-->

الضرر الواجب التعويض

مقدمة:


الضرر هو الأذى الذي يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو شرفه أو عاطفته.
وهو الركن الثاني من أركان المسؤولية يسبقه الخطأ وتلحقه العلاقة السببية وبغير توفره لا تتوفر المسؤولية ولا يمكن للقضاء الحكم بالتعويض.
والتعويض في معناه الاصطلاحي هو ما يلتزم به المسؤول مدنيا قبل من أصابه بضرر.
وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصل 77 و98 من ق.ل.ع ونصت عليه المادة 123 من القانون المدني المصري بقولها على أن كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، وتجدر الإشارة إلى أن التعويض بهذا المعنى لم يكن معروفا من قبل إلا بعد صدور التقنين المدني والفرنسي لعام 1904 حيث فصل بصورة قاطعة بين المسؤولية المدنية والجنائية. وقد كان لهذا التمييز أثره المباشر على التعويض وحدد نطاق وظيفته وجعلها في جبر الضرر فحسب.
وهكذا يمكن القول بأن فكرة التعويض قد غلب عليها الطابع العقابي في المجتمعات والشرائع القديمة ثم تغيرت النظرة إليه واضح الطابع الإصلاحي هو المميز له في الوقت الحاضر ومن باب المقارنة يمكن القول أن الفقه الإسلامي لا يعرف تسمية المسؤولية المدنية بل يطلق عليها مصطلح الضمان ويقصد به بوجه عام شغل الذمة بواجب يطلب الوفاء به إذا توافرت شروطه وقد يطلق على ما يجب أداؤه من مال تعويضا عن مال فقد، وعليه فقد قطن فقهاء المسلمين إلى أن لفظ التعويض غير دقيق إذا أطلق بمعنى جبر الضرر فيستعيضون عنه بمصطلح الضمان وهو يتمثل في التعويض الذي يكون الهدف منه رفع الضرر وجبر التلف وإزالة المفسدة وهو يجب أن يكون مماثلا للضرر أو التلف الذي وقع.
وقد كان حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار بمثابة القاعدة الكلية التي تحكم الضمان، وقد اشتق منها الفقهاء العديد من القواعد "الضرر يزال" و"الضرر يرفع بقدر الإمكان".
وهذا الموضوع يطرح العديد من الإشكاليات من قبيل ما هي أنواع الضرر القابل للتعويض وشروطه في القانونين المغربي والمصري، وحدود سلطة القاضي التقديرية في تحديد مقدار التعويض وما هي الاعتبارات المتداخلة في قناعة القاضي أثناء تحديد لهذا التعويض.



التصميم

مقدمة

المبحث الأول: الضرر الواجب التعويض وشروطه

المطلب الأول: الضرر الواجب التعويض

المطلب الثاني: شروط الضرر القابل للتعويض

المبحث الثاني: السلطة القاضي التقديرية في تحديد التعويض عن الضرر والاعتبارات المؤثرة فيها.

المطلب الأول: فيما يتعلق بسلطة القاضي في تقدير التعويض والرقابة القضائية عليها.

المطلب الثاني: الاعتبارات المؤثرة في قناعة القاضي

أثناء تحديد التعويض عن الضرر


 

sالمبحث الأول: الضرر الواجب التعويض وشروطه

المطلب الأول: الضرر الواجب التعويض


باعتبار الضرر هو المساس بحق أو لمصلحة مشروعة للإنسان سواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة متعلقة بسلامة جسمه أو عاطفته أو ماله أو حريته أو شرفه أو اعتباره أو غير ذلك.
فالضرر هو الشرط الثاني اللازم لتحقيق المسؤولية إذ بدونه لا تنجح دعوى المسؤولية.
وانطلاقا من هذا التعريف يمكن أن نستشف أن الضرر إما ان يكون ضررا ماديا أو ضررا أدبيا.
فإذا انصب الضرر على الذمة المالية لشخص أو على جسمه نكون أمام ضرر مادي أما الضرر الأدبي هو الذي يصيب الشخص في حساسيته كالم أو في شعوره كحدش الشرف أو عاطفته كفقد عزيز عليه، قس على ذلك وبالرجوع على قانون الالتزامات والعقود وذلك في الفصل 77 نجد المشرع قد سوى بين الضررين المادي والمعنوي حيث اعتبرهما موجبين لتعويض([1]).
ويترتب على ما سبق أن الخطأ أن لم يتولد عنه ضرر مادي أو معنوي فإنه لا مجال للمطالبة بالتعويض لانعدام سببه، غير أن ليس هناك ما يحول دون اعتبار هذا الخطأ سببا لقيام المسؤولية.
أما بالنسبة للقانون المدني المصري نجده مثله مثل نظيره المغربي قرر نفس المبدأ حيث يعتبر كل من الضرر المادي والأدبي موجبا للمطالبة بالتعويض وهذا ما نصت عليه المادة 163 مدني "كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، فالمقصود بالضرر هو الذي يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو شرفه أو عواطفه.
حيث تقول محكمة النقض المصرية في هذا الصدد على أنه "كل ما يؤدي الإنسان في شرفه واعتباره أو يصيب عاطفته ومشاعره ضرر أدبي يوجب التعويض المادة 222.1 من القانون المدني.
أي أن كل مساس بمصلحة مشروعة للمضرور وفي شخص أو ماله أما بالإخلال بحق يكلفه القانون أو بمصلحة مالية له يتوافر به الضرر المادي.
أما الضرر الأدبي فقد نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 222 من القانون المدني المصري على أنه يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضا لكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق أو طالب الدائن به أمام القضاء وهذا منا ورد بالمذكرة الإيضاحية من أنه استقر في العصر الحاضر عن وجوب التعويض عن الضرر الأدبي وجه عام بعد أن زال ما خاص الأذهان من عوامل التردد في هذا الصدد([2]).
ومن هنا نخلص على أن كل من المشرعين المغربي والمصري كلاهما جعلا كل من الضرر المادي والأدبي بسبب موجبين للمطالب بالتعويض حتى توافرت شروطه والتي سنناقشها في الفترة التالية.

المطلب الثاني: شروط الضرر القابل للتعويض

وسواء كان الضرر ماديا أو معنويا فإنه لا يكون قابلا للتعويض عنه إلا توافرت فيه شروط معينة بأن يكون ضرر مباشرا ومحققا وشخصيا ناشئا عن الإخلال لمصلحة مشروعة فبالرجوع إلى الكتب الفقهية المهتمة بالقانونين المدني المغربي والمصري، نجد أن هذا لا يمنع من بعض التفصيل في هذه الشروط.
الشرط الأول: أن يكون الضرر شخصيا حيث جاء بهذا الخصوص ضمن الفصل 264 من ق.ل.ع: "الضرر هو لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فته من كسب..." وهذا يعني أن المطالبة بالتعويض حق للمضرور المباشر وحده لارتباط ذلك بمصلحته إذ كما هو معلوم فإن المصلحة هي مناط الدعوى ولا يشترط في المضرور أن يكون شخصا طبيعيا فهو قد يكون شخصا اعتباريا أيضا كالشركات والجمعيات والمؤسسات العمومية([3]).
الشرط الثاني: أن يكون الضرر محققا ومالا كلاهما الشريعين المغربي والمصري ينصان على هذا الشرط لاستحقاق التعويض حيث بمقتضى هذا الشرط يجب أن يكون الضرر قد وقع حالا. وهو ما يسمى بالضرر الحال وإذا كان الوضع المألوف في ميدان المسؤولية التقصيرية هو وقوع الضرر دفعة واحدة إلا هناك بعض الحالات الأخرى التي يحصل فيها الضرر على مراحل متباعدة فيما بينها. إلا أن سببها الحقيقي يكون قد نشأ منذ البداية وهذا الوضع يدفعنا للتساؤل عما إذا كان الضرر المستقبلي يتوجب التعويض أم لا؟
وبخصوص الإجابة على هذا السؤال فإننا نلاحظ الإجماع بشأن إقرار التعويض عن الضرر المستقبلي إذا ثبت لدى المحكمة ما يؤكد أن هذا الضرر كان له اتصال مباشر بفعل التعدي([4]) نفسها الشرط تبناه القانون المدني على معنى أن يكون الضرر قد أصاب طالب التعويض شخصيا فليس له أن يطالب بتعويض عن ضرر أمام غيره غلا إذا كان خلفا للمصاب وينبغي ألا نفهم عبارة "أصاب طالب التعويض شخصيا" أن يكون قد وقع على غيره بيد أن الضرر قد تعدى إليه ولذلك فإن هذا الضرر يكون قد أصابه شخصيا، ولهذا فإذا قذف الزوج زوجته ليلة الدخلة إنها ليست بكرا وتبث عكس ذلك فإن لوالدها الحق في التعويض باعتباره أن القذف قد تعدى الزوجة إلى أبيها([5]).
الشرط الثالث: أن يكون الضرر مباشرا قد ينتج عن دعم تنفيذ الالتزام سلسلة من الضرار يعقب بعضها البعض الآخر، فعل يسأل المدين عنها جميعا أم يسأل عن بعضها؟ الحقيقة أن المدين لا يسأل مبدئيا إلا عن الضرر المباشر أما الضرر غير المباشر فإنه يمكن أن يأخذه القاضي بعين الاعتبار إذا اخل المدين بالتزامه عن عمد أو اقترف خطأ جسيما أو غشا، وهذا ما يستفاد ضمنيا من الفصل 264 من ق.ل.ع الذي جاء فيه "الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب متى كانا ناتجين عن عدم الوفاء بالالتزام([6]).

المبحث الثاني: السلطة القاضي التقديرية في تحديد التعويض عن الضرر والاعتبارات المؤثرة فيها.


يعتبر الاعتراف للقاضي بالسلطة التقديرية في التصدي للمنازعات المتعلقة بالتعويض عن الضرر، من أهم مظاهر إعطاء القاضي دورا إيجابيا في حسم دعاوي المسؤولية المدنية وبالتالي تحقيق فرض المقصود وهو بالأساس جبر الضرر الذي لحق المضرور.
وأول مظاهر تلك السلطة حرية اختيار الطريقة الملائمة للتعويض حسبما يراه القاضي لازما لجبر ذلك الضرر وتحديد مقدار التعويض المناسب لتحقيق هذه الغاية.
وهذا يطرح العديد من التساؤلات من باب هل تقدير التعويض من مسائل الواقع أم القانون وبالتالي مدى خضوع القاضي لرقابة المحكمة الأعلى درجة وكذلك الاعتبارات المؤثرة في قناعة القاضي المدني لتحديد التعويض.


المطلب الأول: فيما يتعلق بسلطة القاضي في تقدير التعويض

    والرقابة القضائية عليها.

يعرف الفقه السلطة التقديرية للقاضي بأنها نشاط ذهني مستمر يقوم به قاضي الموضوع بصدد تقديره لوقائع النزاع المطروح، والتثبت من خلال الأدلة المطروحة من الوقائع المنتجة والحاسمة في الدعوى ثم إعطاء الوصف القانوني لهذه الوقائع التي يتبق ومفترض القاعدة القانونية التي قدر أنها الواجبة التطبيق عليه ثم يختتم نشاطه الذهني بإنزال الحكم الوارد في تلك القاعدة على هذا الواقع من خلال تقديره للأثر الوارد في تلك القاعدة سواء تمثل نشاطه في إنشائه للثر القانوني، وذلك في الحالات التي يمنحه الشارع فيها خلق هذا الثر وفقا للغاية الموضوعية من القانون وهذا النشاط ينص على الواقع كما ينص على القانون، فالنشاط الذي ينص على الواقع لا يخضع لأي قيد أما النشاط الذي ينص على القانون فهو نشاط مقيد يخضع قاضي الموضوع بصدده لرقابة المحكمة الأعلى درجة (المجلس الأعلى بالمغرب ومحكمة النقض المصري) باعتبارها محكمة قانون وليس محكمة واقع.
وهذا يدفعنا للتساؤل عن طبيعة هذه السلطة في مجال تحديد وتقدير التعويض هل هي من أمزور الواقع أم القانون.
فبالرجوع على المقتضيات القانونية المنظمة للتعويض عن الضرر ولاسيما الفصول 77 و 78 و264 من القانون المدني المغربي والمواد 150 و221 و222 من القانون المدني المصري نجدها تعطي سلطة تقديرية واسعة للقاضي لتحديد التعويض اللازم لجبر الضرر وإعادة التوازن العقدي.
فالفصل 264 من ق.ل.ع ينص على أن الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام، وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول لفطنة المحكمة، التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه في حين نصت المادة 150 مدني مصري على قاعدة عامة في تقدير التعويض حيث نصت على أنه "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقا لأحكام المادتين 221 و 222 مراعيا في ذلك الظروف الملابسة فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعينيا نهائيا فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطلب في مدة معينة بإعادة النظر في التقدير.
ونصت المادة 121 على أنه "إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد او بنص في القانون فالقاضي هو الذي يقدره..."([7]).
إذن فالواضح من قراءة هذه النصوص أن تقدير التعويض يعود لقاضي الموضوع الذي يفصل في كل نازلة لوحدها تبعا لظروفها الخاصة وتقييما للضرر الحاصل أو المتوقع من المدين باعتباره ضابط موضوعي قوامه الضرر الذي يتوقعه الرجل العادي المنتسب لنفس المجموعة الاجتماعية والاقتصادية التي ينتسب إليها والموجود فينفس الظروف الظاهرة التي وجد فيها هذا المدين أو تحديد أهمية الفرصة الضائعة ومدى جديتها.
غير أنه إذا كان تقدير التعويض عن الضرر الثابت يقتضي مراعاة العناصر التقليدية وذلك حسب ما إذا كان الضرر ماليا أو معنويا أو جسديا فإن مسالة مراعاة عناصر التعويض في الحكم توصف بأنها من مسائل القانون التي يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض بخلاف تقدير التعويض الذي يعد من مسائل الواقع التي لا يخضع فيها القاضي لتك الرقابة وإذا كان هذا التمييز بين الواقع والقانون له أهميته في القانون المصري، وأكده القضاء فيه حيث أصدرت محكمة النقض العديد من القرارات التي تؤكد ذلك الاتجاه فقد ورد في قرار لها تعيين عناصر الضرر التي تتدخل في حساب التعويض من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض في حين أن تقدير الضرر وتحديد التعويض الجابر له من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع حتى ما لم يوجب القانون إتباع معايير معينة([8]).
أما في القانون المغربي فإن عدم مراعاة عناصر التعويض يعد من قبيل الخطأ الجوهري في الحكم والذي يعد سببا للطعن ليس على أساس أن المسألة هي مسألة واقع أم قانون ولكن من باب انعدام أو نقصان التعليل ففي قرار للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 20 نونبر 1985 تحت عدد 2749 في الملف رقم 27390/81 جاء فيه "يقدر التعويض على أساس ما لحق بالمتضرر من خسارة وما فاته من كسب وعلى المحكمة أن تبرز ما اعتمدته منها في تقدير التعويض، حتى تمكن المجلس الأعلى من بسط رقابته بشأن حقيقة الضرر الذي لحق بالمدعي.
لما خفضت المحكمة مبلغ التعويض المحكوم به ابتدائيا كان عليها أن تعلل قضاءها تعليلا كافيا يبرر ذلك التخفيض.
وهنا يثار سؤال حول الضرر المتغير فهل يكون القاضي ملزم بأن يراعي عناصر التعويض كما لو كان الحكم نهائيا مع العلم أنه لا يستطيع تعيين مراه على نحو من الدقة.
إن الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن تلمسها من خلال النصوص القانونية الخاصة بالتعويض والتي جاءت عامة يفهم منها أنها قصدت التعويض النهائي مما يجعلنا نبحث ن الحل في القضاء، فقد جاء قرار المحكمة النقض المصرية "إذا كان المدعي يطلب تعويضا بصفة مؤقتة فلا حاجة بمحكمة الموضوع إلى ذكر عناصر التعويض المؤقت الذي تقضي به أما في حالة التعويض الكامل فإنه على المحكمة أن تقوم ببيان الضرر وعناصره وما تراه مسوغا لما تقضي به من تعويض.

المطلب الثاني: الاعتبارات المؤثرة في قناعة القاضي

أثناء تحديد التعويض عن الضرر  


كما أشرنا سابقا فالقاضي حر في تكوين فناعته، استنادا إلى وثائق الملف وملابسات القضية لتحديد التعويض اللازم لجبر الضرر، غير أن هذه القناعة ليست دائما على إطلاقها فبالإضافة لضرورة تعليل الحكم أو القرار القضائي وتبيان العناصر المعتمدة في تحديد مقدار التعويض هناك بعض الاعتبارات القانونية والموضوعية التي تلعب دورا بارزا في تكوين هذه القناعة ويكون لها انعكاس كبير على مقدار وحجم التعويض المحكوم به.
ولعل أهم هذه الاعتبارات تقيد القاضي في تحديد للتعويض بطلبات الأطراف المسطرة في المقال الافتتاحي أو الطلبات الإضافية أو العارضة استنادا على مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه "يتعين على القاضي أن يبث في حدود طلبات الأطراف" أي أن لا يتجاوز السقف المحدد للتعويض من طرف أطراف النزاع([9]). وهذا فيه تقييد لسلطة القاضي التقديرية في تقدير التعويض من جهة وإجحاف في حق الطرق المتضرر الذي قد يحيد عن الطريق السليم في تحدد هذا التعويض...
وهذا المبدأ القانون يتبناه القضاء في كل من المغرب ومصر، فقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 31/10/1990 تحت عدد 2179 يتعرض للنقض القرار الذي قضى بقبول استئناف المطلوب في النقض الفرعي ورفع السومة الكرائية على أكثر من المبلغ الذي اقترحه الخبير استجابة إلى طلبه بالرغم من كون هذا الأخير طلب المصادقة على الخبرة في المرحلة الابتدائية وذلك لانعدام مصلحته في الاستئناف"([10]).
وهو نفس الأمر الذي سار عليه القضاء في جمهورية مصر فقد أكدت محكمة النقض موقف المشرع المتجسد في نص المادة 253 من قانون المرافعات المدنية فقد ورد في قرارات عديدة أن التعويضات التي أجازت الفقرة الثانية من المادة 235، المطالبة بزيادتها استثناء أمام محكمة الاستئناف هي التعويضات التي طرأ عليها ما يبرر زيادتها عما حددت به في الطلبات الختامية أمام محكمة أول درجة وذلك نتيجة تفاقم الأضرار المبرر للمطالبة بها وإذا التزم الحكم المنطوق فيه هذا النظر ويعتبر الزيادة طلبا جديد فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
إذن فالقاضي المدني عكس القاضي الجنائي لا يجب أن يحكم من تلقاء تضمنه فهو ملزم بالطلبات المحددة من طرف الخصوم.
ومن الاعتبارات كذلك الاعتماد على الخبرة التقنية أو العملية في تعديد مقدار التعويض والخبرة القضائية هي العلميات والتقارير التي يقوم بها الخبير المعين من طرف المحكمة في مسألة فنية، لا يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية للقيام بها، فيكلف أحد ذوي الاختصاص لجلاء ما غمض عليه من واقع النزاع المعروض عليه والذي يكون إطلاعه عليه ضروريا للبث في النزاع([11])".
إذن فمن مظاهر سلطة القاضي التقديرية ، حسم الدعاوي المدنية استعانته بأهل الخبرة في المسائل الفنية أو العملية ليتمكن ومن خلال آرائهم حسم الدعوى، فمتمتع القاضي بسلطة تقديرية لا يعني وجوب إبداء رأيه في كل مسألة أو ناصية من النواصي التي تتطلب دراسة أو خبرة فنية من قبل أشخاص مؤهلين.
غير أنه يجب التنبيه على أنه إذا ما قرر القاضي الاستعانة بأهل الخبرة فهو غير بالعمل بكل ما جاء فيها وكذلك غير ملزم بالاستجابة لطلبات الخصوم المتضمنة استبدال الخبراء مادام القاضي قد اقتنع بالتقرير المقدم من قبلهم.
وهذا ما جاء في قرار المحكمة النقض المصرية، "لا يثريب على محكمة الموضوع في عدم إجابة طلب الخصم بإبدال الخبراء مادامت قد اقتنعت بخبرتهم لما لها من سلطة تقديرية.
وللقاضي أن يعين خبيرا أو خبراء، متى كان الأمر يتطلب ذلك ويبين لهم النقط التي يجب أن تشملها الخبرة من الواقع لأن الغاية من الخبرة هي تنوير المحكمة في المسائل الواقعية لا القانونية، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في القرار رقم 1375 الصادر بتاريخ 30/05/1992 عندما نص على أن مهمة الخبير الذي تعينه المحكمة تنحصر في جلاء أمر تقني يرى القاضي الإطلاع عليه ضروريا للفصل في النزاع المعروض عليه.
أما الإجراءات التي تتعلق بالقانون فهي من صميم أعمال القاضي الذي لا يجوز أن يتنازل عنها للغير أو يفوض النظر فيها إليه وأن المحكمة التي اعتمدت على خبرة من هذا النوع تكون قد جردت قضاءها من الأساس القانوني وعرضته للنقض.
وهذا الأمر هو الذي سبق لمحكمة النقض المصرية تقريره فقد ورد في القرار رقم 84 لجلسة 22/4/2969 بأنه "تقتصر مهمة الخبير على تحقيق الواقعة في الدعوى وإبداء رأيه في المسائل الفنية التي يصعب استقصاؤها بنفسه دون المسائل القانونية وكذلك ما جاء في الطعن رقم 69 لجلسة 13/12/1980.
وإلى جانب الاعتبارات السابقة هناك حالة اتفاق طرفي العقد على تحديد التعويض مسبقا في العقد أو ما يعرف بالتعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي وهو اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي سيحققه الدائن في حالة عدم التنفيذ ـ أو التأخر فيه ـ وهذا يطرح مشكلة الموازنة بين سلطة القاضي التقديرية ومبدأ القوة الملزمة لعقد.
وقد نظم المشرع المغربي هذا المقتضى في الفصل 264 من ق.ل.ع، ونظمه نظيره المصري في المادة 224 من القانون المدني، والملاحظ من خلال المقتضيات المنظمة لهذا الشرط أن كلا المشرعين منح القضاة مهمة الوسيط في حالة قيام النزاع بين القوة الملزمة للعقد وفكرة العدالة، وذلك عن طريق إمكانية التدخل لتعديل التعويض الاتفاقي مع المحافظة على حرية التعاقد([12]).
غير أنه بإجراء مقارنة بين القانونين يتضح بأن القانون المصري في الفقرة الثانية من المادة 224 أجاز للقاضي ان يخفض التعويض إذا أثبت المدين ان التقدير كان مبالغا فيه على درجة  كبيرة في حين رفع المشرع المغربي الحرج عن القضاة بعدم تحديده لدرجة هذه المبالغة وجعلها خاضعة لسلطة القاضي التقديري. كما أن القانون المصري لا يأخذ بتعديل الشرط الجزائي غلا في شقه الضيق المتعلق بالتخفيض في حالة المبالغة فيه ولا يمنح للقاضي إمكانية الزيادة في التعويض الاتفاقي إلا في حالة التدليس والخطأ الجسيم، ويرى بعض الفقه أن سبب هذا الاستثناء يستند على كون العاقد الذي اقترف غشا أو خطأ جسيما يرغب في التخلص من موجبات العقد، مما يتعين أن يأخذ حكم الشخص المسؤول تقصيريا والذي يلتزم بتعويض كامل يشمل حتى الضرر غير المتوقع أثناء تكوين العقد فهو لم يتردد في زعزعة الثقة التي وضعت فيه. لذلك يجب أن يعامل بنقيض قصده.
والقضاء المغربي مثل نظيره سار على هذا الاتجاه ينبني تعديل بنود العقد القاضية بالتعويض غما بالرفع من مقداره أو تخفيضه وذلك بعدما كان متمسكا في العديد من قراراته بمبدأ لمجلس الأعلى بتاريخ 10/04/1991 تحت رقم 977 جاء فيه: "لئن كانت محكمة الاستئناف لا تملاك حق تقدير التعويض موضوع الشرط الجزائي إذا كان مبالغ فيه جدا.

لائحة المراجع


ü    د. عبد القادر العرعاري للنظرية العامة للالتزامات في القانون المغربي، ج 1 مصادر الالتزامات الكتاب الثاني المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار، الطبعة الأولى 1988.
ü    د. محمد أحمد عابدين: التعويض عن الضرر المادي والأدبي المورث، طبعة 2002.
ü    محمد أحمد عابدين: الضرر المعادي والأدبي المورث، الطبعة 2002.
ü    عبد الحق صافي: القانون المدني، الجزء الأول، المصدر الإداري للالتزامات، العقد الكتابي الثاني آثار العقد.
ü    د. فؤاد معلال: الشرط الجزائي في القانون المغربي.
ü    عبد الرزاق الشهري: الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثاني، المجلد الثاني، الفقرة 18.



[1] - د. عبد القادر العرعاري للنظرية العامة للالتزامات في القانون المغربي، ج1 مصادر الالتزامات الكتاب الثاني المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار، الطبعة الأولى 1988، ص70 وما بعدها.
[2] - د. محمد أحمد عابدين: التعويض عن الضرر المادي والأدبي المورث، طبعة 2002، ص 13 وما بعدها.
[3] د. عبد القادر العرعاري للنظرية العامة للالتزامات في القانون المغربي، ج1 مصادر الالتزامات الكتاب الثاني المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار، الطبعة الأولى 1988، ص 81 وما بعدها
[4] - د. عبد القادر العرعاري، مرجع سابق ص 79 وما بعدها.
[5] - محمد أحمد عابدين: الضرر المعادي والأدبي المورث، الطبعة 2002، ص 85.
[6] - عبد الحق صافي: القانون المدني، الجزء الأول، المصدر الإداري للالتزامات، العقد الكتابي الثاني آثار العقد، ص 247 و248.
[7] - د. فؤاد معلال: الشرط الجزائي في القانون المغربي، ص 233 وما بعدها.
[8] - تقضى مدني، جلسة 8 أبريل 1982 ص 33.
[9] -د. محمد أحمد عابدين، : التعويض بين الضرر المادي والآخرين المورث، ص 28 وما بعدها.
[10] - عبد الرزاق الشهري: الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثاني، المجلد الثاني، الفقرة 18، ص130.
[11] - عبد الحق صافي: القانون المدني، الجزء الأول، المصدر الإداري للالتزامات، العقد الكتابي الثاني آثار العقد، ص 250 وما بعدها.
[12] - عبد الحق صافي، مرجع سابق، ص 245 وما بعدها.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *