-->

الطرق البديلة عن المقاضاة لتسوية المنازعات التعاقدية

الطرق البديلة عن المقاضاة لتسوية المنازعات التعاقدية

كتبهاذ.محمد بخنيف ، في 15 أبريل 2008 الساعة: 21:07 م
الشفافية في الطرق البديلة عن المقاضاة لتسوية المنازعات التعاقدية من خلال قانون التحكيم الجديد والوساطة الاتفاقية
إعداد الطالب:
جمال الراي
سلك الماستر في الدراسة الميتودلوجية للالتزام التعاقدي والعقار
مقدمة:
لقد أصبحت الشفافية موضوعا يكتسح مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والقانونية.
وإن كان تحديد مفهوم الشفافية من الناحية القانونية تعترضه عدة صعوبات لأنه ليس موضوعا مستقلا بذاته نظرا لكونه مفهوما أفقيا ومجال تدخله يشمل جميع الأنشطة البشرية الفردية والجماعية، فإنه يمكن القول أن الشفافية تعد مبدأ موجها للقانون يهدف إلى تحقيق المساواة والأخلاق والأمن القانوني والحوار بين الحقوق وبهذا فالشفافية مفهوم منشئ لقانون يقوم على العلم بالأشياء وليس الاعتقاد بها.
وإذا كان الهدف من الشفافية تحقيق الأمن القانوني والحوار بين الحقوق فإن هذا الأمن والحوار يجب أن يسود كل مراحل العقد أي من مرحلة الإعداد له إلى مرحلة البحث عن الحلول العادلة للنزاعات المتعلقة به أو الناشئة عنه، بشكل تقليدي باللجوء إلى أجهزة العدالة المرساة من طرف الدولة رغم تميزها بالصعوبات والتعقيدات والبطء في إيجاد الحلول، والتي لا تسعف غالبا، في الوصول إلى الحلول المرجوة من المتعاقدين.
والطرق البديلة لحل المنازعات التعاقدية قد تكون قضائية عندما تمارس بمبادرة من القضاء وقد تكون غير قضائية عندما تمارس خارج الجهاز القضائي.
وتتجلى أهمية هذه الطرق في كونها تشكل مجموعة من الأدوات القانونية لحسم المنازعات بشكل متميز عما تقتضيه المساطر القضائية التقليدية، وتتيح للأطراف المتعاقدة فرصة المشاركة في إيجاد الحل للنزاع وتساهم في إشاعة ثقافة الحوار والسلم الاجتماعي، كما توفر مناخا ملائما للمبادرة والاستثمار، فهي توفر إطارا قانونيا يضمن للأطراف الحصول عن عدالة في ظروف يمكن الاطمئنان إليها.
وجميع الطرق البديلة لحل المنازعات هي موجودة ومتجدرة في مجتمعنا بشكل أو بآخر، لكن السؤال الأساسي الذي يطرح هو كيف تساهم وتساعد هذه الطرق البديلة في تكريس وضمان الشفافية في حل النزاعات؟
الجواب عن هذا التساؤل يقتضي تناول الموضوع محل الدراسة من خلال الحديث عن الطرق البديلة لحل المنازعات، أنواعها، أسباب اللجوء إليها، المبادئ التي تحكمها (المحور الأول) ثم تجليات الشفافية من خلال هذه الطرق وهل فعلا هذه الأخيرة تضمن الأولى؟ وكيف يتم ذلك (المحور الثاني).
 المحور الأول: الوسائل البديلة لتسوية النزاعات التعاقدية
إن الوسائل البديلة لتسوية النزاعات بدراستها لكل حالة على حدة، وعملها على وضع قانون “على القياس” لكل حالة حيث يكون الأفراد مشرعين لدواتهم تكون أفضل وسيلة تؤمن حسم النزاع بشكل أفضل.([1])
وبما أن العدالة تهدف فعليا إلى تأمين السلام الاجتماعي، فإن هذا الأداء الذي يتأتى من إرادة المواطنين الشخصية هو وسيلة ممتازة لتهدئة التوترات بين الناس، بالإضافة إلى كونه يؤدي إلى الشعور بالمسؤولية بين أولئك الذين يختارون العدالة بأنفسهم ولا يخضعون لها([2]).
ولكن مادامت الخلافات التي تحل عن طريق الوسائل البديلة لا تحمل دوما طابعا قضائيا نزاعيا كالخلافات العائلية أو الخلافات بين الأزواج والتي غالبا ما تحل عن طريق وساطة عائلية فإن الأمر يحتم التدقيق في تسمية هذه الوسائل البديلة (أولا) وعرض المبادئ الأساسية التي تقوم عليها والتي تعتبر أهم أسباب اللجوء إليها (ثانيا).
أولا: تعريف وأنواع الوسائل البديلة لحل النزاعات التعاقدية
1-   تعريف الوسائل البديلة لحل النزاعات التعاقدية:
يقصد بهذه الوسائل أية وسيلة يتم بواسطتها اللجوء إلى طرف ثالث محايد بدل اعتماد الدعوى القضائية، وذلك من أجل تقريب وجهات النظر، وإبداء الآراء الاستشارية، التي تتيح الوصول للحل بهذه الوسيلة، وتطبق هذه الوسائل البديلة على المنازعات التجارية والمدنية، بين أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية محل النزاع عقدية أو غير عقدية، والتي تعرض على الجهة التي ستقوم بفض النزاع بموجب اتفاق مسبق بين أطراف النزاع أو بطلب من أحدهم وموافقة الطرف الآخر أو بأمر من القضاء أو بناءً على نص قانوني بهذا الشأن([3]). كما يعرفها البعض الآخر([4])، بأنها “عمليات مختلفة تستخدم لحل المشكلات أو المنازعات خارج نطاق المحاكم والهيئات القضائية الرسمية، بالنظر إلى مزاياها في سرعة حسم النزاع والحفاظ على السرية وانخفاض التكلفة بالإضافة إلى مرونتها من حيث إجراءات حل النزاع وبياناته والقواعد المطبقة عليه”.
كما أنها تعد الوسائل الملائمة لطائفة من منازعات التجارة الدولية والمنازعات الناشئة في بيئة الإنترنيت والتجارة الإلكترونية والملكية الفكرية وغيرها من معاملات عصر تغلب عليه المعاملات الرقمية وانطلاقا من هذا المعنى فإن التقاضي يخرج عن هذا التعريف ولا يعتبر طريقا بديلا لتسوية النزاع وإنما طريقا أصليا مادام الأصل في النزاعات أن يلجأ أصحابها إلى الجهاز القضائي الذي يتولى مهمة حسم النزاع وفق ما هو مسطر له في أحكام القانون([5]) بناء على المهمة المسندة إليه بنص دستوري.
إلا أن الملاحظ هو عكس ذلك، لأن كثرة استعمال هذه الوسائل (في الدول المتقدمة خاصة و.م. أ. والمملكة المتحدة) جعلها هي الأصل وجعل من القضاء مجرد استثناء وذلك بالنظر إلى المزايا التي توفرها وعلى رأسها إعادة تمليك النزاع للأطراف، منتجة بذلك عدالة بديلة عن تلك التي تنتجها مؤسسات الدولة والتي غالبا ما تقطع الروابط الاجتماعية.
وينبغي التنبيه إلى أن الأمر يتعلق بمفهوم اجتماعي أكثر منه قانوني فإذا كان القضاء يستخدم تعابير مثل الدعوة أو المنازعات القضائية فإن الأمور التي تجري تسويتها عن طريق الوسائل البديلة ليست بالضرورة نزاعات وهذا ما جعل البعض يختار تسميتها “بالطرق البديلة عن المقاضاة([6]) وهكذا تم اعتبار التحكيم لا يندرج ضمن هذه الأخيرة باعتباره طريقا شبه قضائي([7]).
ومصطلح نزاع لازال محط نقاش من طرف الحقوقيين في فرنسا([8]) مما جعل البعض يسميها “بالطرق البديلة لتسوية الخلافات” وهي أقرب من المبدأ الأنجلوساكسونيDispute“.
وفي النزاعات العائلية التي تحل عن طريق الوساطة لا يتعلق الأمر فيها بنزاع وإنما باختلاف فقط في وجهات النظر أو المصالح. وفي المجال الجنائي فإن الوساطة التي تهدف إلى تحديد مقدار التعويض عن الضرر اللاحق بالمتضرر لا تحسم نزاعا وإنما تحاول حل خلاف حول تحديد مقدار التعويض.
لذلك فإن بعض حالات الوساطة تتعلق برفع الخلافات وليس بحل النزاعات من خلال إعادة تفعيل التواصل المفقود.
كما أن الأمر قد يتعلق بتعارض المصالح وليس بنزاع أو اختلاف، كما لو تعلق الأمر بعملية بيع: البائع يسعى إلى البيع بأعلى سعر والمشتري يسعى إلى الشراع بأبخس سعر، فدور الوسيط في هذه الحالة ليس هو حسم النزاع ولكن تقريب وجهات النظر ومحاولة التوفيق. ومادامت الوساطة بمعناها الواسع (التي تشمل كلا من الوساطة والمفاوضات والتحكيم والتقييم المحايد) قد يلجأ إليها لحل نزاع أو رفع خلاف أو تعارض في المصالح فإن الفقه الفرنسي قسم الوساطة إلى([9])
-       وساطة مولدة “Créatrice“: تخلق وتولد الروابط التي لم تكن من قبل.
-       وساطة مجددة “Rénovatriceتجدد الروابط بين الأشخاص.
-       وساطة وقائية “Préventive“: تقي من حصول النزاع.
-       وساطة معالجة “Curative“: تساعد على حل النزاع.
وبالتالي فإن الوساطة لا تتعلق فقط بحالات النزاع ولكن قد تكون هي وسيلة للحيلولة دون حدوث النزاع، وبالمقابل لا يمكن الجزم بأن جميع الحالات التي يلجأ فيها إلى الوسائل البديلة تتعلق بخلافات في الرأي فقط ولكن الحالات الغالبة تتعلق بنزاعات حقيقية لذلك لا يمكن التسليم بتسميتها: “الوسائل البديلة لحل الخلافات” بيد أنه من المحبذ اعتماد تسمية “الوسائل البديلة عن المقاضاة” لأنها أشمل وأدق تعبيرا.
إلا أن الملاحظ أن بعض الفقه الفرنسي آثر مع ذلك استعمال مصطلح “نزاع” لأن مجال عمل الطرق البديلة غالبا ما يتصل بحالات النزاع مما جعله يحدد مجال عمل الوسائل البديلة لحل النزاعات (كما آثر هذا الاتجاه تسميتها) من خلال اعتماده تقسيمات للنزاع([10]).
نزاعات سهلة الحل ونزاعات مستعصية الحل: نزاعات النوع الأول يلجأ فيها إلى الوسائل البديلة بينما لا يلجأ إليها في نزاعات النوع الثاني لأن القضاء يكون هو الأقدر على حلها من خلال ما يتوفر عليه من أجهزة البحث والتقصي ومساعدين متخصصين قادرين على إيجاد الحلول للمشاكل المستعصية بحكم تخصصهم (نقصد هنا الخبراء وعلى رأسهم خبراء التجارة الدولية والمعاملات الإلكترونية).
نزاعات مصلحية ونزاعات قيمية: عندما يتعلق الأمر بصراع بين المصالح “Conflits d’intérêtsالمتضاربة فإنه يمكن التوفيق بين هذه المصالح باعتماد الوسائل البديلة التي تخلق قناة جديدة للتواصل، ولكن عندما يتعلق الأمر نزاعات قيميةConflits de valeursفإن الوسائل البديلة تعتبر غير قادرة على حل هذه الأخيرة، ولذلك يتم اللجوء فيها إلى القضاء.
نزاعات عنيفة ونزاعات غير عنيفة: (أو نزاعات باردة وأخرى ساخنة) “Conflits chauds et froidsفنزاعات النوع الأول لا تتوفر فيها لدى الأطراف نية التوافق نظرا لارتفاع حدة النزاع، أما النوع الثاني فبحكم طبيعته التي تسمح بالانتقال من منطق النزاع إلى منطق البحث عن الحل فهو يقبل اللجوء إلى الوسائل البديلة على خلاف النوع الأول.
وإذا ثبت ما سبق حق التساؤل عن طبيعة العدالة التي تفضي إليها الوسائل البديلة، هل هي حقا عدالة بديلة؟ أم أن الأمر يتعلق بنفس العدالة التي يتوصل إليها عن طريق القضاء؟.
إن العدالة في هذه الحالة تنشئها إرادة الأطراف وليس أجهزة الدولة، فهي بتعبير آخر عدالة عقدية وليست عدالة مؤسساتية، ومادام كل ما هو تعاقدي ليس بالضرورة أن يكون صحيحا والعدالة في جوهرها تقتضي الصحة، فإن العدالة في الطرق البديلة يجب أن ينظر إليها فقط في جانبها الذي بعيد التوازن إلى العقد برضى الأطراف وهذا ما يجعل رقابة القاضي التي يمكن أن تتمدد لمراقبة الاتفاق تقف عند حد ضمان وجود هذا الاتفاق وذلك دون أن ننسى أن الهدف المباشر للطرق البديلة هو حسم النزاع أو رفع الخلاف.
2-  أنواع الطرق البديلة عن المقاضاة:
إذا كانت جميع الطرق البديلة تهدف إلى حل النزاع خارج دواليب المحاكم فإن هذه الطرق تتوفر على نقطة مشتركة تتمثل في وجود طرف ثالث يعمل على تقريب وجهات النظر وخلق مناخ للحوار بين الفرقاء. ودرجة تدخل هذا الغير هي أساس التمييز بين أنواع الطرق البديلة عن المقاضاة ولهذا التدخل أربع مستويات:
×   المستوى الأول: “Tiers facilitateurيقتصر فيه دور الغير فقط على تجهيز أرضية النقاش فيكون بمثابة كتابةSecrétariatوهذا النموذج يوجد غالبا على ‘الانترنيت’ وذلك في إطار تحديد الوسائل البديلة عن المقاضاة حيث يتم ملئ نموذج يحتوي على جملة من الأسئلة تساعد على تحديد نوع الخلاف فقط وغالبا ما تعتمد هذه الطريقة في الخلافات البسيطة.
×   المستوى الثاني: “Tiers accoucheurويكون فيه للغير صلاحية إدارة الحوار، إلا أن صلاحياته تكون محدودة، إذ يمنع عليه اقتراح الحلول، فهو منظم للحوار وصانع لأرضيته فقط وهذه مرحلة متقدمة عن المرحلة الأولى، إذ ينتقل الأطراف من منطق النزاع إلى منطق البحث عن حل للنزاع. كما يمكن أن يمتد دور الغير في هذه الحالة إلى الإشراف على صناعة الحل وصياغته.
×   المستوى الثالث: “Tiers Aviseurفي هذه الحالة للغير صلاحية اقتراح الحلول، إذ ينتقل من دور المنظم إلى دور المقترح، إلا أن قبول الأطراف لهذا الرأي هو اختياري وليس إجباري.
×   المستوى الرابع: “Tiers Arbitreيكون للطرف الثالث المحايد سلطات حسم النزاع وإعطاء حل يلزم الجميع وهو أقرب من الحكم القضائي إلا أنه لا ينبني بالضرورة على القانون كما هو الحال بالنسبة للحكم القضائي([11]).
إن هذه الطرق تعرف في فرنسا تحت اسم الوساطة” و”المصالحة” و”التحكيم”، وتجب الإشارة إلى أنه يصعب التمييز بين الوساطة والمصالحة لأن كليهما يعتمد على وجود طرف ثالث إما له دور المشرف أو مبدي الرأي([12]). كما يصعب وضع حدود واضحة بين الغير الذي يتولى الإشراف والغير الذي يتولى الإدارة وإبداء الرأي إلا أنه وبالمقابل هناك اختلاف واضح في الطبيعة بين الطرق التي يكون دور الغير فيها دور المسهل فقط (الحالات الثلاث الأولى) وبين الطرق التي يكون فيها للغير صلاحية حسم النزاع (الحالة الأخيرة). وإذا ثبت ما سبق أمكن إطلاق تسمية الوساطة والمصالحة على الحالات الثلاث الأولى بينما يبقى التحكيم قاصرا على الحالة الأخيرة.
وبناء عليه فإن الطرق البديلة عن المقاضاة لها أقسام متعددة تختلف تبعا لأساس التقسيم، ولعل أفضل تقسيم لها هو تقسيمها من حيث درجة تدخل الطرف الثالث (الغير) على النحو المار بنا ووفق هذا التقسيم فإن تلك الطرق تشمل ما يلي: (وهي مرتبة تبعا لقوة تدخل الغير في النزاع).
-       التحكيم.
-       التقسيم المحايد.
-       الوساطة أو المصالحة.
-       المفاوضات.
وحسبنا في هذا البحث الاقتصار على النوعين الأول والثالث، أي التحكيم والوساطة باعتبارهما أبرز الطرق البديلة من حيث الفعالية في حل النزاع أو الرفع الخلاف.
‌أ-    التحكيم([13]):
حسب الفصل 306 من قانون المسطرة المدنيةيراد بالتحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم”. وحسب المادة 307 من م.م فإن: “اتفاق التحكيم([14]) هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية”.
كما يمكن للأطراف اللجوء للتحكيم عند بدء العلاقة بينهم وقبل حصول النزاع، كأن يوردوا بندا في عقدهم يشير إلى موافقتهم على إحالة أي خلاف بينهم للتحكيم، كما يمكنهم إبرام اتفاقية التحكيم بعد نشوء الخلاف.
والملاحظ أن التحكيم قد أضحى طريقة جد ملائمة لفض النزاعات التي تنشأ في الغالب عن علاقات تعاقدية وذلك عوض اللجوء إلى القضاء، بل أصبح التحكيم أكثر ضرورة في مجال علاقات التجارة الدولية لأن كل طرف في هذه العلاقة لا يرغب عادة أن يخضع لقضاة محاكم الطرف الآخر.
وعلى خلاف الوساطة يعتبر التحكيم من حيث نتيجته ملزما، بحيث يملك المحكم أو الهيئة التحكيمية سلطة اتخاذ القرار في أساس النزاع والبث فيه، وهذا على خلاف الوسيط الذي لا يملك مثل هذه السلطة، كما أن  التحكيم متى اتفق عليه يصبح ملزما، كما يعتبر حكم التحكيم ملزما ويستوي مع القرار الصادر عن المحكمة إذا ما تم تذييله بالصيغة التنفيذية.
‌بالوساطة:
هي مرحلة متقدمة من المفاوضات تتم بمشاركة طرف ثالث يسمى الوسيط، والذي يعمل على تسهيل الحوار بين الطرفين المتنازعين ومساعدتهما على التوصل لتسوية، وبالتالي فهي آلية تقوم على أساس تدخل شخص ثالث محايد في المفاوضات بين طرفين متخاصمين بحيث يعمل هذا المحايد على تقريب وجهات النظر بين الطرفين وتسهيل التواصل بينهما وبالتالي مساعدتهما على إيجاد تسوية مناسبة لحل النزاع.
وفي هذا الإطار فقد حث المشرع المغربي على الصلح في أكثر من مناسبة سواء في مدونة الأسرة أو بالنسبة لنزاعات الشغل والأمراض المهنية. كما أنه ً أصدر مؤخرا قانون رقم 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية والقاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من ق.م.م([15]).
حيث نص في الفصل 55-327 منه بأنه: “يجوز للأطراف لأجل تجنب أو تسوية نزاع، الاتفاق على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح ينهي النزاع”.
وقد عرف هذا القانون اتفاق الوساطة بكونه: “العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد،        م 55-327 من م.م.
ثانيا: أسباب اللجوء إلى الطرق البديلة والمبادئ التي تكفل فعاليتها
إن التطور المستمر في التجارة والخدمات وما نتج عنه من تعقيد في المعاملات وحاجة إلى السرعة والفعالية في حل الخلافات، وتخصص من ينظر في هذه الخلافات، أو يسهم في حلها أنشأ الحاجة لوجود آليات قانونية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفعال مع منحهم مرونة وحرية لا تتوفر عادة في المحاكم (وهذه من آثار تمليك النزاع الأطراف). ولقد أكد الفاعلون الحقوقيون على أهمية الوسائل البديلة عن المقاضاة كما آثارنا تسميتها([16])، وعلى تمتعها بسمات فاعلية خاصة في مواجهة منازعات التجارة الإلكترونية والملكية الفكرية باعتبارها تساهم في حل مشكلة الاختصاص والقانون الواجب التطبيق، وتختصر الوقت والتكلفة وتحمي السمعة على نحو يتفق مع مشروعات تقنية المعلوميات.
وتؤكد المؤتمرات الدولية على أهمية إيراد شرط اللجوء إلى التحكيم والوساطة كطرق بديلة لقضاء ضمن تعاقدات التجارة الإلكترونية. وفي هذا الحق تبرز تجارب عالمية وعربية مميزة، كتجربة مركز تحكيم الوايبو: منظمة الملكية الفكرية، وتجربة الاتحاد الأوربي في وضع استراتيجيات وأدلة توجيهية لتسوية المنازعات خارج المحاكم وإدخال الوسائل الإلكترونية لتسوية المنازعات.([17]) وانطلاقا مما سبق يبدو أن هناك أسبابا عديدة تدعو إلى اعتماد طرق بديلة، والتي لا تحقق غاياتها إلا إذا احترم الأطراف المبادئ التي تقوم عليها.
1-  أسباب اللجوء إلى الطرق البديلة عن المقاضاة.
إن الوقوف على أسباب اللجوء إلى الطرق البديلة يقتضي الإجابة على السؤال التالي: لماذا هذه الرغبة الحثيثة باللجوء إلى طرق أخرى غير طرق العدالة التقليدية([18])؟
إن الطرق البديلة يكون فيها الطرفان خصمان ربحان، إذ يمكن أن نتصور صدور حكم يحقق مكاسب للطرفين المتنازعين في ذات النزاع، ودون أن يخرج أحدهما من حلبة النزاع خاسرا، حيث ينتقل الأطراف من مقاعد الخصوم حيث الترقب والتوجس والانتظار، إلى مقاعد الحكم حيث إصدار القرار، فيساهم الطرفان في بناء الحيثيات وصنع الحكم بما يتفق مع مصالحهم المشتركة ومحافظين على خصوصية وسرية النزاع بعيدا عن علنية القضاء([19]).
إن الطرق البديلة عن المقاضاة أساسها الحوار الهادئ الواعي وإدراك كل من طرفي النزاع لحقوقه ومصالحه المشتركة مع الطرف الآخر، ثم يأتي دور الوسيط النزيه المحايد؛ لتقريب وجهات النظر، بغية الوصول إلى حل ينال رضاهما التام، بحيث يسعى كل طرف لتنفيذه كما لو كان حكما قطعيا، وهذه الطرق هي أضمن لتنفيذ الحكم، لأن أساسها الإرادة المشتركة على عكس ما لو تعلق الأمر بحكم صادر عن جهة قضائية. وفي الحقيقة فإن أسباب اللجوء إلى الطرق البديلة عن المقاضاة تختلف حسب كل دولة:
ففي الولايات المتحدة بدأ العمل بها كرد فعل على الاستياء العام للمواطنين من العمل القضائي، وهكذا في عام 1977 في و.م.أ. كانت هناك دعوى عالقة أمام القضاء منذ ثلاث سنوات وكان هناك محامون ومرافعات وخبراء وجلسات ومستندات ونفقات خبرة، ونفقات قضائية وأتعاب محامين، فأرهقت الدعوى الأطراف بالوقت والمصارف ثم طرحت فكرة الوسائل البديلة لحسم هذا النزاع، لماذا لا نؤلف محكمة مصغرة كل طرف يختار كبار موظفيه ممن له دراية ومعرفة بتفاصيل النزاع ثم يختار الموظفون رئيسا محايدا، وراقت الفكرة للطرفين وأوقفت إجراءات المحاكمة القضائية، وعقدت المحكمة المصغرة جلسة ليست إلزامية في شيء واستمرت الجلسة نصف ساعة، وأدلى بعدها رئيس المحكمة  برأي محايد شفهي للطرفين، ثم دخل الطرفان إلى غرفة جانبية فدخل في مفاوضات استمرت نصف ساعة وخرجا ليعلنا اتفاقهما وانتهت الدعوى فكانت ولادة ما يسمى Alternative dispute résolution” واختصر في عبارة ADR.([20])
فكان السبب الأساسي في ابتكار هذه الطريقة هو طول المساطر وضياع الوقت بالإضافة إلى ارتفاع التكلفة.
أما في بريطانيا فإن الدافع الرئيسي هو ما يتحمله الأطراف من تكاليف مرتفعة للصوائر القضائية المفروضة على الطرفين([21]).
أما في فرنسا فإن العدالة أصبحت مكلفة للغاية، وبطيئة جدا ومعقدة وفقد الفرنسيون الثقة بها، وتدل الإحصائية بأن أكثر من%50 من الفرنسيين يؤيدون ذلك، ولكن رغم هذا التأييد فإن أغلب النزاعات في فرنسا تحل عن طريق القضاء التقليدي، لسببين أساسيين، يقول الأستاذ جاك كركسون الرئيس الشرفي للمحكمة التجارية بباريس: إن العدالة تفض العدد الأكبر من النزاعات الخاصة بالمقاولات لسببين:
-       أن اختصاصها إلزامي في كثير من الأحيان
-       قدم المؤسسة القضائية وجودة خدماتها تجعل المتقاضين يثقون فيها([22])
وأسباب هذا التوجه عديدة ومتناقضة أحيانا:
ففي فرنسا هناك مشكلة حقيقية في تطبيق الأحكام، لاسيما المدنية منها، إذ أن الحصول على حكم من المحكمة لم يعد مرضيا وكافيا، نظرا لصعوبات التطبيق خاصة عندما يكون لدى المدين سوء النية، ومن الواجب اللجوء في هذه الحالة لتطبيق الأحكام المدنية إلى إجراءات الحجز مما يزيد التكاليف وتكون النتيجة غير مرضية في غالب الأحيان.
إلا أن اللجوء إلى الطرق البديلة يتجاوز لحسن الحظ هذا الاستخدام المنفعي، خاصة عندما نكون خارج الإطار القضائي حيث ينطبق هنا بشكل جيد تعريف الوساطة بمفهومها الواسع، والتي تساهم في إيجاد تواصل بين الناس وتفادي النزاعات والمحافظة على الروابط الاجتماعية وحل الإشكالات بالتراضي وخلق روابط جديدة بين الفرقاء، وبين الأشخاص أو المؤسسات.
كما أن الوساطة في الخلافات الزوجية تمكن الأطراف من تقييم الأمور تقييما صحيحا يراعي مصلحة الأولاد من خلال وضع حلول أفضل للمستقبل أساسها الحوار والاحترام المتبادل.
وبالفعل يصل عدد حالات الوساطة التي تتم خارج المؤسسة القضائية إلى%40 وتكون في أغلب الأحيان إيجابية([23])، وحتى إذا لم يتوصل الزوجان إلى اتفاق مرض فإنهما يكونان قد اتفقا على مجموعة من النقاط الخاصة بالأولاد كالإقامة والنفقة وغيرها.
وإلى جانب هذه الأسباب ينضاف سبب آخر تشترك فيه جميع الدول التي تعمل بنظام الطرق البديلة، وهو السرعة والتوفير المادي([24]) (وفي بعض الأحيان الطرق البديلة تكون مرتفعة التكلفة) وهي من الأسباب ذات الطابع الشخصي، بالإضافة إلى ذلك فإن الاقتصاديين يحبذون اللجوء إلى هذه الطرق، لأنها أقرب إلى الواقع من القضاء ذلك أن النزاع يشوه من جانب الأطراف عندما يعرض على القضاء، فكل طرف يسعى إلى إعطائه تكييفا يخدم مصلحته، هذا بالإضافة إلى أن كل طرف يرفض الخضوع لقانون الطرف الآخر في العلاقات ذات الطابع الدولي، خاصة فيما يتعلق بالتجارة الدولية.
وإذا ثبت ما سبق يمكن إجمال الأسباب الداعية إلى اعتماد الطرق البديلة فيما يلي:
-       توفير الوقت والجهد والنفقات على الخصوم ووكلائهم.
-       الحل الرضائي أكثر فعالية على مستوى التطبيق من قرار المحكمة، لأنه نتاج الإرادة المشتركة.
-   الحفاظ على سرية النزاع، وإمكانية بناء روابط جديدة واستمرار العلاقات بين الأطراف، ولاسيما العلاقات العائلية.
هذا بالإضافة إلى المزايا والأسباب الأخرى والتي لا يتسع المجال لذكرها.
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى وجود كثير من المناهضين لهذه الإجراءات المبتكرة لحل النزاعات التعاقدية بالخصوص، إذ يقول البعض بأن اعتماد عدالة التهدئة والتسكين التي تحبذ الحوار ليست فكرة مقبولة دوما، وتعطي الانطباع في أن الطرق البديلة تساهم في خلق نوعين من العدالة: عدالة منتقصة، وعدالة تقليدية.
كما أن القضاة والمحامين يرون أن هذه الطرق تؤدي إلى خرق مفاهيم المنازعات التي تلقوها في الجامعات، وأن المشرع خول القضاة صلاحية إصدار القرار حتى لا يتحمل الأطراف مسؤولية إصداره، إلا أن الطرق البديلة تحمل الأطراف هذه المسؤولية، كما أن اعتماد هذه الطرق يمس صميم مهنة الدفاع والقضاء؛ لأنها تجردهم من مهامهم وتخولها للوسيط أو المحكم.
إن هذا الاتجاه ينظر إلى الطرق البديلة على أنها منافسة للجهاز القضائي وليست مكملة له، وفي هذا يقول أحد الفقهاء الفرنسيين: “إن الطرق البديلة هي تطور للجهاز القضائي وليست ثورة ضده([25]).
2-  المبادئ التي تكفل فعالية الطرق البديلة عن المقاضاة.
تحكم الطرق البديلة عن المقاضاة جملة من المبادئ التي تشكل في حقيقتها توجيهات لإنجاح عملية التسوية الودية، ولقد حددها التقرير المنجز حول الطرق البديلة لتسوية الخلافات بتاريخ 17-06-2002([26])في خمسة مبادئ:
‌أ-     الطرق البديلة هي آليات للحوار والتفاوض:
ذلك أنها لا تهدف إلى ترجيح مصلحة أحد الأطراف على الآخر، وإنما تهدف إلى الوصول إلى حل رضائي أساسه العدالة التعاقدية، لأنها تسمح للأطراف أن يصنعوا الحل لأنفسهم وبأنفسهم، وهذا لا يعني أنها تعمل خارج إطار القانون، بمجرد أنها تعتمد حلولا لا تكرسها قواعد القانون. فالأطراف إذا اختاروا طريق التحكيم فكأنهم اختاروا الطريق القضائي، لأنهم يحتكمون في الغالب إلى حكم القانون ويتقيدون بالمساطر التي يضعها القانون، وهذا ما تؤكده الفصول المنظمة للتحكيم والوساطة الاتفاقية. في قانون المسطرة المدنية المغربي وفق آخر تعديل، حيث نصت المادة 18-327 من م.م على أن المحكم يطبق قواعد الموضوع المتصل بالنزاع ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، كما يمكن للمحكم الاستغناء عن القواعد المسطرية كما هو منصوص عليه في المادة 10-327 من م.م ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، مع العلم أن المادة 319 من م.م تنص على أن المحكم يجب عليه في جميع الأحوال مراعاة حقوق الدفاع([27]).
1.  كما أن القانون المدني هو الذي يحكم الاتفاق المبرم بين الأطراف، إذ أن التعديل الجديد للمسطرة المدنية قد أخضع اتفاق الوساطة إلى شكلية دقيقة تجعله خاضعا لأحكام القانون المدني وذلك بعد ما جعل الكتابة شرطا لانعقاده([28]). وأوجب تضمينه جملة من البيانات تحت طائلة البطلان.(



TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *