من إنجاز :
الأستاذ بوحيى عادل
القاضي بالمحكمة الإبتدائية بخنيفرة
مقدمــــــــــة
أولت
مدونة الأسرة أهمية قصوى لعقد الزواج و عملت على تنظيم أحكامه لما له من آثار جمة
على المجتمع و على أحوال الناس الشخصية، فكان أن أحاطت أحكامه بكثير من العناية ،
و لعل أهم ما جاءت به مدونة الأسرة في هدا الإطار أنها كرست بفعالية توجها بدأت أول معالمه في الظهور مع
مدونة الأحوال الشخصية الملغــــــــــــــاة و الهادف إلى ضبط و توثيق الأحوال
الشخصية للأشخاص وهو توجه عام تبلور من خلال العديد من المقتضيات التي جاءت بها
المدونة ومن بينها جعل الإذن بالزواج بيد القضاء و جعل الطلاق تحت مراقبة القضاء.
و المقتضيات التي تنص على توجيه ملخصات عقود الزواج إلى ضباط الحالة المدنية
(المادة68) و توجيه ملخصات وثائق الطلاق من طرف المحكمة إلى ضباط الحالة المدنية
المادة (141) ، و غير خاف أن هدا التوجه أملته ضرورات التطور السكاني و تشعب
العلاقات الإنسانية بشكل أصبح معه من المستحيل تتبعها و حصرها و منع التلاعب فيها
إلا بوضع نظام توثيقي متكامــــــــــــل و شفاف.
في
هدا الإطار جاءت المادة 16 من مدونة الأسرة بقاعدة جوهرية مفادها أن عقد الزواج يعتبر الوسيلة
المقبولة لإثبات الزواج، غير أن هده المادة نفسها ستنظم لاستثناء مهم لهده القاعدة
وهو سماع دعوى الزوجية من طرف القضاء ضمن الشروط المعددة في الفصل المذكور.
و
يجدر بنا قبل مناقشة الإشكاليات القانونية و العملية التي تثيرها المادة 16 موضوع
البحث أن نتطرق و لو بإيجاز للسياق
التشريعي الدي جاءت في ظله المادة 16، فقد جاء في جواب لوزير العدل عن سؤال بخصوص
الغاية من تحديد أجل خمس سنوات
لسماع دعوى الزوجية بأن (1) " هدا التحديد هو إجراء ضروري لإنهاء
الوضعية التي يعيشها عدد من الأزواج بدون عقود موثقة و التي ينجم عنها مشاكل أسرية
متعددة، فهده الوضعية يجب الحسم فيها، فالزواج كميثاق أساسي لنواة الأسرة يجب
توثيقه في الإبان لما يترتب عليه من آثار هامة يتعدى نطاقها الزوجين في غالب
الأحيان، فالهدف من دلك هو تصفية حالات الزواج
غير الموثقة خلال هده الفترة، و لا ينبغي أن تترك دون تسوية وضعيتها لأنه
إذا ترك الأمر على حالته الراهنة دون تحديد أجل لهده المرحلة الانتقالية فإن هده
الوضعية ستبقى على ما هي عليه".
يستفاد إذن من جواب السيد وزير العدل
على السؤال المذكور بأن دعوى سماع الزوجية أريد
لها أن تكون وسيلة فعالة لتصفية حالات الزواج غير الموثقة،
وتنص المادة 16 من مدونة الأسرة أنه إذا حالت أسباب قاهرة
دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات و
كدا الخبرة.
و يستفاد من الفصل المذكور أنه فتح باب الإثبات على مصراعيه
أمام طالبي ثبوت الزوجية.
غير أن الإثبات في موضوع الزوجية لا يفسح له المجال إلا بعد إثبات السبب القاهر الدي حال دون توثيق
العقد في وقته و الدي يعتبر مناط سماع دعوى الزوجية(2) فما هي خصوصيات
الإثبات في دعوى الزوجية و كيف تعامل العمل و الاجتهاد القضائيين مع هده
الخصوصيات؟[1]
المطلب
I - إثبات السبب القاهر
المانع من توثيق العقد
أ-
في ظل مدونة الأحوال الشخصية
كانت الفقرة الرابعة من الفصل 5 من مدونة الأحوال الشخصية
تنص على أنه يجوز للقاضي بصفة استثنائية سماع دعوى الزوجية و اعتماد البينة الشرعية
في إثباتها، و قد تباينت الاجتهادات القضائية
في التعاطي مع هده المادة بين اتجاه متشدد و اتجاه مرن.
1- الاتجاه المتشدد
:
يحرص على احترام حرفية النص في المادة 5 المذكورة بالتأكيد
على أن المشرع نص على أن الأصل هو الإشهاد
على الزواج بواسطة عدلين، و أنه إن كان أجاز استثناء سماع دعوى الزوجية من طرف
القضاء فإن هدا الاستثناء لا يجب التوسع فيه، و اشترط إبراز حالة الاستثناء هده و
تبيين الأسباب المقبولة التي بررت إعمال الاستثنـــــــــــــــــاء
و العدول عن
القاعدة.
و يمثل هدا الاتجاه قرارات عديدة نذكر من بينها
على سبيل المثال :
ما جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 29 صادر بتاريخ : 1/12/1971 منشور بمجلة قضاء
المجلس الأعلى عدد 24 ص 28 (2) : إن الفصل الخامس من مدونة الأحوال الشخصية
اشترط لصحة عقد الزوجية حضور شاهدين عدلين ، و إنما أجاز للقاضي سماع دعوى الزوجية
و اعتماد البينة الشرعية في إثباتها استثناء و يجب على المحكمة أن تبين الدعاوى
التي حملتها على إعمال هدا الاستثناء حتى يتمكن المجلس الأعلى من مراقبة وجود
دعاوى الاستثناء و أسبابه.
- ما جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 165 صادر بتاريخ 17/17/1972 منشور
بمجلة القضاء و القانون
عدد 130 ص 107 و ما يليها : (1) " لا تسمع دعوى الزواج
اعتمادا على البينة إلا بصفة استثنائية لا يكفي لتبرير العدول عن إشهاد العدلين و
إبراز حالة الإستثناء قول المحكمة بأن الزواج حضره جمع غفير من الناس و أن الصداق
قدر ووصف بمحضرهم و أن الزوجة زفت لبيت الزوجية و مكثت فيه.
-
و ما جاء
أيضا في قرار المجلس الأعلى الصادر
بغرفتين بتاريخ 18/02/2004
تحت عدد 74 في الملف الشرعي عدد 00352 منشور قرارات المجلس
الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف للمستشار ادريس بلمحجوب الجزء الثالث ص 94 و ما
يليها .(2)
-
" يجب إبراز دواعي الاستثناء المنصوص عليها في
الفصل الخامس من المدونة".
2-
الاتجاه المرن
:
و يذهب في اتجاه التخفيف من إلزامية إبراز حالة الاستثنـاء
و مراعاة الخصوصيات الاجتماعية و الثقافية لفئات عريضة من المجتمع المغربي التي
جرى العمل عندها و لا يزال على إشهاد الزواج بواسطة الجماعة ، كما يذهب في اتجاه
حماية استقرار الروابط الأسرية خصوصا في حالة وجود أبناء.
و من القرارات التي تمثل هدا الاتجاه ما جاء في قرار المجلس
الأعلى عدد 484 صادر بتاريخ 19/3/1962 في الملف الشرعي عدد 7258 منشور بكتاب عبد العزيز توفيق، قضاء
المجلس الأعلى في الأحوال الشخصية و العقار من سنة 1957 إلى سنة 2002 ص 22 و ما
يليها (3) لم يوجد أي دليل على أن المشرع المغربي قصد حصر هدا النص
بإثبات الأنكحة التي تمت بواسطة الجماعة قبل العمل – الظهير المتعلق بالأحوال
الشخصية أي قبل فاتح يناير 1958 ولدلك حين يجد القاضي نفسه أمام واقع يفرض [2]
[3]واقع يفرض عليه شرعا أن يحفظ على زوجين تم زواجهما بواسطة جماعة من المسلمين
لأسباب قاهرة بعد فاتح يناير 1958
ترابطهما و نسلهما يجوز له بصفة استثنائية أن يطبق مقتضيات الفقرة الأخيرة
من الفصل الخامس.
و من دلك أيضا ما جاء في القرار عدد 29 و تاريخ 28/12/1975
الصادر عن المجلس الأعلى و المنشور بكتاب أحمد الخمليشي التعليق على قانون الأحوال
الشخصية للدكتور أحمد الخمليشي ص 170 إلى 172 : " سبب عدم توفر المتداعين على عقد النكاح يرجع إلى العادة التي
ورثها الأفراد و استحكمت في نفوسهم. مما يجعل البينة الوسيلة الكفيلة لحل المشكل.
و حيث إن الحكم الابتدائي بين أن القاضي اعتمد
حالة الاستثناء ( و هي العادة في هدا الملف) لقبول البينة في إثبات الزوجية و أوضح
بأن الزوج إنما حاول التخلص من الزوجية بسوء نية، مما يكون معه الحكم معللا تعليلا
كافيا"(1)
و ما جاء في القرار عدد 111 و تاريخ : 05/05/1975 المنشور
بكتاب محمد الكشبور قانون الأحول الشخصية ص 155 : " جل سكان البادية و حتى
البعض من الحاضرة يستغنون عن إحضار العدول
اكتفاء بالجماعة و أن الإشادة بالزواج و شهرته تكفي و أن مرد دلك إلى
العادة التي استحكمت في نفوس المغاربة، و أن المشرع المغربي عندما أجاز سماع
البينة اعتبر ما استحكم في نفوس المغاربة، و اعتبر الحفاظ على الأسرة من التصدع طبقا للفقرة الأخيرة من ف 5
من المدونة.
و ما جاء في القرار
الصادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 611 و تاريخ 13/06/1983 في الملف الاجتماعي عدد
99090 منشور بالجزء الثاني أ ح ش ص 381 و ما يليها.
" المنصوص عليه فقها أنه لا يجوز الدخول بالزوجة إلا
بعد العقد عليها، ولكن بعد الوقوع و دخول الزوج بزوجته فإن النكاح لا يفسخ لأن
العقد ليس بركن في النكاح و يجوز بصفة استثنائية إثبات الزوجية بالبينة الشرعية،
دلك أنه إذا وقع النكاح و الدخول بين
الزوجين و نتج عن دلك الزواج مولود فإن الزوجية تثبت بالبينة و لو كانت سماعية.
ب- في ظل مدونة الأسرة :
في ظل النقاش الحاد الدي كان
الاجتهاد القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية مجالا له جاءت مدونة الأسرة لتعطي
إطارا جديدا لدعوى سماع الزوجية و كان
ينتظر منها أن تعمل على تغليب وجهة نظر أحد الفريقين على الوجهة الأخرى
تمشيا مع روح المدونة الساعية إلى التعاطي بإيجابية أكثر مع المعطيات الاجتماعية و
في إطار تكريس دور الاجتهاد القضائي في تطوير وبلورة القاعدة القانونية.
غير أنه باستقراء سريع
للمادة 16 من مدونة الأسرة تبين أن شيئا من دلك لم يكن فالمشرع لم يستطع الحسم
لصالح أحد الاتجاهين فمن جهة شدد المشرع على ضرورة إثبات حالة الإستثناء و دلك من
خلال إثبات الأسباب القاهرة التي حالت دون توثيق العقد في وقته، ومن جهة أخرى نص
على أن المحكمة تأخذ بعين الاعتبار و هي
تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية وما إذا رفعت
الدعوى في حياة الزوجين و هي تقريبا نفس المرجحات التي اعتمدها الاتجاه المرن في
العمل القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية لتعزيز موقفه الدي بيناه أعلاه.
و لعل ما يجب التأكيد عليه
بهدا الصدد أنه إذا كانت دعوى سماع الزوجية أريد لها أن تكون وسيلة فعالة لتصفية
حالات الزواج غير الموثقة خلال فترة انتقالية حدد أمدها في 5 سنوات، فإن
وقفها على شرط إثبات السبب المانع القاهر
من توثيق العقد في وقته من شأنه الحد من
فعاليتها بدرجة كبيرة، خصوصا إدا علمنا أن القطع مع ثقافة عدم توثيق الزواج لن
يكون بالسهولة المنتظرة و بأن الغالبية العظمى من حالات عدم توثيق الزواج ليست إلا
نتيجة للعرف و العادة إن لم نقل التهاون و الاستهتار و بأن نسبة كبيرة من الطلبات
المقدمة للقضاء لا تثبت السبب القاهر المانع من توثيق العقد بل أنها لا تدعيه حتى،
بل أن هناك من الأسباب التي تساق تبريرا لعدم توثيق العقد ما ينطبق عليه المثل
العربي الشهير " عدر أقبح من زلة" و دلك من قبيل رفض الإذن بالتعدد أو
القصور أو التسويف....
و خلاصة القول أن مشرع
المادة 16 إذا لم يكن قد حسم في النقاش الدي شهده العمل القضائي في ظل مدونة
الأحوال الشخصية فإنه فتح المجال أمام التعامل بمعيارية أكثر مع السبب المانع من
توثيق العقد وربما فسح المجال لظهور ثلاث اتجاهات :
ý إتجاه متشدد : يشترط
إثبات السبب القاهر الدي حال دون توثيق العقد في وقته
وهو اتجاه نصي متشبت بمعنى
السبب القاهر في القانون و بأن المشرع لا يفسح مجالا لسماع دعوى الزوجية إلا بعد
إثبات السبب المذكور.
ý الإتجاه المرن يذهب إلى تحقيق غاية المشرع في تصفية حالات الزواج غير
الموثقة و لو على حساب حرفية
النص
ý اتجاه ثالث وسط بينهما تعامل مع السبب
المانع من توثيق العقد وفق معطيـــات
كل نازلة على حدة.فيتم
التعامل معه بتشدد أو بمرونة حسبما إذا كانت العلاقة موضوع الطلب قد أثمرت إنجاب
أبناء أم لا، وحسبما إذا كانت أركان و شروط عقد الزواج تتوافر كاملة أم لا، وحسبما
إذا كان الزوجان متفقان على الزوجية أم أن أحدهما
ينفيها، وهو اتجاه يستند أيضا لما جرى به العمل في ظل مدونة الأحوال
الشخصية من قبول اللفيف لإثبات الزوجية في حالة عدم وجود نزاع بين الطرفين على
الزوجية، و إنه لم يكن يلتجأ لإعمال
مقتضيات المادة 5 من مدونة الأحوال الشخصية إلا في حالة وجود نزاع و إن كانت قراءة
المادة 5 المذكورة لا تفيد دلك، و إنما تفيد أن الأصل هو الإشهاد على الزواج
بواسطة عدلين و الاستثناء هو سماع دعوى الزوجية من طرف القضاء.
و في نظرنا أن هدا الاتجاه
في تفسير المادة 16 من مدونة الأسرة اتجاه راجح تؤيده الرغبة في تفعيل الدور الدي
شرعت من أجله دعوى الزوجية دون إفراغ عقد الزواج من محتواه و ستكون لنا فرصة
لمناقشة هدا التوجه بمناسبة الحديث عن إثبات أركـــان و شروط الزواج في دعوى سماع
الزوجية.
المطلب II - إثبات أركان وشروط الزواج :
لقد بينا فيما سبق أن إثبات
السبب القاهر المانع من توثيق العقد ليس أمرا مستقلا عن إثبات أركان و شروط عقد
الزواج و أن التداخل بينهما كبير و قد أشرنا أن الإثبات في الحالتين يختلف باختلاف
معطيات كل ملف و هو ما أومأ إليه المشرع نفسه في الفقرة الثالثة من المادة 16 حين
نص على أن المحكمة تأخذ بعين الاعتبار و هي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو
حمل ناتج عن العلاقة الزوجية و ما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.
و قبل أن نتطرق لهدا الموضوع
نرى أن نقدم له بالحديث عن أركان و شروط عقد الزواج في الفقه المالكي و في مدونة
الأسرة، وقد جاء في شرح التسولي لقول ابن عاصم :
و المهر و الصيغة و
الزوجان ثم الولي جملة الأركان
و قد جاء في شرح الستولي
للبيت المذكور : ... و لدا قال الخطاب الظاهر أن الزوج و الزوجة ركنان و الولي و
الصيغة شرطان و أما الصداق و الشهود فليسا بركنيين و لا شرطين لأن الشهادة شرط في
الدخول لا في العقد و الصداق لا يشترط التعرض له و إنما يشترط أن لا يدخلا على
إسقاطه.
و جاء في حاشية التاودي و
أما الشهود و الصداق فلا ينبغي أن يعدا في الأركان و لا في الشروط لوجود النكاح
الشرعي بدونهما .
و جاء في شرح التسولي لقول
ابن عاصم (1) :
و في الدخول الحتم في الإشهاد وهو مكمل في الإنعقاد
يعلم منه أن الإشهاد ليس
شرطا في صحة النكاح و لا ركنا فيه لوجود العقد و صحته بحصول الإيجاب من الولي و
القبول من الزوج و إنما هو شرط في الدخول فإن دخل بغير إشهاد فسخ بطلقة بائنة ،و
جاء في حاشية التاودي : يعني أن الإشهاد ليس بركن من أركان النكاح لوجود العقد و
تحققه بدونه و لا هو شرط في صحة العقد، و إنما هو شرط في الدخول و الكمال أن يقدم
حين العقد فإن دخل بغير إشهاد فسخ بطلقة و لا حد إن فشا و لو علما بوجوبه، فإن لم
يكن فشو حدا ولو جهلا وجوب الإشهاد.
و قال في الواضحة قال مالك :
ومن نكح ولم يشهد لم يضره لكن لا يبني حتى
يشهد، قال الشارح : و شدد المتأخرون في هدا الشرط حتى كأنه عندهم ركن وخلو بعض
الأنكحة عنه مع وجود الشهرة مما تعم به
البلوى. و في كلام المتقدمين أن القصد في النكاح إنما هو الشهرة و في الجواهر لم
تكن أنكحة السلف بإشهاد و في جواب لإبن لب ما نصه : ذكر أهل المذهب أن
الإشادة بالنكاح و شهرته مع علم الزوج و
الولي تكفي، وإن لم يحصل إشهاد وهكذا كانت أنكحة كثير من السلف وهو مروي عن ابن
القاسم".
و جاء في كتاب الفقه على
المذهب الأربعة لصاحبه عبد الرحمان الجزيري دار الكتب العلمية بيروت 1990 ج IV ص 28 اتفق الثلاثة (الشافعية و
الحنابلة و الحنفية)على ضرورة وجود الشهود عند العقد فإدا لم يشهد شاهدان عند
الإيجاب و القبول بطل،
[4] و
خالف المالكية فقالوا إن وجود الشاهدين ضروري و لكن لا يلزم أن يحضرا العقد بل
يحضران الدخول أما حضورهما عند العقد فهو مندوب فقط.
أما
مدونة الأسرة فقد نصت في مادتها 13 أنه يجب أن تتوفر في عقد الزواج عدة شروط من
بينها سماع العدلين التصريح بالإيجاب و القبول من الزوجين و توثيقه.
و يستفاد من دلك أن مدونة
الأسرة اعتبرت سماع العدلين الإيجاب و القبول و توثيقه شرطا من شروط عقد الزواج، و
هما في حقيقة الأمر شرطان في شرط واحد، فأما شرط الإشهاد فلا اختلاف في أنه ضروري
لصحة العقد، و هو و إن لم تكن المدونة قد نصت على جزاء مخالفته لا في الفصل 57 و
لا في الفصل 59 إلا أنه بالرجوع إلى الرأي الغالب في الفقه المالكي يتبين بأن الزواج الدي يتخلف فيه
الإشهاد يفسخ قبل البناء و بعده بطلاق و إن كان رأي آخر يقول بأن الإشادة بالنكاح وشهرته ينوبان عن الإشهاد.
و أما التوثيق فأمر آخر و لا
خلاف في أنه لا يعتبر لا ركنا و لا شرطا
من شروط صحة عقد الزواج بدليل أن المدونة فتحت الباب أمام إثبات الزواج بالبينة
الشرعية بالشروط المذكورة في المادة 16 من مدونة الأسرة استثناء من القاعدة التي
هي إثبات الزوجية بعقد الزواج ويبدو مما ذكر أن توثيق عقد الزواج إنما تتجلى أهميته في إثبات الزواج
و أنه و على خلاف الإشهاد لا تأثير له على
قيام العقد وصحته.
و نرى بعد هدا أن نعرض
لمميزات إثبات أركان و عناصر عقد الزواج بمناسبة دعوى سماع الزوجية ، وقد أشرنا
سابقا إلى أن الإثبات في دعوى سماع الزوجية يختلف
شئنا هدا أم أبينا أساسا حسبما إذا كان هناك نزاع حول العلاقة الزوجية أم
لم يكن هناك نزاع.
أ-
الإثبات في حالة المنازعة بين الطرفين
في وجود العلاقة الزوجية :
و غالبا ما يطرح هدا النزاع
أمام القضاء في شكل دعوى تتقدم بها المدعية لسماع دعوى الزوجية ثم يجيب المدعى
عليه بنفي العلاقة الزوجية و غالبا ما
تتركز منازعة المدعى عليه في نقطتين أساسيتين أولهما المنازعة في وجود السبب القاهر
المانع من توثيق العقد، و المنازعة في إثبات توافر أركان و شروط عقد الزواج و على
رأسها الإيجاب و القبول باعتباره الركن الأساسي في عقد الزواج.
1- تأثير المنازعة في
وجود السبب القاهر على إثبات أركان و شروط الزواج في دعوى الزوجية :
لقد سبق و أسلفنا أن الاتجاه
القضائي المغربي في ظل مدونة الأحوال الشخصية اختلف في التعامل مع حالة الاستثناء
المنصوص عليها في المادة 5 من م.أ.ش (وهو ما عبرت عنه مدونة الأسرة بوجود السبب
القاهر المانع من توثيق العقد) بين اتجاه متشدد و اتجاه مرن، و لاشك أن منازعة أحد
الطرفين في وجود علاقة الزوجية يدفع بالقضاء للتعامل مع وجود السبب القاهر من
توثيق العقد بتشدد أكثر مما لو كان عليه الحال في حالة توافق الطرفين على وجود
العلاقة الزوجية ، ومعلوم أن الأسباب التي تتأسس عليها دعاوي سماع الزوجية لا ترقى
في غالبية الأحوال لدرجة السبب القاهر
الدي يقتضي وجود عوامل خارجة عن إرادة الإنسان يكون من الصعب عليه دفعها أو
تجاوزها (1)
ونورد كنموذج على تعامل
القضاء بتشدد مع السبب القاهر المانع من
توثيق العقد في حال وجود نزاع بين الطرفين حول وجود العلاقة الزوجية، ما جاء في
الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بخنيفرة في الملف عدد 4421/53/04 وهو حكم صدر
في دعوى طلبت فيها المدعية إثبات الزوجية بينها و بين المدعى عليه الدي نفى أية علاقة له بالمدعية
وقد جاء في حيثيات الحكم :
" وحيث تبين أساسا بأن
ما ساقته المدعية من كونها لم تكن مسجلة بسجلات الحالة المدنية تبريرا لعدم توثيق
العقد في وقته لا يرقى لدرجة الإعتبار خصوصا أمام ما جرى عليه العمل من التعريف
بالزوجين بصفاتهما المميزة و بما يتوفر من وثائق إدارية".
[5]و يظهر مما ذكر أنه يغلب على القضاء في حالة وجود نزاع بين
الطرفين حول العلاقة
الزوجية أن يتشبث بحرفية
المادة 16 و أن يتشدد في اشتراط وجود السبب القاهر ، غير أن حدة هدا التشدد قد
تزيد أو تنقص بحسبهما إذا كانت العلاقة موضوع الطلب تتوفر فيها أركان وشروط عقد
الزواج كاملة أم لا.
2- المنازعة في وجود أركان و شروط عقد الزواج
إضافة إلى المنازعة في وجود
السبب المانع من توثيق العقد فإن المنازعة في وجود العلاقة الزوجية غالبا ما تتأسس
على عدم توافر ركني الإيجاب و القبول و تطابقهما و هي الأركان التي تعتبر ركنه عقد الزواج.
و من المعلوم أيضا أن النقاش
حول توافر أركان و شروط الزواج في دعوى الزوجية يستحيل إلى نقاش حول البينة
الشرعية و الشروط المشترطة فيها لإثبات أركان و شروط عقد الزواج، و غالبا ما تتمثل
البينة الشرعية في دعوى سماع الزوجية في الشهود الدين يشهدون إما بالعيان أي
معاينة تبادل الإيجاب و القبول(1) و إما بالسماع، وقد جرى العمل عند
المالكية على قبول شهادة السماع في إثبات
الزواج وفيه قال ابن عاصم :
و أعملت شهادة السماع في الحمل و النكاح و الرضاع
و قال التسولي في شرحه أي
يشهدون بالسماع الفاشي على ألسنة أهل العدل و غيرهم أن فلانا نكح فلانة هده
بالصداق المسمى و أن وليها فلانا عقد عليها نكاحها برضاها و أنه فشا و شاع بالدف و الدخان ... وقال أبو عمران
إنما يعمل بالسماع في النكاح إذا اتفق الزوجان عليه و إلا فلا.
و يعضد هدا قولنا بأن :
الإثبات في سماع دعوى الزوجية يختلف بحسبما إذا كان هناك نزاع حول الزوجية أم لا و
نسوق كنموذج لتعامل القضاء مع هده النقطة بالذات ما جاء في الحكم الصادر عن
المحكمة الابتدائية بخنيفرة في الملف عدد : 4421/53/04 المشار إليه أعلاه و الدي
جاء في حيثياته :
" و حيث إنه و بالإضافة
إلى ما ذكر فإن شهادة الشهود جاءت في أغلبها متضاربــــــــــــة و مجملة و
غير متطابقة مع تصريحات المدعية".
و حيث إن تصريحات الشاهد الثاني تبقى ناقصة لوحدها عن درجة الاعتبار في إثبات العلاقة الزوجية بين طرفي
الدعوى بأركانها و شروطها وخصوصا منها تبادل الإيجـــــــاب و القبول و الولي و
الإشهاد.
و حيث إن النكاح مما لا يصح
الإشهاد عليه إلا بشاهدين عدلين.
و حيث إنه إن كان يؤخذ بشهادة السماع في إثبات النكاح استثناء
فإن هده الشهادة يجب أن تكون مفصلة و مبينة لأركان العقد، فقد جاء في أحد قرارات
المجلس الأعلى (قرار عدد 141 و تاريخ 28/01/1986 ملف شرعي 4261) 86 منشور بمجلة
القضــــــــاء و القانون عدد 137 ص 180) " تثبت دعوى الزوجية بشهادة السماع متى كانت مفصلة كبينة
القطع بأن تقول سمي لها كدا و أجل كدا و عقد لها و ليها فلان و لا يكفي
الإجمال، فعقد النكاح لا يتم إلا بذكر جميع
أركانه ،خليل وركنه و لي و صداق و محل، و اختلال ركن واحد من أركان النكاح يؤدي
لبطلان البينة، كما أن الإجمال في البينة
يؤدي إلى بطلانها لأنه مع الإجمال يتطرق
الاحتمال وهو مانع من القضاء".
هدا وقد أتت مدونة الأسرة
بوسيلة جديدة للإثبات في دعوى سماع الزوجية و هي الخبرة، فما هو مجال تطبيق هده
الوسيلة الجديدة في الإثبات؟
من الواضح أن الخبرة كوسيلة
للإثبات يكون لها مجال للتطبيق أساسا في حالة تنازع الزوجين في العلاقة الزوجية، و
معلوم هنا أن الغرض من الخبرة يكون هو إثبات تنسل الأبناء من والديهما و أن نتيجة
الخبرة في هده الحالة تستخدم كقرينة إضافية و مكملة لشهادة الشهود، لأن الخبرة لا
يمكن الاستدلال بها على توافر الإيجاب و القبول و اللدين يعتبران الركنان
الأساسيان في عقد الزواج، و بالتالي فإن الخبرة لوحدها لا تكفي لإثبات الزوجية.
و يستفاد مما ذكر أن الإثبات
في حالة إنكار أحد الطرفين للعلاقة
الزوجية يكون على درجة كبيرة من الصعوبة قد تصل حد التعجيز، و دلك على خلاف ما هو
عليه الأمر حالة عدم وجود نزاع في العلاقة الزوجية.
ب-
الإثبات في حالة عدم وجود نزاع
:
1-المبدأ : عدم التشدد في الإثبات
يغلب على القضاء في هده الحالة التعامل بتسامح مع الإثبات و خصوصا
مع إثبات السبب المانع من توثيق العقد خصوصا في حالة وجود أبناء ، ويكون التركيز
أكثر على مراقبة توافر أركان الزواج وشروطه
فمتى تبتت هده الأركان و الشروط كان الأولى حماية العلاقات الأسرية و كدا
حفظ الأنساب و لو على حساب حرفية النص الدي اشترط توافر السبب القاهر المانع ، و
يتأسس هدا الاتجاه على قناعتين أساسيتين، الأولى أن العمل لا زال جاريا خصوصا في
بعض المناطق البدوية، رغم دخول المدونة حيز التنفيذ ورغم حملات التحسيس بعدم توثيق
عقود الزواج، فوجب معالجة هده الحالات لا التعامل معها بجفاء قانوني مضر لا محالة،
و الثانية أن مساكنة الزوجين و معاشرتهما ببيت الزوجية و إنجابهما لأبناء قد يصل
عددهم في بعض الأحيان إلى 10 أو أكثر يعتبر قرينة قوية على تبادل الإيجاب و القبول
و يدفع عن الزوجين مظنة السوء.
و تأسيسا على دلك يكون
التسامح مطلوبا في الإثبات فيتساهل في تقدير السبب المانع القاهر ( و قد كنا قدمنا
أن من الاجتهادات القضائية من اعتبر
العادة مبررا لإعمال حالة الاستثناء في ظل مدونة الأحوال الشخصية) كما تقبل شهادة
السماع بالشاهديـــــــــــــن و الثلاثة شهود.
و يرى جانب من العمل القضائي
أن هدا التسامح إنما يكون مطلوبا بالنسبة للعلاقات القائمة قبل دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، أما بعد دلك فلا،
لأن المادة 16 جاءت لتصفية حالات الزواج غير الموثقة الناشئة قبل دخول مدونة
الأسرة حيز التنفيذ و أنه وقع التحسيس على
صعيد فئات اجتماعية واسعة بمناسبة دخول المدونة حيز التنفيذ بضرورة توثيق عقود الزواج فلم يعد هناك مبرر لهدا
التسامح،و لا يكون التعامل مع الإثبات موحدا في جميع الحالات حتى في حالة عدم وجود
منازعة في الزوجية بل إنه من الحالات ما يفرض بعض التمييز ، ومن هده الحالات طلب
إثبات الزوجية ممن توفي عنه زوجه، وقد ذهب الفقه المالكي إلى اعتبارها دعوى آيلة إلى المال (يكتفى في إثباتها بالشاهد و
اليمين، وقد جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى (1) : " علما بأن
دعوى الزوجية بعد الوفاة تعتبر دعوى آيلة إلى المال يكتفى في إثباتها بالشاهد و
اليمين عملا بقول خليل في التنازع في الزوجية " وحلفت معه وورثت" "
غير أنه مع دلك وجب التعامل مع هدا النوع من الدعاوي بنوع من الحزم لما له من تأثير
على الأوضاع القانونية لورثة الهالك المطلوب إثبات الزوجية معه.
[7]و من الدعاوي التي تفرض تمييزا في الإثبات طلبات إثبات
الزوجية للمغاربة المتزوجين مدنيا بالخارج و هي من الدعاوي التي يطلب فيها التسامح
في الإثبات و معلوم أن مدونة الأسرة نصت في المادة 16 أنه يمكن للمغاربة المقيمين
بالخارج أن يبرموا عقود زواجهم وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم إذا
توفر الإيــــجاب و القبـــــــــــول و
الأهلية و الولي عند الاقتضاء، و انتفت
الموانع و لم ينص على إسقاط الصــــــــــــداق و حضره شاهدان مسلمان " ، غير
أنه في حالة تخلف الشروط المذكورة فإنه يفتح الباب أمام المعنيين بالأمر لإثبات
زواجهم بالبينة الشرعية طبقا للمادة 16 و مفيد بهدا الصدد أن نذكر بأن الاجتهاد
القضائي قد اعتبر حالة إقامة الزواج
بالخارج من الأسباب التي تبرر إعمال حالة الاستثناء، وقد جاء في أحد قرارات المجلس
الأعلى : " لما كان الزواج قد تم ببلد أجنبي غير إسلامي لا يعرف إشهاد
العدلين على الزواج، و في وقت لم يكن المغرب قد نصب فيه العدول للقيام بمهمة
الإشهاد فإن حالة الاستثناء تعد متوافرة في النازلة"، و لا يقتصر الأمر حتى
في حالة عدم وجود نزاع على مراقبة توافر
السبب القاهر المانع من توثيق العقد و كدا باقي أركان و شروط العقد، بل إن الأمر
في كثير من الحالات يكون أعقد من هدا و يكون المعني بالأمر مطالبا بإثبات احترامه
للمساطر القانونية و الإدارية المتعلقة بالزواج.
2- إشكالية الأذون الخاصة في سماع دعوى الزوجية :
تطرح إشكالية الأذون الخاصة
بحدة في العمل القضائي في مادة سماع الزوجية و يختلف التعامل معها باختلاف المنظور
الدي يتعامل به القضاء مع معضلة عدم توثيق عقود الزواج و الدي بينا أهم الاتجاهات
فيه آنفا.
و السؤال الدي يطرح نفسه
بحدة هو كالآتي : هل عدم الحصول على الإذن بالتعدد (وفقا للمادة 40 و ما يليها )
أو الإذن بزواج القاصر (المادة 20) أو الإذن بزواج المعتوه (المادة23) أو الإذن
الدي يمنح للعسكري و من في حكمه، هل عدم الحصول على هده الأذون من شأنه إهدار
شرعية الزواج الدي يبرم دونها؟ أم أن هدا
الزواج يبقى زواجا شرعيا من الناحية القانونية ، وهل يتصور استدراك هدا التجاوز
بالحصول على الإذن لاحقا رغم أن علاقة
الزواج تأسست و أفضت في غالب الأحيان إلى ميلاد أطفال.
ويرى رأي أول أن هده
الأذون في حالة سماع دعوى الزوجية تصبح
متجاوزة بمقتضى واقع العلاقة التي تفرض نفسها، سيما و أن المنطق القانوني يفترض
الحصول على الإذن ابتداء وليس بعد أن يصبح
الزواج قائما في الواقع، كما أن المشرع لم يرتب على التملص من الحصول على
الأذون حتى في حالة الزواج الدي يوثق
ابتداء أي جزاء شرعي ونص فقط على تخويل المدعى عليه من الزوجين حق تقديم شكاية أو
طلب فسخ الزواج المبرم دون الإذن (المادة 66 من مدونة الأسرة).
و يرى أنصار هدا الرأي بأن
المطالبة بالإدلاء بهده الأذون هو من قبيل
العبث ليس إلا.و يرى رأي ثان بأن المشرع نضم الزواج في حالات خاصة ومنها زواج
القاصر ، التعدد وزواج العسكري ومن في حكمه ... و قيد الزواج في الحالات المذكورة
بضرورة الحصول على أدون خاصة تسلمها السلطات القضائية و الإدارية. و أنه لا
يمكن بأي حال من الأحوال اتخاذ مسطرة سماع
دعوى الزوجية المنظمة بمقتضى الفصل 16 من مدونة الأسرة كوسيلة للقفز على مقتضيات
قانونية آمرة شرعت أساسا للحفاظ على مصالح الأطراف و لحماية مؤسسة الزواج.
و قد جاء في مجلة قضاء
الأسرة التي تصدرها وزارة العدل (1) و
على هدا الأساس، فعند إقامة دعوى ثبوت الزوجية يتعين على المحكمة التأكد أولا مما
إذا كان الزواج موضوع الدعوى يتوقف على إذن من الأذون المنصوص عليها قانونا.
فإذا كانت الدعوى تتعلق
بالإذن بالتعدد أو بالزواج المختلط فتطبق
مسطرتهما أثناء النظر في دعوى ثبوت الزوجية حيث تجري المحكمة بحثا بواسطة الوكيل
العام للملك بالنسبة للزواج المختلط و تطبق المقتضيات القانونية المتعلقة بالتعدد
حماية لحقوق الزوجين و الأولاد إن كانوا و تطالب بالتراخيص بالنسبة لزواج
العسكريين و من في حكمهم و الإذن بالنسبة للفتى و الفتاة إذا كانا ما يزالان
قاصرين مع بقاء الصلاحية للمحكمة للاستغناء عن بعض الأذون التي فات أوانها مثل الإذن بتزويج القاصر الدي
بلغ سن الرشد وقت إقامة دعوى ثبوت الزوجية و الإذن بالزواج في دعوى ثبوت الزوجية
بالنسبة للعسكري المتوفى و من في حكمه.
و الحل المذكور و إن كان
توخى تقريب وجهات النظر بين الرأيين الأولين إلا أنه لم يأت بحل حاسم، ناهيك عن
أنه قد يواجه صعوبات جمة على مستوى التطبيق العملي و قد يبدي قاضي الأسرة المكلف
بالزواج مثلا تحفظا كبيرا في تسليم الإذن بالزواج للقاصر المتزوج دون عقد موثق
بعلة أن الإذن المسلم إنما ينصرف أثره إلى المستقبل و ليس إلى ما قبل تاريخ الإذن
.[8]
و الرأي عندنا أنه يطلب
التعامل مع مسألة عدم الحصول على الأذون بنوع من التسامح إن لم نقل غض الطرف عنها ( إلا في حالة الزواج
بامرأتين أو أكثر فإنه يكون من الضروري استدعاء الزوجة الأولى و مناقشة دعوى
الزوجية بحضورها).
مادام أن غرض المشرع من سن
دعوى الزوجية كان هو تصفية حالات الزواج
غير الموثقة ومادام أن الأمر يتعلق بمرحلة انتقالية ودلك بشرط أن تتوافر في هده
الحالات أركان الزواج وشروطه التي لا خلاف فيها خصوصا إذا علمنا أن الأذون لا هي
من الأركان و لامن الشروط و بأن لا تأثير لها على قيام العقد وصحته، و إن كنا نرى
بأنه يجب التعامل بتشدد أكثر مع العلاقات الناشئة بعد دخول مدونة الأسرة حيز
التنفيذ و التي كثيرا ما تشتم فيها رائحة التحايل على المساطر القانونية.
خاتمـــــــة :
و خلاصة القول في هدا
الموضوع أن سماع دعوى الزوجية تطرح إشكاليات عدة على مستوى العمل القضائي و قد
حاولنا اقتراح بعض الحلول لهده الإشكاليات
قدر الإمكان غير أن ما يجب التأكيد عليه في ختام هدا البحث أنه يجب تغليب منطق
المقاربة الاجتماعية القانونية على منطق المقاربة القانونية الجافة و دلك تمشيا مع رغبة المشرع في معالجة الأوضاع
القائمة بما يحقق استقرار العلاقات الأسرية و بما يضمن حماية الأعراض و الأسباب و
يحفظ الحق في المطالبة بالحقوق المترتبة عن الزوجية و دلك في إطار الدفع في اتجاه
القطع مع ثقافة عدم توثيق عقود الزواج، وهو ما ينسجم أيضا مع تحديد المشرع لفترة
انتقالية مدتها خمس سنوات لمعالجة حالات الزواج غير الموثقة.
و ما تجدر الإشارة إليه هنا
أنه إذا كان هدا هو الغرض الدي سنت من أجله دعوى سماع الزوجية وهو ما يستفاد من
الخطابات الرسمية التي صاحبت دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، فالأكيد أن الصياغة التي جاءت بها المادة 16 لا
تسعف كثيرا في خدمة هدا الغرض، فقد كان أحرى بالمشرع أن لا ينص على اعتبار السبب
القاهر المانع من توثيق العقد كشرط لسماع
دعوى الزوجية (وهو الشرط الدي لا يتحقق إلا نادرا من الوجهة القانونية الصرفة) و
أن يفتح الباب على مصراعيه أمام القضاء لسماع دعوى الزوجية ومراقبة توافر الأركان
و الشروط التي لا خلاف فيها،وهو لو فعل كان سيعطي للقضاء مجالا أوسع وهامشا أكبر
لمعالجة حالات الزواج غير الموثقة، و يعدم حجة كل متهاون أو متماطل بعد انتهاء
الفترة الإنتقالية .
ويبقى أن نشير أخيرا إلى أن
مشكل عدم توثيق عقود الزواج وهو مشكل لا نعتقد بأنه سينتهي بانتهاء الفترة
الانتقالية المحددة في خمس سنوات له ارتباط كبير بالمقتضيات القانونية المتعلقة
بالزواج وخصوصا منها المقتضيات المتعلقة بالولاية- بالزواج دون سن الأهلية وبمسطرة
التعدد، ولهدا وجب على المشرع مقاربته
مقاربة شمولية تنطلق أساسا من مراعاة الخصوصيات الإجتماعية ودون أن يكون في دلك
رجوع عن مبدأ اعتبار عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج.
و هدا مبلغ علمنا و اجتهادنا
و الله ولي التوفيق.
[1] 1-
المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة من خلال أجوبة السيد وزير العدل و السيد وزير
الأوقاف و الشؤون الإسلامية عن الأسئلة و الإستفسارات المثارة أثناء مناقشة
المدونة أمام مجلس النواب منشورا . جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية.
سلسلة الشروح و الدلائل العدد 4 ص 61
2- محمد بفقير مدونة الأسرة و
العمل القضائي المغربي، منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون و العمل القضائي
المغربيين1 ص 28.
[2](1) محمد بفقير مدونة
الأسرة و العمل القضائي المغربي منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون و العمل
القضائي المغربيين1 ص 28
(2) نفس المرجع ص34
(3) نفس المرجع ص 27
[6] (1)
كتاب الفقه على المداهب ألرعة لعبد الرحمان الجزيري ص 28 : اتفق الشافعية و
الحنابلة على المنبار العدالة في الشاهدين و على أنه يكفي العدالة ظاهرا لإغدا عرف
الشاهد بالعدالة في الظاهر عند الزوجين صحت شهادته على العقد و يكلف الزوجان البحث
عن حقيقة أمره لأن دلك فيه مشقة وحرج، وقال المالكية: إن وجد العدل فلا يعدل عنه
إلأى غيره و إن لم يوجد فتصح شهادة المستور الدي لم يعرف الكدب.و اتفق الثلاثة على
اشتراط الدكورة في الشاهدين أما الحنفية فقالوا : العدالة غير شرط في صحة العقد و لكنها شرط في إثباته عند الإنكار و لا
تشترط الدكورة فيصح بشهادة رجل و امرأتين و لكن لا يصح بالمرأتين وحدهما بل لا بد
من وجود رجل معهما.
[7] (1)
قرار عدد 913 و تاريخ14/10/1999 ملف شرعي عدد 341/2/1/96 منشور بمجلة قضاء المجلس
الأعلى العدد المزدوج 57-58 ص 136 و ما يليها.
[8] (1)
مجلة قضاء الأسرة و مجلة متخصصة صادرة عن وزارة العدل منشورات جمعية نشر المعلومة
القانونية و القضائية العدد الأول يوليوز 2005 ص 48.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق