية في التنفيذ قد ترتكز على وسائل وأسس مضوعية، ومع ذلك لا تمس بجوهر
الحق، كان يثير المدين صعوبة في تنفيذ حكم قضى بأداء مبلغ معين يؤسسها على كونه
قام بوفاء الدين- بعد صدور الحكم- أو أنه تقاص عنه مقاصة قانونية، أو عرضه على
الدائن عرضا عينيا، فهذه الاعتراضات كلها موضوعية، ومع ذلك فإن إثارتها لا تمس
بأصل الحق، كما أنه ليس من شأنه إثارتها المساس بحجية الحكم المستشكل في تنفيذه،
كأن يقتضي النظر فيها تفسير حكم أو تأويله سواء من حيث المعنى أو المبنى.
هذا، وقد
استقر العمل القضائي على وجوب أن تكون الأسباب المعتمدة لإثارة الصعوبة في التنفيذ
قد حصلت بعد صدور الحكم المستشكل في تنفيده، أما إذا كانت قائمة قبل صدوره، فإنها
تندرج ضمن الدفوع في الدعوى التي لا يمكن لطالب الصعوبة الاحتجاج بها على من صدر
الحكم لفائدته.
ويلاحظ أن
العديد من طلبات الصعوبة يكون مالها الرفض لافتقارها إلى الجدية ما دامت الأسباب
التي تعتمد إثارتها تكون قائمة أثناء جريان الدعوى، ولا تشكل في حد ذاتها عنصرا
جديدا ظهر بعد صدور الحكم المستشكل في تنفيذه، وقد أصدرنا في هذا المعنى أمرا
بتاريخ 29/05/2000 في الملف رقم 2658/2000 جاء في تعليله ما يلي: "حيث بنت
الطالبة إثارتها للصعوبة في التنفيذ على كون ظهير 24/05/1955 لاينطبق على المحل
المؤجر لها، وعلى أدت واجب الكراء بعض الشهور في الإنذار الموجه إليها...
"وحيث أن
ما أثير أو ما أمكنت إثارته أثناء جريان الدعوى لا يمكن أن يعتمد كأسباب لإثارة
الصعوبة في التنفيذ، كما أن الصعوبة الجدية المبررة لإيقاف إجراءات التنفيذ، هي
التي كانت قائمة قبل صدوره...
"وحيث إن
طلب الصعوبة لا يستم بالجدية، مما يتعين معه التصريح برفضه".
مدى اختصاص
قاضي المستعجلات بالنظر في صعوبة تنفيذ الحكم الصدر في الدعوى المدنية التابعة
للدعوى العمومية:
حينما تصدر
المحكمة الجنحية حكما في دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية، فهناك من يعتبر أن
الاختصاص للبت في طلب الصعوبة ينعقد لذات المحكمة التي أصدرت الحكم، أي المحكمة
الجنحية سواء تعلق الإشكال في التنفيذ بالدعوى العمومية، أو بالدعوى المدنية
التابعة، وأن صاحب هذا الرأي استشهد بقرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ
19/12/1979 في الملف المدني عدد 75175 الذي جاء فيه: "على المحكمة الجنحية
التي بتت في الدعوى المدنية التابعة، وحددت التعويض المستحق للمتشرر من الجريمة،
أن تحدد مدة الإكراه البدني لتنفيذ الحكم، وهي وحدها المختصة بهذا التحديد إذا ما
أهملته وليست المحكمة المدنية، وإلا تعرض حكمها للنقض".
إلا أننا
نعتبر بأن الفصل 645 من قانون المسطرة الجنائية الذي استشهد صاحب هذا الرأي، يفرق
في مضمونه ومعناه بين نوعين من الصعوبة: الصعوبة الوقتية والصعوبة الموضوعية،
وتبين ما إذا كانت هذه الصعوبة بنوعيها تنصب على الجانب المدني من الحكم أو على
الجانب الزجري، فإذا كانت الصعوبة في التنفيذ هي من نوع الصعوبة في التنفيذ هي من
نوع الصعوبة المزضزعية التي شأنها المس بحجية الحكم في حد ذاته، كتأويل حكم أو
إصلاح خطأ مادي، أو إضافة مقتضى تم إغفاله في الحكم، إلخ... فإن الاختصاص هنا للبت
في هذه الصعوبة ينعقد لنفس المحكمة التي اصدرت الحكم وهي المحكمة الجنحية طبقات
للفصل 646 من قانون المسطرة الجنائية، لتعلق الإشكال في التنفيذ بالحكم الأعلى
الذي استشهد به أصحاب الرأي المذكور، وهذا يوافق تماما وجهة نظرنا، لأن إغفال
المحكمة االجنحية تحديد مدة الإكراه البدني بخصوص التعويض المدني المستحق (في إطار
الدعوى المدنية التابعة) يشكل في الواقع صعوبة موضوعية وليست وقتية، بحيث إن إعادة
تحديد مدة الإكراه البدني، هي مسألة تمس بحجية الحكم في حد ذاته وبالتالي فإن
المحكمة الجنحية هي التي يرجع إليها النظر لتدارك الإغفال المذكور.
أما إذا كانت
الصعوبة ف التنفيذ، هي من نوع الصعوبة الوقتية وتنصب على الحكم الصادر في الدعوى
المدنية التابعة للدعوى العمومية، فإن الاختصاص في نظرنا ينعقد حتما لقاضي
المستعجلات للبت فيها (وهو هنا إما رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول
لمحكمة الاستئناف حسب الأحوال)، وذلك على اعتبار أن الفصل 645 من قانون المسطرة
الجنائية ينص على أن التنفيذ "يجري بطلب من المطالب بالحق المدني طبقا لقواعد
المسطرة المدنية بمجرد ما يصبح الحكم الصادر بمنح التعويضات المدنية نهائيا من
جراء عدم قبوله لأي وجه من وجوه الطعن العادي".
فما دام تنفيذ
الحكم الجنحي في شقه المدني يخضع لقواعد المسطرة المدنية، فإن عوارض التنفيذ لا
يمكن أن يبث فيها إلا قاضي المستعجلات
الذي يستمد اختصاصاته من الفصل 645 المذكور الذي يحيل بصفة ضمنية على مسطرة
الاستعجال في قانون المسطرة المدنية إذا تعلق الأمر طبعا بصعوبة وقتية في التنفيذ.
ويلاحظ أن
العمل القضائي استقر على هذا الاتجاه بعد أن كان في السابق مترددا بالأخذ به، فقد
صدر أمر عن السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 25/10/1978
قضى بوجود صعوبة في تنفيذ المقتضيات المدنية لحكم جنحي صدر عن المحكمة الابتدائية
بالدار البيضاء.
كما أن نفس
الاتجاه سارت عليه منذ مدة محكمة الاستئناف بالرباط، فقد أصدر رئيسها الأول بتاريخ
8/11/1983 في الملف الاستعجالي عدد 1354/83 أعلن فيه عن اختصاصه كقاض المستعجلات
للنظر في طلب الصعوبة في تنفيذ حكم صدر في دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية[6].
كما أننا
أصدرنا أمرا في هذا الاتجاه بتاريخ 02/06/2000 تحت عدد 4024 في الملف رقم
2596/2000 تتلخص وقائعه في أن شركة مجهولة الإسم، تعرضت على قرار جنحي استئنافي
صدر غيابيا في حقها، والذي قضى باعتبارها مسؤولية مدنية، ونظرا لكونها وجهت
بالتنفيذ رغم التعرض المصرح به من طرفها، فقد تقدمت بمقال استعجالي تثير فيه
الصعوبة في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة وقد اعتبرنا بأن
الاختصاص ينعقد لنا كقاضي المستعجلات للبت في هذه الصعوبة بناء على التعليل
التالي: "حيث أدلت الطالبة بنسخة من صك التعرض على القرار الاستئنافي الغيابي
الصادر ف حقها، مما يجعل النزاع معروضا أمام هذه المحكمة، ويكون الاختصاص بالتالي
منعقدا لنا للبت في الطلب من هذه الناحية، ومن ناحية أخرى لكون الصعوبة الوقتية
المثارة تنصب حول الشق المدني من القرار المذكور الذي يجري تنفيذه طبقا لقواعد
المسطرة المدنية عملا بمقتضيات الفصل 645 من قانون المسطرة المدنية...
وخلاصة القول،
فإن الاتجاه المذكور قد لقي تأييدا سواء من طرف الفقه أو القضاء بحيث أن جل
المحاكم أخذت به وسارت على هديه.
لكن وفي سياق
هذا الاتجاه، هل يمكن اعتبار غرفة المشورة المتفرقة عن الغرفة المدنية بمحكمة
الاستئناف مؤهلة قانونا للنظر في طلب إيقاف النفاذ المعجل المشمولة به الأحكام
المدنية الصادرة عن المحاكم الزجرية على غرار الاختصاص الموكول لها بحكم القانون
لإيقاف النفاذ المعجل المشمولة به الأحكام المدنية الصرفة طبقا للفصل 147 من
ق.م.م.
إنه من
المعلوم أن المقتضى القانوني الذي يجيز للمحكمة الجنحية شمول حكمها بالنفاذ المعجل
فيما يتعلق بالتعويضات المدنية هو الفصل 400 من قانون المسطرة الجنائية وذلك بعد
أن تعلل تعليلا واضحا الظروف الخاصة التي تبرر النفاذ المعجل، إلا أن الفصل
المذكور لم يوضح الجهة القضائية التي يمكن اللجوء إليها للمطالبة بإيقاف النافذ
المعجل، مما أدى إلى اختلاف الآراء والنظريات، وتضارب الأحكام القضائية فيما
بينها.
فهناك اتجاه
يقول بأنه رغم سكوت النص، فإنه يمكن الرجوع إلى قواعد المسطرة المدنية ما دامت هي
المسطرة الأم التي يمكن اللجوء إليها في كل ما يتعلق بالدعوى المدنية سواء قدت
بصفة أصلية أو تابعة للدعوى العمومية خصوصا وأن المسطرة المدنية هي المؤهلة لسد
الفراغ التشريعي في قانون المسطرة الجنائية.
وهناك اتجاه
آخر والذي يعتبر أصحابه من أنصار استقلال المسطرة الجنائية، يقول بوجوب التمسك
الحرفي بالنص، وبعدم إمكانية الاحتكام لقانون المسطرة المدنية نظرا لكون المشرع
أصر عمدا على عدم تطبيق هذا القانون في مثل هذه الحالة، ويستند أصحاب هذا الاتجاه
إلى اجتهادات محكمة النقض الفرنسية التي ترفض طلبات إيقاف التنفيذ المعجل المأمور
به في الدعوى المدنية التابعة للدعوى العمومية نظرا لعدم التنصيص عليه وتنظيم
مقتضياته في قانون المسطرة الجنائية، ومن ضمن هذه الاجتهادات قرار المحكمة
المذكورة الصادر بتاريخ 06/05/1965.
ويلاحظ أن
المجلس الأعلى قد سار من قبل في نفس اتجاه محكمة النقض الفرنسية وذلك في قراره
الصادر بتاريخ 02/03/1964 تحت عدد 1582.
وفي انتظار
تدخل المشرع لحسم هذا الخلاف حول الجهة القضائية المختصة بالنظر في طلبات إيقاف
النفاذ المعجل المشمول به الأحكام المدنية الصادرة في قضايا جنحية، أعتقد أنه
يتعين اعتبار الطلبات المذكورة أنها تدخل في إطار المسائل النزاعية الموضوعية
ويمكن بالتالي تقديمها أمام الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف وهي تبت كغرفة مشورة
مادام الفصل 647 من قانون المسطرة الجنائية يجيز من جهة تقييم من جهة تقديم هذا
النوع المتعلق بالتنفيذ إما بناء على ملتمسات النيابة العامة (إذا تعلق النزاع هنا
بتنفيذ حكم صادر في الدعوى العمومية) أو بناء على طلب الفريق الذي يهمه الأمر،
والذي يمكن أن يكون في هذه الحالة الأخيرة المتهم المواجهة بالتنفيذ المعجل في الدعوى
المدنية التابعة، ومن جهة أخرى فإن نفس الفصل يجيز للمحكمة الجنحية (غرفة المشورة)
بأن تأمر بتوقيف التنفيذ المتنازع فيه، بحيث أن عبارة "توقيف التنفيذ"
وردت بصفة عامة ومطلقة، ويمكنها بالتالي أن تشمل حالات التنفيذ النهائي أو المؤقت.
وهناك بعض
محاكم الاستئناف التي سارت في هذا الاتجاه معتبرة بأن مقتضيات الفصلين 646 و647 من
قانون المسطرة الجنائية يسعفان لحل هذه الإشكالية المتعلقة بالاختصاص، مخالفة بذلك
اجتهاد المجلس الأعلى المشار إليه آنفا الذي قال بعدم جواز اللجوء إلى قواعد
المسطرة الجنائية، منها محكمة الاستئناف بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ
28/11/1967 تحت عدد 48، وهو نفس الاتجاه الذي ما زالت هذه المحكمة تسر عليه إلى
الآن.
هل لتقديم طلب
الصعوبة في التنفيذ أثر واقف؟
باستقرائنا
لقانون المسطرة المدنة، سواء في المساطر الخاصة بالاستعجال (الفصل 149 وما يليه)
أو في القواعد بشأن التنفيذ الجبري (الفصل 428 وما يليه)، لا نجد هناك مقتضيات
خاصة تنص بكيفية صريحة على مدى الأثر المرتب عن تقديم طلب الصعوبة في التنفيذ،
وهناك يطرح التساؤل التالي: هل يتم إيقاف إجراءات التنفيذ بمجرد تقديم طلب الصعوبة
ولا تتم متابعتها إلا بعد البت فيه؟ أو بمعنى آخر هل لطلب الصعوبة ولا تتم
متابعتها إلا بعد البت فيه أو بمعنى آخر هل لطلب الصعوبة أثر واقف بالنسبة
لإجراءات التنفيذ، أم يمكن متابعتها بقطع النظر عن تقديم عن تقديم ذات الطلب؟ إنه
أمام هذا الفراغ التشريعي نجد بأن المحاكم الابتدائية تضطر إلى معالجة هذه النقطة
بكيفية تنظيمية فقط، فمنها من تعتبر أنه لا موجب من الناحية القانونية للتوف عن
مواصلة التنفيذ بمجرد تقديم طلب الصعوبة، ومنها من تعتبر أن تقديم طلب الصعوبة
يقتضي من مأمور الإجراء أو العون القضائي التريث في مباشرة عملية التنفيذ إلى أن
يتم البت في هذا الطلب إما بالاستجابة أو الرفض، وذلك تفاديا بتعذر إرجاع الحالة
إلى ما كانت عليه في حالة إذا تم التصريح بوجود تلك الصعوبة، ومنها من تعتبر أن
عملية التنفيذ إذا كانت محددة التاريخ باليوم والساعة كالإفراغات وبيع المحجوزات،
فإن طلب الصعوبة يتم البت فيه قبل الموعد المحدد لعملية التنفيذ.
ولو قدم قبل
ساعة من هذا الوعد أما إذا لم تكن عملية التنفيذ التاريخ، فإنه يقع التريث في
التنفيذ ريثما يتم البت في الصعوبة، ولضمان عدم الاستمرار في مواصلة إجراءات
التنفيذ يأمر قاضي المستعجلات بضم الملف التنفيذي إلى ملف الصعوبة.
وتطرح هذه
الإشكالية سواء قدم طلب الصعوبة أمام رئيس المحكمة الابتدائية، أو أمام الرئيس
الأول لمحكمة الاستئناف حينما يكون النزاع في الموضوع مطروحا أما محكمته، علما بأن
هناك صعوبة عملية الآن في إعطاء مفهوم الأثر الواقف للإشكال في التنفيذ مدلوله
الحقيقي، وذلك بعد أن اصبحت الملفات بين يدي الأعوان القضائيين المتواجدة مكاتبهم
خارج المحكمة، وبالتالي أصبح التواصل معهم في هذا الشأن صعب المنال خصوصا حينما
يتقرر مثلا إضافة ملف الصعوبة ويحدث أن العون القضائي غير محدود بمكتبه لسبب من
الأسباب، أو أنه يتواجد بمكان التنفيذ في الوقت الذي قدم فيه طلب الصعوبة.
وهذه
الإشكالية لا شك أنها تشغل بال عدد من المسؤولين القضائيين خصوصا على مستوى
المحاكم الابتدائية، وأظن أنه يتعين أن يتدخل المشرع لسد هذا الفراغ التشريعي
المتعلق بالأثر المترتب عن تقديم طلب الصعوبة، وذلك على غرار ما نصت عليه بعض
التشريعات كالتشريع المصري، الذي عالج هذه النقطة على مرحلتين، ففي مرحلة أولى
اعتبر المشرع المصري في المادة 480 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 أنه
"إذا رفع إشكال أثناء التنفيذ وجب على المحضر ألا يتم التنفيذ"، إلا أن
هذا النص استغل نظرا لعموميته – استغلالا سيئا من طرف أصحاب الإشكال الذين لا
يهمهم إلا عرقلة عملية التنفيذ، بحيث كان قاضي المستعجلات ما أن يبت في إشكالهم
ويباشر المحكوم لفائدته عملية التنفيذ، حتى يرفعوا إشكالا جديدا يترتب عليه وقف
التنفيذ بقوة القانون، فلم يجد المشرع مندوحه من التدخل وهي المرحلة الثانية، حيث
عدلت المادة 480 السالفة الذكر بمقتضى المرسوم 117 سنة 1952 لتجعل الأثر الواقف
مقصورا على الإشكال الأول دون الإشكالات اللاحقة، حيث أضيفت فقرة أخيرة إلى نص
المادة المذكورة تنص على ما يلي: "إذا قضى بالاستمرار في التنفيذ فلا يترتب
على تقديم أي إشكال آخر وقف التنفيذ".
ورغم أن
المشرع المغربي (الفقرة الثانية من الفصل 436 من ق.م.م.) قد أشار أيضا إلى أنه لا
يمكن تقديم أي طلب جديد لتأجيل التنفيذ كيفما كان السبب الذي يستند إليه بعد البت
في الصعوبة، إلا أنه لا يوجد أي مقتضى صريح
ينص على بيان الأثر المرتب على طلب
الصعوبة، لذا نقترح أن يعمل المشرع عند إخراجه بحول الله مؤسسة قاضي التنفيذ إلى
حيز الوجود أن يقع التنصيص على ذلك بشكل واضح تفاديا لأي تضارب في الاتجاهات
والتنظيمات بين مختلف المحاكم.
[1] -
عرض قدم اليوم الدراسي الذي نظمته محكمة الاستئناف بالرباط في إطار انشطتها
الثقافية حول موضوع "محكمة الرئيس" وذلك يوم 24/06/2002 بالمعهد الوطني
للدراسات القضائية.
[2] -
مقال الدكتور محمد السماحي حول: "موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة
عامة"، منشور في ندوة القضاء المستعجل المنظمة من طرف مجلس وزراء العدل العرب
سنة 1986، ص: 91.
[6] - هذا الأمر أصدره الأستاذ
عبد الواحد الراضي الجراري الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط، وقد أشار إليه
بحثه: اتجاهات في العمل القضاء الاستعجالي.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق