-->

دور المحافظ العقاري في تحقيق الملكية

                               
مـقـدمة:
  مما لا شك فيه بأن مصلحة المحافظة العقارية وعلى رأسها محافظ الأملاك العقارية تعتبر من الأهمية بمكان لما لعبته ومازالت تلعبه من دور مهم و فعال في التنمية الإقتصادية، إذ تعتبر تلك المحافظات العقارية صاحبة الفضل في إخراج العقارات من حالة الجمود والإضطراب إلى حالة الإستقرار والإقلاع التنموي والإقتصادي، وهذا الفاعل بطبيعة الحال يجرنا للحديث عن السيد المحافظ، هذا الأخير الذي يعتبر الفاعل الأساسي في كل تنمية عقارية، وفي إطار تكريس هذه الأهمية والخطورة في نفس الوقت لدور السيد المحافظ جسيمة والسلطات التي يتمتع بها كبيرة لا تشابهها سلطة أي موظف آخر ولا أي جهاز قضائي في الدولة، ومقابل ذلك كله ألقى القانون على عاتقه تبعات معنوية و مادية مختلفة وذلك من خلال تواجده في جميع مداخل تطبيق القانون المتعلق بنظام التحفيظ العقاري، ويمكن اعتباره في نظرنا بمثابة محرك نظام السجل العقاري بالمغرب والدول الآخذة بنظام التحفيظ الإداري ونظام الشهر العيني، وتستمد تلك الأهمية والخطورة التي سبق وأشرنا إليها من انصبابها على أهم وأثمن ثروة لدى الإنسانية سيما في الظروف الراهنة مع توسع العمران الناتج عن الكثافة السكانية وبالتالي اختلال قاعدة العرض والطلب-إنها الملكية- والتي اعتبرت ومازالت بمثابة تلك الحقوق الأساسية بل والطبيعية كما تقرر من خلال مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية وكذا القانون الأسمى: الدستور المغربي والإتفاقيات الدولية، وبطبيعة الحال يمكن القول بأن جميع أعمال وأدوار المحافظ سواء في شقها الإداري أو القضائي نسبيا وفي إطار ممارسته الوطنية فهو يقوم بإصدار مجموعة من القرارات هاته الأخيرة والتي تتراوح بين المد والجزر، إذ أنها إما أن تكون مؤيدة أو معارضة لطلبات الخصوم.[1]
   ولذلك و في محاولة من المشرع للحد ولو نسبيا من قوة وحصانة تلك الأعمال الصادرة عن المحافظ وباعتبار مايميز علاقة الإدارة بمواطنيها في العصر الحديث على مستوى تحديد المسؤولية هو الحرص التام المشمول بالحيطة والحذر من الجانبين لضمان التطبيق السليم للقوانين التي تحكم هذه العلاقة بهدف ضمان وحماية المصلحة العامة والنظام العام من جهة، وصيانة حقوق الأفراد من جهة أخرى، فلم تعد الدولة ذلك الجهاز الذي لايمكن مساءلته باعتبارها سلطة، بل أصبحت أعمالها خاضعة لقواعد المسؤولية وكل ذلك من أجل أن تكون تصرفاتها مشروعة وفي حدود ما هو مخول قانونا، وما إحداث المشرع المغربي للمحاكم الإدارية بمقتضى القانون 90-41 إلا دليل على منح المواطنين مزيدا من الضمانات للدفاع عن حقوقهم ومساءلة الإدارة ومحاسبتها عن أعمال موظفيها، ومن بينها بطبيعة الحال وظيفة المحافظ على الملكية العقارية الذي هو موضوع عرضنا[2].
   ونظرا لأهمية الموضوع فإنه يطرح مجموعة من الإشكاليات: أين تتجلى الأدوار التي خولها قانون07-14 للمحافظ للقيام بتحقيق الملكية العقارية؟ وإلى أي حد استطاع المشرع تقييد المحافظ العقاري أثناء قيامه بمهامه في إطار مؤسستي التحفيظ والتقييد والتشطيب؟
   وإذا كان موضوع أعمال المحافظ العقاري بين العمل الإداري والقضائي نسبيا يثير صعوبة سواء من حيث اختصصات المحافظ أو من حيث تداخل المسطرة الإدارية مع المسطرة القضائية وعليه سيكون موضوع عرضنا مقسما على النحو التالي:
   المبحث الأول: دور المحافظ العقاري خلال المرحلة الإدارية وتنفيذ الأحكام القضائية.
 المبحث الثاني: دور المحافظ العقاري في إطار مؤسستي التقييدات والتشطيبات و المسؤولية المثارة بشأنه.
المبحث الأول: دور المحافظ العقاري خلال المرحلة الإدارية وتنفيذ الأحكام القضائية.
يمكن القول بأن عمل المحافظ العقاري هو عمل إداري، رغم ماقد يعتري المسطرة من مشاكل، إذ هذا العمل الإداري بدءا من تلقي طلبات التحفيظ وما يستوجبه ذلك من تمحيص وتحقق من المعلومات المؤيدة لهذه الطلبات، ومن خلال هذا الإجراء والذي يعتبر بمثابة جسر للعبور نحو مسطرة مرتبطة بها تقنية منها أكثر ماهي إدارية، والمتمثلة في عملية الشهر وتعليق الإعلانات لدى الجهات الإدارية والقضائية، بعد ذلك تأتي المرحلة المهمة والحاسمة فيما يخص مسطرة التحفيظ وهي عملية التحديد الهندسي (المطلب الأول)، وخلال هذه المرحلة قد تظهر بعض التعرضات والتي تحول المسطرة من مسطرة إدارية إلى قضائية وتنفيذ الأحكام الصادرة بشأنها (المطلب الثاني)، أما حالة انعدام أية تعرضات فهنا لا يبقى  للمحافظ إلا السير بالمسطرة إلى نهايتها وبالتالي إنشاء الرسم العقاري الذي يكسب العقار إطارا قانونيا جديدا.[3]
 المطلب الأول:أعمال المحافظ بخصوص مطلب التحفيظ و إجراءات التحديد.
   سوف نتناول بالدراسة في هذا المطلب دور المحافظ العقاري أثناء تقديم مطلب التحفيظ في (الفقرة الأولى)، ثم نخصص (الفقرة الثانية) للحديث عن دور المحافظ خلال إجراءات التحديد.
 الفقرة الأولى: دور المحافظ العقاري أثناء تقديم مطلب التحفيظ.
    إن مطلب التحفيظ هو الطلب الذي يتقدم به أحد الأشخاص الذين عينهم القانون حصرا بمباشرة حقهم في إخضاع أملاك أو حقوق ترتبت لهم بنظام ظهير 9 رمضان 1331 المعدل والمتمم بقانون 07-14 [4]، حيث جاء في الفصل 10 كن ظهير التحفيظ العقاري، بأنه لا يجوز تقديم مطلب التحفيظ إلا ممن يأتي ذكرهم:
1.                المالك،
2.                الشريك في الملك مع الإحتفاظ بحق الشفعة لشركائه وذلك عندما تتوفر فيهم الشروط اللازمة للأخذ بها،
3.                المتمتع بأحد الحقوق العينية الآتية: حق الإنتفاع، حق السطحية، الكراء الطويل الأمد، الزينة، الهواء والتعلية، الحبس.
4.                 المتمتع بارتفاقات عقارية بعد موافقة صاحب الملك.
كما يجوز  أيضا للدائن الذي لم يقبض دينه عند حلول أجله طلب التحفيظ بناء على قرار قضائي صادر لفائدته بالحجز العقاري ضد مدينه[5]، كما يحق للنائب الشرعي أن يقدم مطلبا للتحفيظ في اسم المحجور أو القاصر حين تكون لهذا المحجور أو القاصر حقوق تسمح له بتقديم الطلب لو لم يكن محجورا أو قاصرا[6].
يتقدم طالب التحفيظ كما سبق الذكر وهو أصحاب الحقوق المشار إليها في الفصل 10 من ظ.ت.ع إما شخصيا أو بواسطة وكيل يعينه للقيام بهذا العمل بمقتضى وكالة خاصة إلى المحافظ العقاري بمطلبه بواسطة تصريح من طرف وكيله المذكور، ويجب أن يتضمن هذا التصريح البيانات المنصوص عليها في الفصل 13 من ظهير التحفيظ العقاري[7].
وعندما يتم التصريح بجموع هذه البيانات فإن طالب التحفيظ يقوم بالتوقيع على هذا المطلب إن كان يحسن القراءة أما إن كان يجهل القراءة و الكتابة فإن على المحافظ أن يثبت ذلك فيتحقق من هوية طالب التحفيظ ثم يشهد بأن طلب التحفيظ قدم من قبل هذا الطالب نفسه[8].
كما يبرز المحافظ لطالب التحفيظ أهمية إرفاق مطلبه بأصول أو نسخ رسمية للرسوم والعقود والوثائق التي من شأنها أن تعرف بحق الملكية وبالحقوق العينية المترتبة على الملك[9]، كما يمكنه أن يطلب حسب الفصل 15 على نفقة طالب التحفيظ ترجمة الوثائق المدلى بها بواسطة ترجمان محلف إذا كانت محررة بلغة أجنبية.
 ثم ننتقل إلى مسألة أخرى وتتعلق بتأكد المحافظ من هوية طالبي التحفيظ وما أثارته هذه المسألة من نقاشات فقهية في الموضوع، إذ تولد هذا النقاش على الخصوص بالنسبة للحالة التي يجهل فيها مدى أحقية طالب التحفيظ في مطلبه وهل هو المالك بالفعل، وفي هذا الإطار ذهب اتجاه من الفقه إلى أن طالب التحفيظ يفترض فيه أنه هو المالك سواء كان مستندا في ذلك على الحيازة المكسبة للملكية أم على أسباب أخرى لكن تم اعتبار ذلك بمثابة قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس من خلال التقدم بتعرض على مطلب التحفيظ خلال الآجال المحددة، في حين ذهب اتجاه آخر إلى أن تقديم مطلب التحفيظ لا يعتبر في حد ذاته دليلا على الملكية بل مجرد افتراض لها، ويبدو بأن هذا الأخير هو السليم سيما إذا علمنا أن هناك العديد من طلبات التحفيظ والتي تقدم بصفة كيدية ويثبت بعد ذلك عدم جديتها واحقيتها فكان من المفروض وضع ضوابط زجرية على هؤلاء للحد من تلك الطلبات الإيهامية، وفي إطار تكريس ما سبق ذكره فإن التحفيظ لا يتم بمجرد تقديم طلب بذلك بدون وثائق أو مستندات تعزز الطلب بل إن للمحافظ سلطات واسعة في التقصي والبحث في مدى مصداقية طلبات التحفيظ تلك لما يعقب ذلك من عمليات الشهر والتحديد للعقار، لكن إذا كان هذا الإجراء محل اتفاق وإجماع من قبل الفقه فإن المشكل قد أثير فيما يخص دور المحافظ ومدى إلزاميته في التأكد من صحة الرسوم المدلى بها من قبل طالب التحفيظ سواء من حيث الشكل أو الجوهر، وأيضا التأكد من هوية وأهلية هؤلاء خلال مرحلة التحفيظ، فيما ذهب البعض إلى نفي هذه المهمة عن المحافظ خلال هذه المرحلة و اقتصارها على مرحلة التسجيل في السجل العقاري، في حين حبذ البعض الآخر هذه المراقبة وجعلها تفرض نفسها حتى عند وضع مطلب التحفيظ، وبطبيعة الحال فإنه لا يسعنا إلا أن نؤيد هذا الموقف ونعتبر بأن هذا الإجراء خلال تقديم مطلب التحفيظ لا يقل أهمية من حالة مطلب التسجيل لما يخلقه من توازن وتكامل بين النظامين (التحفيظ و التسجيل) وهذا يسهل من مأمورية المحافظ ويسرع بالمساطر[10].
فعندما يقدم مطلب التحفيظ بالكيفية المشار إليها سابقا يشرع المحافظ في عمليات التحفيظ وذلك بنشر إعلان عن إيداع مطلب التحفيظ و القيام بعملية الإشهار، فقد نص الفصل 17من ظ.ت.ع والذي تم نسخه وتعويضه بالقانون رقم 07-14 على أنه:" يقوم المحافظ على الأملاك العقارية داخل أجل عشرة أيام من إيداع مطلب التحفيظ بتحرير ملخص له يعمل على نشره في الجريدة الرسمية، ويبلغ مضمونه إلى علم العموم بالوسائل المتاحة، وبعد نشر الملخص المذكور يحرر، داخل أجل شهرين من تاريخ هذا النشر إعلانا يضمنه تاريخ ووقت إجراء التحديد"، ويضيف الفصل 18 والذي عدل وتمم بالقانون رقم07-14 على أنه:"يوجه المحافظ على الأملاك العقارية نسخا من الوثائق المشار إليها في الفصل 17 من هذا القانون، مقابل إشعار بالتوصل إلى رئيس المحكمة الإبتدائية وممثل السلطة المحلية ورئيس المجلس الجماعي الذين يقع العقار المعني في دائرة نفوذهم، وذلك قبل التاريخ المعين للتحديد بعشرين يوما".[11]
الفقرة الثانية: دور المحافظ خلال إجراءات التحديد.
يتم الشروع في عملية التحديد مباشرة بعد نشر خلاصة مطلب التحفيظ في الجريدة الرسمية، بحيث ترسل نسخة من هذه الخلاصة في مطبوع معد لذلك لمصلحة الهندسة والتي تقوم ببرمجة مطلب التحفيظ في قائمة مطالب التحفيظ المراد تحديدها وإشعار مصلحة المحافظة بغية توجيه الإستدعاءات من طرف المحافظ العقاري لمن يهمهم الأمر الذين ينبغي عليهم الحضور بصفة شخصية أو من ينوب عنهم بمقتضى وكالة صحيحة وذلك بناء على مقتضيات الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بالقانون 07-14 وهم:
1.                طالب التحفيظ.
2.                المجاورين المبينين في مطلب التحفيظ.
3.                المتدخلين وأصحاب الحقوق العينية والتحملات العقارية المصرح بهم بصفة قانونية.[12]
المطلب الثاني: دور المحافظ العقاري في مادة التعرضات وتنفيد الأحكام
إذا كان السند المرجعي لحماية الملكية هو الدستور[13] فإن المحافظ العقاري منوط به أن يعمل كل ما في وسعه وتفعيل سلطاته في اتجاه تكريس هذه الحماية أثناء مباشرته لأدواره وصلاحياته المتعددة في إطار مسطرة التعرض[14] (فقرة أولى)، ومن خلال تنفيذ الأحكام القضائية التي يصدرها القضاء في النزاعات التي ترفع له في مادة العقار المحفظ (فقرة ثانية).
 الفقرة الأولى: دور المحافظ العقاري في مادة التعرضات.
يقصد بالتعرض منازعة مطلب التحفيظ من طرف الغير سواء فيما يتعلق بوجود أو مدى حق ملكية طالب التحفيظ او حدود العقار المعني بالأمر أو فيما يتعلق بممارسة حق عيني  يمكن تضمينه بالرسم العقاري المزمع تأسيسه[15].
والواقع أن صلاحيات المحافظ وسلطاته تضعه أحيانا في موقف صعب، سواء أكان  الأمر يتعلق بقبول أو رفض التعرض العادي أم بالتعرض المقدم خارج الأجل القانوني  وهي إحدى تمظهرات الدور الحاسم للمحافظ العقاري في تحقيق الملكية والتي تفرض عليه البحث عن صيغة للتوفيق بين مصلحة الطرفين، سيما وأن الأمر يتعلق بحق دستوري.
   وبالتالي فإن تعرضنا لدور المحافظ العقاري في تحقيق الملكية خلال مرحلة التعرضات يقتضي تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين نتطرق في الأولى لدور المحافظ العقاري في تحقيق الملكية من خلال قبول التعرض فيما نخصص الثانية لمدى مساهمة المحافظ العقاري في تحقيق الملكية من خلال رفض التعرض.
أولا: دور المحافظ العقاري من خلال قبول التعرض.
سنتعرض في هذه الفقرة  دور المحافظ في مراقبة الصفة في تقديم التعرض (أ) ثم لمحاولة قيامه بالصلح بين الطرفين (ج) بعد أن نقف عند تبليغه طالب التحفيظ بالتعرض الواقع على طلبه (ب).
أ: مراقبة الصفة في المتعرض
فباعتبار ان المشرع قد خول لكل من ينازع طالب التحفيظ سواء كانت هذه المنازعة في أصل حق الملكية أو مداه أو حدوده أو يطالب بحق عيني على العقار موضوع مطلب التحفيظ، فإن هذا التعرض لا يقبل إلا إذا تم تقديمه من طرف الأشخاص ذوي الصفة في تقديمه[16]، ذلك أنه لما كان التعرض يكيف قانونا بأنه دعوى، فإن المتعرض يحمل صفة المدعي في حين يحمل طالب التحفيظ صفة المدعى عليه[17]، فإنه لا بد من توافر شروط تقديم الدعوى في المتعرض من صفة وأهلية ومصلحة المنصوص عليها في الفصل الأول من ق م م خاصة وأن المشرع المغربي لم يضع أي قيد في مواجهة الأطراف الذين يريدون ممارسة حق التعرض[18] في الحالات المنصوص عليها في الفصل 24
وعموما ومن خلال ما سبق فإن الصفة في التعرض تتبث للأشخاص التاليين:
- المنازع بشأن وجود حق ملكية العقار موضوع مطلب التحفيظ،
- المنازع بشأن مدى حق الملكية كما لو تعلق الأمر بعقار على الشياع،
- المنازع بشأن حدود العقار المطلوب تحفيظه،
- المنازع بشأن مباشرة حق من الحقوق العينية القابلة للتسجيل.
كما أن التعرض كما يمكن ان يقدم من طرف المتعرض شخصيا فإن المشرع المغربي أعطى الحق في تقديمه باسم الغير كذلك، من طرف مجموعة من الجهات وعلى رأسهم وكيل الملك، وهذا ما يستخلص من مضمون الفصل 26 من ظ ت ع[19]، على أن يثبت المتعرض سواء بصفة شخصية أم من طرف الغير هويته.
 والمحافظ على الأملاك العقارية والرهون منوط به مراقبة صفة هؤلاء، ومراقبة مدى استيفاء الشروط المنصوص عليها في الفصل 26 من عدمها والمتمثلة في الإدلاء بالبيانات اللازمة لإثبات هويتهم، وتقديم الإثباتات الضرورية خاصة التثبت من وجود الإذن لاسيما وانه المختص وحده بالتثبت من وجود هذا الإذن من عدمه[20] .
وإذا كان التحقق من توافر الصفة في طالب التحفيظ على هذه يشكل نقطة اساسية في تحقيق الملكية فإن هذه العملية تزداد أهمية عندما يتعلق الأمر بالتعرض المقدم خارج الأجل القانوني على إعتبار ان هذا التعرض هو مجرد إستثناء وبالتالي لا يجب التوسع في قبوله.
ب: تبليغ التعرض إلى طالب التحفيظ.
لما كان قبول التعرض لا يعني بشكل آلي ولا يفيد إطلاقا إثبات الحقوق موضوع دعوى التعرض ولا نفيها، وإنما يعني وجود نزاع فيما يدعيه طالب التحفيظ، فإن المحافظ العقاري وتفعيلا لدوره الإيجابي في مسطرة التحفيظ العقاري، يشرع في إتباع مسطرة جديدة للتبليغ وفق ما هو منصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 31 ظ ت ع، لذلك وحسب مقتضيات هذه الأخيرة فإن المحافظ العقاري يقوم لمجرد ما يقع التعرض على مطلب تحفيظ معين وقبوله من قبله إلى تبليغ نسخة من محتوياته إلى طالب التحفيظ.
وتبليغ هذه النسخة يهدف إطلاع طالب التحفيظ بوجود نزاع بخصوص ما يدعي ملكيته حتى يتخذ موقفه بخصوصه، إما بإثبات رفعه أو التصريح برفضه، وهو في جميع الأحوال يتغيا تصفية النزاع بشكل ودي إن جزئيا أم كليا.
ومن أجل تحديد هذا الموقف الذي يجب أن يكون داخل أجل شهر واحد ابتداء من التعرض أو من يوم التبليغ يحق لطالب التحفيظ أن يطلع في غير المكان على الوثائق والمستندات التي يكون المتعرض قد أودعها بالمحافظة[21] تدعيما لتعرضه.
ج: مسطرة الصلح
بالرجوع لمقتضيات ظ ت ع نجده ينص في الفقرة الأخيرة من الفصل 31 على أنه:" يسوغ للمحافظ أثناء جريان المسطرة وقبل توجيه الملف إلى المحكمة المختصة أن يعمل على تصالح أطراف النزاع ويحرر محضرا بالصلح".
فمن خلال الصياغة التي جاءت بها هذه المادة يلاحظ أن المشرع المغربي لم يلزم المحافظ العقاري بضرورة الجوء إلى مسطرة الصلح بل جعل ذلك رهينا بسلطته التقديرية في اللجوء إليه من عدمه .
والواقع ان إجراء الصلح لا يتصور إلا إذا تم قبول التعرض من قبل المحافظ العقاري لاستيفائه الشروط الشكلية والجوهرية المتطلبة قانونا، أما إذا تم رفض التعرض من قبل المحافظ لسبب من الأسباب فإنه لا يكون للتصالح معنى[22]، كما انه قد لا يتصور الصلح إلا إذا لاحظ هذا الأخير أن النزاع القائم يمكن تسويته وديا دون اللجوء إلى القضاء[23] كأن يكون التعرض واقعا على مجرد الحدود حيث يمكن تسوية هذا المشكل دون اللجوء إلى المحكمة[24].
وإجراء الصلح لا يتصور إلا إذا تم قبول التعرض من قبل المحافظ العقاري لاستيفائه الشروط الشكلية والجوهرية المتطلبة قانونا، أما إذا تم رفض التعرض من قبل المحافظ لسبب من الأسباب فإنه لا يكون للتصالح معنى[25]، كما انه قد لا يتصور الصلح إلا إذا لاحظ هذا الأخير أن النزاع القائم يمكن تسويته وديا دون اللجوء إلى القضاء[26] كأن يكون التعرض واقعا على مجرد الحدود حيث يمكن تسوية هذا المشكل دون اللجوء إلى المحكمة[27].
ثانيا: : مدى مساهمة المحافظ في تحقيق الملكية من خلال رفض التعرضات.
تتعدد حالات رفض المحافظ العقاري للتعرضات الواقعة على مطلب التحفيظ بتعدد أسبابها، إذ يمكن له رفض التعرضات المقدمة دون أداء الوجيبة القضائية، أو دون تقديم الوثائق والمستندات المؤيدة له، إلى جانب صلاحياته في رفض التعرضات المقدمة خارج الأجل القانوني.
أ: قرار رفض التعرض لعدم تقديم الحجج المدعمة له.
يجب على المتعرضين أن يودعوا السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم والتي يرتكز عليها الطلب، وكل وسائل الإثبات المفيدة[28]، إلا أنه يمكن قبول التعرض رغم عدم الإدلاء بأي مستندات وفي هذه الحالة يلتزم المتعرض بتقديم كل وثيقة تثبت الحق المدعى به في تاريخ لاحق أقصاه الشهر الموالي لإنتهاء أجل التعرض[29]، إلا أنه في حالة عدم تقديم أي وثائق بعد مرور هذا الأجل فإن المحافظ العقاري يلغي هذا التعرض تطبيقا لمقتضيات الفصل 32 من ظ ت ع.
ب: إلغاء لعدم أداء الوجيبة القضائية
زيادة على إمكانية رفض التعرض لعدم تقديم الحجج المدعمة له خول المشرع للمحافظ سلطة إتخاد قرارإلغاء التعرض إذا لم يؤدي المتعرض الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو لم يثبت حصوله على المساعدة القضائية[30]، وقد حدد المشرع أجل هذه الأداءات في ثلاث أشهر من تاريخ فتح أجل التعرض[31].
ج: قرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل.
لقد أوجد المشرع إستثناءا لقبول التعرض خارج الأجل وكذلك نفس الشيء بالنسبة طبقا للفصل 29 من ظ ت ع حيث سمح للمحافظ قبول التعرض ما لم يبعث الملف إلى المحكمة [32]، ويتعين على طالب التعرض الاستثنائي أن يوجه رسالة عادية إلى المحافظ العقاري يطلب فيها قبول التعرض الخارج عن الأجل القانوني، وتبلغ هذه الرسالة لطالب التحفيظ، وللمحافظ أن يستمع أو يطلب الاستماع إلى المعنيين بالأمر، قبل البث في قبول التعرض أو رفضه[33]، إلا أن أهم ما يميز قرار رفض التعرض خارج الأجل هو عدم قابلية الطعن القضائي فيه طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 29[34].
الفقرة الثانية: دور المحافظ العقاري من خلال مادة تنفيد الأحكام الصادرة عن المحكمة
يقصد بالتنفيد تلك الوسيلة القانونية التي تمارسها السلطة العامة تحت إشراف القضاء وبأمر منه، بناءا على حكم صادر من المحكمة وبناءا على طلب الدائن[35]، تنفيد المحافظ العقاري للأحكام القضائية من أهم الأعمال التي تساهم في تحقيق الملكية لما تمثله من إقرار لحقوق الأفراد.
وبالرجوع إلى المقتضيات الإجرائية العامة، وبالتحديد الفصل 361 ق م م، نجد ان مادة التحفيظ العقاري تشكل إستثناءا عن القواعد العامة المتعلقة بالأحكام القابلة للتنفيد، إذ ان القوة التنفيذية للحكم تبقى معطلة في قضايا التحفيظ العقاري مادام مادام الحكم قابلا للطعن فيه بإحدى وسائل الطعن القانونية وهي الطعن بالإستئناف والطعن بالنقض[36].
والمحافظ العقاري هو الوحيد المكلف بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة في قضايا التحفيظ العقاري، فإن كان الحكم يتضمن رفع جميع التعرضات فإن المحافظ العقاري يقوم بإلغاء التعرضات المسجلة لديه إستنادا على الحكم الصادر، ثم يقوم بإتمام الإجراءات التي كان قد بدأها عند تقديم مطلب التحفيظ لفائدة طالبه وستبقى تلك الإجراءات صحيحة مالم يدخل عليها صاحب الشأن تعديلا ويكون بذلك الحكم الصادر هو بمثابة تمهيد لإنشاء الرسم العقاري.
أما الحالة التي يتم فيها التصريح بصحة التعرض على عقار ما، فإن دور المحافظ يتجلى في وقوفه على إخراج تلك البقعة المتعرض عليها من الملف، وهو ما يتطلب منه إجراء تحديد تكميلي آخدا في ذلك بما قررته وبالتالي إنتهاؤه إلى إنشاء الرسم العقاري المصفى من كل النزاعات المحتملة، وإن وقع التصريح بصحة تعرض على حقوق مشاعة فإن المحافظ يعمل على إقامة مطلب تعديلي يقبل فيه المتعرضين سابقا بصفتهم مطالبين مشاركين بناءا على طلب ذوي الشأن[37].
وبذلك فتنفيذ الحكم يترتب عنه تصفية النزاع وبالتالي إخراج مطلب التحفيظ من حالة الركود إلى الحركية وتأسيس رسم للعقار في حالة الحكم بصحة التعرض، وإما بتصحيح المحافظ للطلب في الحالة التي يحكم فيها بصحة التعرض على مطلب التحفيظ كله.
وعموما فإن تنفيد الحكم يترتب عنه إنشاء الرسم العقاري وبالتالي إنتهاء إختصاص المحكمة في موضوع النزاع، فيأخذ العقار وضعه القانوني الجديد من عقار في الطور التحفيظ إلى عقار محفظ وذلك بقرار من المحافظ العقاري.
من خلال ما سبق يتضح أن مهام المحافظ العقاري والأدوار التي يقوم بها، وإن إختلفت طبيعتها فإنها تتحد من حيث الهدف الذي تم إقرارها من أجله وهو تكريس وتحقيق الملكية. إلا أن تحقيق هذه الغاية لا يتوقف عند تأسيس الرسم العقاري الذي يعد نهائيا وغير قابل للطعن، بل يتجاوز ذلك إلى مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري وهو ما سيكون معرضا للتحليل في (المبحث الثاني) إلى جانب مسؤولية المحافظ العقاري.
المبحث الثاني: أعمال المحافظ العقاري خلال إجراءات التقييد والتشطيب والمسؤولية المثارة بشأنه
إن دور المحافظ العقاري لا يقتصر على مرحلة ما قبل تأسيس الرسم العقاري، بل يمتد إلى ما بعدها وذلك من خلال تقييد وتشطيب الحقوق، وتجدر الإشارة إلى أن المحافظ العقاري يكون محط إثارة لمسؤوليته إذا ما تبث خطأه وهو بصدد ممارسة الاختصاصات المنوطة به قانونا.
لذلك سنعرض لدوره خلال مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري في( المطلب الأول) ثم لمسؤوليته بصفة عامة من خلال( المطلب الثاني).
المطلب الأول: دور المحافظ العقاري خلال مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري:
إن مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري تعرف عدة إجراءات منوطة بالمحافظ العقاري بهدف تحقيق الملكية العقارية وحمايتها، أي إعطاء كل ذي حق حقه طبقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل، وسنتطرق في( الفقرة الأولى) لدوره في مادة التقييدات، ثم في (فقرة ثانية) لدوره في مادة التشطيبات.
الفقرة الأولى: أعمال المحافظ العقاري في مادة التقييدات
قبل الوقوف على اختصاصات ودور المحافظ العقاري حيال إجراءات التقييد لابد أن نعطي مفهوما لهذا الأخير، ويقصد به ذلك البيان المسجل بالسجل العقاري الذي يحوي معلومات معينة خاصة بصاحب الحق المعني، الهدف منه إشهار الحق وصاحبه للعموم، ولا شك أن لمؤسسة التقييد دور مهم في حماية حق الملكية، إذ خصها المشرع باهتمام تشريعي يظهر مكانتها، ومثال ذلك الفقرة 1 من المادة 66 من قانون 14.07 والفقرة 1 من المادة 2 من قانون 39.08 .
وعليه، فقد أناط المشرع المغربي بالمحافظ العقاري بمجموعة من الإختصاصات التي تتعلق بإجراءات تقييد الحقوق بالرسم والسجل العقاريين، وذلك بمقتضى نص المادتين 72و 74 من قانون 14.07، ويتعلق الأمر ب:
أولا- التحقق من هوية وأهلية المفوت:
لما كان انتقال الملكية يعتبر من أهم أثار التقييد، فإن المشرع ألزم المحافظ العقاري القيام بمراقبة هوية وأهلية المفوت، إذ هو المعني الأول والأخير بفقدان حق الملكية، لذلك يقوم المحافظ العقاري، تحت مسؤوليته، بالتأكد من مدى مطابقة البيانات المسجلة بالسجل العقاري والبيانات المضمنة بالطلب بدقة، كالإسم العائلي والشخصي وتاريخ الإزدياد وغير ذلك من البيانات.
ومن خلال نص المادة 72 من  ق 14.07 يتبين أن الأمر يقتصر عل المفوت فقط، لكن الأمر أيضا يتعلق بالمفوت إليه، وهذا ما يستفاد من نص المادة 73 من نفس القانون، إذ يتضح أن المفوت إليه هو الأخر معني بالمراقبة والتحقق، إذ لا يستساغ تفويت حق الملكية لشخص ليس جديرا باستحقاقها سواء تعلق الأمر بالقاصر أو بغير لا علاقة له بعملية التفويت، وبالتالي فكلما تبين للمحافظ العقاري عدم المطابقة بين البيانات أقر برفضه للتقييد.
ثانيا- مراقبة صحة الوثائق شكلا وجوهرا:
حسب المادة 72 من ق 14.07 فإن المحافظ ملزم بالتحقق، تحت مسؤوليته، من الوثائق المؤيدة لطلب التقييد شكلا وجوهرا، وحسب المادة 4 من ق 39.08 فإن جميع التصرفات الناقلة للملكية والمنشئة للحقوق العينية أو الناقلة أو المعدلة أو المسقطة لها تحرر في محرر رسمي، وعليه فالمحافظ العقاري لن يتعامل مع الوثائق العرفية بل الرسمية فقط، لذلك سنقتصر على العرض لمراقبة المحررات الرسمية والأحكام القضائية شكلا وجوهرا.
·                   بالنسبة للمحررات الرسمية: يجب على المحافظ من حيث الشكل التأكد من البيانات المضمنة فيها ومدى مطابقتها للقوانين الجاري بها العمل، وصفة محرريها، ومدى تطابق هويات الأطراف مع البيانات المضمنة في طلب التقييد. ومن حيث الجوهر مدى توافر الشروط المكونة لها، أي مثلا إذا تعلق الأمر بوثيقة عقد يجب التحقق من مدى توافر شروط وأركان العقد.
·                   بالنسبة للأحكام القضائية: فشكلا يجب أن يتأكد المحافظ من مدى صحة الحكم القضائي من حيث العناصر الشكلية المكونة له وصفة هيئة الحكم، ومن الصفة النهائية للحكم أو القرار.
وإذا كانت مراقبة صفة الحكم من حيث الشكل لها ما يبررها، فإن مراقبتها من حيث الجوهر ليس من اختصاص المحافظ العقاري باعتباره يمثل السلطة الإدارية، وبالتالي فصفته تلك لا تسمح له بالتدخل في مجال اختصاص السلطة الإدارية عن طريق مراقبة أحكامها وقراراتها.
ثالثا- قرارات المحافظ العقاري بشأن التقييدات:
بعد استنفاذ المحافظ العقاري لإجراءات المراقبة والتحقق يخلص إلى اتخاذ أحد القرارين التاليين تأسيسا على النتيجة التي يتوصل إليها:
-     قرار قبول طلب التقييد: ويتخذ هذا القرار في حالة توصله إلى نتيجة إيجابية من خلال إجراءات المراقبة، وبذلك يقوم بتقييد الحقوق المراد تقييدها عن طريق تدوين أهم البيانات اللازمة لتعيين الحق الوارد في الطلب بشكل موجز ويؤرخ هذا التقييد ويوقع من طرف المحافظ تحت طائلة البطلان( حسب المادة 75 من 14.07)، مع الأخذ بعين الإعتبار ترتيب الأولوية بين الحقوق المتعلقة بالعقار الواحد حسب ترتيب تقييدها.
-  قرار رفض التقييد: وهذا القرار يتخذه المحافظ العقاري إذا توصل إلى نتيجة سلبية، ومهما كانت النتيجة فالمحافظ ملزم بمقتضى الفقرة 1 من المادة 96 من ق 14.07 بتعليل قرار الرفض وإبلاغه للمعني بالأمر ليطعن فيه أمام الجهات القضائية المختصة.
الفقرة الثانية: أعمال المحافظ العقاري في مادة التشطيبات
لئن كانت عملية التقييد تنتج حقا منتجا لأثاره ومحتجا به في مواجهة الكافة، فإنه يمكن لهذا الحق أن يزول بشطب التقييد، وفي هذا الصدد نص الفصل 91 من ق 14.07، على أنه:"... يمكن أن يشطب ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان، أو تقييد احتياطي..."، ويقصد بالتشطيب أنه تقييد سلبي يسجل بالرسم العقاري من طرف المحافظ العقاري، يهدف إلى زوال وانقضاء حق مقيد بالرسم العقاري، أي التأشير على هامش التقييد في صحيفة الرسم بما يفيد أن التقييد لم يعد قائما.
وتجدر الإشارة إلى أن الدور الرقابي المنوط بالمحافظ العقاري خلال مرحلة التشطيب هو نفسه خلال مرحلة التقييدات، علما أن التقييد والتشطيب هما وجهان لعملة واحدة، إذ أنه يتم التشطيب على حق مقيد ليتم تقييده لصالح شخص أخر. باستثناء بعض الإجراءات الإضافية المتعلقة بالتشطيب التلقائي على التقييد الإحتياطي إذا لم يتمم صاحبه إجراءات التقييد النهائي بعد انصرام الأجل المحدد له حسب كل حالة على حدة، حيث خول الفصل 86 من ق 14.07 للمحافظ العقاري صلاحية التشطيب على التقييد تلقائيا ودونما حاجة إلى تقديم طلب من المعني بالأمر.
المطلب الثاني : مسؤولية المحافظ العقاري
لقد جعل القانون رقم 14.07 المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري لسنة 1913 مسطرة التحفيظ العقاري إدارية من حيث الأصل، واستثناءا قضائية في حالة وجود تعرضات من طرف من يهمه الأمر، وأسندت مهمة القيام بالمسطرة الإدارية للمحافظ العقاري، بحيث منح هذا الأخير اختصاصات واسعة ومتعددة حتى أصبح الفاعل الأساسي في تحريك قواعد التحفيظ العقاري، ليس فقط فيما يتعلق بالإجراءات الرامية إلى تأسيس الرسم العقاري الخاص بالعقار المراد تحفيظه، لكن حتى بعد تأسيس الرسم ويتجلى ذلك من خلال عملية التقييد والتشطيب الواردة على الرسوم العقارية[38] .
وموازاة لاتساع سلطات واختصاصات المحافظ وخطورتها، عمد المشرع إلى إحاطة مسؤوليته بتميز دقيق ورعاية خاصة جعلها تشكل أحيانا استثناء خاصا في دعوى المسؤولية الإدارية عموما[39].
ومن أجل تفعيل دور المحافظ العقاري فقد ثم ربط ذلك بإثارة مسؤوليته كلما توفرت شروط إعمالها، حيث قام المشرع المغربي بوضع مقتضيات تشريعية استثنائية تنسجم مع تعدد صفات المحافظ العقاري، فمسؤوليته لا تقف عند حدود المسؤولية الشخصية، بل بالاضافة إلى ذلك تكون مسؤولية جنائية بحسب الفصل 224 من القانون الجناءي، وذلك بارتكابه لاعمال التدليس والتحايل لاجل السطو على ممتلكات الغير إلى غير ذلك من الاعمال الجنائية التي يرتكبها بمناسبة وظيفته.
وأيضا بالاضافة الى هاتين المسؤوليتين السالفتي الذكر يمكن ان تثار في شأن المحافظ العقاري المسؤولية الادارية بناء على الخطأ المصلحي المنصوص عليه في الفصل 79 من ق.ل.ع.
هذا فضلا عن المسؤولية المالية تبعا لصفة المحاسب العمومي المنوطة للمحافظ العقاري، والتي تؤدي به إلى الامتثال أمام المجلس الاعلى للحسابات طبقا للفصل 25 من ظهير 14.09.1979 المنشئ لهذه المؤسسة .
وتجب الاشارة كذلك إلى المسؤولية التأديبية التي قد تمارسها الادارة على المحافظ العقاري نتيجة إخلاله بالقواعد الاجرائية الضابطة لاختصاصاته[40].
يتضح إذن أن مسؤولية المحافظ يصعب حصرها، نظرا لتعدد أصنافها وسنقتصر في التفصيل على الاكثرها إثارة ، وهي المسؤولية الشخصية، وسنتناولها من خلال فقرتين نخصص الاولى للاساس القانوني للمسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري، ثم الثانية لصور المسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري .
الفقرة الاولى: الاساس القانوني للمسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري
إن النصوص المنظمة لمسؤولية المحافظ العقاري، تتميز بالتعدد والتنوع ما بين نصوص ق.ل.ع. ونصوص التحفيظ العقاري و القوانين الملحقة به، لهذا يجدر بنا الوقوف عند الاساس القانوني لهذه المسؤولية من خلال النص العام - أولا- ثم التحفيظ العقاري – ثانيا –
أولا – المسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري في إطار النصوص العامة
يقصد بالقواعد العامة العامة مجموع القواعد القانونية الضابطة للمسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري، في إطار قلع المغربي والمتمثلة أساسا في الفصلين 79 و 80 من ذات القانون، حيث يحيل الفصل 5 من القرار الوزيري المؤرخ في 4 يونيو 1915، والذي عالج مسؤولية المحافظ العقاري، حيث نص على خضوع مسؤولية المحافظ لمقتضيات الفصلين 79و80 من قلع باستثناء الحالات المنصوص عليها في الفصل 17 من ظ .ت.ع وهي ذات المقتضيات التي إحتفظ بها القانون الجديد المحدث للوكالة الوطنية للمحافظة الوطنية والمسح والخرائطية في فصله الرابع.[41]
وبالرجوع إلى الفصل 80 من قلع نجده ينص على ما يلي وبالرجوع إلى الفصل 80 من قلع نجده ينص على أنه:
''مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.
ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها.''
ثانيا: مسؤولية المحافظ في إطار القانون العقاري :
بعد ما تم الاشارة إلى مسؤولية المحافظ العقاري على الأملاك العقارية وفقا للقواعد العامة المقررة في قانون الالتزامات والعقود وبالخصوص في الفصلين 79 و 80 ننتقل إلى دراسة مسؤولية المحافظ وفقا للقانون العقاري الذي نص على هذه المسؤولية بكيفية دقيقة في الفصل 97 على غرار ما جاء في مقتضيات القرارين الوزاريين الصادرين في 3 نونبر 1917 و 4 نوفمبر 1915.
و للإشارة فقط فإن مسؤولية المحافظ العقاري في إطار القانون العقاري لا تخضع فقط للمادة 97  وإنما تنظمها مجموعة من المواد نشير إلى الفصل 72و74و64 من نفس الظهير.
الفقرة الثانية : صور المسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري
 تتحدد المسؤولية الشخصية للمحافظ العقاري سواء في نطاق القواعد العامة أو في نطاق القواعد الخاصة إما بناء على تدليسه أو بناء على خطئه الشخصي .
أولا – المسؤولية على اساس التدليس و الخطأ الشخصي
المحافظ العقاري ما هو إلا موظف عمومي كسائر الموظفين التابعين للدولة، فهو يسأل كمثلهم على اخطائه الشخصية التي من شانها تخلف اضرارا بالاخرين  وعلى ضوء المادة 80 من قلع فإن المعيار المعتمد على تقييم الخطأ الشخصي هو معيار التدليس على معيار الخطأ الجسيم.
   أ: مسؤولية المحافظ العقاري على أساس التدليس
  عبارة التدليس الواردة في المادة أعلاه جاءت عامة وشاملة حيت تشمل جميع التصرفات التي تنم عن سوء نية الموظف وقصد من الشئ وتوفيه من العمل الذي يمارسه نكاية أو أنتقاما لأسباب شخصية[42].
  وإلى جانب هذا النص العام في تحديد المسؤولية الشخصية للمحافظ بناء علي التدليس ،نجد جانبه نص خاصا يتعلق الامر تالمادة 64 ظ.ت . ع .
   ب: مسؤولية المحافظ العقاري علي أساس الخطأ الشخصي .
الخطأ الموضوع مسؤولية المحافظ العقاري جاء معرفا ،تعريفا عاما في المادة 78 من قلع الذي جاء فيه '' كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.
والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر.''
والخطأ الشخصي هو غير الخطأ المرفقي إذ ينسب مباشرة للمحافظ العقاري، ويعرف بأنه الخطأ الدي ينسب الى الموظف الذي يلتزم بالتعويض الناتج عنه من ماله الخاص لعدم ارتباطه بالمرفق[43].
 ومن أمثلة الاخطاء الشخصية التي تثير المسؤولية الشخصية للمحافظ قيامه بتخصيص رسمين عقاريين لنفس العقار .
ثانيا - صور الخطأ الشخصي للمحافظ العقاري :
تعمد المشرع تحميل المحافظ العقاري مسؤولية شخصية ناتجة عن طبيعة عمله وجسامة مهمته والاثار الناتجة عن قراراته[44]،هكذا ونظرا للعمومية التي جاء بها الفصل 80 من قلع فإن المشرع في إطار ظهير التحفيظ العقاري توجه نحو الخصوصية، حيث أطر خطأ المحافظ العقاري ووضع له حدودا واضحة وعدده على سبيل الحصر وذلك في إطار الفصل 97 من ظ.ت.ع الذي ينص على ما يلي:'' إن المحافظ على الأملاك العقارية مسؤول شخصيا عن الضرر الناتج عن:
1- إغفال التضمين بسجلاته لكل تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب طلب منه بصفة قانونية؛
2- إغفال التضمين بالشهادات أو نظائر الرسوم العقارية المسلمة والموقعة من طرفه لكل تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب مضمن بالرسم العقاري؛
3- فساد أو بطلان ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب ما عدا الاستثناء المذكور في الفصل73.
والكل مع مراعاة مقتضيات الفصلين 79 و80 من قانون الالتزامات والعقود.''
إنه من أجل قيام المحافظ العقاري بالمهام المنوطة به والتي لها إرتباط وثيق في حماية حق الملكية العقارية، ربط المشرع ذلك بمسؤوليته عن كل التجاوزات التي هي في نظر القانون تشكل مساسا بأحد الحقوق المقدسة وهي حق الملكية، غير أنه ما يلاحظ من جهة أخرى هو تنوع وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتق المحافظ العقاري .





[1]- محمد محروك، أعمال المحافظ العقاري بين العمل الإداري و القضائي،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية مراكش،2001-2002 ص11
- محمد محروك، مرجع سابق، ص12[2]
- محمد محروك، مرجع سابق، ص16[3]
- محمد محبوبي، أساسيات في القانون العقاري المغربي، 2010-2011، ص53[4]
- أنظر الفصل 11 من القانون العفاري الجديد المعدل و المتمم بقانون 07-14[5]
- راجع الفصل 12 من القانون العقاري الجديد المعدل و المتمم بقانون 07-14[6]
-أنظر الفصل 13 من القانون العقاري الجديد المعدل و المتمم بقانون 07-14[7]
-محمد محروك، مرجع سابق، ص19[8]
-أنظر الفصل 14 من القانون العقاري الجديد المعدل و المتمم بقانون 07-14[9]
- محمد محروك، مرجع سابق، ص24و25[10]
[11]  - ادريس الفاخوري، نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم 07-14، وجدة الطبعة الأولى 2012،ص51
[12]  - ادريس الفاخوري، مرجع سابق، ص45
[13] - بل قبل ذلك الشرائع السماوية والمواثيق الدولية المتعاقبة  لحقوق الإنسان، فالمادة 17 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948 نصت على ما يلي:"لكل شخص حق التملك بمفرده، أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا".
[14] فاطمة الحروف، دور المحافظ العقاري بشأن التعرضات على مطلب التحفيظ، مجلة القانون والاقتصاد، العدد 19، سنة 2002، ص 45 وما بعدها.
[15]محمد بن الحاج السلمي : سياسة التحفيظ العقاري في المغرب بين الإشهار العقاري والتخطيط الإجتماعي والإقتصادي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، السنة الجامعية 1978، ص 63.
[16] تجدر الإشارة إلى أن المشرع بمقتضى الالفقرة الأولى من الفصل 25 ظ ت ع المعدل والمتمم بمقتضى قانون 14-07 قد حصر الجهة المختصة في تلقي التعرضات في المحافظ العقاري والمهندس المساح الدي المنتدب من طرفه أثناء عملية التحديد. مذكرة موجهة من المحافظ العام إلى المحافظين العقاريين رقم 0012277 بتاريخ ل8 اكتوبر 2011 ص 3.
[17] - قرار استئنافية الناظور رقم 457 بتاريخ 25/10/2005، ملف عدد 05-79(غير منشور) جاء فيه ما يلي:" حيث تجدر الإشارة بداية إلى أن طالب التحفيظ يعتبر مدعى عليه بينما يعتبر المتعرض مدعيا...".
[18] - محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 1998، ص 178.
[19] تنص الفقرة الأخيرة من المادة 26 ظ ت ع "يمكن في جميع الأحوال على شرط أن تقدم الإثباتات المنصوص عليها سابقا، التدخل في المسطرة عن طريق التعرض باسم الأشخاص المحجوزين والغائبين والمفقودين وغير الحاضرين وذلك من طرف الأوصياء والممثلين الشرعيين ووكيل الملك والقاضي المكلف بشؤون القاصرين والقيم على أموال الغائبين والمفقودين"
[20] - وهو ما أكده المجلس الأعلى من خلال القرار 2523 بتاريخ 13/06/2000، ملف مدني 1042/1/1/99، منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 85، نونبر، دجنبر 2000، ص 139 وما بعدها إذ جاء في إحدى حيثياته:" وحيث إن الإدلاء بالإذن بإقامة التعرض بالنيابة عن الغير يكون أمام المحافظ على الأملاك العقارية وفق ما ينص عليه الفصل 26 من ظ 12 غشت 1913، والمحافظ وحده له الحق في التثبت من وجود هذا الإذن أم لا ولا صلاحية للحكمة في ذلك..."
[21] - محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، م س، ص 200.
[22] - محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، م س، ص 207.
[23] - فاطمة الحروف، م س، ص 47-48.
[24] - محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، م س، ص 207.
[25] - محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، م س، ص 207.
[26] - فاطمة الحروف، م س، ص 47-48.
[27] - محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، م س، ص 207.
[28] - الفقرة 2 من المادة 25 من ظهير التحفيظ العقاري.
[29] إدريس الفاخوري ودنيا مباركة، "نظام التحفيظ العقاري وفق قانون 14-07" مطبعة الجسور الطبعة الأولى 2012، ص 79 و80.
[30] أستاذنا محمد محبوبي "أساسيات في القانون العقاري المغربي" السنة الجامعية 2011/2012، ص61.
[31] الفقرة الثالثة من الفصل 25من ظ ت ع.
[32]  أستاذنا محمد محبوبي، المرجع السابق ص 60.
[33] - المختار ابن أحمد العطار، التحفيظ العقاري في ضوء القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2008، ص 56.
[34]  تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 29 على أن "قرار المحافظ على الملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي".
[35] عبد المالك أمغار، تقديم لرسالة بعنوان "وقف تنفيد الأحكام القضائية" رسالة لنيل دبلوم الماستر، شعبة القانون الخاص، ماستر قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، منشور بموقع www.marocdroit.com ، تاريخ الدخول 15/12/2012.
[36] تنص المادة 361 ق م م، " لايوقف الطعن أمام محكمة النقض التنفيد إلا في الأحوال الأتية:
1-      في الأحوال الشخصية،
2-      في الزورالفرعي،
3-      التحفيظ العقاري، ...
[37] محمد محروك، مرجع سابق، ص 131.
[38] - عبد العالي دقوقي و معزوز البكاي ، م س ، ص 152
[39] - أحمد أجعون ،خصوصيات الرقابة على أعمال المحافظ العقاري بعد إحداث المحاكم الادارية ،المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية  عدد 34 شتنبر أكتوبر  2000 ، ص 38
[40]دقوقي عبد العالي و معزوز البكاي  م س 157
[41] - ورد في الفصل الرابع :تصل إختصاصات مسؤولية المحافظ العام و المحافظين على الملكية و الرهون خاضعة للاحكام التشريعية و التنظيمية المطبقة عليها
[42] - أبو الصبر عبد الحفيظ :مسؤولية المحافظ العقاري علي الاملاك العامة و الرهون ,أطروخة لنيل دبلوم السلك العادي بالمدرسة الوطنية للادارة العمومية الرباط ,1993 1992 ص 58
6 أعمال الندوة الوطنية التي نظمها مركز  الدراسات القانونية و العقارية بكلية الخقوق جامعة القاضي عياظ بمراكش يومي 5 و 6 أبريل 2002 ص384
[44] - أحمد أجعون: ''المحافظ العقاري إختصاصاته  مسؤوليته ووضعيته الادارية '': مقال منشور بالمجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية عدد 55 يناير –أبريل 2004 ص 183 
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *