-->

الإنذار العقاري والتعرض عليه

الإنذار العقاري والتعرض عليه
بقلم الأستاذ جلال محمد
محام بهيئة مراكش
مجلة المحامي العدد 4 ص 51
تعتمد الأبناك والمؤسسات المالية بالخصوص، في إبرام عقود القرض، على ضرورة وجود ضمانات عينية أو كفالات، وذلك لتامين استرداد المبالغ المقرضة في حالة امتناع المدين عن أداء ما اقترضه أو أعساره، و أن أهم ضمان عيني يلجأ إليه أطراف عقد القرض هو تسجيل رهن رسمي على عقار محفظ في ملك المدين نفسه أو في ملك الغير عندما يتكلف هذا الغير بضمان مبلغ الدين وفوائده حسبما ينص عليه القرض.
لكن ما هي حقوق الدائن المرتهن، عندما يمتنع المدين عن تسديد ما اقترضه، أي ما هي الإجراءات المسطرية التي يتبعها لاستيفاء مبلغ الدين وما قد يترتب عنه من فوائد مستحقة قانونا أو بمقتضى الاتفاق .
أن بإمكان الدائن المرتهن الذي تعذر عليه استيراد المبالغ المضمونة بسبب امتناع المدين عن الإدلاء، أو إعساره، أن يلجأ إلى إجراءات البيع القضائي للعقار المرهون بمجرد حصوله على شهادة تسجيل يتسلمها من المحافظ العقاري طبقا للشروط المنصوص عليها ضمن مقتضيات الفصل 58 من قانون التحفيظ العقاري والتي تعتبر بمثابة سند تنفيذي، يلتمس بناء عليها إنذار المدين بواسطة مكتب التبليغات والتنفيذات القضائية، بأداء مبلغ الدين موضوع الرهن الرسمي داخل أجل معين قبل القيام بإجراءات نزع ملكية العقار وبيعه بالمزاد العلني.
إن دراسة هذا الإجراء التنفيذي الأولي المتمثل في أعذار المدين قبل نزع ملكيته، تقتضي بالضرورة التعريف بالإنذار العقاري، وسبيل اللجوء إليه، وبيان الشروط الشكلية اللازم توفرها في هذا الإنذار وحق المدين الراهن في التعرض على هذا الإنذار عندما تكون لهذا التعرض أسباب قانونية توجب صيانة حقوق المدين.
الإنذار العقاري
السند القانوني للإنذار العقاري
ينص الفصل 204 من ظهير 1915 المتعلق بالعقار المحفظ على أن الدائن الحائز على شهادة تسجيل رهن مسلمة له من محافظ الأملاك العقارية، أن يطلب إجراء البيع عند عدم الأداء في أجله وذلك عن طريق النزع الإجباري لملكية العقار أو العقارات التي سجل الدائن حقه عليها.
إن شهادة تسجيل الرهن المشار إليها تخول حاملها (الدائن المرتهن) اللجوء مباشر إلى اتخاذ جميع إجراءات التنفيذ الجبري، ابتداء من إشعار المدين المرتهن وأعذاره بأداء مبلغ الدين إلى النزع الإجباري لملكية العقار وبيعه بالمزاد العلني طبقا لما تنص عليه مقتضيات قانون المسطرة المدنية في هذا الباب إذ أن الفصل 205 من ظهير 1915، يحيل فيما يخص الإجراءات المذكورة إلى مقتضيات الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية السابق، والتي تطابق مقتضيات الفصل 440 من قانون المسطرة المدنية المطبق حاليا.
الشروط الشكلية الواجب توافرها في الإنذار العقاري:
حسب المقتضيات الآنفة الذكر ومقتضيات الفصل 205 من ظهير 2/ 6/ 1915 المتعلقة بالعقارات المحفظة، فإن مأمور التنفيذ يبلغ إلى المدين الراهن المعتبر هنا بمثابة المنفذ عليه، إنذارا يضمنه لزوما اسم العقار أو العقارات المحفظة التي سيجري بيعها في حالة عدم الأداء ورسم صكها العقاري ومكانها، إذ يتم تبليغ هذا الإنذار، كما يبلغ الحكم العادي وفق إجراءات التبليغ المنصوص عليها ضمن الفصول 37.38.39 من قانون المسطرة المدنية .
غير أن مشروع المسطرة المدنية المطبق حاليا، استجابة منه لمبدأ إضافة طابع السرعة في البث وتنفيذ الأحكام، فقد عدل عن منح أي أجل للمنفذ عليه لأداء ما انشغلت به ذمته واقتصر على إعذاره بضرورة الوفاء بالدين حالا، حتى لا يؤول الأمر إلى نزع العقار المرهون وبيعه، وهذه هي الحالة التي يختلف فيها الفصل 440 من قانون المسطرة المدنية عن الفصل 295 الذي كان يمنح أجل عشرين يوما للمنفذ عليه ، ومع ذلك فإن عدم إبقاء المقتضيات الجديدة على الأجل المذكور، لن يرتب أية صعوبة قانونية بخصوص حقوق المدين الراهن في إعطائه فرصة الوفاء بالتزاماته أو منازعته في الإنذار العقاري، وذلك للأسباب الآتية:
1- أن الفصل 476 من قانون المسطرة المدنية يضرب أجلا لكتابة الضبط بإجراء المزايدة العلنية داخل أجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ إشعار المنفذ عليه.
2- يجير الفصل 477 للمنفذ عليه أن يؤذي ما بذمته أصلا وفوائده، إلى حدود تاريخ إجراء المزايدة وهذا يعني أن إجراءات المزايدة المعلن عنها من قبل، تصبح لاغية وكأن لم تكن، إذا تدارك المنفذ عليه هذا الإجراء، واستجاب لما طلب منه.
من خلال هذين النصين ستضح أن للمدين الراهن حق الوفاء بالتزاماته أو المنازعة قضائيا فيما طلب منه إلى حدود المزايدة، وبذلك تبقى عبارة " ويعذره قضائيا فيما طلب إلى حدود تاريخ إجراء المزايدة، وبذلك تبقى عبارة "ويعذره بأن يفي حالا بما قضي به" المنصوص عليها في الفصل 440 من قانون المسطرة المدنية لا قيمة لها من الوجهة العلمية، ولا ترتب أي أثر قانوني يزعج المدين الراهن مادام بإمكان هذا الأخير أن يقوم بوفاء ما أجبر على تنفيذه إلى حدود تاريخ الإعلان عن البيع القضائي للعقار، وهو آخر إجراءات التنفيذ.
و يجدر أن نلاحظ أن المناقشة المشار إليها بخصوص الأجل المضروب للمنفذ عليه، لا مجال لها في بعض القوانين الخاصة كما هو الشأن بالنسبة لقانون 17-12-1968 المتعلق بالقرض العقاري والفندقي، والتي حددت أجل الوفاء بالدين داخل 15 يوما من يوم تبليغ الإنذار العقاري إلى المنفذ عليه، وكتابة الضبط ملزمة بتضمين الأجل المذكور بالإنذار العقاري، عندما يتعلق الأمر بإحدى المؤسسات المختصة بالتمويلات العقارية والخاضعة للقانون المذكور، وهكذا يكون أجل تعرض المدين على الإنذار المذكور داخل خمسة عشر يوما.
ويتضمن الإنذار الإشارة إلى شهادة التسجيل الخاصة التي تسلمها الدائن المرتهن من المحافظ العقاري، و إلا اعتبر الإنذار المذكور لاغيا (حكم الدار البيضاء المؤرخ في 9/11/36 المنشور بجريدة المحاكم المغربية عدد 16/1/37، صفحة 21).
كما توجه نسخة من الإنذار إلى السيد المحافظ العقاري، وذلك بقصد تسجيله بالصك حتى يوضع حد لأي تفويت جديد قد ينصب على العقار المرهون (الفصل 87 من ظهير 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري).
وهكذا فإن شروط صحة الإنذار تتلخص في ضرورة تضمنه المبالغ المطلوبة من أصل وفوائد، والإشارة إلى شهادة التسجيل الخاصة، وتبليغ نسخة من الإنذار إلى السيد المحافظ العقاري لتسجيله بالصك العقاري .
ب- التعرض على الإنذار العقاري
إن ما اصطلح عليه قضائيا بالتعرض على الإنذار العقاري "هو الطعن بالبطلان في إجراءات الحجز العقاري بمقتضى مقال مكتوب قبل إجراء المزايدة، أمام قضاء الموضوع (الفصل 484 من قانون المسطرة المدنية) فما دامت إجراءات التنفيذ المنصوص عليها ضمن قانون المسطرة المدنية هي التطبيق، وخاصة المقتضيات المتعلقة بحجز العقارات، فإن للمدين ذي المصلحة في الطعن في الإنذار العقاري أن يتعرض على الإنذار والطعن فيه قبل تاريخ الشروع في مزايدة بيع العقار، و إلا طعنه مجرى خارج الأجل القانون.
ولقد عرف قضاؤنا هذا الإجراء في ظل قانون المسطرة المدنية السابق بلفظه الفرنسي (OPPPSITION à COMMANDEMENT IMMOBILIER) .
وهكذا فإن المحاكم المغربية كانت تقبل هذا التعرض شريطة أن يجري داخل أجل العشرين يوما الموالية لتبليغ الإنذار إلى المنفذ عليه مطبقة في ذلك مقتضيات الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية (قرار المجلس الأعلى بالرباط المؤرخ 23/4/63 منشور بجريدة المحاكم المغربية عدد أكتوبر 1963، ص 106).
ويلاحظ أن المحاكم المغربية في قانون المسطرة المدنية السابق، كانت تستند في قبول دعوى الطعن في الإنذار إلى مقتضيات الفصل 352 التي تماثل تماثلا تاما مقتضيات الفصل 484 من حيث مسطرة إقامة الدعوى أو الآثار القانونية الناجمة عن تسجيل الدعوى في إبانها القانوني.
وهكذا فإن دعوى الطعن في الإنذار أو التعرض عليه تطابق في إجراءها مسطرة دعوى الاستحقاق المنصوص عليها ضمن الفصل 482، التي يجريها غير المنفذ عليه لرفع الحجز المجرى على ممتلكاته خطأ.
وتقام دعوى الطعن في الإنذار العقاري أمام الموضوع، ويملك أطرافها جميع طرق الطعن العادية وغير العادية متى توافرت الشروط الشكلية، وبمجرد تسجيل الدعوى فإن إجراءات التنفيذ توقف توا إلى أن يبت في دعوى الطعن، التي غالبا ما يقيم صاحبها إدعاءاته على بعض الاخلالات الشكلية كعدم توفر طالب تبليغ الإنذار على شهادة تسجيل الرهن الخاصة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من الفصل 58 من ظهير 2/6/1915 المتعلق بالتحفيظ العقاري.
كما يكون الطعن في الإنذار ناتجا عن تحلل المدين من التزاماته بوفائه بالدين وتوفره على سندات الإبراء، وهو ما يجعل النزاع بطبيعته محط نظر محكمة الموضوع التي لها صلاحية البت في مدى صحة الحجج المستدل بها وصحة الدين المطلوب.
وهكذا بمجرد تسجيل دعوى الطعن في الإنذار فإن مسطرة التنفيذ تتوقف توا، إلى أن يبت نهائيا في النزاع كما هو الشأن بالنسبة لدعوى الاستحقاق المنصوص إلى أن يبت نهائيا في النزاع كما هو الشأن لدعوى الاستحقاق المنصوص عليها ضمن الفصل 482 من قانون المسطرة المدنية.
ومما يثير الدهشة والاستغراب أن بعض المحاكم الابتدائية المنشأة حديثا تتساءل عن السند القانوني للتعرض على الإنذار العقاري وكأنما هذه المسطرة لم تعرفها محاكمنا من قبل، فتقتضي بإلغاء تعرض على إنذار عقاري، استنادا إلى نفس التساؤل كما هو الأمر بالنسبة للحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بأسفي بتاريخ 16/1/1981 في الملف المدني رقم 3455 الذي علل صراحة عدم قبول التعرض على إنذار عقاري لانعدام الأساس القانوني، والحالة هذه أن قضاءنا قد عرف هذا الإجراء منذ عدة سنوات، في إطاره القانوني المتمثل في الفصلين 295 و 352 من قانون المسطرة المدنية، وقضى بقبوله مادام ذو مصلحة قد قام به داخل الأجل القانوني.
وهكذا فإن قرار محكمة الاستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 25/5/1965 المنشور بجريدة المحاكم المغربية عدد نونبر 1965 صفحة 75، اشترط لقبول التعرض على إنذار عقاري، القيام بهذا الإجراء داخل أجل عشرين يوما كما كان ينص على ذلك الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية (المعرض حاليا بمقتضيات الفصل 440 من قانون المسطرة المدنية.
وقد ذهب المجلس الأعلى للقضاء في القرار المشار إليه في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية.
وهكذا فإن المقتضيات القانونية التي اعتمدها قضاؤنا من قبل لقبول إجراء التعرض على الإنذار العقاري، لا تختلف عن المقتضيات القانونية المطبقة حاليا والمتجلية بالخصوص في الفصول 440 و484 و477 من قانون المسطرة المدنية، ومقتضيات قانون 17/12/1968 المتعلق بالقرض العقاري والفندقي.

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *