-->

المسؤولية الادارية

مقدمة:
يحتل القضاء الإداري مكانة هامة داخل التنظيم القضائي، بحيث يلعب دورا بارزا في تحقيق العدالة، ومن هذا المنطلق فالقضاء الإداري يتميز بمجموعة من الخصائص المتمثلة في قواعده الموضوعية والمسطرية، كما أنه يعتبر إنشائيا للقاعدة القانونية وتطبيقها على الوقائع العارضة حسب ما تقتضيه المصلحة، لا سيما عند عدم وجود نص قانوني يساهم في تحقيق احتياجات المرافق العامة وحسن تسييرها ويضمن حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
ولعل التطور الذي عرفه القضاء الإداري على مختلف المراحل التاريخية جعله نظاما مكتملا في مختلف جوانبه، خصوصا بعد إحداث المحاكم الإدارية التي ساهمت في إرساء دعائم دولة الحق والقانون هذا من جهة، ووضع ضمانات قانونية تحمي حقوق وحريات الأفراد كلما تعلق الأمر بمختلف دعاوى تجاوز السلطة ودعاوى القضاء الشامل من جهة ثانية[1]، هاته الأخيرة التي تخول للمتضرر اللجوء إلى القضاء بغية الحصول على تعويض نتيجة الضرر الذي أصابه من تصرف الإدارة، ومن هنا فدعوى التعويض تقرر مسؤولية الدولة والتي لم تكن معترفا بها إلى غاية أواخر القرن الماضي، حيث كان المبدأ السائد هو عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها وذلك نظرا لتعارض هذا المبدأ مع سيادة الدولة، إذن كان يعتقد بأن تقرير مسؤولية الدولة يتنافى مع سيادتها، فوجه النقد إلى مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها لما له من مبالغة في سيادة الدولة وإجحافا بحقوق الأفراد ومنافاته لدولة الحق والقانون التي من دعائمها الأساسية توفير العدالة وإحقاقها[2]. فتقررت المسؤولية الدولة عن أعمالها الإدارية، واصبح بمقدور الأفراد المتضررين المطالبة بالتعويض عما يصيبهم من ضرر نتيجة تصرفات الإدارة المادية والقانونية أمام القضاء الشامل لتمكينهم من حقوقهم.
وللإحاطة بموضوع دعوى المسؤولية الإدارية، لابد من الإجابة عن التساؤلات التالية:
ما هو التأصيل التاريخي والقانوني للمسؤولية الإدارية؟ وما هي أهم خصائص دعوى المسؤولية الإدارية وشروطها؟ وما هو موقف القضاء منها؟
وعليه سنحاول الإجابة على الإشكاليات السالفة الذكر وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للمسؤولية الإدارية
المبحث الثاني: شروط دعوى المسؤولية الإدارية وبعض تطبيقاتها


المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للمسؤولية الإدارية
إن المسؤولية الإدارية تنطوي على تحميل الإدارة تبعات ما يسببه نشاطها من أضرار للأفراد ووفقا لضوابط قانونية فهي تحتل مكانة بالغة بين موضوعات القانون عموما، وقد مرت بمجموعة من المراحل التاريخية والقانونية (المطلب الأول)، كما أن المسؤولية الإدارية تتخذ صورتين (المطلب الثاني).
المطلب الأول: نشأة المسؤولية الإدارية وخصائصها
من خلال هذا المطلب سنحاول الوقوف على التطور الذي عرفته المسؤولية الإدارية، وكذلك الخصائص المميزة لها.
الفقرة الأولى: مفهوم المسؤولية الإدارية وتطورها التاريخي
يقصد بالمسؤولية عامة أن يسأل الشخص ويتحمل تبعات تصرفاته ونتائجها، أما المسؤولية الإدارية فهي أداة تقنية تلزم الأشخاص العموميون بتحمل مسؤولية أعمالهم وتصرفاتهم التي تتولد عنها         أضرار ينبغي تعويضها وفقا لقواعد قانون متميزة[3] وقد تقررت المسؤولية الإدارية بهدف تحقيق النفع العام والسكينة والأمن والتي تشكل أهم الالتزامات التي تقع على عاتق الدولة، بحيث تلتزم بتحقيقها، بهدف احترام سيادتها والحفاظ على استمرارها عن طريق خلق وسائل قانونية تستطيع من خلالها التوفيق بين تحقيق مصالح الجماعة وإرضاء الفرد[4] ويعد الدين الإسلامي أول من أقر المسؤولية بصفة عامة والإدارية بصفة خاصة، وذلك تطبيقا لمبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث على رفع الأضرار، ومن المبادئ والقواعد قول الرسول (ص) "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا" ومن أهم تطبيقات المسؤولية الإدارية في عهد الرسول (ص) نجد بأن الدولة تحملت التعويض على الخطا والمخاطر وذلك من خلال حادثة نزع الملكية من أجل بناء أول مسجد في الإسلام وتعويض صاحب الأرض وأيضا قصة الأسرى الذين تم قلتهم بخطأ في ليلة باردة، حيث أمر قائد الجيش مرؤوسيه بتدفئتهم إلا أن مصطلح التدفئة يقابله في قبلة المرؤوسين القتل، فقلتهم بقطع رؤوسهم مما نتج عنه تعويض ذوي حقوقهم[5]، والغاية من خلق الإنسان ووجوده هو تحمل المسؤولية في التصرفات التي يقوم بها، ولهذا اعتمد في تولي أمر المسلمين على اختيار الأكفأ والأصلح والأكثر أمانة حتى يتمكن من حسن تدبير وتسيير العمل الذي يقوم به.
وتعتبر المسؤولية في الإسلام كونها المحاسبة على عدم أداء الواجبات الناتجة عن السلطة المفوضة للموظفين، حيث أسندت مجموعة من الواجبات إلى شخص ما لتأديتها فإنه يكون مسؤولا عنها ويحاسب عليها في حالة تقصيره في أدائها، وفي حالة عدم أدائها بأمان وعلى الوجه المطلوب وقد سار الحلفاء الراشدون على نهج الرسول (ص)، حيث أكد أبو بكر الصديق في أول خطبة له "فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإذا رأتموني زغت فقوموني"[6] أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد أقر المسؤولية على نفسه حين قال "والله لو عثرت دابة في الشام، لكان عمرا مسؤولا عنها لأنه لم يعبد لها الطريق"[7] وبتوسيع الفتوحات الإسلامية كان عمر رضي الله عنه يوصي بحسن معاملة الرعية والرفق بهم وعدم تكليفهم فوق طاقتهم وتحميلهم المسؤولية بتطبيق شرائع الإسلام، واستناد إلى ما سبق ذكره يمكن القول بأن فجر الإسلام كان سباقا لإقرار المسؤولية الإدارية وتنظيم أحكامها[8]، إلا أن الفقه الإداري في الدول العربية يغفل الحديث عن المسؤولية في الإسلام ويقتصرون في دراستهم لهاته المؤسسة على القضاء الإداري الفرنسي، وبالرجوع إلى النظام الفرنسي يمكن القول بأن فكرة المسؤولية مرت بمرحلتين، إذ اعترفت بها أولا القوانين الخاصة التي تنص على التعويضات في حالة الاعتداء على الملكية العقارية من خلال المادة 17 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789، وكذا قانون بلوفيوز للسنة الثامنة في المادة 4، حيث تعرض بصفة عارضة لمسألة التعويض عن الاضرار الناجمة عن الأشغال العمومية، أما المرحلة الثانية فتعود للتكريس القضائي للمسؤولية الإدارية من طرف محكمة التنازع التي ايدت مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار بلانكو الشهير الصادر في 08/02/1873 الذي يعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ القضاء الفرنسي وقفزة نوعية من عدم مسؤولية الإدارة إلى مسؤوليتها وأيضا نقطة تحول نحو استقلالية القضاء الإداري ككل، فإذا كانت المسؤولية الإدارية في فرنسا هي من ابتداع الاجتهاد القضائي، وبصفة خاصة محكمة التنازع من خلال دورها الخلاق والإنشائي للقضاء الإداري، فإن الوضع في المغرب يختلف تماما بحيث ترجع البوادر الأولى للمسؤولية الإدارية، في شكل نصوص قانونية وضعية مستقاة من أحكام الشريعة، ونجد الاعتراف بمسؤولية الدولية من خلال ظهير التنظيم القضائي الصادر بتاريخ 12 غشت 1913، حيث بصريح نص الفصل الثامن منه تم تحديد اختصاصات المحاكم العصرية في المادة الإدارية[9].
كما نص المشرع المغربي من خلال الفصلين 79 و80 من ق ل ع على مسؤولية الدولة عن أعمالها الإدارية، حيث جاء في الفصل 79 "الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها" أما الفصل 80 فقد نص على أن "مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم"[10] استنادا إلى التطور التاريخي الذي عرفته المسؤولية الإدارية السابق ذكره يمكن القول بأنها تتميز بمجموعة من الخصائص.


الفقرة الثانية: خصائص النظام القانوني للمسؤولية الإدارية
تتميز المسؤولية الإدارية بمجموعة من الخصائص والقواعد التي إرساء معالمها من خلال قرار بلانكو الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية والتي بدورها جسدت في قرارها مجموعة من المبادئ والمقتضيات التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ومن هذه الخصائص.
1.   النظام القانوني للمسؤولية الإدارية نظام قضائي
بمعنى أن المصدر الأصيل والأساسي للنظام القانوني للمسؤولية الإدارية هو القضاء الإداري الفرنسي على رأسه محكمة التنازع الفرنسية ومجلس الدولة، بحيث نجد القضاء الإداري الفرنسي أقر مجموعة من قواعد المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر وتحديد أسس وشروط ونطاق تطبيق كل نوع من المسؤولية على حدة.
2.   النظام القانوني للمسؤولية الإدارية نظام أميل ومستقل
ومفاد هذه الخاصية هو استبعاد قواعد القانون المدني لاسيما للمسؤولية المدنية، كونها لا تتناسب ونشاط الإدارة، وهو ما جسده قرار بلانكو بإرساءه قواعد المسؤولية الإدارية ليست قواعد عامة ولا مطلقة وإنما هي قواعد خاصة تتجاوب وضرورات ودواعي المصلحة العامة واحتياجات ومتطلبات المرافق العامة ونظامها القانوني.
3.   مبدأ التوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة
فالمسؤولية الإدارة تضمنت مجموعة من الأحكام التي تهدف تحقيق التوازن بين المصلحة العامة ومقتضيات تسيير للمرافق العامة، وحتمية الحفاظ على حقوق وحريات الأفراد في مواجهة الأعمال الإدارية الضارة[11].

4.   المسؤولية الإدارية حديثة وسريعة التطور
ظهرت المسؤولية الإدارية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث كان في السابق يسود مبدأ عدم مسؤولية الدولة والإدارة العامة لما لها من امتياز السيادة والسمو، إلا أنه وجه الانتقاد لمبدأ عدم مسؤولية الدولة، فظهر مبدأ مسؤوليتها بالتدريج من مسؤولية العامل الموظف، إلى المسؤولية عن الأخطاء الجسيمة فقط إلى مسؤولية الدولة عن كل خطأ إداري مرفقي يسير أو جسيم، إلى مسؤوليتها عن أعمالها الضارة بدون خطأ على أساس نظرية المخاطر وسنحاول الوقوف على صور المسؤولية الإدارية من خلال المطلب الموالي[12].
المطلب الثاني: حالات المسؤولية الإدارية
تعتبر نظرية المسؤولية الإدارية من النظريات التي ابتدعها الاجتهاد القضائي والتي جاءت نتيجة حتمية لازدياد تدخل الدولة وتوسع أنشطتها التي غالبا ما تؤدي إلى حدوث أخطاء تسفر عن إصابة الأشخاص من جراء هذه الأنشطة والمسؤولية الإدارية نوعان إما مسؤولية إدارية على أساس الخطأ (الفقرة الاولى)، أو مسؤولية إدارية بدون خطأ (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ
لكي تقوم المسؤولية الإدارية الخطئية يجب توفر ثلاث أركان أساسية تتمثل في ركن الخطأ، وركن الضرر وركن العلاقة السببية.



 اولا : شرط وجود الخطأ وأنواعه
باعتبار أن الإدارة شخصا معنويا يمارس نشاطه عن طريق موظفين تابعين له، فالإدارة لا تخطئ إلا بواسطة العاملين بها والذي قد يكون إما خطأ شخصيا يسأل عنه مرتكبه أو خطأ مرفقيا تسأل عنه الإدارة[13].
1.   الخطأ الشخصي
عرفه أستاذنا عبد الله حداد أنه "هو الخطأ الذي يمكن تمييزه وينسب إلى الموظف الذي يكون في هذه الحالة قد قام بأعمال لا تمت بمصلحة المرفق بأي صلة، ونتجت عنها أضرار للغير فيكون ملزما يجبر الضرر من ماله الخاص لكونه هو الفاعل"[14] واستنادا إلى التعريف فالخطأ الشخصي هو الذي ينسب إلى الموظف نفسه ويحدث ضررا مما يلقي على عاتقه المسؤولية الموجبة للتعويض من ماله الخاص وقد تعرض المشرع المغربي لفكرة الخطأ الشخصي في الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود الذي قرر فيه على أن "مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم، ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها".
ولقد تعددت المعايير المحددة للخطأ الشخصي إلا أن الفقه والقضاء اتفقا على أربعة معايير في هذا الصدد وهي:
ü   معيار النزوات الشخصية
وهو أول معيار قال به الفقه، حيث ذهب الفقيه "لا فريير " إلى أن الخطأ يكون شخصيا إذا كان التصرف الضار مطبوعا بطابع شخصي يكشف عن ضعف الإنسان وعدم تبصره.
ü   معيار جسامة الخطأ
نادى بهذا المعيار مجموعة من الفقهاء على رأسهم الفقيه "جيز" وهو الخطأ الشخصي الذي يبلغ حدا من الجسامة ولا يمكن اعتباره من الأخطاء العادية التي يمكن أن يتعرض لها الموظف أثناء قيامه بواجباته[15].
ü   معيار الغاية
هذا المعيار تبناه الفقيه "دوجي" وهو يقوم على أساس الغاية التي يهدف إليها الموظف من تصرفه الذي ترتب عليه الضرر، فإذا قصد الموظف من التصرف هو تحقيق شخصية لا علاقة لها بالوظيفة فإن الخطأ يكون شخصيا.
ü   معيار الانفصال عن الوظيفة
هذا المعيار نهجه العميد "هوريو" واعتبر بأن الخطأ شخصيا عندما يمكن فصله عن الأعمال المادية أو المعنوية للإدارة أو الوظيفة ومثاله كأن يكون في حالة قيام الموظف بعمل لا علاقة له ماديا بواجبات وظيفته.
وباستعراضنا لأحكام القضاء الفرنسي في هذا المجال يتبين بأنه لا يتقيد بالمعايير السابقة كل واحد على حدة لتكييف الخطأ هل هو خطأ شخصي أو مرفقي، وإنما يفحص كل حالة بذاتها وبالتالي قضى بوجود خطأ شخصي في الحالات التالية:
*   إذا ما كان الخطأ المنسوب إلى الموظف لا علاقة له بعمله كأن يرتكبه خارج نطاق وظيفته وأوقات عمله
*   إذا مان كان الخطأ المنسوب إلى الموظف متصلا بالوظيفة، فإن القضاء اعتبره خطأ شخصيا إذا ما كان عمديا أو كان جسيما.
-الخطأ العمدي: أكد القضاء الفرنسي على أن الخطأ العمدي هو الذي يرتكبه الموظف  بنية سيئة.
-الخطأ الجسيم: حسب راي مجلس الدولة الفرنسي فإن الخطأ الجسيم هو الذي يرتكبه الموظف شخصيا أثناء قيامه بواجباته الوظيفية وكان على درجة من الجسامة، بغض النظر عن نية الموظف ما إذا كان يهدف تحقيق المصلحة العامة أو مصلحته الشخصية[16].
والقضاء المغربي بدوره اعتمد في تكييفه للخطأ الشخصي على أنه ذلك الخطأ المنفصل عن الوظيفة، أو أنه خطأ شخصيا ناتجا عن تدليس الموظف أو أنه خطأ شخصيا جسيما، والذي يصعب إيجاد تعريف موحد له من طرف المحاكم المغربية[17].
ثانيا : الخطأ المرفقي
الخطأ المرفقي هو إخلال الإدارة بمجموعة من الالتزامات الملقاة على عاتقها سواء بواسطة أحد العاملين التابعين لها أو نتيجة تنظيم المرفق نفسه ولقيام الخطأ المرفقي لابد من توفر مجموعة من الشروط نجملها فيما يلي:
-أن يسنب الخطأ إلى مرفق عمومي
-أن يخضع لقواعد القانون العام وليس لأحكام القانون المدني
-أن تكون قواعد المسؤولية الناجمة عنه مستقلة عن قواعد المسؤولية المدنية المعروفة
-ويمكن أن يشمل كل مرافق الدولة[18]
وتتحدد صور الخطأ المرفقي حسب الفقه في ثلاث صور نجملها فيما يلي:
1.   عدم أداء المرفق لعمله
وتتمثل هذه الصورة من خلال امتناع الإدارة عن أداء بعض الأعمال وهي ملزمة قانونا بأدائها، مما نتج عن امتناعها ضرر لحق بالأفراد فلهذا وجب على الإدارة تعويض المتضررين.
2.   سوء أداء المرفق لعمله
ينسب الخطأ إلى المرفق فتترتب المسؤولية على أساس الخطأ المرفقي إذا أدى المرفق الخدمة على وجه سيء، ففي هذه الحالة تلزم الدولة بتعويض الضرر الناتج عن خطئها سواء تمثل هذا الخطأ في قرار إداري أو عمل مادي وأيا كان مقترف الخطأ.
3.   بطء أداء المرفق لعمله
تقوم مسؤولية الإدارة في هذه الحالة إذا ما أبطأت في أداء الخدمة متجاوزة المدة المعقولة لأدائها دون مبرر وترتب على ذلك ضرر[19].

ثالثا : العلاقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي
جرى عمل مجلس الدولة الفرنسي فيما مضى على الفصل التام بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي، وبالتالي فالضرر الذي يصيب الأفراد إما يكون أساسه خطأ شخصي منسوب إلى الموظف الذي يتحمل دفع التعويض من ماله الخاص وإما أن يكون سببه خطأ مرفقيا تتحمله الإدارة التي تدفع التعويض من الخزينة العامة إلا أن هذه التفرقة كانت محل انتقادات فقهية، لمسلك القضاء الفرنسي، الذي تتخلى عن هذه التفرقة تدريجيا، وذلك باعترافه بإمكان قيام الخطأين معا، حيث سلم القضاء باشتراك نوعين من الخطأ في الضرر خطأ مرفق تسأل عنه الإدارة وخطأ شخصي يسأل عنه الموظف وترتب على هذا التطور في قضاء مجلس الدولة أن تقوم الإدارة بدفع التعويض الذي يحكم به القاضي للأفراد عما أصابهم من ضرر نتيجة الأخطاء الشخصية التي ارتكبها الموظف على أن ترجع على الموظف لرد المبلغ المدفوع[20].
وبالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود المغربي فإن العلاقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي تحكمها مقتضيات الفصلين 79 و80 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي.
فالفصل 79 ينص على أن "الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها" وبالرجوع إلى الفصل 80 من ظهير الالتزامات والعقود نجد أن المشرع قد حسم في هذا الأمر إذ قرر في هذا الفصل أنه لا يمكن مساءلة الدولة عن أخطاء مستخدميها إلا في حالة إعسار الموظفين المسؤولين عنها[21].


رابعا : ركن الضرر
إذا كان الخطأ شرطا ضروريا لإقرار المسؤولية الإدارية الخطئية فمن الضروري أن يؤدي هذا الخطأ إلى إلحاق ضرر مادي أو معنوي أو هما معا بطالب التعويض ويشترط في ركن الضرر توفر مجموعة من الشروط.
1.   يجب أن يكون الضرر محققا
ومفاده أن يكون الضرر قد وقع فعلا وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي أن التعويض يكون بمقدار الضرر الواقع فعلا على أساس الواقع الثابت لا على أساس افتراض أمور محتملة قد لا تحصل[22].
2.   أن يكون الضرر مباشرا وخاصا
ومعناه أن الخطأ المقترف هو الذي أحدث الضرر لفرد معين أو أفراد على وجه الخصوص.
3.   أن يمس الضرر بمركز يحميه القانون
متى تترتب المسؤولية الإدارية الموجبة للتعويض لابد أن يكون الضرر قد مس حقا مشروعا أو وضعية مشروعية يحميها القانون.
4.   أن يكون قابلا للتقويم بالنقود
أن يكون بمقدور القاضي الإداري تحديد مبلغ التعويض بناء على جسامة الضرر، وقد يستند القاضي الإداري في تقدير جسامة الضرر إلى الخبرة[23].
خامسا : أنواع الضرر
الضرر نوعان: ضرر مادي وضرر معنوي
الضرر المادي هو الذي يصيب الشخص في ماله أما الضرر المعنوي فهو الذي يصيب الشخص في ذاته، سواء كانت الإصابة مادية كجروح  في جسمه أو كانت معنوية تصيب كرامته وإحساسه وكثيرا ما يقترن الضرر المعنوي بالضرر المادي، وفي هذا الاتجاه سارت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء أن قرار عزل الموظف المتهم بجنحة الغش في الامتحان أدى إلى حرمانه من تحسين وضعيته الإدارية والمادية عن طرق اجتياز المباريات فضلا عن المس بسمعته أمام زملائه والعاملين معه في قطاع الصحة وعلى هذا الأساس قضت بأن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت الموظف كانت بسبب خطأ الإدارة[24].
سادسا : العلاقة السببية
يشترط لتقرير مسؤولية الإدارة عن أفعالها غير المشروعة الخاطئة وجود علاقة سببية بين خطأ الإدارة والضرر الذي لحق المضرور، بمعنى أنه يجب أن يكون الضرر قد ترتب مباشرة عن خطأ الإدارة وتنتفي الرابطة السببية بين خطأ الإدارة والضرر، وذلك راجع إلى تدخل عوامل أخرى ساهمت في وقوع الضرر كالقوة القاهرة وخطأ الغير وخطأ المضرور ذاته وبالتالي من أجل تحديد مسؤولية الإدارة في حالة وجود سبب أجنبي يجب التمييز بين حالتين:
-إذا كانت القوة القاهرة أو خطأ الغير أو خطأ المضرور ذاته قد ساهمت في إحداث الضرر إلى جانب خطأ الإدارة، فإن العلاقة السببية في هذه الحالة تقوم على أساس الخطأ المشترك والضرر الموحد الذي لحق المتضرر، وفي هذه الحالة فإن الإدارة تتقرر مسؤوليتها كذلك وبالتالي تلزم بدفع قدر من التعويض يتناسب مع دورها في إحداث الضرر.
-أما إذا كانت القوة القاهرة أو خطأ الغير أو خطأ المضرور هي وحدها السبب في وقوع الضرر فعندئذ تعفى الإدارة من التعويض[25].
        الفقرة الثانية: المسؤولية الإدارية بدون خطأ
قد يؤدي تطبيق المسؤولية بناءا على الخطأ في بعض الحالات، إلى استحالة استيفاء التعويض عن الضرر بسبب عدم قدرة الضحية على إثبات وجود خطأ مسند إلى الإدارة[26].
ويمكن لهذه الحالة أن تتحقق إما لأن إثبات الخطأ أمر مستحيل –كاستعمال سلاح ناري أو انفجار- وإما لأن إثبات الخطأ يمكن أن يكون في غير محله –كأن يكون الضرر ناجما عن أحد أعمال السيادة، وإما لأنه ليس هناك خطأ.
كما تعتبر المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ غير كافية لمواجهة العديد من الحالات التي يترتب عنها تعويض المتضررين من جراء تسيير المرافق العمومية.
وحتى تتم مواجهة مختلف هذه الاحتمالات، فقد ابتكر القاضي اللجوء إلى نظام آخر للمسؤولية، يسمح بتعويض الضحايا: هذا النظام هو نظام المسؤولية بدون خطأ[27].
فالمسؤولية الإدارية بدون خطأ تعني أن الإدارة تكون مسؤولية عن الضرر الذي أصاب المضرور نتيجة قيام الإدارة بأعمالها، حتى ولو لم يصدر منها أي خطأ وعلى المضرور أن يقو م بإثبات العلاقة السببية بين نشاط الإدارة والضرر الذي أصابه دون حاجة إلى إثبات خطأ الإدارة.
وبالرجوع إلى الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، والفصل 8 من قانون المحاكم الإدارية نجدهما ينصان على ما يلي:
-الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها[28].
-تختص المحاكم الإدارية مع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من هذا القانون ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام ومركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام[29].
ويستشف في هذين الفصلين أنه بإمكان المدعي في حالة تضرره أن يطالب بالتعويض، على ضوء المسؤولية على اساس المخاطر.
اولا : خصائص المسؤولية الإدارية بدون خطأ
إن المسؤولية على المخاطر لا تشمل بتاتا ركن الخطأ، بل إنها تقترب من المسؤولية القائمة على الخطأ المفترض التي ما على المتضرر في إطارها إلا أن يثبت وجود الضرر والعلاقة السببية بين الضرر والشغل، وعلى الإدارة أن تثبت حسن تصرفاتها وعدم تقصيريها، والجانب الذي تتميز به المسؤولية على المخاطر هو إثبات الخطأ أو إثبات عدم الخطأ غير مطلوب من الطرفين، فما على الإدارة إلا أن تثبت أن سبب الضرر أجنبي عنها بأن يتمثل في فعل المتضرر نفسه أو فعل الغير أو بسبب قوة قاهرة[30].
وتتميز نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها بمجموعة من خصائص تحدد ماهيتها ومكانتها من أساس المسؤولية الإدارية، وتحدد نطاقها وحدودها في هذه الخصائص أنها في نطاق القانون الإداري نظرية قضائية في عمومها، فنظرية المخاطر في القانون الإداري يعود الفضل في وجودها إلى القضاء الإداري الفرنسي الذي توسع في إرساء قواعدها، وحدد شروطها ومجالات تطبيقاتها.
كما أنه لا يشترط في شأنها ضرورة صدور قرار إداري وأنها ذات صفة ومكانة تكميلية ثانوية بالنسبة إلى الأساس القانوني الأصيل للمسؤولية  الإدارية وهو الخطأ المرفقي أو الوظيفي، كما تتصف بأنها ليست مطلقة، فهي تتحرك وتقوم في نطاق محدود في محيط دائرة الاعتبارات والظروف المختلفة.
وأخيرا كونها تتصف وتتميز بأنه يترتب عليها دائما الحكم بالتعويض، حيث أن التعويض فيها يكون على أساس الضرر الذي بلغ حد من الجسامة والخطورة الغير اعتيادية ويكفي لتعويض المضرور إثبات العلاقة السببية بين الضرر ونشاط الإدارة.
ثانيا : حالات المسؤولية الإدارية بدون خطأ
قد عرف القضاء الإداري المغربي تطورا مهما في مجال المسؤولية بدون خطأ أو على أساس المخاطر، لكن هذا لم يمنع المشرع من تبني نصوص قانونية خاصة ترمي إلى سن نظام لتعويض المتضررين من جراء الأضرار اللاحقة بهم نتيجة عمل المرافق، لذلك فإن أمر تناول حالات المسؤولية الإدارية على المخاطر ينطلق من زاويتين ترتبطان بحالات المسؤولية الإدارية على المخاطر بموجب نصوص تشريعية، ثم بتطبيقات المسؤولية الإدارية على المخاطر بموجب الاجتهاد القضائي.
ففيما يخص حالات المسؤولية الإدارية على المخاطر بموجب نصوص تشريعية هناك الأضرار اللاحقة بالتلاميذ، حيث تكون الدولة بموجب هذا الأخير مسؤولة عن الأضرار التي تلحق التلاميذ والطلاب في المؤسسات التعليمية، في الوقت الذي يوجدون فيه تحت رعايتها ومسؤوليتها، دون إثبات خطأ من جانبها.
ومن الأضرار كذلك التي تدخل ضمن حالات المسؤولية الإدارية على المخاطر بموجب نصوص تشريعية، الأضرار الناتجة بفعل الاضطرابات، فالإدارة تعتبر مسؤولة عن ضمان النظام العام واتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ عليه، وإذا ما حصل اضطراب أدى إلى وقوع أضرار، فالدولة هنا تكون هي المسؤولة عن التعويض بناء على نظرية المخاطر.
كما تعتبر الإدارة مسؤولة عن الأضرار الحاصلة للمتعاونين مع الإدارة مع مختلف الفئات المتعاونين معها، ولا يحتاجون هؤلاء إلى إثبات خطأ الإدارة للحصول على التعويض عن الأضرار التي أصابتهم.
أما بخصوص حالات المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر بموجب نصوص قضائية، فهناك الأضرار الناتجة عن الأشغال العامة، حيث يمكن أن تنتج أضرار عن هذه الأشغال إما بسبب تنفيذ هذه الأشغال وإما بسبب عدم تنفيذها أو تنتج عن هذه الأشغال نفسها، وذلك لأن الأشغال العامة تنصب على عقار، إذ يتعلق الأمر عادة ببناء أو هدم أو إصلاح هذا العقار[31].
وتوجد أيضا الأضرار الناتجة عن مخاطر الجوار غير العادية، فهناك بعض الأفراد يقطنون بجوار منشآت أو أماكن خطرة، مما قد يتضررون من جرائها، فبالتالي لا يعقل أن يتحمل الأشخاص القاطنون بجوار تلك المنشآت الأضرار الحاصلة منها.
ومن الأحكام الواردة في هذا المجال، الحكم الصادر سنة 1928 القاضي بمنح تعويض السكان، الذي كسر زجاج نوافذهم، بفعل طلقات نارية صادرة من مدافع قلعة الأوداية بالرباط، التي كانت تطلق طلقة واحدة عند منتصف النهار، واعتبرت المحاكم أن القرار الذي سمح باستعمال هذه الطلبات، هو من أعمال السيادة ولا يمكن مراقبة شرعيته، ولكن يحث لها أن تحكم بمنح تعويض للمتضررين، استنادا لنظرية المسؤولية على أساس المخاطر[32].
كما أن هناك أضرار ناتجة عن بعض الأشياء الخطيرة، وهي تظهر في حالات تقدم فيها الإدارة على القيام ببعض المهام المنوطة بها باستعمال أشياء خطيرة كاستعمال الأسلحة والمتفجرات.
ومن الأمثلة القضائية الواردة في هذا المجال، قضية عبد السلام الدكالي الصادر عن المجلس الأعلى في 23/11/1964، حيث تبين أثناء مصادرة أحد المجرمين الفارين، أن رجال الدرك استعملو ا السلاح بدل السيارة لمطاردته، مما أدى إلى إصابته بجروح، واستحق تعويضا بناء على نظرية المسؤولية الخطيئة، لأن رجال الدرك لم يكونوا ملزمين باستعمال السلاح[33].
وهناك أيضا حالة الأضرار الناتجة عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية، فالأحكام الصادرة عن مختلف المحاكم، فهي تتميز بطابعها التنفيذي، مما يجب على السلطات الإدارية منح القوة العمومية لتنفيذها، فإذا استنفذت طرق التنفيذ العادية، أجاز المشرع للمدعي المطالبة بمنحه القوة العمومية لتنفيذ الحكم المحصل عليه.
فإذا اعتمدت في رفضها على مبرر الحفاظ على النظام العام، كما حصل في قضية "كويتاس"[34]، فإنه ليس من العدل أن يتحمل المدعي عبء الحفاظ على النظام العام لوحده.
أما إذا امتنعت من منح القوة العمومية بدون سبب، فإن ذلك يشكل خطأ جسيما لأنها لم تساعد على فرض احترام قرارات العدالة وتتحصل مسؤولية تعويض المدعي عن الضرر الذي لحقه بسبب عدم تنفيذ حكمه، حيث تكون المسؤولية في هذه الحالة مسؤولية خطئية.


المبحث الثاني: شروط دعوى المسؤولية الإدارية وبعض تطبيقاتها
تعتبر الدعوى هي الوسيلة التي خولها القانون صاحب الحق في الالتجاء إلى القضاء لتقرير حقه أو حمايته فهي حق إجرائي ينشأ لصاحب حق موضوعي في مواجهة من اعتدى على حقه أو مركزه القانوني، مضمونه الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق أو المركز القانوني من هذا الاعتداء[35].
ويشترط لقبول الدعوى عموما ودعوى المسؤولية الإدارية على وجه الخصوص مجموعة من الشروط لقبولها وتحقيق الآثار المرجوة منها (المطلب الأول). كما أن دعوى المسؤولية الإدارية حظئت باهتمام من طرف القضائي الذي أفرد لها مجموعة من المقتضيات والأحكام من خلال الاجتهاد القضائي الذي يظهر جليا على مستوى التطبيقي العملي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: شروط دعوى المسؤولية الإدارية وخصائصها
سنتطرق من خلال هذا المطلب لشروط دعوى المسؤولية الإدارية والمسطرة المتبعة، وكذا الجهاز القضائي المختص وخصائص دعوى المسؤولية.
الفقرةالاولى: شروط دعوى المسؤولية الإدارية
تنقسم شروط دعوى المسؤولية الإدارية إلى شروط متعلقة بافتتاح الدعوى وأخرى متعلقة برافع الدعوى.
اولا: الشروط المتعلقة بافتتاح الدعوى
تتمثل هذه الشروط في كل من المقال الافتتاحي، الاستعانة بمحامي، ثم المقرر السابق على الخصومة، وإلزامية حضور الأطراف في دعوى المسؤولية الإدارية وأخيرا شرط أجالها[36].

1.   المقال الافتتاحي
إن افتتاح دعوى المسؤولية الإدارية، رهين بمقال افتتاحي يجب أن تراعى فيه مجموعة من الشروط الشكلية، وتعتبر المسطرة المدنية القاعدة الأساسية في رفع الدعوى في القضايا الإدارية، هذا ما أكدت عليه المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية والتي تنص على أنه "تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".
ولما كانت القضايا الإدارية تتميز بخصوصية اتصالها بالقانون الإداري التي يهدف بالأساس تحقيق المصلحة العامة وضمان حسن سير الإدارة فإن قانون إحداث المحاكم الإدارية قرر مجموعة من الإجراءات الشكلية التي يلزم احترامها في الدعاوى الإدارية[37].
ويشترط في المقال الافتتاحي أن يكون مكتوبا وموقعا من طرف محام مسجل في جدول هيئة المحامين بالمغرب، ومتضمنا لبيانات المدعى عليه ومطالب رافع الدعوى وموضوع الطلب المتمثل أساسا في دعوى المسؤولية الإدارية "بالتعويض"[38]. استنادا إلى ما سبق ذكره فإن الأصل هو أن تكون المسطرة كتابية، إلا أنه استثناءا فيما يتعلق بدعوى القيد في اللوائح الانتخابية فقد أتاح المشرع إمكانية تقديم الدعوى أمام المحاكم الإدارية بناءا على تصريح حسب المادتين 36 و37 من مدونة الانتخابات[39].
2.   الاستعانة بمحام
إلى جانب المقال الافتتاحي يشترط الاستعانة بمحامي، بحيث أن القضايا التي ترفع إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب، وجب التوقيع عليها من طرف محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، والغاية التي ارتآها المشرع من خلال هذا الشرط هو تكريس حقوق الدفاع، ذلك أن مواجهة الإدارة أمام القضاء يستلزم معرفة شاملة للقوانين والضوابط الإدارية، وهذا بالضبط لن يتأتى للمواطن العادي إلا بمؤازرة المحامي وإلا ضاع حقه بمجرد الإهلال بأبسط الإجراءات الشكلية[40]، كما أن استعانة الدولة والإدارات العمومية بخدمات المحامي تعد أمرا اختياريا بصريح المادة 31 من القانون المنظم لمهنة المحاماة[41]، وكذا المادة 354 من قانون المسطرة المدنية..." تعفى الدولة من مساعدة المحامي طالبة كانت أو مطلوبا ضدها، وذلك خلافا لمقتضيات الفقرتين 1 و2...".
3.   المقرر السابق على رفع الخصومة
يمكن للمتضرر الرجوع إلى الإدارة في حالة المساس بحقوقه وأن ينال من مطالبه دون أن يعاني من صعوبة الخصومة ومصاريفها بهدف حثها على اتخاذ مقرر من جانبها، وإلزامية المقرر الإداري بالنسبة للإدارة تتمثل في المنازعات الضريبية، إذ يتعين على الملزم بالضريبة أن يتوجه قبل رفع أية دعوى قضائية إلى اللجان الإدارية. استنادا إلى ما سبق ذكره، فليس هناك لزوم للرجوع إلى الإدارة قبل اللجوء إلى القضاء، إلا استثناءا في المنازعات الضريبية[42].
4.   إلزامية حضور بعض الأطراف في دعوى المسؤولية الإدارية
استنادا إلى الفصل 514 من قانون المسطرة المدنية أنه كلما تعلق الأمر بطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية أو مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة في قضية لا علاقة لها بالضرائب والأملاك المخزنية وجب إدخال الوكيل القضائي وليس من الضروري أن يتم هذا الإدخال حتما في مجال رفع الدعوى بل يمكن أن يتم أثناء سير الدعوى ابتدائيا[43].
5.   شرط الآجال
يمكن القول بأنه ليس من اللائق ترك الأوضاع الخصامية تخلف في الزمن، لذا وجب التمييز في المنازعات الإدارية بين قضاء الإلغاء ودعوى المسؤولية، فإن اللجوء إلى القضايا المتعلقة بالمشروعية مقيد بأجل 60 يوما، لخلاف دعوى المسؤولية الإدالرية ليس لها أجل محدد وأمام هذا الفراغ التشريعي يمكن لنا الرجوع إلى مدد التقادم المنصوص عليها في الفصل 388 من ق ل ع المغربي[44].
ثانيا: الشروط المتعلقة برافع الدعوى
يشترط في رافع الدعوى عموما، ودعوى المسؤولية الإدارية على وجه الخصوص، أن يتوفر على أهلية التقاضي والصفة وأن تكون له المصلحة في رفع الدعوى، وهذه الشروط من النظام العام في حالة انعدام أحدها يحكم القاضي بعدم قبول الدعوى دون أن ينظر في موضوعها.
1.   الأهلية:
يشترط في رافع الدعوى أن يك ون بالغا من العمر 187 سنة شمسية كاملة ومتمتع بقواه العقلية ولم يثبت سفه حتى يباشر حقوقه المدنية.
2.   الصفة:
هي قدرة الشخص للمثول أمام القضاء في الدعوى كمدعي أو مدعى عليه، وأن يكون له علاقة بموضوع حق الادعاء، ويشترط لقبول الدعوى أن ترفع في صاحب الحق المطلوب الحكم به أو أن ترفع باسمه من قبل وكيل مفوض عنه في رفعها فإذا كان المدعي لا يملك الحق المطلوب في دعوى ولا هو موكل عن صاحب الحق تكون الدعوى مرفوعة من غير ذي صفة لأن الشخص لا يملك المقاضاة إلا في شأن نفسه، أما بالنسبة لصفة المدعي عليه، فهي علاقته بالفعل الضار، وبهذا يتعين أن ترفع دعوى المسؤولية الإدارية على صاحب الصفة في المتازعة وهو ما يطصلح عليه "أن ترع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة أي الجهة أو السلطة المتصلة بموضوع الدعوى أي المتسبب في الضرر"[45] وعملية تمثيل الدولة أمام القضاء نص عليها الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية على أن "تمثل الدولة أمام القضاء من طرف الوزير الأول أو رئيس الحكومة وله عند الاقتضاء تكليف الوزير المختص بالخزينة في شكل الخازن العام، الجماعات المحلية في شخص العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم، وفي شخص رئيس المجلس القروي بالنسبة للجماعات، والمؤسسات العمومية في شخص ممثلها القانوني ومديرية الضرائب في شخص مدير الضرائب فيما يخص النزاعات المتعلقة بالقضايا الجنائية التي تدخل ضمن اختصاصاتها واستنادا إلى ما سبق بيانه فإذا كان المدعي لا يدعي الحق لنفسه أو لا ينوب عن صاحب الحق فإن الدعوى لا تقبل.
3.   المصلحة[46]
لا يسوغ لأحد رفع الدعوى إذا لم تكن له مصلحة في ذلك ويجب أن ترتبط بأساس قانوني وتتوفر فيها مجموعة من الشروط نجملها فيما يلي:
-يجب أن تكون المصلحة قانونية سواء مادية كحماية حق عيني كالملكية أو مصلحة أدبية كالمطالبة بالتعويض.
-يجب أن تكون قائمة وحالة بمعنى أن يكون بالفعل تم الاعتداء على حق رافع الدعوى وأن الغير قد نازعه فيه.
-يجب أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة بمعنى يجب أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق أو من يقوم مقامه، وبناء على ما سبق ذكره يمكن القول بأن المصلحة في دعوى المسؤولية الإدارية تنتج عن حق تم الاعتداء عليه وتولد عن هذا الاعتداء ضرر أصاب أحد الأشخاص سواء كان معنويا أو طبيعيا من جراء أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام.
الفقرة الثانية: خصائص دعوى المسؤولية والمحكمة المختصة
تمر دعوى المسؤولية الإدارية شأنها شأن باقي الدعاوى من مسطرة خاصة بها كما يختص بها جهاز قضائي توكل له مهمة النظر في دعاوى المسؤولية.
اولا: الخصائص العامة لمسطرة دعوى المسؤولية الإدارية
تتميز مسطرة دعوى المسؤولية الإدارية بالخصائص التالية:
1.   مسطرة كتابية
ومفاده تقديم الدعوى بواسطة مقال افتتاحي مكتوب يتضمن الإسم العائلي والشخصي وصفة ومهنة المدعي واسم الإدارة المدعى عليها ومركزها وممثلها القانوني مع تعزيزه بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها، وكذلك بعدد من النسخ مساوي لعدد الأطراف، كما يجب أن يوقع هذا المقال من طرف محامي مسجل بجدول هيأة المحامين.
2.   مسطرة تحقيقية
بعد تسجيل مقال الدعوى يعين رئيس المحكمة قاضيا مقررا ويحيل الملف إلى المفوض الملكي للدفاع عن القانون ومتابعة ملف الدعوى[47].
ويصدر القاضي المقرر بمجرد إحالة الملف عليه، أمرا يقضي بتبليغ المقال المدعى عليه، ويعين تاريخ الجلسة والآجال التي ينبغي فيها تقديم مذكرة إدارية، وإذا تقاعس يمنح له أجلا جديدا، وبانقضائه تعتبر المسطرة حضورية، بالنسبة لجميع الأطراف ويشار في الملف إلى جميع التبليغات والإشعارات الحاصلة (فصل 32 من ق م م)[48] ويتخذ القاضي المقرر الإجراءات القضية جاهزة للحكم، ويأمر بتقديم المستندات التي يراها ضرورية للتحقيق في الدعوى، ويتخذ القاضي المقرر الإجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم، ويأمر بتقديم المستندات التي يراها ضرورية للتحقيق في الدعوى، ويمكن له بناءا على طلب الأطراف وحتى تلقائيا بعد سماع الأطراف أو استدعائهم للحضور بصفة قانونية، أن يأمر بأي إجراء للتحقيق من بحث وخبرة وينبغي أن يجري التحقيق وفق مقتضيات الباب الثالث من القسم الثالث من ق م م المتعلقة بإجراء التحقيق فإن من شأنها أن تستعين بمن تشاء من الخبراء للوصول إلى الحقيقة.
3.   مسطرة حضورية
تعتبر هذه الخاصية من أهم سعات مسطرة التقاضي لأنها مرتبطة بأهم حق يملكه المدعى عليه، ألا وهو حق الدفاع، فلا يتصور صدور الحكم دون تمكين الشخص من إبداء دفوعاته والرد على جميع المسائل القانونية التي أثيرت في المقال الافتتاحي والمذكرات التعقيبية ويكون المدعى عليه ملزم هو الآخر بالإجابة والإدلاء بحججه داخل الأجل الممنوح له كما يستفيد من أجل قاني حسب الأحوال المشار إليها في الفقرة الرابعة من الفصل 329 من ق م م وإلا اعتبرت المسطرة حضورية لجميع الأطراف وتبت المحكمة الإدارية بالتسكيلة الجماعية وتكون الجلسة علنية ما عدا الاستثناء المنصوص عليه في الفصل 43 من ق م م، حيث يجوز للمحكمة أن تكون جلستها سرية متى استوجب النظام العام والأخلاق الحميدة ذلك، وتستمتع المحكمة للقاضي المقرر وللمفوض الملكي، وللمحامي ولممثلي الإدارة وفي الدعوى الرامية إلى التصريح بمديونية الإدارات العمومية أو مكتب أو مؤسسة عمومية، يستوجب الفصل 514 من قانون المسطرة المدنية الاستماع للعون القضائي للمملكة، الذي يوكل إليه الدفاع عن المصالح المالية للدولة ويكون إدخاله إجباريا، ويمكن أن يصدر الحكم في القضية المعروضة عن المحكمة أو حجزها للتأمل، حيث النطق بالحكم في جلسة لاحقة ويتم إصدار في جلسة علنية بعد تحريره أثناء المداولة السرية[49].
4.   الحكم في دعوى المسؤولية الإدارية
يجب أن يشتمل الحكم على مجموعة من البيانات المنصوص عليها في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية[50] ويصدر الحكم باسم جلالة الملك وطبقا للقانون ويجب أن شتمل الحكم على كل البيانات المتعلقة بالأطراف، وأن يتضمن الإشارة إلى مختلف ما تم الاستماع إليه من الأطراف والقاضي المقرر والمفوض الملكي، وتتم الإشارة في الحكم إلى إدخال العون القضائي  للمملكة، والتذكير بمطالب الأطراف وبمناقشة موجزة لدفوعاتهم، والوثائق المدلى بها وبالنصوص التي طبقت ويؤرخ الحكم ويوقع من طرف الرئيس وكانت الضبط، ثم تبليغ الأطراف مع الإشارة إلى إمكانية الاستئناف وأجله والحكم الصادر في إطار القضاء الشامل فإن قوته تسري بين الأطراف.
ثانيا: المحكمة المختصة للبث في دعوى المسؤولية الادارية
يعتبر تحديد طبيعة النزاع والقاضي المختص من أهم الإشكالات التي تطرح في مجال المنازعات الإدارية نظرا لازدواجية القضاء، واختصاص المحاكم الإدارية معناه سلطة المحكمة للبت في قضية معينة إما بالنظر إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية فنكون أمام اختصاص نوعي، أو على أساس المكان أو الموقع فنكون أمام اختصاص محلي.

1.   الاختصاص النوعي
يقصد به صلاحية المحكمة للنظر في دعوى معينة بناء على الرابطة القانونية محل الحماية واستنادا إلى المادة 8 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية نجدها تنص على اختصاص هذه الأخيرة بدعوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام[51]، وهاته الأخيرة المستثناة من اختصاص المحاكم الإدارية حتى لا يثقل كاهل المحكمة الإدارية بدعاوى حوادث السير مما ينعكس سلبا على تحقيق الغاية التي أنشئت المحاكم الإدارية من أجلها[52]، وتعتبر قواعد الاختصاص النوعي من النظام العام ويحق للأطراف إثارة مخالفتها في أي مرحلة من مراجل الدعوى، ويستطيع القاضي الإداري أن يثيرها تلقائيا (المادة 12 من قانون 4190 المحدث للمحاكم الإدارية) وإذا أثير دفع بعدم الاختصاص النوعي أمام جهة قضائية عادية أو إدارية وجب على المحكمة المصدرة للدفع أن تثبت فيه بحكم مستقل ولا يجوز لها أن تضمه إلى الموضوع.
2.   الاختصاص المحلي
يقصد به توزيع الاختصاص بين محاكم المملكة توزيعا جغرافيا ومكانيا يهدف تقريب القضاء من المواطن،، وعليه تحدد المنازعات الداخلة في الدائرة الإقليمية لكل محكمة، وفيما يتعلق بدعوى المسؤولية الإدارية وحسب المادة 28 من قانون المسطرة المدنية فإنها ترفع أمام محكمة المحل الذي وقع فيه الفصل المسبب للضرر أو أمام محكمة الموطن المدعى عليه باختيار المدعى[53] استنادا إلى ما سبق ذكره يمكن القول بأن القضاء يحتل مكانة هامة داخل المنظومة القضائية، لما له من أهداف سامية في تحقيق العدالة ووضع ضمانات قانونية تحمي حقوق وحريات الأفراد ورفع الحيف عنهم خصوصا إذا ما وقع الاعتداء من الإدارة التي لها سلطة الامتياز فهنا تقررت فكرة مسؤولية الإدارية عن تبعات ما يسببه نشاطها من أضرار الأفراد ووفقا لضوابط قانونية وتتعدد المسؤولية الإدارية بتعدد المرافق التابعة للإدارة، فنجد المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة والمسؤولية الإدارية في مرفق الأمن والمسؤولية الإدارية في مرفق التعليم وغيرها من المرافق إلا أننا في عرضنا هذا ارتأينا الوقوف والتركيز فقط على تطبيقات المسؤولية الإدارية في مرقف القضاء لما له من أهمية في تحقيق دولة الحق والقانون.

المطلب الثاني: تطبيقات دعوى المسؤولية الإدارية
كما هو معلوم فدعوى المسؤولية الإدارية في غالبها من ابتداع الاجتهاد القضائي، لذلك من الضروري إدراج بعض تطبيقات القضاء الإداري هو منها ما هو متعلق بالتعويض على أساس الخطأ (فقرة أولى) ومنها ما هو متعلق بالتعويض على أساس المخاطر (فقرة ثانية).



الفقرة الأولى: وقائع حكميين قضائيين للمسؤولية الإدارية على أساس الخطأ
اولا :على أساس الخطأ الشخصي
بالنسبة لمسؤولية الدولة على أساس الخطأ الشخصي لموظفيها، فقد ارتأت المحكمة الإدارية بالرباط إلى أن قيام المحافظ على الأملاك العقارية بتسجيل عقد بيع أجنبي بالرسم العقاري دون أن يتم مباشرة مسطرة طلب الصيغة التنفيذية له أمام المكحكمة المغربية، طبقا لمقتضيات الفصل 432 من قانون المسطرة المدنية، يجعل مسؤولية المرفق العمومي (الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية) ثابتة، خصوصا وأن الضرر اللاحق بالمدعية ناجم بصفة أساسية وجوهرية عن تسجيل الرسم المذكور بالرسم العقاري، الذي ترتب عنه حرمان المدعية من الانتفاع بحق الملكية الدستوري، الذي آل للغير بطريقة احتيالية وجرمية كشف عنها القضاء الجنائي، والتي لم تكن لتقع أصلا بدون خطأ المحافظ لاسيما وأن العقار بيع بعد يوم واحد من تسجيل عقد البيع مما كان يقتضي نوع من الحذر والتبصر حتى مع تجاهل مسطرة المصادقة التي سنت أصلا لتجنب التزوير ولاتباع مسطرة التحقق من الوثيقة لدى الدولة الصادرة عنها[54].
ثانيا :على أساس الخطأ المرفقي
ذهبت المحكمة الإدارية بالبيضاء في حكم حديث لها، إلى أن تسريب أي موضوع لامتحانات الباكالوريا يستوجب على الدولة ضبط المسؤول عنه تحت طائلة تحميلها مسؤولية التقصير في ضبط عملية إجراء الامتحانات المذكورة والتعويض عن الضرر الحاصل من دراء ذلك.
وتتلخص وقائع هذه القضية في أن المدعي نيابة عن ابنه القاصر أصابه ضرر مادي ومعنوي نتيجة إعادته لامتحان الباكالوريا، في مادة الرياضيات بعد أن تأكد للوزارة الوصية نشر موضوع الاختيار على بعض مواقع التواصل الاجتماعي قبل انطلاق إجرائه بمراكز الامتحان حيث أن المتضرر تلميذ يتابع دراسته بأحد ثانويات المملكة تعرض للقلق والإرهاب البدني والذهني بالإضافة إلى الخوف الذي أصابه هو وذويه على مستقبله فقد التمس الحكم لفائدته بمبلغ 30000 درهم كتعويض عن الضرر الذي أصابه وأكدت المحكمة أن مبدأ استحقاق التعويض لما أصاب المدعي من إرباك وقلق طيلة أيسام الامتحانات قائما ولكن المحكمة اعتبرت المبلغ المطالب به مبالغا فيه ولما لها من سلطة تقديرية واعتبارا إلى كون هذه القضية هي سابقة من نوعها وأن نوع الضر يكتسي طابعا معنويا أكثر مما هو مادي وأن المبتغى من إقرار مسؤولية الدولة في هذه النازلة هو تفادي تكرار واقعة تسريب موضوع الامتحان بجميع المستويات التعليمية لذلك اقتصرت على مبلغ درهم رمزي تؤديه الدولة المغربية والإدارة المعنية وزارة التربية الوطنية لفائدة المدعي[55].
الفقرة الثانية: وقائع حكم قضائي متعلق بالمسؤولية الإدارية على أساس المخاطر
كما رأينا في القسم الأول أن المسؤولية الإدارية يمكن أن تثبت على أساس المخاطر أي دون ارتكاب الإدارة لأي خطأ ففي هذا الإطار أكدت المحكمة الإدارية بالرباط على أن وفاة نزيل بالسجن إثر اعتداء من طرف نزيل آخر تتحمل فيه الإدارة مسؤوليتها بناءا على نظرية المخاطر حيث أن مرفق الإدارة السجنية يعد مسؤولا عن الأضرار التي تلحق بالسجناء سواء من طرف الموظفين أو من طرف زملائهم المعتقلين لمواجهة أي إخلال من شأنه أن يهدد سلامة الأشخاص وأمن المؤسسات السجنية المعتبر صيانتها من مسائل النظام العام، حتى لا تترتب مسؤوليته عن التقصير في توفير الأمن وضمان مقتضيات السلامة على أساس أن الالتزام بالحراسة بالنسبة للمرفق التزام دائم ومستمر في الزمان والمكان تفرضه خصوصية المرفق، والأخطار المحدثة به وهي مسؤولية تقوم على نظرية المخاطر دون حاجة إلى إثبات ارتكاب الإدارة لخطأ مرفقي على اساس أن الأمن باعتباره نتيجة وليس مجحرد وسيلة من مظاهر السيادة الذي تنفرد به الدولة مما تكون مسؤوليتها قائمة عن التسبب في وفاة الضحية.
والمدعي في هذه النازلة هو والد المعتقل بالسجن المدني بسلا الذي توفي على أيد أحد السجناء المحكوم عليه بقرار جنائي عدد 2373 وطالب الحكمب على الدولة وزارة العدل بأدائها لفائدته تعويضا قدره 200000 درهم عن الضرر الناتج له عن وفاةابنه وبما للمحكمة من سلطة تقديرية وتبعا لقواعد تقدير التعويض المستقر عليها قضائيا في مثل هذه النوازل واستنادا إلى الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة بوالد المالك باعتباره من أحد ذوي حقوق المالك قررت تحديد التعويض المستحق له في 200000 درهم تؤديها المندوبية السامية لإدارة السجون وإعادة الإدماج في شخص ممثلها القانوني لفائدة الطرف المدعي[56].







خاتمة:
من خلال ما سبق نخلص إلى أن دعوى التعويض تعد ركيزه أساسية لحماية الحقوق الفردية من تجاوزات الإدارة في حالة الإضرار بالأفراد وهذه نقطة مشتركة لأغلب التشريعات.
وإذا كانت دعوى التعويض هي الدعوى التي يرفعها أحد المتقاضين للمطالبة بتعويض لما أصابه من ضرر نتيجة أعمال إدارية فإن مسؤولية الإدارة تتحقق بالإضافة إلى ركن الخطأ بضرورة توفر ركنين أساسيين هما الضرر وكذا العلاقة السببية بين الضرر والنشاط الإداري وما على الطرف المتضرر في إطار دعوى التعويض إلا أن أن يثبت أمام القاضي الإداري العلاقة السببية بين خطأ الإدارة وبين ما أصابه من ضرر حتى يتسنى للقاضى الإداري حماية حقه في جبر الضرر، وبذلك تعد دعوى التعويض الوسيلة الوحيدة لتعويض الأفراد عن الأضرار التي تسببها الدولة في حالات معينة، أو في حالة انتهاء ميعاد الطعن بالإلغاء دون الطعن في القرار الإداري غير المشروع إذ لا يبقى أمام المعني بالأمر إلى اللجوء إلى القضاء بتعويض الأضرار التي لحقته إذ توفرت شروط رفع الدعوى والتي تكون إما متعلقة بالقرار الإداري المطعون فيه، أو بالطاعن رافع الدعوى، أو بالميعاد والإجراءات الواجب اتباعها عند رفع هذه الدعوى.


لائحة المراجع:
الكتب:
د. فوزية لعيوني، القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة، دراسة مقارنة.
-خليل محسن، القضاء الإداري اللبناني.
-د. عبد الله حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي.
-ذ. كريم لحرش، القضاء الإداري المغربي.
-د. حماد حميدي، التعويض عن الضرر في ميدان المسؤولية الإدارية.
-د. ميشيل روسي، المنازعات الإدارية بالمغرب، ترجمة محمد هيري الجيلالي أمزيد.
-ذ. عبد الله حداد، القضاء الإداري على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
-د. نورة غزلان الشتيوي، أوجه تطبيقات الدستور المغربي الجديد في مادة التنظيم القضائي للمملكة، دراسة من صميم إصلاحات سنة 2011.
-د. عبد القادر باينة، أسباب إنشاء المحاكم الإدارية على هامش مشروع القانون المحدث للمحاكم الإدارية المعروض على مجلس النواب.
-ذ. عبد اللطيف لبغيل، الدعوى المدنية وإجراءاتها في التشريع المغربي.
-ذ. مليكة الصروخ، القانون الإداري دراسة مقارنة.
-محمد الأعرج، حق التعويض عن قرار الاعتقال الاحتياطي.

المجلات:
-د. محمد الأعرج، القانون الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.
-الأجراءات المتبعة أمام المصالح الإدارية، أعمال اليوم الدراسي المنظم من طرف كلية الحقوق الرباط السوسي منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.
-جمال العزوزي، الخطأ القضائي، قراءة في الفصل 122 من الدستور، منشورات مجلة العلوم القانونية سلسلة الفقه والقضاء الإداري.
-محمد الأعرج، مسؤولية الدولة عن الأخطاء القضائية والاختصاص القضائي في طلبات التعويض، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.
-مجلة المحاكم المغربية العدد 111.
القوانين:
-دستور 2011.
-قانون المسطرة الجنائية
-قانون الالتزامات والعقود المغربي
-قانون المسطرة المدنية
-مدونة الانتخابات
-قانون المحاماة
-قانون المحاكم الإدارية



1.     -ذ. عبد الرحمان الشرقاوي، التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة أو البديلة، الطبعة الثانية 2015، ص: 128.
2.     -د. كريم لحرش، القضاء الإداري المغربي، الطبعة الأولى، 2012، ص: 167.
3.     -سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري، الكتاب الثاني، قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام، دار الفكر العربي، ص: 118-119.
4.     -د.عبد الرحمان البكريوي، الوجيز في القانون الإداري المغربي، الطبعة 1990، ص: 33.
5.     -دعوايدي عمار، الأساس القانوني لمسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها، ص: 45.
6.     -صفة الصفوة ابن الجوزي، الجزء الأول، ص: 260.
7.     -محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يوسف بن حسن المبرد، الجزء 2، ص: 621.
8.     -المسؤولية الإدارية بين النصوص القانونية والاجتهادات القضائية بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام من إعداد الطالبة الباحثة خديجة عاشق، ص: 19-20.
9.     -بحص نهاية التخرج، المسؤولية الإدارية من إنجاز الطالبات القاضيات، بوراس يامسن –حامي نجاة، زبار نوال، الدفعة 13، 2005-2004.
10.  -قانون الالتزامات والعقود، ظهير 9 رمضان 1331 الموافق لـ 12 غشت 1913.
11.  -مرجع سابق للطالبة الباحثة خديجة عاشق، وتحت إشراف الدكتور الحاج شكرة، ص: 31-32.
12.  -مرجع سابق، الطالبة الباحثة خديجة عاشق، ص: 25.
13.  ذ. ثورية لعيوني، القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة، دراسة مقارنة، ص: 199.
14.  -د. عبد الله حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، الطبعة 2002، ص: 182.
15.  -د. ثورية لعيوني، مرجع سابق، ص: 200.
16.  -د. ثورية لعيوني، مرجع سابق، ص: 202.
17.  -د. محمد الأعرج، القانون الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، 2009، ص: 247-248.
18.  -عبد الله حداد، مرجع سابق، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، ص: 283.
19.  -د. كريم لحرش، القضاء الإداري المغربي، الطبعة الأولى، 2012، ص: 169-170.
20.  -مرجع سابق، ثورية لعيوني، ص:208.
21.  -مرجع سابق "القانون الإداري المغربي" لـ محمد الأعرج، ص: 250.
22.  -د. جهاد حميدي، التعويض عن الضرر في ميدان المسؤولية الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، ع 14 لسنة 1998.
23.  مرجع سابق، لد. ثورية لعيوني، ص: 212-213.
24.  -مرجع سابق، لد. ثورية لعيوني، ص: 210-211.
25.  -مرجع سابق، لد. ثورية لعيوني، ص: 212 و213.
26.  -ميشيل روسي، المنازعات الإدارية بالمغرب، ترجمة: محمد هيري الجيلالي أمزيد، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص: 194.
27.  -ميشيل روسي، مرجع سابق، ص: 194.
28.  -الفصل 79 من ق ل ع.
29.  -*الفصل 8 من قانون الالتزامات والعقود.
30.  -كريم لحرش، القضاء الإداري المغربي، الطبعة الأولى، 2012، ص: 175.
31.  -كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 178.
32.  -د. عبد الله حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، صك 191.
33.  -د. عبد الله حداد، مرجع سابق، ص: 191.
34.  -السيد كويتاس قد تم الاعتراف له بملكية أراضي فلاحية مساحتها 38000 هكتار، وحصل بموجب حكم على حقه في طرد شاغليها، ولكن الحكومة الفرنسية قد رفضت مده بالقوة العسكرية اللازمة خشية الاضطرابات الخطيرة التي من الممكن أن يثيرها السكان الأصليون لتلك الأراضي، ولما رفضت الإدارة تعويض السيد كويتياس عن الأضرار الحاصلة له، طرح الأمر على مجلس الدولة الفرنسي الذي رأى بأن الحكومة من حقها رفض تقديم القوة المسلحة لأن من واجبها تقدير ظروف تنفيذ الحكم القضائي، ولكن من حق السيد كويتاس أن يطالب بالتنفيذ مع استعمال القوة، فإذا طالت مدة الرفض فوق الحد المعقول فإن ذلك سيكون حملا من غير المعقول أن يتحمله، وبالتالي من حقه أن يطالب بالتعويض عنه.
35.  -د. محمادي لمعكشاوي، الوجيز في الدعوى وإجراءاتها القضائية في ضوء قانون المسطرة المدنية، ص: 13.
36.  -عبد الله حداد، القضاء الإداري على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية، منشورات عكاظ، الطبعة الثانية، 1995، ص: 92.
37.  -عبد الله حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، الطبعة الثانية، 2002.
38.  -تنص المادة 3 من قانون 41.90 "ترفع القضايا إلى المحكمة بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب ويتضمن ما لم ينص على خلاف ذلك، البيانات والمعلومات المنصوص عليها في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية".
39.  -9.97 القانون المتعلق بمدونة الانتخابات الصادرة 11 ديسمبر 2009.
40.  -نورة غزلان الشتيوي، أوجه تطبيقات الدستور المغربي الجديد في مادة التنظيم القضائي للمملكة، دراسة من صميم إصلاحات سنة 2011 الطبعة الأولى، السنة 2012، ص: 209.
41.  -القانون 28.08 المنظم لمهنة المحاماة.
42.  -ميشل روسي، المنازعات الإدارية بالمغرب، الرباط، السنة 1992، ص: 66.
43.  -عبد القادر باينة، أسباب إنشاء المحاكم الإدارية على هامش مشروع القانون المحدث للمحاكم الإدارية المعروض على مجلس النواب في دورة ربيع 1991. ص: 123.
44.  -ميشيل روسي، مرجع سابق، ص: 69.
45.  -*عبد اللطيف لبغيل، الدعوى المدنية وإجراءاتها في التشريع المغربي، طبعة أولى، سنة 2005، ص: 57.
46.  -ميشيل روسي، مرجع سابق، ص: 70.
47.  -الإجراءات المتبعة أمام المحكمة الإدارية، أعمال اليوم الدراسي المنظم من طرف كلية الحقوق الرباط السويسي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 15 يونيو 1996، ص: 47.
48.  -مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة السابعة، السنة 2010، ص: 597.
49.  -مرجع سابق، الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية، ص: 50.
50.  -المادة 50 من قانون المسطرة المدنية.
51.  -كريم لحرش، القضاء الإداري المغربي، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، عدد مزدوج 16-17، الطبعة الأولى، 2002، ص: 91.
52.  -عبد الله حداد، القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية، مرجع سابق، ص: 20.
53.  -أـنظر المادة 28 من قانون المسطرة المدنية.
54.  -المحكمة الإدارية بالرباط (قسم القضاء الشامل) حكم رقم 441 بتاريخ 2013/2/14 في الملف رقم 2012/02/55.
55.  -المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكم 51 بتاريخ 2016/01/18 في ملف عدد 2015/7112/360.
56.  -المحكمة الإدارية بالرباط (قسم القضاء الشامل) حكم رقم 3464 بتاريخ 2013/11/7 في ملف رقم 2013/12/454.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *