-->

قانون الحالة المدنية والقوانين الأخرى

مقدمـــة:
     يعتبر قانون الحالة المدنية من النظام العام لما له من أهمية وآثار على حياة الفرد والمجتمع.
     فالحالة المدنية هي ذاكرة الشعوب، وهي المؤسسة الوحيدة التي تلازم المواطن من ولادته إلى غاية وفاته. 
    كما أنها من جهة ثانية، تحدد مقومات هوية الفرد وتثبت وجوده بواسطة محررات رسمية تسمح له بممارسة جميع الحقوق السياسية والإدارية. 
    ومن جهة ثالثة، فهي تزود الجهات المختصة بالمعطيات الديموغرافية، لاعتمادها في المخططات الاقتصادية والاجتماعية، وتمكن من التتبع المستمر للمؤشرات السكانية، مما يساعد على إرساء مختلف القرارات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو سياسية على أسس علمية دقيقة. 
   فالإدارات ومؤسسات التشغيل تعتمد على وثائق من سجلات الحالة المدنية لمعرفة سن الموظف أو الأجير عند التوظيف أو التقاعد. كما تعتمد عليها مؤسسات التعليم بالنسبة لسن التمدرس، وبواسطة نفس الوثائق يحدد سن الرشد القانوني وسن الرشد الجنائي وأهلية الفتى والفتاة للزواج، وسن التشريع في الانتخابات...
ولأجل هذه الاستعمالات المتنوعة والضرورية لوثائق الحالة المدنية وعلاقتها بمجالات متعددة، أحاط المشرع المغربي نظام الحالة المدنية بتنظيم خاص،  وأعطى للوثائق والرسوم المستخرجة من سجلات الحالة المدنية نفس القوة الإثباتية التي تتمتع بها الوثائق الرسمية، مع اعتبار الشروط الشرعية في إثبات النسب والأحوال الشخصية[1].
   من هنا تتجلى علاقة قانون الحالة المدنية بجميع القوانين الأخرى حيث إن جل القوانين على اختلافها تتصل من بعيد أو قريب بقانون الحالة المدنية، وتعتمد في معظمها على سجلات الحالة المدنية وما تتضمنه من وثائق، كما تعتمد على الحالات التي تتعلق بكل فرد من أفراد المجتمع من يوم ولادته حيا إلى وفاته، مرورا بزواجه وطلاقه ونسب أولاده.
    فما مدى نجاح المشرع المغربي في ربط العلاقة بين قانون الحالة المدنية والقوانين الأخرى؟ وما هي الاحتياطات التي اتخذها لإضفاء نوع من المصداقية والدقة على المعلومات المستقاة من وثائق الحالة المدنية؟
     سنحاول في هذا البحث الإجابة على هذه الأسئلة ببيان العلاقة القائمة بين قانون الحالة المدنية وبعض القوانين المندرجة تحت قسم القانون العام ومدى الانسجام الحاصل بينها، وسنقتصر على القانون الدستوري والقانون الدولي والقانون الجنائي، ثم سنبرز هذه العلاقة مع بعض القوانين المندرجة تحت قسم القانون الخاص وهي بالتحديد قانون الأسرة وقانون الجنسية وقانون المسطرة المدنية والقانون المتعلق بكفالة الأطفال المهملين.




         المبحث الأول:  علاقة قانون الحالة المدنية بالقانون العام
   سبقت الإشارة في مقدمة هذا البحث إلى أن نظام الحالة المدنية يعتبر من النظام العام، لذلك نجد له امتدادات في القوانين التي تكون فيها الدولة طرفا رئيسيا حماية للأمن العام وتأمينا لحقوق المواطنين.
ومن أهم القوانين التي سنتطرق إليها والتي نهل منها قانون الحالة المدنية القانون الدستوري، كما يعتبر القانون الجنائي سياجا يحيط به لدفع كل محاولة للتلاعب بمستنداته، وبين هذا وذاك، سنعرج على القانون الدولي وعلاقته بالحالة المدنية.  
              المطلب الأول: علاقة قانون الحالة المدنية بالقانون الدستوري :
        يجد قانون الحالة المدنية علاقته بالقانون الدستوري في الفصل71 حيث يقول فيه المشرع "يختص القانون، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور، بالتشريع في الميادين التالية :
- الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير، وفي فصول أخرى من هذا الدستور
- نظام الأسرة والحالة المدنية..."
وهكذا فإن مصدر قانون الحالة المدنية هو التشريع حسب نص الدستور.
   كما ينص الفصل 32 من الدستور على أن الدولة تعمل على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.كما تسعى لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية.
   وتأسيسا على هذا الكلام فإنه لا يمكن الحديث عن حماية الحقوق الأسرية دون ضبط كل التغيرات التي تهم حالات الأفراد وإثبات هوياتهم كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ولهذا فلا بد من إيجاد نظام يقوم على تسجيل و ترسيم الوقائع المدنية الأساسية للأفراد من ولادة ووفاة وزواج وطلاق. وضبط جميع البيانات المتعلقة بها من حيث نوعها وتاريخ ومكان حدوثها. ولعل هذا الأمر هو الداعي إلى صدور قانون الحالة المدنية وتأسيس سجلاتها .
   وبخصوص الاعتبار الاجتماعي فقد نص قانون الحالة المدنية في  المادة 20 على أن الشخص المسجل في الحالة المدنية لأول مرة يجب عليه أن يختار لنفسه اسما عائليا و يجب ألا يكون الاسم العائلي الذي تم اختياره مخالفا لاسم أبيه أو ماسا بالأخلاق أو النظام العام أو مثيرا للسخرية أو اسما شخصيا أو أجنبيا لا يكتسي صبغة مغربية أو اسم مدينة أو قرية أو قبيلة أو اسما مركبا، إلا إذا كانت عائلة المعني بالأمر من جهة الأب تعرف باسم مركب.
وفي الفصل 27 نص المشرع على أنه للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة. ويجد هذا الفصل تطبيقه في قانون الحالة المدنية في المادة 32 الذي نص على أن ضابط الحالة المدنية يسلم نسخا كاملة أو موجزة من الرسوم المضمنة بسجلات الحالة المدنية الممسوكة بالمكاتب التابعة له لصاحب الرسم و لأصوله و فروعه و زوجه - شريطة قيام العلاقة الزوجية – ووليه أو وصيه أو المقدم عليه أو من يوكله على ذلك.
كما يجوز للسلطات القضائية و الإدارية و كذا الأعوان الدبلوماسيين و القناصل بالمغرب فيما يخص مواطنيهم، طلب نسخ من هذه الرسوم. أما إذا تعلق الأمر بغير من ذكر في الفقرة السابقة، فلا يسلم ضابط الحالة المدنية نسخا من هذه الرسوم إلا بإذن من وكيل الملك يصدره بناء على طلب كتابي مبرر.وإذا رفض وكيل الملك إعطاء الإذن المذكور، أمكن للمعني بالأمر أن يرفع دعواه أمام المحكمة الابتدائية المختصة.
ونص الفصل 30 على أنه  لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وبناء على هذا الفصل فلا يمكن التمتع بما ينص عليه إلا بإثبات الشروط التي يقتضيها وهي المواطنة والرشد والفيصل في هذا هو سجلات الحالة المدنية.

           المطلب الثاني : علاقة قانون الحالة المدنية بالقانون الدولي العام  :
تدور العلاقة بين القانون الدولي و قانون الحالة المدنية في ما يعرف بالسلك القنصلي و الدبلوماسي حيث إنه من المستقر عليه قانونا أن النظام القنصلي مكلف بعدة مهام خارج التراب الوطني منها تسيير الحالة المدنية، من حيث تسجيل عقود الزواج و تثبيته خاصة بين مغربي و أجنبية أو بين مغربيين مقيمين في الخارج و كذلك ما يترتب عن هذا الزواج. وقد أسندت صفة عدول للأعوان الدبلوماسيين والقنصليين المغاربة بالخارج بتاريخ 29 يناير 1970. وقد نصت المادة 4  من قانون الحالة المدنية في فقرتها الأخيرة على إحداث مكاتب للحالة المدنية خاصة بالمواطنين المغاربة بالخارج بالمراكز الدبلوماسية والقنصلية خارج المغرب.
كما نصت المادة 6 من نفس القانون على إناطة مهام ضابط الحالة المدنية بالنسبة للمواطنين المغاربة خارج المملكة بالقناصل والأعوان الدبلوماسيين المنتمين إلى السلك الدبلوماسي المغربي العاملين بالخارج، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل الثاني من الظهير الشريف رقم 421.66 الصادر في 8 شعبان 1389 (20 أكتوبر 1969 )المتعلق باختصاصات الأعوان الدبلوماسيين والقناصل العاملين بالخارج. وأوكلت مهمة مراقبتهم لوكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية ولوزير الخارجية بموجب المادة السابعة .
أما عندما يتعلق الأمر بوجود نزاعات تتصل بالعمل القنصلي منظورا إليه في ضوء قانون الحالة المدنية، فإن المشرع قد اختار من حيث الاختصاص المحلي و النوعي المحكمة الابتدائية بالرباط للبث فيها  وهكذا نص في المادة 14على أن المحكمة الابتدائية بالرباط هي المختصة بإصدار حكم قضائي بإعادة تأسيس سجلات الحالة المدنية في حالة ضياعها أو تعرضها للتلف إذا تعلق الأمر بسجلات الحالة المدنية لأحد المراكز القنصلية أو الدبلوماسية.
كما أكد بموجب المادة 15على أن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط هو الذي  يقوم بالإجراءات التي تخضع لها سجلات الحالة المدنية الممسوكة من طرف المراكز الدبلوماسية و القنصليات المغربية بالخارج قبل استعمالها وكذا بالمراقبة التي تمارس عليها بعد انتهاء العمل بها.
ومن جهة أخرى نشير أيضا إلى وجود علاقة مهمة بين قواعد قانون الحالة المدنية والقانون الدولي الخاص، خاصة في مجال الأحوال الشخصية ( الزواج المختلط, النسب, الطلاق, المواريث) وما يترتب من آثار متعلقة بالحقوق و الواجبات بالنسبة للأولاد، كالجنسية والانتخابات وكل هذه المسائل تنظمها قوانين خاصة، لكن اللجوء إلى قانون الحالة المدنية يبقى أمرا حتميا و ضروريا لإثبات تلك الحالات حتى يتحدد صاحب الحق أو صاحب الواجب باعتباره مواطنا أم أجنبيا. وبالتالي يثبت  تمتعه بكل الحقوق و الواجبات كمواطن أو ينتفي.

                   المطلب الثالث: علاقة قانون الحالة المدنية بالقانون الجنائي 
      تتميز علاقة قانون الحالة المدنية بالقانون الجنائي بالتكامل الموجود بين القانونين.
      فمن جهة، يلعب القانون الجنائي دور الحماية لمستندات الحالة المدنية، ونظرا لأهمية هذه المستندات فقد ركّز المشرع على وجوب حفظها وكل إخلال بها أو تلاعب بمحتوياتها،  يرتب المسؤولية المدنية والجنائية.  ومن جهة أخرى يقوم قانون الحالة المدنية بإثبات حالة الأفراد الحقيقية للمشتبه بهم وتحديد وضعياتهم القانونية، باعتبار قانون الحالة المدنية هو المرجع الأساسي للوضعيات القانونية للأفراد، كالأسماء والأعمار وحالة الزواج والطلاق، فكل مساس بهذه الوثائق قد يترتب عنه إضرار بالأفراد وزعزعة لاستقرار المعاملات مما يمس بالنظام العام.
انطلاقا من هذه الثنائية، سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين أساسيتين:
       الفقرة الأولى: دور القانون الجنائي في حماية مستندات الحالة المدنية
       الفقرة الثانية: دور الحالة المدنية في إثبات حالة الأفراد الحقيقية 
 
الفقرة الأولى: دور القانون الجنائي في حماية مستندات الحالة المدنية
    يتحدد هذا الدور في العقوبات والجزاءات التي شرعها القانون في حق من أخل بواجبه حيال هذه المستندات سواء بتقاعسه عن التصريح بما يجب التصريح به من وقائع، أو بتغييره لمحتويات هذه الوثائق، أو بانتحاله لهوية شخص آخر قصد الإضرار به والتستر على فعل إجرامي.
  وقد تطور التنظيم الزجري للحالة المدنية عبر ثلاث مراحل أساسية:
              في مرحلة أولى كان التنظيم الزجري للحالة المدنية في البداية عبارة عن عقوبات مالية بسيطة وكانت ا العقوبات المالية موجهة فقط ضد ضابط الحالة المدنية الذي تصدر عنه مخالفات معينة ومحددة. وفي ظهير 25/1/1932 المتعلق بالزيادات والوفيات غير المصرح بها نص الفصل الثاني على ذعيرة مالية في حق كل الواجب عليهم التصريح بالازدياد أو الوفاة إذا لم يفعلوا ذلك داخل الأجل القانوني.

           ● ولم يبدأ المشرع في تشديد العقوبات ذات الصلة بنظام الحالة المدنية إلا في ظهير 8/3/50 المعمم لنظام الحالة المدنية بالمغرب حيث نص الفصل 11 منه على ذعيرة مالية تتراوح بين 500-6000 سنتيم وعقوبة حبسية من ستة أيام إلى شهر واحد أو إحداهما فقط في حالة عدم القيام بالتصريح ضمن الآجال المحددة بل نص نفس الفصل على عقوبة أكثر شدة تتمثل في سجن تتراوح مدته بين ستة أشهر وثلاث سنوات في حق كل من تملص و حاول التملص من التزامات الحالة المدنية مع كونه خاضعا لها وذلك بتصريح زائف أو إخفاء أو زيادة أوراق أو غير ذلك من الوسائل.
ثم أصبحت عقوبة عدم القيام بالتصريح في الآجال المحددة أشد وقعا من خلال الفصل 468 من ق.ج حيث جاء فيه: "الأب وعند عدم وجوده الطبيب أو الجراح أو ملاحظ الصحة أو الحكيمة أو المولدة أو القابلة أو أي شخص حضر الولادة أو وقعت بمحله يعاقب بالحبس من شهر إلى شهرين وبغرامة من مائة وعشرين إلى مائتي درهم إذا لم يقم بالتصريح بالازدياد في الأجل القانوني وذلك في الحالات التي يكون فيها التصريح واجبا"[2]
       وفي مرحلة ثالثة اتجه المشرع إلى التخفيف مرة أخرى عبر إلغاء العقوبات السالبة للحرية في حالة عدم القيام بالتصريح بالولادة أو الوفاة حيث جاء في المادة 31 من القانون 99-37 يعاقب بغرامة مالية من 300 إلى 1200 درهم كل من وجب عليه التصريح بولادة أو وفاة طبقا لأحكام المادة 16 و المادة 24 ولم يقم بهذا الإجراء، داخل الأجل القانوني.
إلا أن هذا التطور في النصين الأخيرين   الفصل 468 من ق.ج والمادة 31 من القانون 99- 37 يطرح إشكالا قديما جديدا بخصوص موضوع الإلغاء الضمني للقانون خاصة منه القانون الجنائي. وسنتطرق لهذا الإشكال من خلال مقاربتنا للوسائل القانونية المرصودة لحماية مستندات الحالة المدنية.

      أولا: حماية مستندات الحالة المدنية من حيث الإنشاء
تتجلى هذه الحماية في القانون الجنائي فيما يخص عدم التصريح بالوفاة والولادة في الأجل القانوني من خلال الفصل 468، ومن خلال المادة 31 من قانون الحالة المدنية.
             أ-  العلاقة بين النصين القانونيين: الفصل 468 من ق.ج والمادة 31 من ق.ح.م.   
يعرف فقهاء القانون الإلغاء بكونه إزالة قاعدة قانونية كانت سارية المفعول في زمن معين و إحلال قاعدة قانونية محلها تنظم نفس الموضوع الذي كانت تنظمه القاعدة السابقة.
و من الاستثناءات التي تضمنها التشريع الجنائي ما ورد بالفصل 6 من القانون الجنائي والذي جاء فيه أنه : " في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول ، بين تاريخ ارتكاب الجريمة و الحكم النهائي بشأنها ، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم"
وقد انقسم فقهاء القانون في تفسيرهم لهذا الفصل إلى تيارين رئيسيين:
- منهم من ذهب في تفسيره للقاعدة الواردة بالفصل 6 من القانون الجنائي إلى أن المقصود بالقواعد التي تكون سارية بين تاريخ ارتكاب الفعل الجرمي و تاريخ صدور حكم نهائي بشأنه، هي تلك القواعد القانونية التي تتوالى في الزمان بين تاريخ ارتكاب الفعل الجرمي و تاريخ صدور حكم نهائي بشأنه و التي تكون منظمة لموضوع واحد.
ومن هذا المنطلق يأخذ أصحاب هذا الرأي بفكرة الإلغاء الضمني على اعتبار أن كل قانون جنائي كان في وقت معين يجرم فعلا معينا لابد من هجر العمل به بمجرد صدور قانون جديد ينظم نفس الفعل.
أما الجانب الثاني من الفقه فيرى أنه بالرجوع إلى الفصل 6 من القانون الجنائي نجده ينص على أنه في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول يطبق القانون الأصلح للمتهم و هذا يعني أن هذه القوانين ليست فقط القوانين التي ترتكب في ظلها الأفعال المجرمة وتلك التي تصدر فيما بعد ارتكاب الفعل الجرمي إلى غاية صدور حكم نهائي، و إنما المقصود هو ما يكون ساري المفعول من قوانين حتى قبل ارتكاب الفعل الجرمي، إذ أن تلك القوانين تبقى لها آثارها ولو صدرت قوانين أخرى تنظم نفس المواضيع ما لم ينص المشرع صراحة على الإلغاء.  و لو أراد المشرع إلغاءها لألغاها بنص صريح كما جرمها بنص صريح تطبيقا لمبدأ الشرعية
ويزكون قولهم بكون المشرع في حال الإلغاء يورد القاعدة القانونية التي تحدد نطاق الإلغاء إما في بداية النص التشريعي الجديد، أو قد يورد ها في نهايته و هي الحالة الغالبة على مختلف القوانين الصادرة بالمغرب. كما يقولون بأن إبقاء المشرع المغربي على النصوص القانونية القديمة و عدم الإقدام على إلغائها بصورة صريحة إنما هو تطبيق سليم لمقتضيات الفصل 6 من القانون الجنائي.[3]
وكنتيجة منطقية لهاتين القراءتين للفصل 6 من القانون الجنائي ظهرت مجموعة من الاضطرابات التشريعية والقضائية تعتبر نتيجة آلية لتمثل فكرة الإلغاء الضمني في القانون الجنائي سواء وجودا أم عدما .
  فبخصوص الاتجاه القضائي الذي يرى أن فكرة الإلغاء الضمني لا وجود لها فيعمل على تطبيق المقتضيات القانونية القديمة في معرض فصله في النزاعات المعروضة عليه، إلا أن هذا الاتجاه لا يبدو له ذكر أمام التيار الظاهر و السائد في العمل القضائي الذي يأخذ بالعمل بقاعدة الإلغاء الضمني للقاعدة القانونية تأثرا منه بالموقف الفقهي السائد أيضا .[4] 







   ب-  تحليل مقتضيات الفصل 468 من ق.ج والمادة 31 من قانون الحالة المدنية.


الفصل 468 من ق.ج
المادة 31 من قانون الحالة المدنية
الأشخاص الواجب عليهم التصريح بالولادة
أ ـ الأب: يعتبر الأب المسؤول الأول والرئيسي بالنسبة للتصريح بازدياد مولوده الجديد حسب منطوق الفصل وتجدر الإشارة إلى أن الفصل سكت عن ذكر الأم عكس ما فعل الفصل 21 من ظهير 4/9/1915
بـ الطبيب أو الجراح أو ملاحظة الصحة أو الحكيمة أو المولدة أو القابلة أو أي شخص حضر الولادة أو وقعت بمحله "
يقوم بالتصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية لمحل وقوعها أقرباء المولود حسب الترتيب: الأب أو الأم ؛- وصي الأب ؛ الأخ ؛ ابن الأخ.
إذا تعلق الأمر بمولود من أبوين مجهولين، أو بمولود وقع التخلي عنه بعد الوضع يصرح بولادته وكيل الملك بصفة تلقائية أو بناء على الطلب من السلطة المحلية، أو من كل من يعنيه الأمر،
نوع العقوبة
الحبس من شهر إلى شهرين وغرامة من مائة وعشرين إلى مائتي درهم
غرامة مالية من 300 إلى 1200 درهم
      
    ما هي الإضافات التي أتت بها المادة 31 من قانون الحالة المدنية انطلاقا من المعطيات أعلاه؟
● على مستوى مسؤولية الأشخاص في عدم التصريح بالولادة أو الوفاة فإن المادة 31 من ق.ح.م. أعادت الأم وفي نفس مرتبة الأب إلى واجهة المسؤولية بعد أن أبعدها عنها الفصل 468 من ق.ج. كما تم التنصيص عن بعض الأقارب المسؤولين عن التصريح ومنهم الأخ وابن الأخ.
إقرار الترتيب في تحمل مسؤولية التصريح بالولادة أو الوفاة. فبالرجوع إلى الفصل 468 يتضح أن المشرع استعمل "أو" بعد ذكر كل واحد من بقية الواجب عليهم التصريح بالازدياد غير الأب ولم يستعمل عبارة "وعند عدم وجوده" كما فعل عند حديثه عن الأب. وحرف "أو" كما هو معلوم من حروف العطف وقد يفيد الشك والتخيير والتقسيم... وذلك حسب سياق الكلام، مما يفتح مجالا واسعا للتأويل فأخذ البعض بالترتيب وأثبت البعض الآخر مسؤولية الجميع عند عدم الأب.  
● على مستوى العقوبة: ألغت المادة 31 من ق.ح.م. العقوبة السالبة للحرية خلافا للفصل 468 من القانون الجنائي الذي كان يعاقب بالحبس والغرامة.
  وكخلاصة نهائية لهذه القراءة، يمكن القول إن الفصل 468 من القانون الجنائي يمكن أن يصنف ضمن الفصول الجنائية الجامدة نسبيا من الناحية العملية خصوصا في شقه المتعلق بالعقوبة الحبسية. فهو لا يلجأ إليه إلا بمناسبة نزاع بين الزوجين أو في حالة رفض الزوج العمل على تسجيل أولاده بسجلات الحالة المدنية لأسباب غالبا ما تتعلق بالشك في نسب الولد إليه.
وعليه، فإن المشرع حينما استبدل عقوبة اشد بعقوبة اخف قد يكون أدرك عدم ملاءمتها لظروف المجتمع وبأنه لا مصلحة من الاستمرار في تطبيقها.

  ثالثا: حماية مستندات الحالة المدنية من التزوير
   تنص الفقرة الثانية من المادة 13 من القانون رقم 99-37 على انه "يقوم وكيل الملك أو الوكيل العام للملك بالإجراءات اللازمة لمتابعة ضباط المدنية أو غيرهم من الأعوان الذين ثبت لديه من خلال المراقبة ارتكابهم أفعالا يعاقب عليها القانون ". فضباط الحالة المدنية قد يرتكبون أثناء مزاولتهم لمهامهم لمخالفات قد تصل خطورتها إلى جرائم منصوص عليها من طرف المشرع، وهذه الجرائم إما أن تكون مخالفات أو جنح ويختص وكيل الملك بتحريك المتابعة فيها، ويحيل ضابط الحالة إلى المحكمة الابتدائية، وإما أن تكون جنايات فيحيله الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق أو الغرفة الجنحية إلى غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف.
ومن بين الجرائم المرتكبة في هذا المجال جريمة التزوير في وثائق الحالة المدنية.
   فاستنادا للفصل 351 من القانون الجنائي المغربي يمكن تعريف التزوير بأنه تغيير الحقيقة في ورقة أو في محرر رسمي أو عمومي بسوء نية تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون.
وتقتضي صفة الفاعل أن يكون المزور وانطلاقا من هذا التعريف يمكن تحديد الأسس أو الأركان التي تنبني عليها جريمة التزوير من الناحية القانونية ثم ننتقل إلى الفصلين 352 و 354  من ق.ج. للوقوف على مختلف العقوبات التي خصصها المشرع المغربي لهذه الجريمة ولغيرها من الجرائم التي تلحق بها.
أركان جريمة تزوير الأوراق الرسمية:
-  صفة الفاعل وهذه الصفة تقتضي في المزور / الفاعل أن يكون موظفا عموميا أو قاضيا أو موثقا أو عدلا، والمقصود بالموظف العام هنا هو الشخص الذي يتعامل مع الغير باسم الإدارة وهو بهذا التعريف يخضع للفصل 224 من القانون الجنائي الذي ورد فيه ما يلي:
"يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام."
وتراعي صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها.
    وتتمثل الجريمة في قيام الموظف أثناء تحريره لورقة متعلقة بوظيفته بتغيير جوهرها عن قصد أو بإحداث تغيير في ظروف تحريرها، وذلك إما بكتابة اتفاقات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف المعنيون وإما بإثبات صحة وقائع يعلم أنها غير صحيحة، وإما بإثبات وقائع على أنها اعترف بها لديه أو حدثت أمامه بالرغم من عدم حصول ذلك، وإما بحذف أو تغيير عمدي في التصريحات التي يتلقاها.
    ويشترط في الجريمة أن يقع التزوير في ورقة أو محرر رسمي أو عمومي. ويدخل في تعريف الأوراق الرسمية كل الأوراق أو المحررات الصادرة عن الجهة الإدارية أو عن أي جهة أخرى لها ارتباط وثيق بها بطريق مباشر أو غير مباشر.
  استنادا إلى الفصلين 352 و[5]353 من القانون الجنائي فإن جريمة التزوير سالفة الذكر تعتبر جناية يعاقب عليها بالسجن المؤبد وتحتفظ بهذا الوصف حتى في ظل مقتضيات الفصل 354[6] لكن عقوبتها تبقى أخف فهي تنحصر في السجن من عشر إلى عشرين سنة وصفة فاعلها غير مقيدة بصفة الموظف كما هو الحال بالنسبة لما ورد التنصيص عليه في الفصلين المذكورين.

         الفقرة الثانية: دور الحالة المدنية في إثبات حالة الأفراد الحقيقية 
                  أولا: دور الحالة المدنية في حماية الأحداث:
  ونركز هنا على علاقة قانون الحالة المدنية بقانون المسطرة الجنائية بحيث تثبت هذه العلاقة من خلال الإجراءات الواجب اتباعها في التحقيق مع الأحداث الذين لم يبلغوا سن 18 سنة من عمرهم وكيفية محاكمتهم وأنواع التدابير التي تتخذ بشأنهم.
فقد ورد في قرار المجلس الأعلى تحت عدد 5 بتاريخ 15/11/68 أن السن القانوني للشخص هو الذي يؤخذ لزوما من سجلات الحالة المدنية عند وجودها ولا يمكن للمحكمة أن تأخذ بالسن المثبت فيما سواها.
وحدد قانون المسطرة الجنائية  في المادة  458 سن الرشد الجنائي في 18 سنة ميلادية كاملة مع  اعتبار الحدث الذي لم يبلغ 12 سنة غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه ويسلمه  قاضي الأحداث لوليه أو حاضنه أو المقدم عليه أو كافله أو وصيه أو الشخص أو المؤسسة المعهود إليها برعايته، ،  والحدث الذي يتراوح عمره بين 12 سنة و 18 سنة مسؤولا مسؤولية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه.
كما جاء في المادة 459 أنه إذا لم توجد شهادة تثبت الحالة المدنية ووقع خلاف في تاريخ الولادة، فإن المحكمة المرفوعة إليها القضية تقدر السن بعد أن تأمر بإجراء فحص طبي وبجميع التحريات التي تراها مفيدة...
وجاء في المادة 473 بأنه لا يمكن أن يودع بمؤسسة سجنية الحدث الذي لم يبلغ 12 سنة كاملة ولو بصفة مؤقتة ومهما كان نوع الجريمة. ونفس الشيء بالنسبة للحدث الذي يتراوح عمره بين 12 و 18 سنة إلا إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري أو استحال اتخاذ أي تدبير آخر، وفي هذه الحالة يحتفظ به في جناح خاص أو في مكان معزول عن وضع الرشداء.
وتناولت المواد من 512 إلى 517 من ق.م.ج الحماية المنشودة للأطفال الموجودين في وضعية صعبة فأعطى بمقتضى المادة 512 لقاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية إمكانية أن يتخذ لفائدة الحدث الموجود في وضعية صعبة بناء على ملتمس النيابة العامة أي تدبير يراه كفيلا بحماية الحدث .[7]
وفي المادة 513 يعتبر الحدث البالغ من العمر أقل من 16 سنة في وضعية صعبة إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام أو تمرد على الشخص الذاتي أو المعنوي الذي يتكفل برعايته أو عدم توفره على مكان صالح يستقر فيه أو اعتاد الفرار من المؤسسة التي يتابع بها دراسته .
وتقضي المادة 514 بأن قاضي الأحداث إذا كانت حالة الحدث الصحية أو النفسانية أو سلوكه العام تستوجب فحصا عميقا يأمر بإيداعه مؤقتا لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بمركز مقبول مؤهل لهذه الغاية.
ثانيا: دور الحالة المدنية في تحديد الهوية
يكمن هذا الدور في الوثائق التي تعد من طرف المصالح التابعة للحالة المدنية ومن أهمها نسخ رسوم الحالة المدنية. وهي الوثائق التي تشهد على ميلاد الإنسان وتنشأ بها حقوقه وواجباته وتكتمل بها مواطنته، حيث يمنح على أثرها جنسيته وتحدد هويته. لذلك اهتم المشرع المغربي بالهوية وجرم كل محاولة لتقمص صفة معينة أو انتحال اسم أو وظيفة أو لقب واستعمالها دون وجه حق.
وجريمة انتحال هوية نص عليها القانون الجنائي المغربي من الفصل 361 إلى الفصل 390.

فقد ورد في الفصل 361 من القانون الجنائي أنه من توصل بغير حق، إلى تسلم إحدى الوثائق المشار إليها في الفصل السابق، أو حاول ذلك، إما عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة، وإما عن طريق انتحال اسم كاذب أو صفة كاذبة، وإما بتقديم معلومات أو شهادات أو إقرارات غير صحيحة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة وعشرين إلى ثلاثمائة درهم.
كما جاء في الفصل 385 في موضوع"انتحال الوظائف أو الألقاب أو الأسماء أو استعمالها بدون حق"
أن من انتحل لنفسه بغير حق اسما غير اسمه الحقيقي في ورقة عامة أو رسمية أو في وثيقة إدارية موجهة إلى السلطة العامة، يعاقب بغرامة من مائة وعشرين إلى ألف درهم.
وفي الفصل 387 "من انتحل اسم شخص آخر، في ظروف ترتب عنها، أو كان من شأنها أن يترتب عنها تقييد حكم بالإدانة في السجل العدلي للسوابق لهذا الشخص، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات، مع عدم الإخلال بالمتابعة عن جناية التزوير إذا وجد.
ويعاقب بنفس العقوبة من أدلى بتصريحات كاذبة بشأن الحالة المدنية لمتهم وتسبب بذلك، عن علم، في تقييد حكم بالسجل العدلي للسوابق لشخص آخر غير هذا المتهم.
 وفي جميع الحالات المنصوص عليها في ذات الموضوع، يمكن لقاضي الحكم أن يأمر إما بنشر الحكم كله أو بعضه في الصحف التي يعينها، وإما بإلصاقه في أماكن معينة، وذلك على نفقة المحكوم عليه.
ويجوز له، إذا اقتضى الأمر، أن يأمر بالإشارة إلى الحكم في هامش الورقة الرسمية، أو ورقة الحالة المدنية التي انتحل فيها اللقب أو حرف فيها الاسم بغير حق[8].

          المبحث الثاني: علاقة قانون الحالة المدنية بالقانون الخاص
سنعرض في هذا المبحث إلى العلاقة التي تربط قانون الحالة المدنية بقانون الأسرة كقانون مكمل له )المطلب الأول(، بعد ذلك سنعرج على قانون الجنسية والإجراءات ذات الصلة بتسجيل المجنسين بسجلات الحالة المدنية )المطلب الثاني(، ثم سنتطرق لقانون المسطرة المدنية وعلاقته بقانون الحالة المدنية )المطلب الثالث( وسنحاول في الأخير وباختصار التطرق للعلاقة القائمة بين قانون الحالة المدنية وقانون كفالة الأطفال المهملين ثم القانون الجماعي )المطلبين الرابع والخامس(.

                 المطلب الأول: علاقة قانون الحالة المدنية بمدونة الأسرة: 
          إن علاقة هذين القانونين علاقة متينة، حيث يكمل كل منهما الأخر ويعتمد عليه، وكل منهما قد وضع أساسا لخدمة الأسرة واستقرار أحوالها وضبط أهم الوقائع التي تمر بها.
فمن حيث المنشأ يعتبر تسجيل الطفل في الحالة المدنية حقا من حقوقه. فقد جاء في الفقرة الثانية من المـادة 54 من مدونة الأسرة بخصوص حقوق الأطفال على أبويهم، العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة، بالنسبة للاسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية·
 ولذا نجد القانونين معا يخضعان لاختصاص قسم قضاء الأسرة كما نص على ذلك قانون التنظيم القضائي في الفقرة الثالثة من الفصل الثاني: تنظر أقسام قضاء الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة.[9]
  فمن خلال نظام الحالة المدنية نستطيع بكل سهولة ويسر إثبات الحالة المدنية للفرد ونقف بكل دقة عند أصوله وفروعه ونتعرف على حدود أهليته من حيث السن بالخصوص[10]
  ولتكريس هذا الترابط الموجود بين قانون الأسرة ونظام الحالة المدنية نشير إلى الإجراءات اللاحقة لتوثيق عقد الزواج والطلاق:
         الفقرة الأولى: تضمين بيانات الزواج
   بالرجوع إلى من مدونة الأسرة وعند معرض الحديث عن الإجراءات الإدارية التي تصاحب عقد الزواج، ألزم المشرع ضابط الحالة المدنية بوجوب تضمين بيانات ملخص عقد الزواج الذي يتوصل به من قسم قضاء الأسرة بهامش رسم ولادة الزوجين، كما جاء في المـادة 68 من المدونة: "يسجل نص العقد في السجل المعد لذلك لدى قسم قضاء الأسرة، و يوجه ملخصه إلى ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين، مرفقا بشهادة التسليم داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ الخطاب عليه".
  غير أنه إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب، يوجه الملخص إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط.  ويتحتم على ضابط الحالة المدنية تضمين بيانات الملخص بهامش رسم ولادة الزوجين.
كما ألزمت مدونة الأسرة كذلك المغاربة الذين أبرموا عقود زواجهم خارج أرض الوطن بهذا الأمر كما جاء في المادة 15 من م.أ.:"يجب على المغاربة الذين أبرموا عقد الزواج طبقا للقانون المحلي لبلد إقامتهم، أن يودعوا نسخة منه داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ إبرامه، بالمصالح القنصلية المغربية التابع لها محل إبرام العقد.
  إذا لم توجد هذه المصالح، ترسل النسخة داخل نفس الأجل إلى الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية.
  تتولى هذه الأخيرة إرسال النسخة المذكورة إلى ضابط الحالة المدنية وإلى قسم قضاء الأسرة لمحل ولادة كل من الزوجين.
إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب، فإن النسخة توجه إلى قسم قضاء الأسرة بالرباط وإلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط.[11]
وتتقاطع المواد المشار إليها من مدونة الأسرة مع  المادة 22  من قانون الحالة المدنية الذي نص في الباب الخامس عل  تضمين بيانات الزواج و انحلال ميثاق الزوجية بقوله: "يقوم ضابط الحالة المدنية بتضمين البيانات الأساسية لعقد الزواج، مع الإشارة إلى مراجع تضمينه بسجل الأنكحة التي أقيم بها بطرة رسم ولادة من الزوجين، و ذلك فور توصله بنسخة من عقد الزواج طبقا لمقتضيات الفصل 43 من مدونة الأحوال الشخصية) المادة 68  من مدونة الأسرة(.
  وجاء المادة 26 من الباب الرابع من المرسوم التطبيقي : رقم:2.99.665 الصادر في شعبان 1423 (9  أكتوبر 2002) لتطبيق القانون رقم 37.99 المتعلق بالحالة المدنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.239 بتاريخ 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002 )
"بعد تحرير العدلين رسم الزواج أو ثبوت الزوجية أو التقارر بالزوجية، ونظيرين منه، وبعد خطاب القاضي المكلف بالتوثيق عليها، يرسل نظير الرسم في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الخطاب إلى ضابط الحالة المدنية الواقع بدائرته ولادة كل من الزوجين".[12]
        الفقرة الثانية: تضمين بيانات انحلال ميثاق الزوجية:
   نفس الأمر ينطبق على الحالة المدنية للزوجين في حالة انحلال ميثاق الزوجية إذ أوجبت كذلك المادة 141 من مدونة الأسرة ضرورة تضمين بيانات انحلال ميثاق الزوجية بهامش رسم ولادة الزوجين، وقد جاء فيها: "توجه المحكمة ملخص وثيقة الطلاق، أو الرجعة، أو الحكم بالتطليق، أو بفسخ عقد الزواج، أو ببطلانه، إلى ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين، مرفقا بشهادة التسليم داخل خمسة عشر يوما من تاريخ الإشهاد به، أو من صدور الحكم بالتطليق أو الفسخ أو البطلان.
يجب على ضابط الحالة المدنية تضمين بيانات الملخص بهامش رسم ولادة الزوجين.  إذا لم يكن للزوجين أو أحدهما محل ولادة بالمغرب، فيوجه الملخص إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط.
تحدد المعلومات الواجب تضمينها في الملخص المشار إليه في الفقرة الأولى أعلاه، بقرار من وزير العدل"[13].
كما نصت المادة 22 من قانون الحالة المدنية (99. 37) على ما يلي: "...ويشير بطرة رسم الولادة إلى البيانات الأساسية لوثيقة الطلاق أو الخلع أو التطليق أو الرجعة أو المراجعة، وكذا إلى مراجعها بمصدرها فور توصله بنسخة من هذه الوثيقة التي تحال عليه وجوبا من طرف القاضي المكلف بالتوثيق أو رئيس مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة المصدرة للحكم النهائي بالتطليق أو بفسخ أو بطلان العقد، وذلك حسب الحالات.
 كما نص المرسوم التطبيقي لقانون رقم 37.99 المتعلق بالحالة المدنية في المادة 27 على ما يلي: "بعد تحرير العدلين رسم الطلاق أو الرجعة أو المراجعة، ونظيرين منه، وبعد خطاب القاضي المكلف بالتوثيق عليها، يرسل نظير الرسم في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الخطاب إلى ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة كل من طرفي العقد".
     أما فيما يخص المغاربة المقيمين خارج الوطن، فقد نصت المادة 28 من نفس القانون على ما يلي:
"تبعث نظائر العقود العدلية للزواج وثبوت الزوجية و التقارر بها التي تم تلقيها بالمراكز الدبلوماسية المغربية بالخارج و كذا نظائر وثيقة انفصام عرى الزوجية خلال نفس الأجل المحدد في المادتين 26 و27 أعلاه إلى مكتب الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين لتضمين بيان عنها بطرة رسم ولادة كل من الزوجين، وإخبار وكيل الملك المختص لوضع البيان بطرة الرسم المضمن بالسجل المحفوظ بالمحكمة.



    الإجراءات البعدية المتخذة من طرف ضابط الحالة المدنية:
 وفقا لمقتضيات المادة 22 من قانون الحالة المدنية (99. 37  يحيل ضابط الحالة المدنية بيان الزواج أو انحلاله المدرج بطرة رسم الولادة بالنسبة للزوجين على وكيل الملك ليضمنه في نظير السجل المحفوظ بالمحكمة، كما يحيل عليه لنفس الغرض الإعلام بوفاة أحد الزوجين[14].
   والمشرع بتنصيصه على هذه الإجراءات يهدف إلى التعرف على مراجع وثائق الزواج أو الطلاق في حالة ضياع تلك الوثائق مع العلم أن رسوم الحالة المدنية هي عبارة عن وثائق رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور.[15]
   من خلال ما سبق يتضح أن المشرع قد تبنى مسطرة مشتركة بين مدونة الأسرة وقانون الحالة المدنية المتعلقة بتضمين بيانات الزواج وانحلال ميثاق الزوجية وذلك أنه:
حدد الجهة المكلفة بتوجيه ملخص عقد الزواج والمتمثلة في قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية التي تم فيها توثيق هذا الزواج
حدد الجهة التي يتعين إرسال الملخص المذكور إليها وهي إما ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين أو وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب.
حدد أجل خمسة عشرة يوما للقيام بهذا الإجراء تبدأ من تاريخ الخطاب على الرسم.
بين مهام ضابط الحالة المدنية والمتمثلة في تضمين ملخص العقد بهامش رسم ولادة الزوجين ولضبط هذه العملية أعدت وزارة الداخلية دفتر بيانات الزواج تسجل فيه ملخصات عقود الزواج بالتسلسل حسب تاريخ ورودها ثم تنقل بعد ذلك بسجل ولادة الطرفين[16] .

     الفقرة الثالثة: الحالة المدنية كوسيلة لإثبات سن الرشد والأهلية.
    يتضح من خلال الرجوع إلى مواد مدونة الأسرة وجود علاقة وطيدة بين قانون الأسرة وقانون الحالة المدنية من حيث إثبات أهلية الأشخاص وإثبات النسب فمركز الفرد القانوني يتغير حسب حالته المدنية ذكرا كان أم أنثى، قاصرا أم راشدا متزوجا أو عازبا، وارثا أو مورثا.
   فإذا كان السن لا يمكن تحديده إلا عن طريق وثائق الحالة المدنية، فإن الرجوع إليه يعتبر أساسيا في مجموع من القضايا ذات الصلة بالأحوال الشخصية للأفراد ومنها السن القانوني الذي تحدده المادة 209 من مدونة الأسرة في 18 سنة شمسية كاملة.
   وبخصوص  ثبوت النسب فإن المادة 154 من م.أ. تشير إلى أن نسب الولد يثبت بفراش الزوجية إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال، سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا ؛ أو إذا ولد خلال سنة من تاريخ الفراق. ومعلوم أنه في حالة عدم وجود التاريخ الحقيقي لازدياد الطفل، يصعب التأكد من ازدياده داخل الفترتين المحددتين في المادة أعلاه.
فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى" لا بد في إثبات النسب من إثبات تاريخ ولادة المطلوب إلحاقه بنسبه ليعرف ما إذا كان الولد ازداد في الأجل الأقصى أو الأدنى للحمل أو خارجه[17].
وبخصوص الأهلية فإن المادة 214 من م.أ. تعتبر الصغير المميز الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة. كما حددت المادة  218 من م.أ. بلوغ سن الرشد، لإنهاء الحجر عن القاصر ما لم يحجر عليه لداع آخر من دواعي الحجر.غير السن. كما يحق للمحجور بسبب إصابته بإعاقة ذهنية أو سفه، أن يطلب من المحكمة رفع الحجر عنه إذا أنس من نفسه الرشد كما يحق ذلك لنائبه الشرعي وإذا بلغ القاصر السادسة عشرة من عمره، جاز له أن يطلب من المحكمة ترشيده والفيصل في هذا كله رسم ولادة القاصر.

     الفقرة الرابعة: الحالة المدنية كوسيلة لإثبات سن الحضانة والنفقة:
جاء في المادة 166 من م.أ. بأن الحضانة تستمر إلى بلوغ سن الرشد القانوني للذكر والأنثى على حد سواء، كما يحق للمحضون الذي أتم 15 سنة، أن يختار من يحضنه من أبيه أو أمه بعد انتهاء العلاقة الزوجية.
ويشترط في طالبة الحضانة ألا تكون متزوجة إلا في الحالات التي نصت عليها المادتين 174 و175 مما يحيلنا على سجلات الحالة المدنية للتأكد من زواج طالبة الحضانة من عدمه[18].

أما بخصوص النفقة فإن المادة  198  من م.أ. تشير إلى استمرار نفقة الأب على أولاده إلى حين بلوغهم سن الرشد، أو إتمام الخامسة والعشرين بالنسبة لمن يتابع دراسته.
وفي كل الأحوال لا تسقط نفقة البنت إلا بتوفرها على الكسب أو بوجوب نفقتها على زوجها

                       المطلب الثاني :علاقة قانون الحالة المدنية بقانون الجنسية: 
إن الجنسية هي علاقة الولاء التي تقوم بين الفرد والدولة التي ينتمي إليها، وحق الجنسية هو الوسيلة التي نميز فيها بين الوطني والأجنبي. ولتحديد الوطني من الأجنبي يعتمد أساسا على وثائق الحالة المدنية وسجلاتها.
1- إثبات الجنسية
نصت المادة 06 من قانون الجنسية على أنه"يعتبر مغربيا الولد المولود من أب مغربي أو أم مغربية"
وبناء عليه فلإثبات الجنسية لابد من توفر ما يثبت هوية المعني بالأمر وعلاقته بأبيه أو بأمه وما يفيد أن أباه أو أمه من جنسية مغربية والمعتمد في هذا كله هو وثائق الحالة المدنية وخصوصا رسوم الولادة.
ونصت المادة 33 من قانون الحالة المدنية على انه  تكون للبطاقة الشخصية للحالة المدنية نفس قوة الإثبات التي للنسخة الموجزة من رسم الولادة، و تقوم مقامها ما عدا في بعض  الحالات وذكرت منها  إثبات الجنسية المغربية؛مما يعني بمفهوم المخالفة أن النسخة الموجزة من رسم الولادة تفيد في إثبات الجنسية.
كما نصت المادة 18 من المرسوم المتعلق بتطبيق القانون 37.99 على أن من مشتملات رسم الولادة جنسية المولود  ونفس الشيء بالنسبة لرسم الوفاة كما تنص عليه المادة 33 من نفس المرسوم .وبالتالي فسجلات الحالة المدنية والوثائق التي تصدر عنها تعتبر ذات أهمية بالغة في تحديد جنسية الشخص .

2- تسجيل المجنسين في سجلات الحالة المدنية
نص الفصل الثالث عشر من قانون الجنسية على أنه بمجرد تقديم المعني بالأمر وثيقة التجنيس يصحح ضابط الحالة المدنية في سجلاته التقييدات المتعلقة بجنسية المتجنس وكذا اسمه العائلي والشخصي إذا اقتضى الحال ذلك.
 كما نص على أنه يسوغ أن تتضمن وثيقة التجنيس بطلب من الشخص المعني بالأمر تغييرا لاسمه العائلي واسمه الشخصي.
أما بالنسبة لقانون الحالة المدنية 99/37فإن المادة 18منه نصت على أن الأجنبي الذي اكتسب الجنسية المغربية إذا كان مولودا بالمغرب يسجل على النحو التالي:
- إذا كان مسجلا بسجلات الحالة المدنية المغربية الخاصة بالأجانب والتي كانت ممسوكة قبل صدور هذا القانون، فينقل رسم ولادته بناء على السند المانح للجنسية من طرف ضابط الحالة المدنية لمحل الولادة، مع الإشارة في طرة الرسم على المرجع الأساس للسند المانح للجنسية؛
- إذا كان مسجلا بسجلات الحالة المدنية المحدثة بهذا القانون، فيشار بطرة رسم ولادته على أنه اكتسب الجنسية المغربية مع الإشارة إلى المرجع الأساس للسند المانح للجنسية المغربية.
أما الحاصل على الجنسية المغربية المولود خارج المغرب، فيتم تسجيله بناء على حكم تصريحي بالولادة صادر عن المحكمة الابتدائية للرباط.
غير أنه لما نص المشرع المغربي في الفصل 14 من قانون الجنسية على أسباب وكيفية سحب الجنسية فإنه لم يشر إلى الطريقة المتبعة في شطب المعني بالأمر من سجلات الحالة المدنية،مما يستدعي القول بوجوب إرسال مقرر السحب إلى ضابط الحالة المدنية لتضمينه .
  من خلال هذه النصوص يلاحظ أن الجنسية تستند في منحها وسحبها على وثائق وسجلات الحالة المدنية كوسائل إثباتيه .

             المطلب الثالث : علاقة قانون الحالة المدنية بقانون المسطرة المدنية :
1-مسطرة قضايـا الحالة المدنيـة:
   نص الفصل 45 بقانون المسطرة المدنية على أنه تطبق أمام المحكمة الابتدائية قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستئناف وفقا لأحكام الفصول 329 و 331 و 332 و 334 و 335 و 336 و 342 و 344 الآتية بعده.
 غير أنه استثنى مسطرة قضايـا الحالة المدنيـة ونص على أن تكون شفوية بالإضافة إلى القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا و انتهائيا؛  و قضايـا النفـقـة و الطلاق و التطليق؛والقضايا الاجتماعية؛وقضايا استيـفـاء و مراجعة وجيبة الكراء.

2- الأحكام التصريحية:
    يقصد بالأحكام التصريحية، الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية الآمرة بتسجيل الولادة أو الوفاة التي لم تصرح داخل أجلها القانوني، ثلاثون يوما بالنسبة للولادة، وخمسة عشرة يوما بالنسبة للوفاة.
    وبمقتضى المادة 217 من قانون المسطرة المدنية تملك النيابة العامة الصفة في طلب التصريح بالولادة أو الوفاة، إلا أنها لا تتقدم بهذا الطلب إلا استثناء، حالة الضرورة، كأمر اللقيط، أو الطفل يتيم الأبوين الذي لا وصي عليه، ولا مقدم عنه.
    وبناء على مقتضيات الفصلين 217 و218 من قانون المسطرة المدنية،الخاصة بثبوت واقعة ولادة المعني بالأمر بمكانه وتاريخه من أبويه المعينين أو وفاته ، تأمر المحكمة بتقييد هذا الحكم بسجلات الحالة المدنية للسنة الجارية لمحل الولادة أو الوفاة، مع الإشارة الموجزة إلى مضمون هذا الأمر بطرة نفس السجل الذي كان يجب أن يتم فيه التقييد.
    وبناء على هذا الحكم، يقوم ضابط الحالة المدنية بتضمين مقتضياته في سجل الأحكام للسنة الجارية، وبتضمينه ببيان العقد المكرر في سجل الولادات أو الوفيات الذي كان من اللازم أن تسجل فيه تلك الولادة لو صرح بها داخل الأجل القانوني، مع ضرورة توجيهه إعلاما لوكيل الملك المختص الذي يمسك السجل النظير ليقوم بنفس الإجراء.
3- الأحكام التنقيحية:
   قد يقع في تضمين المعلومات بسجلات مكتب الحالـة المدنيـة خطأ مادي أو إغفال عن تضمين بيان واجب التسجيل، أو تخالف بين مقتضيات بيانات الرسوم وبين واقع الشخص. ففي مثل هذه الأحوال لا يمكن لضابط الحالة المدنية، ولا لأي كان، أن يتولى تصحيح الخطأ من تلقاء نفسه، بل يتعين عليه أن يستصدر حكما قضائيا بتصحيح الرسم بناء على طلب يقدمه ذو المصلحة لرئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرة نفوذها مكتب الحالة المدنية الموجود بها السجل المعيب، مدعما طلبه هذا بما يؤكد رغبته في التغيير. فيصدر به حكم يسمى حكما تنقيحيا لتصحيح العيب الوارد برسم الحالة المدنية.
   وهكذا قضت المادة 219 من قانون المسطرة المدنية أنه : "تطبق نفس المقتضيات في تصحيح وثيقة الحالة المدنية، إذا لم يشر فيها إلى جميع البيانات المتطلبة قانونا، أو إذا كانت هذه البيانات كلا أو بعضا غير مطابقة للواقع أو تتضمن بيانات ممنوعة قانونا".
    وتسجل الأحكام التنقيحية، كالأحكام التصريحية، في سجل الأحكام للسنة الجارية، وعلى ضابط الحالة المدنية أن يرجع إلى السجل الذي يتضمن الرسم الصادر بشأنه التغيير ليدخل الإصلاح المطلوب في شكل بيان يضعه في طرة ذلك الرسم المشوب بالعيب .
     وفي حالة ما إذا تسببت هذه الأخطاء والمخالفات التي تمس رسوم الحالة المدنية أضرارا بأصحاب هذه الرسوم كأن يشار مثلا صراحة برسم الولادة إلى أن صاحبه مجهول النسب، أو يتم تغيير في بيان من البيانات بالرسم على نحو يشكل إهانة لصاحبه أو أفراد عائلته، ففي مثل هذه الحالات وغيرها يحق للشخص المطالبة بالتعويض تجاه المتسبب في الضرر .
   فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 9  من القانون 99- 37 ما يلي :"كل من أودعت عنده سجلات الحالة المدنية يكون مسئولا مدنيا عن كل ما يقع فيها من تغيير آو تزوير خلال الفترة التي كانت ممسوكة لديه "
وجاء في المادة 10 من القانون نفسه "يكون ضباط الحالة المدنية وموظفوها مسئولين طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية عن الأضرار اللاحقة بالغير نتيجة إخلالهم بضوابط الحالة المدنية آو بسبب أخطائهم المهنية الجسيمة "

                المطلب الرابع : علاقة  قانون الحالة المدنية بقانون كفالة المهملين
دون الخوض في الحديث عن الكفالة وما يتعلق بها من مفهوم وشروط وضوابط سأضع الأصبع على محل الداء وهو العلاقة التي تربط بين قانون الحالة المدنية وقانون كفالة الأطفال المهملين.
تقضي المادة 24 من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 و المصادق عليه من طرف المغرب[19] بأن يسجل كل طفل فور ولادته و يكون له اسم، كما أن المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل و التي صادق عليها المغرب[20] تنص على ما يلي:
يسجل الطفل بعد ولادته فورا، و يكون له الحق منذ ولادته في اسم و الحق في اكتساب جنسيته، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما...".
و تكفل الدولة إعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني و التزاماتها بموجب الصكوك المتصلة بهذا الميدان...".
و بالرجوع إلى المقتضيات القانونية في التشريع المغربي، تنص المادة54 من مدونة الأسرة على أن للأطفال على أبويهم العمل على تثبيت هويتهم و الحفاظ عليها خاصة بالنسبة للاسم و الجنسية و التسجيل في الحالة المدنية، كما أن قانون الحالة المدنية رقم 99-37 أوجب التصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية لمحل وقوعها من طرف أقرباء المولود أو من طرف وكيل الملك بصفة تلقائية أو بناء على الطلب من السلطة المحلية، أو من كل من يعنيه الأمر [21]، و عاقب بغرامة مالية كل من وجب عليه التصريح بولادة و لم يقم بهذا الإجراء داخل الأجل القانوني[22] ، كما نص القانون رقم 15.01 و المتعلق بكفالة الأطفال المهملين على تسجيل الطفل المهمل بسجلات الحالة المدنية و إعطاءه اسما شخصيا و عائليا خاصا به. ومن خلال القانونين السابقي الذكر يمكن التمييز بين مرحلتين تمثلان العلاقة بينهما:

المرحلة الأولى :التسجيل بالحالة المدنية :
  وتنص عليها المادة 5 من القانون رقم 15.01 التي توجب أن يقوم وكيل الملك عند الاقتضاء بكل الإجراءات الرامية إلى تسجيل الطفل بالحالة المدنية قبل تقديمه طلب التصريح بالإهمال، ومن بينها إقامة الدعاوى وكل ذلك مع مراعاة أحكام القانون المتعلق بالحالة المدنية، والذي جاء في  مادته السادسة عشرة أنه إذا تعلق الأمر بمولود من أبوين مجهولين، أو بمولود وقع التخلي عنه بعد الوضع يصرح بولادته وكيل الملك بصفة تلقائية أو بناء على الطلب من السلطة المحلية، أو من كل من يعنيه الأمر، معززا تصريحه بمحضر منجز في هذا الشأن، وبشهادة طبية تحدد عمر المولود على وجه التقريب، ويختار له اسما شخصيا و اسما عائليا، وأسماء أبوين أو اسم أب إذا كان معروف الأم، ويشير ضابط الحالة المدنية بطرة رسم ولادته إلى أن أسماء الأبوين أو الأب، حسب الحالة، قد اختيرت له طبقا لأحكام القانون 99- 37.
   كما أشارت المادة نفسها إلى وجوب تبليغ ضابط الحالة المدنية لوكيل الملك بالولادة التي سجلت بهذه الكيفية داخل أجل ثلاثة أيام من تاريخ التصريح.

المرحلة الثانية: إجراءات تسجيل الأمر الصادر بكفالة الطفل المهمل بسجلات الحالة المدنية
   وبخصوص هذه المرحلة فإن المادة 21 من القانون رقم 15.01نصت على أن القاضي المكلف بشؤون القاصرين يوجه نسخة من الأمر القاضي بإسناد الكفالة أو بإلغائها أو باستمرارها إلى ضابط الحالة المدنية المسجل لديه رسم ولادة الطفل المكفول، وذلك داخل أجل شهر من تاريخ إصدار هذا الأمر.
  وتجب الإشارة إلى الأمر الصادر بإسناد الكفالة أو بإلغائها أو باستمرارها بطرة رسم ولادة الطفل المكفول طبق للمقتضيات المتعلقة بالحالة المدنية.وفي نفس الإطار نجد أن القانون المتعلق بالحالة المدنية في الفقرة الأخيرة من مادته السادسة عشرة ينص على ضرورة الإشارة بطرة رسم ولادة الطفل المكفول إلى الوثيقة التي تم بمقتضاها إسناد الكفالة طبقا للتشريع الجاري به العمل.
   غير أنه لا يشار إلى إسناد الكفالة في نسخ الرسوم المسلمة للكافل أو المكفول طبقا لقانون الحالة المدنية.عملا بالفقرة الأخيرة من القانون رقم 15.01، وذلك حفاظا على أسرار المعني بالأمر وكرامته.
                    المطلب الخامس : علاقة قانون الحالة المدنية بالقانون الجماعي :
تتمثل علاقة قانون الحالة المدنية بالقانون الجماعي  في كون الهيأة المكلفة بمتابعة وقائع الحالة المدنية تنتمي إلى القطاع الجماعي وتنضوي تحت السلطة الإدارية لهذا الجهاز، وهكذا نجد المادة 51 من الميثاق الجماعي تنص على أن رئيس المجلس الجماعي يعتبر ضابطا للحالة المدنية ويمكن تفويض هذه الصفة إلى النواب كما يمكن تفويضها أيضا للموظفين الجماعيين طبقا لأحوال القانون المتعلق بالحالة المدنية. ويقوم ايضا طبق الشروط المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل بالإشهاد على صحة الإمضاء ومطابقة نسخ الوثائق لأصولها. ويمكنه تفويض هذه المهام إلى الكاتب العام للجماعة ورؤساء الأقسام والمصالح بالجماعة المعينين طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل. وهو بهذا يلتقي مع قانون الحالة المدنية الذي يشير في مادته الخامسة بأنه تطبيقا لأحكام القانون المتعلق بالتنظيم الجماعي، ومع مراعاة الأحكام القانونية الخاصة، يعهد بمهام ضابط الحالة المدنية داخل المملكة إلى رؤساء المجالس الجماعية، الحضرية والقروية وإذا تغيبوا أو عاقهم عائق ناب عنهم مساعدوهم.
كما خول المشرع بموجب نفس المادة لرئيس المجلس الجماعي بصفته ضابطا للحالة المدنية أن يفوض مهامه المتعلقة بالحالة المدنية بكل مكتب من مكاتب التابعة للجماعة، وفق الكيفية المحددة بمقتضى نص تنظيمي.وهو ما نص عليه المرسوم رقم2.99.665 الصادر في 9اكتوبر 2002

خاتمـــــة:
        إن الحديث عن علاقة قانون الحالة المدنية بقوانين أخرى وتحليل الفلسفة التي بنيت عليها هذه العلاقة يحتاج إلى مجهودات أكبر لتسليط الضوء عليه، وذلك لارتباطها بالحقوق الأساسية للفرد وبالنظام العام للدولة.
      فبالنسبة للفرد تعتبر وثيقة الحالة المدنية التي تبنى عليها الهوية شهادة لميلاده، ونشأة لحقوقه وواجباته، وتحديدا لجنسيته، وحجة ثابتة على مواطنته. لذلك اعتمدت كوثيقة رسمية قطعية الثبوت في كل الوقائع التي تحكمها القوانين الأخرى. 
     ونظرا لأهمية هذه الوثيقة فقد أوجب المشرع حفظها ورتب عن المس بمضمونها دون موجب قانوني مسؤولية مدنية وجنائية.  
    وبالنسبة للدولة فوثائق الحالة المدنية تشكل قاعدة معطيات لجميع الأجهزة والجهات الحكومية، تبنى عليها إستراتيجية الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، باعتبار قانون الحالة المدنية هو المرجع الأساسي للوضعيات القانونية للأفراد، كالأسماء والأعمار وحالة الزواج والطلاق.. وكل مساس بهذه الوثائق قد يترتب عنه زعزعة لاستقرار المعاملات مما يمس بالنظام العام.
      لذلك اعتبر قانون الحالة المدنية ملاذا آمنا لكل القوانين الأخرى ومصدرا رسميا موثوقا للفرقاء السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وأساسا للتوقعات المستقبلية في كافة المجالات.
    لكن في منظورنا، تبقى هذه العلاقة بين قانون الحالة المدنية والقوانين الأخرى مشوبة ببعض النواقص في غياب اعتماد التقنيات الحديثة للتواصل والترقيم الإلكتروني لسجلات الحالة المدنية. والأمل معقود على التجربة التي تخوضها الآن مصالح وزارة الداخلية حيث يتم  تطوير برنامج معلومياتي بهدف رصد جميع الرسوم المضمنة بسجلات الحالة المدنية منذ سنة 1915، بعد عملية جردها وتصويرها وتخزينها ومراقبتها.



[1] - المادة2 من قانون الحالة المدنية
[2] - ورد هذا الفصل في القانون الجنائي المغربي في الفرع الثالث المتعلق بالجنايات والجنح التي تحول دون التعرف على هوية الطفل.
[3] - عبد الحكيم الحكماوي، باحث قانوني أستاذ زائر بكلية الحقوق سلا، مدى جواز القول بالإلغاء الضمني في القانون الجنائي، الموقع الإلكتروني:
[4] - المرجع نفسه
[5] - الفصل 352: يعاقب بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف عمومي وكل موثق أو عدل ارتكب، أثناء قيامه بوظيفته، تزويرا بإحدى الوسائل الآتية:
         - وضع توقيعات مزورة؛ تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع؛  وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين؛ كتابة إضافية أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومية، بعد تمام تحريرها أو اختتامها.
[6]- الفصل 354:يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة كل شخص، عدا من أشير إليهم في الفصل السابق، يرتكب تزويرا في محرر رسمي أو عمومي بإحدى الوسائل الآتية:
- بالتزييف أو التحريف في الكتابة أو التوقيع؛
- باصطناع اتفاقات أو تضمينات أو التزامات أو إبراء أو بإضافتها في تلك المحررات بعد تحريرها؛
- بإضافة أو حذف أو تحريف الشروط أو التصريحات أو الوقائع التي خصصت تلك المحررات لإثباتها أو الإدلاء بها؛
- بخلق أشخاص وهميين أو استبدال أشخاص بآخرين.

[7] ) عبد الرحمان مصلح الشرادي : انحراف الأحداث في التشريع المغربي والقانون المقارن مطبعة الأمنية –الطبعة الأولى- الرباط 2002 .
[8] - الفصل 388 من القانون الجنائي
[9]  قانون رقم 1.74.338 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 (15 يوليوز 1974) يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة
[10]  محمد الكشبور الوسيط في شرح مدونة الاسررة الكتاب الاول مطبعة النجاح الجديدة ص 102
[11]  محمد الشتوي،  الإجراءات الإدارية والقضائية لتوثيق الزواج، ص. 77
[12]  د محمد لفروجي مدونة الأسرة والقوانين المصاحبة ص 143
[13] - قرار وزير العدل رقم 275.04 الصادر في 12 من ذي الحجة 1424 )3 فبراير 2004( شكل ومضمون كناش التصرف.
[14]  محمد الكشبور، الوسيط في شرح مدونة الأسرة، الكتاب الأول، مطبعة النجاح الجديدة، ص. 103
 المرجع نفسه، ص. 103[15]   
[16]  محمد الشتوي،  الإجراءات الإدارية والقضائية لتوثيق الزواج،  ص81
[17] - قرار عدد 686 المؤرخ في 28/10/1997، الملف الشرعي عدد 6263/1992، مجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 52، 1998، ص.126
[18] - المادة 173 : شـروط الحـاضنعدم زواج طالبة الحضانة إلا في الحالات المنصوص عليها في المادتين 174 و175 بعده

[19]  الجريدة الرسمية عدد 3225 بتاريخ 21 مايو 1980 ص 634
[20]  الجريدة الرسمية عدد 4440 بتاريخ 19 دجنبر 1996 ص 2847
[21]  المواد 3 و 16 و 17 من القانون رقم 99-37 المتعلق بالحالة المدنية.
[22]  المادة 31 من القانون رقم 99-37 المتعلق بالحالة المدنية.

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *