-->

نطاق حق الملكية





مقدمة:
يعتبر حق الملكية من أوسع الحقوق العينية نطاقا وأقواها من حيث السلطات الممنوحة للمالك، فهذا الحق ينطبق على ملكية العقار والمنقول[1]، حيث يخول صاحبه مجموعة من السلطات تمكنه من الحصول على جميع منافع الشيء باستعماله واستغلاله والتصرف فيه على وجه دائم في حدود القانون، وهو ما نص عليه المشرع في المادة 14 من مدونة الحقوق العينية بقولها:
" يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه لا يقيده في ذلك إلا القانون".
كما أكد على ذلك في المادة 19 بقوله:
" لمالك العقار مطلق الحرية في استعمال ملكه واستغلاله والتصرف فيه وذلك في النطاق الذي تسمح به القوانين والأنظمة الجاري بها العمل".
من هنا يتبين لنا أن حق الملكية يحتوي على ثلاث عناصر وهي: الاستعمال والاستغلال والتصرف.
 فالاستعمال يراد به حق المالك في استعماله ملكه والانتفاع منه مباشرة فيما أعد له.
والاستغلال يراد به الحق في الانتفاع بغلة الشيء كأخذ ثمار الأشجار وكراء المنزل أو السيارة.
أما التصرف فيراد به حق المالك في أن يجري ما يشاء من التصرفات على ملكه سواء كانت تصرفات مادية كالهدم والبناء أو قانونية كبيعه أو رهنه[2].
ولما كان للمالك حق على ملكه يتصرف فيه كيفما يشاء، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو:
·       أين تنتهي حدود الإنسان على ملكه؟ أو بعبارة أخرى ما هو النطاق المادي لحق الملكية؟
إن الإجابة على هذا التساؤل تقتضي منا التطرق إلى نطاق حق الملكية من حيث التفرعات ثم من حيث الموضوع.



المبحث الأول: نطاق حق الملكية من حيث التفرعات:
إن المبدأ العام أن كل ما يغله الشيء منقولا كان أم عقارا، ومحفظا كان العقار أو غير محفظ، وكل ما يلتصق به يعود للمالك، إلا أن مبدأ منح الغلة للمالك ليس مطلقا. بل توجد عليه استثناءات حيث تعود فيها الغلة لغير المالك، هذا ما سنحاول التطرق إليه في المطلبين المواليين.
المطلب الأول: حق المالك في غلة الشيء:
فالمالك له الحق في جميع ما يغله الشيء ما لم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك، والغلة التي ينتجها الشيء المملوك نوعان: ثمار ومنتجات.
فالثمار هي كل ما يغله الشيء المملوك في فترات منتظمة من غير أن يلحقه تلف أو نقص في هيأته.
فهذه الثمار تعود لمالك الأرض سواء كانت هذه الثمار طبيعية أو صناعية أو مدنية، وهو ما نصت عليه المادة 231 من م.ح.ع التي جاء فيها:
"إن ثمار الأرض الطبيعية أو الصناعية والثمار المدنية ونتاج الحيوان هي للمالك بطريق الالتصاق".
ويقصد بالثمار الطبيعية ما يغله الشيء مباشرة من غير أن يحتاج إلى عمل الإنسان، وذلك مثل ما تنبته الأرض من كلإ وما يتولد من الماشية من صوف وغيرها.
ويقصد بالثمار الصناعية ما يغله الشيء بتدخل من الإنسان وعمله، وذلك مثل ثمار الأشجار والمحاصيل الزراعية.
أما الثمار المدنية فيقصد بها المبالغ المالية التي يحصل عليها المالك في فترات معينة مقابل تنازله عن منفعة ذلك الشيء لغيره، وذلك كأجرة كراء الدار وأجرة كراء الأراضي الزراعية[3].
أما المنتجات، فهي كل ما ينتج عن الشيءالمملوك في فترات منتظمة أو غير منتظمة، ويترتب على ذلك الإنتاج أن يلحق بالشيء المملوك تلف أو نقص في هيأته وذلك مثل الأشجار المثمرة حينما تقطع أو تقلع من الأرض والأحجار حينما تؤخذ من المقالع، والأنقاض التي تؤخذ بعد هدم الأبنية.
وعليه فإن كل هذه الثمار والمنتجات تعتبر في الأصل مملوكة لمالك الشيء، الذي تفرعت عنه لأن نطاق حق الملكية يمتد إليها ويشملها.
وإضافة إلى الغلة فإن كل ما يضم العقار أو يدمج فيه فهو للمالك وهو ما نصت عليه المادة 233 من مدونة الحقوق العينية، كما أضافت المادة 235 أن:
"كل البناءات والأغراس والمنشآت الموجودة فوق الأرض أو داخلها تعد محدثة من طرف مالكها وعلى نفقته وتعتبر ملكا له ما لم تقم بينة على خلاف ذلك".
المطلب الثاني: الحالات الاستثنائية التي تعود فيها الغلة لغير المالك:
على الرغم من أن القاعدة أن الثمار والمحاصيل والمنتجات تعود للمالك، فإن هناك حالات استثنائية تكون فيها الثمار والمنتجات لغير المالك ومن هذه الحالات ما يلي:
أولا: حينما يتنازل مالك الشيء عن ثماره ومنتجاته لشخص آخر، فتصبح تلك الغلة مملوكة لهذا الشخص المتنازل له عنها، وذلك كما في تفويت المالك لحقه في الانتفاع بملكه لشخص آخر وكما في العارية وفي العمرى، وكما إذا فوت الشخص أنقاض داره لمن يأخذها بعد هدمها.
ثانيا: حينما يحوز شخص شيئا ما بنية تملكه وهو يعتقد أن حيازته وتملكه متوفران على الشروط المتطلبة قانونا – أي يكون حسب النية – كما إذا اشترى شخص عقارا أو منقوط بمقتضى عقد لم يطلع ما به من عيب يجعله باطلا أو قابلا للإبطال.
ثم يرفع عليه المالك الحقيقي دعوى برد ذلك الشيء إليه ويحكم له بذلك. فإن كل ما أخذه من غلة ومنتجات طيلة مدة وجود الشيء في يده وقبل رفع الدعوى الذكورة يكون للحائز.
أما ما كان موجودا من الغلة في تاريخ رفع تلك الدعوى فإنه يلزم برده لمالك الشيء. ولو كان قد نتج قبل رفع هذه الدعوى، كما يلزم برد ما نتج من الغلة بعد ذلك، وهذا ما نص عليه الفصل 103 من ق.ل.ع.
غير أن هذا الحكم لا يطبق على الحائز سيء النية، وإنما يكون ملزما برد الثمار التي جناها والتي كان يمكن أن يجنيها عن المدة التي بقي فيها ذلك الشيء تحت حيازته، بعد أن يسترد منها المصروفات التي أنفقها في جني تلك الثمار، وهذا ما يشير إليه الفصل 101 من ق.ل.ع.
ثالثا: حينما تتساقط ثمار الأشجار الممتدة على أرض الغير. وذلك فيما إذا غرس المالك أشجارا على حدود أرضه وامتدت فروعها إلى أرض الجار، فإن ما يتساقط بصفة تلقائية من ثمار تلك الفروع على أرض الجار يكون لهذا الجار بدون أي مقابل وهو ما نصت عليه المادة 74 م.ح.ع بقولها: "إذا امتدت أغصان الأشجار فوق أرض الجار فله أن يطالب بقطعها إلى الحد الذي تستوي فيه مع حدود أرضه وتكون له الثمار التي تسقط منها طبيعيا". وبذلك لا يحق لمالك تلك الأشجار أن يلزم الجار برد تلك الثمار له ما لم يكن هو الذي قطفها أو تسبب في سقوطها أو سقطت حين قيام المالك بقطفها، وإلا ألزم بردها لصاحبها.
وبطبيعة الحال يكون من حق كل شخص امتدت فروع أشجار جاره إلى أرضه أن يطالب مالكها بقلعها، وهو ما نصت عليه المادة 73 م.ح.ع التي جاء فيها:
"لا يجوز للجار أن يغرس أشجارا بجوار بناء جاره إذا كانت هذه الأشجار تمتد جذورها، فإذا غرسها فإنه يحق لمالك هذا البناء المطالبة  بقلعها".
هذا بالنسبة لنطاق حق الملكية من حيث التفرعات، فماذا عن هذا النطاق من حيث الموضوع، هذا ما سنحاول التطرق إليه في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: نطاق حق الملكية من حيث الموضوع:
يمكن أن نستشف نطاق الملكية من حيث الموضوع من خلال المادة 15 من م.ح.ع التي تنص على أن: "ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها إلا إذا نص القانون أو الاتفاق على ما يخالف ذلك".
وعليه يمكن تحديد نطاق الملكية من حيث الموضوع، وذلك بالتطرق إلى نطاقها من حيث العلو ومن حيث العمق. هذا ما سنحاول التطرق إليه في المطلبين المواليين.
المطلب الأول: ملكية العلو:
يخول حق الملكية للمالك ملكية ما يعلو أرضه أي الفضاء العمودي الذي يرتفع فوق الأرض أو البناء، غير أن حقه هذا لا يعني أنه يستأثر بالتمتع بالهواء الذي يعلو أرضه إلى ما لا نهاية في الارتفاع، بل إن حقه محصور في الاستفادة من العلو إلى الحد المفيد في التمتع به وهو ما نصت المادة 15 من م.ح.ع.
كما أنه على المالك مراعاة الضوابط القانونية التي لا يجوز مخالفتها شد ضوابط التعمير.
وفي نطاق هذا الحد المفيد يبقى من حق المالك إقامة ما يشاء فوق أرضه من أبنية ومنشآت وأغراس[4] حيث نصت المادة 234 م.ح.ع على أنه:
"يجوز لمالك الأرض أن يقيم عليها جميع انواع المغروسات والبناءات التي يرتئيها مع التقيد بالقوانين والأنظمة".
وإضافة إلى ذلك يحق للمالك أن يمنع غيره من الاعتداء على علوه بحيث إذا امتدت أغصان أشجار الجار فوق علو أرضه حق له أن يطالبه بقطعها – كما أسلفنا الذكر-.
كما يحق للمالك أيضا أن يتصرف في علو أرضه عن طريق تفويته، فمالك أرض شيد عليها بناء من طابق واحد يمكن له أن يبيع الهواء العلوي لشخص آخر ليشيد فوقه طابقا ثانيا وهو ما نص عليه الفصل 483 من ق.ل.ع بقوله: "يقع صحيحا بيع جزء محدد من الفضاء الطليق أو الهواء العمودي الذي يرتفع فوق بناء قائم فعلا، ويسوغ للمشتري أن يبني فيه بشرط تحديد طبيعة البناء وأبعاده، ولكن لا يسوغ للمشتري أن يبيع الهواء العمودي الذي يعلوه بغير رضى البائع الأصلي".
المطلب الثاني: ملكية العمق:
إن حق ملكية الأرض يشمل ملكية ما تحتها، فللمالك أن يقيم فيها أبنية أو أنفاقا وأن يستخرج منها جميع المواد التي يمكن أن يحصل عليها من مواد خام ومعادن وغيرها.
إلا أن التمتع بالعمق، كالتمتع بالعلو، لا يعني استثمار المالك بما تحت أرضه إلى ما لا نهاية في الأعماق، بل إن حقه، كما في نطاق العلو قاصر على الاستفادة من العمق إلى الحد المفيد في التمتع به، وفي حدود القوانين والضوابط الجاري بها العمل وهو ما نصت عليه المادة 234 في فقرتها الأخيرة.
وفي نطاق هذا الحد المفيد يستطيع المالك أن يقيم في عمق أرضه ما يشاء من الأبنية والمنشآت وأن يجري فيها كل تنقيب يرتئيه ويستخرج من باطنها جميع المواد التي يمكن الحصول عليها[5].
كما يبقى من حقه أن يمنع غيره من استعمال عمق أرضه دون موافقته كحفر خندق أو نفق تحت أرضه أو أخذ مواد من أرضه، وله كذلك أن يقطع جذور الأشجار التي تمتد إلى أرضه من أرض جاره هذا إضافة إلى حقه في أن يتصرف في عمق أرضه كأن يعطي لغيره الحق في بناء نفق أوز حفر بئر بأرضه.



خاتمة:
صفوة القول أن حق الملكية وإن كان يمنح لصاحبه سلطة على الشيء المملوك تمكنه من استعماله واستغلاله والتصرف فيه إلا أنه مقيد في ذلك بنطاق معين لا يمكنه تجاوزه.
سواء كان هذا النطاق ناتج عن الاتفاق، أو فرضه القانون أو فرضته الضوابط القانونية المعمول بها كضوابط التعمير.



رضهعن طريق تفويته، فمالك أرض شيد عليها بناء، من كابق واحد يمكن له أن يبيع الهواء العلوي لشخص آخر ليشيد فوقه



[1] عبد الرزاق حباني، محاضرات في الحقوق العينية سنة 2012/2011.
[2] محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الاسلامي والتقنين المغربي ص. 61 و 62.
[3] محمد ابن معجوز، مرجع سابق، ص.63.
[4]مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية، ص. 291.
[5]مأمون الكزبري، مرجع سابق، ص. 296.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *