مستجدات الطعون القضائية ضد قرارات المحافظ العقاري في ضوء القانون 14.07
ومقتضيات الدستور الجديد
ذ . عبد الرزاق عريش باحث في القانون
تقديم:
خضع ظهير 31 رمضان 1333(12 غشت 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري لمجموعة من التعديلات في فترات متفرقة على امتداد قرن من الزمان بلغت سبعة عشر تعديلا كان أولها بواسطة الظهير الشريف الصادر في 29 ذي الحجة 1334 (27 أكتوبر 1916) وآخرها كان بواسطة القانون 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر2011) والذي بموجبه تم إدخال تعديلا ت همت جميع الفصول بدون استثناء إن على مستوى الشكل أو المضمون علاوة على ما لحق به من إضافات وهذا كله دون المساس بتاريخية النص وهيكلته العامة.
وقد مست التعديلات نظام التحفيظ العقاري في مجمله إن على مستوى تحديد المفاهيم أو مسطرة التحفيظ الاختياري أو الإجباري أو التعرضات أو التقييدات أو التقييدات الاحتياطية أو التشطيبات أو المراقبة القضائية لقرارات المحافظ.
وستقتصر مداخلتي على تناول مستجدات القانون 14.07 في مجال الطعون والمراقبة القضائية لقرارات المحافظ في ضوء مقتضيات الدستور المغربي الجديد.
وبناء على ذلك أقترح تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة محاور كالتالي:
المحور الأول : وأتناول فيه مستجدات المراقبة القضائية لقرارات المحافظ المتعلقة بالتعرضات؛
المحور الثاني : وأخصصه لمستجدات المراقبة القضائية لقرارات المحافظ المتعلقة بالتحفيظ والتقييد والتشطيب؛
أما المحور الثالث: فأتساءل فيه عن مدى قدرة قرار التحفيظ على الاستمرار في الإفلات من الطعن في ضوء القانون 14.07 ومقتضيات المادة 118 الدستور.
وسأعالج هذه المحاور الثلاث من خلال المطالب الثلاث الموالية.
المطلب الأول
مستجدات المراقبة القضائية لقرارات المحافظ المتعلقة بالتعرضات
البند الأول
المراقبة القضائية لقرار رفض التعرض المقدم داخل الأجل القانوني .
يعتبر التعرض الوسيلة القانونية الوحيدة التي خولها المشرع لكل شخص بهدف حماية حقوقه أثناء جريان مسطرة تحفيظ عقار معين الهدف منه إظهار كافة الحقوق المترتبة على العقار موضوع مطلب التحفيظ، كما يعد التعرض من الضمانات الأساسية التي تبرر مبدأ الحجية المطلقة الممنوحة للرسم العقاري إذا ما تم احترام جميع إجراءاته ومساطره، وقد خصص المشرع المغربي في ظهير 12 غشت 1913 الفرع الرابع من الباب الثاني من القسم الأول لبحث موضوع التعرضات، كما بحث التعرض في فصول أخرى من القرار الوزيري الصادر في 3 يونيو 1915 المتعلق بتفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري.
و قد أخضع المشرع ممارسة التعرض لعدة شروط، وإجراءات سواء من حيث تحديد حالات التعرض و آجال تقديمه و الجهات المختصة بتلقيه وصلاحيات المحافظ العقاري بشأنه والجهة القضائية المختصة بالبت في الطعون الموجهة ضد القرارات المتخذة بشأنه، وهذا ما سنتطرق إليه في النقط الموالية أخذا في الاعتبار مستجدات قانون 14.07 .
أولا- حالات التدخل في مسطرة التحفيظ عن طريق التعرض وآجال تقديمه:
أ- حالات التعرض
بموجب القانون رقم 14.07 تم توسيع نطاق الحالات التي تستوجب التدخل في مسطرة التحفيظ عن طريق التعرض، فبعد أن كانت محصورة في الحالات التالية:
1. حالة النزاع بشأن وجود حق الملكية؛
2. حالة النزاع بشأن مدى حق الملكية؛
3. حالة النزاع بشأن حدود العقار؛
4. حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع إنشاؤه.
توسعت الحالات لتشمل حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، وهو ما يعرف بالتقييدات المصاحبة للعقار في طور التحفيظ.
ب- الأجل القانوني للتعرض.
فيما يتعلق بأجل التعرض لم يدخل عليه مشرع قانون 14.07 أي تغيير فهو يبتدئ من تاريخ إيداع مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية و ينتهي بانتهاء أجل الشهرين الذي يبتدئ من يوم نشر إعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية.
ثانيا- الجهات المسموح لها بتلقي التعرضات:
كان ظهير12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري يسمح بتقديم التعرضات إما بصورة شفاهية أو كتابية إما للمحافظة العقارية أو للمحكمة أو للقائد أو لقاضي التوثيق أو السلطات المحلية، ويتعين على الجهات الأخرى غير المحافظة العقارية أن توجه مباشرة لهذه الأخيرة ما تتوصل به من تصريحات شفوية محررة في محاضر أو رسائل كتابية والتي يجب أن تبين فيها الحقوق والرسوم والوثائق المؤيدة للتعرضات، كما أوجب المشرع ضرورة أن تكون التعرضات مصحوبة بالمستندات ووسائل الإثبات المؤيدة له ( الفصل 25 فقرة 2 من ظ.ت.ع).
غير أنه بصدور القانون رقم 14.07 المغير والمتمم لظهير 12 غشت 1913 المذكور تم تقليص الجهات المسموح لها بتلقي التعرضات وحصرها في جهتين فقط من داخل جهاز المحافظة العقارية وهما :
1) المحافظ على الأملاك العقارية؛
2) المهندس المساح الطبغرافي المنتدب أثناء إجراء التحديد؛
وهذا ما يستشف من المقتضيات الجديدة للفصل 25 في فقرته الأولى التي جاء فيها: " تقدم التعرضات عن طريق تصريح كتابي أو شفوي إما للمحافظ على الأملاك العقارية، وإما للمهندس المساح الطبغرافي المنتدب أثناء إجراء التحديد. تضمن التصريحات الشفوية للمتعرض، بحضوره في محضر يحرر في نسختين تسلم إليه إحداهما".
ويمكن القول بأن المحافظ على الأملاك العقارية يبقى الجهة الأصيلة المختصة بتلقي التعرضات منذ التوصل بمطلب التحفيظ وإلى غاية انتهاء أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية، أما المهندس المساح الطبغرافي المنتدب فاختصاصه بتلقي التعرضات يظل محصورا في الزمان والمكان أي أثناء وفي مكان مباشرته لعمليات التحديد.
ثالثا- صلاحيات المحافظ على الأملاك العقارية بشأن التعرضات:
بموجب ظهير 12 غشت 1913 يلزم المحافظ على الأملاك العقارية بما يلي:
- تسجيل التعرضات مباشرة بسجل خاص سواء تلك التي يتلقاها مباشرة أو تلك التي يتوصل بها من الجهات الأخرى؛
- في حالة عدم تقديم الوثائق والمستندات المدعمة لتعرضه،يقوم المحافظ بتوجيه إنذار للمعنيين بالأمر من أجل إيداع الصكوك المذكورة مع تذكيرهم بمقتضيات الفصل 48 التي تنص على العواقب المترتبة عن كل تعرض تبث صدوره عن تعسف أو تكدير أو سوء نية( الفصل 25 فقرة 5 )؛
- يتعين على المحافظ العقاري تبليغ نسخ من التعرضات إلى طالب التحفيظ الذي يجب عليه داخل أجل شهر إثبات رفع التعرضات أو التصريح بقبولها (للفصل 31 من ظ.ت.ع )؛
- وعند انصرام هذا الأجل دون تمكن طالب التحفيظ من رفع التعرض، يوجه المحافظ للمرة الأخيرة إنذارا للمتعرضين لكي يقدموا إليه داخل أجل 3 أشهر من تاريخ توصلهم بالإنذار الرسوم والوثائق المؤيدة، فإذا لم يدلوا بها داخل الأجل المذكور، أو لم يثبتوا عدم إمكانية تقديمها خول المشرع للمحافظ إمكانية الإبقاء على التعرض أو اعتباره ملغى( الفصل 32 فقرة 2 )؛
وبموجب القانون 14.07، تم تخفيض الآجال المضروبة للمتعرضين من أجل الإدلاء بالوثائق والمستندات المؤيدة لتعرضهم بحيث يجب عليهم أن يودعوا السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم ويؤدوا الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يدلوا بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض، وإذا لم يقدم المتعرض بعد انصرام هذا الأجل، الرسوم والوثائق المؤيدة لتعرضه، ولم يؤد الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو لم يثبت حصوله على المساعدة القضائية، يعتبر التعرض لاغيا وكأن لم يكن. وغاية المشرع من تقليص الآجال هو تسريع مسطرة التحفيظ ووضع حد لطول الإجراءات من خلال إلغاء مسطرة الإنذارات الموجهة للمتعرضين للإدلاء بالمستندات والوثائق المدعمة لتعرضهم( إنذار أول غير محدد الآجل وإنذار ثان حدد أجله في ثلاثة أشهر)، والاكتفاء بأجل شهر يبتدئ من اليوم الذي ينتهي فيه أجل التعرض، يجب خلاله على كل المتعرضين إيداع السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم مع تأدية الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو الإدلاء بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية، وهنا قد تثور مشكلة ما إذا كان هذا الأجل كافي بالنسبة للمتعرضين المعوزين الراغبين في الحصول على المساعدة القضائية بالنظر لما تتطلبه هذه الأخيرة من مساطر وإجراءات.
و يختص المحافظ وحده بصلاحية قبول أو رفض التعرضات إذ يجوز له أن يرفض أي تعرض لم يقدم في الأجل القانوني وذلك ما تؤكده المادة 27 من ظهير 12 غشت 1913 كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14.07 التي تنص : "لا يقبل أي تعرض باستثناء ما هو منصوص عليه في الفصل 29 بعد انصرام أجل شهرين يبتدئ من تاريخ نشر الإعلان المذكور في الفصل 23 من هذا القانون بالجريدة الرسمية"، و تم تأكيد ذلك بالاجتهاد القضائي لمحكمة النقض في العديد من قراراتها حيث منعت محكمة التحفيظ العقاري من البت في قبول أو عدم قبول التعرض واعتبرته من اختصاص المحافظ العقاري وحصرت اختصاصها فيما هو موكول إليها طبقا للفصل 37 من ظ.ت.ع.
رابعا- قابلية قرار إلغاء التعرض للطعن القضائي:
بموجب الفصل 32 فقرة 3 من ظهير التحفيظ العقاري كان قرار المحافظ برفض التعرض قابلا للاستئناف (الطعن ) أمام المحكمة الابتدائية التي تبت فيه بصفة انتهائية واستعجالية، ويجب أن يقدم طلب الطعن داخل أجل 15 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ قرار المحافظ إلى المتعرض؛
وقد أتيحت الفرصة للقضاء الإداري في عدة مناسبات ليبين موقفه من الطعون المحالة إليه ضد قرارات المحافظ برفض التعرض المقدمة داخل الأجل القانوني حيث صرح بعدم اختصاصه للبت في دعوى الإلغاء الموجهة ضد تلك القرارات وذلك استنادا إلى المادة 32 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري.
وتأكد اختصاص القضاء العادي للنظر في الطعون المقدمة ضد قرارات المحافظ التي تندرج في إطار الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري بقرار محكمة النقض الصادر في 9/11/1995 الذي جاء فيه:" وحيث مع التأكيد على الطابع الإداري لكل قرارات المحافظ على الأملاك العقارية، فإن قراراته التي تندرج في إطار الفصل32 من ظ.ت.ع تخضع قانونا للطعن فيها أمام المحاكم العادية، " .
لكن القانون رقم 14.07 أدخل تعديلا جوهريا بهذا الخصوص هو حذف الفقرة التي كانت تنص على إمكانية الطعن في قرار إلغاء التعرض أمام المحكمة الابتدائية، فما هي الآثار القانونية المترتبة عن هذا الحذف؟
يمكن إجمال هذه الآثار فيما يلي:
1- لن يؤثر حذف هذه الفقرة على قابلية قرار المحافظ بإلغاء التعرض للطعن القضائي ما دام أن حق التقاضي هو حق دستوري يضمن لكل متضرر الحق في مخاصمة القرارات الإدارية ويدخل ضمنها قرار المحافظ برفض التعرض؛
2- سيترتب عن هذا التعديل تغيير في قواعد الاختصاص القضائي حيث سينتقل اختصاص البت في الطعن الموجه ضد قرار إلغاء التعرض لعدم تقديم الوثائق والرسوم المؤيدة إلى القضاء الإداري وفق المبادئ العامة المنصوص عليها في القانون رقم 41-90 بدل القضاء العادي وذلك بسبب انتفاء شرط الدعوى الموازية، وسينتج عن نقل الاختصاص إلى القضاء الإداري نتيجتين في غاية الأهمية:
أ- الأولى تخص أجل الطعن ضد قرار إلغاء التعرض الذي سيصبح شهرين يحتسب ابتداء من تاريخ تبليغ القرار إلى المتعرض وفق مساطر التقاضي الإدارية أو من تاريخ العلم اليقيني بالقرار وفق الاجتهاد القضائي بعد أن كان أجل الطعن لمخاصمة هذا القرار أمام القضاء العادي هو 15 يوما، وهو أجل كان غير كافيا لإعداد ملف الطعن؛
ب- الثانية تخص الاستفادة من ضمانة التقاضي على درجتين أمام القضاء الإداري لفائدة الطاعن والمحافظ على الأملاك العقارية على السواء بعد أن كانا محرومين من هذه الضمانة أمام القضاء العادي حيث كان ظهير 12 غشت 1913 ينص بأن المحكمة الابتدائية تبت في الطلب بصفة انتهائية ما يعني أن الطرف الذي يصدر الحكم في غير مصلحته ليس أمامه إلا فرصة الطعن بالنقض.
3- أما فيما يخص قرار إلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة، فلم يكن أصلا يخضع للطعن القضائي بصريح النص حيث ظل المشرع ساكتا بشأنه، وكان الاتجاه يميل نحو إقرار قابليته للطعن القضائي أمام القضاء الإداري بحكم عدم وجود دعوى موازية وهو الاتجاه الذي سيظل ساري المفعول في ظل القانون 14.07 .
البند الثاني
المراقبة القضائية لقرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل القانوني
لقد أحاط المشرع مسطرة التحفيظ بمجموعة من القواعد والآليات التي تهدف إلى تمكين جميع الأطراف التي لها علاقة بالعقار موضوع طلب التحفيظ من أجل إظهار حقوقها والدفاع عنها وحمايتها.
ومن هذه القواعد، إشهار مطلب التحفيظ لاطلاع الغير على ادعاءات طالب التحفيظ، وتمكين كل من ينازع فيها بالإدلاء بتعرضه .غير أن تقديم التعرضات حدد له المشرع أجلا معينا يبتدئ من يوم تقديم مطلب التحفيظ وينتهي بانصرام مدة شهرين محسوبة من تاريخ نشر إعلان انتهاء التحديد المؤقت بالجريدة الرسمية، وبانصرام هذا الأجل يمكن أن يسقط حق التعرض .
ويهدف المشرع من وراء تحديد أجل التعرض حماية مصالح طالب التحفيظ بعدم الإبقاء على الأجل مفتوحا دون تحديد و لتسريع مسطرة التحفيظ، وإنشاء الرسم العقاري، مما ينعكس إيجابا على تنشيط الاستثمارات العقارية.
لكن بالمقابل هناك من ينتقد تحديد أجل التعرض باعتباره لا يحقق مصلحة المتعرض نظرا لارتباط تاريخ بداية أجل التعرض بنشر إعلان التحديد المؤقت بالجريدة الرسمية، وهو الأمر الذي لا يتلاءم مع درجة الوعي القانوني لدى شريحة هامة من المواطنين، إذ أن الغالبية العظمى لا تعلم بوجود مثل هذه الجريدة الرسمية المختصة بنشر القوانين والإعلانات القانونية والإدارية.
ومن تم يخلص هذا الرأي إلى أن الدور الموكول للمحافظ بهذا الخصوص هو دور خطير من شأنه أن يعرض حقوق المتعرضين للضياع خاصة بعد إنشاء الرسم العقاري الذي يضفي عليه الفصل 62 الصفة لنهائية.
ولهذا كان من الضروري البحث عن صيغة توفيقية تمكن من تجاوز تضارب المصالح بين طالب التحفيظ والمتعرض، وإيجاد قواعد ومعايير تضبط حقوق الطرفين وتضمن عدم التفريط بمصلحة أحدهما على حساب الآخر، لذا أوجد المشرع استثناءا لقاعدة إغلاق باب التعرضات بعد فوات الأجل القانوني، وفتح المجال لإمكانية قبول التعرض المقدم خارج الأجل القانوني، طبقا لما نص عليه الفصل 29 من قانون التحفيظ العقاري.
فما هو الإطار القانوني الذي يضبط ممارسته من حيث الجهة المختصة بقبوله وحدود صلاحياتها، وشروط قبوله، ومدى قابلية قرار القبول أو الرفض للمراقبة القضائية في ضوء القانون 14.07؟.
أولا - الجهة المختصة بتلقي التعرضات خارج الأجل القانوني.
قبل إقرار قانون 14.07 كان الاختصاص بتلقي التعرضات الاستثنائية التي تظهر بعد انصرام الأجل القانوني موكولا إلى جهتين وهما: المحافظ العقاري ووكيل الملك.
وتبدأ صلاحية المحافظ العقاري في إمكانية تلقي مثل هذا التعرض من اليوم الموالي لانتهاء أجل التعرض القانوني (شهران من تاريخ نشر إعلان التحديد المؤقت بالجريدة الرسمية) إلى غاية إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة الابتدائية المختصة للبت في التعرضات المسجلة لديه، إذ ينزع منه الاختصاص بتلقي أي تعرض مهما كانت جديته، وإذا لم تكن هناك تعرضات سابقة على المطلب، فصلاحيته تمتد إلى ما قبل تحفيظ العقار وإنشاء الرسم العقاري .
أما وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية فيبتدئ اختصاصه بتلقي التعرضات خارج الأجل بمجرد إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة المختصة من طرف المحافظ العقاري، وهذه الإحالة لا تتم إلا في حالة تسجيل تعرض أو أكثر على مطلب التحفيظ مقبول من طرفه ، ومن هنا كانت نقطة بداية انعقاد الاختصاص لوكيل الملك هي تاريخ إحالة الملف على كتابة الضبط بالمحكمة المختصة، ولن يحال الملف على هذه الأخيرة إلا في حالة تسجيل تعرضات، ويفهم من ذلك أن وكيل الملك لم يكن بإمكانه التدخل في مسطرة التعرضات إذا لم يتم تسجيل أي تعرض سابق على مطلب التحفيظ لدى المحافظ العقاري.
غير أن القانون 14.07 جاء بخصوص هذا الموضوع بتغيير هام وجوهري يتمثل في إلغاء أي دور لوكيل الملك في تلقي التعرضات خارج الأجل القانوني بعد إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة الابتدائية المختصة، وأبقى هذا الاختصاص حكرا على المحافظ على الأملاك العقارية لوحده، فما هي حدود صلاحياته ومتى تبدأ ومتي تنتهي وفق القانون الجديد؟
للإجابة على هذا التساؤل لابد من التمييز بين احتساب بداية الاختصاص ونهايته:
1- بالنسبة لاحتساب بداية الاختصاص، هنا لا جديد ولا إشكال مقارنة بالوضع السابق حيث يبدأ احتساب الاختصاص من اليوم الموالي لانتهاء أجل التعرض ( أي اليوم الذي يلي انتهاء أجل شهرين محسوبة من تاريخ الإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية).
2- أما فيما يخص احتساب نهاية الاختصاص، فالأمر يتطلب تدقيقا و توضيحا وذلك من خلال التمييز بين حالتين:
أ- حالة تسجيل تعرض جدي واحد أو أكثر سابق داخل الأجل القانوني:
وهذه الحالة تفرض إحالة الملف على القضاء، وفيها ينتهي اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية في تلقي التعرضات خارج الأجل بمجرد توجيه الملف إلى المحكمة الابتدائية المختصة، وهنا أيضا لا يوجد اختلاف أو إشكال بين الوضع السابق والوضع الجديد وهذا ما يستشف من قراءة الفصل 29 الذي جاء فيه:" بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه، يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.....شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية"؛
لكن السؤال المطروح هو متى يتم هذا التوجيه؟ وهل يملك المحافظ بهذا الخصوص سلطة مطلقة أم مقيدة في الزمان؟
الجواب على هذا السؤال نجده في الفقرة الأخيرة من الفصل 32 التي حددت للمحافظ أجلا أقصاه ثلاثة أشهر يبتدئ من تاريخ انتهاء أجل التعرض القانوني من أجل توجيه مطلب التحفيظ و التعرضات المسجلة عليه على المحكمة المختصة؛ وبذلك يمكن القول بأن المحافظ، في حالة عدم إلغائه للتعرضات المقدمة إليه، فهو يملك تحت يده زمن 3 أشهر من تاريخ انتهاء أجل التعرض يصبح بعد انصرامه ملزما بإحالة الملف على القضاء.
أما من فاتته فرصة التعرض داخل الأجل القانوني، فهو يتوفر نظريا على ثلاثة أشهر لكنه لا يملك زمنها بالكامل بين يديه إذ أن إمكانية الاستفادة من هذه المدة في تقديم التعرض الاستثنائي قد تضيق أو تتسع وذلك مرهون بالوقت الذي يتخذ فيه المحافظ مبادرة الإحالة على المحكمة المختصة.
ب- حالة عدم تسجيل أي تعرض سابق داخل الأجل القانوني:
وفي هذه الحالة تمتد صلاحية المحافظ في تلقي التعرضات الاستثنائية خارج الأجل إلى ما قبل تحفيظ العقار وإنشاء الرسم العقاري، لكن الجديد في قانون 14.07 هو أنه حدد في الفصل 30 أجلا للمحافظ أقصاه الثلاثة أشهر الموالية لانتهاء أجل التعرض من أجل القيام بتحفيظ العقار بعد التحقق من إنجاز جميع الإجراءات المقررة في القانون، ومن شرعية الطلب وكفاية الحجج المدلى بها، وعدم وقوع أي تعرض. ومعنى ذلك أن المحافظ وبعد انتهاء أجل التعرض القانوني دون تسجيل أي تعرض يملك زمن ثلاثة أشهر لتلقي التعرضات الاستثنائية، فإذا انصرم هذا الأجل أصبح ملزما بتحفيظ العقار أو رفضه، في المقابل لا يملك من فاتته فرصة التعرض داخل الأجل القانوني هذا الزمن بالكامل كما سلف الذكر بل قد يضيق أو يتسع بحسب الوقت الذي يتخذ فيه المحافظ قرار التحفيظ.
ويمكن القول أنه بإلغاء دور وكيل الملك في تلقي التعرضات خارج الأجل، يكون المشرع قد رجح كفة طالب التحفيظ في مقابل إضعاف موقف المتعرضين، إذ بعد أن يحيل المحافظ على الأملاك العقارية مطلب التحفيظ رفقة التعرضات المسجلة على المحكمة المختصة، لن يعود بإمكان المتعرضين أية فرصة في تقديم تعرضهم في حالة ما إذا فاتتهم فرصة التعرض أمام المحافظ على الأملاك العقارية خاصة وأن القانون 14.07 لم يترك الباب مفتوحا للمحافظ لتلقي التعرضات خارج الأجل بدون تقييد زمني وإنما حدد له سقفا زمنيا أوجب عليه احترامه كما سبق الإشارة إليه وتأيد هذا الموقف بأحكام القضاء .
ثانيا- شروط قبول التعرض خارج الأجل القانوني.
لم يكن الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري ينص على أية شروط موضوعية محددة يترتب عن توافرها أو عدم توافرها قبول أو رفض التعرض المقدم خارج الأجل باستثناء ما تضمنه من بيان وقت اختصاص كل من المحافظ ووكيل الملك باتخاذ القرار المذكور، ولعل غياب هذه الشروط القانونية ، قد يوحي بأن المحافظ العقاري يملك سلطة تقديرية واسعة في قبول أو رفض التعرض المقدم خارج الأجل القانوني، يتعذر على القضاء مراقبتها الأمر الذي قد يضر بمصالح الأطراف المعنية سواء كان طالب التحفيظ في حالة القبول أو المتعرض في حالة الرفض، ولملأ هذا الفراغ ، ومن أجل توحيد الاجتهاد الإداري في الموضوع، كان المحافظ العام قد أصدر مذكرة رقم 5829 بتاريخ 25/10/2001 الموجهة إلى جميع المحافظين العقاريين والتي يهدف من ورائها إلى ضبط شروط تطبيق الفصل 29 إذ أكد على الطابع الاستثنائي لمقتضياته وحث المحافظين على عدم التوسع في استعماله إلا بعد التأكد من توفر شرطين أساسيين وهما:
1- وجود سبب معقول يبرر عدم إمكانية المتعرض تقديم تعرضه داخل الأجل القانوني.
2- توفر المتعرض على حجج ووثائق قوية متعلقة بالعقار موضوع مطلب التحفيظ، كافية لإقناع المحافظ بأن مطالبه جدية.
وإلى جانب الشرطين المذكورين كان الاجتهاد القضائي للمحاكم الإدارية قد أضاف شرطا ثالثا وهو وجود تعرضات سابقة" .
وبرأيي، فإن التفسير الذي أعطاه الاجتهاد القضائي لنص الفصل 29 يتجاوز روح النص، ويتعدى مجرد التفسير إلى تضييق وتقييد نطاق تطبيقه عندما اشترط سبقية وجود تعرضات من أجل إمكانية قبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل، وهو شرط لم ينص عليه مشرع التحفيظ العقاري، ولو كانت له نية في اشتراطه لنص عليه صراحة ضمن مقتضيات الفصل29.
ويبدو أن القانون 14.07 قد وضع حدا للاجتهاد القضائي السائد من قبل والذي كان يشترط وجود تعرض سابق أو أكثر لقبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل القانوني، حيث نص الفصل 29 بشكل صريح لا لبس فيه ولا غموض على إمكانية قبول هذا التعرض "ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق" هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يعد المحافظ على الأملاك العقارية يملك سلطة تقديرية بشأن التعرض الاستثنائي خارج الأجل بل أصبحت سلطته مقيدة بموجب القانون 14.07 إذ أصبح ملزما بمطالبة المتعرض بما يلي:
1- الإدلاء بالوثائق المبينة للأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل؛
2- الإدلاء بالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه؛
3- تأدية الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو الإدلاء بما يثبت حصوله على المساعدة القضائية.
وتجب الإشارة بأن الشرطين الأول والثاني كانا موضوع مذكرة المحافظ العام رقم 5829 بتاريخ 25/10/2001 السالفة الذكر الموجهة إلى المحافظين العقاريين، غير أن المشرع ارتقى بها اليوم إلى مجال القانون بعد أن كانت منظمة في إطار منشور .
ثالثا- الرقابة القضائية لقرار رفض أو قبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل.
كان الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري في ظل ظهير 12 غشت 1913 يلتزم الصمت بشأن إمكانية الطعن في قرار رفض أو قبول التعرض خارج الأجل الذي يمكن أن يتخذه المحافظ العقاري .
إذ في كلتا الحالتين من المحتمل أن يتضرر من موقفه أحد الأطراف المعنية، قد يكون طالب التحفيظ في حالة القبول لأن ذلك سيؤدي إلى تمديد مسطرة التحفيظ مما سيضر بمصلحته، وقد يكون المتعرض في حالة الرفض لان ذلك سيحرمه من إمكانية الدفاع عن حقوقه المحتج بها في مواجهة مطلب التحفيظ أمام القضاء، لذا فإن احتمال الطعن في قرار المحافظ برفض أو قبول التعرض خارج الأجل واردة سواء من لدن طالب التحفيظ أو المتعرض.
وقد تضاربت مواقف المحاكم المغربية سواء كانت تنتمي لجهة القضاء العادي أو القضاء الإداري حيث لازالت مواقفها غير منسجمة ولا موحدة بخصوص الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ العقاري بصفة عامة، و قراره المتخذ في إطار الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري المتعلق بالتعرض خارج الأجل القانوني بصفة خاصة وإن كان الموقف الراجح يميل في اتجاه قبول مراقبة مشروعيته من طرف القضاء الإداري .
غير أن ذلك لم يمنع المحكمة الابتدائية بالعرائش من قبول الطعن ضد قرار المحافظ العقاري برفض تعرض خارج الأجل ضد مطلب التحفيظ، مبررا رفضه بانتهاء أجل تقديم التعرضات، حيث أصدرت حكمها بتاريخ 17/11/2003 ، برفض الطلب بعلة أن المدعين لا يتوفرون على أسباب موضوعية تبرر لهم حق الاستفادة من الأجل الاستثنائي، وبذلك تكون المحكمة الابتدائية بالعرائش قد منحت لنفسها الاختصاص للبت في طلب الطعن ضد قرار رفض التعرض خارج الأجل القانوني.
غير أن المشرع تدخل بموجب القانون 14.07 ليضع حدا لكل الاجتهادات القضائية في الموضوع ويذهب في اتجاه إخراج قرار المحافظ بشأن التعرض الاستثنائي خارج الأجل من دائرة المراقبة القضائية وذلك حين نص الفصل 29 في فقرته الثالثة والأخيرة: " يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي ".
وتثير هذه الفقرة حقيقة عدة ملاحظات نبسطها كما يلي :
• تكتسي هذه الفقرة خطورة بالغة أكثر من خطورة الفصل 62 بالنظر لما تضمنته من منع صريح لأي طعن قضائي في مقابل مرونة الصيغة التي وردت في الفصل 62 "إن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن"، فهذه الصيغة قد يلتف عليها القضاء ليفسرها تفسيرا ضيقا بحيث يجعلها مقتصرة على الطعن الإداري ولا تشمل الطعن القضائي، في حين أن الصيغة الواردة في الفصل 29 جاءت جامدة بحيث لا تحتمل أي تأويل أو تفسير؛
• يمثل التحصين التشريعي لقرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل مساسا بالضمانات الدستورية الممنوحة للأفراد والجماعات في مجال القضاء ولا سيما حق التقاضي المضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون بموجب الفقرة الأولى من الفصل 118 من الدستور،كما يشكل مخالفة دستورية بليغة للفقرة الثانية من نفس الفصل التي تنص على إمكانية الطعن في أي قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا أمام القضاء الإداري، وبناء على مقتضيات الفصل 118 من الدستور يمكن أن نقول بعدم دستورية الفقرة الثانية من الفصل 29 السالف الذكر، وبما أن الجهات المختصة بإحالة القوانين على المجلس الدستوري لم تتخذ المبادرة بإحالة القانون المذكور عليه للنظر في مدى مطابقته للدستور، لم يعد هناك من طريق أمام أي شخص متضرر لتفادي تطبيق الفقرة المذكورة سوى اللجوء إلى تقنية الدفع بعدم الدستورية طبقا للفصل 133 من الدستور والتي سيحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيقها؛
• يمكن القول بأن التحصين التشريعي (غير الدستوري)ينصرف فقط لقرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل ما يعني أن المتضرر منه هو المتعرض، لكن لا ينبغي إغفال أن المحافظ على الأملاك العقارية قد يتخذ قرارا بقبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل يمكن أن يتضرر منه طالب التحفيظ، والسؤال المطروح هنا هل يشمل التحصين التشريعي هذا القرار الايجابي أيضا بحيث يمنع طالب التحفيظ من مخاصمته قضائيا؟ في تقديري الشخصي لا يمكن مد التحصين التشريعي إلى هذا القرار و ذلك في إطار الالتزام بالتفسير الضيق للفقرة الثالثة من الفصل 29 التي حصنت قرار رفض التعرض فقط .
المطلب الثاني
مستجدات المراقبة القضائية لقرارات رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب
البند الأول
الأحكام العامة للتحفيظ والتقييد والتشطيب
أولا- الأحكام العامة للتحفيظ :
يتلقى المحافظ العقاري طلبات التحفيظ ويتابع إجراءات مسطرة التحفيظ وفق الضوابط القانونية المنصوص عليها في ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ومسطرة التحفيظ وفق النظام المعمول به في المغرب تبتدئ إداريا وتنتهي إداريا حتى وإن تخللتها مرحلة قضائية في حالة وجود تعرضات قانونية، إذ يقتصر دور قضاء التحفيظ العقاري على البت في التعرضات، ثم يحيل الملف برمته على المحافظ العقاري الذي يملك صلاحية اتخاذ قرار بتحفيظ العقار في اسم طالب التحفيظ أو اتخاذ قرار برفض التحفيظ كليا أو جزئيا تحت مسؤوليته وأخذا بالاعتبار بطبيعة الحال أحكام القضاء بشأن التعرضات.
ونص القانون 14.07 على بعض الحالات والأسباب التي يمكن أن يستند إليها المحافظ على الأملاك العقارية لتبرير قرار رفض أو إلغاء مطلب التحفيظ،وهي كالتالي:
1- إذا تغيب طالب التحفيظ أو من ينوب عنه عن حضور عمليات التحديد أو عدم قيامه بما يلزم لإجراء عملية التحديد دون الإدلاء بعذر مقبول داخل أجل شهر من تاريخ توصله بالإنذار، حيث يعمد المحافظ إلى إلغاء مطلب التحفيظ طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 23 من ظهير 12غشت1913 كما وقع تغييره وتتميمه. والملاحظ هنا أن صلاحية المحافظ بالإلغاء أصبحت مقيدة بتوجيه إنذار وانتظار أجل شهر، كما أن صلاحيته في تقييم مقبولية العذر أو عدم مقبوليته تخضع لرقابة القضاء.
2- إذا تعذر على المحافظ على الأملاك العقارية أو نائبه إنجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك ( الفصل 23 فقرة 2 )، وهي حالة جديدة نص عليها القانون 14.07 لم يكن منصوصا عليها قبل التعديل، وتثير هذه الحالة تساؤلا مشروعا هو: ألا يعد ظهور نزاع حول الملك بمناسبة إجراء التحديد بمثابة تعرضات على مطلب التحفيظ تستدعي من المحافظ أو نائبه التعامل معه قانونا ضمن هذا الإطار بدل النظر إليه كسبب معرقل لانجاز عملية التحديد يمكن أن يؤدي إلى إلغاء مطلب التحفيظ؟؛
3- إذا لم يقم طالب التحفيظ بأي إجراء لمتابعة مسطرة التحفيظ وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر( بعد أن كان الأجل 6 أشهر قبل التعديل) من يوم توصله بإنذار من المحافظ على الأملاك العقارية بواسطة عون من المحافظة العقارية أو بالبريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ (الفصل 50 من ظ.ت.ع).
إلى جانب هذه الأسباب، هناك أسباب أخرى يمكن أن نستشفها من مقتضيات الفصل 30 من القانون 14.07 والتي يمكن أن يستند عليها المحافظ على الأملاك العقارية في رفض التحفيظ وهي:
1. حالة عدم شرعية الطلب؛
2. حالة عدم كفاية الحجج المدلى بها من طرف طالب التحفيظ لتأييد مطلبه ؛
3. حالة صدور حكم قضائي نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به ، يقضي بصحة تعرض معين في مواجهة مطلب التحفيظ، إذ يمكن للمحافظ أن يلغي مطلب التحفيظ سواء كليا أو جزئيا بالاستناد إلى الحكم المذكور؛
وأهم تغيير جاء به القانون رقم 14.07 هو منحه للمحافظ على الأملاك العقارية صلاحية تقدير سبب إلغاء مطلب التحفيظ خارج نطاق الأسباب المحددة بالقانون وذلك ما يستشف من مقتضيات الفصل 38 المعدل الذي جاء في أولى فقراته "في حالة رفض مطلب التحفيظ لأي سبب كان وفي أية مرحلة من مراحل المسطرة..."
ثانيا- الأحكام العامة للتقييد والتشطيب .
لا تخفى أهمية إشهار التصرفات القانونية الواقعة على العقارات المحفظة من حيث ضمان الحقوق المترتبة عليها وحمايتها ،فكيفما كان السند المؤيد للحق، أوجب القانون ضرورة تقييده بالرسم العقاري لينتج آثاره القانونية اتجاه أطراف العقد أو الغير، إذ أن تقييده بالرسم العقاري هو بداية الوجود القانوني له، وابتداء من تاريخ التقييد .
لذا فإن عدم متابعة أطراف العلاقة لإجراءات تقييد الحق في الرسم العقاري كيفما كان مصدره سواء تعلق الأمر بعقد بيع للعقار كله أو جزء منه أو عقد كراء طويل الأمد، أو عقد انتفاع أو رهن أو حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به يقضي باستحقاق حقوق معينة لشخص معين، فإن ذلك يجعل الحق غير جدير بالحماية في نظر القانون.
وبإجراء المحافظ لعملية تقييد الحقوق بالسجل العقاري، يجعلها قائمة ومنتجة لأثارها إزاء الجميع ولا تزول هذه الآثار إلا بالتشطيب على قيدها في السجل العقاري ، وهذا ما نص عليه الفصل 91 من قانون 14.07، بالقول " مع مراعاة أحكام الفصل 86 أعلاه، يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين، في مواجهة الأشخاص الذين يعنيهم هذا الحق.".
ويتولى المحافظ العقاري عملية تقييد الحقوق وإشهارها بالرسم العقاري أو التشطيب عليها بعد التثبت من الحجج والمستندات المؤيدة لها .
ومن أهم المستجدات التي جاء بها القانون 14.07 في مجال التقييد نذكر ما يلي:
- تخفيض آجال التقييد من 18 شهر إلى 3 أشهر( الفصل 65 مكرر فقرة أولى)؛
- إلغاء المهلة الإضافية التي كان بإمكان المحافظ منحها لطالب التقييد( 6 أشهر) من أجل استكمال إجراءات التقييد إذا تعذر عليه تقييد الحق لعدم توفر الإثباتات والحجج اللازمة للقيام بالتقييد؛
- إقرار الغرامة المالية التصاعدية بعد أن كانت ثابتة في حالة عدم المبادرة إلى تقييد التصرفات القانونية داخل الأجل وتأدية رسوم المحافظة العقارية (غرامة مالية تساوي خمسة في المائة من مبلغ الرسوم المستحقة، وذلك عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انقضاء الأجل المذكور و 0,5 في المائة عن كل شهر أو جزء من الشهر الموالي له ( بعد أن كانت الغرامة المالية تساوي مبلغ الرسم المستحق على التسجيل) (الفصل 65 مكرر فقرة ثانية)؛
- منح صلاحية الإعفاء من الغرامة المالية لمدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح والخرائطية بدل وزير الفلاحة في حالة القوة القاهرة وهذا ينسجم مع تحول الوكالة إلى مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري؛
- إلغاء وظيفة الوسيط التي كان يقوم بها المحافظ بين طالب التقييد وقابض التسجيل والتمبر في حالة ما إذا كان العقد غير مستوف لإجراء التسجيل حيث كان يطلب إرفاق الطلب بنسخة من العقد وإلا امتنع عن تلقي طلب التقييد ( تم إسقاط هذه الفقرة من الفصل 70)؛
وقد أناط المشرع بالمحافظ تحت مسؤوليته مهمة التحقق من هوية المفوت أو طالب التشطيب وأهليته وكذا من صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للطلب شكلا وجوهرا(الفصل 72).
كما ألزم المشرع المحافظ على الأملاك العقارية بأن يتحقق من أن التقييد أو التشطيب موضوع الطلب لا يتعارض مع البيانات المضمنة بالرسم العقاري ومقتضيات قانون التحفيظ العقاري وأن الوثائق المدلى بها تجيز التقييد أو التشطيب ( الفصلان 74 و94 ).
و إذا قدمت في آن واحد عدة طلبات متعلقة بنفس العقار فإنه ينص على ذلك بسجل الإيداع وتقيد الحقوق بنفس الرتبة، فإن تنافى بعضها مع البعض رفض المحافظ على الأملاك العقارية التقييد( الفصل 76/2 ).
البند الثاني
قابلية قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب للطعن القضائي:
ونميز هنا بين مرحلة ما قبل القانون رقم 14.07 ومرحلة ما بعد القانون المذكور بالنظر لبعض التغييرات الجوهرية الطارئة في الموضوع.
أ- مرحلة ما قبل صدور القانون رقم 14.07 :
وتتميز المراقبة القضائية لقرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب في هذه المرحلة بما يلي:
1- إن الطعن القضائي ضد قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب كان منظما بمقتضى الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 الذي ينص: " في حالة ما إذا رفض المحافظ تحفيظ العقار أو تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه بسبب عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم، فإن قراره يكون قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبت فيه مع الحق في الاستئناف.
والأحكام الاستينافية يمكن الطعن فيها، عن طريق النقض وتبلغ للأطراف حسب نفس الشروط والشكل المقررة بالفصل 47 المشار إليه أعلاه".هذا من جهة، ومن جهة أخرى الفصل 10 من القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 بشأن ضبط التفاصيل المتعلقة بتطبيق نظام التحفيظ العقاري إذ نص بأنه "في حالة ما إذا رفض المحافظ أن يحفظ عقارا كلا أو بعضا أو أن يسجل حقا عينيا أو يشطب عليه بالسجلات العقارية فإن قراره يجب أن يكون معللا وأن يبلغ للطالب بدون تأخير .
ويكون هذا القرار قابلا للطعن القضائي المنصوص عليه في الفصل 96 من ظهير 9 رمضان 1331 موافق 12 غشت 1913 المذكور وذلك داخل أجل شهر واحد من تبليغه...".
2- تطبيقا لشرط الدعوى الموازية، فالجهة القضائية المختصة بمراقبة قرار رفض التحفيظ أو التشطيب أو التقييد هي جهة القضاء العادي استثناء من المبادئ العامة التي تمنح الاختصاص العام للقضاء الإداري لمراقبة مشروعية القرارات الإدارية كيفما كان مصدرها استنادا للقانون 90.41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية؛
3- من الناحية الهيكلية نظم المشرع المراقبة القضائية لقرار رفض التحفيظ في القسم الثاني المخصص لإشهار الحقوق العينية العقارية بالفصل 96 الذي نظم في نفس الوقت المراقبة القضائية لقرار رفض تسجيل حق عيني او التشطيب عليه، وهو تجاور كان محل انتقاد لعدم انسجامه مع الهيكلة العامة لقانون التحفيظ العقاري إذ أن مكانه الطبيعي كان هو القسم الأول المخصص للتحفيظ؛
4- استنادا إلى الفصل 96 من ظ.ت.ع وضع الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض المبادئ الأساسية للمراقبة القضائية لقرار المحافظ برفض التقييد أو التشطيب حيث وزع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري من خلال تبني معيار التفسير الضيق لمقتضيات الفصل 96 حيث اعتبر بأن قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب يكون قابلا للطعن أمام القضاء العادي، متى كان قراره معللا بعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الحجج ، ومتى كان قراره معللا بسبب آخر، أصبح الاختصاص منعقدا للقضاء الإداري طبقا للمبدأ العام، وهو الاجتهاد الذي تواترت عليه محكمة النقض في قراراتها ، إذ اعتبرت قرارات المحافظ والمحافظ العام قرارات إدارية قابلة للطعن بالإلغاء وفقا للمبدأ العام، وأن الاستثناء الوارد في المادة 96 من ظهير التحفيظ العقاري يجب أن يفسر تفسيرا ضيقا ينحصر فيما إذا كان قرار المحافظ برفض التحفيظ التسجيل أو التشطيب مبررا بعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم.
وقد سارت على نفس النهج المحاكم الدنيا سواء الإدارية أو العادية وإن بدرجات مختلفة.
وقد أكدت محكمة النقض موقفها هذا بوصفها مرجعا استئنافيا بعد إحداث المحاكم الإدارية في قرارها المؤرخ في 3-12-1998 بقولها : " إن من الواضح أن القرارات التي تصدر عن المحافظ على الملكية العقارية تعتبر مبدئيا قرارات إدارية لأنها صادرة عن سلطة إدارية إلا أن المشرع استثنى من دائرة هذه القرارات التي تصدر في ظل الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري وهي التي تتعلق برفض تحفيظ العقار أو تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه بسبب عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم حيث جعل هذه القرارات قابلة للطعن أمام المحكمة الابتدائية .
ب- الوضع في ظل القانون رقم 14.07:
جاء القانون المذكور بتعديلات شكلية وجوهرية أساسية في الموضوع نتطرق إليها كالتالي:
- من الناحية الشكلية عالج هذا القانون الخلل الهيكلي الذي كان يعتري النص القانوني المنظم لهذه المراقبة القضائية والذي سبقت الإشارة إليه بأن تم فصل المراقبة القضائية لمشروعية قرار رفض التحفيظ عن النص المرجعي المنظم للمراقبة القضائية لقرار رفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه وهو الفصل 96 من ظ.ت.ع، وخصص القانون رقم 14.07 فصلا مستقلا إضافيا ضمن الفرع الخامس من الباب الثاني من القسم الأول المخصص للتحفيظ وهو الفصل 37 مكرر الذي نص على ما يلي:
"يجب على المحافظ على الأملاك العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيها طلبا للتحفيظ أن يعلل قراره ويبلغه لطالب التحفيظ.
يكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبت فيه مع الحق في الاستيقاف وتكون القرارات الاستينافية قابلة للطعن بالنقض"؛
- حافظ القانون رقم 14.07 على نفس قواعد الاختصاص القضائي بأن منح المراقبة القضائية لقرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب للقضاء العادي مكرسا بذلك الاحتفاظ بوجود الدعوى الموازية باعتبار أن عدم وجودها هو شرط من شروط قبول دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري؛
- فك القانون 14.07 الارتباط بين مراقبة القضاء العادي لقرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب وسبب هذا الرفض الذي كان مقتصرا على حالتي عدم صحة الطلب وعدم كفاية الحجج في إطار التفسير الضيق الذي أخذت به محكمة النقض لمقتضيات الفصل 96 السالف الذكر علما أن هذا التفسير لم تنضبط له جميع المحاكم، وأصبح الاختصاص القضائي الموكول للقضاء العادي عاما ومطلقا يشمل جميع الحالات التي يرفض فيها المحافظ تحفيظ العقار أو تقييد حق عيني أو التشطيب عليه بدون استثناء بصريح النص، ومن شأن ذلك أن يرتب نتائج هامة كالتالي:
• رفع اللبس والغموض الذي كان سائدا والذي كان من نتائجه تضارب مواقف القضاء وخاصة بين جهتي القضاء العادي والقضاء الإداري، ففي حين يتجه الأول نحو التصريح باختصاصه والبت في جميع الطعون القضائية الموجهة ضد قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب دون الالتفات إلى سبب الرفض كان القضاء الإداري حريصا على الالتزام بالتفسير الضيق، وبالتالي البحث في سبب الرفض وكان يصرح باختصاصه فقط في حالة ما إذا كان الرفض مبنيا على سبب غير عدم صحة الطلب وعدم كفاية الحجج؛
• لن يصبح القضاء الإداري مختصا بالنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ على الأملاك العقارية التالية:
1. قرار إلغاء مطلب التحفيظ بسبب تخلف طالبه عن حضور عملية التحديد المؤقت ( الفصل 23 من ظ ت ع )؛
2. قرار إلغاء مطلب التحفيظ بسبب استنكاف طالب التحفيظ عن متابعة مسطرة التحفيظ (الفصل 50 من ظ ت ع ).
3. قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب لسبب آخر غير عدم صحة الطلب وعدم كفاية الحجج؛
- نص القانون 14.07 بشكل واضح على إلزامية تعليل قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب وضرورة تبليغه إلى المعني بالأمر، الأمر الذي لم يكن منصوصا عليه في ظل مقتضيات الفصل 96 من ظ .ت.ع وترك الأمر لمقتضيات القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 بشأن ضبط تفاصيل تطبيق النظام العقاري للتحفيظ في مادته العاشرة، وبذلك تم الارتقاء بإلزامية التعليل والتبليغ من مستوى النص التنظيمي إلى مستوى القانون انسجاما مع مقتضيات القانون رقم 03.01 الصادر في 2002.8.12 المتعلق بإلزام إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية، ويترتب عما سبق نتيجة هامة وهي أن قرينة المشروعية أصبحت ملازمة فقط للقرارات الإدارية الفردية المعللة، وبالمقابل أصبحت قرينة عدم المشروعية ملازمة للقرارات الإدارية الفردية السلبية غير المعللة؛
المطلب الثالث
مدى قدرة قرار التحفيظ المحصن على الإفلات من الرقابة القضائية
في ضوء القانون 14.07 والفصل 118 من الدستور الجديد.
لم يدخل القانون 14.07 تعديلا جوهريا على الفصل 62 باستثناء بعض التعديلات الشكلية على مستوى اللغة والمصطلحات،فقد حافظ المشرع للرسم العقاري على آثاره الثلاثة وهي النهائية وعدم القابلية للطعن والتطهير.
وقد استطاع الفصل 62 الصمود في وجه القضاء بالرغم من كون المحاكم الإدارية اتخذت موقفا إيجابيا من مبدأ قبول الطعن في قرار التحفيظ غير أنها لم تستطع إلغاءه عند مناقشة الجوهر. وهكذا رفضت المحكمة الإدارية بوجدة طلب إلغاء قرار المحافظ العقاري القاضي بتحفيظ العقار استنادا إلى مقتضيات الفصول 30 و62 و97 ، كما أن المحكمة الإدارية بفاس في حكمها الصادر في 1/10/1997 والمؤيد بقرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى الصادر في 16/7/ 1998 كانت قد كيفت دعوى الإلغاء التي رفعها الطاعنون ضد قرار التحفيظ بعلة بطلان إجراءات التحفيظ انطلاقا من عملية التحديد على أساس أنها طعن موجه ضد قرار الإعلان عن انتهاء التحديد وذلك لتفادي الاصطدام بمقتضيات الفصلين 62 و64 من ظهير التحفيظ العقاري حيث انتهت إلى إلغائه .
فقد سبق للمحكمة الإدارية بوجدة في حكمها الصادر في 8/3/2000 – والذي صدر في ظل الدستور السابق- في معرض إجابتها على الدفع المتعلق بعدم قابلية قرار التحفيظ للطعن استنادا إلى مقتضيات الفصل 62 من ظهير 12 غشت 1913، أن فسرت عدم القابلية للطعن بأنه لا يشمل الطعن بالإلغاء، وقررت مبدءا عاما يسري على أي قرار إداري تم تحصينه تشريعيا ضد الطعن مفاده " أن الطعن بالإلغاء ضد المقررات الإدارية يهدف إلى حماية الشرعية، ولا يمكن أن يفلت منه أي مقرر إداري ولو تعلق الأمر بمقرر إداري صدر في إطار قانون ينص على عدم قابليته للطعن مادام أن مبدأ مراقبة الشرعية يعتبر مبدئا دستوريا.
وبقدر ما أشد على يد المحكمة الإدارية بوجدة التي اجتهدت وأبدعت ورفعت من قيمة مبدأ مراقبة الشرعية الذي يجب أن يطوق كل المقررات الإدارية ولو كانت محصنة تشريعيا ، حيث ارتقت به إلى مصاف المبادئ الدستورية، بقدر ما أتساءل هل يعد مبدأ مراقبة الشرعية بالفعل مبدءا دستوريا في ظل الدستور المنسوخ الصادر في 7 أكتوبر 1996 ؟
فبمراجعة فصول الدستور الملغى، لا نجد من بين الضمانات الدستورية المنصوص عليها في بابه الأول أي أثر لدسترة مبدأ مراقبة الشرعية أو حق التقاضي أو منع تحصين القرارات الإدارية في القوانين حماية للشرعية، بخلاف بعض الدساتير العربية التي حرصت على دسترة مثل تلك المبادئ، ونذكر على سبيل المثال الدستور المصري الذي نص في مادته 68 بأن " التقاضي حق مضمون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحضر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء" وأيضا الدستور الأردني الذي ينص في مادته 102 : " تمارس المحاكم النظامية في المملكة الأردنية الهاشمية حق القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية بما فيها الدعوى التي تقيمها الحكومة أو تقام عليها، باستثناء المواد التي قد يفوض فيها حق القضاء إلى محاكم دينية أو محاكم خاصة بموجب أحكام هذا الدستور أو أي تشريع آخر نافذ المفعول" .
من أجل ذلك، كانت الحاجة ملحة إلى ضرورة تعزيز الضمانات الدستورية للمواطنين من خلال دسترة بعض المبادئ من قبل ضمان حق التقاضي ومقاضاة الإدارة وحماية رقابة الشرعية ومنع تحصين أي قرار إداري من الرقابة القضائية.
وبالفعل حصل هذا التطور في ظل الدستور الجديد الذي نص على العديد من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية وعزز من الضمانات الدستورية للأفراد والجماعات، ومن هذه الضمانات دسترة حق التقاضي ورقابة شرعية القرارات الإدارية، حيث نص الفصل 118 من الدستور الجديد الصادر بتنفيذه لظهير الشريف المؤرخ في 29 يوليوز 2011 بأن" حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون. كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة."
ومما لا جدال فيه أن هذا النص الدستوري ستكون له آثاره الايجابية في اتجاه تطوير الفكر القانوني والاجتهاد القضائي من زاويتين:
فمن زاوية أولى، لن يكون في إمكان أي قرار إداري، وكيفما كانت الجهة المصدرة له، الإفلات من رقابة الشرعية أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة حتى ولو كان محصنا بمقتضى القانون، كما لن يكون في مقدور أي سلطة أو هيئة إدارية الاحتجاج بالتحصين التشريعي لقراراتها من أجل الدفع بعدم قبول دعوى الإلغاء، وهذا ما ينطبق على قرار التحفيظ الصادر عن المحافظ العقاري المحصن بالمادة 62 من ظ.ت.ع، و أيضا على قرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل القانوني المحصن بالمادة 29 المعدلة بالقانون 14.07.
ومن زاوية ثانية، نفترض أن يفتح هذا النص الدستوري الباب مستقبلا لبروز اجتهاد قضائي يدفع في اتجاه توحيد الجهة القضائية المختصة بنظر الطعون المقدمة ضد قرارات المحافظ العقاري وذلك لفائدة جهة القضاء الإداري، ومن تم وضع حد لمسألة توزيع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري على اعتبار أن ظهير التحفيظ العقاري المعدل بالقانون 14.07 والقرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 المكمل له يمنح الاختصاص للقضاء العادي بموجب نصوص قانونية صريحة من أجل البت في الطعون الموجهة ضد بعض أنواع القرارات الصادرة عن المحافظ العقاري وهي :
- قرار رفض التحفيظ (الفصل 37 مكرر من ظ.ت.ع)؛
- قرار رفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه ( الفصل 96 من ظ .ت .ع)؛
- قرار المحافظ تصحيح الأغلاط المادية تلقائيا بالرسم العقاري أو رفض التصحيح بناء على طلب وفقا للمادة 29 من القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 بشأن تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري ؛
- قرار رفض تسليم نظير الرسم العقاري أو الشهادة العقارية الخاصة بالتقييد( المادة 103 من ظ.ت.ع)؛
في حين ينعقد الاختصاص للقضاء الإداري للبت في الطعون الموجهة ضد غيرها من قرارات المحافظ العقاري لانعدام الدعوى الموازية؛ ويستند هذا التأويل إلى الفصل 118 من الدستور المشار إليه أعلاه، وهو نص دستوري أسمى من قانون التحفيظ العقاري والنص التنظيمي المكمل له، الذي يحدد جهة القضاء الإداري كجهة مختصة برقابة شرعية كل قرار إداري سواء كان فرديا أو تنظيميا.
وفي نهاية هذه الدراسة، نشير بأنه كنا نأمل أن يكون الدستور الجديد أكثر صرامة في هذا الموضوع بحيث يمنع منعا صريحا تحصين القرارات الإدارية من الرقابة القضائية وذلك حتى يقطع الطريق على السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية من أن تفكر مستقبلا في تحصين أي قرار إداري، لكن رغم ذلك فإن مقتضيات الفصل 118 من الدستور توفر ضمانات دستورية كافية للأفراد والجماعات من أجل حقهم في التقاضي ، كما توفر الأساس الدستوري الكافي الذي يمكن أن يستند عليه القضاء الإداري ليبسط رقابته على مشروعية أي قرار إداري ولو كان محصنا تشريعيا ./.
خضع ظهير 31 رمضان 1333(12 غشت 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري لمجموعة من التعديلات في فترات متفرقة على امتداد قرن من الزمان بلغت سبعة عشر تعديلا كان أولها بواسطة الظهير الشريف الصادر في 29 ذي الحجة 1334 (27 أكتوبر 1916) وآخرها كان بواسطة القانون 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر2011) والذي بموجبه تم إدخال تعديلا ت همت جميع الفصول بدون استثناء إن على مستوى الشكل أو المضمون علاوة على ما لحق به من إضافات وهذا كله دون المساس بتاريخية النص وهيكلته العامة.
وقد مست التعديلات نظام التحفيظ العقاري في مجمله إن على مستوى تحديد المفاهيم أو مسطرة التحفيظ الاختياري أو الإجباري أو التعرضات أو التقييدات أو التقييدات الاحتياطية أو التشطيبات أو المراقبة القضائية لقرارات المحافظ.
وستقتصر مداخلتي على تناول مستجدات القانون 14.07 في مجال الطعون والمراقبة القضائية لقرارات المحافظ في ضوء مقتضيات الدستور المغربي الجديد.
وبناء على ذلك أقترح تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة محاور كالتالي:
المحور الأول : وأتناول فيه مستجدات المراقبة القضائية لقرارات المحافظ المتعلقة بالتعرضات؛
المحور الثاني : وأخصصه لمستجدات المراقبة القضائية لقرارات المحافظ المتعلقة بالتحفيظ والتقييد والتشطيب؛
أما المحور الثالث: فأتساءل فيه عن مدى قدرة قرار التحفيظ على الاستمرار في الإفلات من الطعن في ضوء القانون 14.07 ومقتضيات المادة 118 الدستور.
وسأعالج هذه المحاور الثلاث من خلال المطالب الثلاث الموالية.
المطلب الأول
مستجدات المراقبة القضائية لقرارات المحافظ المتعلقة بالتعرضات
البند الأول
المراقبة القضائية لقرار رفض التعرض المقدم داخل الأجل القانوني .
يعتبر التعرض الوسيلة القانونية الوحيدة التي خولها المشرع لكل شخص بهدف حماية حقوقه أثناء جريان مسطرة تحفيظ عقار معين الهدف منه إظهار كافة الحقوق المترتبة على العقار موضوع مطلب التحفيظ، كما يعد التعرض من الضمانات الأساسية التي تبرر مبدأ الحجية المطلقة الممنوحة للرسم العقاري إذا ما تم احترام جميع إجراءاته ومساطره، وقد خصص المشرع المغربي في ظهير 12 غشت 1913 الفرع الرابع من الباب الثاني من القسم الأول لبحث موضوع التعرضات، كما بحث التعرض في فصول أخرى من القرار الوزيري الصادر في 3 يونيو 1915 المتعلق بتفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري.
و قد أخضع المشرع ممارسة التعرض لعدة شروط، وإجراءات سواء من حيث تحديد حالات التعرض و آجال تقديمه و الجهات المختصة بتلقيه وصلاحيات المحافظ العقاري بشأنه والجهة القضائية المختصة بالبت في الطعون الموجهة ضد القرارات المتخذة بشأنه، وهذا ما سنتطرق إليه في النقط الموالية أخذا في الاعتبار مستجدات قانون 14.07 .
أولا- حالات التدخل في مسطرة التحفيظ عن طريق التعرض وآجال تقديمه:
أ- حالات التعرض
بموجب القانون رقم 14.07 تم توسيع نطاق الحالات التي تستوجب التدخل في مسطرة التحفيظ عن طريق التعرض، فبعد أن كانت محصورة في الحالات التالية:
1. حالة النزاع بشأن وجود حق الملكية؛
2. حالة النزاع بشأن مدى حق الملكية؛
3. حالة النزاع بشأن حدود العقار؛
4. حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع إنشاؤه.
توسعت الحالات لتشمل حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، وهو ما يعرف بالتقييدات المصاحبة للعقار في طور التحفيظ.
ب- الأجل القانوني للتعرض.
فيما يتعلق بأجل التعرض لم يدخل عليه مشرع قانون 14.07 أي تغيير فهو يبتدئ من تاريخ إيداع مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية و ينتهي بانتهاء أجل الشهرين الذي يبتدئ من يوم نشر إعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية.
ثانيا- الجهات المسموح لها بتلقي التعرضات:
كان ظهير12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري يسمح بتقديم التعرضات إما بصورة شفاهية أو كتابية إما للمحافظة العقارية أو للمحكمة أو للقائد أو لقاضي التوثيق أو السلطات المحلية، ويتعين على الجهات الأخرى غير المحافظة العقارية أن توجه مباشرة لهذه الأخيرة ما تتوصل به من تصريحات شفوية محررة في محاضر أو رسائل كتابية والتي يجب أن تبين فيها الحقوق والرسوم والوثائق المؤيدة للتعرضات، كما أوجب المشرع ضرورة أن تكون التعرضات مصحوبة بالمستندات ووسائل الإثبات المؤيدة له ( الفصل 25 فقرة 2 من ظ.ت.ع).
غير أنه بصدور القانون رقم 14.07 المغير والمتمم لظهير 12 غشت 1913 المذكور تم تقليص الجهات المسموح لها بتلقي التعرضات وحصرها في جهتين فقط من داخل جهاز المحافظة العقارية وهما :
1) المحافظ على الأملاك العقارية؛
2) المهندس المساح الطبغرافي المنتدب أثناء إجراء التحديد؛
وهذا ما يستشف من المقتضيات الجديدة للفصل 25 في فقرته الأولى التي جاء فيها: " تقدم التعرضات عن طريق تصريح كتابي أو شفوي إما للمحافظ على الأملاك العقارية، وإما للمهندس المساح الطبغرافي المنتدب أثناء إجراء التحديد. تضمن التصريحات الشفوية للمتعرض، بحضوره في محضر يحرر في نسختين تسلم إليه إحداهما".
ويمكن القول بأن المحافظ على الأملاك العقارية يبقى الجهة الأصيلة المختصة بتلقي التعرضات منذ التوصل بمطلب التحفيظ وإلى غاية انتهاء أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية، أما المهندس المساح الطبغرافي المنتدب فاختصاصه بتلقي التعرضات يظل محصورا في الزمان والمكان أي أثناء وفي مكان مباشرته لعمليات التحديد.
ثالثا- صلاحيات المحافظ على الأملاك العقارية بشأن التعرضات:
بموجب ظهير 12 غشت 1913 يلزم المحافظ على الأملاك العقارية بما يلي:
- تسجيل التعرضات مباشرة بسجل خاص سواء تلك التي يتلقاها مباشرة أو تلك التي يتوصل بها من الجهات الأخرى؛
- في حالة عدم تقديم الوثائق والمستندات المدعمة لتعرضه،يقوم المحافظ بتوجيه إنذار للمعنيين بالأمر من أجل إيداع الصكوك المذكورة مع تذكيرهم بمقتضيات الفصل 48 التي تنص على العواقب المترتبة عن كل تعرض تبث صدوره عن تعسف أو تكدير أو سوء نية( الفصل 25 فقرة 5 )؛
- يتعين على المحافظ العقاري تبليغ نسخ من التعرضات إلى طالب التحفيظ الذي يجب عليه داخل أجل شهر إثبات رفع التعرضات أو التصريح بقبولها (للفصل 31 من ظ.ت.ع )؛
- وعند انصرام هذا الأجل دون تمكن طالب التحفيظ من رفع التعرض، يوجه المحافظ للمرة الأخيرة إنذارا للمتعرضين لكي يقدموا إليه داخل أجل 3 أشهر من تاريخ توصلهم بالإنذار الرسوم والوثائق المؤيدة، فإذا لم يدلوا بها داخل الأجل المذكور، أو لم يثبتوا عدم إمكانية تقديمها خول المشرع للمحافظ إمكانية الإبقاء على التعرض أو اعتباره ملغى( الفصل 32 فقرة 2 )؛
وبموجب القانون 14.07، تم تخفيض الآجال المضروبة للمتعرضين من أجل الإدلاء بالوثائق والمستندات المؤيدة لتعرضهم بحيث يجب عليهم أن يودعوا السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم ويؤدوا الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يدلوا بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض، وإذا لم يقدم المتعرض بعد انصرام هذا الأجل، الرسوم والوثائق المؤيدة لتعرضه، ولم يؤد الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو لم يثبت حصوله على المساعدة القضائية، يعتبر التعرض لاغيا وكأن لم يكن. وغاية المشرع من تقليص الآجال هو تسريع مسطرة التحفيظ ووضع حد لطول الإجراءات من خلال إلغاء مسطرة الإنذارات الموجهة للمتعرضين للإدلاء بالمستندات والوثائق المدعمة لتعرضهم( إنذار أول غير محدد الآجل وإنذار ثان حدد أجله في ثلاثة أشهر)، والاكتفاء بأجل شهر يبتدئ من اليوم الذي ينتهي فيه أجل التعرض، يجب خلاله على كل المتعرضين إيداع السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم مع تأدية الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو الإدلاء بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية، وهنا قد تثور مشكلة ما إذا كان هذا الأجل كافي بالنسبة للمتعرضين المعوزين الراغبين في الحصول على المساعدة القضائية بالنظر لما تتطلبه هذه الأخيرة من مساطر وإجراءات.
و يختص المحافظ وحده بصلاحية قبول أو رفض التعرضات إذ يجوز له أن يرفض أي تعرض لم يقدم في الأجل القانوني وذلك ما تؤكده المادة 27 من ظهير 12 غشت 1913 كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14.07 التي تنص : "لا يقبل أي تعرض باستثناء ما هو منصوص عليه في الفصل 29 بعد انصرام أجل شهرين يبتدئ من تاريخ نشر الإعلان المذكور في الفصل 23 من هذا القانون بالجريدة الرسمية"، و تم تأكيد ذلك بالاجتهاد القضائي لمحكمة النقض في العديد من قراراتها حيث منعت محكمة التحفيظ العقاري من البت في قبول أو عدم قبول التعرض واعتبرته من اختصاص المحافظ العقاري وحصرت اختصاصها فيما هو موكول إليها طبقا للفصل 37 من ظ.ت.ع.
رابعا- قابلية قرار إلغاء التعرض للطعن القضائي:
بموجب الفصل 32 فقرة 3 من ظهير التحفيظ العقاري كان قرار المحافظ برفض التعرض قابلا للاستئناف (الطعن ) أمام المحكمة الابتدائية التي تبت فيه بصفة انتهائية واستعجالية، ويجب أن يقدم طلب الطعن داخل أجل 15 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ قرار المحافظ إلى المتعرض؛
وقد أتيحت الفرصة للقضاء الإداري في عدة مناسبات ليبين موقفه من الطعون المحالة إليه ضد قرارات المحافظ برفض التعرض المقدمة داخل الأجل القانوني حيث صرح بعدم اختصاصه للبت في دعوى الإلغاء الموجهة ضد تلك القرارات وذلك استنادا إلى المادة 32 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري.
وتأكد اختصاص القضاء العادي للنظر في الطعون المقدمة ضد قرارات المحافظ التي تندرج في إطار الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري بقرار محكمة النقض الصادر في 9/11/1995 الذي جاء فيه:" وحيث مع التأكيد على الطابع الإداري لكل قرارات المحافظ على الأملاك العقارية، فإن قراراته التي تندرج في إطار الفصل32 من ظ.ت.ع تخضع قانونا للطعن فيها أمام المحاكم العادية، " .
لكن القانون رقم 14.07 أدخل تعديلا جوهريا بهذا الخصوص هو حذف الفقرة التي كانت تنص على إمكانية الطعن في قرار إلغاء التعرض أمام المحكمة الابتدائية، فما هي الآثار القانونية المترتبة عن هذا الحذف؟
يمكن إجمال هذه الآثار فيما يلي:
1- لن يؤثر حذف هذه الفقرة على قابلية قرار المحافظ بإلغاء التعرض للطعن القضائي ما دام أن حق التقاضي هو حق دستوري يضمن لكل متضرر الحق في مخاصمة القرارات الإدارية ويدخل ضمنها قرار المحافظ برفض التعرض؛
2- سيترتب عن هذا التعديل تغيير في قواعد الاختصاص القضائي حيث سينتقل اختصاص البت في الطعن الموجه ضد قرار إلغاء التعرض لعدم تقديم الوثائق والرسوم المؤيدة إلى القضاء الإداري وفق المبادئ العامة المنصوص عليها في القانون رقم 41-90 بدل القضاء العادي وذلك بسبب انتفاء شرط الدعوى الموازية، وسينتج عن نقل الاختصاص إلى القضاء الإداري نتيجتين في غاية الأهمية:
أ- الأولى تخص أجل الطعن ضد قرار إلغاء التعرض الذي سيصبح شهرين يحتسب ابتداء من تاريخ تبليغ القرار إلى المتعرض وفق مساطر التقاضي الإدارية أو من تاريخ العلم اليقيني بالقرار وفق الاجتهاد القضائي بعد أن كان أجل الطعن لمخاصمة هذا القرار أمام القضاء العادي هو 15 يوما، وهو أجل كان غير كافيا لإعداد ملف الطعن؛
ب- الثانية تخص الاستفادة من ضمانة التقاضي على درجتين أمام القضاء الإداري لفائدة الطاعن والمحافظ على الأملاك العقارية على السواء بعد أن كانا محرومين من هذه الضمانة أمام القضاء العادي حيث كان ظهير 12 غشت 1913 ينص بأن المحكمة الابتدائية تبت في الطلب بصفة انتهائية ما يعني أن الطرف الذي يصدر الحكم في غير مصلحته ليس أمامه إلا فرصة الطعن بالنقض.
3- أما فيما يخص قرار إلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة، فلم يكن أصلا يخضع للطعن القضائي بصريح النص حيث ظل المشرع ساكتا بشأنه، وكان الاتجاه يميل نحو إقرار قابليته للطعن القضائي أمام القضاء الإداري بحكم عدم وجود دعوى موازية وهو الاتجاه الذي سيظل ساري المفعول في ظل القانون 14.07 .
البند الثاني
المراقبة القضائية لقرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل القانوني
لقد أحاط المشرع مسطرة التحفيظ بمجموعة من القواعد والآليات التي تهدف إلى تمكين جميع الأطراف التي لها علاقة بالعقار موضوع طلب التحفيظ من أجل إظهار حقوقها والدفاع عنها وحمايتها.
ومن هذه القواعد، إشهار مطلب التحفيظ لاطلاع الغير على ادعاءات طالب التحفيظ، وتمكين كل من ينازع فيها بالإدلاء بتعرضه .غير أن تقديم التعرضات حدد له المشرع أجلا معينا يبتدئ من يوم تقديم مطلب التحفيظ وينتهي بانصرام مدة شهرين محسوبة من تاريخ نشر إعلان انتهاء التحديد المؤقت بالجريدة الرسمية، وبانصرام هذا الأجل يمكن أن يسقط حق التعرض .
ويهدف المشرع من وراء تحديد أجل التعرض حماية مصالح طالب التحفيظ بعدم الإبقاء على الأجل مفتوحا دون تحديد و لتسريع مسطرة التحفيظ، وإنشاء الرسم العقاري، مما ينعكس إيجابا على تنشيط الاستثمارات العقارية.
لكن بالمقابل هناك من ينتقد تحديد أجل التعرض باعتباره لا يحقق مصلحة المتعرض نظرا لارتباط تاريخ بداية أجل التعرض بنشر إعلان التحديد المؤقت بالجريدة الرسمية، وهو الأمر الذي لا يتلاءم مع درجة الوعي القانوني لدى شريحة هامة من المواطنين، إذ أن الغالبية العظمى لا تعلم بوجود مثل هذه الجريدة الرسمية المختصة بنشر القوانين والإعلانات القانونية والإدارية.
ومن تم يخلص هذا الرأي إلى أن الدور الموكول للمحافظ بهذا الخصوص هو دور خطير من شأنه أن يعرض حقوق المتعرضين للضياع خاصة بعد إنشاء الرسم العقاري الذي يضفي عليه الفصل 62 الصفة لنهائية.
ولهذا كان من الضروري البحث عن صيغة توفيقية تمكن من تجاوز تضارب المصالح بين طالب التحفيظ والمتعرض، وإيجاد قواعد ومعايير تضبط حقوق الطرفين وتضمن عدم التفريط بمصلحة أحدهما على حساب الآخر، لذا أوجد المشرع استثناءا لقاعدة إغلاق باب التعرضات بعد فوات الأجل القانوني، وفتح المجال لإمكانية قبول التعرض المقدم خارج الأجل القانوني، طبقا لما نص عليه الفصل 29 من قانون التحفيظ العقاري.
فما هو الإطار القانوني الذي يضبط ممارسته من حيث الجهة المختصة بقبوله وحدود صلاحياتها، وشروط قبوله، ومدى قابلية قرار القبول أو الرفض للمراقبة القضائية في ضوء القانون 14.07؟.
أولا - الجهة المختصة بتلقي التعرضات خارج الأجل القانوني.
قبل إقرار قانون 14.07 كان الاختصاص بتلقي التعرضات الاستثنائية التي تظهر بعد انصرام الأجل القانوني موكولا إلى جهتين وهما: المحافظ العقاري ووكيل الملك.
وتبدأ صلاحية المحافظ العقاري في إمكانية تلقي مثل هذا التعرض من اليوم الموالي لانتهاء أجل التعرض القانوني (شهران من تاريخ نشر إعلان التحديد المؤقت بالجريدة الرسمية) إلى غاية إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة الابتدائية المختصة للبت في التعرضات المسجلة لديه، إذ ينزع منه الاختصاص بتلقي أي تعرض مهما كانت جديته، وإذا لم تكن هناك تعرضات سابقة على المطلب، فصلاحيته تمتد إلى ما قبل تحفيظ العقار وإنشاء الرسم العقاري .
أما وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية فيبتدئ اختصاصه بتلقي التعرضات خارج الأجل بمجرد إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة المختصة من طرف المحافظ العقاري، وهذه الإحالة لا تتم إلا في حالة تسجيل تعرض أو أكثر على مطلب التحفيظ مقبول من طرفه ، ومن هنا كانت نقطة بداية انعقاد الاختصاص لوكيل الملك هي تاريخ إحالة الملف على كتابة الضبط بالمحكمة المختصة، ولن يحال الملف على هذه الأخيرة إلا في حالة تسجيل تعرضات، ويفهم من ذلك أن وكيل الملك لم يكن بإمكانه التدخل في مسطرة التعرضات إذا لم يتم تسجيل أي تعرض سابق على مطلب التحفيظ لدى المحافظ العقاري.
غير أن القانون 14.07 جاء بخصوص هذا الموضوع بتغيير هام وجوهري يتمثل في إلغاء أي دور لوكيل الملك في تلقي التعرضات خارج الأجل القانوني بعد إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة الابتدائية المختصة، وأبقى هذا الاختصاص حكرا على المحافظ على الأملاك العقارية لوحده، فما هي حدود صلاحياته ومتى تبدأ ومتي تنتهي وفق القانون الجديد؟
للإجابة على هذا التساؤل لابد من التمييز بين احتساب بداية الاختصاص ونهايته:
1- بالنسبة لاحتساب بداية الاختصاص، هنا لا جديد ولا إشكال مقارنة بالوضع السابق حيث يبدأ احتساب الاختصاص من اليوم الموالي لانتهاء أجل التعرض ( أي اليوم الذي يلي انتهاء أجل شهرين محسوبة من تاريخ الإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية).
2- أما فيما يخص احتساب نهاية الاختصاص، فالأمر يتطلب تدقيقا و توضيحا وذلك من خلال التمييز بين حالتين:
أ- حالة تسجيل تعرض جدي واحد أو أكثر سابق داخل الأجل القانوني:
وهذه الحالة تفرض إحالة الملف على القضاء، وفيها ينتهي اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية في تلقي التعرضات خارج الأجل بمجرد توجيه الملف إلى المحكمة الابتدائية المختصة، وهنا أيضا لا يوجد اختلاف أو إشكال بين الوضع السابق والوضع الجديد وهذا ما يستشف من قراءة الفصل 29 الذي جاء فيه:" بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه، يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.....شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية"؛
لكن السؤال المطروح هو متى يتم هذا التوجيه؟ وهل يملك المحافظ بهذا الخصوص سلطة مطلقة أم مقيدة في الزمان؟
الجواب على هذا السؤال نجده في الفقرة الأخيرة من الفصل 32 التي حددت للمحافظ أجلا أقصاه ثلاثة أشهر يبتدئ من تاريخ انتهاء أجل التعرض القانوني من أجل توجيه مطلب التحفيظ و التعرضات المسجلة عليه على المحكمة المختصة؛ وبذلك يمكن القول بأن المحافظ، في حالة عدم إلغائه للتعرضات المقدمة إليه، فهو يملك تحت يده زمن 3 أشهر من تاريخ انتهاء أجل التعرض يصبح بعد انصرامه ملزما بإحالة الملف على القضاء.
أما من فاتته فرصة التعرض داخل الأجل القانوني، فهو يتوفر نظريا على ثلاثة أشهر لكنه لا يملك زمنها بالكامل بين يديه إذ أن إمكانية الاستفادة من هذه المدة في تقديم التعرض الاستثنائي قد تضيق أو تتسع وذلك مرهون بالوقت الذي يتخذ فيه المحافظ مبادرة الإحالة على المحكمة المختصة.
ب- حالة عدم تسجيل أي تعرض سابق داخل الأجل القانوني:
وفي هذه الحالة تمتد صلاحية المحافظ في تلقي التعرضات الاستثنائية خارج الأجل إلى ما قبل تحفيظ العقار وإنشاء الرسم العقاري، لكن الجديد في قانون 14.07 هو أنه حدد في الفصل 30 أجلا للمحافظ أقصاه الثلاثة أشهر الموالية لانتهاء أجل التعرض من أجل القيام بتحفيظ العقار بعد التحقق من إنجاز جميع الإجراءات المقررة في القانون، ومن شرعية الطلب وكفاية الحجج المدلى بها، وعدم وقوع أي تعرض. ومعنى ذلك أن المحافظ وبعد انتهاء أجل التعرض القانوني دون تسجيل أي تعرض يملك زمن ثلاثة أشهر لتلقي التعرضات الاستثنائية، فإذا انصرم هذا الأجل أصبح ملزما بتحفيظ العقار أو رفضه، في المقابل لا يملك من فاتته فرصة التعرض داخل الأجل القانوني هذا الزمن بالكامل كما سلف الذكر بل قد يضيق أو يتسع بحسب الوقت الذي يتخذ فيه المحافظ قرار التحفيظ.
ويمكن القول أنه بإلغاء دور وكيل الملك في تلقي التعرضات خارج الأجل، يكون المشرع قد رجح كفة طالب التحفيظ في مقابل إضعاف موقف المتعرضين، إذ بعد أن يحيل المحافظ على الأملاك العقارية مطلب التحفيظ رفقة التعرضات المسجلة على المحكمة المختصة، لن يعود بإمكان المتعرضين أية فرصة في تقديم تعرضهم في حالة ما إذا فاتتهم فرصة التعرض أمام المحافظ على الأملاك العقارية خاصة وأن القانون 14.07 لم يترك الباب مفتوحا للمحافظ لتلقي التعرضات خارج الأجل بدون تقييد زمني وإنما حدد له سقفا زمنيا أوجب عليه احترامه كما سبق الإشارة إليه وتأيد هذا الموقف بأحكام القضاء .
ثانيا- شروط قبول التعرض خارج الأجل القانوني.
لم يكن الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري ينص على أية شروط موضوعية محددة يترتب عن توافرها أو عدم توافرها قبول أو رفض التعرض المقدم خارج الأجل باستثناء ما تضمنه من بيان وقت اختصاص كل من المحافظ ووكيل الملك باتخاذ القرار المذكور، ولعل غياب هذه الشروط القانونية ، قد يوحي بأن المحافظ العقاري يملك سلطة تقديرية واسعة في قبول أو رفض التعرض المقدم خارج الأجل القانوني، يتعذر على القضاء مراقبتها الأمر الذي قد يضر بمصالح الأطراف المعنية سواء كان طالب التحفيظ في حالة القبول أو المتعرض في حالة الرفض، ولملأ هذا الفراغ ، ومن أجل توحيد الاجتهاد الإداري في الموضوع، كان المحافظ العام قد أصدر مذكرة رقم 5829 بتاريخ 25/10/2001 الموجهة إلى جميع المحافظين العقاريين والتي يهدف من ورائها إلى ضبط شروط تطبيق الفصل 29 إذ أكد على الطابع الاستثنائي لمقتضياته وحث المحافظين على عدم التوسع في استعماله إلا بعد التأكد من توفر شرطين أساسيين وهما:
1- وجود سبب معقول يبرر عدم إمكانية المتعرض تقديم تعرضه داخل الأجل القانوني.
2- توفر المتعرض على حجج ووثائق قوية متعلقة بالعقار موضوع مطلب التحفيظ، كافية لإقناع المحافظ بأن مطالبه جدية.
وإلى جانب الشرطين المذكورين كان الاجتهاد القضائي للمحاكم الإدارية قد أضاف شرطا ثالثا وهو وجود تعرضات سابقة" .
وبرأيي، فإن التفسير الذي أعطاه الاجتهاد القضائي لنص الفصل 29 يتجاوز روح النص، ويتعدى مجرد التفسير إلى تضييق وتقييد نطاق تطبيقه عندما اشترط سبقية وجود تعرضات من أجل إمكانية قبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل، وهو شرط لم ينص عليه مشرع التحفيظ العقاري، ولو كانت له نية في اشتراطه لنص عليه صراحة ضمن مقتضيات الفصل29.
ويبدو أن القانون 14.07 قد وضع حدا للاجتهاد القضائي السائد من قبل والذي كان يشترط وجود تعرض سابق أو أكثر لقبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل القانوني، حيث نص الفصل 29 بشكل صريح لا لبس فيه ولا غموض على إمكانية قبول هذا التعرض "ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق" هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يعد المحافظ على الأملاك العقارية يملك سلطة تقديرية بشأن التعرض الاستثنائي خارج الأجل بل أصبحت سلطته مقيدة بموجب القانون 14.07 إذ أصبح ملزما بمطالبة المتعرض بما يلي:
1- الإدلاء بالوثائق المبينة للأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل؛
2- الإدلاء بالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه؛
3- تأدية الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو الإدلاء بما يثبت حصوله على المساعدة القضائية.
وتجب الإشارة بأن الشرطين الأول والثاني كانا موضوع مذكرة المحافظ العام رقم 5829 بتاريخ 25/10/2001 السالفة الذكر الموجهة إلى المحافظين العقاريين، غير أن المشرع ارتقى بها اليوم إلى مجال القانون بعد أن كانت منظمة في إطار منشور .
ثالثا- الرقابة القضائية لقرار رفض أو قبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل.
كان الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري في ظل ظهير 12 غشت 1913 يلتزم الصمت بشأن إمكانية الطعن في قرار رفض أو قبول التعرض خارج الأجل الذي يمكن أن يتخذه المحافظ العقاري .
إذ في كلتا الحالتين من المحتمل أن يتضرر من موقفه أحد الأطراف المعنية، قد يكون طالب التحفيظ في حالة القبول لأن ذلك سيؤدي إلى تمديد مسطرة التحفيظ مما سيضر بمصلحته، وقد يكون المتعرض في حالة الرفض لان ذلك سيحرمه من إمكانية الدفاع عن حقوقه المحتج بها في مواجهة مطلب التحفيظ أمام القضاء، لذا فإن احتمال الطعن في قرار المحافظ برفض أو قبول التعرض خارج الأجل واردة سواء من لدن طالب التحفيظ أو المتعرض.
وقد تضاربت مواقف المحاكم المغربية سواء كانت تنتمي لجهة القضاء العادي أو القضاء الإداري حيث لازالت مواقفها غير منسجمة ولا موحدة بخصوص الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ العقاري بصفة عامة، و قراره المتخذ في إطار الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري المتعلق بالتعرض خارج الأجل القانوني بصفة خاصة وإن كان الموقف الراجح يميل في اتجاه قبول مراقبة مشروعيته من طرف القضاء الإداري .
غير أن ذلك لم يمنع المحكمة الابتدائية بالعرائش من قبول الطعن ضد قرار المحافظ العقاري برفض تعرض خارج الأجل ضد مطلب التحفيظ، مبررا رفضه بانتهاء أجل تقديم التعرضات، حيث أصدرت حكمها بتاريخ 17/11/2003 ، برفض الطلب بعلة أن المدعين لا يتوفرون على أسباب موضوعية تبرر لهم حق الاستفادة من الأجل الاستثنائي، وبذلك تكون المحكمة الابتدائية بالعرائش قد منحت لنفسها الاختصاص للبت في طلب الطعن ضد قرار رفض التعرض خارج الأجل القانوني.
غير أن المشرع تدخل بموجب القانون 14.07 ليضع حدا لكل الاجتهادات القضائية في الموضوع ويذهب في اتجاه إخراج قرار المحافظ بشأن التعرض الاستثنائي خارج الأجل من دائرة المراقبة القضائية وذلك حين نص الفصل 29 في فقرته الثالثة والأخيرة: " يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي ".
وتثير هذه الفقرة حقيقة عدة ملاحظات نبسطها كما يلي :
• تكتسي هذه الفقرة خطورة بالغة أكثر من خطورة الفصل 62 بالنظر لما تضمنته من منع صريح لأي طعن قضائي في مقابل مرونة الصيغة التي وردت في الفصل 62 "إن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن"، فهذه الصيغة قد يلتف عليها القضاء ليفسرها تفسيرا ضيقا بحيث يجعلها مقتصرة على الطعن الإداري ولا تشمل الطعن القضائي، في حين أن الصيغة الواردة في الفصل 29 جاءت جامدة بحيث لا تحتمل أي تأويل أو تفسير؛
• يمثل التحصين التشريعي لقرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل مساسا بالضمانات الدستورية الممنوحة للأفراد والجماعات في مجال القضاء ولا سيما حق التقاضي المضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون بموجب الفقرة الأولى من الفصل 118 من الدستور،كما يشكل مخالفة دستورية بليغة للفقرة الثانية من نفس الفصل التي تنص على إمكانية الطعن في أي قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا أمام القضاء الإداري، وبناء على مقتضيات الفصل 118 من الدستور يمكن أن نقول بعدم دستورية الفقرة الثانية من الفصل 29 السالف الذكر، وبما أن الجهات المختصة بإحالة القوانين على المجلس الدستوري لم تتخذ المبادرة بإحالة القانون المذكور عليه للنظر في مدى مطابقته للدستور، لم يعد هناك من طريق أمام أي شخص متضرر لتفادي تطبيق الفقرة المذكورة سوى اللجوء إلى تقنية الدفع بعدم الدستورية طبقا للفصل 133 من الدستور والتي سيحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيقها؛
• يمكن القول بأن التحصين التشريعي (غير الدستوري)ينصرف فقط لقرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل ما يعني أن المتضرر منه هو المتعرض، لكن لا ينبغي إغفال أن المحافظ على الأملاك العقارية قد يتخذ قرارا بقبول التعرض الاستثنائي خارج الأجل يمكن أن يتضرر منه طالب التحفيظ، والسؤال المطروح هنا هل يشمل التحصين التشريعي هذا القرار الايجابي أيضا بحيث يمنع طالب التحفيظ من مخاصمته قضائيا؟ في تقديري الشخصي لا يمكن مد التحصين التشريعي إلى هذا القرار و ذلك في إطار الالتزام بالتفسير الضيق للفقرة الثالثة من الفصل 29 التي حصنت قرار رفض التعرض فقط .
المطلب الثاني
مستجدات المراقبة القضائية لقرارات رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب
البند الأول
الأحكام العامة للتحفيظ والتقييد والتشطيب
أولا- الأحكام العامة للتحفيظ :
يتلقى المحافظ العقاري طلبات التحفيظ ويتابع إجراءات مسطرة التحفيظ وفق الضوابط القانونية المنصوص عليها في ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ومسطرة التحفيظ وفق النظام المعمول به في المغرب تبتدئ إداريا وتنتهي إداريا حتى وإن تخللتها مرحلة قضائية في حالة وجود تعرضات قانونية، إذ يقتصر دور قضاء التحفيظ العقاري على البت في التعرضات، ثم يحيل الملف برمته على المحافظ العقاري الذي يملك صلاحية اتخاذ قرار بتحفيظ العقار في اسم طالب التحفيظ أو اتخاذ قرار برفض التحفيظ كليا أو جزئيا تحت مسؤوليته وأخذا بالاعتبار بطبيعة الحال أحكام القضاء بشأن التعرضات.
ونص القانون 14.07 على بعض الحالات والأسباب التي يمكن أن يستند إليها المحافظ على الأملاك العقارية لتبرير قرار رفض أو إلغاء مطلب التحفيظ،وهي كالتالي:
1- إذا تغيب طالب التحفيظ أو من ينوب عنه عن حضور عمليات التحديد أو عدم قيامه بما يلزم لإجراء عملية التحديد دون الإدلاء بعذر مقبول داخل أجل شهر من تاريخ توصله بالإنذار، حيث يعمد المحافظ إلى إلغاء مطلب التحفيظ طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 23 من ظهير 12غشت1913 كما وقع تغييره وتتميمه. والملاحظ هنا أن صلاحية المحافظ بالإلغاء أصبحت مقيدة بتوجيه إنذار وانتظار أجل شهر، كما أن صلاحيته في تقييم مقبولية العذر أو عدم مقبوليته تخضع لرقابة القضاء.
2- إذا تعذر على المحافظ على الأملاك العقارية أو نائبه إنجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك ( الفصل 23 فقرة 2 )، وهي حالة جديدة نص عليها القانون 14.07 لم يكن منصوصا عليها قبل التعديل، وتثير هذه الحالة تساؤلا مشروعا هو: ألا يعد ظهور نزاع حول الملك بمناسبة إجراء التحديد بمثابة تعرضات على مطلب التحفيظ تستدعي من المحافظ أو نائبه التعامل معه قانونا ضمن هذا الإطار بدل النظر إليه كسبب معرقل لانجاز عملية التحديد يمكن أن يؤدي إلى إلغاء مطلب التحفيظ؟؛
3- إذا لم يقم طالب التحفيظ بأي إجراء لمتابعة مسطرة التحفيظ وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر( بعد أن كان الأجل 6 أشهر قبل التعديل) من يوم توصله بإنذار من المحافظ على الأملاك العقارية بواسطة عون من المحافظة العقارية أو بالبريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ (الفصل 50 من ظ.ت.ع).
إلى جانب هذه الأسباب، هناك أسباب أخرى يمكن أن نستشفها من مقتضيات الفصل 30 من القانون 14.07 والتي يمكن أن يستند عليها المحافظ على الأملاك العقارية في رفض التحفيظ وهي:
1. حالة عدم شرعية الطلب؛
2. حالة عدم كفاية الحجج المدلى بها من طرف طالب التحفيظ لتأييد مطلبه ؛
3. حالة صدور حكم قضائي نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به ، يقضي بصحة تعرض معين في مواجهة مطلب التحفيظ، إذ يمكن للمحافظ أن يلغي مطلب التحفيظ سواء كليا أو جزئيا بالاستناد إلى الحكم المذكور؛
وأهم تغيير جاء به القانون رقم 14.07 هو منحه للمحافظ على الأملاك العقارية صلاحية تقدير سبب إلغاء مطلب التحفيظ خارج نطاق الأسباب المحددة بالقانون وذلك ما يستشف من مقتضيات الفصل 38 المعدل الذي جاء في أولى فقراته "في حالة رفض مطلب التحفيظ لأي سبب كان وفي أية مرحلة من مراحل المسطرة..."
ثانيا- الأحكام العامة للتقييد والتشطيب .
لا تخفى أهمية إشهار التصرفات القانونية الواقعة على العقارات المحفظة من حيث ضمان الحقوق المترتبة عليها وحمايتها ،فكيفما كان السند المؤيد للحق، أوجب القانون ضرورة تقييده بالرسم العقاري لينتج آثاره القانونية اتجاه أطراف العقد أو الغير، إذ أن تقييده بالرسم العقاري هو بداية الوجود القانوني له، وابتداء من تاريخ التقييد .
لذا فإن عدم متابعة أطراف العلاقة لإجراءات تقييد الحق في الرسم العقاري كيفما كان مصدره سواء تعلق الأمر بعقد بيع للعقار كله أو جزء منه أو عقد كراء طويل الأمد، أو عقد انتفاع أو رهن أو حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به يقضي باستحقاق حقوق معينة لشخص معين، فإن ذلك يجعل الحق غير جدير بالحماية في نظر القانون.
وبإجراء المحافظ لعملية تقييد الحقوق بالسجل العقاري، يجعلها قائمة ومنتجة لأثارها إزاء الجميع ولا تزول هذه الآثار إلا بالتشطيب على قيدها في السجل العقاري ، وهذا ما نص عليه الفصل 91 من قانون 14.07، بالقول " مع مراعاة أحكام الفصل 86 أعلاه، يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين، في مواجهة الأشخاص الذين يعنيهم هذا الحق.".
ويتولى المحافظ العقاري عملية تقييد الحقوق وإشهارها بالرسم العقاري أو التشطيب عليها بعد التثبت من الحجج والمستندات المؤيدة لها .
ومن أهم المستجدات التي جاء بها القانون 14.07 في مجال التقييد نذكر ما يلي:
- تخفيض آجال التقييد من 18 شهر إلى 3 أشهر( الفصل 65 مكرر فقرة أولى)؛
- إلغاء المهلة الإضافية التي كان بإمكان المحافظ منحها لطالب التقييد( 6 أشهر) من أجل استكمال إجراءات التقييد إذا تعذر عليه تقييد الحق لعدم توفر الإثباتات والحجج اللازمة للقيام بالتقييد؛
- إقرار الغرامة المالية التصاعدية بعد أن كانت ثابتة في حالة عدم المبادرة إلى تقييد التصرفات القانونية داخل الأجل وتأدية رسوم المحافظة العقارية (غرامة مالية تساوي خمسة في المائة من مبلغ الرسوم المستحقة، وذلك عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انقضاء الأجل المذكور و 0,5 في المائة عن كل شهر أو جزء من الشهر الموالي له ( بعد أن كانت الغرامة المالية تساوي مبلغ الرسم المستحق على التسجيل) (الفصل 65 مكرر فقرة ثانية)؛
- منح صلاحية الإعفاء من الغرامة المالية لمدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح والخرائطية بدل وزير الفلاحة في حالة القوة القاهرة وهذا ينسجم مع تحول الوكالة إلى مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري؛
- إلغاء وظيفة الوسيط التي كان يقوم بها المحافظ بين طالب التقييد وقابض التسجيل والتمبر في حالة ما إذا كان العقد غير مستوف لإجراء التسجيل حيث كان يطلب إرفاق الطلب بنسخة من العقد وإلا امتنع عن تلقي طلب التقييد ( تم إسقاط هذه الفقرة من الفصل 70)؛
وقد أناط المشرع بالمحافظ تحت مسؤوليته مهمة التحقق من هوية المفوت أو طالب التشطيب وأهليته وكذا من صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للطلب شكلا وجوهرا(الفصل 72).
كما ألزم المشرع المحافظ على الأملاك العقارية بأن يتحقق من أن التقييد أو التشطيب موضوع الطلب لا يتعارض مع البيانات المضمنة بالرسم العقاري ومقتضيات قانون التحفيظ العقاري وأن الوثائق المدلى بها تجيز التقييد أو التشطيب ( الفصلان 74 و94 ).
و إذا قدمت في آن واحد عدة طلبات متعلقة بنفس العقار فإنه ينص على ذلك بسجل الإيداع وتقيد الحقوق بنفس الرتبة، فإن تنافى بعضها مع البعض رفض المحافظ على الأملاك العقارية التقييد( الفصل 76/2 ).
البند الثاني
قابلية قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب للطعن القضائي:
ونميز هنا بين مرحلة ما قبل القانون رقم 14.07 ومرحلة ما بعد القانون المذكور بالنظر لبعض التغييرات الجوهرية الطارئة في الموضوع.
أ- مرحلة ما قبل صدور القانون رقم 14.07 :
وتتميز المراقبة القضائية لقرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب في هذه المرحلة بما يلي:
1- إن الطعن القضائي ضد قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب كان منظما بمقتضى الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 الذي ينص: " في حالة ما إذا رفض المحافظ تحفيظ العقار أو تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه بسبب عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم، فإن قراره يكون قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبت فيه مع الحق في الاستئناف.
والأحكام الاستينافية يمكن الطعن فيها، عن طريق النقض وتبلغ للأطراف حسب نفس الشروط والشكل المقررة بالفصل 47 المشار إليه أعلاه".هذا من جهة، ومن جهة أخرى الفصل 10 من القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 بشأن ضبط التفاصيل المتعلقة بتطبيق نظام التحفيظ العقاري إذ نص بأنه "في حالة ما إذا رفض المحافظ أن يحفظ عقارا كلا أو بعضا أو أن يسجل حقا عينيا أو يشطب عليه بالسجلات العقارية فإن قراره يجب أن يكون معللا وأن يبلغ للطالب بدون تأخير .
ويكون هذا القرار قابلا للطعن القضائي المنصوص عليه في الفصل 96 من ظهير 9 رمضان 1331 موافق 12 غشت 1913 المذكور وذلك داخل أجل شهر واحد من تبليغه...".
2- تطبيقا لشرط الدعوى الموازية، فالجهة القضائية المختصة بمراقبة قرار رفض التحفيظ أو التشطيب أو التقييد هي جهة القضاء العادي استثناء من المبادئ العامة التي تمنح الاختصاص العام للقضاء الإداري لمراقبة مشروعية القرارات الإدارية كيفما كان مصدرها استنادا للقانون 90.41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية؛
3- من الناحية الهيكلية نظم المشرع المراقبة القضائية لقرار رفض التحفيظ في القسم الثاني المخصص لإشهار الحقوق العينية العقارية بالفصل 96 الذي نظم في نفس الوقت المراقبة القضائية لقرار رفض تسجيل حق عيني او التشطيب عليه، وهو تجاور كان محل انتقاد لعدم انسجامه مع الهيكلة العامة لقانون التحفيظ العقاري إذ أن مكانه الطبيعي كان هو القسم الأول المخصص للتحفيظ؛
4- استنادا إلى الفصل 96 من ظ.ت.ع وضع الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض المبادئ الأساسية للمراقبة القضائية لقرار المحافظ برفض التقييد أو التشطيب حيث وزع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري من خلال تبني معيار التفسير الضيق لمقتضيات الفصل 96 حيث اعتبر بأن قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب يكون قابلا للطعن أمام القضاء العادي، متى كان قراره معللا بعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الحجج ، ومتى كان قراره معللا بسبب آخر، أصبح الاختصاص منعقدا للقضاء الإداري طبقا للمبدأ العام، وهو الاجتهاد الذي تواترت عليه محكمة النقض في قراراتها ، إذ اعتبرت قرارات المحافظ والمحافظ العام قرارات إدارية قابلة للطعن بالإلغاء وفقا للمبدأ العام، وأن الاستثناء الوارد في المادة 96 من ظهير التحفيظ العقاري يجب أن يفسر تفسيرا ضيقا ينحصر فيما إذا كان قرار المحافظ برفض التحفيظ التسجيل أو التشطيب مبررا بعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم.
وقد سارت على نفس النهج المحاكم الدنيا سواء الإدارية أو العادية وإن بدرجات مختلفة.
وقد أكدت محكمة النقض موقفها هذا بوصفها مرجعا استئنافيا بعد إحداث المحاكم الإدارية في قرارها المؤرخ في 3-12-1998 بقولها : " إن من الواضح أن القرارات التي تصدر عن المحافظ على الملكية العقارية تعتبر مبدئيا قرارات إدارية لأنها صادرة عن سلطة إدارية إلا أن المشرع استثنى من دائرة هذه القرارات التي تصدر في ظل الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري وهي التي تتعلق برفض تحفيظ العقار أو تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه بسبب عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم حيث جعل هذه القرارات قابلة للطعن أمام المحكمة الابتدائية .
ب- الوضع في ظل القانون رقم 14.07:
جاء القانون المذكور بتعديلات شكلية وجوهرية أساسية في الموضوع نتطرق إليها كالتالي:
- من الناحية الشكلية عالج هذا القانون الخلل الهيكلي الذي كان يعتري النص القانوني المنظم لهذه المراقبة القضائية والذي سبقت الإشارة إليه بأن تم فصل المراقبة القضائية لمشروعية قرار رفض التحفيظ عن النص المرجعي المنظم للمراقبة القضائية لقرار رفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه وهو الفصل 96 من ظ.ت.ع، وخصص القانون رقم 14.07 فصلا مستقلا إضافيا ضمن الفرع الخامس من الباب الثاني من القسم الأول المخصص للتحفيظ وهو الفصل 37 مكرر الذي نص على ما يلي:
"يجب على المحافظ على الأملاك العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيها طلبا للتحفيظ أن يعلل قراره ويبلغه لطالب التحفيظ.
يكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبت فيه مع الحق في الاستيقاف وتكون القرارات الاستينافية قابلة للطعن بالنقض"؛
- حافظ القانون رقم 14.07 على نفس قواعد الاختصاص القضائي بأن منح المراقبة القضائية لقرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب للقضاء العادي مكرسا بذلك الاحتفاظ بوجود الدعوى الموازية باعتبار أن عدم وجودها هو شرط من شروط قبول دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري؛
- فك القانون 14.07 الارتباط بين مراقبة القضاء العادي لقرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب وسبب هذا الرفض الذي كان مقتصرا على حالتي عدم صحة الطلب وعدم كفاية الحجج في إطار التفسير الضيق الذي أخذت به محكمة النقض لمقتضيات الفصل 96 السالف الذكر علما أن هذا التفسير لم تنضبط له جميع المحاكم، وأصبح الاختصاص القضائي الموكول للقضاء العادي عاما ومطلقا يشمل جميع الحالات التي يرفض فيها المحافظ تحفيظ العقار أو تقييد حق عيني أو التشطيب عليه بدون استثناء بصريح النص، ومن شأن ذلك أن يرتب نتائج هامة كالتالي:
• رفع اللبس والغموض الذي كان سائدا والذي كان من نتائجه تضارب مواقف القضاء وخاصة بين جهتي القضاء العادي والقضاء الإداري، ففي حين يتجه الأول نحو التصريح باختصاصه والبت في جميع الطعون القضائية الموجهة ضد قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب دون الالتفات إلى سبب الرفض كان القضاء الإداري حريصا على الالتزام بالتفسير الضيق، وبالتالي البحث في سبب الرفض وكان يصرح باختصاصه فقط في حالة ما إذا كان الرفض مبنيا على سبب غير عدم صحة الطلب وعدم كفاية الحجج؛
• لن يصبح القضاء الإداري مختصا بالنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ على الأملاك العقارية التالية:
1. قرار إلغاء مطلب التحفيظ بسبب تخلف طالبه عن حضور عملية التحديد المؤقت ( الفصل 23 من ظ ت ع )؛
2. قرار إلغاء مطلب التحفيظ بسبب استنكاف طالب التحفيظ عن متابعة مسطرة التحفيظ (الفصل 50 من ظ ت ع ).
3. قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب لسبب آخر غير عدم صحة الطلب وعدم كفاية الحجج؛
- نص القانون 14.07 بشكل واضح على إلزامية تعليل قرار رفض التحفيظ أو التقييد أو التشطيب وضرورة تبليغه إلى المعني بالأمر، الأمر الذي لم يكن منصوصا عليه في ظل مقتضيات الفصل 96 من ظ .ت.ع وترك الأمر لمقتضيات القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 بشأن ضبط تفاصيل تطبيق النظام العقاري للتحفيظ في مادته العاشرة، وبذلك تم الارتقاء بإلزامية التعليل والتبليغ من مستوى النص التنظيمي إلى مستوى القانون انسجاما مع مقتضيات القانون رقم 03.01 الصادر في 2002.8.12 المتعلق بإلزام إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية، ويترتب عما سبق نتيجة هامة وهي أن قرينة المشروعية أصبحت ملازمة فقط للقرارات الإدارية الفردية المعللة، وبالمقابل أصبحت قرينة عدم المشروعية ملازمة للقرارات الإدارية الفردية السلبية غير المعللة؛
المطلب الثالث
مدى قدرة قرار التحفيظ المحصن على الإفلات من الرقابة القضائية
في ضوء القانون 14.07 والفصل 118 من الدستور الجديد.
لم يدخل القانون 14.07 تعديلا جوهريا على الفصل 62 باستثناء بعض التعديلات الشكلية على مستوى اللغة والمصطلحات،فقد حافظ المشرع للرسم العقاري على آثاره الثلاثة وهي النهائية وعدم القابلية للطعن والتطهير.
وقد استطاع الفصل 62 الصمود في وجه القضاء بالرغم من كون المحاكم الإدارية اتخذت موقفا إيجابيا من مبدأ قبول الطعن في قرار التحفيظ غير أنها لم تستطع إلغاءه عند مناقشة الجوهر. وهكذا رفضت المحكمة الإدارية بوجدة طلب إلغاء قرار المحافظ العقاري القاضي بتحفيظ العقار استنادا إلى مقتضيات الفصول 30 و62 و97 ، كما أن المحكمة الإدارية بفاس في حكمها الصادر في 1/10/1997 والمؤيد بقرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى الصادر في 16/7/ 1998 كانت قد كيفت دعوى الإلغاء التي رفعها الطاعنون ضد قرار التحفيظ بعلة بطلان إجراءات التحفيظ انطلاقا من عملية التحديد على أساس أنها طعن موجه ضد قرار الإعلان عن انتهاء التحديد وذلك لتفادي الاصطدام بمقتضيات الفصلين 62 و64 من ظهير التحفيظ العقاري حيث انتهت إلى إلغائه .
فقد سبق للمحكمة الإدارية بوجدة في حكمها الصادر في 8/3/2000 – والذي صدر في ظل الدستور السابق- في معرض إجابتها على الدفع المتعلق بعدم قابلية قرار التحفيظ للطعن استنادا إلى مقتضيات الفصل 62 من ظهير 12 غشت 1913، أن فسرت عدم القابلية للطعن بأنه لا يشمل الطعن بالإلغاء، وقررت مبدءا عاما يسري على أي قرار إداري تم تحصينه تشريعيا ضد الطعن مفاده " أن الطعن بالإلغاء ضد المقررات الإدارية يهدف إلى حماية الشرعية، ولا يمكن أن يفلت منه أي مقرر إداري ولو تعلق الأمر بمقرر إداري صدر في إطار قانون ينص على عدم قابليته للطعن مادام أن مبدأ مراقبة الشرعية يعتبر مبدئا دستوريا.
وبقدر ما أشد على يد المحكمة الإدارية بوجدة التي اجتهدت وأبدعت ورفعت من قيمة مبدأ مراقبة الشرعية الذي يجب أن يطوق كل المقررات الإدارية ولو كانت محصنة تشريعيا ، حيث ارتقت به إلى مصاف المبادئ الدستورية، بقدر ما أتساءل هل يعد مبدأ مراقبة الشرعية بالفعل مبدءا دستوريا في ظل الدستور المنسوخ الصادر في 7 أكتوبر 1996 ؟
فبمراجعة فصول الدستور الملغى، لا نجد من بين الضمانات الدستورية المنصوص عليها في بابه الأول أي أثر لدسترة مبدأ مراقبة الشرعية أو حق التقاضي أو منع تحصين القرارات الإدارية في القوانين حماية للشرعية، بخلاف بعض الدساتير العربية التي حرصت على دسترة مثل تلك المبادئ، ونذكر على سبيل المثال الدستور المصري الذي نص في مادته 68 بأن " التقاضي حق مضمون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحضر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء" وأيضا الدستور الأردني الذي ينص في مادته 102 : " تمارس المحاكم النظامية في المملكة الأردنية الهاشمية حق القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية بما فيها الدعوى التي تقيمها الحكومة أو تقام عليها، باستثناء المواد التي قد يفوض فيها حق القضاء إلى محاكم دينية أو محاكم خاصة بموجب أحكام هذا الدستور أو أي تشريع آخر نافذ المفعول" .
من أجل ذلك، كانت الحاجة ملحة إلى ضرورة تعزيز الضمانات الدستورية للمواطنين من خلال دسترة بعض المبادئ من قبل ضمان حق التقاضي ومقاضاة الإدارة وحماية رقابة الشرعية ومنع تحصين أي قرار إداري من الرقابة القضائية.
وبالفعل حصل هذا التطور في ظل الدستور الجديد الذي نص على العديد من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية وعزز من الضمانات الدستورية للأفراد والجماعات، ومن هذه الضمانات دسترة حق التقاضي ورقابة شرعية القرارات الإدارية، حيث نص الفصل 118 من الدستور الجديد الصادر بتنفيذه لظهير الشريف المؤرخ في 29 يوليوز 2011 بأن" حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون. كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة."
ومما لا جدال فيه أن هذا النص الدستوري ستكون له آثاره الايجابية في اتجاه تطوير الفكر القانوني والاجتهاد القضائي من زاويتين:
فمن زاوية أولى، لن يكون في إمكان أي قرار إداري، وكيفما كانت الجهة المصدرة له، الإفلات من رقابة الشرعية أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة حتى ولو كان محصنا بمقتضى القانون، كما لن يكون في مقدور أي سلطة أو هيئة إدارية الاحتجاج بالتحصين التشريعي لقراراتها من أجل الدفع بعدم قبول دعوى الإلغاء، وهذا ما ينطبق على قرار التحفيظ الصادر عن المحافظ العقاري المحصن بالمادة 62 من ظ.ت.ع، و أيضا على قرار رفض التعرض المقدم خارج الأجل القانوني المحصن بالمادة 29 المعدلة بالقانون 14.07.
ومن زاوية ثانية، نفترض أن يفتح هذا النص الدستوري الباب مستقبلا لبروز اجتهاد قضائي يدفع في اتجاه توحيد الجهة القضائية المختصة بنظر الطعون المقدمة ضد قرارات المحافظ العقاري وذلك لفائدة جهة القضاء الإداري، ومن تم وضع حد لمسألة توزيع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري على اعتبار أن ظهير التحفيظ العقاري المعدل بالقانون 14.07 والقرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 المكمل له يمنح الاختصاص للقضاء العادي بموجب نصوص قانونية صريحة من أجل البت في الطعون الموجهة ضد بعض أنواع القرارات الصادرة عن المحافظ العقاري وهي :
- قرار رفض التحفيظ (الفصل 37 مكرر من ظ.ت.ع)؛
- قرار رفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه ( الفصل 96 من ظ .ت .ع)؛
- قرار المحافظ تصحيح الأغلاط المادية تلقائيا بالرسم العقاري أو رفض التصحيح بناء على طلب وفقا للمادة 29 من القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 بشأن تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري ؛
- قرار رفض تسليم نظير الرسم العقاري أو الشهادة العقارية الخاصة بالتقييد( المادة 103 من ظ.ت.ع)؛
في حين ينعقد الاختصاص للقضاء الإداري للبت في الطعون الموجهة ضد غيرها من قرارات المحافظ العقاري لانعدام الدعوى الموازية؛ ويستند هذا التأويل إلى الفصل 118 من الدستور المشار إليه أعلاه، وهو نص دستوري أسمى من قانون التحفيظ العقاري والنص التنظيمي المكمل له، الذي يحدد جهة القضاء الإداري كجهة مختصة برقابة شرعية كل قرار إداري سواء كان فرديا أو تنظيميا.
وفي نهاية هذه الدراسة، نشير بأنه كنا نأمل أن يكون الدستور الجديد أكثر صرامة في هذا الموضوع بحيث يمنع منعا صريحا تحصين القرارات الإدارية من الرقابة القضائية وذلك حتى يقطع الطريق على السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية من أن تفكر مستقبلا في تحصين أي قرار إداري، لكن رغم ذلك فإن مقتضيات الفصل 118 من الدستور توفر ضمانات دستورية كافية للأفراد والجماعات من أجل حقهم في التقاضي ، كما توفر الأساس الدستوري الكافي الذي يمكن أن يستند عليه القضاء الإداري ليبسط رقابته على مشروعية أي قرار إداري ولو كان محصنا تشريعيا ./.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق