مقدمة:
إن النظام القضائي في الدولة أمر أساسي
لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، حيث تؤدي المحاكم دورا رئيسيا في حماية
الضحايا، أو من يحتمل أن يكونوا ضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان وضمان حصولهم على سبل
الانصاف الفعالة، وذلك بتقديم مرتكبي هذه الإنتهاكات إلى العدالة ، والتأكيد على أن أي شخص يرتكب أفعالا إجرامية يتلقى محاكمة
عادلة وفقا للمعايير الدولية.
فالنظام القضائي يعتبر أساسيا لعملية
التأكد من إمتثال الأفراد للقوانون سواءا تعلق الأمر بالحكام أو المحكومين. وقد
أبرزت جميع الأجهزة الدولية لحقوق الإنسان هذا الدور الحاسم الذي يلعبه النظام
القضائي في حماية حقوق الإنسان والحريات، حيث ذكرت، الجمعية العامة للأمم المتحدة
مرارا أن سيادة القانون والنظام القضائي
يلعبان دورا مركزيا في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
والمغرب على غرار باقي الدول عمل على إحداث نظام
قضائي يتماشى تماما مع المعايير الواجبة
التطبيق الواردة في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان ،والذي يعتبر أمرا أساسيا لحماية
حقوق الإنسان، وأمورا لا غنى عنه لعمليتي الديمقراطية والتنمية الدائمة.
ولذلك قام المشرع المغربي بتحديد
المؤسسات القضائية المختصة للنظر في القضايا كما تطرق لتأليف السلك القضائي
باللمملة. وهذا الأخير هوما سنخاول دراسته في هذا العرض.
إذن فما هي أهم المبادئ التي التي يقوم
عليها تأليم السلك القضائي ومن الأشخاص المنتمون إليه؟
للإجابة على هذا الإشكال اتأينا اتباع
التصميم التالي:
المبحث الأول : مبادئ السلك القضائي
بين المواثيق الدولية والتشريع المغربي
المطلب الأول: المبادئ المتعلقة بتأليف
السلك القضائي في المواثيق الدولية.
المطلب الأول : المبادئ المتعلقة
بتأليف السلك القضائي في التشريع المغربي
المبحث الثاني: تأليف السلك القضائي
المطلب الأول: قضاة الأحكام (القضاء
الجالس).
المطلب الثاني: قضاة النيابة
العامة(القضاء الواقف).
المبحث
الأول : مبادئ السلك القضائي بين المواثيق الدولية والتشريع المغربي
في هدا المبحث سوف نتطرق لأهم المبادئ
المتعلقة بتأليف السلك القضائي في المواثيق الدولة ( المطلب الأول) والتشريع
المغربي ( الطلب الثاني).
المطلب
الأول: المبادئ المتعلقة بتأليف السلك القضائي في المواثيق الدولية.
لدلك عمل المجتمع الدولي على سن مجموعة
من الصكوك لحماية الحقوق والحريات ومن أهمها:
الصكوك العالمية :
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، 1996
المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية، 1985
المبادئ الإرشادية المتعلقة بدور أعضاء النيابة، 1990
المبادئ الأساسية المتعلقة بدور المحامين، 1990
الصكوك الإقليمية :
الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، 1981
الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، 1969
الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، 1950
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، 1996
المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية، 1985
المبادئ الإرشادية المتعلقة بدور أعضاء النيابة، 1990
المبادئ الأساسية المتعلقة بدور المحامين، 1990
الصكوك الإقليمية :
الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، 1981
الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، 1969
الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، 1950
وقد أقرت هده الصكوك مجموعة من المبادئ
التي يجب توافرها لكي تقوم الهيئات القضائية بالدور المنوط بها على أحسن وجه. ففي
عام ١٩٨٥ اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجـرمين مبـادئ
أساسية بشأن استقلال السلطة القضائية أقرتها بالإجماع في وقت لاحق الجمعية العامة. [1]
وهذه المبادئ تُعنى بالمواضيع التالية:
استقلال الهيئة القضائية؛ حرية التعبير
وتكوين الجمعيات؛ المؤهلات والانتقاء والتدريب؛
شروط الخدمة وتولي الوظيفة؛ السـرية المهنية والحصانة و التأديب والتعليق
والعزل.
_أولا: استقلال الهيئة القضائية:
ليست السلطة القضائية في حد ذاتها،
بوصفها فرعا من أفرع الحكومة هي التـي يجـب أن تتمتع بالاستقلال عن السلطة
التنفيذية وعن البرلمان؛ بل القضاة كأفراد أيضا الحق في التمتع بالاستقلال في اضطلاعهم بمهامهم المهنية.
وهذا الاستقلال لا يعني بطبيعة الحال أن بوسع القضاة أن يفصلوا فـي القضايا
بالاستناد إلى رغائبهم أو أفضلياتهم:
بل يعني، كما سيبين أدناه أن لهم حق وعليهم واجب الفصل في القضايا التي تعرض عليهم وفقا للقانون ودون مخافة الانتقاد الشخصي أو الانتقام أيا كان نوعهما، حتى في الحالات التي يضطرو نفيهاإلى إصدار أحكام تتصل بقضايا صعبة وحساسة.
ويجب تأمين استقلال كل قاض من القضاة
بعدد من الطرق يرد أهمها فيما يلي:
1_ تعيين القضاة:
لا يوفر القانون الدولي أية تفاصيل
فيما يتعلقبالكيفية الواجب أن يعين بها القضاة والمبـادئ الأساسية تتوخى الحياد
فيما يخص تعيينهم أو انتخابهم. بيد أن المبدأ 10 من المبادئ الأساسية ينص على ما
يلي:
".يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار
لشغل الوظائف القضائية أفرادا من ذوي النزاهـة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات
مناسبة في القانون. ويجـب أن تشـمل أي طريقة لاختيار القضاة على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية
بـدوافع غيـر سليمة.
ولا يجوز عند اختيار القضاة، أن يتعرض أي شخص للتمييز على أساس العنصر أو
اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء، أو المنشأ القومي
أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو المركز، على أنه لا يعتبر من
قبيل التمييز أن يشترط في المرشح لوظيفة قضائية أن يكون من رعايا البلد المعني".[2]
هذا المبدأ يعني أنه بغض النظر عن الطريقة الت ييختار بهـا القضـاة يجـب أن تشـكل
المؤهلات المهنية للمرشحين ونزاهتهم الشخصية المعايير الوحيدة للاختيار . ومن ثـم لا يمكـن مـن الناحية الشرعية أن يعين القضاة أو يختاروا بناء على آرائهم السياسية أو بسبب ما يتبنونه من المعتقدات الدينية على سبيل المثال. ومن شأن مثل هذا التعيين أن يكرس بصورة جدية استقلال كل قاض والسلطة القضائية في آن واحد ومن ثم تنتفي ثقة الجمهور من أن العدل سيقام.
المؤهلات المهنية للمرشحين ونزاهتهم الشخصية المعايير الوحيدة للاختيار . ومن ثـم لا يمكـن مـن الناحية الشرعية أن يعين القضاة أو يختاروا بناء على آرائهم السياسية أو بسبب ما يتبنونه من المعتقدات الدينية على سبيل المثال. ومن شأن مثل هذا التعيين أن يكرس بصورة جدية استقلال كل قاض والسلطة القضائية في آن واحد ومن ثم تنتفي ثقة الجمهور من أن العدل سيقام.
أما فيما يخص الاتفاقية الأوروبية
لحقوق الإنسان فقد أكدت المحكمـة الأوروبيـة لحقـوق الإنسان على ما يلي:
"للتثبت مما إذا كان يمكن وصف محكمة بأنها محكمة "مستقلة" لأغـراض المـادة 6- 1، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، في جملة أمور، طريقة تعيين أعضـائها واختصاصاتهم ووجود الضمانات التي تقيهم الضغوطات الخارجية ومسألة ما إذا كانت المحكمـة تتسـم
بالاستقلال الظاهر".
"للتثبت مما إذا كان يمكن وصف محكمة بأنها محكمة "مستقلة" لأغـراض المـادة 6- 1، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، في جملة أمور، طريقة تعيين أعضـائها واختصاصاتهم ووجود الضمانات التي تقيهم الضغوطات الخارجية ومسألة ما إذا كانت المحكمـة تتسـم
بالاستقلال الظاهر".
2_ الأمن الوضيفي:
كما تقدم بيانه، يكون القضاة عرضة
لفقدانهم استقلالهم ما لم يتوفر لهم أمن البقاء في المنصب لمدة طويلة، نظراً لأنهم
قد يتعرضون للتأثيرات غير السليمة فيما يتخذونه من القرارات. والمبدأ 12 من
المبادئ الأساسية ينص على أن:
"يتمتع القضاة، سواء أكانوا معينين أم منتخبين، بضمان بقائهم في منصـبهم إلـى حـين
بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصـب، حيثمـا يكـون
معمولا بذلك".[3]
"يتمتع القضاة، سواء أكانوا معينين أم منتخبين، بضمان بقائهم في منصـبهم إلـى حـين
بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصـب، حيثمـا يكـون
معمولا بذلك".[3]
وبالتالي سيتعارض مع المبدأين 12 أن
يعين أو ينتخب القضاة بـدون ان يتـوفر لهـم ضمان البقاء في المنصب بشكل دائم أو
البقاء فيه فقط لمدة وجيزة مضمونة. [4] وإناطة القضاة بولاية دائمة هو وحده الكفيل بتوفيرالشروط القصوى
لاستقلاله ولثقة الجمهور في السلطةالقضائية.
3_ الأمن المالي:
ومسألة الأجر المنصف والملائم مهمة
جداً نظرا لأنها قد تساعد على اجتذاب الأشخاص ذوي الكفاءات للانضمام إلى الهيئة
القضائية وقد تمنح القضاة منحة إضافية تمكنهم من مقاومة إغرائهم بالفساد أو غير
ذلك من التأثيرات السياسية التي لا موجب لها أو غيرها من التأثيرات
.
ولا تتناول صراحة المعاهدات الدولية
والإقليمية مسألة الأمن المالي للسلطة القضائية ولآحـاد القضاة، ولكن المبدأ ١١ من
المبادئ الأساسية ينص على أن :
"يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظـائفهم واستقلالهم وأمنهم وحصولهم على أجر ملائم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم"
"يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظـائفهم واستقلالهم وأمنهم وحصولهم على أجر ملائم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم"
ثانيا: حرية التعبير وتأسيس الجمعيات:
تعتبر حقوق القضاة في حرية التعبير
وتكوين الجمعيات أساسية في مجتمع ديمقراطي يحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان.
والقضاة الذين تتاح لهم حرية تأسيس الجمعيات يكونون أفضل قدرة على حماية استقلالهم
وحماية المصالح المهنية الأخرى.
وينص المبدأ 8 من المبادئ الأساسية على
ما يلي:
"وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السـلطة القضـائية كغيـرهم من
المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع ومع ذلك يشترط أن
يسلك القضاة دائما، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واسـتقلال
القضاء".[5]
"وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السـلطة القضـائية كغيـرهم من
المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع ومع ذلك يشترط أن
يسلك القضاة دائما، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واسـتقلال
القضاء".[5]
ثالثا: حق وواجب تأمين سير الإجراءات
القضائية بعدالة :
عتبر استقلال المحكمة عنصراً لا غنى
عنه من عناصر سير الإجراءات القضائية سـواء كانت جنائية أو مدنية. وكما هو منصوص
عليه في المبدأ 6 من المبادئ الأساسية:
"يكفل مبدأ استقلال السلطة القضائية لهذه السلطة ويتطلب منها أن تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة، واحترام حقوق الأطراف".
"يكفل مبدأ استقلال السلطة القضائية لهذه السلطة ويتطلب منها أن تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة، واحترام حقوق الأطراف".
رابعا: الحيادية
يتطلب الحق في محاكمة عادلة أن يتسم القضاة بالحيادية. ويعني الحق في محاكمة عادلة أمام محكمة حيادية، ترفع القضاة أو المحلفين عن أي مصلحة أو شأن في القضية المطروحة أمامهم، بالإضافة إلى عدم جواز تشكيل رأي مسبق في الدعوى أو في أطراف الخصومة. فالقضايا يجب أن يفصل فيها على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية قيود[6] وتحقيقا لهذه الغاية، تلتزم الدولة، والمؤسسات الأخرى، والأطراف المعنية بعدم ممارسة أي ضغط على القضاة، أو دفعهم للحكم بطريقة معينة، وفي المقابل يتعّين على القضاة أن يتصرفوا بنزاهة. وقد أوضحت المبادئ الأساسية للأمم المتحدة هذا المطلب على الشكل
التالي: يسلك القضاة دائما ً، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة وإستقلال القضاء.[7]
يتطلب الحق في محاكمة عادلة أن يتسم القضاة بالحيادية. ويعني الحق في محاكمة عادلة أمام محكمة حيادية، ترفع القضاة أو المحلفين عن أي مصلحة أو شأن في القضية المطروحة أمامهم، بالإضافة إلى عدم جواز تشكيل رأي مسبق في الدعوى أو في أطراف الخصومة. فالقضايا يجب أن يفصل فيها على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية قيود[6] وتحقيقا لهذه الغاية، تلتزم الدولة، والمؤسسات الأخرى، والأطراف المعنية بعدم ممارسة أي ضغط على القضاة، أو دفعهم للحكم بطريقة معينة، وفي المقابل يتعّين على القضاة أن يتصرفوا بنزاهة. وقد أوضحت المبادئ الأساسية للأمم المتحدة هذا المطلب على الشكل
التالي: يسلك القضاة دائما ً، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة وإستقلال القضاء.[7]
هذه
المبادئ إضافة الى مجموعة من المبادئ الأخرى قد عمل المشرع المغربي على تجسيده
القوانين الوطنية خاصة بعد صدور الدستور الجديد لسنة 2011 وهو ما سنتحدث عنه في
الطلب الثاني المتعلق بمبادئ تأليف السلك القضائي في التشريع المغربي.
المطلب الثاني : المبادئ
المتعلقة بتأليف السلك القضائي في التشريع المغربي
تعتبر السلطة القضائية جزء لا يتجزأ من
مكونات مؤسسات الدولة نظرا للأهمية الكبرى التي تكتسبها بفعل ضمانها سيادة القانون
على الجميع. وفي هذا، بطبيعة الحال وعلى المستوى المبدئي، حضور للعدالة واحترام
الإنسان وضمان لمشروعية العلاقات وتنشيط للدورات الاقتصادية وباقي أنشطة المجتمع
المغربي وبالتالي تشجيع الاستثمارات وحصول النمو والتنمية؛ وبهذا جاء في إعلان
القاهرة المنبثق عن المؤتمر الثاني للعدالة العربية توضيح ذلك في التالي:" إن
النظام القضائي المستقل يشكل الدعامة الرئيسية لدعم الحريات المدنية وحقوق
الإنسان، وعمليات التطوير الشاملة، والاصلاحات في أنظمة التجارة والاستثمار،
والتعاون الاقتصادي الاقليمي والدولي، وبناء المؤسسات ألديمقراطية [8]
فلا شك أن الدستور المغربي الجديد2011، وانطلاقا من مرجعياته،قد نص على استقلالية القضاء والقضاة خدمة لحرية الانسان وحقوقه؛ ؛ فالفصل 107 ينص على أنه لا يجوز لأي سلطة، كيفما كانت،سياسية أو إدارية، ولا لأي نفوذ سواء كان ماديا أو معنويا التأثير والتدخل في استغلال القضاء بشكل مباشر أو غير مباشر في اتجاه هضم الحقوق بمعنى وجوب خضوع القضاء حصريا للقانون والضمير؛ هذا علما بالتنصيص على أن الملك هو ضامن هذه الاستقلالية وهو ما يعني اعتبار القضاء أحد مسؤولياته وبالتالي تبعيته له ؛يقول الفصل107:
" السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية
الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية" .
فلا شك أن الدستور المغربي الجديد2011، وانطلاقا من مرجعياته،قد نص على استقلالية القضاء والقضاة خدمة لحرية الانسان وحقوقه؛ ؛ فالفصل 107 ينص على أنه لا يجوز لأي سلطة، كيفما كانت،سياسية أو إدارية، ولا لأي نفوذ سواء كان ماديا أو معنويا التأثير والتدخل في استغلال القضاء بشكل مباشر أو غير مباشر في اتجاه هضم الحقوق بمعنى وجوب خضوع القضاء حصريا للقانون والضمير؛ هذا علما بالتنصيص على أن الملك هو ضامن هذه الاستقلالية وهو ما يعني اعتبار القضاء أحد مسؤولياته وبالتالي تبعيته له ؛يقول الفصل107:
" السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية
الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية" .
وتباعا لذلك، فاستقلالية القضاء تقتضي لزوما التنصيص على استقلالية القاضي لا كشخص بل كفاعل نبيل ترك له المشرع الدستوري، كلما تم المس باستقلاليته، حق إحالة ذلك على المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ هذا علما بأن كل إخلال بالإستقلالية اعتبره النص الدستوري خطأ مهنيا جسيما أو غشا وكذا تأكيد النص على عقاب الجهة المؤثرة؛ يقول الفصل 109:
"يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط .
يجب على القاضي، كلما اعتبر استقلاله مهددا أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. يعاقب القانون كل من حاول من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة." ومتابعة لما هو منصوص عليه شكلا في الدستور نقول أن القاضي ملزم بتطبيق القانون الذي هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والذي يعتبر المعبر عن طموحاتها وخيارات نمط[9] عيشها. و يقول الفصل 110 من الفقرة الأولى:" لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون". كما نص المشرع الدستوري على حق القضاة في تأسيس جمعيات مهنية يمكن للقضاة الانخراط فيها ضمانا لحصول مبدأ الاستقلالية وتوحيد تصور القضاة؛ يقول الفصل 111: " للقضاة الحق في حرية التعبير بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية.
يمكن للقضاة الإنتماء إلى جمعيات،أو إنشاء جمعيات مهنية،مع احترام واجبات التحرر واستقلال القضاء؛ وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون...".
و ينص الفصل 113على:
"يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم.
يضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية،بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها.
يصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط."
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل116 قد أقر فيه الدستور بصفة الشخصية المعنوية للمجلس الأعلى لسلطة القضاء وذلك بمنحه الاستقلال الإداري والمالي بهدف جعله أكثر قدرة على التسيير والتدبير الذاتيين لقضايا القضاء والقضاة؛ الفقرة الثانية من الفصل116: "يتوفر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على الاستقلال الإداري والمالي".[10]
و
بالرجوع للقانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة 2 أنه '' طبقا لأحكام الفصل 107 من
الدستور تعتبر السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية و عن السلطة التنفيذية
و الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية.'' كما أكدت المادة 4 أنه '' تطبيقا
لأحكام الفصول 107 و 113 و 116 من الدستور يمارس المجلس الأعلى للسلطة
القضائية مهامه بصفة مستقلة و المادة 5
تطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 116 من الدستور يتمتع المجلس الأعلى
للسلطة القضائية بالشخصية الاعتبارية و الاستقلال الاداري و المالي.......'' [11]
هدا
و قد أكدت المادة 54 من نفس القانون عن استقلال السلطة القضائية حيث تحدث هيئة مشتركة بين المجلس و الوزارة
المكلفة بالعدل تتولى التنسيق في مجال الادارة القضائية تعمل تحت اشراف كل من
الرئيس المنتدب للمجلس و الوزير المكلف بالعدل كل فيما يخصه بما لا يتنافى و
استقلال السلطة القضائية .
و
يسهر المجلس على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة و من أحل دلك يقوم بتدبير وضعيتهم
المهنية وفق مبادئ تكافؤ الفرص و الاستحقاق و الكفاءة و الشفافية و الحياد و السعي
نحو المناصفة. طبقا للمادة 65 من نفس القانون .
كما
يراعي المجلس عند تدبير الوضعية المهنية للقضاة المعايير العامة التالية
+
المواصفات المحددة في مرجعية الوظائف و الكفاءات الخاصة بالقضاة و المسئولين
القضائيين التي يعدها المجلس عندما أقرها في المادة 66 من القانون المتعلق بالمجلس
الأعلى للسلطة القضائية . كما تناول هدا الاخير
في القسم الرابع من الباب الثاني حماية استقلال القاضي من المواد 103 الى
المادة 107 حيث يسهر المجلس على ضمان احترام القيم القضائية بما يعزز استقلال
القضاء و نزاهته بشكل يسمح للقاضي أن يمارس مهامه باستقلالية و حياد.
و
ادا ما انتقلنا القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة في
مادته 38 نصت على ما يلي[12] " تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى
من الفصل 12 و الفقرة الثانية من الفصل 111 من الدستور يمكن للقضاة المعينين طبقا
لمقتضيات المادة 68 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية
الانخراط في جمعيات مؤسسة بصفة قانونية و تسعى لتحقيق أهداف مشروعة أو انشاء
جمعيات مهنية و في كلتا الحالتين يتعين
مراعاة واجب التحفظ و الأخلاقيات القضائية و احترام واجب التجرد و استقلال القضاء
و الحفاظ على صفات الوقار صونا لحرمة القضاء و أعرافه."
كما
نصت المادة 48 من نفس القانون على ما يلي " تطبيقا لأحكام الفصل 109 من
الدستور لا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات و لا يخضع لأي
ضغط و يجب على كل قاضي اعتبر أن استقلاله مهدد أن يحيل الأمر الى المجلس الأعلى
للسلطة القضائية وفق مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بهذا الأخير ".
و عليه فان استقلال القضاء لا يمكن أن يتأتى دون وضع ضوابط فعالة لضمان استقلاليته وحمايته من أيّ مساس، و كذا تفعيل الضمانات التي تكفل استقلال القضاة، من خلال إقرار وضعية مهنية مريحة، ماديا واجتماعيا، وحمايتهم من أيّ تدخّل أو تهديد، وتزويد القضاة بالوسائل والموارد البشرية الضرورية والكافية لمساعدتهم على القيام بعملهم والتشدد في ملاحقة كافة أشكال التدخّل في عمل السلطة القضائية . [13].
المبحث
الثاني: تأليف السلك القضائي
يتألف السلك القضائي بالمملكة الخاضع للنظام الأساسي لرجال القضاء من هيئة
واحدة,تشمل قضاة الأحكام و قضاة النيابة العامة(1).
المطلب
الأول: قضاة الأحكام (القضاء الجالس).
الفقرة الأولى: تعيين قضاة الأحكام
يعين قضاة الأحكام من قبل المجلس
الأعلى للسلطة القضائية بموافقة الملك بواسطة ظهير عملا بمقتضى الفصل 57 من
الدستور المغربي إما مباشرة عند توفر بعض الشروط التي يستوجبها القانون (2) أو من
بين الملحقين القضائيين(3) الناجحين في التمرين و يحدد نظامهم الأساسي بقانون
تنظيمي كما ينص على ذلك الفصل 112 من هذا الأخير و هم يستقلون بالفصل في النزاعات
و إصدار الأحكام و القرارات بشأنها بكل تجرد عن كل المؤثرات و الضغوطات طبقا
للقانون و بحسب ما يمليهم عليهم ضميرهم .
و هو ما يعبر عنه الدستور الجديد في
الفصل 110 بقوله "لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون و لا تصدر أحكام
القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون"
و قبل شروعهم في مهامهم يؤدون اليمين
حسب الصيغة وفق ما هو مبين في نظامهم الأساسي.
وتشمل أجرتهم المرتب و سائر التعويضات
و المنح و الامتيازات المخولة إليهم بمقتضى النصوص التشريعية أو التنظيمية كما
تترتب لهم و عليهم حقوق وواجبات.
الفقرة الثانية: حقوق وواجبات القضاة.
بمجرد انخراط القضاة في السلك القضائي
يصبحون مؤطرين داخل منظومة تمنحهم حقوقا و ترتب عليهم واجبات شرعت في الأصل لضمان
استقلاليتهم و التزامهم بقواعد الوقار و الشرف التي تقتضيها مهنتهم,فمن جهة الحقوق
نجد مثلا أن الدولة تحميهم مما قد يتعرضون إليه من التهديدات و التهجمات و السب و
القذف ضمن مقتضيات القانون الجنائي و القوانين الجاري بها العمل,و تضمن لهم زيادة
على ذلك عند الاقتضاء طبقا للنصوص التنظيمية تعويضا عن الأضرار التي يمكن أن
تلحقهم أثناء مباشرة مهامهم أو بسبب القيام بها و ذلك في غير ما يشمله التشريع
الخاص برواتب المعاش و رأس مال الوفاة و تحل في هذه الحالة محل المصاب في حقوقه و
دعاويه ضد المتسبب في الضرر.
و من جهة الواجبات يتعين على قضاة الأحكام أن
يحافظوا على صفات الوقار و الكرامة التي تتطلبها وظيفتهم و على سرية المداولات,و
عدم اطلاع أي كان في غير الأحوال المنصوص عليها في القانون على الوثائق و
المعلومات المتعلقة بملفات الدعاوى التي تكون بين أيديهم و أن يقدموا بعد مدة
محددة من تعيينهم تصريحا مكتوبا و بشرفهم بجميع ما يملكونه من عقارات و أموال
منقولة,و أن يقيموا بمقر المحكمة التي يمارسون بها مهامهم ما لم يرخص لهم استثناء
و مؤقتا بالسكنى خارجه(4)
1 المادة 3 من النظام الأساسي لرجال القضاء ق 106.13
2 أساتذة الحقوق الذين قاموا بتدريس المادة مدة 10 سنوات
3 الظهير الشريف رقم 19.08.1
الصادر في 20 أكتوبر2008 بتنفيذ القانون 04.08
4 انظر على التوالي الفقرة 1 من الفصل 13 من
النظام الأساسي لرجال القضاء و الفصل19 منه و الفصل 16 الذي نسخ و تمم بواسطة
القانون رقم 53.06 و الفصل 21المغير و المتمم بالقانون رقم43.90
أضف إلى ذلك أنه يمنع عليهم كل نشاط
سياسي و تأسيس نقابات مهنية أو الانتماء إليها و كل عمل من شأنه عرقلة تسيير
المحاكم,ومباشرة كل نشاط خارج مهامهم كيفما كان نوعه أو طبيعته ما عدا التعليم و
التأليف الأدبي أو العلمي أو الفني.
و يوجد قضاة الأحكام في حالات حددها
المشرع في القيام بالمهام و الإلحاق و الاستيداع ثم التجنيد
فهم يعتبرون في حالة القيام بمهامهم
إذا كانوا معينين بصفة نظامية في إحدى الدرجات و يمارسون فعليا وظيفتهم بإحدى
المحاكم أو بمصلحة من مصالح الإدارة المركزية لوزارة العدل بل و يكونون في نفس
الوضع حتى خلال مدة رخص المرض و الرخص الإدارية.
ويعدون في حالة الإلحاق التي تكون
لمدة أقصاها خمس سنوات قابلة للتجديد متى كانوا يعملون خارج السلك القضائي
بطلب منهم (5) مع بقائهم تابعين له و متمتعين فيه بحقوقهم في الترقية و الرتبة و
الدرجة و التقاعد كما لا يتقاضون مبدئيا أي مرتب ما لم ينص القانون صراحة على خلاف
ذلك.
أما لو أدمجوا في الجيش لأداء الخدمة
العسكرية فإنهم يعتبرون في حالة التجنيد حيث يحتفظون طوال مدته بحقوقهم في الترقي
داخل السلك القضائي غير أنهم يفقدون مرتباتهم و لا يتقاضون سوى أجرتهم العسكرية.
5 يقع الإلحاق إما لممارسة التعليم مثلا أو
للقيام بمهمة عمومية بدولة أجنبية أو
منظمة دولية أو نحو ذلك مما ينص عليه الفصل 39
الفقرة الثالثة: تأديب قضاة
الأحكام
غير بعيد كانت السلطة التنفيذية ممثلة
في"وزير العدل" تتدخل في مسطرة تأديب قضاة الأحكام عن طريق اتخاذ عقوبات
تأديبية بقرار لاسيما تلك التي من الدرجة
الأولى و التي تشمل الإنذار و التوبيخ و التأخير من الترقي من رتبة إلى رتبة لمدة
لا تتجاوز سنتين.و الحذف من لائحة الأهلية
و بتعبير أخر فان مسطرة تحريك المتابعة
التأديبية كانت فيما مضى بيد وزير العدل الذي ينهي إلى المجلس للقضاء الأفعال
المنسوبة للقاضي و يعين بعد استشارة الأعضاء المعينين بقوة القانون مقررا يجب أن
تكون درجته أعلى من درجة القاضي المتابع بل و كان يحق له توقيفه حالا عن مزاولة
مهامه بقرار أيضا فيما لو كان محل متابعة جنائية أو ارتكب خطأ خطيرا.
و اليوم على ضوء المقتضيات الجديدة
التي جاء بها دستور المملكة لسنة 2011 و في مقدمتها ضمان استقلالية السلطة القضائية,نرى
في معرض الحديث عن تأديب قضاة الأحكام أن هذا الوضع لم يعد مقبولا و هكذا فان كل
إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو
بالشرف أو بالوقار أو بالكرامة يكون خطأ من شأنه أن يعرضه لعقوبة تأديبية علما بأن
المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الذي يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة
فيما يخص استقلالهم و ترقيتهم و تقاعدهم و كذلك تأديبهم.
المطلب
الثاني: قضاة النيابة العامة(القضاء الواقف).
الفقرة الأولى : مكانة جهاز النيابة
العامة في النظام القضائي المغربي
إن النيابة العامة جهاز يرتبط تاريخه
بالإصلاح الذي أدخلته الحماية لاسيما الفرنسية منها على مادة التنظيم القضائي
المغربي بموجب ظهير 12 غشت 1913 و كذا بموجب ظهائر لاحقة كانت تلقب في صلبها بمفوض
الحكومة أو مندوب الحكومة.
و بعد الاستقلال السياسي للبلاد أصبح
وجود النيابة العامة بجميع محاكم المملكة ما عدا محاكم الجماعات و المقاطعات
الملغاة سنة2011 أمرا طبيعيا الشيء الذي تؤكده مجموعة من النصوص الواردة في ظهير
التنظيم القضائي الصادر في 15يوليوز1974المغير و المتمم بظهائر لاحقة
وكما هو معلوم فان النيابة العامة
تتكون لدى محاكم الدرجة الأولى من وكيل الملك ونائب أو عدة نواب.و تشتمل محاكم
الاستئناف على نيابة عامة تتألف من وكيل عان للملك و نوابه العامين و تشبهها في
ذلك المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية.و يمثل النيابة العامة لدى محكمة
النقض الوكيل العام للملك يساعده المحامون العامون,أما فيما يتعلق بالمحاكم
الإدارية و محاكم الاستئناف الإدارية
فتوجد بها مؤسسة تختلف عن النيابة العامة,و نقصد بذلك المفوضين الملكيين الذي
يعينه رئيس المحاكم المذكورة من بين قضاتها باقتراح من الجمعية العمومية لمدة
سنتين ليقوم بمهمة الدفاع عن القانون و الحق.
و يجب حضور ممثل النيابة العامة
بالمحاكم الابتدائية في الجلسات الزجرية تحت طائلة بطلان المسطرة و الحكم و يعتبر
هذا الحضور اختياريا في جميع القضايا الأخرى عدا في الأحوال المحددة بمقتضى قانون
المسطرة المدنية و خاصة إذا كانت النيابة
العامة طرفا رئيسيا,و في جميع الحالات الأخرى المقررة بنص خاص.
و فيما يتعلق بمحاكم الاستئناف فان
حضور النيابة العامة في الجلسة الجنائية يكون إلزاميا أيضا تحت طائلة البطلان و
اختياريا في القضايا الأخرى,إلا في الأحوال المنصوص عليها في قانون المسطرة
المدنية خاصة إذا كانت النيابة العامة طرفا رئيسيا,وفي جميع الحالات المقررة بنص و
يعد حضورها إلزاميا في سائر الجلسات التي تعقدها محكمة النقض.
أما بالنسبة للمحاكم الإدارية و محاكم
الاستئناف الإدارية فيتعين حضور المفوض الملكي للدفاع عن القانون و الحق مثلما
يلزم حضور النيابة العامة في الجلسات التي تعقدها المحاكم التجارية و محاكم
الاستئناف التجارية في كل الحالات التي يتطلب فيها القانون ذلك.
الفقرة الثانية : الخصائص المميزة
للنيابة العامة
يشتمل السلك القضائي كما أشرنا إليه
سابقا على هيئة واحدة تضم قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة و القضاة الذين
يمارسون مهامهم بالإدارة المركزية بوزارة العدل و الحريات,و بالتالي فانه يسري على
أعضائها النظام الأساسي لرجال القضاء مع مراعاة الاختلافات التي تبرز خصوصيات هذه
المؤسسة.
كما ذكرها الدستور المغربي الجديد في الفقرة الثانية من
الفصل 110منه و التي جاء فيها"يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون كما
يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي
يتبعون لها"
و إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن أعضائها قضاة لأن المشرع اعترف لهم بهذه
الصفة إلا أنهم يمثلون السلطة التنفيذية لارتباطهم عن طريق التسلسل بوزير العدل و
الحريات.
بالإضافة إلى خاصية تسلسل السلطة يتميز قضاة النيابة العامة بكونهم
يشكلون هيئة واحدة لا تتجزأ يرأسها وزير العدل و الحريات بحيث تسمح طبيعتها
بالتناوب فيما بين
أعضائها و حلول بعضهم محل البعض الآخر في أي إجراء من الإجراءات و
كذا بكونهم يتمتعون باستقلال إزاء المحكمة و الخصوم
الفقرة الثالثة : أدوار النيابة
العامة.
إن النيابة العامة كقضاء من نوع خاص
قائم لدى المحاكم لتمثيل المجتمع يعود إليها في الحقل الجنائي أمر تحريك الدعوى
العمومية و ممارستها و السهر على تطبيق القوانين المعمول بها مما يجعلها دائما
طرفا أصليا في الدعوى الجنائية و بالتالي لا يصح تجريحها كما لا يحق للمحكمة أن
تعقد الجلسة دون حضور ممثلها الذي ينصب نفسه خصما للمدعى عليه و مدافعا عن الصالح
العام في المجتمع وما يقتضيه من احترام لمبادئ النظام العام و تطبيق فعلي
للقانون(6)
وتضطلع النيابة العامة في المادة
المدنية بمهام غير قضائية كفحص سجلات الحالة المدنية و تسيير و مراقبة مكتب
المساعدة القضائية و مراقبة بعض الفئات من مساعدي القضاء مثل التراجمة و الخبراء و
أخرى قضائية تتجسد في تدخلها في الدعوى مبدئيا كطرف منضم و استثناءا تكون طرفا
رئيسيا فيها.
و في المجال الإداري يحضر المفوض
الملكي الجلسة للدفاع عن القانون و الحق بحيث يعرض بكامل الاستقلالية سواء فيما
يتعلق بالوقائع أو القواعد القانونية المطبقة عليها مستنتجاته الشفوية و المكتوبة
التي يسوغ للأطراف أخذ نسخة منها بقصد الاطلاع إلا أنه لا يشارك في إصدار الحكم.
6 انظر
المواد من 36 إلى 38 من الظهير الشريف رقم 1.02.225 الصادر في 3أكتوبر2002 بتنفيذ
القانون رقم 22.01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية كما تم تعديله و تتميمه
بالقانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب المنشور بالجريدة الرسمية عدد
5078.بتاريخ30يناير2003ص315.
و على العموم فان للنيابة العامة مثلا
دور في مجال صعوبات المقاولة و في المسائل التي لها صلة بالنظام العام الاقتصادي و
في القضايا المتعلقة بسقوط الأهلية التجارية(7) و البت في طلبات المساعدة القضائية
التي تعرض على نظر هذه المحاكم على غرار سائر المحاكم الأخرى(8).
7 انظر الفصل 716 من مدونة التجارة.
8 دة نورة غزلان الشنيوي التنظيم القضائي
للمملكة الطبعة الثانية 2013 ص 75
خاتمة :
مما لا شك فيه أن الإصلاحات التي عرفتها المنظومة القضائية مؤخرا كان ولا
بد من أن تطال السلك القضائي،فكان استقلال السلطة القضائية أهمها هذه الأخيرة
كرسها الدستور المغربي ومجموع القوانين التنظيمية للقضاة ولاتفاقيات الدولية ،فاستقلال السلطة القضائية عن أي جهة أخرى هو
فقط من اجل ضمان قيام هذه السلطة بأداء دورها في المجتمع بعيدا عن أي أوامر خارجية
آو مراقبة تعرقل عملها. بالإضافة إلى هذه الاستقلالية فان السلك القضائي وهو أهم
ركائز المنظومة القضائية يتميز بتأليف خاص خاضع للنظام الأساسي لرجال القضاء عبارة
عن هيأة واحدة كما سبق الذكر تتكون من قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة ،فلكل نوع
من هذه القضاة قوانين وضوابط تحكمه ولكل
منهما مميزاته الخاصة واستقلاليته عن الأخر.
الفهرس:
مقدمة 1
المبحث الأول : مبادئ السلك القضائي بين
المواثيق الدولية والتشريع المغربي
3
المطلب
الأول: المبادئ المتعلقة بتأليف السلك القضائي في المواثيق الدولية. 3
المطلب
الثاني : المبادئ المتعلقة بتأليف السلك القضائي في التشريع المغربي 10
المبحث
الثاني: تأليف السلك القضائي
13
المطلب
الأول: قضاة الأحكام (القضاء الجالس). 13
المطلب
الثاني: قضاة النيابة العامة(القضاء الجالس). 17
خاتمة 22
[1] - قراري الجمعية العامة 40٠/32 المؤرخ 29 تشرين
الثاني/نوفمبر 1980 و 40/146 المؤرخ 13 كانون الأول/ديسمبر 1985.
[2] - مبادئ
الأمم المتحدة الأساسية بشأن إستقلال السلطة القضائية، إعتمدها مؤتمر الأمم
المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في ميلانو من 26 آب/أغسطس إلى 6 أيلول/سبتمبر 1985 وأقرتها الجمعية العامة 32/40، 29 نوفمبر 1985، و146/40
المؤرخ 13 ديسمبر 1985. يشار إليه بالمبادئ الأساسية للأمم المتحدة . المبدأ 10.
[4]
- أكد المقرر الخاص المعني باستقلال
القضاة والمحامين أنه على حين أن "العقود المحددة المدة قد لا تكون مثار
اعتراض أو غير متوافقة مع مبدأ استقلال القضاء فإن التعيين لمدة خمس سنوات يعتبر
قصيرا جدا لكي يقال إن أمن البقاء في المنصب مضمون". وهو يرى أن "المدة
المعقولة من الزمن قوامها عشر سنوات"؛ وثيقة الأمم المتحدة 1.Add/61/2000/4.CN/E،تقرير
عن البعثة إلى غواتيمالا، الفقرة 169ج.
[5]
- ١تشير باقتضاب توصية مجلس
أوروبا رقم 12 (94) R في
المبدأ الرابع إلى أن القضاة "ينبغي أن تكون لهم حرية تكوين الجمعيات التي
تقوم بمفردها أو بمعية جهة أخرى بمهمة صيانة استقلال القضاة وحماية مصالحهم".
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق