المقدمة:
من
أجل أن تنتظم حياة المجتمعات، فأن الدول تلجأ في سبيل ذلك إلى وسيلتين، الأولى،
وسيلة تشريعية تتوجه بالخطاب إلى الكافة ويعبر عنها بالقوانين، أما الثانية، فهي
وسيلة قضائية يقصد بها حسم المنازعات التي تنشب بين أفراد معينين ويعبر عنها بالأحكام
القضائية.
ولما كانت الحياة الاجتماعية والاقتصادية للدولة
لم تعد محدودة بحدودها السياسية، بل أصبحت تتعدى هذه الحدود لتتصل بحياة الجماعات الأخرى،
وعليه فإن مجرد صدور هذه الأحكام القضائية لايعني شيء اذا لم يقترن ذلك الصدور، إمكانية التطبيق في دولة أخرى أو أمام
محاكم دولة أخرى، وإذا ما كان الأمر كذلك فأننا سوف نكون أمام حالة من التنازع
المشترك فيما بين القوانين.
حيث
يجب آن يوقف ما بين اعتبارين حاجة المعاملات الدولية والمحافظة على مصالح الأفراد
الخاصة الدولية عبر الحدود من ناحية، وسيادة الدولة على إقليمها من ناحية أخرى.
وتوفيقاً بين هذين الاعتبارين لم يشأ المشرع المغربي
أن يعترف بالحكم الأجنبي بصفة مطلقة وينزله منزلة الحكم الوطني، وإلا أن ينكر عليه
كل قيمة، وإنما توسط في الأمر، فسمحا بتنفيذه مع إخضاعه للرقابة من قبل القضاء المغربي
تحت مجموعة من الشروط هذه الشروط هي ( خارجية ) تلامس الإطار الخارجي للحكم الأجنبي،
وهذا كله مكرس لمصلحة الحكم الصادر من تلك المحاكم الأجنبية للتحقق من أنها قد
راعت المعايير اللازمة في إصدار تلك الأحكام القضائية.
بمعنى آخر أن المشرع اشترط لأجل تنفيذ الأحكام الأجنبية
الحصول على قرار من المحاكم الوطنية، وهذا الأمر في رأينا يمثل أصلا عاماً، ويمثل
في نفس الوقت مطلباً سيادياً، ذلك أن هناك أحكاما لا يمكن أن ترتب آثارها إلا بعد
التأكد منها وعرضها على القضاء الوطني، حيث أنها قد تستدعي إجراءات تنفيذية معينة
( قد تستدعي على سبيل المثال اللجوء إلى استخدام القوة ) من اجل تنفيذها ، وهذه
تمثل مساساً جوهرياً بسيادة الدولة ، لذلك وبغية التلطيف من ذلك مكن المشرع الوطني
الحكم الأجنبي من الدخول للمجال الوطني، إلا أن ذلك مقروناً باستحصال إذنا
بالتنفيذ من قبل القضاء الوطني، وبجانب ذلك هناك طائفة أخرى من الآثار التي ترتبها
الأحكام القضائية الأجنبية لا تستلزم ضرورة استحصال أمرا بالتنفيذ فهي تخلق مراكز
قانونياً مباشرة لأصحابها مثال ذلك الأحكام القانونية الصادرة في موضوعات ( الحالة
والأهلية ) من مثل تسجيل (حالة ولادة أو وفاة)، تسجيل (عقد زواج أو طلاق ). هذه الأحكام
أو الطائفة من الأحكام تولد مراكز قانونية مباشرة لأصحابها، إلا أن ذلك مقروناً أيضا
بضرورة تواجد مجموعة من الشرائط يمكن تصنيفها على نوعين عامة وخاصة.
ولمعالجة
هذا الموضوع سوف نحاول الإجابة على الإشكالية التالي: مدى استيعاب القضاء
المغربي للقواعد الإجرائية لتنفيذ الأحكام الأجنبية؟
ثم إلى
أي حد استطاعت المقتضيات المنظمة لتذييل الأحكام الأجنبية تسهيل تنفيذها بالمغرب؟
للإجابة على كل هذه التساؤلات ارتأينا
تقسيم الموضوع إلى قسمين: وذلك وفق التصميم التالي:
المبحث الأول : القواعد
العامة لتنفيذ الأحكام الأجنبية في المجال الأسري:
المبحث الثاني: الآثار الأخرى المترتبة
على تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب:
فرضية:
تذييل
الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية في مجال الروابط الأسرية يمنح لهذا الحكم قوة
النفاذ كأي حكم وطني في المغرب.
المبحث الأول : القواعد
العامة لتنفيذ الأحكام الأجنبية في المجال الأسري:
المطلب الأول: تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب :
نظمت
مدونة الأسرة تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب في المادة 128 منها المتعلق بإنهاء
الرابطة الزوجية مع إحالتها على المسطرة المدنية في الفصول 430 _431 وبالتالي
يتعين أن تتوفر في الحكم الأجنبي الشروط التي تقرها مدونة الأسرة وقانون المسطرة
المدنية ليتم تذييل الحكم الأجنبي والتي تتمثل في أن يكون الحكم صحيحا وان يكون
صادرا عن جهة قضائية مختصة وعدم مخالفته للنظام العام
وليكون
الحكم الأجنبي صحيحا يجب أن يصدر عن محكمة مختصة وبناء علي إجراءات قضائية صحيحة
فوفقا للفصل 430 ق م م فإنه لا يمكن تنفيذ الأحكام الأجنبية في المغرب إلا بعد
التأكد من صحة الحكم الأجنبي فصدور الحكم الأجنبي وفق إجراءات مسطرية وموضوعية
صحيحة شرطا لتنفيذ الحكم الأجنبي بالمغرب فلا بد أن يكون طرفا النزاع كاملي الأهلية
أو الاحتماء بمؤسسة الولي أو الوصي في حالة وجود ناقص الأهلية كما يجب علي المحكمة
استدعاء الطرفيين وفق لقواعد التبليغ المعمول بها في بلد المصدر للحكم وان يكون
هدا الأخير قد أكتسب قوة الشيء المقضي به وأصبح نهائيا غير قابل للتعرض أو الاستئناف
أو الطعن.
ومن
الشروط الجوهرية أيضا المتصلة بصحة الحكم عدم احتواء الحكم علي أي شي يمس بالنظام
العام وان يكون الحكم اكتسب قوة تنفيذ وحجية الأمر المقضي بيه كما يجب أن يكون
الحكم الأجنبي يتناسب مع الأسباب التي قررتها مدونة الأسرة في المادة 128 هي الأسباب
المؤسس عليها الحكم وهي من الإصلاحات التي أدخلها المشرع تماشيا مع الالتزامات
الدولية وما تفرضه عليه من ضرورة الانفتاح علي المستجدات العالمية والتدخل لتسهيل الإجراءات
القانونية لخدمة مصالح الجالية المغربية بالخارج حيث نصت المادة 128 م أ علي ضرورة
تناسب الشرط المتعلق على إنهاء العلاقة الزوجية المؤسس عليها حكم المحكمة الأجنبية
مع الأسباب التي قررتها المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية وتكمن هذه الأسباب في
الوفاة والفسخ والطلاق والتطليق فالمقرر الأجنبي المنهي للعلاقة الزوجية يجب إلا
يتعارض مع هذه الأسباب ليتماشي مع نصوص المدونة بشأن المقرر له كشرط إجرائي من طرف
المشرع المغربي وعلي أساسه يقع تطبيق القاضي له
وبناء
على الفصل 430 ق م م فإن المحكمة ملزمة بفحص توافر هذه الشروط الأساسية علما انه بعد
تبني المغرب لنظام المراقبة فإنها اقتصر دورها في مراقبة توافر هذه الشروط دون
المس بجوهر النزاع كما كان عليه الأمر في ظل النصوص القديمة.
أما بالنسبة للتأكد من مدى صحة المقرر أو الحكم الأجنبي
وتناسب إنهاء العلاقة الزوجية مع ما قررته مدونة الأسرة يعني صدور هدا الحكم وفق الأوضاع
الشكلية المقررة له بدولة القاضي الذي أصدره واحترام المحكمة فيه للقانون الواجب
التطبيق في الموضوع حسب قاعدة الإسناد المغربية ولا عيني هدا مراجعة الحكم الأجنبي
بان نظام المراجعة يقتضي مراجعة الوقائع والمستندات والأسباب التي بني عليها الحكم
الأجنبي بحيث إذا تبين للقاضي الوطني انه مخالف للصواب لرفض إعطاءه الصيغة التنفيذية
وهدا النظام كان معمولا به في فرنسا إلى سنة 1964 حيث أصدرت محكمة النقض الفرنسية
حكمها الشهير بتاريخ 7 يناير 1964 في قضية مانزير.
فصحة
الحكم الأجنبي تتحدد إذا من خلال قانون الذي تم تطبيقه من طرف المحكمة الأجنبية
للفصل في جوهر النزاع المعروض عليها وعليه فأن المرجعية لهدا القانون فيما يتعلق
بتبليغ الأطراف والتمثيل القانوني لهم وتمكينهم من إبداء مالهم من دفوع بمقتضي هدا
القانون تكون المرجعية هي القانون الأجنبي الذي صدر في ظله لكن مع تطبيق القواعد
الجوهرية في الموضوع والتي تمليها قاعدة الإسناد بالنسبة للطرف المغربي.
المطلب الثاني: الاختصاص والدعوي المتعلقة بتنفيذ الأحكام
الأجنبية بالمغرب:
إعمالا
بالفقرة الثانية من المادة 128 من م أ فأن الحكم الأجنبي لا يعتبر سند تنفيذ إلا
بعد تذييله بالصيغة التنفيذية والشيء الذي يتم بعد استيفاءه للإجراءات القانونية
المتعلقة بالتذييل بالصيغة التنفيذية وفق لأحكام الفصلين 430 _431.
أ.المحكمة المختصة للبث في دعوي الصيغة التنفيذية:
إن
المحكمة المختصة للنظر في دعوي الصيغة التنفيذية هي المحكمة الابتدائية في قسم
قضاء الأسرة باعتبار أن هدا القسم ينظر في جميع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية
فبالرجوع إلى المادة 128 من م أ نجد انها تخص المقررات الأجنبية المنهية للعلاقة
الزوجية واعتبارها من نزاعات الأحوال الشخصية دون الحاجة إلى الرجوع لأي معيار
موضوعي باعتبار أن تحقق العدالة لا تتمثل في صدور القانون او النطق بالحكم بل
المشكل يتمثل في تنفيذه لدلك يهتم القضاء الأسري المغربي بمتابعة تنفيذ الأحكام الأجنبية
الصادرة عن المحاكم الأجنبية للحفاظ علي الحقوق التي اكتسبها المواطنون بالخارج حتى
لا يتم حرمانهم منها.
أما
بالنسبة للاختصاص المكاني في دعوي التذييل بالصيغة التنفيذية فنجد أن المشرع قد
حدد المحكمة المختصة بالبث في طلبات في محكمة محل آو موطن المدعي عليه مكرسا بذلك
المبادئ العامة المنصوص عليها في الفصل 27 ق م م فتذييل أحكام قضاء الأسرة الأجنبية
يتعلق بمسألة قانونية مرتبطة بالتنظيم القضائي وبالتالي بالنظام العام الذي له
صلاحية مراقبة خرقه من طرف القضاء المعروض عليه الدعوى وتجدر الإشارة إلي التوجهات
المختلفة للمحاكم فيما يتعلق بتطبيق القواعد العامة بالدفع بعدم الاختصاص المكاني
في دعوي الصيغة التنفيذية كالتقييد بالتطبيق الحرفي للفصل 16 ق م م دون اعتبار
الطبيعة الخاصة لدعوى الصيغة التنفيذية فنجد محاكم لم تأخذ به وترفض بعلة أن
المتمسك بالدفع بعدم الاختصاص المكاني لم يبين المحكمة المختصة أو انه لم يثير قبل
كل دفع أو دفاع كما جاء في قرار للمجلس الأعلى كما نجد أن محكمة الاستئناف بالدار
البيضاء تثير تلقائيا نظرا للطبيعة الخاصة التي تتميز بها دعاوى الصيغة التنفيذية.
ب- رفع دعوي التذييل بالصيغة التنفيذية :
تخضع
دعوي التذييل بالصيغة التنفيذية للأحكام الأجنبية لنفس الإجراءات المسطرية المنصوص
عليها في قانون م م إلا أنها تتميز بكونها تحكمها ثلاث ضوابط حسب أطراف الدعوى وما
يرفق المقال الرامي إلي تذييل من الوثائق الضرورية ثم طرق الطعن.
فبالنسبة
للأطراف هم نفس الأطراف في الدعوي الأصلية التي فصل فيها الحكم الأجنبي فقد تقدم
دعوى التذييل من طرف المدعي الذي له مصلحة في استصدار حكم لإضفاء الصبغة الرسمية
على المقرر الأجنبي دون توجيهها ضد شخص آخر معين وإنما ضد من له الحق دون ذكر المدعى
عليه وهو ما يميز دعوى التذييل على الدعاوى الأخرى وبدلك فهيا خارجة عن نطاق الإطار
العام الذي يرسمه الفصل 32 ق م م رغم انه ليس هناك من ضرر من عدم تضمين المقال الافتتاحي
لها للمدعي عليه وذلك لكون الحكم الأجنبي والذي هو موضوع الطلب يتضمن بيانات
المحكوم عليه كما أن طلب التذييل يتضمن غالبا بيان الموجه إليه الطلب في صلبه وفي إطار
استعراض الوقائع .هدا بالنسبة للمدعي العادي كطرف في دعوي الصادر بشأنها الحكم الأجنبي
إلا انه في بعض الأحيان يمكن أن يكون الطرف المدعي هيا النيابة العامة ودلك مرهون
بمجموعة من الضوابط حيث نجد مجموعة من الاتفاقيات الدولية القضائية التي صادق
عليها المغرب تقرر إمكانية تقديم طلبات من طرف النيابة العامة منها المادة 22 من
الاتفاقية المغربية الفرنسية لسنة 1981 . أما بالنسبة لشكليات تقديم مقال دعوى
الصيغة التنفيذية فباعتبار أن الدعوى لا تقام قصد الحصول على الحقوق بقدر ما هي
دعوى للحفاظ عليها وإعطاء سند تنفيذي لها طبقا للمقرر الأجنبي الصادر بشأنها وبدلك
فالطلب يرفق بجملة من الوثائق تعد أساسية حسب الفصل 431 ق م م والدي نص في هدا
الصدد يقدم الطلب إلا إذا نصت مقتضيات اتفاقية دبلوماسية علي غير ذلك بمقال يرفق
بما يلي نسخة رسمية من الحكم. أصل التبليغ أو كل وثيقة أخري تقوم مقامها. شهادة من
كتابة ضبط المحكمة المختصة تشهد بعدم التعرض والاستئناف والطعن بالنقض، ترجمة تامة
للغة العربية عند الاقتضاء للمستندات المشار إليها أعلاه المصادق على صحتها من طرف
ترجمان محلف.
وقد
تشدد المشرع بضرورة إرفاق الطلب بهذه الوثائق باعتبار أن موضوع التذييل بالصيغة التنفيذية
يختلف عن موضوع الدعوى القضائية بصفة عامة حيث لا يتعلق الأمر بطلب الحماية
القضائية بصدد مركز قانوني متنازع عليه فإنما ينصب موضوع دعوى الأمر بالتنفيذ على
الحكم الأجنبي المطلوب تنفيذه من اجل أن يتمتع بقوة تنفيذية في دولة القاضي
المطلوب منه تنفيذه لكون دعوى الأمر بالتنفيذ لا علاقة لها بالنزاع الذي فصل فيه
الحكم الأجنبي وان موضوعها يتعلق بهذا الحكم فقط وإضفاء الصبغة الرسمية عليه وليس
بموضوع النزاع الذي فصل فيه هدا الحكم.
المبحث الثاني:
الآثار الأخرى المترتبة على تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب:
يعتبر هذا الموضوع من بين أهم الإشكالات التي تطرحها مسألة
تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، وذلك لأن تحديد تاريخ سريان مقتضيات
هذه الأحكام تترتب عنه آثار جد مهمة، كما في الأحكام الصادرة في إنهاء العلاقة
الزوجية، حيث يترتب عن تحديد تاريخ سريانها أو تنفيذها، بداية احتساب العدة، وأيضا
ما يتعلق بذلك أو يترتب عنه في موضوع الحمل، والنسب ثم الرجعة – متى كان لها محل-
والنفقة... الخ . فهل يعتد بتاريخ صدور الحكم الأجنبي أو تاريخ صيرورته نهائيا؟ أم أنه يعتد بتاريخ صدور الحكم القاضي
بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية أو تاريخ صيرورته نهائيا باعتباره يصدر
أصلا ابتدائيا؟ أو بصيغة أخرى، هل
يطبق الحكم القاضي بالتذييل بالصيغة التنفيذية، بأثر فوري أم بأثر رجعي؟
للإجابة علة كل هذه الأسئلة سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين:
المطلب الأول: تنفيذ الحكم الأجنبي دون اللجوء إلى دعوى الصيغة
التنفيذية:
لم يتعرض المشرع المغربي لهذا الموضوع، سواء في المادة 128 من
المدونة أعلاه أو في إطار الفصول 430 و 431 و 432 من قانون المسطرة المدنية. وهو
ما ترتب عنه اختلاف الفقه بخصوص هذه النقطة، حيث يرى بعض الفقه؛أن
الحكم الصادر بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية له قوة إثباتية وحجية الأمر
المقضي به ويعتبر مبينا للحق ومنشأ له، بمعنى أنه لا داعي للجوء إلى دعوى الصيغة
التنفيذية.
بينما يذهب رأي آخر؛ إلى أن الحكم القاضي بالتذييل بالصيغة التنفيذية لا
ينشئ حقا وإنما يكشف عن حقوق مضمنة في الحكم الأجنبي قبل تنفيذه بالمغرب "
فالحكم بالتذييل لا ينهي العلاقة الزوجية بين الطرفين وإنما يصادق على إنهاء
العلاقة المضمن في الحكم الأجنبي لتنفيذه بالمغرب ". وهذا يعني أن الحكم
بالتذييل له أثر رجعي، وهو ما يتوافق مع المبتغى التشريعي من سن قواعد استثنائية
لتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية. ويبدو أن هذا الاتجاه – الأخير – هو
الأقرب إلى الصواب، لأن الحكم القاضي بالتذييل بالصيغة التنفيذية لا يخلق وضعا
جديدا ولا ينشئ حقوقا، وإنما فقط يكشف عنها، أو بعبارة أصح يسمح بتنفيذ الحكم الأجنبي
الذي أنشأها بالمغرب، فالحكم القاضي بالتذييل بالصيغة التنفيذية مثلا لا يحكم
بإنهاء العلاقة الزوجية بين الطرفين، وإنما يقضي بتذييل الحكم الأجنبي، الذي قضى
بإنهاء العلاقة الزوجية بينهما بالصيغة التنفيذية، وبالتالي إمكانية تنفيذه
بالمغرب.
لكن
بالرجوع إلى الاتفاقيات الدولية الموقعة مع المغرب في مجال قضاء الأسرة، وبالرجوع
إلى التنظيمات أو التشريعات المحلية المغربية نجد أنها تصب كلها في مجال تدليل
الصعاب وتكثيف التعاون القضائي من أجل تسهيل عملية تنفيذ الأحكام والقرارات
الصادرة عن كل دولة في هذا المجال، وكل هذه التوجهات تصب طبعا في باب الحفاظ على
مقومات الأسرة وحمايتها من كل ما قد يضر بها ومن أي تعسف في مجال استعمال الحقوق
وتنفيذ الالتزامات الأسرية التي تقضي بها المحاكم، حيث سعت كل الدول الموقعة على
اتفاقيات مع المغرب في هذا المجال إلى ضمان حسن تنفيذ الأحكام في كل بلد موقع في
حدود ألا يمس تنفيذ هذه الأحكام بالنظام العام لكل دولة، وان تطبق الإجراءات
المسطرية المطلوبة إذا كانت لا تتعارض مع قوانين الدولة الأخرى.
وقد
نصت في هذا الإطار المادة 428 من قانون المسطرة المدنية المغربي على أن الأحكام
التي يجب تنفيذها هي الأحكام القابلة للتنفيذ التي تضم في جملة مفهومها الأحكام
النهائية والغير النهائية المشمولة بالنفاذ المعجل، وهذه الأحكام هي التي تتحلى
بهذه الصفة – قابلة للتنفيذ – ما لم تأمر المحكمة بالإيقاف.
المطلب الثاني:الحجية التي يتمتع بها الحكم الأجنبي خارج دعوى
الصيغة التنفيذية:
إن الحاجة إلى تنفيذ الحكم الأجنبي تبقى مرتبطة
جوهريا بوجود ضرورة اللجوء إلى التنفيذ، إما على شخص المحكوم ضده كمن يُلزمه الحكم
بضرورة القيام بعمل معين: مثل تسلم أشياء أو إرجاع محضون ، وقد تتمثل تلك الضرورة باتخاذ إجراءات على أموال
المحكوم ضده ( كالبيع الجبري للممتلكات لاستخلاص الدين منها)، فإذا لم يكن ذلك
الحكم الأجنبي في حاجة إلى التنفيذ على شخص المحكوم عليه وعلى ممتلكاته، فهنا تبدو
المسألة متعلقة بالتفريق ما بين الحكم نفسه وما بين الأثر المترتب على ذلك، وما
يهمنا هنا هو ذلك الأثر الذي يترتب على الحكم ، وما دام ذلك الحكم ليس في حاجة إلى
إجراءات تنفيذية ذلك انه ينتج أثاره في البلد الذي صدر فيه بشكل أولي وتلقائي
دونما حاجة إلى إجراءات تنفيذية يستلزمها بمجرد صيرورته قابلاً للتنفيذ بها، بذلك
فإنه يعتبر قد استوفى أثاره في البلاد التي صدر فيها وبالتالي فإنه من الممكن أن
يعترف بتلك الأحكام في المغرب إذا ما أريد الاحتجاج بها (1).
هذا ما لا يتفق مع إرادة المشرع من تنظيم مقتضيات خاصة لتذييل
الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، فليس من المعقول أن يستصدر الشخص حكما
بالخارج ثم عندما يريد تنفيذه بالمغرب نطلب منه تقديم دعوى جديدة لتذييله بالصيغة
التنفيذية وإلزامه بإرفاق طلبه بعدة وثائق وتوفر عدة شروط، ثم فوق هذا وذاك يكون
أثره بشكل فوري وليس رجعيا، فماذا سيستفيد هذا الشخص من اللجوء إلى كل هذه المسطرة
والتعقيدات؟ إذا كان حكمه سينفذ فقط بأثر فوري؟ فمن الأفضل له حسب هذا الاتجاه،
اللجوء رأسا إلى القضاء المغربي وتقديم طلبه في موضوع الدعوى ويتجاهل بصفة تامة
الحكم الأجنبي (النهائي) الذي يتوفر عليه، ما دام لن يضيف له أي شيءِِ !؟ فهذا
يفرغ مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية من كل محتوى، ولعل هذا ما دفع بالمجلس
الأعلى إلى تبني هذا الاتجاه، حيث جاء في قراره عدد 515 المؤرخ في 13/09/2006 : (2)[1]"...حيث إن الأحكام تكون
حجة فيما فصلت فيه وترتب آثارها ابتداء من تاريخ صدورها ولا تتأثر في ذلك بمدى
قابليتها للتنفيذ واستنفاذ الإجراءات المتعلقة بذلك، بحيث يمتد أثرها إلى تاريخ
صدورها عندما تصبح قابلة للتنفيذ، والحكم الأجنبي الذي صدر بتطليق الطالبة وبطلب
منها يرتب أثره وتنحل العصمة بينها وبين المطلوب في النقض ابتداء من تاريخ صدوره
لا من تاريخ تذييله بالصيغة التنفيذية، والمحكمة التي اعتبرت تاريخ صدور الحكم
الأجنبي للقول بعدم تحقق سبب النفقة تكون قد جعلت لقضائها أساسا صحيحا مما يجعل
الوسائل بدون أساس ".
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن
الحكم الأجنبي له القوة والحجية قبل تذييله بالصيغة التنفيذية، وفق مقتضيات الفصل
418 من قانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر الأحكام الأجنبية بمثابة الورقة
الرسمية، وتكون حجة على الوقائع التي تثبتها حتى قبل
تذييلها بالصيغة التنفيذية.وهو ما أكده المجلس الأعلى
صراحة في قراره الصادر بتاريخ 27/09/2000 الذي جاء فيه : " حيث إن المحكمة
باستنادها على الحكم الأجنبي المدلى به من طرف المطلوبة لإثبات الضرر المبرر
للتطليق من خلال ما تضمنه من واقعة غياب الزوج الطالب عن بيت الزوجية بصفة نهائية
لمدة تزيـد على سنة ومن سوء معاملته لها، بصرف النظر عن كون ذلك الحكم نهائيا أم
لا، ما دام لــــم يدل الطالب ما يفيد سلوكه مسطرة الطعن ضده فعلا، ومن خلال ما
استخلصته المحكمة من جلسة البحث التي أجرتها بين الطرفين، تكون قد ركزت قضاءها على
أساس قانوني وعللته بما فيه الكفاية" وهو نفس ما
أكده كذلك في قـــراره الصادر في 18/10/2000 هكذا : "... لا ضير أن يستمد
القرار وجود الضرر بناء على وقائع مادية مسطرة في (الحكم الفرنسي) وهو أمر
لا ينكره الطاعـــن "، وهو نفس ما أكده كذلك في القرار عدد 452 الصادر في
12/07/2006، " حيث تبين صحة ما عاب به الطالب القرار، ذلك أنه بمقتضى الفصل
418 من ق ل ع فإن الأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية تكون حجة، حتى قبل صيرورتها
قابلة للتنفيذ.
خـــاتـمة:
يعتبر الاعتراف المباشر بالحكم الاجنبي من الموضوعات العملية التي تفعل دور
القانون الدولي الخاص وذلك يتحقق عندما يكون هناك تنسيق متكامل من قبل الدول على
ذلك ، حيث ان هدف القانون الدولي الخاص هو التنسيق والامتداد والتعايش السلمي فيما
بين الدول .
ولما كان الحكم الاجنبي يرتب انواعاً مختلفة من
الاثار ، فهو بوصفه حكماً يتمتع بقوة تنفيذية وبحجية في حسم النزاع ، يستند اليه
في طلب التنفيذ الجبري ، ويعتبر عنوانا للحقيقة لما فصل فيه ، فيحول دون تجديد
النزاع نفسه ، وبوصفه سنداً يتمتع كذلك بحجية في الاثبات ، كما انه قد ينتج لبعض
الاثار بوصفه واقعة قانونية.
لائحة المراجع
الكتب:
1) إبراهيم البحماني، العمل القضائي في قضايا الأسرة، مرتكزات
ومستجدات في مدونة الأسرة والأحوال الشخصية، المجلد الثاني تذييل الأحكام الأجنبية
والعقود بالصيغة التنفيذية، الطبعة الثانية 2013، دار السلام.
2) ادريس الفاخوري، قانون الأسرة المغربي، الجزء الأول أحكام الزواج،
الطبعة الأولى، 2005 دار الجسور وجدة.
3) عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية،
الطبعة الخامسة 2008، المطبعة الوطنية مراكش.
4) محمد الكشبور، شرح مدونة الأسرة المغربية،
الجزء الأول الزواج، الطبعة الأولى 2006، مطبعة النجاح الجديدة.
5) محمد الوكيلي، دروس في القانون الدولي الخاص، كلية الحقوق أكدال
الرباط، 2009/2010.
الرسائل:
1) ألهام شكري، تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في
المادة الأسرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، قانون خاص تخصص
القانون المدني المعمق، كلية الحقوق أكدال الرباط، 2007/2008.
2) جهد أكرم، تنفيذ الأحكام الأجنبية المتعلقة بالأحوال الشخصية،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، قانون خاص تخصص القانون المدني المعمق،
كلية الحقوق أكدال الرباط 2005/2006.
1) الحسين السالمي – السندات القابلة للتنفيذ المباشر – التنظيم القانوني
للاستخلاص الجبري للديون – الإجراءات والضمانات – تنظيم مركز الدراسات
القانونية والقضائية – منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية – 2004-ص15.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق