-->

اللامركزية في مجال التنظيم الإداري الجديد

المقدمة :
يدخل موضوع اللامركزية في مجال التنظيم الإداري، وتعتبر لغويا نقيض المركزية، وهي عبارة مستعارة من الترسنة المؤسساتية والتنظيمية للدول الغربية، وتفيد تاريخيا مرور الأنظمة الإدارية والسياسية الغربية من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الديمقراطية، فالمركزية تنصرف إلى نمط إداري قائم على الانفراد التام في صياغة القرار السياسي والإداري وتسيير الشؤون العامة للدولة انطلاقا من المركز السياسي، العاصمة، أما اللامركزية فيجب التمييز بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية، فالأولى تنصب على توزيع جميع وظائف الدولة (التنفيذية- القضائية – التشريعية) بين المركز والجماعات الترابية، ولذلك فهي لا توجد إلا بالدولة المركبة أو الفيدرالية، أما اللامركزية الإدارية فيقصد بها توزيع الوظائف الإدارية فقط، بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات الجماعات الترابية ويتم نظام اللامركزية الإدارية بمواكبة الاتجاهات الحديثة التي ترمي إلى تحقيق مزيدا من الديمقراطية للشعوب ودلك لمساهمتها الفعالة في تدبير الشؤون الإدارية.
وتكمن أهمية اللامركزية في كونها وسيلة تمكن المواطنين من المساهمة في اتخاذ القرار وفي تسيير حياتهم العامة، انطلاقا من مجموعة من المبادئ المتعددة كالديمقراطية، وحقوق المواطنين، وفعالية التسيير وغير ذلك من متطلبات المجتمع، نظرا لعجز الدولة عن التواجد في كل مكان وكل وقت.
وقد عرف الفرنسي آندرى دولوبادير اللامركزية بأنها: "اصطلاح وحدة محلية بإدارة نفسها وقيامها بالتصرفات الخاصة بشؤونها"، وعرفها الأستاذ فؤاد العطار بما يلي: "يقصد باللامركزية توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وهيئات منتخبة أو محلية تباشر اختصاصاتها تحت إشراف الحكومة ورقابتها"، وعرفها الأستاذ سليمان الطاوي بأنها توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية أو تتجسد من خلال إنشاء مجموعات محلية مستقلة عن الدولة لها صلاحيات خاصة بها وموجهة نحو البحث عن الحلول لمشاكل التنمية المحلية".
    
ويعتبر اللاتركيز من أبرز الشروط الضرورية للإصلاح الإداري بالمغرب ، ذلك أن اللاتركيز يعطي  مجموعة من الامتيازات للإدارة المغربية على المستوى المحلي ، ذلك أن تركيز السلطة في العاصمة لن يؤدي إلا إلى تعقيد في العلاقة بين الإدارة والجمهور والى التأخير في الخدمات التي تقدمها الإدارة لذلك برزت أهمية اللا تركيز كشرط أساسي للرقي بالإدارة المغربية ولتجاوز مجموعة من السلبيات المتعلقة بمركزية اتخاذ القرارات.
وتقوم هذه الصورة على أساس تخويل بعض موظفي الوزارة في العاصمة أو في الأقاليم بصفة فردية أو في شكل لجان تعين الحكومة  أعضاءها حق البث نهائيا في بعض الأمور دون حاجة للرجوع للوزير المختص لاسيما في المسائل التي لا تحتاج إلى مجهود خاص في انجازها وذلك لتخفيف العبء قليلا عن الوزير لتحقيق السرعة في انجاز بعض الأمور الوظيفية الإدارية خاصة بالنسبة للأماكن البعيدة عن العاصمة وسلطة البث هذه لا تعني استقلال الموظفين عن الوزير وإنما يخضعون بالرغم من ذلك إلى اشرفه والى رؤسائهم الإداريين أي في نطاق السلطة الإدارية .
فاللاتركيز الإداري لايهم إلا نقل بعض الصلاحيات لأعوان الدولة مع بقاء هؤلاء خاضعين للسلطة المركزية  في إطار السلطة الرئاسية.
 وبناء على هذا تتمحور إشكالية هذا الموضوع الذي نحن بصدد تناوله حول اللامركزية و اللاتركيز الإداري.
ومن أجل فهم هذا الإشكالية سنقوم بتفريعها على مجموعة من الأسئلة وذلك كالتالي :
*    ماهي صور وأسس اللامركزية الإدارية ؟
*    ماهو مسارها في المغرب ؟
*    ماهي أهم المستجدات التي أتى بها الدستور الجديد في اللاتركيز الإداري ؟
*    وما هي أفاق اللا تركيز الإداري؟
واستنادا على هذا سنتناول هذا الموضوع عبر مبحثين كالتالي :
المبحث الأول : صور وأسس اللا مركزية الإدارية ومسارها في المغرب
المبحث الثاني : اللاتمركز الإداري
تصميم الموضوع :

المبحث الاول : صور وأسس اللا مركزية الإدارية ومسارها في المغرب :
المطلب الأول : صور وأسس اللا مركزية الإدارية :
v    الفقرة الاولى : صور اللامركزية الإدارية
v    الفقرة الثانية: أسس اللامركزية الإدارية
المطلب الثاني: مسار اللا مركزية الادارية في المغرب
v    الفقرة الأولى : الجماعات الحضرية والقروية
v    الفقرة الثانية: العمالات والأقاليم
v    الفقرة الثالثة : الجهات
المبحث الثاني : اللاتمركز الإداري
المطلب الأول : مستجدات الدستور في مجال اللاتركيز الإداري
v    الفقرة الأولى: تقوية دور الولاة والعمال في مجال اللاتركيز
v    الفقرة الثانية: الارتقاء بوضعية مندوبيات الوزارات في المستوى الترابي
المطلب الثاني : أفاق تطوير اللاتركيز الإداري
v    الفقرة الأولى : ضرورة إصدار الميثاق الوطني
v    الفقرة الثانية : وجوب اعتماد تقسيم ترابي ناجع


المبحث الاول : صور وأسس اللا مركزية الإدارية ومسارها في المغرب :
المطلب الأول : صور وأسس اللا مركزية الإدارية
الفقرة الأولى : صور اللامركزية الإدارية

تنقسم اللامركزية الإدارية إلى اللامركزية المرفقية وتنطبق بصفة خاصة على المؤسسة العمومية بمختلف أنواعها، واللامركزية الترابية وتتحقق بمنح جزء من التراب الوطني الشخصية المعنوية، يعني منحه الاستقلال الإداري والمالي في مباشرة الاختصاصات الموكولة اليه بهدف السهر على تحقيق المصالح المحلية تحت إشراف الحكومة ورقابتها.
اولا: اللامركزية الإدارية المرفقية أوالمصلحية:
يقصد بها توزيع العمل طبقا لطبيعة النشاطات ونوع المرافق والمشاريع التي ينصب عليها هذا النشاط، واللامركزية المرفقية هي ما يسمى بالمؤسسات العمومية التي تتولى إدارة نشاط معين يسند إليها بحكم القانون، وتتحقق بمنح مرفق عام سواء أكان وطنيا أو محليا الشخصية المعنوية، وهو ما يترتب عنه الاستقلال الإداري والمالي في تسير شؤونه، إلا أن هذا الاستقلال غير مطلق وإنما هو مقيد بشرط الرقابة أو الوصاية من طرف السلطات المختصة.
ووفقا للتعريف الكلاسيكي فان المؤسسة العمومية عبارة عن مرفق عام يدار عن طريق هيئة عامة ويتمتع بالشخصية المعنوية العامة، ومن خلال هدا التعريف يتبين إن فكرة المؤسسات العمومية تقوم على ثلاثة عناصر:
العنصر الأول: وجود مرفق عام وهو عبارة عن النشاط الذي تقوم به الدولة (أو الهيئات العامة التابع لها) بإدارته مباشرة أو عن طريق الغير، شرط إن يظل هدا الغير خاضعا لرقابتها وإشرافها بقصد تحقيق خدمات عامة للجمهور بطريقة منتظمة ومطردة مع مراعاة مبدأ المساواة بين المنتفعين.
العنصر الثاني: أن يدار عن طريق هيئة عامة، وذلك بأموالها وعمالها، وأن تستعمل في ذلك وسائل القانون العام. فتترتب عن ذلك نتائج هامة تتجلى في أن القرارات الصادرة عنها تعتبر قرارات إدارية، وأموالها تعتبر أموال عامة...الخ. تلا ما ستثني بنص خاص، وبهذه الأمور تمتاز المؤسسة العمومية عن المؤسسات الخاصة ذات النفع العام والتي تتشابه معها إلى حد كبير.
العنصر الثالث: الاعتراف لهدا المرفق بالشخصية المعنوية ليتحقق له قدر كبير من الاستقلال يساعده على تحقيق أهدافه، ودلك من الناحيتين الإدارية والمالية.
كما يمكن إن نميز بين عدة أصناف من المؤسسات العمومية، فهناك مؤسسات عمومية وطنية يتم إنشائها من طرف البرلمان حسب الفصل 71 من دستور 2011، المحدد لاختصاصات البرلمان ومن بينها "إحداث المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام"، وهناك مؤسسات عمومية محلية، يتم إنشائها من طرف الجماعات المحلية، كما تنقسم المؤسسات العمومية إلى مؤسسات عمومية إدارية ومؤسسات عمومية تجارية وصناعية، ومؤسسات عمومية ذات طابع اجتماعي، وأخيرا مؤسسات عمومية مهنية.

ثانيا: اللامركزية الإدارية الإقليمية أو الترابية
يقصد بها تنظيم الإدارة في الدولة على قاعدة تعدد الهيئات الإدارية الإقليمية، وتتحقق بمنح جزء من التراب الوطني الشخصية المعنوية. يعني منحه الاستقلال الإداري والمالي في مباشرة الاختصاصات الموكلة إليه بهدف السهر على تحقيق المصالح المحلية تحت إشراف الحكومة ورقابتها، ويدير شؤونها أفراد منتخبون.
كما يلاحظ أن التشريعات الدولية لم تقف موقفا واحدا من ناحية تحديد الاختصاصات التي تعهد به للهيئات الإقليمية، وتحديد اختصاصاتها قد يكون بإحدى صورتين:
الأولى: تحدد اختصاصات الهيئات اللامركزية على سبيل الحصر، فلا يمكن لواحدة منها الخروج من تلك الدائرة إلاّ بناءا على تشريع جديد. وقد أخذت بهذا النمط بريطانيا (ويسمى بأسلوب تعدد الأنماط )حيث تراعى فيه الفوارق الخاصة بكل بيئة.
الثانية: تحدد اختصاصات الهيئات المحلية في مجموعها طبقا لمقتضيات قانونية عامة، ودلك بوضع نمط يعطي الهيئات الإقليمية اختصاصات عامة، ويحدد الحاجات العامة لسكان الإقليم. وقد اتبعت فرنسا والدول التي تدور في فلكها هذا النمط. وتسمى بأسلوب وحدة النمط، والاختصاصات الممنوحة للهيئات اللامركزية هنا أوسع واكبر كمية من الطريقة الأولى.
وتختلف اللامركزية الإقليمية عن المرفقية بكون الشخص العام الإداري المحلي ينشا لرعاية نشاط يهم مصالح سكان منطقة جغرافية محددة بالقانون أو إقليم من أقاليم الدولة، بينما ينشا الشخص العام ألمرفقي لتحقيق غرض محدد ويكون اختصاصه محدودا فيما لا يتجاوز الغرض المحدد الذي أنشئ لتحقيقه.
كما يكون لشخص الإداري المحلي وجود من الناحية المادية يسبق وجود القانون. أما الشخص العام المرفقي فلا يكون له وجود قبل إنشاء المرفق ومنحه الشخصية المعنوية إلى درجة يمكن القول أن الشخص الإداري المحلي يعتبر أعلى درجة وأوسع اختصاص وسلطانا من الشخص الإداري المرفقي.

الفقرة الثانية: أسس وأركان اللامركزية الإدارية

إن اللامركزية الإدارية لها عدة أركان كي تتحقق، ولكي نميزها عن غيرها من الأساليب الإدارية التي قد تحمل نفس الاسم، وتختلف معها في المضمون والمرمى، فأول هذه الأركان هي الاعتراف بوجود مصالح محلية متميزة عن المصالح الوطنية، وثاني هذه الأركان هي أن يعهد بالإشراف على هده المصالح إلى هيئات منتخبة، وأخير هذه الأركان هي استقلال المجالس في ممارسة اختصاصاتها تحت إشراف السلطة المركزية.
1- الاعتراف بوجود مصالح محلية متميزة عن المصالح الوطنية
بمعنى أن ثمة مصالح محلية ينبغي ترك مباشرتها والإشراف عليها لمن يهمه الأمر حتى تتفرغ الحكومة المركزية لمصالح أخرى ذات طابع عام تهم الدولة كلها، أي توفر حاجيات خاصة بالمجموعة البشرية المستقرة على تراب الوحدة الترابية، حاجيات تتميز عن الحاجيات الوطنية العامة، فمثلا إذا كانت الدولة تهيمن على المرافق ذات الأهمية الكبرى كمرافق الأمن والدفاع والقضاء والمواصلات عبر التراب الوطني، فان المرافق المحلية كالنقل المحلي و توزيع الماء والكهرباء…. يستحسن تركها لمن يستفيدون منها مباشرة فهم أدرى باحتياجهم إليها واقدر على تسييرها فضلا عما في دلك من تخفيف عبئ إدارتها عن الحكومة المركزية.
2- أن يعهد بالإشراف على هده المصالح إلى هيئات منتخبة.
فقد أشار الفصل 135 من الدستور إلى : ”... الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية. تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر“ فالإدارة المحلية تسعى بالأساس إلى إسناد المصالح المحلية إلى من يهمهم الأمر، ودلك لإشباع حاجياتهم المحلية بأنفسهم ولما كان من المستحيل على جميع أبناء الإقليم أو المدينة أن يقوموا بهده المهمة بأنفسهم مباشرة فان المشرع قد جعل إسناد هده المصالح المحلية إلى من ينتخبونه نيابة عنهم، ومن ثمة كان الانتخاب هو الطريقة الأساسية التي يتم عن طريقها تكوين المجالس المعبرة عن إرادة ابناء الإقليم .
وهدا يعني وجود أجهزة مستقلة تستمد مشروعيتها من الاقتراع العام المباشر أو غير المباشر وليس أجهزة يتم تعيينها من طرف السلطة المركزية كما هو الشأن في اللامركزية المرفقية، ويرى البعض أن استقلال السلطات اللامركزية لا يتحقق إلا إذا كان اختيار أعضاء هذه السلطات بطريق الانتخاب بمعنى أن انتخاب أعضاء هذه السلطات يعتبر شرطا أساسيا ولا يمكن القول بوجود لا مركزية إدارية تقوم على غير الانتخاب في دولة من الدول.
3 - استقلال المجالس في ممارسة اختصاصاتها تحت إشراف السلطة المركزية
استقلال أعضاء السلطة اللامركزية عن السلطة المركزية، بمعنى أن يكون مقررا من المشرع ويخضع لمقتضيات القانون ولا يراد بدلك الاستقلال الفصل المطلق بين المصالح المحلية ودائرة المصلحة الوطنية. كما لا يراد بدلك الاستقلال جعل كل جماعة محلية في معزل عن الأخرى وإنما ثمة صلة تربط تلك الجماعات مع بعضها البعض في إطار مبدأ التعاون والتكامل والتعايش لأنها تؤلف في الواقع جزءا من جماعة أوسع نطاقا وهي المجتمع الوطني .
وإشراف السلطة المركزية هو نوع من الخضوع بحكم القانون لمراقبة من نوع خاص تختلف عن الرقابة الرئاسية وتسمى "الوصاية الإدارية"، إلا أن بعض الفقه يرى أن هده الرقابة تعتبر عائقا للاستقلالية الإدارية والمالية التامتين للوحدة الترابية، والبعض الاخر يعتبرها معيارا يميز اللامركزية عن النظام الفدرالي او الكونفدرالي.

المطلب الثاني: مسار اللامركزية الادارية في المغرب
يعرف المغرب ثلاثة مستويات من اللامركزية الإدارية الإقليمية آو الترابية، المستوى الأول هو الجهات، والمستوى الثاني هو العمالات والاقاليم، والمستوى الثالث والأخير هو الجماعات الحضارية والقروية، ولقد شهد المغرب منذ فجر الاستقلال، اهتماما متزايدا بموضوع اللامركزية وهكذا، انطلقت المرحلة الأولى لبناء هده اللامركزية سنة 1960، بصدور ميثاق التنظيم الجماعي، وكذا قانون تنظيم مجالس العمالات والأقاليم سنة 1963، ثم تلتها بعد ذلك مرحلة ثانية انطلقت سنة 1976 تميزت على الخصوص بصدور قانون جديد يعرف بظهير 30 شتنبر 1976، ويعد هذا الأخير المؤسس للمشروع اللامركزي بمفهومه الحديث على مستوى البلديات والمجالس القروية، حيث أصبحت البلديات بمقتضى هذا القانون الجديد، كيانات تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي وبالشخصية القانونية وبمجموعة واسعة من الصلاحيات ذات الصبغة الإدارية، وكذا الاقتصادية والاجتماعية. بيد أن هذه المرحلة لم تشهد أي تطور على مستوى مجالس العمالات والأقاليم التي ظلت طيلة هذه المدة محكومة بقانون 1963، وخلال عقد التسعينات، تم الارتقاء بالجهة إلى مؤسسات دستورية بمقتضى الفصل 94 من دستور 1992 والفصل 100 من دستور 1996.
وابتداء من سنة 1997، سيعرف التنظيم اللامركزي بالمغرب تطورا نوعيا على قدر كبير من الأهمية تمثل في صدور قانون 43/96 الخاص بإحداث وتنظيم الجهات، وبعد دلك القانــون رقم 79.00 المتعلق بالتنظيم العمالات والاقاليم بالمغرب الصادرين في 03 أكتوبر 2002، والقانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي في صيغته الجديدة، كما تم تعديله سنة 2009 واتى بعدة مقتضيات جديدة ودلك لتعزيز اللامركزية، هدا بالإضافة إلى دستور 2011 الذي عزز بدوره وبشكل كبير هدا التنظيم في العديد من فصوله بل أكثر من دلك فقد خصص باب تحت عنوان "الجهة والجماعات الترابية الأخرى".

الفقرة الأولى: الجماعات الحضارية والقروية

كان ظهير 12 يونيو 1960 المعتبر بمثابة قانون متعلق بالتنظيم الجماعي، أول قانون يبدأ في وضع اللبنة الأساسية للامركزية الإدارية بالمغرب بعد الاستقلال، حيث حدد كلا من اختصاصات المجالس الجماعية المنتخبة من جهة والسلطة المحلية من جهة أخرى، كما احدث صنفين من الجماعات وهي الجماعات الحضرية التي كانت تتشكل من البلديات والمراكز المستقلة، والجماعات القروية، إلا أن الوصاية كانت قوية جدا، اذ نص الفصل 20 على أن القضايا المتخد في شأنها مقررات لا تكون قابلة للتنفيذ إلا إذا صادقت عليها السلطة الإدارية العليا، وعدد هده القضايا 15 قضية تبتدئ بالميزانية الجماعية وتنتهي باحداث او حذف او تبديل موضوع المعارض أو الأسواق وتاريخ إقامتها. كما ان الملاحظ في هذه التجربة الأولى هيمنة السلطة المحلية المتمثلة في القياد والبشاوات على التدبير اليومي للشأن المحلي.
وأمام الانتقادات الموجهة لهذا القانون، صدر الميثاق الجماعي 30 شتنبر 1976، واتى بعدة مستجدات خصوصا الارتقاء بالجماعة إلى مستوى فاعل اقتصادي واجتماعي حيث أصبحت تتدخل في هذه الميادين، وحمل هذا الميثاق مسؤوليات جديدة للمجلس الجماعي تشمل كل مجالات التنمية المحلية والتي تندرج في سياق الفصل 30، بالإضافة إلى تعزيز صلاحيات الرئيس ووضع حدا للتدبير المزدوج مما شكل تحولا مهما في مسار الجماعية بحيث تم نقل بعض اختصاصات السلطة المحلية إلى رؤساء المجلس الجماعي ، وبالتالي تقليص دور السلطة المحلية، كما تم التخفيف من حدة الوصاية التي كانت تمارسها الإدارة نظرا لنضج فكرة اللامركزية.
إلا انه رغم دلك فقد ظهرت صراعات على الاختصاصات بين السلطة المحلية من جهة ورؤساء المجالس المحلية من جهة أخرى، نظرا لغموض النص وتمسك كل طرف بالتفسير الذي يناسبه، من الانتقادات الموجهة أيضا إلى هذا الظهير ضعف مؤسسة الرئيس بسبب الفصل 7 المتعلق بإقالته.
ومن بين المحطات المهمة التي مرة بها الجماعات الحضارية والقروية هي سنة 2002 بصدور ميثاق جماعي جديد، والذي اتى بدوره بمستجدات مهمة، وأهمها إلغاء نظام المجموعة الحضرية وإقرار وحدة المدينة، التنصيص على نظام لحقوق ووجبات المنتخب الجماعي، زد إلى ذلك تطوير آليات التعاون والشراكة داخليا وخارجيا، كما جاء هذا الميثاق لضبط وتوسيع اختصاصات المجالس الجماعية ورؤسائها.
وتم تعديل هذا الميثاق بالقانون رقم 17.08 في 18 فبراير 2009 وجاء بتعديلات مهمة، بإدخاله وسيلة التخطيط كآلية للتدبير المعقلن للشأن المحلي "المادة 36"، وهي آلية جد مهمة تأخذ بالمقاربة التشاركية مع مختلف الفاعلين من اجل وضع إستراتيجية عمل مشتركة، كما جاء هذا القانون بتوسيع اختصاصات الكاتب العام وإلغاء مقرر الميزانية، بالإضافة إلى خلق لجن جديدة مهمة وخاصة اللجنة الاستشارية للمساواة وتكافئ الفرص.
هذه هي أهم الأشواط والمراحل التي قطعتها الجماعات الحضرية والقروية في ظل اللامركزية الإدارية بالمغرب، فمن جماعة ضيقة الاختصاص وهيمنة رجال السلطة المحلية إلى جماعة مقاولة ومواطنة.

الفقرة الثانية: العمالات والأقاليم

عرف التراب الوطني بعد الاستقلال تقسيما إداريا وذلك بمقتضى الظهير المؤرخ بتاريخ 13 أكتوبر 1956 الذي قسم المغرب إلى 19 إقليم و5 عمالات، غير أن هذا الظهير لم يراع ظروف ما بعد الاستقلال مما جعل المشرع يتدخل بسرعة فأصدر الظهير المؤرخ بتاريخ 2 دجنبر 1959 الذي قسم البلاد الى 16 إقليما وعمالتين.
ويعد الإقليم وحدة إدارية لعدم التركيز الإداري من جهة كما يعتبر وحدة محلية لامركزية من جهة ثانية، والإقليم باعتباره وحدة ترابية لامركزية يدخل ضمن الجماعات الترابية، أي الوحدات اللامركزية المتمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري.
غير أن اللامركزية الإقليمية تصطدم بمجموعة من العوائق، ويتعلق الأمر أساسا بتدخل السلطة المركزية وممثليها في الشؤون الخاصة بسير المجالس المنتخبة والدور المزدوج للعامل كممثل للسلطة المركزية وكجهاز تنفيذي للإقليم، وشدة الرقابة بالإضافة إلى قلة الموارد، الأمر الذي يحول دون تحقيق لا مركزية حقيقية.
وكان ظهير 12 شتنبر 1963 أول قانون ينظم هذه الوحدة الترابية ويبين اختصاصاتها، وطبقا للفصل الأول من هذا الظهير فالعمالات والأقاليم جماعات إقليمية يجري عليها القانون العام وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وينص هذا الظهير على أن شؤون العمالة أو الإقليم يديرها المجلس الإقليمي وذلك طبقا للشروط المحددة قانونا، "الفصل 2". والمجلس يخضع من حيث نظام سير العمل به وكذا من حيث الرقابة المفروضة عليه لمقتضيات الظهير المذكور.
ولقد حددت الفصول المتعلقة باختصاصات مجالس العمالات والأقاليم في الباب الرابع من هذا الظهير، وهي تشمل اختصاصات تقريرية وأخرى استشارية، وخلافا لما هو عليه في التنظيم الجماعي، فالتنظيم الإقليمي جعل من العامل الجهاز المنفذ لمقررات المجلس، وبذلك فالمشرع زوده باختصاصات جد مهمة.
وعدل ظهير 1963 بظهير شريف 1.02.269 صادر في 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ قانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم الجماعات والأقاليم، إلا أن هذا القانون لم يأتي بمستجدات جوهرية ترقى باللامركزية الإدارية إلى المكانة التي تستحقها في هذا المستوى، حيث مازال العامل هو الآمر بالصرف والمسؤول عن تنفيذ قرارات المجلس، وبالتالي فهناك من يطالب بإلغاء نظام العمالات والأقاليم لان ليس له أي تأثير على اللامركزية الإدارية.

الفقرة الثالثة : الجهات

يعتبر التنظيم الجهوي من الآليات التي استحدثها المستعمر الفرنسي لبسط حمايته على مجموع التراب الوطني، فقد شكلت الجهات وسيلة لبسط السيطرة العسكرية الفرنسية ولم تشكل مجالا للامركزية ومشاركة السكان حتى بعد بسط النفوذ العسكري الفرنسي على كل أجزاء التراب المغربي. وبعد الاستقلال تغيرت الخريطة الإدارية المغربية، ولم تعد هيكلة المجال الترابي قائمة على أساس الجهات، بل تم التخلي عنها لفائدة العمالات والأقاليم. وبالتالي لم تول السلطات العمومية العناية والاهتمام الكافي بالجهة، فالدولة المغربية الحديثة الاستقلال كان اهتمامها في البداية منصبا أساسا على تكريس سلطتها سياسيا واداريا، وبهدف ضمان وحدة الدولة المستقلة واستمراريتها بدت سياسة التقسيم الترابي كسياسة كفيلة بتحقيق التاطير الفعال للسكان وذلك من خلال ربط الإتصال بين المواطنين والدولة عن طريق رجال السلطة المتواجدين على رأس التقسيمات الترابية، فصدر ظهير 1959 الذي قسم المغرب الى عمالات واقاليم.
اما الجهات التي تم خلقها سنة 1971 فلم تشكل إلا إطارا للعمل الاقتصادي وذلك بعد ما لم تعد البنية الاقليمية ملائمة بفعل التزايد السريع في عدد العمالات والاقاليم، إلا أن الجهات الاقتاصدية السبع المحدثة في هذه الفترة لم تكن لها اختصاصات تقريرية بل كانت لها اختصاصات استشارية في المجال الاقتصادي فقط، بل اكثر من ذلك لم تكون لها اية شخصية معنوية ولا اي استقلال اداري ولا مالي، بل كانت الجهة انذاك اطارا ترابيا لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي للجهات المحدثة، مع ذلك فلقد كان بعيدا عن عكس الطموحات المدعمة من طرف السلطات العمومية والتي تم تأكيدها في العديد من المناسبات.
وعلى العموم فالتجربة الجهوية التي سعى المشرع لاقامتها من خلال ظهير 1971 لم تستطيع مسايرة التطور الاقتصادي والسياسي للبلاد وذلك لما حملته من سلبيات حدت من ايجابيتهان وبالتالي كان لابد من التفكير في تطوير نظام الجهوية، وكان التعديل الدستوري لسنة 1992 الفرصة المناسبة للرقي بالجهة كجماعة محلية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والاداري، وهو ما كرسه دستور 1996 لكن تفعيل ذلك لم يكون الا مع ظهير 2 ابريل 1997 الا ان تركيبته اتت شبيهة بتنظيم العمالات والاقاليم، فالامر بالصرف والمنفذ لقرارات المجلس هو عامل عمالة مركز الجهة، وبالتالي ظلت ضعيفة من حيث مساهمتها في التنمية، لكن اصبح اليوم الحديث عن مشروع الجهوية المتقدمة، ومع دستور 2011 عزز مكانة الجهة خصوصا واعتبارها تتبوء المكانة المتقدمة للجماعات الترابية الاخرى في ميدان التخطيط الاقتصادي والاجتماعي واعداد التراب والتعمير، كما اسندت مهمة الامر بالصرف الى رئيس الجهة مكان العامل.




المبحث الثاني : اللاتمركز الإداري

يعد أسلوبا من أساليب التنظيم الإداري ،يقضي بتوزيع السلطات الإدارية بين الحكومة المركزية وممثليها على الصعيد المحلي بحيث تمنح لهؤلاء بعض الصلاحيات والإختصاصات والسلطات الإدارية مع بقائهم تابعين للحكومة المركزية ومعينين من قبلها دون أن يترتب على ذلك استقلالهم عنها، إذ يبقون خاضعين لرقابة وإشراف السلطات المركزية.
وقد عرف الأستاذ محمد المرغيني اللا تمركز بأنه ّ"الاعتراف لبعض موظفي الوزارة بسلطة اتخاذ بعض القرارات ذات الأهمية القليلة والمتوسطة والبث فيها نهائيا دون الرجوع إلى الوزير المختص".
وهناك شبه إجماع لدى علماء الإدارة على أن إصلاح اللاتمركز الإداري يعد جزءا لا يتجزأ من إصلاح الدولة ، ولا يمكن اعتباره مجرد بعد من أبعاد الإصلاح الإداري .باعتبار أن اللاتركيز يخول بعض موظفي الوزارة  في العاصمة أو في الأقاليم بصفة فردية أو في شكل لجان ، تعين الحكومة أعضاها، حق البث نهائيا في بعض الأمور دون حاجة إلى الرجوع إلى الوزير المختص لاسيما في المسائل التي لاتحتاج الى مجهود خاص في انجازها.وذلك لتخفيف العبء قليلا عن الوزير ولتحقيق السرعة في انجاز بعض أمور الوظيفة الإدارية خاصة بالنسبة للأماكن البعيدة عن العاصمة. وسلطة البث هذه لا تعني استقلال الموظفين عن الوزير وإنما يخضعون بالرغم من ذلك إلى إشرافه والى رؤسائهم في نطاق السلطة الرئاسية.
تبعا لما سبق تكتسي دراسة المستجدات التي جاء بها الدستور المغربي الجديد في مجال اللاتركيز مناسبة مهمة للتعرف على المقتضيات الدستورية الجديدة في مجال اللاتركيز وكذا لوضع أفاق ترمي إلى تعزيز مسلسل اللاتركيز.
من هذا المنطلق، سنتناول هذا المبحث وفق المطلبن الآتيين : مستجدات الدستور المغربي في مجال اللاتركيز الإداري ( المطلب الأول )، وأفاق تطوير اللاتركيز الاداري ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : مستجدات الدستورالمغربي في مجال اللاتركيز الإداري

الفقرة الأولى: تقوية دور الولاة والعمال في مجال اللاتركيز

إن وظيفة رجل السلطة لا تقتصر على تمثيل الدولة في الجماعة التي يتواجد بها بل له من الاختصاصات ما يجعله بحق احد الفاعلين الأساسيين في المجال الاقتصادي ويتبين ذلك من خلال مشاركته في جل القرارات ذات الطبيعة الاقتصادية المتخذة على المستوى المحلى .
يتوفر الوالي أو العامل على اختصاصات متنوعة وكثيرة يستمد مشروعيتها من الإطار الدستوري الذي يخول لهم صفة ممثل الدولة في الجهات والعمالات والأقاليم.
وبذلك أصبحت لهم وظائف تامين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية ويقوم الولاة والعمال تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.
لم يعد ممثلي الدولة في الجهات والعمالات والأقاليم يمارسون أعمال إدارية فحسب بل أصبحوا بالإضافة إلى ذلك مكلفون بالتنسيق بين المصالح اللامتمركزة للإدارات المدنية التابعة للدولة والمؤسسات العمومية المتواجدة داخل النفوذ الترابي للولايات والعاملات  غير أن  دورهم لا ينحصر فقط في التنسيق بل يمتد كذلك إلى المبادرة والنهوض بتلك الأعمال والمصالح والإشراف عليها وتتبعها وذلك بتنسيق متبادل بينهم وبين السلطات المركزية حول المشاريع المزمع انجازها في تراب الولاية والعمالة وكذا مستويات تنفيذ تلك المشاريع.
الأكثر من ذلك أجاز مرسوم 20 أكتوبر 1993 الذي عولت عليه كثيرا السلطات المغربية في تحديث الإدارة للوزراء إمكانية للعمال لتدبير بعض الأمور الداخلة في اختصاصاتهم وان يتولوا التوقيع باسمهم والتأشير على جميع القرارات المتعلقة بأعمال المصالح الخارجية التابعة لهم ضمن الحدود الداخلة في اختصاصاتهم الترابية .
ولضمان نوع من التنسيق في المشاريع المراد انجازها لاسيما أن تراب الولاية أو العمالة تضم العديد من المتدخلين إلى جانب رجال السلطة من ممثليات الوزارات والمؤسسات العمومية الجهوية أو المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص فان الضرورة ألحت إيجاد وسيلة عمل تجمع كل هؤلاء المتدخلين، ومن هنا جاء التنصيص على اللجنة التقنية التي تضم إضافة إلى العامل بصفته رئيسا، الكاتب العام للعمالة أو الإقليم ورؤساء الدوائر ورؤساء المصالح الخارجية للإدارات المركزية التابعة للدولة، مديري المؤسسات العامة المتواجدة بتراب العمالة أو الإقليم كل شخص من ذوي الدراية والأهمية والذي بإمكانه تقديم خدمات في هذا الإطار.
إضافة إلى تقوية دور الولاة والعمال في مجال اللاتركيز ،فان الدستور المغربي لسنة 2011قد ارتقى بالوضعية القانونية لمندوبيات الوزارات على المستوى الترابي من المصالح الخارجية إلى المصالح اللاممركزة تعزيزا لسياسة اللاتركيز.

الفقرة الثانية: الارتقاء بوضعية مندوبيات الوزارات على المستوى الترابي

إن اختيار المشرع المغربي لمصطلح "المصالح اللاممركزة" بدل مصطلح  " المصالح الخارجية " يدل على الأهمية التي يحظى بها تدعيم نظام اللاتركيز لإداري ببلادنا.
هذا الاختيار جاء نتيجة للعوامل التالية:
*    نهج سياسة لتجميع المصالح غير الممركزة على مستوى الجهة، وذلك في اتجاه التخلي عن التموقع على المستوى الإقليمي لفائدة التموقع على المستوى الجهوي.
*    يرى العديد من الدارسين إن الجهة ستشكل مجالا مفضلا لإحلال سياسة عدم التركيز، وستتيح للإدارة المركزية مراقبة وتأمين استمرارية أنشطة مصالحها غير الممركزة ليس فقط عن طريق مندوبيها الجهويين، ولكن أيضا عن طريق العامل كممثل للدولة من جهة ، وباعتباره مسؤولا عن تنفيذ القرارات الحكومية من جهة أخرى، وقائما على ضمان التنسيق بين مختلف أنشطة هذه المصالح.
*    إن رهان التنمية الجهوية يفرض على الإدارات المركزية في إطار سياسة اللاتركيز الإداري، إحداث مصالح غير ممركزة على مستوى الاختصاصات والموارد بكل الجهات ، حتى تتمكن هذه الأخيرة بواسطة والي الجهة وعمال الأقاليم من النظر في توزيع هذه المصالح بالتوازي على باقي التراب الوطني.
*    اللاتركيز بمثابة لازمة للامركزية، بحيث أنه لتوفير النجاح لهذا المبدأ كان على الدولة أن تؤكد التزامها المحلي بوضع المؤسسات الغير متمركزة من أجل إقامة حوار بين المنتخبين المحليين والممثلين المحليين للدولة.
بعد استعراض المستجدات التي جاء بها الدستور المغربي الجديد في مجال اللاتركيز، فان السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو أية أفاق يمكننا استشرافها لتطوير اللاتركيز الاداري ببلادنا ؟

المطلب الثاني : أفاق تطوير اللاتركيز الاداري
الفقرة الأولى: ضرورة إصدار الميثاق الوطني
إن من شأن إصدار الميثاق  الوطني للاتركيز أن يساهم في نظام فعال للإدارة لا ممركزة وذلك عن طريق تفعيل ما يلي :
*    إن النقطة المركزية الأولى في الميثاق المرتقب تتعلق بالقضية الجوهرية المرتبطة بتوزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والمصالح اللاممركزة . وفي هذا السياق، سيصبح اللاتمركز القاعدة العامة في توزيع المهام والوسائل بين مختلف المستويات الإدارية التابعة للدولة.
*    تقتضي عملية إعادة النظر في بنيات إدارة الدولة استخدام أساليب جديدة وحديثة للتدبير والتسيير ، أي أن التطورات المتلاحقة التي تعرفها أساليب التدبير الإداري تفرض نفسها على الإدارة المغربية، إذ هي أرادت أن تواكب التطورات والتحولات في مجال الممارسة الإدارية خصوصا على مستوى تدبير الموارد البشرية التي تعتبر أساس الممارسات والعمليات الإدارية على اعتبار عقلنه تدبير  وتسيير الموارد البشرية بالأساليب الرشيدة  والمتطورة يسمح للإدارة بتحقيق النجاعة والفعالية والجودة  لتقديم خدماتها للمواطنين وذلك عبر التكوين المستمر والتوجيه والمراقبة والجزاء عند الاقتضاء ، كما يجب اعتماد الية التدبير التوقعي للموارد البشرية.
*    ومن المنطقي أن تعزيز اللاتمركز سيساهم في أقلمة الدولة مع المجال الجهوي . فاذا كان على الجهة ان تمارس مهامها مع الأخذ بعين الاعتبار الدور الأساسي الذي تلعبه الدولة ، فعلى الدولة  كذلك أن لا تتجاهل الجهة وسيرورتها، ذلك أن الجهوية الموسعة تقتضي وجود ممثلين للدولة، أي ولاة وعمال، قادرين على العمل في إطار تشاوري مع المؤسسات الجهوية. كما يتعين على موظفي الدولة أن يعتبروا الجهة كمحور أساسي لتدخلاتهم وان يتخلصوا من نزوعم نحو التدبير المركزي المفرط الذي نعته الخطاب الملكي "بالمركزية المتحجرة".
*    ان هذا التوجه يتطلب معالجة إشكالية اللاتمركز بشكل شمولي وافقي وعدم اختزال المسألة وحصرها في الاهتمام بالوالي أو الولاية وهو ما يعني ضرورة الانكباب على تنطيم باقي مكونات منظومة اللاتمركز الإداري، وتحديد علاقتها ببعضها البعض بما في ذلك وضعية المصالح اللاممركزة المتواجدة على المستويات الإقليمية.
إذا كان إصدار الميثاق الوطني للاتركيز سيساهم في وضع نظام فعال للإدارة فانه اعتماد تقسيم ترابي ناجع من شأنه أن يساعد كذلك على التطبيق الأمثل لمقتضيات هذا الميثاق حال صدوره.

الفقرة الثانية : وجوب اعتماد تقسيم ترابي ناجع
يشكل التقطيع الترابي جانبا أساسيا من مشروع الإصلاح الجهوي. فمن بين ما أشار إليه صاحب الجلالة من الأهداف في خطاب   3يناير 2010 ابراز " جهات قابلة للاستمرار"، متماسكة ومستقرة تقام على أعلى المعايير وجاهة.
كما يوضح خطاب 6 نونبر 2008 أن " نجاح الجهوية رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا ". فحسب الخطاب الملكي، يرتبط نجاح هذا الورش بنجاعة التقسيم الجهوي كأساس للاصلاح على المستويين البنيوي والوظيفي.
ويبدو أن السلطات العمومية ستتخلى عن الخريطة الجهوية الحالية ، وأنها مدعوة لتحديد معايير سوسيو اقتصادية وديموغرافية وجغرافية لاعتماد تقسيم جديد من شأنه تعزيز دور الجهة في كل الميادين.
وقد ركز الخطاب على فئتين من المعايير الواجب أخذها في الاعتبار . ويتعلق الأمر ،أولا , بالمعايير الاقتصادية والجغرافية التي تشكل مراجع موضوعية ترتبط بالمستقبل وتجسد الجهوية العلمية، ثم ثانيا بالمعايير الاجتماعية والثقافية التي تعد من المراجع الذاتية ذات الصلة بالماضي والتي تجسد الجهوية العاطفية . والإشكالية التي يطرحها الخطاب بطريقة ضمنية تكمن في ضرورة التوفيق بين التكامل الاقتصادي والجغرافي بين الجهات من جهة والانسجام الاجتماعي والثقافي من جهة أخرى.
لذا يجب على أي تقسيم جديد ألا تطغى عليه الاعتبارات الإدارية وحدها بل يجب أن يراعى في المقام الأول الاعتبارات التي  تمليها عملية تشريع وتعجيل التنمية  الاقتصادية والاجتماعية المرجوة إلى جانب الاعتبارات الإدارية، الطبيعية والعوامل الاجتماعية والتاريخية وذلك بشكل إنعاش أي جهة رهين باستعمال وتطوير إمكانياتها الذاتية أو لا ورهين تعاون جهوي تفرضه ضرورة التكامل على الصعيد الوطني خدمة لما فيه مصلحة جميع جهات البلاد ثانيا.
إن ما يميز مشروع التقسيم الجهوي المقترح من طرف اللجنة الاستشارية للجهوية هو تحديد عدد الجهات الواجب إحداثها بغية تعزيز الحكامة الترابية والذي اقترح في 12 جهة مقسمة على الشكل التالي:
1.     طنجة_ تطوان
2.     الشرق _الريف
3.     فاس _ مكناس
4.     الرباط_ سلا _القنيطرة
5.     بني ملال _خنيفرة
6.     الدار البيضاء_سطات
7.     مراكش_اسفي
8.     درعة_ تافيلالت
9.     سوس _ ماسة
10.                       كلميم – وادي نون
11.                       العيون_ الساقية الحمراء
12.                       الداخلة_ وادي الذهب
إن هذا التقسيم المقترح من شأنه أن يحقق نوعا من التكامل بين مختلف الجهات حيث سيضمن توزيعا عادلا للمصالح اللامتمركزة التي ستساهم في تقريب الإدارة من المواطنين وجعل هذه المصالح تتمتع بصلاحيات واسعة في اتخاذ القرار لما فيه تحسين صورة العمل الإداري على المستوى الترابي وتخفيفا للآثار السلبية الناتجة عن المركزية المتحجرة .

خاتمة عامة:
       تعتبر اللامركزية إجراء يهدف إلى إشراك المواطنين في تدبير الشأن العام عبر ممثليهم وذلك عن طريق تحويل اختصاصات الدولة إلى الجماعات الترابية التي تبقى خاضعة لمراقبة ووصاية السلطات العمومية . فاللامركزية بهذا المعنى ، هي اختيار تدبيري لتمايزات وخصوصيات المجتمع في أفق تعزيز وتدعيم السيرورة الديمقراطية لصياغة واتخاذ القرارات  تساهم فيها كل الفعاليات والتنظيمات المدنية وجميع المتدخلين.
      أما فيما يتعلق باللاتركيز، فيهدف بالأساس الى إعادة توزيع السلط داخل إدارة الدولة من المصالح المركزية الى المصالح الخارجية، بحيث تمارس الأولى رقابة تسلسلية على الثانية  .
     من خلال هذه المقارنة ، يتضح أن مفهومي اللامركزية واللاتركيز، وإن كانا يختلفان في الجوهر ، فهما يهدفان الى وضع أسس إدارة القرب وتخفيف الأعباء عن المركز .
ويتضح لنا جليا أن الدستور المغربي الجديد قد ارتقى باللاتركيز الإداري حيث عزز في هذا الصدد من دور الولاة والعمال بجعلهم ممثلي السلطة المركزية والعاملين باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون ،وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها ، وممارسة المراقبة الإدارية.
كما أن الدستور الجديد لبلادنا قد استعمل لأول مرة في تاريخ المغرب منذ الاستقلال مصطلح "المصالح اللاممركزة للادارة المركزية" ، تعبيرا عن رغبة المشرع المغربي في تعزيز مسار اللاتركيز كنمط لتكريس ادارة القرب من الموطنين.



























 :المراجع المعتمدة
    


v    الدستور المغربي 2011

v    تقرير حول الجهوية المتقدمة ، اللجنة الاستشارية للجهوية


v    القانون الإداري بالمغرب ( الجزء الأول ) التنظيم الإداري لدكتور جيلا لي شبيه

v    مليكة الصروخ، "القانون الإداري، دراسة مقارنة" الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الطبعة السادسة نونبر 2006

v    بخنوش عبد الكريم : " عدم التركيز الإداري بين العمالة والإقليم " المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،سلسلة "مواضيع الساعة " عدد 52 ، 2006 ، ص.41_42.

v    الموقع الالكتروني للأمانة العامة للحكومة www.sgg.ma

v    موقع للمستجدات والتقارير القانونيةwww.mctp.ma  




TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *