-->

التطور التاريخي للمنازعات الجبائية بالمغرب



مقدمة
تلعب الموارد الجبائية دورا مهما في تمويل خزينة الدولة بالإضافة إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و لهذه الأسباب عهد المشرع للإدارة نفسها باعتبارها سلطة عامة أمر فرض الضرائب و جبايتها وهدا التدخل المستمر لإدارة الضرائب بحكم وظيفتها في خوض و تحصيل الضريبة يثير لدى الملزم كثير من الخلافات، و كما هو معلوم فالنظام الضريبي المغربي  نظام  متشعب و متشابك و بالغ التعقيد، و ما يزيد في صعوبة الإحاطة به  و فهمه، التعديلات المستمرة الواردة في القوانين المالية السنوية أو التعديلية مما يعني أننا بصدد ظاهرة عدم الاستقرار الجبائي الذي ينتج عنه ازدياد في حجم النزاعات بين أطراف العملية الجبائية أي الملزم  و الإدارة الجبائية.
و تصنف النزاعات الجبائية إلى نزاعات في الوعاء و نزاعات في التحصيل. و النزاع الضريبي عموما هو : ذلك  الخلاف القائم بين الإدارة الضريبية و الملزم كيفما كان نوعه إذ يدفع فيه كل طرف بموقف متعارض مع موقع الطرف الأخر بوثائق تبوثية أمام جهاز قضائي يفصل بينهما بإصدار حكم تنفيذي و ملزم.
وفي مفهوم أوسع يعرف النزاع الجبائي بأنه : "مجموعة الأساليب القانونية  التي يتم  بمقتضاها فض النزاعات التي تنشأ عن تطبيق قانون  الضريبة من طرف الإدارة الجبائية على الملزم"(1).
 


1 عبد القادر تيعلاتي : النزاع الضريبي في التشريع المغربي. دار النشر المغربية طبعة 2007.
و يبقى القضاء جهة الحسم النهائية في فض المنازعة الجبائية التي لا يمكن أن يلجأ إليها الملزم إلا بعد أن يستنفد المرحلة التمهيدية (الإدارية) سواء حينما  يتقدم بمطالبته أمام الإدارة الضريبية، ولم يرضه قرارها آو عندما لم تجبه هذه الأخيرة عن مطالبته خلال الآجال المحددة. 
و من خصوصيات المنازعة أنها تمر على مراحل، أي أنها لا ترفع مبدئيا إلى القضاء  بل لابد من المرور من مرحلة الطعن الإداري آو أمام اللجان الضريبية حسب الحالات، فتقديم المطالبة النزاعية أمام الإدارة الجبائية في مجال منازعات الوعاء الضريبي، إجراء إلزامي  قبل نشر الخلاف أمام أنظار القضاء  الإداري  و خاصة المحاكم الإدارية التي تختص في تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالانتخابات و الضرائب  و نزع الملكية لأجل المنفعة، آو البث في الدعاوى المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة(2) .
النزاع الضريبي ليس وليد الحاضر بل هو قديم قدم الجباية إلا أننا سنقتصر في عرضنا على مسايرة النزاع الضريبي بالمغرب في مرحلة ما قبل إحداث المحاكم الإدارية (مبحث أول) و خاصة مرحلة ما قبل الاستقلال (مطلب أول) وفي مرحلة ما بعد الاستقلال (مطلب ثاني) ثم التطرق إلى المراحل التاريخية التي عرفها بعد إحداث المحاكم الإدارية (مبحث ثاني) وخاصة في مرحلتي ما قبل صدور المدونة العامة  للضرائب (مطلب أول) و بعد صدور المدونة العامة للضرائب (مطلب ثاني).  و انطلاقا مما سبق سنحاول قدر الإمكان الإجابة على الإشكالية التالية :
 


2 المادة 8 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية.

ما هو المسار التاريخي الذي مرت منه المنازعات الجبائية بالمغرب؟
سنحاول مقاربة هذه الإشكالية انطلاقا من التصميم التالي:


مقدمة

المبحث الأول :    المنازعات الجبائية قبل إحداث المحاكم الإدارية
المطلب الأول :   المنازعات الجبائية قبل الاستقلال
المطلب الثاني :   المنازعات الجبائية بعد الاستقلال

المبحث الثاني :    المنازعات الجبائية بعد إحداث المحاكم الإدارية
المطلب الأول: المنازعات الجبائية قبل صدور المدونة العامة                                    للضرائب
المطلب الثاني: المنازعات الجبائية بعد صدور المدونة العامة للضرائب

خاتمة


المبحث الأول :  المنازعات الجبائية قبل إحداث المحاكم الإدارية
يمكن تصنيف المنازعات الجبائية بالمغرب خلال هذه المرحلة إلى فترتين رئيسيتين  وهما : فترة ما قبل الحماية و فترة الحماية.
المطلب الأول : المنازعات الجبائية خلال فترة ما قبل الاستقلال
v   فترة ما قبل الحماية :
   يجب الإقرار بأن تاريخ الجباية المغربية  في عمقها التقليدي القديم يتطابق وإلى أبعد الحدود مع الخاصيات و المسار الذي ميز ممارسة السلطة و الحكم السياسي في مغرب ما قبل الحماية. خاصة خلال منظومة "المخزن الجبائي"  الذي سيعمد إلى توظيف مكثف و متنوع للجباية سواء كانت ذات طابع سيادي تقليدي، أو ذات طابع جمركي (3).
و خلال هذه الفترة عرفت بعض الجبايات كان المستفيد الأول منها المدينة في إحدى منشاتها آو إنشاء تجهيزات تتطلبها الحاجات المحلية  بما تسمى المستفادات آو المستفاد(4).
و المغرب كان يعتمد أساسا على مبادئ و أحكام الدين الإسلامي و خاصة في المجال الضريبي فإلى جانب الضرائب السيادية (الهدية، السخرة، الحركة، الغرامة، الدعيرة، الملاقاة، النايبة.....) كانت هناك ضرائب دينية كالزكاة و الأعشار، الجزية و الخراج(5)  بالإضافة إلى ضرائب تجارية جمركية كالمكوس عند أبواب الأسواق و المدن و المستفاد أو المستفادات.

 


3 سعيد جفري، هشام مليح و عبد الاله منظم : جبايات الجماعات المحلية بالمغرب مطبعة طوريس الطبعة الاولى 2008.
4 عبد المجيد اسعد مالية الجماعات المحلية بالمغرب طبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء 1991 ص136.
5 مدني احميدوش. الوجيز في القانون الجبائي على ضوء اخر التعديلات الطبعة الاولى2008 دار القلم ص 82 و ما بعدها.

وتلزم الإشارة إلى أن ثنائية أساسية ميزت البنية الجبائية التقليدية القديمة (الضرائب الشرعية و الضرائب غير الشرعية)، فالضرائب الشرعية و يقصد بها الموارد المالية الأساسية التقليدية للدولة الإسلامية وهي إما موارد دورية أو غير دورية،  فالموارد الدورية تتكون من الزكاة الخراج و الجزية، أما الموارد غير الدورية فتتكون من الغنائم و الفيء و التركة التي لا وارث لها. أما الضرائب غير الشرعية فتتمثل في المكوس والهدايا و المونة و السخرة و الذعيرة و هي جبايات ملزمة للجميع باستثناء بعض الشرفاء و أرباب الزوايا و قبائل الكيش و المحميون و القضاة و العلماء الذين يقومون بعملية التدريس (6).
و تجدر الإشارة إلى أن كل الضرائب الشرعية تحولت إلى ضرائب سيادية تنتزع بالقوة من جيوب الملزمين مما أثقل كاهل الملزمين الذين امتنعوا عن أداءها فظهرت بعض الانتفاضات مثل (انتفاضة الدباغين بفاس سنة 1875 و انولتان بدمنات سنة 1894 )(7).
و في حالة النزاع يتم اللجوء إلى ديوان المظالم الذي يعتبر شبه محكمة استئناف و قضاء إداري يلجأ إليه المواطنون بخصوص الحيف و الظلم الذي يطالهم من جباة الضرائب وكان السلطان نفسه ينظر في بعض هذه الشكايات و يستعين بهيأة من المعاونين و  المستشارين و القضاة و العدول ، و هذه الشكايات كانت تحت إشراف وزير الشكايات.
v   فترة الحماية :
   إن الظروف الاقتصادية و المالية الصعبة التي ميزت المسار التاريخي لحكم الأيالة الشريفة خلال فترة القرن 19 ستعجل بالخضوع للتأثيرات و التوجيهات الإصلاحية للقوى الاستعمارية الأجنبية انطلاقا من معاهدة الجزيرة الخضراء (1906) و بالأخص اثر خضوع المغرب  المباشر لنظام الحماية سنة 1912.
6 سعيد جفري : تدبير المالية العمومية بالمغرب مطبعة اوماكراف الدار البيضاء 2009 ص 83-87.
7 سعيد جفري نفس المرجع ص 76.
 وستعمل هذه المعاهدة في مرحلة أولى على تكريس التوجه الإصلاحي و التحديثي المدشن بواسطة معاهدة الخزيرات، كما ستكون فاتحة رسمية للتأثر و الأخذ بالنظام الجبائي للدولة الحامية (فرنسا)، و ذلك من خلال إحداث ضرائب جديدة كالاقتطاع من المرتبات و الأجور و الضرائب و الرسوم غير المباشرة كالرسوم على السكر و الزيوت و الكحول إلى جانب رسوم التسجيل و التمبر.
و لقد تميزت هذه الفترة بخاصيتين اثنتين رئيسيتين تمثلت الأولى في الاهتمام بالاعتبارات المالية المسطرة لخدمة الدولة الحامية، أما الثانية فسيتم توجيهها لخدمة حاجيات التمويل لفائدة الوحدات البلدية.
إن الجباية المغربية في هذه الفترة تأثرت بالجباية الفرنسية حيث قامت فرنسا بإدخال عدة إصلاحات همت النظام القضائي المغربي بموجب ظهير 12 غشت 1913 حيث تم إحداث (المحاكم الفرنسية) التي كانت تتكون من محاكم الصلح و المحاكم الابتدائية، و فيما يخص الاستئناف فكان يتم بمحكمة الرباط الاستئنافية  و التي كانت وحيدة و تم تدشينها سنة 1913.
و هذه الأخيرة واكبت التطور الحاصل في القوانين التنظيمية و قوانين الشكل و الموضوع ، فمارست دورها كمحكمة الدرجة الثانية بعد إقرار مبدأ التقاضي على درجتين.
لقد فضلت فرنسا تطبيق نظام وحدة القضاء، ليس أخدا عن النظام "الانجلو سكسوني" بل عن النظام التونسي المنبثق بدوره عن النظام الايطالي بناء على اتفاقية كان قد تم إبرامها بين فرنسا و ايطاليا(8) .
وفيما يخص المنازعات الضريبية في هذه الفترة فقد تم إحداث لجنة التحكيم بمقتضى المادة 20 من قانون 37.89 ، المتعلق بالضريبة الحضرية.

 


8 Nagssi Saqut « Le contrôle juridictionnel de l’administration contribution à une étude socio-juridique du contentieux administratif delà cour suprême » Thèse Paris H 1982


ولقد استقر القضاء المغربي على تطبيق قواعد قانونية متميزة  عن قواعد القانون الخاص في المواد الإدارية ومنها المنازعات الضريبية، ويؤكد (الأستاذ محمد مرغيني) على أن هذه القواعد كانت مستمدة من اجتهادات القضاء التونسي كما استعين في تفسير هذه النصوص بالأوضاع القائمة بتونس التي وجدت في ظروف و أوضاع متشابهة و لكنها أسبق في وضع نظامها القانوني(9).
لا يمكن إنكار أن القضاء الإداري المغربي تطور عما كان عليه في فترة ما قبل الحماية مما سيشكل تمهيدا للتطور أكثر فأكثر خلال مرحلة ما بعد الاستقلال.
المطلب الثاني :  المنازعة الجبائية بعد الاستقلال
بعد حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956 بدأ في تأسيس لبنات الإصلاحات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الإدارية و المالية، و أهم ما ركز عليه المغرب هو الحرص على إعادة تنظيم القضاء و مغربته.
o                  و تعتبر سنة 1957 من أهم المحطات التاريخية الكبرى حيث تم إنشاء المجلس الأعلى (10)  ويكون بذلك أعلى الهرم القضائي المغربي، حيث كان يشرف على جميع محاكم الموضوع بالمملكة و كان قانون 15 يوليوز 1974 هو من ينظمه  و يحدد اختصاصاته، فهو المحدد للتنظيم القضائي للمملكة و كذلك قانون المسطرة المدنية و بعض مقتضيات قانون المسطرة الجنائية و العدل العسكري، و في هذه الفترة كانت المحاكم الابتدائية هي المختصة في المنازعات الضريبية بالنظر للولاية العامة التي تتمتع بها في جميع أنواع القضايا طبقا للفصل 18 من قانون المسطرة المدنية.

 


9 حسن العفوي "تطور القضاء الإداري بالمغرب" مجلة المحاكم الإدارية سنة 2000 العدد 82 ص 19.
10 تم احدات المجلس الأعلى بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.57.223 المؤرخ في ربيع التاني 1373 الموافق ل 27 شتنبر 1957.
كما يمكن استئناف الأحكام المنبثقة عنها أمام محاكم الاستئناف. و يبقى الطعن، و النقض و الطعون الرامية إلى إلغاء القرارات الإدارية بسبب الشطط في استعمال السلطة من اختصاص المجلس الأعلى.
·        في سنة 1965 صدر القانون 64.03 بتاريخ 26 يناير و أصبحت جميع المحاكم المغربية موحدة و هي:
ü     محاكم السدد
ü     المحاكم الإقليمية
ü     محاكم الاستئناف
ü     المجلس الأعلى
و حلت اللغة العربية محل اللغة الفرنسية التي بقيت في العقود المسجلة في السجلات التجارية.
·          في سنة 1974 أصبح التنظيم القضائي يتكون من :
ü     محاكم الجماعات و المقاطعات
ü     المحاكم الابتدائية
ü     المحاكم الاستئنافية
ü     المجلس الأعلى
و جاء بعد ظهير 15 يوليوز 1974 (11) الذي حصر أنواع المحاكم الموجودة في :

 


11 الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 74.447 الصادر بتاريخ 11 رمضان 1394 الموافق ل 28 شتنبر 1974 (المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة).

ü     المحاكم العادية (صاحبة الولاية العامة).
ü     المحاكم المتخصصة.
ü     المحاكم الاستئنافية (تختص في محاكمة المسؤولين و الموظفين في المؤسسات العامة الذين تم تورطهم في جرائم الفساد المالي.
o                  تعتبر سنة 1984 محطة تاريخية كبرى تجلت في القانون الإطار للإصلاح الضريبي 83.3 بتاريخ 2 ماي 1984 و أهم ما جاء به التعديلات التي همت مسطرة التحكيم أمام اللجان التحكيمية المحلية و أصبح اسمها اللجنة المحلية لتقدير الضريبة بمقتضى مرسوم مؤرخ في 30 دجنبر 1987 قصد النظر ابتدائيا في الطعون المتعلقة :
ü     الضريبة على الشركات.
ü     الضريبة العامة على الدخل.
ü     الضريبة على القيمة المضافة.
ü     واجبات التسجيل و التمبر.
كما أن الطعن أمام اللجان المحلية لم يعد مرتبط بإرادة  مفتش الضرائب، إضافة إلى الرفع من آجال الطعن و تبسيط شكلياته، و هو ما يسهل لجوء الملزمين  إلى هذه اللجان، ومن جهة أخرى تناولت اللجنة الوطنية النظر في الطعون المتعلقة بالضريبة و التي كانت سابقا تسمى اللجنة المركزية.
فأصبح من حق كل من الملزم و الإدارة الضريبية الحق في تقديم طعون لدى هذه اللجنة شريطة أن يعبر الطرف الطاعن عن عدم  اقتناعه بقرار اللجنة المحلية مع التزامه بالآجال القانوني المحدد و أن يتضمن العريضة المقدمة إلى اللجنة مجموعة من البيانات الشكلية الإلزامية (الكتابة و الآجال).


المبحث الثاني : المنازعات الجبائية بعد إحداث المحاكم الإدارية
ارتأينا في هذا المبحث المتعلق بالمنازعات الجبائية بعد صدور القانون 41،90 المحدث للمحاكم الإدارية تقسيم هذه الفترة إلى المنازعات الجبائية قبل صدور المدونة العامة للضرائب ثم بعد صدورها.
المطلب الأول : المنازعات الجبائية  قبل صدور المدونة العامة للضرائب
يعتبر إحداث المحاكم الإدارية نتيجة حتمية لتطور الإنسان و نظرته إلى المجتمع و أفراده و ذلك من أجل أن يحتكم الجميع للقانون و بالتالي توفير ضمانات ناجعة تكفل احترام حقوق و حريات الأفراد في مواجهة الدولة التي يجب أن تخضع جميع سلطاتها للقانون.
أصبحت المحاكم الإدارية هي صاحبة الولاية العامة للنظر في النزاعات الجبائية بعدما كانت المحاكم الابتدائية هي صاحبة الاختصاص في النظر فيها، وقد تأسست المحاكم الإدارية سنة 1993 بموجب القانون 41.90 الذي اعتبر محطة تاريخية بارزة في السيرورة التاريخية للقضاء الإداري المغربي .
ويمكن تعريف المحاكم الإدارية بأنها الجهة القضائية المختصة بالبت في كل الدعاوى التي تنجم عن النزاع بين طرفين أحدهما جهة إدارية أي جميع أشخاص القانون العام وبلغ عدد المحاكم الإدارية  7 وتختص بالنظر في :
ü     النزاعات المتعلقة بإلغاء القرارات الإدارية بسبب تجاوز استعمال السلطة
ü     النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية.
ü     النزاعات المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة.
ü     النزاعات المتعلقة بالانتخابات.
ü     النزاعات المتعلقة بالضرائب.
ü     النزاعات المتعلقة بتحصيل الديون العمومية.
اعتبر القانون المالي لسنة 1995 نقطة تحول مهمة في تاريخ المنازعات الجبائية حيث نص المشرع المغربي على أنه لا يمكن الرجوع إلى الطرق الأخرى للتبليغ إلا بعد تعذر التبليغ بواسطة البريد المضمون إذ على الإدارة أن تثبت لجوءها إلى مسطرة التبليغ بالبريد المضمون أولا، وإثبات تعذر هذه الوسيلة في التبليغ حتى تشفع لها سلوك باقي المساطر الأخرى تحت طائلة بطلان مسطرة فرض الضريبة. ويوجه التبليغ عبر البريد المضمون للملزم مبينا عنوانه المدلى به في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته مع المصالح الضريبية(12).
و جاء تعديل القانون المالي لسنة 2001 ليتدخل لأول مرة و يعتبر رفض التبليغ هو بمثابة تبليغ بعد 10 أيام من تاريخ الرفض و ضرورة تحرير محضر عن طريق الأعوان المحلفين في حالة تعذر التبليغ دون أن ينص بشكل صريح على اعتباره تبليغا قانونيا (13).
و في سنة 2005 صدر كتاب خاص بالمساطر و المنازعات ونص على أن التبليغ يتم بالعنوان المحدد من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته، إما برسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتبليغ أو بالتسليم إليه بواسطة المأمورين المحلفين أو بالطريقة الإدارية. ويقدم العون التبليغ في ظرف مغلق في نسختين تسلم إحداهما إلى المعني بالأمر و تبين اسم العون المبلغ و صفته و تاريخ التبليغ و الشخص المسلمة إليه الوثائق(14).
و قد تم تجميع المنازعات الضريبية في المواد من 26 إلى 36 من كتاب المساطر الجبائية و الذي تضمنته المادة 22 من قانون المالية لسنة 2005، كما تم تعزيز هذه المرحلة بإحداث محاكم استئناف إدارية بمقتضى  الظهير الشريف رقم 07.06.1 المؤرخ في 14 فبراير 2006 المنشور بالجريدة
 


12 قرار الغرفة الادارية عدد 331 بتاريخ 07 03 2002بالملف الاداري 928/4/1/2001 قضية برصوغي ضد ادارة الضرائب.
13محمد قصري المنازعات الجبائية المتعلقة بربط  و تحصيل الضريبة امام القضاء المغربي دار ابي رقراق الطبعة التالتة 2011.
14 محمد قصري مرجع سابق ص 21.

الرسمية عدد 5398 بتاريخ 23 فبراير 2006 بتنفيذ القانون 80.03 (15) وحددت في محكمتين استئنافيتين إحداهما بالرباط و الأخرى بمراكش.
و أصبحت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تقوم بدورها الأصيل كمحكمة قانون بعد أن كانت لمدة 13 سنة تنظر كمحكمة موضوع في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية.
المطلب الثاني :  المنازعات الجبائية بعد صدور المدونة العامة للضرائب
بموجب قانون المالية لسنة 2007 تم إصدار المدونة العامة للضرائب التي ضمت في الكتاب الأول قواعد الوعاء و التحصيل الذي ضم في الجزء الأول منه قواعد الوعاء المتعلقة بكل من الضريبة على الشركات، و الضريبة على الدخل، و الضريبة على القيمة المضافة،  و واجبات التسجيل و التنمر، و في الجزء الثاني منه قواعد التحصيل و في الجزء الثالث الجزاءات المتعلقة  بوعاء وتحصيل هذه الضرائب كما تضمن الكتاب الثاني من المدونة المساطر الجبائية و بذلك ألحقت المقتضيات المتعلقة  بالمساطر الجبائية بهذه المدونة بداية من سنة 2007 (16).
و أهم ما جاء في هذه الفترة :
1) تمديد أجال إبلاغ الخاضع للضريبة من 60 يوما إلى 90 يوما الموالية لتاريخ إيداع إقرار على الأرباح العقارية (2008).
 2) لا يمكن تقديم الطعن في آن واحد أمام اللجان المحلية أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية   (2009) )المادة 226-(VI.

 


15 نشر في الجريدة الرسمية عدد 9853 بتاريخ 23/02/2006,
16 محمد قصري مرجع سابق ص 23.

و من أهم التعديلات التي عرفت بعد صدور المدونة العامة للضرائب نجد تعديل 2010 :
1.     حيث تم إضافة قاضيين في اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة و أصبح عدد القضاة سبعة عوض خمسة موزعين على سبعة لجان فرعية تتداول في المنازعات المعروضة عليها(17).
2.     أصبح مفتش الضرائب ملزما بتسليم المطالبات الموجهة إلى اللجنة المحلية لتقدير الضريبة و تسليمها لها مصحوبة بالوثائق المتعلقة بإجراءات المسطرة التواجهية. 
 و جاء القانون المالي لسنة 2011 بمستجدات تهم المنازعات الضريبية وتتمثل في :
1.     تم تحديد أجل أقصاه 4  أشهر لتسليم المطالبات الموجهة إلى اللجنة المحلية لتقدير الضريبة مصحوبة بالوثائق المتعلقة بإجراءات المسطرة التواجهية ابتداء من تاريخ تبليغ الإدارة بالطعن المقدم من طرف الملزم.   
2.     استدعاء ممثلي الخاضعين للضريبة و كذا ممثلي الإدارة خمسة عشر (15) يوما على الأقل قبل تاريخ المحدد للاجتماع من طرف رئيس اللجنة المحلية لتقدير الضريبة.
3.     يجب أن تكون مقررات اللجان المحلية لتقدير الضريبة مفصلة ومعللة و يبلغها مقرروا هذه اللجان إلى الطرفين.
4.      إمكانية منازعة الخاضع للضريبة عن طريق المحاكم في المقررات النهائية للجان المحلية لتقدير الضريبة أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة و في المقررات المتضمنة لتصريح اللجان المذكورة بعدم اختصاصها داخل اجل 60 يوما الموالية لتاريخ تبليغ هذه المقررات(18).
17 المادة226 من المدونة العامة للضرائب (القانون المالي 2010).
18 المادة 242 من المدونة العامة للضرائب (القانون المالي 2011)
خاتمة
منذ سنة 1994 التي دخل فيها القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية حيز التطبيق و سنة  1995 التي تم فيها إحداث محاكم الاستئناف  الإدارية  برهن المغرب على وجود علامات واضحة المعالم في الطريق المحدد لمسار النظام القضائي به. لكن الجدير بالذكر أنه مهما بلغت التشريعات و النصوص القانونية المعمول بها من دقة و جرأة و صرامة فان  التطبيق السليم و المتوازن لأحكامها هو الكامن وراء تحقيق غاياتها و أهدافها المتوخات من سن هذه القوانين حفاظا على حقوق الدولة و صونا لكرامة و حرمة المواطنين.
إن عدم الاهتمام بالمنازعات الجبائية لقلة البحث فيها يترتب عنه نتائج وخيمة على الملزمين فيما يخص وضعيتهم التي منحها القانون، فالإدارة الجبائية و بفضل  استيعابها لمقتضيات القانون التي ساهمت في  سنه  وتوفرها  على مصلحة المنازعات المتخصصة في بحت التظلمات و تتبع أطوارها  أثناء المرحلة الإدارية، و القضائية، أصبحت في وضع أقوى من الملزم الأصلي القانوني الذي لا يعرف إلا الحظ القليل من مقتضيات القانون الجبائي المنظم لمختلف  الضرائب الوطنية بشكل عام.
و إذا كانت الدراسات و المقالات المتفرقة نظرية أكثر منها عملية تتوخى متابعة تطور التشريع الضريبي، و شرح مقتضياته. فهي لا ترقى إلى تناول تشعبات القانون الجبائي و علاقته بفروع القانون الأخرى، و كذلك بالاجتهاد القضائي، ثم بالطبيعة القانونية للمنازعات الجبائية.


لائحة المراجع
الكتب و المجلات باللغة العربية :
·               عبد المجيد اسعد : مالية الجماعات المحلية بالمغرب طبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء 1991.
·               حسن العفوي "تطور القضاء الإداري بالمغرب" مجلة المحاكم الإدارية العدد 82 سنة 2000.
·               عبد القادر تيعلاثي : النزاع الضريبي في التشريع المغربي. دار النشر المغربية طبعة 2007.
·               مدني احميدوش. الوجيز في القانون الجبائي على ضوء آخر التعديلات الطبعة الأولى 2008 دار القلم
·               سعيد جفري، هشام مليح و عبد الاله منظم : جبايات الجماعات المحلية بالمغرب مطبعة طوريس الطبعة الاولى 2008..
·               سعيد جفري : تدبير المالية العمومية بالمغرب مطبعة اوماكراف الدار البيضاء 2009.
·               محمد قصري المنازعات الجبائية المتعلقة بربط  و تحصيل الضريبة أمام القضاء المغربي دار ابي رقراق الطبعة الثالثة 2011.
الكتب بالغة الفرنسية :
Nagssi Saqut « Le contrôle juridictionnel de l’administration contribution à une étude socio-juridique du contentieux administratif delà cour suprême » Thèse Paris H 1982
النصوص القانونية :
·        القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية الصادر بتاريخ 22 ربيع الأول 1414 الموافق 10 شتنبر 1993 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4229.
·        قانون رقم 80.03 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية الصادر بتاريخ 15 محرم 1427 الموافق ل 14 فبراير 2006. المنشور بالجريدة الرسمية عدد 9853.
·        مدونة المساطر الجبائية : منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية الطبعة الأولى 2005.
·        مدونة تحصيل الديون العمومية المؤطرة بالقانون 15.97.

·              المدونة العامة للضرائب لسنة 2012.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *