-->

اهلية السفيه بين الشريعة والقانون

أهلية السفيه بين الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي
تعريف السفيه في الشريعة الإسلامية
من خلال التأمل في تعريفات الفقهاء  للسفيه  نستشف أنهم متفقون على أن السفيه هو المبذر لماله  وهو الذي لا يحسن تسيير ماله في المنفعة بل انه يسخر جميع ماله او معظمه فيما لا فائدة فيه، كما نستفيد من هذه التعاريف ان ما يقدم عليه السفيه من هذه التصرفات الخاطئة في ماله انما هي مخالفة لشرع الله تعالى وكذلك مخالفة للسياسة العامة لاستخدام الأموال في الإسلام حيث إن المال مال الله، وأن الإنسان مستخلف فيه لقوله تعالى ﴿وهو الذي جعلكم خلائف الأرض [1] ، ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه [2]، فعليه أن يقوم بمهام الاستخلاف ضمن الحدود التي يضعها الإسلام ويقرها. وهذه الحدود والضوابط ملزمة لصاحب المال وللولي.
مواقف المذهب المالكي من السفيه
السفه هو التبذير وعدم حسن التصرف في المال، فمتى اتصف الشخص بذلك سواء كان ذكرا او انثى فانه يكون مستحقا للحجر عليه، فاذا عرض له السفه بعد بلوغه بزمن قليل كعام فان الحجر عليه يكون من حقوق ابيه، لان ذلك الزمن قريب البلوغ فكان في حكم الصبي، والحجر على الصبي من حقوق الاب. اما اذا عرض له السفه بعد البلوغ بزمن اكثر من عام فان الحجر عليه لا يكون الا بحكم الحاكم. فاذا تصرف السفيه الذكر قبل الحجر عليه فان ذلك يشمل امورا أحدها: ان يكون السفه قد عرض له قبل البلوغ ثم استمر بعده وله اب او وصي، حكم هذه الصورة هو انه يستمر الحجر عليه من غير احتياج الى فك وحجر جديدين، ويكون المرجع في تصرفه للولي.  ثانيها: ان يعرض له السفه وهو صغير ثم يبلغ سفيها وكان يتيما لا اب له ولا وصي ولم يقم الحاكم له قيما ويسمى بالسفيه المهمل. وحكم هذا ان تصرفه قبل الحجر عليه بعد البلوغ يقع نافذا على الراجح، لان العلة في عدم نفاذ التصرف انما هي الحجر فمتى انتفى الحجر نفذ التصرف، فإذا وضع الحجر عليه فلا يرفع الا بالحكم بفكه ولو صار رشيدا.  ثالثها: ان يعرض له السفه بعد البلوغ وتصرفه قبل الحجر عليه، وفي هذه الصورة ينفذ تصرفه ايضا. اما إذا تصرف وهو صبي يتيم لا اب له ولا وصي قبل ان يقيم الحاكم له وصيا فان تصرفه يكون باطلا بلا خلاف. وإذا تصرفت الانثى البالغة السفيهة التي لا ولي لها "وتسمى بالمهملة" فقال بعضهم: ان افعالها تنفذ كالذكر. وقال بعضهم: لا تنفذ ما لم تتزوج ويدخل بها زوجها وتقيم معه مدة يحمل امرها فيها على الرشد، واختلف في تقدير هذه المدة، وقد نقل بعضهم ان الذي كان عليه العمل في تقديرها هو ان يمضي عليها في بيت زوجها نحو السنتين او الثلاث، فاذا تصرفت قبل هذه المدة فلا ينفذ تصرفها، فاذا لم تتزوج فان افعالها لا تنفذ الا إذا بلغت سنا لم تعد صالحة فيه للزواج واختلف فيه.[3]
خلاصة القول ان معيار تمييز السفيه من عدمه المعتمد من طرف الفقه معيار (الاسراف والتبذير) يسرف في إنفاق ماله، ويضيعه على خلاف مقتضى العقل أو الشرع.
الحجر على السفيه
تعريف الحجر
أن الحجر هو أن يُمنع الإنسانَ من التصرف في ماله، حيث يتولى وليه أمره إلى أن يفك عنه الحجر. وأن الحجر يقع على الأقوال دون الأفعال، لأن الفعل بعد وقوعه لا يمكن رده، أما الأقوال فيمكن ردها بمنع وقوع حكمها، وما يترتب عليها من صحة ونفاذ.
   مشروعية الحجر
الحجر مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [4].
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان معاذ بن جبل رضي الله عنه شابا حليما سمحا من أفضل شباب قومه ولم يكن يمسك شيئا فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلم غرماءه فلو تركوا أحدا من أجل أحد لتركوا معاذا من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ماله حتى قام معاذ بغير شيء[5].
 وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء على مشروعية الحجر على من يوجد به سبب من الأسباب الموجبة للحجر، كما ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم قد رأوا الحجر على من لا يحسن التصرف المالي، ولم يثبتوا أن أحدا منهم كره ذلك[6].
حِكمة مشروعية الحجر
إن لله في أحكامه حِكم، ندرك ما ظهر ونجهل ما خفي. وعلى كل حال فيمكن القول بأن الحجر؛ شرع رحمة بالمحكوم عليه، ودفعا للضرر عنه من قِبل الآخرين استغلالا لصغره أو سفهه، وصونا لماله من التبذير وسوء الإدارة، وكذلك تحقيقا لمصلحته ومصلحة المجتمع كما هو في الحجر على المدين المفلس لحق غرمائه.
  أسباب الحجر
        تحدد عموما أسباب الحجر في ستة: الصغر والجنون والعته والسفه والغفلة والدين، وقد أورد مصنف مدونة الفقه المالكي وأدلته، أسباب الحجر وحددها في الجنون والصبا والتبذير والفلس والمرض والنكاح في حق الزوجة.
       وبخصوص السفه ورد في المدونة المذكورة، بأنه كسبب من أسباب الحجر يعني الخفة والطيش بتبذير الأموال، ووضع الأمور في غير موضعها، فالتبذير من علامات السفه وآثاره، والرشد حسن النظر في المال ووضع الأمور في موضعها.
      ولا يعد تبذيرا إلا ما كان إنفاقا في معصية كالقمار والخمر والنساء وآلات اللهو والغناء، أو كان في معاوضة بغبن فاحش، بإعطاء مال كثير في شيء تافه أو قليل أو كان توسعا في الإنفاق على الشهوات والملذات في الأكل أو اللباس، على خلاف عادة حال المنفق، أو كان بإتلاف المال هدرا وتركه للضياع حتى يفسد[7].
آثار الحجر على تصرفات السفيه
السفه خفة تعرض للإنسان، تحمله على العمل بخلاف موجب العقل والشرع، فينفق أمواله دون هدف وروية ونظر في العواقب، ويسرف في الإنفاق ويبذر المال تبذيرا.
 والسفيه كامل العقل والأهلية، لكنه يجعل أهواءه تطغى على عقله، فتحيده، ولذلك نجد الفقهاء اختلفوا في صحة تصرفات السفية إذا كان بالغا وعرض له السفه بعد ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية إلى أن السفيه يحجر عليه، فيمنع من التصرفات القولية: من بيع وإجارة وهبة وغير ذلك، وإذا وقعت هذه التصرفات كانت غير صحيحة، وذلك صيانة لأمواله وأموال الأمة من الضياع، وهو أحوج إلى الحجر من الصبيان، قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 5].
ويكون الحجر على السفيه بعد صدور حكم قضائي في ذلك؛ لأن الحجر من الأمور المجتهد فيها فلا يترجح إلا بقضاء القاضي[8].
أهلية السفيه في القانون
الأهلية هي صلاحية الشخص لإكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات ومباشرة الأعمال القانونية التي تكسبه حقا أو تحمله إلتزاما وتضطلع بأهمية كبيرة على المستوى القانوني لما لها من تأثير على تصرفات الفرد مند ولادته إلى حين وفاته، ومما لا شك فيه هو أن كل شخص مسؤول أمام القانون عن تصرفاته وعن طرق كسب حقوقه الشرعية والقانونية، ومن دون شك أن لكل إنسان تصرفات نافعة له وتصرفات ضارة له، لذا بدا من الضروري معرفة متى يكون الشخص مسؤولا عن كل تصرفاته أكانت ضارة أو نافعة؟
ومنه لا بد من التعريج على بعض القوانين التي كان لها دور مهم في تنظيم الإلتزامات قبل مجيء الإسلام هذا الأخير الذي نظم الأحوال الشخصية بالكتاب والسنة والاجتهادات الفقهية.
مفهوم أهلية السفيه في القانون المغربي
تعريف أهلية السفيه
فبعدما كان تعريف أهلية السفيه في ظل مدونة الأحوال الشخصية سابقا، في الفصل الرابع و الأربعون بعد المئة الفقرة الثانية هو :"السفيه هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه، وفيما يعده العقلاء عبثا ".[9] فالمبذر هو الذي يبذر أمواله فيما لا ينبغي. جاء القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة الحالية ليعرف السفيه في المادة 215 "السفيه هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه، وفيما يعده العقلاء عبثا، بشكل يضر به أو بأسرته".
فالسفه حسب مدونة الأسرة المغربية ظل ولا يزال المقصود منه التبذير وعدم حسن التصرف في المال. وكل من لازمه هذا الحال اعتبر سفيه [10]، ومنه فالفرق الجوهري بين النصين هو "الضرر به أو بأسرته" ، الأمر الذي سنتناوله أثناء الحديث عن شروط ثبوت السفه  والمشرع المغربي صنف السفيه ضمن ناقصي الأهلية واعتبره شأنه شأن المعتوه والصبي المميز ـ غير أن الأخير محجور لسن ـ و الثاني لخلل عقلي ،وهذا ما يؤكده الفصل 213 من المدونة [11].
     ويعاب على تعريف المدونة أن المعيار المستعمل هو " لا فائدة فيه" الذي لا يزال يعرف نوعا  من اللبس. كون الفائدة مسألة نسبية تختلف من شخص لآخر، كذلك نجد أن المشرع اعتمد ضابط العقل لتمييز السفيه عن العاقل، حيث أنه وإن تصرف الشخص في ماله على خلاف ما يقوم به العقلاء عد سفيها.
ولعله من الصعب التسليم بأن كل من ينفق معظم أمواله داخل قاعات اليانصيب على حساب قوته اليومي وقوت باقي أفراد أسرته يعد سفيها، خاصة وأن هاته الحالات متفشية في واقعنا المعاش ، و يرى البعض أن المنطق يقضي بربط الحجر للسفه بالضعف في ملكة العقل، وليس بالإنفاق في ما لا فائدة فيه.[12]
وتجدر الإشارة الى أن المذاهب التي سبق وتطرقنا لها (في المبحث الاول) كان لها تأثير كبير في تحديد التعاريف التشريعية وهذه الأخيرة وإن طالها النقد فهذا لا يعاب عليها لأن سن التعاريف يبقى اختصاصا فقهيا وقضائيا.
شروط تحقق السفه وأنواع أهلية السفيه
أولا: شروط تحقق السفه
برجوعنا إلى المادة 215 من مدونة الأسرة، نجد أن شروط تحقق السفه تتلخص في التبذير فيما لا فائدة منه، وأن يصب هذا التبذير فيما يراه الآخرون عبثا، ثم أن ينتج ضررا، وللوقوف على الشروط ينبغي تناول كل شق من المادة 215 على حدا.
1.                الإسراف والتبذير فيما لا فائدة منه:
          ــ فالتبذير هو صرف المال في غير موضعه، كشراء الكماليات قبل الضروريات والحاجيات. والإسراف هو صرف المال في موضعه ولكن بقدر زائد على ما ينبغي. أو بعبارة الماوردي، التبذير هو الجهل بمواقع الحقوق، والإسراف هو الجهل بمقادير الحقوق.[13] وعليه فالتبذير عكس ضبط الحاجات بما يفيد الإنسان ويقيم حياته على أحسن وجه من مأكل وملبس ومسكن وخلافه والالتزام بالمشروعية التي أحلت الطيبات وحرمت الخبائث فلا ينفق المسلم ماله ولا يستهلك فضلا عن أنه لا ينتج السلع والخدمات المحرمة والتي تنطوي على أضرار عديدة مثل الخمر والميتة ولحم الخنزير والقمار والميسر والزنا وكل ما يؤدى إلى تبديد الموارد في غير فائدة، وألا يتعدى الاستهلاك إشباع الحاجات في صورتها المقبولة جريا وراء الشهوات ولقد أنكر عمر بن الخطاب ذلك فى قوله "أو كلما اشتهيتم اشتريتم".[14]
2.                أن يصب هذا التبذير فيما يعده العقلاء عبثا:
يصعب الاحتكام إلى هذا الشرط، لأنها مسألة محيط والإنسان ابن بيئته فما قد يراه البعض عبثا قد لا يراه الأخرون كذلك، مثل من يقوم بصرف مبالغ طائلة على تحف فنية لهوسه بها، فالبعض قد يرى ذلك عبثا، أو من يقطع مسافات لرؤية ظاهرة معينة قد يراه البعض الأخر عبثا، وقس على ذلك.
 مجمل القول أن القاضي ومراعات لظروف كل قضية على حدا، فله السلطة التقديرية في تحديد هل تصرف الشخص يسري عليه هذا الشرط أم لا.
3.                أن ينتج التبذير ضررا بنفسه أو بأسرته:
من المستجدات التي جاءت بها ومدونة الأسرة الحالية مقارنة بمقتضيات مدونة الأحوال الشخصية نجد أن المشرع أضاف مصطلح "الضرر"، ولعل الغاية من هذه الإضافة تكمن فيما يلي:
·                 بيان متى يكون السفه سببا لنقصان الأهلية ومبررا للتحجير عليه، ومخولا لتعيين نائب شرعي لتسيير أمواله.
·                 تخويل كل من له الحق في أموال السفيه ـ وخاصة أسرته ـ في طلب التحجير عليه، تفاديا لما قد يتذرع به من أن المال ماله، وأنه يتصرف فيه كيف يشاء.[15]
أنواع أهلية السفيه في القانون
 السفيه ليس بعديم الأهلية وإنما يعتبر ذا أهلية وجوب كاملة، والسفه أو تصرفاته تؤثر على أهلية الأداء ولا تعدمها بل فقط تنقصها. وبرجوعنا إلى المادتين 207 و208 نجد أن الأهلية نوعان الأولى أهلية وجوب وهي وفق المادة الأولى "صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون"، وهي ملازمة له طول حياته ولا يمكن حرمانه منها، أما الثانية أهلية أداء وهي وفق المادة 208 "صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته"، ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها.[16]
·       أهلية الوجوب:
تثبت أهلية الوجوب لكل إنسان لمجرد أنه إنسان وبمجرد ولادته حياً حيث تدور وجودا وعدما مع الحياة، فمناط أهلية الوجوب هو الحياة أي ولادة الشخص حياً، وأهلية الوجوب مكفولة للجميع بصرف النظر عن التمييز أو الإدراك أو حرية الإرادة، لذلك يتمتع الصغير غير المميز والمجنون وبصفة عامة عديم الإرادة بأهلية الوجوب، وإذا كان مناط أهلية الوجوب هو الحياة، أي ولادة الشخص حياً، فذلك يمثل الأصل العام. وتثبت أهلية الوجوب للشخص كاملة بحسب الأصل. 
·       أهلية الأداء الناقصة:
وعرفها الفقهاء بأنها صلاحية الشخص لصدور بعض الأفعال دون غيرها، ويرى فقهاء القانون أن مناط هذه الأهلية هو التمييز مع عدم اكتمال العقل. فالسفيه يتمتع بأهلية أداء ناقصة تجيز له بعض الأفعال دون غيرها التي تعود عليه بالنفع المحض.
التحجير على السفيه وحكم تصرفاته
يمكن القول ان أهلية الأداء هي مناط التمييز مادام أن السفيه والصبي المميز لهم أهلية الوجوب وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه حول مصير التصرفات التي يجريها كل من كان مشوبا بعارض من عوارض الأهلية وأثارها وذلك عبر تبيان الحجر ومسطرته وطرق اثباته ورفعه (الفقرة الأولى) وأيضا آثار تصرفات المحجور عليه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحجر على السفيه
أولا: تعريف الحجر ومسطرته
تماشيا مع طبيعة عمل المشرع  فالمشرع المغربي لم يعطي تعريفا للحجر ، تاركا الأمر إلى الاجتهاد القضائي والفقهي ، ويمكن تعريفه على انه تصرف قانوني يبرم على كل شخص بلغ سن الرشد وبه احد العوارض أو كل شخص ظهرت به هذه العوارض بعد بلوغه هذا السن[17]، كما يقصد به القيام بإجراءات قانونية يترتب عنها اعتبار الشخص المحجور عليه ناقص الأهلية أو معدمها، والمقصود هنا بالأهلية هي أهلية الأداء[18].
والملاحظ أن قانون مدونة الأسرة عدد الحالات التي يمكن فيها سلوك مسطرة الحجر في حالة وجود أسبابه والتي حددتها المادة 212 من مدونة الأسرة في نوعين:
·                 الأول: ينقص أهلية الأداء فقط ولا يعدمها، وهو السفه والعته والصغر من اثني عشرة إلى ثماني عشرة سنة.               
·                 الثاني: فيعدم أهلية الأداء وهو الجنون والصغر دون سن الثانية عشرة،
وتجدر الإشارة إلا انه لسلوك مسطرة التحجير ينبغي اثبات كون المراد التحجير عليه ناقص أو منعدم أهلية الأداء وذلك باعتماد وسائل الإثبات المنصوص عليها قانونا.
وتبتدئ المسطرة بمقال افتتاحي للدعوى مرفوع إلى المحكمة المختصة وهي المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها محل افتتاح التركة أو أمام محكمة موطن اولئك الذين تقرر انعدام أهليتهم باختيار هؤلاء او ممثلهم القانوني ، وإذا لم يكن لهم موطن بالمغرب، فأمام محكمة موطن المدعى عليه حسب الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية ، وذلك بقسم قضاء الأسرة، كما أن الدعوى تكون بحضور النيابة العامة التي تقدم مستنتجاتها في الموضوع وفي حالة صدور حكم بالحجر فانه يتم اشهاره وفقا للمادة 223 من مدونة الأسرة حيث نصت على انه "يشهر الحكم الصادر بالحجر أو برفعه بالوسائل التي تراها المحكمة مناسبة " وبالتالي فان المشرع المغربي قرر في هذه المادة أن الحكم بالتحجير او برفعه ينبغي أن يشهر حتى يعلم الغير بذلك ، ليكون على بينة من الوضعية القانونية للمعني بالأمر عند إرادة التعاقد معه .                             
وتحديد وسائل اشهار هذا الحكم أسندها القانون إلى المحكمة التي عليها أن تحددها حسب أهمية كل قضية، فقد يكتفي بتعليق الحكم في لوحة المحكمة وقد يعلق في أماكن متعددة وينشر في الجرائد وغير ذلك من وسائل الإشهار[19].             
إثبات الحجر
تجدر  الإشارة إلا أن المشرع المغربي اعتبر الصغير محجورا عليه قانونا ما لم يبلغ سن الرشد 18 سنة وهو السن القانوني، في حين أن الحجر على المجنون والسفيه والمعتوه لا يمكن أن يتم إلا بمقتضى حكم قضائي، حيث نصت المادة 221 من مدونة الأسرة على انه يصدر الحكم بالتحجير أو برفعه بناء على طلب من المعني بالأمر، أو من النيابة العامة، أو ممن لهم مصلحة في ذلك وبذلك أوضحت أن حكم المحكمة بالتحجير أو رفعه يتم بناء على طلب المعني بالأمر وهو النائب الشرعي (الأب، الأم، الوصي، المقدم) أو بناء على طلب من النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا أو ممن لهم مصلحة من الأقارب وغيرهم[20]، حيث يمكن تقديمه من طرف الدائنين الذين يخشون على حقوقهم من الضياع ، وكذلك من طرف من يعيشون على نفقة المعني بالأمر ما دام أن في سوء تصرفه وتدبيره لأحواله الشخصية ضررا كبيرا محققا أو وشيك التحقق، وذلك بناء على وسائل الاثبات المقدمة وغالبا ما تشمل هذه الوسائل وثائق تبين سوء تدبير الأموال، كما أن المحكمة تعتمد في اثبات الحجر على خبرة طبية وسائر وسائل الاثبات
رفع الحجر       
  يخرج الصغير قانونيا من دائرة الحجر وذلك بصفة تلقائية بوصوله إلى سن الرشد القانوني المحدد في 18 سنة شمسية كاملة في حين نجد أن رفع الحجر على السفيه يتم بناء على طلب من المعني بالأمر أو من النيابة العامة أو ممن لهم مصلحة في ذلك حسب المادة 221 من مدونة الأسرة، أو بطلب من المحجور عليه حسب المادة  218 من مدونة الأسرة التي جاء في فقرتها الثانية على انه "يحق للمحجور بسبب اصابته بإعاقة ذهنية او سفه ان يطلب من المحكمة رفع الحجر عنه إذا انس من نفسه الرشد كما يحق ذلك لنائبه الشرعي"                                                                       
كما أن رفع الحجر يكون ابتداء من تاريخ زوال السبب وفقا للمادة 220 من مدونة الأسرة. كما تعتمد المحكمة في رفع الحجر على تقارير أهل الخبرة والمعرفة ونتائج التحقيق الذي يجرى في الموضوع وعلى كل الوسائل الشرعية التي تقيدها في قرارها من شهادة الشهود والقرائن وكل وسائل الإثبات المعتمدة شرعا في البلوغ إلى الحكم العادل والصائب، وبالرجوع للمادة 222 من المدونة نجدها تؤكد على أن المحكمة تعتمد في إقرار الحجر ورفعه على خبرة طبية ووسائل الإثبات الشرعية.                                
وبالتالي فمتى كان الحجر قضائيا محكوما به على شخص بالغ بسبب سفهه فان الحجر القضائي لا يرفع ولا يعود للشخص كمال أهليته من حيث التصرف إلا بحكم قضائي مبني على زوال سبب الحجر السابق.                    
عند اقتناع المحكمة بضرورة رفع الحجر تصدر حكمها والذي بعد اكتسابه قوة الشيء المقضي به يصبح الشخص المحكوم برفع الحجر عنه يتمتع بجميع أهليته وفق القانون والقيام بالتصرفات القانونية مع كل ما يستتبع ذلك من مسؤولية.       
كما يجب الإشارة أن المحكمة سواء في حالة الحكم بالحجر أو رفعه لا تكون بمعزل عن الأخذ بالخبرة الطبية لما لها من فائدة في تنوير المحكمة.                                                                                                         
حكم تصرفات السفيه المحجور عليه
أهلية أداء السفيه في إطار الأحوال الشخصية لا تثير إشكالا ويمكن اعتبارها كاملة يحق له تبعا لذلك أن يباشر جميع التصرفات الشخصية كالزواج والطلاق والنفقة..، لأنه لا يعتبر ناقص الأهلية بالنسبة لها وبالتالي لا يمكن التحجير عليه بهذا الخصوص عكس التصرفات المالية التي ترد عليها مجموعة من القيود والضوابط نص عليها المشرع كما هو الشأن بالنسبة للمعتوه والصغير المميز.
   كما أن السفيه في نطاق المسؤولية الجنائية أو في نظر القانون الجنائي يعتبر كامل الأهلية ويسأل مسؤولية جنائية كاملة عن أفعاله إذا توافرت فيه شروط الإدراك والتمييز أي إذا لم يكن السفيه مجنونا أو مختل العقل. وبالتالي فإن الإشكال لا يثار بخصوص أهلية السفيه في نطاق القانون الجنائي والمسؤولية التقصيرية.
ومهما يكن، فلبيان حكم تصرفات السفيه في إطار تصرفاته المالية ينبغي التمييز بين تصرفاته المبرمة بعد تسجيل قرار الحجر وتلك التي أبرمت قبل ذلك.
وهكذا، نصت المادة 228 من مدونة الأسرة على أن تصرفات السفيه والمعتوه تخضع لأحكام المادة 225.
وبالرجوع إلى المادة 225 من نفس القانون يمكن القول بأن تصرفات السفيه بهذا تنقسم إلى ثلاثة : تصرفات نافعة نفعا محضا، والتصرفات الضارة ضررا محضا، وتلك التصرفات الدائرة بين النفع والضرر.
أولا: تصرفات السفيه الصادرة بعد تقرير الحجر عليه
إذا تم تسجيل قرار الحجر على السفيه يصبح في حكم ناقص الأهلية ويأخذ تصرفاته حكم الصبي المميز والمعتوه.
وبالرجوع إلى المادة 225 من مدونة الأسرة المغربية نجدها تقضي بما يلي:
تخضع تصرفات الصغير المميز لأحكام التالية:
1.                تكون نافذة إذا كانت نافعة له نفعا محضا،
2.                تكون باطلة إذا كانت مضرة به،
3.                يتوقف نفادها إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على إجازة نائبه الشرعي حسب المصلحة الراجحة للمحجور، وفي الحدود المخولة للاختصاص كل نائب شرعي.
فطبقا لهذه المادة يكون حكم تصرفات السفيه باعتباره ناقص الأهلية كما يلي:
أ‌-                 حكم تصرفات السفيه النافعة نفعا محضا:
يعني أن ما كان من التصرفات النافعة نفعا محضا تلك التصرفات التي يترتب عليها دخول شيء في ملك السفيه دون مقابل أو عوض، كقبول الهبات والوصايا بدون عوض والتبرعات غير المشروطة، فمثل هذه التصرفات تقع صحيحة دون الحاجة إلى إجازة وليه. وفق الفصل 5 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه'' يجوز للقاصر ولناقص الأهلية أن يجلبا لنفسهما نفعا ولو بغير مساعدة الأب أو الوصي أو المقدم بمعنى أنه يجوز لهما أن يقبلا الهبة أو أي شيء اخر من شأن أن يثريهما من التزام دون أن يحملهما أي تكليف''.
وكذلك وفقا للمادة 225 من مدونة الأسرة.
ب‌-              حكم تصرفات السفيه الضارة ضررا محضا:
إذا كانت التصرفات التي أجراها السفيه وناقص الأهلية ضارة به ضررا محضا، أي نتج عنها خروج شيء من ملكية السفيه بغير مقابل، بحيث لا يكون فيها أي نفع للسفيه، كأن يتبرع بجزء من ماله، فإن مثل هذا التصرف يقع باطلا ولا ينفذ ولو بإجازة وليه[21].
ت‌-              حكم التصرفات الدائرة بين النفع والضرر
التصرفات الدائرة بين النفع والضرر هي التي تحتمل النفع والضرر أو الربح والخسارة، كالبيع والشراء ونحوهما من سائر التصرفات العوضية، حيث يصح صدورها من السفيه لكن نفادها يتوقف على إجازة وليه، فإن أجازها نفذت وإن ردها بطلت.
وللإشارة ينطبق هذا الحكم على تصرفات السفيه المالية، أما تصرفات السفيه غير المالية التي لا يؤثر فيها الهزل ولا تحتمل الفسخ والطلاق والرجعة فتكون نافدة عليه لأنه ليس محجورا بالنسبة لها.
   والتصرفات المالية للسفيه الدائرة بين النفع والضرر تأخذ حكمين، فهي قابلة للإبطال كما أنها قابلة للتصحيح وفق الفصل 4 من قانون الالتزامات والعقود.
تصرفات السفيه الصادرة قبل الحجر عليه
   تخضع تصرفات السفيه –والمعتوه -قبل الحجر لأحكام تصرفات الصغير المميز وهي على النحو الآتي:
_تكون صحيحة إذا رتبت له نفعا محضا،
_تكون باطلة إذا أضرت به،
_ ويتوقف نفادها إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على إجازة نائبه الشرعي حسب المصلحة الراجحة للمحجور وضمن الصلاحيات المخولة لكل نائب شرعي (المادتان 228 و225 من مدونة الأسرة)، كل ذلك وفق التفصيل المقرر سابقا.


[1]  سورة الأنعام: الآية 165.
[2]  سورة الحديد: الآية 7.
[3] الفقه على المذاهب الأربعة - لعبد الرحمن الجزيري، كتاب أحكام البيع ص 358، دار الكتب العلمية سنة 1424 – 2003
[4]  سورة النساء. الآية: 5-6
[5]  البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر. سنن البيهقي الكبرى. تحقيق : محمد عبد القادر عطار. دار الباز - مكة المكرمة ، 1414 – 1994 ج6 ص 48 رقم الحديث 11042 وقال عن الحديث: هكذا رواه هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر وخالفه عبد الرزاق في إسناده.
[6]  الزركشي، شرح الزركشي على مختصر الخرقي، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي (2/130).
 28 الصادق بن عبد الرحمان الغرباني، مدونة الفقه المالكي وأدلته، الجزء الثالث، دار ابن حزم للطباعة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 2008، ص:656.
 [8]ينظر: قوانين الأحكام لابن جزي، ص 349، مغني المحتاج للشربيني 2/166، المغني لابن قدامة 4/516.
[9]  عبد الكريم شهبون. شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية الجزء الثاني –النيابة الشرعية و الأهلية و الوصيةو الميراث. مكتبة المعارف لنشر و التوزيع. الرباط. ص45.
[10]  مليكة الغنام.منشورات مجلة الحقوق المغربية سلسلة الدراسات و الأبحاث الإصدار الثالث . إدارة أموال القاصر على ضوء التشريع المغربي و العمل القضائي. الطبعة الأولى . بتاريخ يونيو 2010 .مطبعةالأمنية.الرباط. ص57
[11]  مدونة الأسرة المغربية الصيغة المحينة 2016.
[12]  مليكة الغنام. منشورات مجلة الحقوق المغربية سلسلة الدراسات والأبحاث الإصدار الثالث. إدارة أموال القاصر على ضوء التشريع المغربي والعمل القضائي. الطبعة الأولى. بتاريخ يونيو 2010. مطبعة الأمنية. الرباط. ص57
[13]  د. صبحي محمصاني"مقال بعنوان الحجر على السفيه"    .        
[14]   بحث ضوابط الإنفاق والاستهلاك فى الإسلام  - عنوان البحث : www.kantakji.com/media/3864/638.doc  
[15] عزيز الدراع - مقال بعنوان الاهلية وفق قانون الاسرة المغربي –  منتدى ستار تايمز: http//www.startimes.com/?t=29947766 
[16]   مدونة الأسرة المغربية الصيغة المحينة  2016.
[17] عبد الكريم شهبون التباين في شرح مدونة الأسرة الطبعة الثانية 2006 ص 42
[18] عبد الكريم شهبون الشافي في شرح مدونة الأسرة الجزء الثاني مكتبة الرشاد ص 12
                                                                                                                                                                                                                                                                                                   دليل عملي لمدونة الاسرة الطبعة الثالثة 2007 ص 133[19]
 عبد الكريم شهبون التباين في شرح مدونة الأسرة الطبعة الثانية 2006 ص 42[20]
[21] عبد الحق الصافي، القانون المدني، الجزء الأول المصدر الإرادي للالتزامات، العقد الكتاب الأول، تكوين العقد، ص 183

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *