-->

المنازعات الجبائية في المرحلة القضائية

مـقـدمـة :

      أصبحت المحاكم الإدارية هي صاحبة الولاية العامة للنظر في النزاعات الضريبية كدرجة ابتدائية تخضع أحكامها للاستيناف امام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.وقد ورتت المحاكم الإدارية الإختصاصات التي كانت تمارسها المحاكم الإبتدائية في نزاعات الوعاء وجزء هام من النزاعات في التحصيل قبل صدور قانون 90/41 الذي احدث ونظم المحاكم الإدارية.
      فقبل إحداث المحاكم الإدارية، كانت المحاكم الإبتدائية هي المختصة في النظر في جميع النزاعات المتعلقة بالضرائب وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة، وجاء القانون المحدث للمحاكم الإدارية لينقل هذا الإختصاص من المحاكم الإبتدائية إلى المحاكم الإدارية ويضيف إليها اختصاصا آخر كان موكلا للمجلس الأعلى من قبل و هو دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.                                                                
      وهكذا، يعتبر النزاع الجبائي – في مفهومه الضيق – كخلاف بين طرفين- هما الإدارة والملزم، يدفع فيه كل طرف بموقف متعارض مع موقف الطرف الآخر أمام جهاز قضائي يفصل بينهما بإصدار حكم تنفيذي وملزم.
      وعموما تصنف النزاعات الجبائية إلى نزاعات في الوعاء ونزاعات في التحصيل ونزاعات التعسف في استعمال السلطة التي يمكن أن يرتبط بها قضاء المشروعية وقضاء المسؤولية.
      وإذا كان قضاء الإلغاء في ميدان الضرائب لا يمكن أن يشكل قضاء جبائيا بالمعنى الكامل للكلمة، لكونه لا يختلف في مبادئه ومسطرته عن قضاء الإلغاء الذي يباشر ضد قرارات إدارية تصدر في مجالات أخرى، فإن قضاء التعويض أو القضاء الشامل هو الذي يشكل حصة الأسد من النزاعات الجبائية المعروضة على القضاء والتي تنحصر في صنفين أساسيين: هما النزاعات في الوعاء والنزاعات في التحصيل.
       فالنزاع في الوعاء هو نزاع في أساس الضريبة واحتسابها، أما النزاعات في التحصيل  - وإن كانت ترتبط بالنزاع الجبائي في مفهومه الواسع - فهي تنصب في حقيقة الأمر على إجراءات التحصيل فقط، فالملزم في إطار هذه المنازعات لا ينازع في أساس الضريبة واحتسابها، وإنما يعترض قانونيا على إلزامية الضريبية بمعنى أن الملزم ينازع في ادائها.     
      ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن النزاع الجبائي الحقيقي هو النزاع في أساس الضريبة واحتسابها وهو مايعرف بالنزاعات في الوعاء. أما النزاع في التحصيل، الذي رغم صبغته الجبائية، يبقى محصورا في إطار الجانب الشكلي لقرارات تحصيل الضريبة.                  
      وعموما، لايحق للملزم الذي ينازع في أساس الضريبة واحتسابها أن يرفع دعوى أمام القضاء إلا بعد أن يكون قد استنفد المرحلة التمهيدية، والتي يكون قد قدم فيها مطالبته أمام الإدارة الضريبية وإما طعنه أمام اللجان الضريبية-على حسب الأحوال-، فإذا لم تسفر هذه المرحلة على حل مرض لأحد الأطراف جاز له آنذاك رفع النزاع الضريبي أمام أنظار القضاء المختص.     

 


       و في هذا السياق يطرح التساؤل: هل استطاع العمل القضائي أن يحقق التوازن المنشود  في العلاقة النظامية التي تجمع الملزم بالإدارة الضريبية ؟

للإجابة على هذا التساؤل، لابد من اعتماد الخطة أو التصميم التالي :  


التصميم

المبحث الأول : تشخيص واقع العمل القضائي في المادة الجبائية                 
المطلب الأول : الحماية القضائية لحقوق الإدارة
الفقرة الأولى : الحماية القضائية لحقوق الإدارة عند تحديد وعاء الضريبة
الفقرة الثانية : الحماية القضائية لحقوق الإدارة في مرحلة التحصيل
المطلب الثاني : الحماية القضائية لحقوق الملزم
 الفقرة الأولى : مظاهر الحماية على مستوى قواعد الشكل
 الفقرة الثانية : مظاهر الحماية على مستوى قواعد الموضوع

المبحث الثاني : تقييم العمل القضائي في المادة الجبائية 
المطلب الأول : تقييم العمل القضائي في المادة الجبائية على المستوى الكيفي 
الفقرة الأولى : اكتفاء القضاء بالمصادقة على تقارير الخبرة  
الفقرة الثانية : اقتصار العمل القضائي على بحث الجوانب الشكلية و المسطرية      
المطلب الثاني : آليات النهوض بالعمل القضائي في المادة الجبائية
الفقرة الأولى : إصلاح الهياكل الأساسية للعمل القضائي في المادة الجبائية          
 الفقرة الثانية : تبسيط الترسانة القانونية المعتمدة من طرف القضاء في المادة الجبائية

خاتمة 








المبحث الأول : تشخيص واقع العمل القضائي في المادة الجبائية
      لقد وجه المشرع عناية خاصة للادارة الضريبية المكلفة بتدبير الموارد الاساسية لتمويل ميزانية الدولة، وذلك من خلال حمايتها سواء تعلق الأمر بمرحلة تحديد وعاء الضريبة او باستخلاصها.  ومن هنا يأتي دور القضاء في التطبيق السليم للنصوص القانونية بشكل عام - والضريبية منها بشكل خاص- بشكل يكرس معه الطابع الحمائي سواء بالنسبة لحقوق الادارة (المطلب الأول) أوبالنسبة لحقوق الملزم (المطلب الثاني).

       
المطلب الأول : الحماية القضائية لحقوق الإدارة

     نظرا لأهمية الضرائب كمورد هام لخزينة الدولة، فقد أحاطها المشرع بعناية خاصة، ووفر للإدارة المكلفة بتحديد الوعاء والجهة المكلفة باستخلاصها، وسائل عديدة لحماية مصالحهما، كما عمل القضاء أيضا على السهر على مراقبة وضمان هذه الحماية.

الفقرة الأولى : الحماية القضائية لحقوق الإدارة عند تحديد وعاء الضريبة
·       التزام الملزم بتقديم اقراره
       يعتبر الاقرار او التصريح من اهم لبنات السياسة الضريبية التي تقوم على العدالة الجبائية و الرغبة في المشاركة في تحمل النفقات العامة، و يمكن الاقرار الادارة من معرفة المادة الخاضعة للضريبة حيث يتم في وقت معين مع مصاحبته بالوثائق اللازمة  للاثبات، و في حالة تأخير الاقرار او عدم وضعه داخل الأجل المحدد قانونا، يكون الملزم خاضعا للجزاءات نتيجة التأخير. وبالمقابل خول المشرع للادارة سلطة تحديد الأساس الضريبي عن طريق الفرض التلقائي تفاديا لتعطيل مصالحها في انتظار وضع الاقرار.

·                      حق الإدارة في مراقبة إقرار الملزم :
      لقد نظم المشرع اساليب المراقبة الجبائية في آليتين: الاولى في حق الاطلاع، والثانية في فحص الوثائق.
    1 - حق الاطلاع :  لقد نصت المادة 214 من م ع ض على كيفية الحصول على جميع المعلومات التي من شأنها أن تفيد الادارة في مراقبة تحديد الضريبة المستحقة وذلك بأن تطلب الاطلاع على :
     - وثائق المصلحة او الوثائق المحاسبية الموجودة في حيازة ادارات الدولة، الجماعات المحلية  المؤسسات  العامة و كل  هيئة ، خاضعة لمراقبة الدولة.                                  
       - السجلات و الوثائق التي تفرض امساكها  القوانين الجاري بها العمل، فيما يتعلق بالأشخاص المعنويين او الطبيعيين الخاضعين للضريبة، هذا الحق لا يشمل المهن الحرة التي تستلزم المحافظة على السر المهني . كما أن المشرع ربطه بضرورة تقديم المصلحة الضريبية لطلب كتابي يتضمن المعلومات الخاصة بها و المعلومات المراد الحصول عليها الا أنه لم يحدد آجال اجراء هذا الحق.
2  -  فحص الوثائق
يجب على كل شخص خاضع الضريبة سواء كان شخصا طبيعيا  او معنويا   او الا شخاص الموكولة اليهم حجز مبلغها من المنبع ، ان يدلوا بجميع الاثباتات اللازمة و الوثائق المحاسبية  التي يطلبها مفتش الضرائب للاطلاع عليها. واذا كانت هذه الوثائق، ممسوكة بوسائل إعلامية أو في شكل جدادات، وجب على الخاضع للضريبة ان يقدم التسهيلات اللازمة لتمكينه من مراقبة المعطيات المتظمنة لها، اذا انتاب الإدارة الضريبية شك في الحسابات المدلى بها جاز لهذه الأخيرة أن تحدد أساس فرض  الضريبة باعتبار  العناصر المتوفرة لها. و لقد حدد المشرع بصورة دقيقة الاخلالات الخطيرة  في المادة 213 من المدونة العامة للضرائب التي اعتبرها المشرع واردة على سبيل الحصر لا المثال. و عليه ، فان عدم ارتكاب الملزم احداها يجعل القرار الضريبي- المستند إلى إعادة تأسيس رقم معاملاته - غير معتمد على اساس قانوني.

فرض جزاءات عند الاخلال بالتزامات الملزم :
     نص القانون على توقيع  جزاءات عن عدم التصريح او التصريح الناقص او عدم تقديم الوثائق المحاسبية، او عند زيادة مبلغ الضريبة نتيجة عملية التصحيح، كما حدد المشرع الاعمال المادية التي تهدف الى تمويه الادارة و التي تكون موضع  تجريم ، في النقط الخمسة  الآتية :
- تسليم فاتورات صورية
- تقييدات محاسبية مزيفة
- بيع بدون فاتورات بصفة مكررة
- اخفاء او اتلاف الوثائق المحاسبية
- اختلاس مجموع او بعض اصول  الشركة او الزيادة فيها بصورة صورية (افتعال العسر).

الفقرة الثانية : الحماية القضائية لحقوق الإدارة في مرحلة التحصيل

      يمكن دراسة الحماية القضائية لحقوق الادارة في مرحلة التحصيل عبر السلطات التي تتمتع بها . و المتمثلة في مجموع المتابعات التي تهدف الى اجبار الملزم على ايفاء دينه للخزينة.

 1- غرامات التأخير
      في مقدمة هذه الغرامات هناك تلك المتعلقة بالتأخير في حالة عدم سداد الدين الضريبي في أجله. هذه الغرامات حددها المشرع في 5% عن الشهر الاول للتأخير و 0,5 %  على كل شهر او جزء من شهر اضافي ، و قد استتنى المشرع  من هذه الغرامات رسم السكن و الخدمات الجماعية التي لا تتجاوز حصة كل منه 1.000 درهم .

2- الحجز التحفضي :
      اذا ظهر للقابض او المكلف بالتحصيل ان المكلف بالضريبة يحاول مغادرة محل فرض الضريبة او بيع منقولاته او ما شابه ذلك يجوز له ان يتدخل على وجه الاستعجال لمباشرة الحجز التحفضي بع دالانذار بضرورة  الاداء.

3- امتياز الخزينة :
     يمكن تعريف هذا الامتياز بأنه ذلك الحق الذي يعطي الدائن بدين معين له صفة التفضيل او الاولوية على كل الدائنين الآخرين، الا ان المشرع لم يحدد مدة لهذا الامتياز في مدونة التحصيل على غرار باقي التشريعات المقارنة التي وحدت بين مدة التقادم و مدة الامتياز.




 المطلب الثاني : الحماية القضائية لحقوق الملزم
      نظرا لتعارض المصالح بين كل من الإدارة و الملزم، ونظرا لضعف مركزهذا الأخير أمام الإدارة، فقد حاول المشرع ومعه القضاء، ضمان حماية خاصة لهذا الملزم، سواء على مستوى قواعد الشكل (فقرة أولى)، أو مستوى قواعد الموضوع(فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : مظاهر الحماية على مستوى قواعد الشكل                       
       لا شك أن مسطرة التضريب تتطلب إجراءات خاصة هدفها إحاطة علم الملزم بسائر مراحل فرض الضريبة عليه، وهذه الإجراءات يمكن تصنيفها إلى إجراءات عادية يخضع لها سائر الخاضعين للضريبة، وأخرى تطبق فقط بالنسبة لأولئك الذين سيكونون موضوع مراقبة جبائية.

أولا - القواعد الشكلية الحمائية العامة المتعلقة بمختلف أصناف الملزمين

        فرض المشرع مجموعة من القواعد الشكلية، سواء تعلق الأمر بمرحلة ربط الضريبة، أو الطعن فيها.وإذا كان المشرع قد سن هذه القواعد، فالقضاء عمل على تكريسها واستنباط مايراه في مصلحة الملزم.

       1- اعتبار التبليغ من النظام العام        
         لقد استقرت المحاكم الإدارية على اعتبار إجراءات الإعلام والتبليغ من النظام العام يترتب على عدم اتباعها وفق مايقتضيه القانون وداخل الآجال المقررة قانونا بطلانها، وبطلان القرارات المتخذة على إثرها واعتبر القضاء أن التبليغ هو ضمانة للملزم بالضريبة، لا يمكن حرمانه منها، وغيابها يؤدي إلى بطلان الضريبة.
        فتبليغ الإنذار القانوني يكون إما للشخص نفسه مقابل وصل، أو بواسطة البريد المضمون مع الإشهاد بالتوصل. ورجوع الإعلام الضريبي بعبارة "غير مطلوب" لا تفيد رفض الملزم الاستلام، وبالتالي لايجوز فرض الضريبة تلقائيا.

 2- إمكانية الأخذ بالأجل الأكثر فائدة للملزم  
        اعتمد المشرع تقنية الآجال، حماية لمصالح الملزم، حتى يضمن السير السليم لمساطر المنازعة من جهة، وحتى يتم إحقاق الحقوق في مدد أقصر وأسرع. وهذا الأجل ليس موحدا عند جميع المحاكم؛ فالمحكمة الإدارية بالرباط سنت لجوء الملزم إلى الطعن القضائي بعد انصرام  أجل ستة أشهر دون جواب الإدارة، في حين ذهبت إدارية أكادير و البيضاء إلى قبول الطعون المرفوعة أمامها ولو قبل جواب الإدارة وقبل انقضاء الأجل المحدد لجوابها.

 3- منح الملزم إمكانية تصحيح عيوب مقاله الشكلية
        طبقا لمقتضيات الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أنه يجب أن تكون المقالات مرفقة بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء، يتم إنذار الملزم المدعي بتصحيح مقاله وإذا لم يستجب لطلب القاضي يتعرض لعدم القبول أو التشطيب على الدعوى.

4- منح القاضي سلطة تكييف الدعوى
         استقر القضاء على منح القاضي سلطة تكييف الدعوى بما يكفل التطبيق السليم لأحكام القانون، من أجل الوصول إلى الحكم العادل في القضية موضوع النزاع.[1]
       كانت هذه أهم الضمانات العامة الشكلية التي أقرها المشرع، ووضع قواعدها وأسس ركائزها القضاء المغربي، فما هي ياترى الضمانات الخاصة بالملزمين موضوع المراقبة الجبائية.

ثانيا - الضمانات الشكلية الخاصة المتعلقة بالملزمين موضوع المراقبة الجبائية
       من الحقوق الثابتة للإدارة حقها في مراقبة محاسبة الملزم للتحقق من صحة البيانات المحاسبية والإقرارات التي أدلى بها، وذلك باطلاعها على مختلف الوثائق المحاسبية التي تثبت وضعية الملزم المالية، وبالتالي تحدد وضعه الجبائي.
      إلا أنه إذا كانت المراقبة الجبائية تنطوي على حماية خاصة للإدارة، فإن المشرع والقضاء المغربيين قررا ضمانات عديدة لحماية حقوق الملزم في مواجهة الإدارة سواء أثناء سريان مسطرة التحقيق والمراقبة أو حتى بعد انتهائها، وعدم احترام الإدارة لهذه الضمانات والإجراءات يؤدي إلى بطلان الأمر بتحصيل الضريبة موضوع المراقبة.
1- الضمانات المقررة للملزم في طور التحقيق الجبائي :
        أ) ضرورة إشعار الملزم بما لايقل عن 15 يوما قبل تاريخ إجراء المراقبة عبر رسالة مضمونة الوصول في العنوان المدلى به إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه مع إشعار بالتسلم أو بالتسليم إليه بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية.
      ويرمي الأجل المذكور إلى تمكين الخاضع للضريبة من الاستعداد لهذه المراقبة والاستعانة بخبيره المحاسبي أثناء جريانه إن اقتضى الحال.
وللإشارة فقانون المالية لسنة 2011 ألزم الإدارة بإرفاق الإشعار بالتحقيق بميثاق للملزم يحدد حقوق وواجبات الملزم أثناء مرحلة الفحص، تحت طائلة البطلان.
     ولهذا كان القضاء المغربي حاضرا لحماية هذه الضمانة، واعتبر أن عدم توجيه إشعار عند القيام بالتحقيق في المحاسبة هو خرق للقانون يستوجب إلغاء الأمر بالأداء.
        ب) ضرورة إجراء المراقبة في عين المكان أي في المقر الاجتماعي بالنسبة للأشخاص المعنويين، والمقر الرئيسي بالنسبة للأشخاص الطبيعيين. وقد اشترط المشرع هذا الإجراء حتى يساعد على خلق حوار بين الملزم والمفتش المحقق.
       وتجدر الإشارة إلى أن حق مفتش إدارة الضرائب في الاطلاع على الوثائق والمستندات في عين المكان لايخوله البحث عنها بنفسه في مكاتب وأرشيف المقاولة، وإنما يمكنه فقط طلب إحضارها إليه.
ج) تحديد مدة الفحص في 6 أشهر بالنسبة للمنسآت التي يعادل او يقل مبلغ رقم معاملاتها 50 مليون درهم،   وفي 12 شهرا بالنسبة لتلك التي يفوق رقم معاملاتها هذا السقف.
      د) المحافظة على السر المهني من طرف مفتش الضرائب أثناء معالجة كل المعلومات التي تتوافر لديه بالنسبة للملزم، بحيث لايمكنه أن يستخدمها في أي غرض آخر سوى للغرض المحدد في مهمته.

2- الضمانات المقررة عند انتهاء التحقيق :
        أحاط المشرع الملزم بضمانات شكلية عند انتهاء التحقيق والقيام بالتصحيح ندرسها فيما يأتي :
       أ) إشعار الملزم بالتصحيح :  
        لعل من الضمانات التي حرص عليها المشرع الجبائي، ضمانة التبليغ حتى يكون الملزم على اطلاع كامل بسائر المستجدات التي تتعلق بملفه الضريبي.


        ومن بين انواع التبليغات تبليغه بالتصحيح الضريبي، ويكون ذلك عبر مرحلتين :
- المرحلة الأولى : وتكون عقب فحص المحاسبة في عين المكان واكتشاف ما يستوجب التصحيح، حيث يجب على المفتش ان يبلغ الخاضع للضريبة - إما برسالة موصى بها مع إشعار بالتسلم أو بالتسليم إليه بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الادارية - بضرورة التصحيح ويدعوه إلى الإدلاء بملاحظاته خلال أجل الثلاثين يوما التالي لتاريخ تسلم رسالة التبليغ.
  - المرحلة الثانية : وتبدأ عندما يتلقى المفتش ملاحظات الخاضع للضريبة داخل الأ جل المحدد ،ويرى أن جميعها أو بعضها لا يستند الى أي أساس صحيح، حيث يجب عليه أن يقوم خلال أجل لا يتجاوز  60 يوما من تاريخ تسلم الجواب، بتبليغ الخاضع للضريبة في رسالة موصى بها مع إشعار بالتسلم، أسباب رفضه الجزئي أو الكلي وكذا أسس فرض الضريبة المعتمدة مع إخباره بأنه يجوز له أن يطعن في الأسس المذكورة امام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة داخل أجل الثلاثين يوما التالي لتاريخ تسلم رسالة التبليغ الثانية ويفرض المفتش الضرائب بإعتبار الأسس المعتمدة في رسالة التبليغ الثانية المذكورة.
      ب- وجوب توضيح أسباب التصحيح :
        لعل من الضمانات التي كرسها القانون و القضاء، تلك التي تلزم المفتش الضريبي المكلف بالتصحيح, بتوجيه إشعار إلى الملزم يتضمن أسباب التصحيح المزمع القيام به، وطبيعة، وتفاصيل مبلغه.
        ويجب أن يكون هذا الإشعار مفصلا، حتى يتمكن الملزم من إبداء ملاحظاته بوضوح، وإذا تلقى ملاحظات الخاضع للضريبة، ورأى عدم صحتها وشرعيتها، وجب عليه أن يقوم بتبليغه أيضا أسباب رفضه الجزئي أو الكلي، وكذا الضرائب التي يرى أن من الواجب اعتمادها.
        أما إذا وافق الملزم على إقتراحات المفتش فرضت عليه الضريبة، وليس له بعد ذلك أن يطعن في الأمر بالاستخلاص.

 الفقرة الثانية : مظاهر الحماية على مستوى قواعد الموضوع               
       لقد سن المشرع أسسا موضوعية لحماية الملزم، وكرسها القضاء المغربي، وهذه المظاهر الحمائية يمكن تصنيفها إلى حقوق وضمانات.
     1الحقوق الأساسية للملزم :
- الحق في التظلم لدى الإدارة الضريبية قبل بدء المسطرة القضائية.
- الحق في اللجوء إلى القضاء، لما للسلطة القضائية من حيادية وتبصر ورغبة في إعادة الحق إلى نصابه.
- الحق في الدفاع وذلك عبر الاستعانة بمحام، حتى تكون حقوقه محمية أمام إدارة الضرائب التي لها أطر متمرسون في ميدان المنازعات.
- الحق في تنفيد الأحكام الصادرة لصالح الملزم إما عبر استرداد ما دفع بغير حق لدى الخزينة أو عبر إلغاء الضرائب موضوع الحكم. إلا أن هناك غياب للوسائل القانونية الإلزامية التي تجبر الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية.
    2- الضمانات الموضوعية لحماية حقوق الملزم :
        حرص المشرع على توفير مجموعة من الضمانات لحماية حقوق الملزم في مواجهة الإدارة، إلا أن القضاء المغربي اختلف في تطبيق هذه الضمانات وتحديد أبعادها. وأهم هذه الضمانات :
    أ – عدم رجعية القانون الضريبي
      إذا كان المبدأ في القانون الجبائي، عدم رجعية القوانين، فقد ترد عليه بعض الاستثناءات نظرا لخصوصية هذا القانون من جهة، ولعلاقته بقوانين المالية من جهة أخرى، حيث إن قوانين المالية عندما تغير أسعار بعض الضرائب، فإن هذه الأسعار تطبق بأثر رجعي منذ بداية السنة التي وقع فيها التعديل، هذا بالإضافة إلى أن القوانين الجبائية التفسيرية تطبق هي الأخرى بأثر رجعي.
    ب- تفسير القانون الضريبي تفسيرا ضيقا
        استقر الفقه [2] على أن النصوص الضريبية يجب تفسيرها تفسيرا ضيقا، وذلك إعمالا لمبدأ الشرعية الضريبية، الذي يقضي بأنه لا ضريبة ولا إعفاء إلا بنص، غير أن تطبيق هذه القاعدة النظرية يطرح صعوبة أمام القضاء. إذا كان القضاء المغربي قد كرس في غالبه أهم المبادئ في مجال تفسير النصوص الضريبية كالمبدأ القاضي بتطبيق النص الواضح والمبدأ القاضي بالاعتماد في التفسير على فروع القانون الأخرى، فهو قد أفرز مبادئ أخرى نتيجة تطبيق قاعدة التفسير الضيق للنصوص الضريبية، وهذه المبادئ يمكن اعتبارها كنتائج لمبدأ التفسير الضيق، ومن أهمها :
- الشك في مدى النص الضريبي (الغامض) يفسر لصالح الملزم ؛
- استبعاد إمكانية الأخذ بالقياس في المادة الضريبية وذلك بعدم تفسير النصوص الضريبية تفسيرا واسعا.
ج- إمكانية تأجيل أداء الدين الضريبي
    مبدئيا لا يحق لأي سلطة عمومية أو إدارية أن توقف أو تؤجل تحصيل الديون الضريبية، وذلك تحت طائلة إثارة مسؤوليتها الشخصية المالية. لكن المشرع المغربي منح للمحاسب أو القابض المكلف بالتحصيل إمكانية تقديم تسهيلات  على الشكل التالي :
-  تمتيع الملزم بتسهيلات في الأداء طبقا للمادة 124 من مدونة التحصيل مقابل الضمانات المنصوص عليها في المادة 118 ؛
- منح الملزم إمكانية المطالبة بوقف أداء الدين الضريبي إلى حين البت في الشكاية المرفوعة إلى إدارة الضرائب والمتعلقة بموضوع الدين أو صدور حكم في الدعوى المرفوعة أمام الجهة القضائية المختصة؛
- وقف تنفيذ مسطرة استخلاص الدين العمومي مقدم من طرف القضاء بطلب من المعني بالأمر إلى حين البت بحكم نهائي في منازعته في موضوع الدين.
د- توزيع عبء الإثبات بين الإدارة الضريبية والملزم أو تحميله ثارة للإدارة وثارة أخرى للملزم.
هـ- تحديد آماد التقادم فيه حماية للملزم :
     التقادم [3]في القانون الضريبي، لا يبدو بالوضوح الذي هو عليه في القوانين الأخرى (المدني والجنائي)، بل يثير مجموعة من الإشكاليات تختلف حسب ما إذا كان التقادم في الوعاء الضريبي، أو في التحصيل، كما تثار إشكاليات أخرى على مستوى بعض الضرائب التي يتم تحديدها وتحصيلها من طرف نفس الإدارة كضريبة التسجيل.
- التقادم في الوعاء الضريبي :
 يمكن أن تباشر إدارة الضرائب بالتصحيحات اللازمة في حالة النقصان في الثمن أو الأخطاء و الإغفالات الكلية أو الجزئية الملاحظة في تحديد أسس فرض الضريبة أو في حساب الضريبة أو الرسم  داخل أجل أربع سنوات.
وعلى غرار التقادم المدني فالتقادم الضريبي يخضع للتوقف والانقطاع بحيث توقف مدته طوال الفترة الممتدة من تاريخ تقديم الطعن إلى اللجنة المحلية لتقدير الضريبة إلى غاية انصرام الشهر الثالث الموالي لتاريخ تبليغ المقرر الصادر بصورة نهائية إما عن اللجنة المذكورة وإما عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة. كما يتوقف أيضا طيلة مدة المسطرة القضائية التي تطلب بمقتضاها إدارة الضرائب إلغاء قرار اللجنة الوطنية القاضي بعدم أحقية الإدارة في تضريب الملزم وتنقطع مدة التقادم بكل تبليغ تقوم به الإدارة.
- التقادم في مسطرة التحصيل :
        يتعين على الادارة إخبار الملزمين بتواريخ الشروع في تحصيل جداول الضرائب والرسوم واستحقاقها بكل وسائل الإخبار بما فيها تعليق الملصقات، وترسل الجداول وقوائم الايرادات إلى المحاسب أو القابض المكلف بالتحصيل خمسة عشر يوما قبل تاريخ الشروع في التحصيل، وحسب المادة 5 من مدونة التحصيل رقم 97-15، فإن الإعلام بالضريبة يرسل عن طريق البريد العادي في ظرف مغلق الى الملزم المقيد بالجداول اوقوائم الإيرادات،  وعلى ابعد تقدير عند تاريخ الشروع في التحصيل، ويجب أن يبين هذا  الإعلام المبلغ الواجب دفعه وتاريخي الشروع في التحصيل والاستحقاق. وأي تقاعس للقابض عن متابعة إجراءات التحصيل إلى حين انصرام أربع سنوات من تاريخ الشروع في تحصيل الدين الضريبي يجعل مسطرة التحصيل متقادمة، ويسقط حقه في استخلاص الضريبة المطعون فيها. 
- التقادم في واجبات التسجيل :
    يسقط بالتقادم بعد مضي عشر سنوات على تاريخ العقود المعنية الحق في طلب أداء واجبات التسجيل والغرامة والذعيرة والزيادات المستحقة. وينقطع التقادم من هـذه المادة بالتبليغ المنصوص عليه في القانون أو بوضع الواجبات موضع التحصيل (المادة 234 من المدونة العامة للضرائب).


المبحث الثاني : تقييم العمل القضائي في المادة الجبائية

لا شك ان العمل القضائي المغربي في المادة الجبائية لا يزال حديث العهد و طبيعي جدا أن يعرف بعض النقائص التي تحول دون الرقي به إلى مصاف الإجتهاد(المطلب الأول) وللوصول إلى هذا الهذف كان لابد من إعادة النظر في مجموعة من القنوات والآليات المعتمدة في تخريج وتأهيل قضاتنا (المطلب الثاني).

المطلب الأول : تقييم العمل القضائي في المادة الجبائية على المستوى الكيفي

   من عيوب العمل القضائى المغربي في المادة الجبائية اعتماد القضاة على تقارير الخبرة (الفقرة الأولى) واقتصارهم على بحث الجوانب المسطرية و الشكلية (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى : اكتفاء القضاء بالمصادقة على تقارير الخبرة
تستأثر الخبرة القضائية بدور بالغ الأهمية في مجال العمل القضائى .وتزداد أهميتها في مجال يتسم بالتعقيد كالمادة الجبائية نظرا لطابعها التقني من جهة وارتباطها بالمعطيات الواقعية من جهة اخرى.[4] وهو مايفرض على القاضي الاستعانة بخبراء مختصين قصد تنويره في مشكل تقني او محاسبي يصعب عليه الالمام بجوانبه.
وتتخد مهمة الخبير ثلاثة صور فإما أن ترد في شكل معاينة حيث يلجأ إليها غالبا في منازعات التسجيل ، أو تكون استشارية بموجبها يبدي الخبير رأيه مشافهة بالجلسة دون تقديم تقرير مع إثبات ذلك الرأي في المحضر أو أن تكون على شكل تحقيق فني بواسطة خبير وهو المقصود بالخبرة كإجراء من إجراءات التحقيق في قانون المسطرة المدنية.[5]
 وبالرغم أن تقارير الخبرة لاتلزم القاضي ، فإنه مع ذلك يلاحظ أن الخبرة في المادة الجبائية لها طابع تقريري وهو مايتضح من خلال دورها الحاسم في المنازعات الجبائية و الإفراط في اللجوء إليها من طرف المحاكم تحت مبررات تتصل بتعقد تقنيات التضريب وطريقة ربط الضرائب وتحديد أسسها الشيء الذي يترتب عنه عدة إشكالات تؤثر سلبا على مسار القضايا المعروضة على المحاكم.[6]
فعلى مستوى الشكل، فالأصل أن الحكم بالخبرة يتوقف على المسائل الواقعية والفنية لكن وعلى العكس فإن المحاكم تقضي بالخبرة حتى في المسائل القانونية.[7]
ومن جهة أخرى، فإن عدم احترام التخصص في تعيين الخبراء غالبا مايترتب عنه نتائج سلبية من حيث المس بمصداقية الأحكام والأضرار بمصالح المتقاضين.
ومن حيث الموضوع، فإن عدم تحديد مهمة الخبير بشكل دقيق أو إسناد الخبرة إلى شخص غير مؤهل  لا يمكن أن ينتج عنه إلا صياغة تقرير وصفي لا يفيد المحكمة المحكمة في شيء. والأخطر من هذا  أنه في الكثير من الحالات تتم المصادقة على تقرير الخبرة من دون مناقشة المآخد المقدمة عليها وذلك تحت تعليل عام مفاده أن الخبرة المستوفية لسائر شروطها الشكلية والموضوعية لا يسع المحكمة الا المصادقة عليها لكونها مطابقة للمادة 63 م.م. ولا شك أن الحكم الذي يكتفى بالمصادقة على الخبرة من دون الإجابة على المآخذ المقدمة عليها معرض للطعن فيه، لمسه بحقوق الدفاع ولكونه ناقص التعليل الموازي لانعدامه.
وفي هذا السياق، يطرح التساؤل عن دور القاضى في المجال الجبائي وعن حدود دور الخبير في هذا الأخير، بحيث إذا ماتم ربط الاعتماد اللامشروط على تقارير الخبرة ببعض الممارسات اللاأخلاقية التي يقوم بها بعض الخبراء يتبين بوضوح مدى انعكاس وضعية هؤلاء على العمل القضائي الجبائي وعلى مصداقية أحكامه.[8]
الفقرة الثانية : اقتصار العمل القضائي على بحث الجوانب الشكلية و المسطرية

يلاحظ أن معظم الاحكام القضائية الصادرة عن محاكم المملكة تركز على البت فى المسائل الشكلية فقط دون البحث في موضوع المنازعة .
وإذا كانت بعض الاسباب قد تبرر توجه القاضي بالحكم بعدم القبول عند وجود بعض الاخلالات الشكلية، فإن أسبابا أخرى لانجدها كافية ليحكم القاضى بذلك .
ذلك ان عدم احترام الملزم لضوابط المرحلة ماقبل القضائية واجراءاتها وكذا عندما تكون ملتمسات المدعين غير مطابقة لمضمون مقالاتهم ، او عندما تكون غامضة لاتتضمن نوع الضرائب المتنازع فيها او مبالغها وكذلك عندما تكون المنازعة فى وعاء الضريبة وترفع الدعوى فى مواجهة الخازن العام . فكل هذا يبرر توجه القاضي للحكم بعدم القبول.
لكن توجه القضاء لا يكون صائبا في بعض الحالات التي تكون فيها الاخلالات الشكلية غير مهمة ولا تتطلب سوى إعمال سلطة القاضي المقرر في إنذار الطرف المتقاضي بتصحيح عيوب مقاله الشكلية. ومثال هذا الاخلال ان الدعوى رفعت في مواجهة وزير المالية بدل الوزير الاول[9].

المطلب  الثاني : آليات النهوض بالعمل القضائي في المادة الجبائية
إن الدعوة إلى الارتقاء بالعمل القضائي إلى مرتبة الاجتهاد القضائي، يينبغي أن يمر بداية عبر إصلاح الهياكل الأساسية للعمل القضائي في المادة  الجبائية (الفقرة الأولى) دون أن ننسى الأساليب الأخرى لتحسين جودة العمل القضائي (الفقرة الثانية).  
   
     الفقرة الأولى :  إصلاح الهياكل الأساسية للعمل القضائي في المادة  الجبائية
إن مقاربة موضوع اصلاح الهياكل الأساسية للعمل القضائي الجبائي، لن تبلغ الأهداف المسطرة لها إلا إذا استندت في ذلك إلى مجموعة من العناصر الضرورية في أي سياسة إصلاحية للقضاء، ونخص بالذكر في هذا الإطار:إصلاح الجامعة، وإعداد القاضي، ثم أخيرا الإدارة في مصالحها المرتبطة بأجهزة القضاء.
-                    إصلاح الجامعة :
         إن تفعيل القضاء الجبائي وتحسين مستواه، لا يمكن أن يتم إلا بتحمل الجامعة المغربية مسؤوليتها في هذا المجال، وذلك لن يتأتى إلا بإعادة الروح لدورها التقليدي، والعمل على إدخال ما يلزم من التغييرات حتى تصبح قادرة على مواكبة التطور الذي يشهده المغرب.
        وأهم ما يجب أن تقوم به الجامعة اليوم هو العمل على تطوير بنيات البحث العلمي، وتحسين آساليب التعليم العالي، وذلك بالابتعاد عن الطريقة الكلاسيكية القائمة على التلقين وحشو الطالب بالمعلومات دون منحه الإمكانية والقدرة على تحليلها.
        كذلك يجب إدراج بعض المواد في برامج التعليم الجامعي بالنسبة لطلبة القانون، لأن طالب اليوم هو محامي أو قاضي الغد.إذ يصبح من الضروري تلقينه مثل هذه المواد لما لها من فائدة على مستوى آداء العمل القضائي بصفة عامة. ونخص بالذكر في هذا المجال مادة المحاسبة ومادة المنازعات الجبائية التي يجب أن تدرس على نطاق أوسع وتواكب تكوين الطالب خلال المرحلة الجامعية.
         كما ينبغي على الجامعة أن تنفتح على محيطها الإجتماعي والاقتصادي،عبر إيجاد قنوات دائمة للاتصال تجسد حدا أدنى من التواصل الثقافي والفكري وذلك للوقوف على مختلف المشاكل التي يطرحها الفهم والتطبيق لنصوص القانون.وهذا بالطبع سيحسن مدارك الفاعلين الجامعيين ومختلف المهنيين والفاعلين الآخرين لما فيه من خدمة للقضاء و العدالة.
-                    تكوين القاضي وإعداده للعمل الميداني:
        للوصول إلى عمل قضائي يرقى إلى مصاف الاجتهاد، لابد من تهييئ القاضي وتكوينه، وهذا ما فطن له جلالة الملك الحس الثاني في خطاب 8 ماي 1990 عندما أكد ان"مصلحتنا نحن أن تكون غرفة إدارية في كل عمالة من العمالات، وكل إقليم من الأقاليم، ولكن ليس لدينا القضاة الكفاة والكافون في هذا البلد، لأن ذلك يتطلب تكوينا خاصا".
         فتحسين مستوى العمل القضائي الجبائي يتطلب من جهة، ضمان كفاية عددية من القضاة، ذلك ان التزايد المطرد الذي تعرفه القضايا الجبائية على المحاكم الإدارية، لا يقابله تزايد في عدد القضاة ولا في عدد الاطر الإدارية مم ينتج عنه عدم توازن واضح يؤدي إلى تراكم في عدد القضايا وبطء في تصفيتها ممايؤدي إلى زعزعة الثقة في جهاز العدل برمته. ومن جهة أخرى دعم الكفاية العلمية للقضاة[10]، وبعبارة أخرى تجنيد فعاليات محنكة تحمل على عاتقها ضمان هذا التحدي، وذلك لن يتأتى إلا بتمكينها من وسائل وأساليب العمل داخل الجهار القضائي الإداري-ومن ضمنه طبعا القضاء الجبائي- عن طريق تكوينها تكوينا إداريا جبائيا فعالا، واستكمال تكوينها، وأيضا تمكينها من الوسائل العلمية لصقل مداركها. وأيضا دعم الجانب النفسي للقاضي الإداري، لما له من أثر إيجابي على مستوى تحسين مردرية القاضي في أي عمل يقوم به.
        والواقع إن مسألة تكوين القضاة لا يمكن جني ثمارها إلا بإعتماد نظام للمعلوميات الذي أضحى ضرورة ملحة وسط هذا الزخم الهائل من الأحكام التي تصدر عن مختلف المحاكم الإدارية للمملكة وأيضا عن المجلس الأعلى. فاعتماد المعلوميات في مجال القضاء أصبح حلا للعديد من المشاكل التي يواجهها قضاتنا، كما أضحى ضرورة ملحة لمواجهة الكم الهائل من التشريعات التي تصدر في المادة الجبائية بالخصوص والتي تتغير سنويا بمقتضى قوانين المالية[11].
-                    تحسين مستوى عمل الإدارة
         لا شك أن إدارة الضرائب كمختلف الإدارات الأخرى، تعمل على حماية حقوق الدولة دون الإضرار بمصالح المواطنين، إلا أن هذه النهمة التي تقوم بها إدارة الضرائب قد تخلق نزاعات بين كل من الطرفين، وهذه النزاعات بالطبع تحتاج إلى مصالح خاصة لتنظر فيها. وما يجب تأكيده هو أن أقسام المنازاعات بهذه الإدارة تحتاج –اليوم أكثر من أي وقت مضى- إلى تعزيزها بكفاءات مكونة[12] تكوينا قانونيا ومحاسباتيا يمكنها من تمثيل الإدارة أمام القضاء والدود عن مصالحها، وهذا بالطبع سينعكس على إيجابا على مستوى العمل القضائي الجبائي بالمغرب، نظرا للمستوى العالي الذي ستحرر به المذكرات الجوابية.[13]
والملاحظ إن الأطر بالإدارات العمومية قد لا يتوفرون على تكوين قانوني، وحتى إذا كانوا يتوفرون عليه، فإنه غالبا ما يكون تكوينا فرنسيا، لا يتماشى وتحرير المذكرات باللغة العربية، نظرا لتعريب القضاء ومغربته[14].
      الفقرة الثانية : الأساليب الأخرى لتحسين جودة العمل القضائي .
-                    تبسيط الترسانة القانونية المتعلقة بالمادة الجبائية 
 لا شك في ان أهم عقبة تحول دون اجتهاد القاضي هي طبيعة البناء التشريعي الجبائي في بلادنا، الذي يعاني من مجموعة من السلبيات التي يمكن تلخيصها فيمايلي:
أولا: كثرة الإحالات والتعديلات المتوالية للنصوص الضريبية بمقتضى قوانين المالية المتلاحقة، الشيء الذي قد يؤدي إلى التطبيق السيء للقانون الضريبي من طرف القاضي إذا لم يطلع على هذه التعديلات.
ثانيا: كثرة النصوص الضريبية وتشعبها، بحيث ينظم كل ضريبة على حدة قانون مستقل في أحكامه وإجراءاته وآجاله، بحيث كان الملزم يجد نفسه أمام مساطر متعددة وآجال مختلفة. كما أن القاضي هو الآخر يواجه بهذا الإشكال، الشيء الذي يعوق رغبته في الإجتهاد الموضوعي، ليقتصر في غالبية الأحيان على دراسة الجوانب الشكلية.
وهذا الإشكال التشريعي هو الذي جعل الأصوات تتعالى بضرورة تجميع القوانين الضريبية على اختلاف انواعها في مدونة واحدة، حتى يسهل الرجوع إليها، بدلا من الاضطرار في كل مرة إلى قانون ضريبي منشرو في جريدة رسمية، وإلى الجرائد الرسمية المختلفة من حيث العدد وتاريخ الصدور، والمتضمنة للتعديلات التي تطال هذا القانون أو ذاك.
وبالفعل قد تحقق هذا المطلب في سنة 2007 تاريخ صدور المدونة العامة للضرائب التي شكلت منعطفا حاسما، وتجميعا للنصوص القانونية التي كانت تعرف شتاتا يصعب الإحاطة به.
-                    نشر القرارات القضائية المتعلقة بالمادة الجبائية
لا شك أن أهم مشكل يعترض الباحث القانوني بصفة عامة والقاضي بصفة خاصة، هو عدم نشر القرارت و الأحكام الصادرة في المادة الجبائية، سواء تلك التي تصدر عن المحاكم الإدارية أو التي تصدر عن المجلس الاعلى، مما يجعل المهتمين بالقانون الجبائي يتبعون طرق ملتوية للوصول إلى الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم. في حين ان نشر هذه الأحكام تظهر أهميته في توحيد اجتهادات المحاكم الإدارية.وسيؤدي إلى تطوير جهاز القضاء، إذ سيتمكن المفوض الملكي من تقديم تقرير متكامل ومعزز بأحكام قضائية إما لتذكير المحكمة بالاتجاه المعمول به، أو لاقتناعها بالموقف الذي يؤمن به[15].
-    تفعيل طرق التعيين المباشر للموظفين في سلك القضاء
 للحصول على قضاة ذوي خبرة عالية، لابد منة تفعيل طرق التوظيف المباشر والمجمدة حاليا.   وهذا بالطبع يستتبع ضرورة تفعيل المادة الثالثة من قانون 90/43 والتي ينص على إمكانية التعيين المباشر لموظفين منتمين إلى درجة مرتبة في سلم الأجور رقم11،أو درجة في حكمها، بشرط ان يكونوا قد قضوا ما لا يقل عن 10 سنوات في الخدمة العامة الفعلية، وان يكونوا حاصلين على إجازة في الحقوق أو شهادة تعادلها.

فأهمية تطبيق هذا المقتضى بالنسبة للقضاء الجبائي لاتخفى، نظرا للمستوى التقني العالي الذي يتوفر عليه موظفو إدارة الضرائب، بالإضافة إلى تجربتهم الطويلة بين أسلاك الإدارة، إذ سيكون لهم دور استشاري كبير قد يجعل القضاة يتخلون عن الخبرة، بالإضافة إلى أن دراستهم للملفات ستكون أعمق.
وإذا كان بعض قضاتنا يرون أن هذه التجربة لن تفيد، على اعتبار أن هؤلاء الموظفون لا يتوفرون على آليات العمل القضائي، ولا يلمون بالمساطر القانونية، فإننا نرد على ذلك بأن المشرع قد اشترط فيهم الحصول على إجازة في الحقوق أو ما يعادلها، مما يقربهم بالطبع من المجال القانوني، كما أن منهم من كان موظفا بأقسام المنازعات الضريبية، مما يجعل من احتكاكه الدائم بالقضاة تكوينا له على آليات العمل القضائي.
       غير أن ما جاء به المشرع قد لا يعرف التطبيق من ناحيتين :
- وهو أن هؤلاء الموظفين غالبا ما يفضلون البقاء في مناصبهم للامتيازات المادية التي توفرها لهم.
- كذلك فإن الإدارة – وخاصة الضريبية – غالبا ما سترفض تسريحهم ليلتحقوا بالقضاء، بعد المبالغ المالية والمجهود الذي أنفق في تكوينهم، لكي يكونوا أطرا يخدمون قطاع وزارة المالية لا قضاة يخدمون قطاع وزارة العدل.


 خـاتـمـة 

      خلاصة القول إن إحقاق الحقوق لأصحابها لن يتأت إلا بوجود جهاز قضائي فعال همه الأسمى والأساسي هو تكريس وتحقيق العدالة. فمفتش الضرائب والجابي تحكمهم مبررات حين قيامهم بعملية ربط و تحصيل الضريبة، تستند في معضمها إلى اعتبارات مالية و محاسباتية. من هنا يكمن الاختلاف في الدوافع التي تبرر للقضاء تدخله في إعادة التوازن  في العلاقة النظامية بين الملزم والإدارة الضريبية والعمل على ضمان الحماية اللازمة للحقوق سواء تعلق الأمر بحقوق الملزم أو بحقوق الإدارة .
ومن هنا فالتكوين المتخصص في مجال العلوم والتقنيات الضريبية، باعتباره يرتكز على دراسة القانون الضريبي من الناحيتين النظرية والتطبيقية سيكون له الأثر البالغ في تكوين أطر كفأة قادرة على تحسين جودة ومردودية العمل القضائي والارتقاء به إلى مرتبة الاجتهاد. 





قـائـمـة الـمراجـع :

- د. عبد الكريم الطالب ''الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية''
المطبعة والوراقة الوطنية مراكش - 2003.

- د. محمد مرزاق و ذ. عبد الرحمان بليلا ''المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية والتطبيق'' ط.2، مطبعة الأمنية الرباط - 1998.

- د. عبد القادر التيعلاتي ''النزاع الضريبي في التشريع المغربي'' ط.1، دار النشر المغربية الرباط – 1997.

- ذة. سعاد بنور ''العمل القضائي في المادة الجبائية ط.1، دار القلم الرباط – 2003.

- د أحمد بوعشيق ''الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية'' الغرفة الإدارية، المحاكم الإدارية، الجزء الثالث، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 16/2004.
 
- دفاتر المجلس الأعلى ''العمل القضائي و المنازعات الضريبية'' عدد 8/2005.

- د. بيصة محمد ''المنازعة في قانونية قرارات الإدارة المكلفة بربط الضريبة بين الإلغاء وطعون القضاء الشامل'' أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق بتاريخ 23/04/2004.

- المدونة العامة للضرائب للسنة المالية 2010.

- مدونة تحصيل الديون العمومية رقم 97-15.





[1]              ة سعاد بنور  لعمل القضائي في المادة الجبائية للأستاذ
[2]               Abdellah BOUDAHRAIN, le contentieux fiscal, op.CIT, p. 36 
[3]              - التقادم في مدلوله الإصطلاحي هو مرور مدة من الزمن يكسب القانون خلالها الشخص حقا أو يفقده له، والتقادم هو غير أجل السقوط الذي لايقبل [3]
                الوقف أو الانقطاع .فالتقادم  يمكن قطعه برسائل التبليغ الوارد عليها النص في إطار المواد 220/221  من المدونة العامة للضرائب مثلا.أما الوقف في المادة الجبائية فقد ورد في المادة232 م ع ض " التقادم يتوقف طوال المدة الممتدة من تاريخ تقديم الطعن أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة إلى غاية انصرام أجل 3 أشهر الموالي لتاريخ تبليغ المقرر الصادر بصفة نهائية إما عن اللجنة المذكورة أو عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة".
[4]              -ابراهيم احطاب ،مقال تحت عنوان اشكالية الخبرة فى المادة الجبائية منشور بدفاتر المجلس الاعلى عدد 8/2005 خاص بالعمل القضائي و المنازعات الضريبية،ص 275
[5]              -نفس المرجع أعلاه ،ص276
[6]              -نفس المرجع ،ص 277
[7]              -حكم المحكمة الادارية بوجدة بتاريخ 05/05/1999 ملف رقم 1/8 حكم عدد85/99
[8]              -سعاد بنور، العمل القضائي ،ص 273
[9]              - سعد بنور : نفس المرجع ص 273[9]
[10]             تجدر الإشارة إلى أن الوضع القائم بالنسبة للمكتبات في المحاكم يوضح إلى أي حد إهمل هذا الجانب،لهذا فالضرورة ملحة على إنشاء مكتبات بمعايير [10]
                حديثة تضم المراجع الأساسية في مختلف فروع القانون، حتى يتمكن القاضي من تحديث ة تطوير ملكاته ومواكبة مواقف الفقهاء بالنسبة للإشكالات التي تعرض عليه وهو ينظر في المنازعات المطروحة امامه.
[11]             على الرغم من مساهمة نظام المعلوميات في تكريس الانفتاح الداخلي على القوانين والقرارات القضائية إلا انه لا يسهم بما يكفي في تكريس الانفتاح [11]
                الخارجي وإن كان المشكل لا يرجع إلى هذا النظام بقدر مايرجع إلى مدى استفادة قضائنا من بعض التجارب الرائدة في مجال القضاء الجبائي.وما يلاحظ على قضاتنا هو عدم متابعتهم لتطور الفقه و التشريع وأحكام القضاء في الخارج، نظرا لضعف مستوى اللغات الأجنبية لديهم ولصعوبة الحصول على المراجع الأجنبية المكلفة.
[12]             - نسجل في هذا الصدد التجربة الرائدة لوزارة المالية والقائمة على إيفاد بعثات لفرنسا بقصد استكمال تكوين أطرها.[12]
[13]             - لا شك في أن أقسام المنازعات القضائية بالمديريات الجوية للضرائب هي في حقيقتها عبارة عن مكاتب للمحاماة ، ومعلوم أن المحامين هم الذين [13]
                يجرون القضاة إلى الإجتهاد من خلال الاشكالات القانونية التي تستجد ويتم تضمينها في مذكراتهم خلال المسطرة التواجهية.
[14]             - قد اظهر التقدير المتزايد لقيمة وأهمية رجال الإدارة الأكفاء عدم أمكان الأعتماد بصفة مؤكدة على قنوات الترقية المعتادة في الأدارات لتوفير المواهب[14]
                والقدرات الإدارية المطلوبة.انظر في ذلك علي العربي المشتري،التخطيط للتنمية الإدارية وضرورته للبلدان النامية،مساهمة لدراسة مقارنة لاستراتيجيات التنمية الأدارية في المملكة المغربية والجماهيرية العظمى.بحث لنيل الماستر في السسلك العالي.المدرسة الوطنية للإدارة 1987ص 117.
[15]             - سعاد بنور: م س ص 280[15]
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *