-->

: المسؤوليـة المهنيـة في القانون المغربي


المقدمة ‏

‏ إن التطور الاقتصادي والاجتماعي اقتضى تطورا قانونيا لتنظيم وضبط مجموعة من ‏المجالات الفاعلة في المجتمع، فقد كانت مهن حرة سواء كانت ذات طابع فني وتقني كالطب، ‏الصيدلة والهندسة والمقاولين أو ذات طابع قانوني كالمحاماة والتوثيق العصري والعدلي، ‏والمفوضين القضائيين محط أنظار الدولة التي إحاطتها بقواعد وضوابط قانونية متعددة ومتنوعة ‏سواء من حيث ولوج المهنة أو ممارستها أو المنع من مزاولتها، كما أوجدت لها هياكل تنظيمية ‏لتدبير شؤونها ووضعية ممتهنيها، وهو ما اصطلح عليه بالهيئات المهنية. ‏
إلا انه يجب التنبيه إلى الغموض الذي قد يلم بمصطلح الهيئات المهنية موضوع الدرس ‏بأجهزة منتخبة تسهر على تنظيم مجموعة من المهن الغير منظمة قانونا كغرف التجارة والصناعة ‏والخدمات والغرف الفلاحة وغرف الصيد البحري، فالمقصود من الهيئات المهنية موضوع الدرس ‏هي تلك الهيئات المهنية لمهن حرة منظمة قانونا بمقتضى نصوص تشريعية سواء كانت ذات طابع ‏فني كالطب، الصيدلة والهندسة، أو ذات طابع قانوني كالمحاماة، التوثيق العدلي والعصري ‏والمفوضين القضائيين . ‏
وقد طرح مفهوم الهيئة المهنية نقاشا قانونيا لتحديد وضبط معالمه وخصائصه لما يترتب عن ذلك ‏من آثار قانونية هامة تتجسد على مستوى العمل القضائي.‏
هكذا تتضح أهمية تناول الموضوع بالدراسة اعتبارا لطابعه التركيبي إذ تتقاطعه مجموعة ‏من القواعد والأنظمة التي تتنوع بتنوع الهيئات المهنية وان اتحدت في بعض الخصائص، مما ‏اقتضى منا استحضار مجموعة من المبادئ والقواعد القانونية على مستوى الفقه والقضاء لتحديد ‏الطبيعة القانونية للهيئات المهنية وبالتالي طبيعة قراراتها وكيفية مراقبته. ‏
و هو ما يطرح على مستوى آخر من الموضوع مدى أهمية هذه التنظيمات القانونية ‏وفعاليتها لضبط مجالات فنية وقانونية على غاية من الدقة، أم أن الأمر يستدعي التدخل المستمر ‏للدولة كجهاز رقابة ؟ أم أن فلسفة المشرع في إنشائه لهذه الهيئات كانت تهدف إلى توفير غطاء ‏من الحماية والحصانة للمهنيين في مواجهة زبنائهم ؟
هذا ما سنحاول مقاربته من خلال تناول تصميم اقتضته ضرورية منهجية موضوعية ‏تتفادى تكرار نقط المواضيع الأخرى المقررة لهذه المجزوؤة، لذلك حاولنا تحديد الإطار القانوني ‏للهيئات المهنية ومهامها في(مبحث أول) ليتم تحديد طبيعتها القانونية في (مبحث ثان) ثم التطرق ‏لكيفية الرقابة على أعمالها وقراراتها في (مبحث ثالث)‏


المبحث الأول: التنظيم القانوني للهيأت المهنية و مهامها

‏ إن البحث في التنظيم القانوني للهيأت المهنية سواء ذات الطبيعة القانونية المحضة ‏كالمحاماة الموثق العدل و المفوض القضائي أو تلك المرتبطة بالمجال الفني والعلمي كالطب ‏الصيدلة المقاول والهندسة المعمارية ليس بالأمر الهين لاعتبارات عدة خاصة المنهجية منها لكن ‏سنحاول ما أمكن ان نضع صورة تقريبية للهيأت المهنية على مستوى التنظيم القانوني ‏ في مطلب ‏اول على ان نتناول مهام تلك الهيأت في مطلب ثاني ‏
المطلب الأول:التنظيم القانوني للهيأت المهنية
المطلب الثاني : مهام الهيأت المهنية
لتفادي عملية سرد مهام الهيأت المهني كل مهنة على حدة كان لابد من البحث عن نقط ‏التقاطع بينهم على اعتبار أن دراسة مهام الهيئة المهنية تقتضي الكثير من التحليل قصد الإلمام ‏بها لكن يمكن إجمالها في وظيفتان أساسيتان سنتطرق للوظيفة تشريعية في فقرة أولى ونتناول ‏الوظيفة تأديبية في فقرة ثانية .‏
‏ ‏
الفقرة الأولى:الوظيفة التشريعية
لا نقصد هنا بالوظيفة التشريعية التشريع بمفهومه الضيق الصادر عن البرلمان وانما ‏سلطة الهيئة المهنية لسن قواعد عامة مجردة تتسم بالإلزام بالنسبة لأعضائها ، ولعل أول تجليات ‏امتياز إنشاء القاعدة القانونية يبدأ في التنظيم والتسيير الداخلي للهيئة (*) إلا أن التطبيق المهم ‏لسلطة إنشاء القاعدة القانونية تظهر بجلاء في إعداد الهيئة لقانون أخلاقيات المهنة ، حيث أن ‏تدخل الهيئة في مجال التخليق المهني يتسم بأهمية خاصة نظرا لما له من آثار تجاه الأغيار . ‏صحيح أن قانون أخلاقيات المهنة يطبق داخل الهيئة لكن في الحقيقة يتجاوز إطار المهنة لأنه ‏يعالج بالضرورة علاقات المهني بالعموم وبذلك فله تأثير على وضعية الزبناء ,وتبعا لذلك فإن ‏الدولة تفرض رقابتها على هذه القوانين وذلك بضرورة المصادقة عليها من قبل السلطات العمومية ‏‏(*) لكن السؤال المطروح ما هو الأساس المعتمد لمنح الهيئات المهنية سلطة إنشاء القاعدة ‏القانونية؟ الجواب على هذا السؤال يستحق وقفة لأن بعض التوضيحات قد تجعل الهيئة المهنية ‏موضع الشك. ‏
فمن المنظور السوسيولوجي المؤسساتي يعتبر أن المؤسسة هي تجمع مجموعة من ‏الأشخاص من أجل تحقيق هدف مشترك وتتميز بالرابطة الاجتماعية بين أعضائها وبسلطة التحكم ‏الضرورية لحياة المؤسسة ، وعلى غرار جميع التجمعات فالهيئة المهنية تحتاج أيضا إلى سلطة ‏مكلفة بسن القواعد السلوك الواجب إتباعه داخل الهيئة وضمان احترام هذه القواعد وبالتالي ‏فسلطة التشريع هي مرتبطة أساسا بطبيعة الجماعة وملازمة للمهنة المنظمة.‏
وهناك منظور ثاني يعتبر أن سلطة التشريع المخولة للهيئة المهنية هي تفويض من قبل ‏الدولة وبالتالي فارتباط سلطة تشريع الهيئة المهنية بسلطة الدولة هو الوحيد الذي يفسر وجود ‏مراقبة للملائمة ، فإذا كانت قوانين أخلاقيات المهنة تعد من قبل الهيئة المهنية فإنها تخضع ‏لمصادقة السلطات العمومية وتدخل حيز التنفيذ بواسطة مرسوم، وبالتالي فإن سلطة التشريع ‏المخولة للهيئة المهنية ليست وليدة الصدفة بل تجد مصدرها من القانون وفي إرادة الدولة التي ‏تنازلت للهيئة عن حقها في تقنين بعض جوانب المهنة إلا أنها – أي الدولة – دائما تحتفظ بحقها ‏في مراقبة التشريعات الصادرة عن الهيئة. ‏

الفقرة الثانية :المهمة التأديبية

إن الهدف الرئيسي والغاية الأساسية من وجود الهيئة المهنية هي المهمة التأديبية ، وعملا ‏بذلك فإن المنادون بإنشاء الهيئة المهنية كانوا ينظرون إلى الجانب الزجري للهيئة باعتبار أن ‏الهيئة يجب أن تعمل من أجل كبح تراجع أخلاقيات المهنة وأن تواجه الأعمال المنافية لها ، كما ‏أنها تهدف إلى الحد من نواقص الأعمال التأديبية للنقابات ومواجهة عدم ملائمة التشريع الجنائي ‏والمدني المعمول به .من جانبهم يعتبر المدافعون عن الهيئة أنها الوسيلة التي بها يتم تصحيح ‏وضعية المهنة والرفع من قيمتها الأخلاقية وهي بذلك تعتبر ضامنة للصفات الحميدة في المهنة ‏
فالقانون الفرنسي منح للهيئات المهنية اختصاصات في تأديبية واسعة : فهي تمارس وظيفة ‏وقائية تتجلى في مراقبة الولوج إلى المهنة ووظيفة زجرية تتجلى في مراقبة الإخلال بواجبات ‏المهنة أما في المغرب فالتشريعات غير منسجمة والاختصاصات التأديبية ليس لها نفس الامتداد ‏بالنسبة لكل هيئة وبصفة عامة أبدى المشرع المغربي تحفظه بالنسبة للهيئة المهنية لكن الملاحظة ‏لا تسري على كل الهيئات بل يجب التميز بين ثلاث حالات.‏
فكما في فرنسا تتمتع هيئة المحامون في المغرب باختصاصات تأديبية جد موسعة فهي ‏تمارس وظيفة تأديبية وقائية باعتبارها تراقب ولوج الأعضاء الجدد إلى المهنة كما تبث أيضا في ‏قبول التدريب و التسجيل في الجدول مكلفة أيضا بالسهر على احترام القواعد التي تنظم المهنة ‏وتعاقب الإخلالات المهنية ، وفي هذا الصدد فهي تمارس مهمة قضائية ومهمة تأديبية زجرية ‏فالقرارات التأديبية لهيئة المحامون قابلة للطعن بالاستئناف أمام محاكم الإستئناف و القرارات ‏الصادرة عن المحاكم المذكورة تقبل الطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى.‏
بالنسبة لهيئة الأطباء فإن الدور التأديبي للهيئة محدود لكن يبقى مهم نسبيا فهيئة الأطباء لا ‏تمارس لا تمارس الدور الوقائي لأنها لا تراقب ولوج الأعضاء الجدد إلى المهنة بل لها دور ‏استشاري في الموضوع ورأيها هذا في قبول أو رفض العضو الجديد لا يلزم الإدارة في شيء، في ‏المقابل تتمتع هيئة الأطباء بدور موسع فيما يتعلق بزجر المخالفات، فعلاوة على الإنذار والتوبيخ ‏بإمكان الهيئة اللجوء إلى توقيف العضو أو التشطيب عليه بصفة نهائية لمعاقبة الأخطاء المرتكبة ‏من قبل أعضائها لكن العقوبتين الأخيرتين تثير الملاحظات فإذا كانت هذه العقوبات تتعلق بقدرة ‏الشخص على ممارسة المهنة فإن هذه العقوبة يجب أن تؤدي بالإدارة إلى سحب رخصة ‏الممارسة لكن السؤال المطروح هو هل الإدارة ملزمة بقرار الهيئة أم يمكن أن ترفض إعطاء الأثر ‏القانوني المترتب عليه .‏
فإذا كانت الهيئة لها كامل الصلاحيات في ممارسة مهامها التأديبية يجب أن نعتبر بأن ‏الإدارة ملزمة بسحب رخصة الممارسة من العضو الصادرة في حقه العقوبة لكن إذا كانت الهيئة ‏في وضعية تبعية بالنسبة للإدارة فإننا نعترف للأمانة العامة للحكومة بسلطة تقديرية خاصة تمكنها ‏من شل و إفراغ قرار الهيئة من محتواه. ‏
القانون يبدو أنه اختار حلا توافقي ملفوف بكثير من الغموض فهو يضع كمبدأ أن للهيئة ‏المهنية كامل الصلاحية في تأديب العضو إلا أنها في بعض الحالات الاستثنائية يمكن للإدارة إرجاء ‏قرار السلطة الصادر عن الهيئة وتأخير تطبيقه، كما يمكن أن تذهب أبعد من ذلك وترفض سحب ‏الرخصة لمدة سنتين هذا التأويل يخول الإدارة حق فيتو حول قرارات التشطيب رغم ارتباطه بتوفر ‏الظروف الاستثنائية.‏
مهما يكن فإن القرارات التأديبية الصادرة عن هيئة الأطباء هي بمثابة قرارات قضائية ‏وبصفتها هذه فالقرارات الصادرة عن المجلس الجهوي قابلة للطعن أمام المجلس الوطني ‏والقرارات الصادرة عن المجلس الوطني قابلة للطعن بالنقض أمام الغرفة الإدارية بالمجلس ‏الأعلى.‏
فيما يتعلق بهيئة المهندسين لها دور مختزل فهي على غرار هيئة الأطباء تمارس دور ‏وقائي استشاري فالهيئة تصدر رأي استشاري حول ترشيحات الولوج إلى المهنة نفس الأمر فيما ‏يخص زجر المخالفات المرتبطة بإخلالات الواجب المهني ، كما أن العقوبات الأكثر حدة الوقف ‏والعزل لا تصدر عن الهيئة بل هي مقترحة من قبلها على الأمانة العامة للحكومة. ‏
‏ ‏
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية للهيأت المهنية ‏


لقد أثار ظهور الهيئات المهنية سجالا واختلافا بين عديد الفقهاء وذلك حول الطبيعة الخاصة ‏أو العمومية للهيئة المهنية، والقانون من جانبه لم يحسم أمر هذه الطبيعة بل ترك أمر الجواب ‏عليها للفقه فالبعض منهم تحدث عن الطبيعة المختلطة أو الهجينة لهذه التنظيمات وتوالت بعد ذلك ‏الطروحات المتناقضة في هذا الأساس. ومهما يكن فإن الأمر لم يعد كما كان بل أصبح أكثر وضوحا ‏ففي فرنسا لم يعد الموضوع مطروحا للنقاش، فالطبيعة العمومية للهيئة المهنية تكاد تنال إجماع ‏الفقهاء في فرنسا وعلى هدا الاعتبار نتناول الموقف الفرنسي في مطلب أول.‏
‏ أما بالنسبة للمغرب فإن السؤال لم يتم تناوله بما فيه الكفاية إلا أن الطبيعة العمومية للهيئة ‏المهنية تبدو أكثر وضوحا المطلب الثاني.‏
المطلب الأول: موقف القانون الفرنسي
إن الباحث في مجال المهن الحرة يجد أنها قائمة حتى قبل الثورة الفرنسية ومنذ ذلك التاريخ ‏وهيئات هذه المهن تتطور إلى أن وصلت ما نراها عليه اليوم‏

يعتبر الفقه الفرنسي أن للهيئة المهنية جميع مميزات الجهاز العمومي ذلك أنها لم تولد ‏بمحض الصدفة بل هي بمبادرة من السلطات العمومية ، كما أنها – أي الهيئات - أسست بقوانين ‏تحدد تركيبها ووظائفها وكذا اختصاصاتها .من جهة أخرى فإن الهيئة المهنية تلعب دورا أساسيا ‏في السهر ومراقبة نشاط المهنة تماشيا مع المصلحة العامة ، إضافة إلى ذلك فإنها تخضع لنظام ‏القانون العام باعتبارها ذات سلطة عمومية تملك سلطة التقنين والتأديب تتخذ قرارات تنفيذية ‏وتقتطع واجبات اشتراك من أعضائها.‏
وأخيرا فإن الهيئة المهنية تخضع لرقابة الدولة هذه الرقابة تتجلى في التدخل المباشر ‏للإدارة في تسيير الهيئة ويترجم ذلك بوجود موظف داخل بعض الأجهزة العادية إضافة إلى مراقبة ‏القاضي الإداري لمشروعية بعض القرارات الصادرة عن الهيئة.‏
صحيح أن الهيئة المهنية تقدم أيضا بعض جوانب التنظيم الخصوصي حيث تضم مهنيين ‏مستقلين لا تتوفر فيهم صفة الموظف ، تسير أموالها تبعا لقواعد القانون الخاص ، كما تمنح ‏لأعضائها بعض الخدمات والتعويضات وكذا بعض المساعدات التي لا تتصف بسمة العمومية ، ‏إضافة إلى ذلك فإن قواعد القانون الخاص هي التي تؤطر العلاقة بين الهيئة والأشخاص كملاك ‏العقارات المكتراة للهيئة والممونون والعمال الذين يعملون بالهيئة ، رغم ذلك فإن الكل مجمع على ‏أن هذه الأنشطة ثانوية ولا تشكل بأي حال من الأحوال الغاية التي أنشأت من أجلها ‏
موقف القضاء في هذا الجانب يبدو غامضا ، فمنذ ظهور الهيئات المهنية على ساحات ‏النزاعات ، ومجلس الدولة الفرنسي يرفض تكييف الهيئة المهنية بالمؤسسة العمومية بل اعتبرها ‏تساهم في تسيير المرفق العمومي إلا أن هذا الغموض سرعان ما يتبدد إذا ما علمنا أن مجلس ‏الدولة الفرنسي يعترف أن لتسيير المرفق العمومي نفس النتائج التي ترتبط بمفهوم بالشخص ‏العمومي، ويبقى أن هذا الاجتهاد لم يتم تفنيده ولا تفسيره من قبل الفقه وهو ما يعد اعترافا بالطابع ‏العمومي للهيئة المهنية.‏

المطلب الثاني: موقف القانون المغربي‏
في المغرب الأمر مختلف اعتبارا للارتباط الكبير بين الهيئة المهنية والدولة، فاستقلال ‏الهيئات المهنية المغربية يبدو محدودا وذلك من خلال نقطتين أساسيتين:‏
فيما يتعلق بمراقبة الولوج إلى المهنة ، فباستثناء المحاماة فإن الهيئات المهنية الأخرى لا ‏تتوفر على سلطة اتخاذ قرار الولوج بل لها دور استشاري فقط ، حيث تر سل الترشيحات إلى ‏الأمانة العامة للحكومة التي تستشير مع الهيئة المهنية ويبقى لها في الأخير الحق في قبول أو ‏رفض ممارسة المهنة وبالتالي فإن مراقبة ولوج المهنة لا تندرج عمليا ضمن اختصاصات الهيئة ‏المهنية بل تنصرف إلى السلطات العمومية
من جانب آخر فإن الوظيفة التأديبية للهيئة المهنية ليست بنفس الحدة بالنسبة لكل هذه ‏الهيئات ، فإذا كانت هيئة المحامون والأطباء لها سلطة كاملة لتأديب أعضائها فإن الأمر لا ينطبق ‏على هيئة المهندسين وباقي الهيئات التي تشاطر هذه الوظيفة مع السلطات العمومية حيث تصدر ‏العقوبات ت الأقل حدة ( التوبيخ والإنذار ) في المقابل ليس لها سوى الاقتراح على الأمانة العامة ‏للحكومة فيما يتعلق العقوبات الأشد ( التوقيف والعزل) ‏
هذين النقطتين الأساسيتين تضاف أليهما السمات المتعلقة بالهيئات المهنية في القانون ‏الفرنسي تؤكد هيمنة الدولة على الهيئة المهنية المغربية وتوضح بجلاء طبيعتها العمومية ‏ ‏.‏
يتبن مما سبق أن فكرة المرفق العام لا تتنافى مع هذه الأنواع من النشاطات التي تقوم بها ‏الهيئات المهنية ، ذلك أن مهمتها لا تتعلق فقط بالدفاع عن مصالح المهنة ولكن تتعلق قبل كل ‏شيء بتنظيم ومراقبة المهنة قصد تحقيق الصالح العام عن طريق تقديم خدمات عامة للجمهور تلك ‏الخدمات التي لا يمكن الاستغناء عنها ، وهي تدخل في صميم اختصاص الدولة إلا أن الدولة عندما ‏أوكلت إلى الأعضاء المنتمين والمنتخبين من المهنة نفسها لإدارتها وتسيرها كانت – وما تزال – ‏تسعى إلى تخفيف العبء عنها من جهة ومن جهة أخرى لعلمها بأن أعضاء الهيئة يملكون المقدرة ‏اللازمة لإدارة تلك الهيئات وتسيرها مع احتفاظ الدولة بالوصاية عليها لأنه لو تبين لها عدم كفاءة ‏الأعضاء المسيرين للنقابة في التسير والإدارة فإنها تضطر لحل النقابة والحلول محلها ريثما يتم ‏انتخاب الأعضاء الجدد, وتبعا لذلك يمكن أن نعتبر النقابات في المغرب من قبيل الأشخاص الخاصة ‏التي تدير مرافق عمومية. ‏
لكن السؤال المطروح هو هل يمكن اعتبار الهيئات المهنية مؤسسة عمومية؟ الواقع هو أنه ‏لتمتعها بهذه الصفة ينبغي توافر شروط معينة منها أن يكون النشاط عبارة عن مرفق عام وأن ‏تديره هيئة عامة ويتمتع بالشخصية المعنوية ,من جهته فالقضاء لم يكن له موقفا في هذا الصدد ، ‏هذا الغياب على مستوى الإجتهاد القضائي يبدو مفاجأ لكن يمكن تفسيره بخصوصيات النزاعات ‏الإدارية في هذا الجانب
في الواقع لم يطلب للقاضي في يوم من الأيام أن يبث في طبيعة الهيئة المهنية لكن يمكن أن ‏يتبين موقفه انطلاقا القضايا التي يبث فيها بمناسبة نزاع بين الهيئة المهنية وأحد أعضائها ‏كالقرارات التأديبية أو القرارات الرافضة لتسجيل عضو في الهيئة ، إلا أنه ورغم ذلك فلا شيء ‏يلزم القاضي باتخاذ موقف في هذا الشأن.‏
لكن ما يمكن قوله في هذا الصدد أن القرارات التأديبية الصادرة عن الهيئة هي بمثابة ‏قرارات قضائية تخضع لنظام خاص وقابلة للطعن بالاستئناف والنقض ‏ ‏
أما فيما يتعلق بالقرارات الرافضة لتسجيل عضو بالهيئة فإنها عموما ليست من عمل الهيئة ‏المهنية بل صادرة عن سلطة إدارية وبصفتها هذه فهي قابلة للطعن بالشطط في استعمال السلطة ، ‏صحيح أن هيئة المحاماة تبث مباشرة في طلبات التسجيل لكن هذا يشكل استثناءا وليس القاعدة.‏
إلا أن هذا لا يمنع من القول أن جميع الهيئات المهنية تتشابه من حيث طبيعتها وتمارس ‏نفس الوظائف ، هذا التشابه في الطبيعة والوظائف يكفي للجمع بين مختلف الهيئات المهنية مهما ‏اختلفت النصوص والقواعد المنظمة لها . باستثناء هيئة الصيادلة التي لا تختلف عن شيء عن ‏مثيلاتها من الهيئات باستثناء كونها تنظم مهنة تجارية
‏ مبحث ثالث: الرقابة على الهيئات المهنية. ‏
إن التطرق إلى التنظيم القانوني والطبيعة القانونية للهيئات المهنية وإعمالها في المبحثين أعلاه ‏يعتبر أرضية لتناول الرقابة على الهيئات المهنية سواء كانت رقابة على الاشخاص أم على ‏الأعمال، رقابة شرعية أم رقابة ملائمة قبلية ام بعدية، ومهما اختلفت طبيعة هذه الرقابة فإنها أما ‏رقابة إدارية على ممارسة المهنة (مطلب اول) أو رقابة قضائية على الهيئة المهنية والتي نتناولها ‏في (مطلب ثاني). ‏

‏ مطلب أول : الرقابة الإدارية على مزاولة المهنة.‏
تخضع الهيئات المهنية في مجملها لرقابة إدارية من طرف الإدارة الوصية سواء من حيث ‏الانخراط فيها، تنظيمها وأعمالها، واعتبارا لنقط التقاطع التي تربط بعض المهن ارتأينا تقسيم هذا ‏المطلب للرقابة على ممتهني المهن ذات الطابع القانوني في نقطة أولى، والرقابة على ممتهني ‏المهن ذات الطابع الفني في نقطة ثانية، وقد أثرنا عدم التطرق للرقابة التي تمارسها الهيئات ‏المهنية على ممتهنيها باعتبارها تدخل في نطاق موضوع العقوبات والمساطر التأديبية.‏
‏1- الرقابة على مزاولة مهن المحاماة، التوثيق العصري والعدلي والمفوضين القضائيين.‏
تخضع هذه المهن للرقابة الإدارية لوزارة العدل فبموجب المرسوم الصادر بتاريخ 23-06-1998 ‏بتحديد اختصاصات وزارة العدل اسند لمديرية الشؤون المدنية بالإدارة المركزية السهر على حسن ‏ممارسة المهن القانونية والقضائية الخاضعة لمراقبتها، وكذا تم تخصيص قسم لمساعدي القضاء ‏والمهن القانونية والقضائية الذي يضم بدوره عدة مصالح تعنى بشؤون كل مهنة على حدة ‏والمتمثلة في مصلحة مهنة المحاماة، مصلحة مهنة التوثيق ومصلحة مهنة العدول ومصلحة ‏المهن القانونية والقضائية الأخرى. ‏
وعبر هذه الآليات واستنادا للقانون المنظم لكل مهنة والمراسيم المطبقة له تقوم وزارة العدل ‏بممارسة رقابة قبلية صارمة على الاشخاص الذين يتقدمون لولوج المهنة فهي التي تقوم بتنظيم ‏مباريات ولوجها من الانتقاء الأولي إلى إسناد صفة المهنة للمعني بالأمر، كما بنص على ذلك ‏قانون المحاماة الجديد في فصله السادس الذي احتفظ لوزارة العدل بمهمة تنظيم الامتحان الخاص ‏بمنح شهادة الأهلية لمزاولة المهنة إلى حين دخول النص التنظيمي لمؤسسة للتكوين تحدث وتسير ‏وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي، وهو النص الذي لم يرى النور رغم انه سبق أن أحدثت ‏مجالس جهوية للتكوين بمقتضى القانون الصادر في 30-09-1993 والتي علقت على اصدار نص ‏تنظيمي، كما تتحكم وزارة العدل في دواليب امتحان خطة العدالة طبق للفصل 2 من مرسوم المطبق ‏لقانون المهنة بواسطة لجنة يترأسها ممثل عن وزير العدل والتي تحدد عدد العدول الضروري ‏والمكاتب لكل دائرة ولجنة ثانية تهيمن عليها وزارة العدل تشرف على الامتحان طبق للفصل 7 من ‏المرسوم.‏
وان كانت نفس الوزارة هي المشرفة على مباراة التوثيق العصري بتنظيمها والإشراف عليها طبقا ‏للفصل 10 من 04 مايو 1924، فان الموثق يعين بظهير‏ ‏ شريف طبقا للفصل 6 من الظهير بعد ‏استشارة اللجنة المنصوص عليها بالفصل 15 من الظهير والتي تهمن عليها بدورها وزارة العدل ‏إذ يترأسها ممثل لوزير العدل، ويظل الموثق خاضعا للمراقبة الإدارية لوكيل الملك طيلة ممارسته ‏لمهامه إذ يخضع لتفتيش من قبله مرة في السنة، في حين إن العدل يعين بقرار لوزير العدل ‏وليست له صفة موظف عمومي ويخضع للمراقبة الإدارية لرئيس المحكمة.‏
وتسري نفس آليات الرقابة الإدارية على مزاولة المهنة وأشخاصها على المفوضين القضائيين ‏الذين يتم تعيينهم بقرار لوزير العدل بعد إجراء مباراة تنظمها وتشرف عليه لجنة تهيمن عليها ‏وزارة العدل، ويبقى المفوض القضائي خاضعا لمراقبة مزدوجة في ممارسته لمهامه من طرف ‏وكيل الملك ورئيس المحكمة.‏
وإضافة لذلك فمراقبة العدول تتم عن طريق وزير العدل والوكيل العام و قاضي التوثيق طبقا للفصل ‏‏16 من ظهير خطة العدالة ويتم الطعن في المقررات التأديبية لمحكمة الاستئناف في مواجهة العدل ‏بالنقض أمام المجلس الأعلى، كما يخضع المفوضون القضائيون لرقابة وكيل الملك والإدارة ‏الجبائية طبقا للفصل 18و21 من القانون المنظم للمهنة وللمحكمة الابتدائية طبقا للفصل 19 ‏ورئيس المحكمة طبقا للفصل 13و 14 الذي يمكنه اصدر أمر لهم بمباشرة أعمالهم إذا امتنعوا عن ‏القيام بها كتابة الضبط بالمحكمة حسب الاحوال، ويتم الطعن في القرارات التاديبية الصادرة في ‏مواجهة العون القضائي امام محكمة الاستئناف.‏
وتمارس وزارة العدل رقابة اخلاقية في قالب مهني على المهنيين اعلاه بالزام كل منهم باداء قسم ‏المهنة، فكل من المحامي والموثق يؤدي قسم المهنة امام محكمة الاستئناف مقر عمله، و يؤديها ‏العدل امام المحكمة الابتدائية لمقر عمله ‏ ‏
بعدما تمت الاشارة بايجاز الى الرقابة على ممتهني المهن اعلاه، يجدر بنا التطرق لخصوصيات ‏الرقابة على ممتهني المهن ذات الطابع الفني كذلك باعتبارها مهن منظمة قانونا وقد يكون ‏ممتهنوها خبراء قضائيون تسند لهم مهمة مساعدة القضاء شأنهم في ذلك شان المحامين ‏والموثقين والعدول والمفوضين القضائيين.‏
‏2- الرقابة على مزاولة مهن الطب والصيدلة والهندسة.‏
تتميز الرقابة على ممتهني هذه المهن عن سابقتها، من حيث الجهة التي اسندت لها مهمة هذه ‏الرقابة الادارية، فالبنسبة لمهنة الطب فانها تخضع لوصاية وزارة الصحة والمجالس الجهوية ‏والوطنية، في حين تخضع مهنة الصيدلة والهندسة لوصاية الامانة العامة للحكومة ويبقى ‏للمجالس الوطنية والجهوية لهذه المهن دور استشاري فقط بخصوص في تنظيم مزاولة المهنة.‏
فالبنسبة لمهنة الطب وبخلاف المهن الاخرىن تضطلع المجالس الجهوية والمجلس الوطني بدور ‏هام في تنظيم الولوج مهنة الطب في القطاع الخاص برقابة مستمرة من طرف وزالرة الصحة ‏والامانة العامة للحكومة بالنسبة للاطباء الاجانب واقامة العيادات والمصحات طبقا للمرسوم ‏الصادر بتاريخ 06-11-1997.‏
ذلك انه لمزاولة مهنة طبيب في القطاع الخاص يتم ايداع الطلب لدى المجلس الجهوي لهيئة ‏الاطباء الوطنية، وتتم احالة الطلب بطلب من رئيس المجلس الى وزير الخارجية لاتخاذ الاجراءات ‏الازمة، بواسطة رئيس المجلس الوطني اذا تطلب الامر التاكد من شهادة او دبلوم مسلم من جامعة ‏اجنبية.‏
ويتم اطلاع وزير الصحة والامين العام للحكومة وعامل العمالة او الاقليم بالاذن بممارسة المهنة ‏وباقامة العيادات الطبية التي يرقب الطلب بشأنها بواسطة لجنة مختصة.‏
وتكتسي مهنة اطباء الاسنان خصوصية بالنسبة لمثيلتها في التخصصات الاخرى طبقا لظهير 17-‏‏04-2007 ذلك ان المجالس الجهوية والمجلس الوطني تبقى سيدة الموقف في تدبير شؤون المهنة ‏والرقابة على مزاولتها ويبقى دور الادارة باهتا اذ يقتصر على نوع من الرقابة على مققررات ‏الهيئة وهو ما سنتدارسه في المطلب الثاتي المتعلق بالرقابة على على الهيئات المهنية.‏
وفيما يخص مهنة الصيدلة فان هيئتيها المحدثتين بمقتضى ظهير 19-01-1977 وان كانت تسهر ‏على احترام القوانين والانظمة المتعلقة بالمهنة فان الرقابة على مزاولة المهنة يرجع للادارة ‏بالاساس في شخص الامانة العامة للحكومة ووزارة الصحة والنيابة العامة والمحكمة الابتدائيةن ‏ذلك ان الاذن بممارسة المهنة يتم من طرف الامين العام للحكومة بعدما يتوصل بالملف من طرف ‏السلطات البلدية او المحلية والذي يجب ان يكون مرفقا باجازة القيام بالمهنة في مقر معين بعدما ‏يتم تسجيله لدى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية وتؤشر عليه السلطة المحلية، وتوجه لائحة ‏باسماء الصيادلة سنويا لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية و وزير الصحة، ويخضع الصيادلة ‏للتفتيش من طرف لجن التفتيش الصيدلي لمراقبة الادوية المبيعة ومراقبة السجل المتعلق ببيع ‏الادوية التي يتوقف بيعها على الادلاء بشهادة طبية والذي يجب التأشير عليه من طرف كتابة ‏الضبط بالمحكمة الابتدائية.‏
ومن جهة اخرى تخضع مزاولة مهنة المهندس لقابة الامانة العامة للحكومة طبقا لظهير 29-07-‏‏1949 فمنح لقب مهندس يتوقف على اذن من الامين العام للحكومة بعد استشارة لجنة مختصة ‏بعدما يتوصل بالملف من السلطة المحليةن وعرضه على وزارة الشؤون الخارجية لابداء رأيها في ‏الموضوع، وقد تنظيم هيئة المهندسين المعماريين واحداث هيئة خاصة بهم بمقتضى ظهير 20-‏‏10-1993، ويتم منح صفة مهندس معماري من طرف الامين العام للحكومة بعد استشارة الادارة ‏المكلفة بالتعمير والمجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين بعدما تتوصل بالملف من طرف ‏عامل العمالة او الاقليم، كما يتم بمقرر مشترك بينهما تحديد عدد الاعضاء المخصص للمجلس ‏الوطني والمجالس الجهوية، وللامين العام بعد استشارة المجلس الوطني سحب الاذن في مزاولة ‏المهنة كما يمكن للادارة المكلفة بالتعمير والامين العام للحكومة طلب حل شركة المهندسين ‏المعمارين قضاءا اذا لم تتوفر في احد الشركاء صفة مهندس معماري.‏
بعد هذه المقاربة المبسطة للرقابة على المهن المنظمة، والتي يتضح فيها هيمنة الادارة في شخص ‏وزارة العدل بخصوص المهن ذات الطابع القانوني، وهمنة الامانة العامة على المهن ذات الطابع ‏الفني ماعدا مهنة الطب التي تمارس مجالسها مهام مهمة في تنظيم مزاولة المهنة، نتسائل عن ‏طبيعة الرقابة على اعمال الهيئات المهنية نفسها والجهات الموكول لها ذلك في المطلب التالي.‏
مطلب ثاني : الرقابة على اعمال الهيئات المهنية.‏
اذا كان للاداة كما اسلفنا هيمنة على الرقابة القبلية في ممارسة المهن المنظمة قانونا، زبما ‏لهاجس المشرع لضبط المهن الحرة واخضاعها لنظم قانونية تجعلها سيدة الموقف في مزاولة ‏المهن ومراقبة ممتهنيها حماية للمهنة في حد ذاتها اولا وللمستفدين من خدماتها من جهة ثانية، ‏فانه يتضح هيمنة ارقابة القضائية وان بشكل متفاوت على اعمال مجموع المهن وهو ما سنفصله ‏في نقطتين اثنتين نتناول في اولهما الرقابة على اعمال الهيئات المهنية للمهن ذات الطابع القانوني ‏في النقطة الاولى، وفي نقطة ثانية نتطرق للرقابة على اعمال هيئات المهن ذات الطابع الفني ‏مجموع.‏
‏1- الرقابة على اعمال الهيئات ذات الطابع القانوني :‏
تخضع اعمال الهيئات المهنية لهذه المهن لرقابة قضائية صارمة بحكم ارتباطها بمرفق القضاء ‏مباشرة.‏
- فالبنسبة لمهنة المحاماة، وبالرغم من السلطات الواسعة التي خولت لهيئتها المهنية متمثلة في ‏مجلس نقابة هيئة المحامين طبقا للقانون الجديد الصادر بتاريخ 20-10-2008 فان الجهاز ‏القضائي باعتباره سلطة ادارية احيانا وباعتباره سلطة قضائية احيانا اخرى يمارس رقابة مستمرة ‏على اعمال مجلس هاته الهيئة وعلى اعمال النقيب وكذا على اعمال الجمعية العمومية وان كانت ‏لهذه الاخيرة سلطات محدودة جدا، فللوكيل العام للملك الطعن في المقررات الصادرة عن مجلس ‏الهيئة وفي انتخاب النقيب طبقا للفصل 94 من قانون المحاماة امام غرفة المشورة بعد استدعاء ‏النقيب وباقي الاطراف، وكذلك الامر بالنسبة لمقررات النقيب في تحديد الاتعاب وفي قرار النقيب ‏بالاذن للمحامي بالاحتفاظ بالملف وفي قراراته المتعلقة بالشركات المهنية للمحاماة ‏ امام الرئيس ‏الاول لمحكمة الاستئناف.‏
كما يختص الوكيل العام بالمجلس الاعلى بمتابعة النقيب تأديبيا اما تلقائيا او بناء على شكوى ‏وللوكيل العام بناء على الفصل 92 تقديم ملتمس لمحكمة الاستئناف للتصريح ببطلان المداولات ‏التي تتخدها الجمعية العمومية ومجلس الهيئة خارج اختصاصها او مخالفة للقانون، وتعاين ‏المحكمة هذا البطلان بعد الاستماع للنقيب او ما يمثله.‏
وللوكيل العام حق الطعن في مقرر حفظ الملف في المتابعة التأديبية باحالته على غرفة المشورة ‏بمحكمة الاستئناف التي تقوم باعادة الملف لمجلس الهيئة لمتابعة المسطرة، بعدما كانت تتصدى ‏للبت في موضوع المتابعة، وهو المقتضى الذي طالبت به هيئات المحامين بالمغرب خلال ندوة ‏العمل القضائي ومهنة المحاماة بتاريخ 10-06-2002 كما جاء في كلمة الاستاذ النقيب ادريس ‏شاطر *( العمل القضائي ومهنة المحاماة سلسلة دفاتر المجلس الاعلى عدد 3/2004مطبعة الامنية ‏‏2000 ).‏
كما يمكن للوكيل العام والمحامي الذي تم اغفال قيده بجدول هيئة المحامين خلال اجال معينة الطعن ‏امام مجلس هيئة المحامين لتدارك هذا الاغفال واذا لم تتم الاستجابة للطلب خلال اجل ثلاثة ايام فله ‏الطعن امام محكمة الاستئناف التي تصدر قرارا غير قابل للطعن. ‏
وهكذا فان انفراد الوكيل العام بالطعن في مقرر الحفظ دون المضرور، وعدم امكانية الطعن في ‏قرار البراءة وفي قرار الحفظ الضمني بنص قانون المحاماة الجديد يكون المشرع قد كرس مصلحة ‏المهني على حساب المضرور خلافا للقواعد العامة في المسطرة التي تعطي للمتضرر حق الطعن ‏في المقررات التي تعارض مصلحته بل وحتى المشتكي اعطي له حق استئناف الحكم بالبراءة ولو ‏لم يكن مطالبا بالحق المدني حسب قانون المسطرة الجنائية الجديد. ‏
وتخضع المقررات الصادرة عن مكتب الهيئة الاستئنافية للعدول لرقابة من طرف الوكيل العام ‏والرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بالزامهمه بتبليغ مقرراته المتعلقة بالنظام الداخلي لهما، كما يتم ‏الطعن في المقررات التأديبية المستأنفة امام المكتب التنفيذي للهيأة الوطنية بالشطط في استعمال ‏السلطة أمام محكمة الاستئناف طبقا للفصل 104 من الظهير المنظم للمهنة. ‏
وبخلاف مجلس هيئة المحامين الذي يتمتع باختصاصات هامة في تنظيم المهنة ويخضع لرقابة ‏القضاء، فان غرفة الموثقين و الهيئات المهنية الجهوية والوطنية للمفوضين القضائين ليست لها ‏تلك الشخصية الاعتبارية لاصدار قررات ادارية تستوجب رقابة القضاء عليها، ‏
هكذا يتضح ان الضمانات التأديبية المخولة للمحامين بواسطة هيئتهم المهنية لا تتوفر للعدول ‏والمفوضين القضائيين في غياب اختصاصات تقريرية لهاتين المهنتين، وهو ما يوحي بالمقابل ‏توفر ضمانات اهم للمضرور في مواجهة العدل والمفوض القضائي عنه في مواجهة المحامي.‏
بعد التطرق لطبيعة الرقابة على اعمال مجالس المهن ذات الطابع القانوني التي اتضح من خلالها ‏المفارقة بين الرقابة على مجلس دون اخر، ارتأينا التطرق كذالك للرقابة المنصبة على مجالس ‏الهيئات ذات الطابع الفني لما لها من خصوصيات.‏
‏2- الرقابة على اعمال مجالس الهيئات المهنية ذات الطابع الفني.‏
ان ما يمييز التنظيم القانوني لمجالس هيئات المهن ذات الطابع الفني هو النص على كونها ذات ‏شخصية اعتبارية عامة وتصدر قررات ادارية يتم الطعن فيها امام القضاء الاداري سواء المحاكم ‏الادارية او المجلس الاعلى في شخص الغرفة الادارية، بخلاف القوانين المنظمة لمجلس هيئة ‏المحامين الذي لم يحسم في الامر مماخلق اختلافا فقيا وقضائيا هاما اعتبارا لخصوصية مسطرة ‏الطعن في قراراتها التي تتم امام محكمة الاستئناف ‏ ‏
فبالنسبة لمهنة الطب ونظرا للاختصاصا الموسعة لمجالسها فانها تخضع لرقابة ادارية وقضائية، ‏فالرقابة القضائية تتمثل في امكانية الطعن في المقررات الصادرة عن الهيئة الوطنية للاطباء بعد ‏بتها استئنافيا في مقررات المجلس الجهوي، وذلك بالإلغاء امام المحكمة الادارية المختصة. ‏
فالبرجوع لقانون مهنة الهندسة فانه يخضع المجالس المهنية لها لرقابة ادارية مستمرة بتعيين ‏رئيسه من طرف الملك بظهير شريف وكذا عضو من المجلس الدستوري بصفته مستشار قانوني ‏طبقا للفصل 47 وبتعيين ممثل للادارة بها لحضور اجتماعاتها الا في القضايا التاديبية طبقا للفصل ‏‏18، كما يمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالتعمير والامانة العامة للحكومة حل المجلس الوطني ‏بمقرر مشترك لتعذر استمراره في اعماله لامتناع الاغلبية من الحضور لاجتماعاتهن كما يمكنهما ‏تقديم طلب للقضاء لحل شركة المهندسين المعماريين لكون شريك او اكثر لايتوفر على صفة ‏مهندس معماري.‏
وتخضع قرارات المجلس الوطني في القضايا التاديبية المرفوعة اليه بعد الطعن استئنفيا في قرار ‏المجلس الجهوي، للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة امام الجهة المختصة التي هي القضاء ‏الاداري طبقا للفصل 80.‏
ويتضح ان نفس الاليات الرقابة تخضع لها مجالس الاطباء الصيادلة سواء اداريا او قضائيا، ذلك ‏ان رقابة الادارة على تتمثل في تعيين مفتش صيدلي ممثل وزارة الصحة في المجلس الوطني ‏بصفة استشارية، وتعيين قاض من طرف وزير العدل لتولي مهام المستشار القانوني في القضايا ‏التأديبية بالمجلس الجهوي والذي لايجوز له التداول الا بحضور هذا القاضي، كما يتم تعيين قاض ‏بالمجلس الاعلى لنفس الدور بالمجلس الوطني.‏
كما يتم الطعن في مقررات المجلس الوطني امام المجلس الاعلى طبقا للفصل 353 من ق.م.م.‏


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *