-->

الوقاية الداخلية والخارجية في نظام صعوبات المقاولة



مقدمة:
نظرا للدور الذي تلعبه المقاولات في إرساء الأسس المتينة للبناء الاقتصادي وإنماء المجال الاجتماعي، تدخل المشرع عن طريق سنه لمجموعة من القوانين بهدف تشجيع المقاولات لضمان استمرارية مزاولة نشاطها تجاوزا لسلبيات نظام الإفلاس الذي كان يؤدي إلى الإقصاء من المحيط الاقتصادي، فشكل نظام مساطر صعوبات المقاولة آليات ذات مضمون اقتصادي ومالي واجتماعي ومعالجة مكامن الخلل التي تعاني منها المقاولة المتوقفة عن الدفع، ساير المشرع المغربي التشريع الفرنسي باستبدال نظام الإفلاس لظهير 12 غشت 1913 الذي كان يغلب عليه الطابع التصفوي والعقابي دون مراعاة الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية بنظام صعوبات المقاولة (الكتاب الخامس) من مدونة التجارة، الذي أوجد مقاربة توافقية بين المقاولة ومحيطها ومساهمتها كفاعل وطني في الاقتصاد لمواجهة المنافسة التجارية الدولية غايتها تحقيق المصلحة العامة.
لذا تدخل المشرع لإقرار آليات الوقاية من الصعوبات تهدف إلى التصدي عن الوقائع التي من شأنها أن تخل باستمرارية المقاولة وتتحدد بالأساس في مسطرة الوقاية الداخلية المادتين (546-547) التي تقوم بها أجهزة المقاولة، ومسطرة الوقاية الخارجية[1] (548-549) تتم عن طريق تدخل رئيس المحكمة التجارية بعد إخباره من قبل رئيس المقاولة أو مراقب الحسابات ومسطرة التسوية الودية كآلية جديدة للوقاية من الصعوبات يحركها رئيس المقاولة في شكل طلب لرئيس المحكمة التجارية لإنقاذها ما لم يقتضي الأمر اللجوء لمساطر المعالجة وتصفيتها قضائيا.
لكن تبقى الأهمية من مساطر الوقاية في نظام صعوبات المقاولة من الناحية الاقتصادية هي محاولة انقاد المقاولة والحفاظ على صيرورتها ومن الناحية العملية في معرفة مدى نجاعة هذه المساطر على مستوى الواقع العملي.
إذن فماهي آليات الوقاية من الصعوبات؟
وماهي أهم الإشكاليات المثارة في تطبيق هذا النوع من المساطر؟
 سنعالجها من خلال التركيز على أهم النقط المتمثلة في:
-      الإطار القانوني لكل من مسطرة الوقاية الداخلية والخارجية
-      الإشكالات الناتجة من الوقاية الداخلية والخارجية في نظام صعوبات المقاولة.


أولا: الوقاية الداخلية وإشكالاتها في نظام صعوبات المقاولة
يرجع تسمية هذه المسطرة بالوقاية الداخلية إلى كونها تجري بين الأجهزة الداخلية للمقاولة دون أي تدخل من أي جهة خارجية كالدائنين أو رئيس المحكمة، ويترتب عن ذلك ميزة أساسية تميز هذه المسطرة وهي كونها سرية. إذا فمن خلال هذا الشق سنحاول التطرق للإطار القانوني لمسطرة الوقاية الداخلية ثم نتناول الإشكالات التي تطرحها.
أ- الإطار القانوني لمسطرة الوقاية الداخلية.
تعتبر الوقاية الداخلية إحدى المساطر التي خصها المشرع المغربي في الكتاب الخامس من مدونة التجارة للقضاء على كل العلامات والإشارات التي تنذر بوجود اختلالات من شأنها تهديد استمرار استغلال المقاولة وبالتالي فالوقاية الداخلية تختلف عن الوقاية الخارجية على عدة مستويات من حيث نطاق تطبيقها على الأشخاص ثم على مستوى الهيئات التي تتكلف بتحريك هذه المسطرة وإجراءاتها.
* تطبيق الوقاية الداخلية لصعوبات المقاولة من حيث الأشخاص
الوقاية الداخلية من الصعوبات المتمثلة في وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة لا تطبق سوى على الشركات التجارية بما في ذلك تلك التي لا يوجد بها مراقب أو مراقبون للحسابات هذا ما يوحي به التعبير المستعمل في المادة 546 من مدونة التجارة وتطبق بالإضافة إلى الشركات التجارية على المجموعات ذات النفع الاقتصادي التي يكون لها عرض تجاري[2].
ولا تطبق مسطرة الوقاية الداخلية على شركة المحاصة ولو كانت شركة تجارية فلا تخضع للوقاية الداخلية ويرجع ذلك لعدم تمتعها بالشخصية المعنوية كما تكون الشركة ذات المسؤولية المحدودة ذات الشخص الواحد خاضعة لمسطرة الوقاية الداخلية في حالة تعيين مراقب الحسابات سواء كان التنفيذ اختياريا أو إلزاميا[3].
أما فيما يخص الشركات المدنية فهي لا تخضع لمساطر صعوبات المقاولة، لأن هذه المساطر نظمت بمقتضى المادة 1 من مدونة التجارة الشيء الذي يؤدي تلقائيا إلى إبعاد الشركات المدنية ولو عينت مراقب الحسابات لأن تلك المساطر لا تطبق سوى الأنشطة والأعمال التجارية والشركاء والشركات.
كما أنه لا يسوغ تطبيق مساطر الوقاية الداخلية على المقاولات العمومية في المغرب وذلك لعدم وجود أية نصوص خاصة تعالج هذا المشكل وذلك على عكس المقاولات المختلطة التي تساهم الدولة فيها إلى جانب رأسمال القطاع الخاص فتخضع لمساطر الوقاية الداخلية شريطة أن تكون المقاولة تجارية أو صناعية أو حرفية، ولهذا يكون المشرع المغربي قد خالف نظيره الفرنسي الذي لم يشترط الصفة التجارية لإخضاع المقاولات لمسطرة الوقاية الداخلية أو ما يصطلح عليه في فرنسا نظام الطوارئ أو الإنذار المبكر.
* دور مراقب الحسابات والشريك في الوقاية الداخلية.
بالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 546[4] من مدونة التجارة يتضح لنا أن تحريك مسطرة الوقاية الداخلية في التشريع المغربي تنحصر في مراقب الحسابات إن وجد أو أي شريك في الشركة وذلك على خلاف القانون الفرنسي الذي يخول حق تحريك هذه المسطرة لكل من مراقب الحسابات ولجنة المقاولة le comité d’entreprise.
هذه الأخيرة التي لها أيضا واجب التنبيه حيث تبدأ العملية بطلب التوضيح من الإدارة ويمكن أن تتم من صياغة تقرير الإنذار الذي يمكن أن يساعد الأعمال التي قام بها محاسب الشركة والخطوة الأخيرة هي تقديم تقرير إلى مجلس الإدارة[5].
وعند غياب لجنة المقاولة يقوم بها مندوبي العمال والمستخدمين وبالتالي تتم الوقاية الداخلية في التشريع المغربي عن طريق القيام بالعديد من الإجراءات الوقاية داخل المقاولة بواسطة أجهزتها الداخلية (المادة 545 من مدونة التجارة) ودون أي تدخل خارجي ويبقى لمراقب الحسابات[6] أو الشريك[7] أهم دور في القيام بهذه الإجراءات وذلك من خلال مرحلتين:
المرحلة الأولى: الكشف عن ما يخل باستمرار استغلال المقاولة
خلال هذه المرحلة يقوم مراقب الحسابات أو الشريك بإخبار رئيس المقاولة بكل الوقائع التي توصل إليها أثناء ممارسة لمهامه داخل الشركة، أو التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المؤسسة داخل أجل 8 أيام من اكتشافه لهذه الوقائع.
ويتم إخبار رئيس المقاولة عن طريق إرسال رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، وينتظر مدة 15 يوما تبتدأ من يوم توصل الرئيس بالخطاب لمعرفة ما إذا قام هذا الأخير بالإجراءات اللازمة لتصحيح الوضع داخل المقاولة، وإذا لم يستجب رئيس المقاولة أو لم يصل شخصيا إلى حل مناسب فإنه يتم إخبار مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة حسب الأحوال كأجهزة داخلية لكي نساعد على إيجاد الحلول التي يمكن أن تكون نافعة لتصويب وضعية المقاولة[8].
غير أن المشرع المغربي حينما ألزم المراقب بإرسال رسالة مضمونة إلى رئيس المقاولة لم يحدد ما إذا كانت الرسالة ستوجه إلى المقر الاجتماعي للشركة، أم إلى محل الشيء الذي أدى إلى حصول عدة إشكالات على هذا المستوى.
ومسؤولية مراقب الحسابات في التشريع المغربي كبيرة بخصوص وقت تحريك مسطرة الوقاية الداخلية، فهو ملزم بعدم تحريكها قبل أوانها وأن لا يتماطل بعد حدوث ما يستدعي تحريكها، على عكس المشرع الفرنسي الذي تعامل بمرونة كبيرة مع مسؤولية مراقب الحسابات، وذلك فيما يتعلق بمسطرة الإنذار الداخلي المبكر لوجود صعوبة.. وقد كان غرض المشرع الفرنسي هنا إبعاد المخاوف عن مراقب الحسابات بحيث تنص المادة 234 من قانون 24 يوليوز 1966 بأن مسؤولية المراقبين لا يمكن أن تنجم عن مجرد الإخبار الوقائع التي تدخل في نطاق تنفيذ مهمتهم والمنصوص عليها في المادة 230-91 ما لم تشبث سوء نية مراقب الحسابات[9].
المرحلة الثانية: دعوة الجمعية العامة المقبلة للانعقاد
في حالة فشل رئيس المقاولة بمفرده، أو بمساعدة مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة خلال مهلة 15 يوم التي أعطاها مراقب الحسابات لهؤلاء من أجل الحصول على حلول ناجعة للوضعية المختلة للمقاولة، ففي هذه الحالة ينتقل مراقب الحسابات إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة الجمعية العامة المقبلة للانعقاد، من أجل تقديم التقرير الذي أنجزه بخصوص وضعية المقاولة وبالخروقات والأفعال التي إكتشفها أثناء ممارسة مهامه، وكذا الحلول التي يراها مناسبة أو إبداء اعتراضه عن القرارات التي اتخذها رئيس المقاولة إما شخصيا أو بمساعدة مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة
لأن استدعاء الجمعية العمومية العادية في الأصل يكون من طرف مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة، لكن في حالة تقاعس هذه الأجهزة يقوم مراقب الحسابات بدعوة الجمعية العمومية استثناءا.
وفي حالة ما إذا تهاونت الجمعية العمومية في التداول في موضوع فتح المسطرة أو أنها قامت باتخاذ قرارات غير صائبة لا تخدم مصلحة المقاولة[10] يقوم مراقب الحسابات بإخبار رئيس المحكمة بالحالة التي أصبحت عليها المقاولة، وعندها تنتهي مسطرة الوقاية الداخلية لتبدأ مرحلة وقائية خارجية تحت إشراف رئيس المحكمة[11].
ب- إشكالات مسطرة الوقاية الداخلية:
نجد بأن المشرع المغربي لم يعطي تحديد لمضمون الوقاية رغم أهميتها، بالنظر إلى ما قد تشكله من فضاء واسع للتشاور فيها بين الأطراف المعنية في بقاء المقاولة أو إحالتها مباشرة إلى التصفية، وانصب اهتمامه فقط على الجانب الشكلي والإجرائي للمسطرة، حيث ميز بين الوقاية الداخلية والوقاية الخارجية، واكتفى بدعوة مراقب الحسابات أو أي شريك بإخبار رئيس المقاولة عند إكتشاف الوقائع التي من شأنها تهديد الإستغلال التجاري، وذلك دون إشراك الدائنين في هذه العملية، رغم الارتباط الوثيق بين التمويل وبقاء المقاولة خصوصا إذا كانت قابلة للتقويم مما يستدعي القول بأن مؤسسة الوقاية تخفي أزمة ما[12]، وتنتج عنها مجموعة من الإشكالات:
§       غموض المفاهيم المسطرية للوقاية الداخلية: إن مفهوم الوقاية ماهو إلا مصطلح أجنبي دخيل مستمد من المجال الطبي والعسكري، ولما استعمله مشرعنا المغربي في معالجة صعوبة المقاولة كان محايدا للصواب لأن مفهوم الوقاية يعني الترقب والمواجهة، وهذا ما لا نجده في الوقاية الداخلية لأنه يكون قد فات الأوان وأصبحت المقاولة في وضعية صعبة ومتأزمة تتخللها مجموعة من الإختلالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية مما يستدعي ليس فقط الوقاية منها بل إصلاحها والعمل على تقويمها.
كذلك باستقرائنا لمضمون المادة 546 من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة نجد أن المشرع المغربي استعمل عبارة "وقائع" وذلك بصيغة الجمع وليس بالمفرد، وهي صيغة فضفاضة وواسعة تتعدد قراءاتها الأمر الذي قد يوحي بأن مراقب الحسابات لا يتدخل في صعوبات المقاولة إلا إذا اجتاحت هذه الأخيرة العديد من الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية اشتغالها مع أن الأمر خلاف ذلك.
إذ يكفي أن تعترض المقاولة واقعة وحيدة تجعل استمرار اشتغالها مختلة، وهذا عكس ما سار عليه المشرع الفرنسي في مادته 230 واستعماله تارة لصيغة "واقعة" بالمفرد وتارة أخرى "لوقائع" بالجمع[13]إضافة إلى ذلك فإن كلمة وقائع التي أوردها المشرع المغربي في المادة 546 لا تشترط فيها أن تخل باستمرارية استغلال المقاولة بل أن يكون من شأنها فقط أن تؤدي إلى هذا الاختلال وهو ما يجعل هذه الصياغة واسعة، الشيء الذي يجعل من الصعب جدا حصر أنواع وخصوصية هذه الوقائع، خصوصا وأن المشرع المغربي وعلى غرار نظيره الفرنسي والتونسي لم ينص على معايير أو مؤشرات دقيقة تساعد مراقب الحسابات على تقدير كل واقعة على حدة.
أما بخصوص ما تثيره المسطرة المتبعة في تحريك مؤسسة الوقاية الداخلية، فكما هو معلوم فإن مراقب الحسابات أو الشريك ملزم بتبليغ كل البوادر والإرهاصات التي يكتشفها وفق الطريقة القانونية أي برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل الأجل القانوني وإلا تحمل مسؤولية تقصيره وإهماله.
فهذه الطريقة في التبليغ غير كافية لوحدها لإبعاد المسؤولية عن المقصر في تحريك المسطرة لكون رئيس المقاولة قد يدفع بأن الرسالة التي توصل بها من المراقب أو الشريك كانت مجرد غلاف فارغ، أو كانت تتعلق بموضوع آخر لا علاقة له بالدعوة إلى تذليل وتجاوز الصعوبات المتكشفة[14]، كما أن مدة 8 أيام كمهلة لاكتشاف الاختلالات للتبليغ عنها وإن كانت تتناسب مع المدة المتطلبة من إدارة البريد إيصالها إلى رئيس المقاولة فإنها لا تتناسب مع ما تميز به عالم التجارة من سرعة وما تتطلبه مسطرة الوقاية الداخلية من حزم[15].
§       ضعف دور أجهزة الوقاية الداخلية: إن على مستوى مراقب الحسابات الذي يعتبر بمثابة وجدان المقاولة وبأنه حارس الحقيقة والنظام، وباعتبار مهامه توصف بأنها قضاء الأرقام فإن هذا يفرض عليه الاستقلال والحياد التام، غير أن تحريك مسطرة الوقاية الداخلية من لدن مراقب الحسابات تثير إشكالات كثيرة على مستوى تاريخ إكتشاف الوقائع، على اعتباره ليس المنال فصعوبته الواقعية لا تتلاءم مع السهولة النظرية القائمة على كفاءة مراقب الحسابات.
كما أن تحديد وقت انطلاق الوقاية الداخلية دقيق جدا ومراقب الحسابات يجد نفسه بين إثارة مسطرة الوقاية الداخلية قبل الأوان أو التأخر في إثارتها.
فالتأخير يفوت إمكانية تصحيحها، وتحريكها قبل الأوان يشكك في مركزها ويخلق الذعر فيها، خاصة وأن المؤسسات البنكية والمالية قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات احتياطية وإحترازية تضر بمصالح المقاولة المعنية، ومن ثم تضل مهام مراقب الحسابات محدودة ولا تحقق ما يتوخاه المشرع من تكليفه بهذه المهمة.
ثم على مستوى الشريك والذي نجد بأن منحه سلطة تحريك مسطرة الوقاية الداخلية يتناسب مع مصالحه ويستجيب لغيرته على الشركة، لكن تحريك هذه المسطرة من طرف أي شريك وفي أي وقت دون شروط مسبقة من شأنه أن يعرقل السير الحسن للشركة في حالة إظهاره سوء نية أو صراع المصالح أو نظرا لقلة تجربته في الكشف عن الوقائع في الوقت المناسب وذلك دون إغفال تقدير مسؤولية الشريك عن الأخطاء التي قد يرتكبها بمناسبة ممارسته لمسطرة الوقاية الداخلية وعليه فإن دور الشريك في تحريك مسطرة الوقاية الداخلية يبقى محدودا وفعاليته نسبية جدا.
من هذا المنظور يمكن القول أن مهمة الشريك تبقى شكلية وشرفية لا أقل ولا أكثر لأن أغلب المقاولات المغربية تتسم بطابعها العائلي، ذلك أن رئيس المقاولة لا يميز بين موقعه كرئيس وموقعه كرب للعائلة الشيء الذي يؤدي إلى تداخل المصالح والأجهزة في تدبير المؤسسة.






ثانيا: الوقاية الخارجية وإشكالاتها في نظام صعوبة المقاولة:
خلافا لما رأيناه بخصوص الوقاية الداخلية من الصعوبات الناتجة عن وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة.إلا أن هذه الوقاية قد يحالفها الحظ وتنجح ويتم انقاد المقاولة وتصحيح وضعيتها، وقد تفشل مما يستدعي القيام بإجراء ثان وهو الوقاية الخارجية.
إذن، فما هو الإطار القانوني لمسطرة الوقاية الخارجية؟ وما هي الإشكالات التي تعترض هذه الوقاية.
أ- الإطار القانوني لمسطرة الوقاية الخارجية
- إذا كانت الوقاية الداخلية كما قلنا سابقا تتجسد في وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة[16] لا تطبق في ضل القانون المغربي سوى على الشركات التجارية والمجموعة ذات النفع الاقتصادي التي تكتسب الصفة التجارية بحكم عرضها التجاري. فإن تطبيق الوقاية الخارجية وحسب المادة 548 تطبق على كل شركة تجارية أو مقاولة فردية تجارية أو حرفية وكل مقاولة جماعية تجارية أو حرفية مملوكة على الشياع تواجه صعوبات من شأنها الإخلال باستمرارية استغلالها أو نشاطها وتجري أيضا على شركات المحاصة التي لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية (المادة 88 من القانون رقم 8.96) لأنها بمثابة المقاولة الجماعية المملوكة على الشياع شريطة أن تكون هي الأخرى تجارية أو حرفية.
- وإذا كان نظام الوقاية الخارجية أوسع من نظام الوقاية الداخلية الذي يقتصر على المقاولات التي تتخذ شكل شركة إذ يشمل مفعوله سائر المقاولات التجارية سواء اتخذت شكل شركة أو لم تتخذ هذا الشكل أي سواء كانت فردية أو جماعية فإنه جاء ضيقا من ناحية أخرى، عندما جعل من اكتساب صفة التاجر ركنا جوهريا لتطبيقه بمعنى أخر وحسب المادة 548[17] من مدونة التجارة أن مساطر الوقاية الخارجية لا تطبق على المقاولات المدنية أو الشركات المدنية، ولم يكن القانون الفرنسي يختلف عن القانون المغربي سواء فيما يتعلق بمجال التطبيق أو الصفة التجارية، سوى في أن القانون الأول أضاف إلى الشركة التجارية والمقاولة الفردية التجارية أو الحرفية المجموعة ذات النفع الاقتصادي groupement d’intérêt économique طبقا للمادة 34 من قانون فاتح مارس 1984 حيث يتم إخبار رئيس المحكمة التجارية المختصة محليا من طرف رئيس المقاولة أو من طرف مراقب الحسابات عن عدم فعالية مسطرة الوقاية الداخلية ويقوم رئيس المحكمة التجارية وبناءا على أحكام المادة 548 من مدونة التجارة باستدعاء رئيس المقاولة قصد النظر في الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضعية وذلك بالنسبة لكل شركة تجارية أو مجموعة ذات نفع اقتصادي لها عرض تجاري أو مقاولة فردية تجارية أو حرفية يلاحظ أنها تواجه بعض الصعوبات التي تخل باستمرارية استغلالها.[18]
* الإجراءات المتبعة للوقاية من هذه الصعوبات
- يمكن لرئيس المحكمة التجارية على الرغم من أية مقتضيات مخالفة كما تنص على ذلك المادة 548 "أن بطلب عند نهاية الاجتماع الذي يعقده رئيس المقاولة قصد النظر في الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضعية للإطلاع على المعلومات التي من شأنها أن نعطيه صورة واضحة عن الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة وذلك عن طريق مراقب الحسابات أو الهيئات العمومية، فإذا تبين أن الصعوبات التي تعترض المقاولة قابلة للتذليل بفضل تدخل أحد الأغيار يكون بمستطاعته تخفيف الاعتراضات المحتملة للأشخاص المتعاملين مع المقاولة، جاز لرئيس المحكمة أن يعينه بصفة وكيل خاص بكلفه بمهمته ويحدد له أجلا معينا لإنجازها وذلك وفقا لمقتضيات المادة 549 من م ت،[19] وأمام عدم قيام المشرع ونظيره الفرنسي بتحديد طبيعة القرار الذي يتخذه رئيس المحكمة التجارية وهو بصدد تعيين أحد الأغيار كوكيل خاص لتدليل الصعوبات المتمثلة في وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة، إذ أن هذا القرار لا يخضع لأي طعن من الطعون العادية والغير العادية، وأضف إلى ذلك أن رئيس المحكمة التجارية المختصة محليا يملك سلطة تقديرية كما قلنا سابقا في اختيار الشخص الذي يعينه كوكيل خاص، وتقتصر مهمة الوكيل الخاص على مساعدة المقاول على انقاد المقاولة وتصحيح وضعيتها المالية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو القانونية دون أن يتدخل في شؤون الإدارة أو التسيير الذي يبقى من حق المقاول وحده.
ولقد كان تقييم الفقه الفرنسي لتجربة مسطرة الوقاية الخارجية سلبيا بحيث يرى فايق شربتي أن دور المسطرة صغير rôle mineur وباهت ومخيب للآمال وأن دور رئيس المحكمة سلبي un rôle passif أما روني ووبلو فيصفان هذه المسطرة بالنظام القانوني الذي لا يمنح لرئيس المحكمة أية سلطة ولا يحمل المسيرين أية التزامات، أما مشيل جانتان فيصف هذه المسطرة بالمسطرة المحتشمة très timide ودور رئيس المحكمة فيها دور أخلاقي ومعنوي  يبعده كثيرا عن دوره القضائي.
ونحن لا نشاطر الفقه الفرنسي هذا التشاؤم حتى وإن كان نظام الوقاية الخارجية المغربي مستمد من نظام الإنذار l’alerte الفرنسي لأن هذا النظام من طبيعة خاصة تروم انقاد المقاولة من الصعوبات بالتعاون بين المقاولين والجهاز القضائي وختاما فإن مسطرة الوقاية الخارجية كمسطرة لوقاية الداخلية قد تنجح وقد تفشل ونتيجة لهذا الفشل فنحن أمام خيار إجراء التسوية الودية.
* التسوية الودية كصورة للوقاية الخارجية من الصعوبات:
تعتبر التسوية الودية من مساطر الوقاية من الصعوبات أو مساطر الإنقاذ فهي مسطرة تعاقدية أو إنفاق ودي لا يخضع للإجراءات الشكلية المعقدة إلا أنه يحتاج إلى تصديق من طرف رئيس المحكمة التجارية والإبداع لدى كتابة ضبط المحكمة التجارية م (556 م ن) لضمان الشفافية والمصداقية التي توخاهما المشرع في إقحام القضاء في المسطرة خاصة وأن اتفاق التسوية الودية يبرم بمساعدة المصالح الذي يعينه رئيس المحكمة التجارية قصد إجراء مفاوضات توفيقية بين المقاول وكافة الدائنين بغية انقاد المقاولة من الصعوبات وتصويب وضعيتها المتعثرة (م 553 م ن)
وتنص المادة (550من م ن) على أنه يكون إجراء التسوية الودية مفتوحة) أمام كل مقاولة تجارية أو حرفية من دون أن تكون وضعية التوقف عن الدفع تعاني من صعوبات قانونية واقتصادية أو مالية أو لها حاجات لا يمكن تغطيتها بواسطة تمويل يناسب إمكانية المقاولة، يتقدم رئيس المقاولة بطلب من رئيس المحكمة يعرض فيه وضعيتها المالية والاقتصادية والاجتماعية...
ويستفاد من المادة 550 أن التسوية الودية لها شروطها ومميزاتها إلى جانب إجراءاتها وأثارها
شروطها:
-       يشترط لتطبيق مسطرة التسوية الودية أن تكون المقاولة تجارية وفي صياغة النص أن تكون تجارية أو حرفية l’entreprise commerciale ou artisanale طبقا للمادة 550 ف 1.
-       أن تكون المقاولة تعاني من صعوبات مالية أو قانونية أو اقتصادية تعبر عن وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال هذه المقاولة.
-       إذ أن المشرع لم يكتف بهذا وأضاف شرط أخر وهو إذا كانت المقاولة في حاجة ماسة إلى الأموال لتمويل مشاريع مستقبلية ولتوسيع أنشطتها لما قد يكون من ذلك من خير وبركة وأثار تنعكس إيجابيا على الاقتصاد والشغل والإنتاج والمستهلك وموارد الدولة.
-       أن تكون الصعوبات المذكورة قد أدت بالمقاولة إلى التوقف عن دفع ديونها المستحقة.
إجراءات التسوية:
-           بعدما يتوصل رئيس المحكمة التجارية بطلب من رئيس المقاولة يفتح مسطرة التسوية الودية يقوم باستدعائه عن طريق كتابة الضبط وذلك قصد تلقي شروحاته واستفساراته وإضافة إلى السلطات المخولة لرئيس المحكمة التجارية بمقتضى المادة 548 يمكنه تكليف خبير لإعداد تقرير حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والمالية والمقاولة وعلى كل المعلومات التي تتعلق بها.
-           وإذا تبين لرئيس المحكمة أن اقتراحات رئيس المقاولة من شأنها أن تساهم في انقاد وضعية المقاولة فتح إجراء التسوية الودية وعين مصالح لمدة لا تتجاوز 3 أشهر قابلة للتمديد شهرا حسب المادة 553[20] من م ن: ويحدد رئيس المحكمة مهمة المصالح المتمثلة في تسهيل سير المقاولة والعمل على إبرام إنفاق مع الدائنين ويطلع رئيس المحكمة المصالح على المعلومات المتوفرة لديه وإن اقتضى الحال نتائج الخبرة [21](المادة 552- 554 م ن).
-           وإذا رأى المصالح أن الوقف المؤقت للإجراءات من شأنها تسهيل الاتفاق أمكنه أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة الذي يمكنه بعد الاستماع إلى الدائنين الرئيسين أن يصدر أمرا يحدد مدة الوقف في أجل لا يتعدى مدة قيام المصالح بمهمته ويوقف هذا الأمر ويمنع كل دعوى قضائه بقيمها جميع الدائنين ذوي دين سابق تكون غايتها إما الحكم على المدين بسد المبلغ مالي وإما الحكم عليه بفسخ عقد بسبب عدم سداد مبلغ مالي، أو منع رهن رسمي أو رهن ما لم يصدر ترخيص من رئيس المحكمة.
-           وعند إبرام اتفاق مع جميع الدائنين، يصادف عليه رئيس المحكمة ويودع لدى كتابة الضبط، أما إذا ثم اتفاق مع الدائنين الرئيسيين فقد يمكن لرئيس المحكمة أن يصادق عليه أيضا وأن يمنع للمدين أجال الأداء، لوارده في نصوص المادة التجارية (556) ويتبث الاتفاق الذي يتم بين رئيس المقاولة والدائنين في محرر ويوقعه الأطراف والمصالح، وتودع الوثيقة التي تتضمن هذا الاتفاق لدى كتابة الضبط بالمحكمة التجارية التي فتحت إجراء التسوية الودية م (557م ن).
ب- إشكالات الوقاية الخارجية
كما قلنا سابقا أنه بمجرد ما تظهر بالمقاولة التجارية بوادر إرهاصات، تنبئ بتعرضها لصعوبات من شأن استفحالها أن يقودها إلى التوقف عن أداء ديونها في أجل استحقاقها تبدأ أجهزتها في إطار مسطرة الوقاية الداخلية باتخاذ إجراءات إدارية واقتصادية محددة للحيلولة دون تحول تلك البوادر إلى صعوبات حقيقية ذات تأثير على وضعية المقاولة، بيد أن الأجهزة الداخلية للمقاولة قد تفشل في مواجهة بوادر الصعوبات ووقايتها منها، أو أنها قد لا تقوم بأنه وقاية أصلا الأمر الذي يتطلب انطلاق مسطرة الوقاية الخارجية سواء بمبادرة تلقائية من رئيس المحكمة التجارية أو بناء على طلب رئيس المقاولة أو مراقب الحسابات ومن هنا نقول أنه إذا كانت النصوص المنظمة لهذه المسطرة في القانون الفرنسي مكثفة ومفصلة فإن مثيلتها في مدونة التجارة المغربية قليلة ومقتضبة تحدد الخطوط العريضة لإجراءاتها فقط، وهو ما ترك فراغات وخلق إشكالات بشكل يدعو إلى التساؤل ليس فقط حول فعاليتها في وقاية المقاولة وإنما أيضا حول كيفية تطبيقها[22].
ومن هنا ولما كانت إجراءات هذه المسطرة تتلخص في الاستماع لرئيس المقاولة أولا ودراسة وضعيتها ثانيا تم تعيين وكيل خاص ثالثا فإننا سنحاول مقاربة بعض الإشكالات القانونية والعملية التي تعترض تطبيقها لنقف على مدى فعالية الوقاية الخارجية في تأمين الحياة الاقتصادية للمقاولة
ومن هنا ومما لا شك فيه أن تحريك مسطرة الوقاية الخارجية في إطار السلطة التقديرية لرئيس المحكمة الذي يمكن أن يلجأ إليها تلقائيا أو بناء على طلب مراقب الحسابات أو رئيس المقاولة إذ نجد من بين الإشكالات المطروحة في هذا الشأن هو عدم إمكانية طلب فتح المسطرة من طرف الشريك مع انه صاحب المصلحة الأول في المقاولة وتتأثر وضعيته سلبا وإيجابيا بوضعيتها كما أنه يمكن أن يسد الثغرة التي يتركها عدم وجود مراقب الحسابات بالشركة خاصة وأن الأصل في تعيين المراقب أن يكون اختياريا ولا يكون إجباريا إلا في شركات المساهمة والشركات التي يتجاوز رقم معاملاتها عند اختتام السنة المحاسبية خمسون مليون درهم زيادتا على مشاكل أخرى إلا وهو مشكل يرتبط بعنصر الزمن فكثيرة هي القضايا المعروضة على المحاكم التجارية التي تتبت حقيقة واحدة، وهي أن الصعوبات تجاوزت مرحلة المساس باستمرار الاستغلال التجاري لتصل إلى مرحلة التوقف عن الدفع، وتفوت فرصة الاستفادة من الوقاية الخارجية بل يمكن لهذا التأخر أن يؤدي إلى تعثر مساطر المعالجة والانتقال إلى مسطرة التصفية القضائية كذلك يطرح الإشكال في هذه النقطة لماذا تعامل المشرع مع فئة الدائنين في إطار إبداء الرأي في هذه المرحلة وإعطاء معلومات لاستكمال عناصر الملف الأخرى إذ نجد أن المشرع المغربي لا يأت على ذكر الدائنين (المواد 548-522 من م ت) فيما يشكل تناقضا بين الموقف التشريعي والتوجه الوقائي الذي يفرض تهيئة الجهات المعنية والمؤثرة في نشاط المقاولة للانخراط في عملية تقويمها ومن هنا فإن فتح حوار في الإطار جمع عام للدائنين تحت إشراف المحكمة وذلك بعد تمكين الدائنين من الإطلاع على التقرير والمقترحات المودعة لدى المحكمة من طرف رئيس المقاولة (المدين) ومن هذا المنطلق بالذات وبعد أن يستدعي رئيس المحكمة  رئيس المقاولة للتشاور والتباحث بشأن الصعوبات قصد إيجاد مخرج لها بعد تشخيص الحلول الكفيلة لهذه الوضعية ومن هنا يطرح التساؤل حول ما إذا كان الاستماع لرئيس المقاولة من طرف رئيس المحكمة التجارية عملا إداريا أو قضائيا وهو تساؤل ينبع من كون المشرع لم يحدد مسطرة الاستماع لرئيس المقاولة ومن هنا فيبدو أنه وإن كان المشرع أعطى للأجهزة القضائية اختصاصات وصلاحيات مالية واقتصادية وإدارية غير معهودة، فإنها تقوم بها بواسطة وسائلها المسطرية المعهودة فالاستماع لرئيس المقاولة يتم بطريقة قضائية مما يقتضي التعليل الذي قد ينبني على تصريحات رئيس المقاولة التي لن تكون لها حجية إلا إذا كانت مسجلة في محضر قانوني ومن هنا فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 5/1/1999 أنه "... حيث تبين للمحكمة بشأن فتح المسطرة بعد استماعها لرئيس المقاولة، والذي صرح بغرفة المشورة على أنه وضعية المقاولة سليمة إزاء العمال وأن الديون البنكية لها ضمانات شخصية من الشركاء المتوفرين على الأغلبية..."[23] ومن هنا فإن الاستماع لرئيس المقاولة يتم في جلسة تنعقد بحضور كاتب الضبط الذي يدون التحركات في محضر قانوني يوقعه رئيس المحكمة ويوضع بالملف الذي فتح بخصوص الوقاية الخارجية للمقاولة ومن هذا المنطلق تبرز لنا إشكالية أخرى في الباب إذ مثلا قد يستدعي رئيس المقاولة بصفة قانونية للحضور لمكتب رئيس المحكمة إلا أنه قد يتخلف عن الحضور خاصة مع غياب أية وسيلة إجباره على ذلك[24] أو أن ترجع شهادة التسليم بملاحظة كون المحل مغلق، فما هو الإجراء الذي سيتخذه رئيس المحكمة في هذه الحالة؟ وهنا نجد أن توجه القضائي في هذه المسألة بعد الامتناع عن الحضور وإغلاق المحل قرينة على اختلال وضعية المقاولة وعلى توقفها عن دفع ديونها إذ نجد مثلا في حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 8/11/2000 إلى أنه "... وحيث تم استدعاء رئيس المقاولة المدعى عليها للاستماع إليه طبقا للقانون وذلك على العنوان الوارد بشهادة السجل التجاري الخاصة بالمدعى عليها، فرجعت شهادة التسليم بملاحظة أنه انتقل من العنوان حسب تصريح جيرانه مما يفيد وضع المدعى عليها حدا لنشاطها خاصة أن سجلها التجارة لم يرد فيه أي عنوان جديد..."[25] أما الأشكال الأخرى والذي لا يخلو من أهمية فهو إشكالية المهنيين إذ تنص المادة 549 من مدونة التجارة على مسألة تعيين الوكيل الخاص باقتضاب شديد بقيت معه مجموعة من النقاط عالقة منها ماهي طبيعة وكالة الوكيل الخاص؟ وكيف يتم تحديد أتعابه ومن يدفعها؟ وما مدى إمكانية تجريحه؟ ماهي ضوابط مهمته؟ وما مدى قيام مسؤوليته عن الأخطاء الصادرة عنه؟ الأمر الذي تصعب معه مهمة مسيري المسطرة ويخلف ارتباكا لدى الأطراف ومن هنا نقول أن رئيس المحكمة يملك السلطة التقديرية الكاملة لاختيار الوكيل الخاص والكيفية التي يتم بها هذا الاختيار وهذه الإشكالية تعرف اهتماما عمليا خصوصا وأن المشرع ذاته اغفل تنظيم المهن المرتبطة بالمحاكم التجارية كتعيين الوكيل الخاص والمصالح وتحديد أتعابهم وعليه فإن تعيين الوكيل الخاص يتطلب تطابقا وتأهيلا لنوعية المشاكل التي تعترض المقاولة وذلك لتسهيل إنجاح منظومة الوقاية الخارجية[26]  أو أنه قد لا يتم وضع أتعاب المصالح بصندوق المحكمة مما يؤدي إلى  حفظ مسطرة التسوية الودية، وهذا ما جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالرباط بتاريخ 7/6/2007 حيث جاء في حيثياته " ... وبناء على الأمر الصادر بتاريخ 7/6/2007 والقاضي بفتح مسطرة التسوية الودية في حق الشركة... وتعيين السيد... مصالحا في إطار المسطرة المذكورة والذي حددت مهمته وفق منطوق الأمر المذكور. وبناء على عدم وضع الطالب أتعاب المصالح بصندوق المحكمة والذي حددت أجرته في 3000,00 درهم على الرغم بتوصله بالإنذار بتاريخ 13/7/[27]2007.
 أما فيما يخص إشكالات والمعيقات التي تحول دون التسوية الودية إذ نجد رهانا جوهريا يتمحور حول ما مدى قناعة الأطراف المعنية بأن وقاية المقاولة لازالت في مجال الممكن لتخرج من عالم المستحيل وأن الإجراءات السابقة لم تستنفد جميع الوسائل لإنقاذ المؤسسة من الصعوبات التي تعترضها وفي هذه المرحلة نجد أن المشرع في إطار التسوية الودية نضمها من خلال إجراءات وشروط تصب في محاولة الصلح بين الأطراف رغم بعض الإشكالات التي تثيرها من ذلك مثلا غموض المقتضيات القانونية من خلال مثلا شرط التراضي ضمن مقتضيات التسوية الودية في كيفية إعادة جدولة الديون، إذ ينشأ اتفاق بين الدائنين ورئيس المقاولة حيث يعرض هذا الأخير اقتراحات وتعبر بمثابة إيجاب موجها إلى الدائنين بغية الحصول على قبولهم للعرض لكن الإشكال هنا هو أن هذا الصلح لا ينتج أثاره إلا بعد المصادقة عليه من لدن رئيس المحكمة التجارية مما يجعل هذه الوضعية تبدو كدليل قوي يبعد عن التسوية الودية الصفة العقدية المحضة وفي هذا الاتجاه نذكر أن موقف المشرع المغربي غير واضح بخصوص المصادقة على الصلح لذا ولكي تحافظ المحكمة على موقع حيادي مؤطر للوقاية، يجب أن تتأكد فقط من إمكانية التقويم. ومن هنا وبهذا الخصوص يمكن القول أن هذه الوضعية تفرض إعادة النظر في صياغة بعض المواد الخاصة بالوقاية والمرتبطة خاصة بالصعوبات ذلك أن طلب الوقاية يجب أن يكون بمجرد احتمال وقوع مشاكل وصعوبات تعترض الاستغلال التجاري، وليس بعد اكتشاف الوقائع الشيء الذي سيساعد المحكمة في إنجاز مهمتها داخل الفترة الزمنية المناسبة وكما أن الصلح كنظام في إطار التسوية الودية نجد مثلا في المادة 550 م.ت أن الصلح يطلب فقط بناء على مبادرة من رئيس المقاولة وبالتالي إقصاء للدائن مما يؤكد إتاحة الفرصة أمام الدائن لن تشكل سوى فرصة أمام رئيس المقاولة وكذا الأطراف المعنية لعرض المشاكل والصعوبات بالتالي إعادة بنائها وإنقاذها من التعثر[28] ولعل التبريرات التي لا يمكن التردد بشأنها بالخصوص في الطابع التأخر لتقديم الطلب وبعد تردي الوضعية الاقتصادية للمقاولة وفي عدم تنظيم حوافز اقتصادية تساهم في تشجيع الأطراف المعنية على استعادة الثقة هذا إذا لم توجد صعوبات قانونية تتجسد في صعوبة تنفيذ بعض بنود العقد بين المقاولة وأحد الأطراف المتعاملين معها، أما فيما يخص إشكالات التي تعتري المجال التدبيري خاصة صلاحيات رئيس المحكمة التجارية إذ نجد من أهمها أشكال امتناع الهيآت والمؤسسات المالية والإدارية عن الاستجابة لطلبه بخصوص المعلومات التي يرغب في الحصول عليها إذ أن مقتضيات التسوية الودية لا تحيل على إجراءات عقابية أو جزائية تطبق على الهيآت المعنية رغم كونها لا يمكن الاحتجاج بذريعة المحافظة على السرر المهني لأن مدونة التجارة جاءت صريحة في هذا الشأن  وبالتالي لا مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي[29]  أما الجانب الأخر فهو جانب تعين المصالح إذ نجد أن تعيين هذا الأخير يتم بشكل انفرادي من قبل رئيس المحكمة دون استشارة الأطراف المعنية رغم أن التسوية الودية في هذه المرحلة تضرب في طياتها مبدأ التشاركية لإنفاذ المقاولة وحفاظا على مصالحها وكذلك مشكل الوقت لإنجاز مهمته وكذلك، عدم جعل المصالح طرفا أصليا في التسوية الودية وكذلك عدم تحديد كيفية استكمال المعطيات لإجراء مهامه على أحسن وجه أما على مستوى الثالث فهو الوقف المؤقت للإجراءات الذي يسري هذا الأخير على جميع إن كانوا رئيسيين أو غير رئيسيين وكيفما كانت طبيعة ديونهم، أما في التوقيع على مقتضيات التسوية الودية فإن هذه الأخيرة تكون من حيث التصديق على مضامينها الذي ينجز بين جميع الدائنين والمدين يكون إلزاميا وهو اختياري حينما يبرم والدائنين الرئيسيين على رغم أن المشرع لم يحدد لنا في هذه النقطة وضعية الرئيسيين، وهذا ما جاء في إحصائيات ملفات التسوية الودية الخاصة بالمحكمة التجارية بالرباط منذ سنة 1998 إلى غاية 2009، ملف رقم 2005/5 ومآله قفل المسطرة لعدم إبرام اتفاق ودي بين الدائنين.[30]
وفي الأخير يمكن القول أن مسطرة الوقاية الخارجية تبقى ذات أهمية بالغة في إذكاء الحرص على وضعية المقاولة وحمايتها من كل ما من شأنه أن يقود إلى تصفيتها بيد أنه بالرغم من ذلك فإن فعالية هذه الوقاية تبقى غير مضمونة فعدم تنظيم كيفية القيام بالعديد من الإجراءات وطولها وتوقف بعضها على أخرى يتسبب في غياب السرعة والحزم اللازمين لكل وقاية لتبقى مسطرة الوقاية الخارجية رضائية وتطوعية يصعب الحديث عن نجاحها بدون رضا واتفاق جميع الأطراف[31].









خاتمة:
خلاصة القول أن مساطر الوقاية من الصعوبات تحيط بكل الصعوبات التي تعترض المقاولة من أجل حماية الاقتصاد الوطني وإنماء المجال الاجتماعي من خلال حماية الدائنين من جهة، وانقاد المقاولة باعتبارها الرهان الأساسي لتحقيق التنمية لكن في غياب الفعالية تجعل من أهداف هذا النظام تتسم بالسرعة وصولا إلى مساطر التصفية مما ينفي جليا التركيز على بعض المقترحات التي من شأنها أن تقوي الأهداف المتوخاة من وراء اقتباس هذا النظام وإقرار بعض الإصلاحات في أفق تأهيلها لدور طلائعي في مجال المساطر وفق الآتي:
-    إحداث لجن أو هيأت لتخطي المقاولات الصعوبات التي تعترضها على نهج التشريع الفرنسي، فعلى المستوى المحلي ثم إنشاء لجنة محلية لتجنب المشاكل الحالية للمقاولة C.OD.E.F.I)) وعلى المستوى الوطني ثم إنشاء اللجنة الوزارية إعادة البناء الاقتصادي (C.I.RI) لاقتراح الحلول وإعطاء مهلة للمقاول لتسديد الديون أو منح قروض بفوائد منخفضة
-    وضع مدد خاصة بالآجال التي يمكن لرئيس المحكمة أن يمنحها للمدين قصد أداء الديون غير المشمولة بالاتفاق الودي وعدم التشدد في منح أي مهلة للأداء في حالة العجز من الوفاء بها عند حلول الأجل.





المراجع المعتمدة:
w      فاتحة مشماشي: "أزمة معالجة صعوبات المقاولة"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، أكدال السنة الجامعية 2006/2007.
w      امحمد لفروجي، التوقف عن الدفع في قانون صعوبات المقاولة –عدد1- مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء- طبعة 2005 .
w      أحمد شكري السباعي- الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها- دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن الجزء الأول- الطبعة الأولى 1998- مطبعة المعارف الجديدة- الرباط .
w      عبد الرحيم القريشي، الوقاية الخارجية من صعوبات المقاولة بين إشكالية التطبيق واقتضاب التنظيم بمجلة الملحق القضائي-العدد37.
w      بنخير: مراقب الحسابات ودوره في تفعيل مساطر الوقاية من الصعوبات، منشور بمجلة  صعوبة المقاولة وميدان التسوية القضائية من خلال  اجتهادات المجلس الأعلى، مطبعة الأمنية ، الرباط 2007
w      امحمد لفروجي، محاضرات ألقيت على طلبه ماستر قانون الأعمال والمقاولات الموسم الجامعي 2005-2006.
المرجع باللغة الفرنسية:

Dominique legeais, droit commercial. Edition 12e -1998.
Dominique legeais, droit commercial et des affaires, édition 17 ,2007.






[1] - هناك من اعتمد تقسيما ثلاثيا لمساطر الوقاية أي الوقاية الداخلية والوقاية الخارجية ثم التسوية الودية على خلاف التقسيم الثنائي الذي سار عليه الفقه المغربي، انظر عبد الرحيم القريشي: الوقاية الخارجية من صعوبات المقاولة بين إشكالية التطبيق واقتضاب التنظيم بمجلة الملحق القضائي-العدد37- ص 140.
[2] - أمحمد لفروجي، التوقف عن الدفع في قانون صعوبات المقاولة –عدد1- مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء- طبعة 2005 ص 16.
[3] - أحمد شكري السباعي- الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها- دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن الجزء الأول- الطبعة الأولى 1998- مطبعة المعارف الجديدة- الرباط ص 157.
[4] - تنص الفقرة الأولى من المادة 546 من مدونة التجارة على انه «يبلغ مراقب الحسابات إن وجد أو أي شريك في الشركة لرئيس المقاولة الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلالها داخل ثمانية أيام من اكتشافه لها برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل يدعوه فيها إلى تصحيح ذلك الإخلال».
[5]- le comité d’entreprise dispose aussi du devoir d’alerte, la procédure commence par une demande d’explication à la direction, elle peut se poursuivre par la rédaction d’un rapport d’alerte pour lequel le comité d’entreprise peut se faire assister d’un expert comptable rémunéré par l’entreprise la dernière étape est la communication de ce rapport à l’organe collégial d’administration ou de surveillance ou à défaut aux associés
 Dominique legeais, droit commercial. Edition 12e -1998- page 362.
[6] - لقد عرف المشرع المغربي مراقب الحسابات من خلال المادة الأولى من قانون رقم 89-15 المتعلق بتنظيم مهنة الخبرة المحاسبية وإنشاء هيئة الخبراء المحاسبين بقوله: «الخبير المحاسب هو من تكون مهنته الاعتيادية مراجعة وتقدير وتنظيم محاسبات المنشآت والهيئات  التي لا ترتبط معها بعقد عمل» فمراقب الحسابات حسب هذا التعريف هو شخص لا يرتبط بعقد عمل مع المقاولة التي يمارس بها مهامه كما أنه مستقل  ومسجل في جدول هيئة الخبراء المحاسبين.
[7] - بالرجوع إلى مقتضيات المادة 546 من مدونة التجارة نجد أن المشرع المغربي أسند مهمة تحريك مسطرة الوقاية الداخلية إلى الشريك في الشركة.
[8] - المادة 546.
[9] -  بنخير: مراقب الحسابات ودوره في تفعيل مساطر الوقاية من الصعوبات، منشور بمجلة  صعوبة المقاولة وميدان التسوية القضائية من خلال  اجتهادات المجلس الأعلى، مطبعة الأمنية ، الرباط 2007، ص65.
[10] - مما يجعل صعوبة استمرار المقاولة في مزاولة نشاطها قائمة.
[11] - المجلة السابقة، ص 66.
[12] - فاتحة مشماشي: "أزمة معالجة صعوبات المقاولة"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، أكدال السنة الجامعية 2006/2007، ص 22.
[13] - أحمد شكري السباعي، مرجع سابق، ص 157 و158.
[14] - أمحمد لفروجي، محاضرات ألقيت على طلبه ماستر قانون الأعمال والمقاولات الموسم الجامعي 2005-2006.
[15] - أحمد شكري السباعي، مرجع سابق ص 191.
[16] - الدكتور أحمد شكري السباعي،  الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة،  مرجع سابق.
[17] -  انظر المادة 548 منن مدونة التجارة .
[18] - د. أحمد شكري السباعي، نفس المرجع السابق، ص243.
[19] - المادة 549 من مدونة التجارة.
[20] - المادة 553 من مدونة التجارة .
[21] - المادة 552  و554 من مدونة التجارة.
[22] - عبد الرحيم القريشي "الوقاية الخارجية من صعوبات المقاولة بين إشكاليات التطبيق واقتضاب التنظيم "مجلة الملحق القضائي" عدد 37 ص 142.
[23] - المحكمة التجارية بالدار البيضاء، حكم رقم 103/99 بتاريخ 5 يناير 1999 في الملف عدد 3894/98.
[24] - فاتحة مشماشي "أزمة معالجة صعوبات المقاولة" أطروحة لنيل دكتوراه كلية الحقوق أكدال الرباط لسنة 2006/2007 ص 91.
[25] - المحكمة التجارية بالرباط حكم عدد 33 بتاريخ 8/11/2000 في الملف رقم 5-3-99.
[26] - فاتحة مشماشي، مرجع سابق، ص94.
[27] -  قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالرباط بتاريخ 7/6/2007 في ملف  رقم 017 .
[28] - فاتحة مشماشي "أزمة معالجة صعوبات المقاولة"  المرجع السابق، ص 95 وما بعدها.
[29] -   ينص الفصل 446 ق ج م " وكل شخص يعتبر  من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة إذا أفشى سرا أودع لديه وذلك في غير الأمور التي يجيز فيها القانون أو يوجب فيها التبليغ عنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 120 إلى 1000 درهم".
[30] - إحصائيات ملفات التسوية الودية الخاصة بالمحكمة التجارية بالرباط منذ سنة 1998 إلى غاية 2009 ( موجود في الملحق).
[31] - عبد الرحيم القريشي الوقاية الخارجية من صعوبات بين إشكاليات التطبيق واقتضاب التنظيم مرجع سابق ص 155.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *