شهادة اللفيف وآفاقها المستقبليــــــــــــــــة
الاستاذ احمد الصابري
في البداية أود أن أشير إلى أن موضوع شهادة اللفيف حري بالبحث والتقصي
وجديـــــــــــر بالمناقشة والتحري ، وفي أبعادها المختلفة واتجاهاتها المتنوعة
والمتباينة ، خصوصا في الظــــروف الراهنة ، اعتبارا لأهميتها وخطورتها في مجال
إثبات حقوق الناس وصيانتها من الضياع والإندثار، ونظرا للإشكاليات المطروحة بشأنها
والنتائج المترتبة عنها .
ومعلوم أن شهادة اللفيف شغلت الناس ولاسيما المهتمين ومن له صلة خاصة في المغــــرب قديما وحديثا ، وملأت الساحة ، واختلفت بشأنها الآراء وتباينت حولها الأفكار. وإني سأتناول هــــذا العرض المتواضع في أربعة محاور بعد نظرة أو مقدمة عن الشهادة بصفة عامـــــة .
ــ المحور الأول : سأتناول فيه شهادة اللفيف وشروطها وقواعدها والحكمة منها والأسباب الداعية لها ، وشكلها وإشكالياتها .
ــ المحور الثاني : سأتطرق فيه لشهادة اللفيف والقانون المغربي وخاصة في ميــــــــــدان الأحوال الشخصية ، في ميدان العقار غير المحفظ، وقانون الالتزامات والعقود المغربي ، وموقــف الفقه والقضاء من اللفيف .
ــ وفي المحور الثالث : سأتحدث عن الآفاق المستقبلية للفيف وكيفية إعادة النظر فيــــه وتفصيـــــــلا .
نظرة عن الشهادة بصفة عامــــــة :
الشهادة في اللغة كما يقال معروفة ولا تحتاج إلى تعريف .
أما في الإصطلاح فقد قيل عنها بحق أنها أهم وسيلة لإثبات الحقوق على اختلاف أنوا عها ومشاربها مالية كانت أم غير مالية ، طالما أن هذه الشهادة متاحة في جميع الحالات ومسيرة في شتى الظروف وفي متناول أي شخص أداها أمام القضــــــاء .
وبالتالي الحكم بموجبها . وتكون من معروف لمعرف في معروف طبقا لتعبير الفقهاء . ومصدرهـــا الأساسي هو الشريعة الإسلامية المجسدة في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة ، ونظرا لخطورتها وجسامتها فقد تم اشتراط العدالة في الشهود . والقرآن الكريم أتى بأرقي وأسمى مبــــــادئ الإثبات في العصر الحديث وذلك في أية المداينة كما يرى الدكتور إدريس العلوي العبدلاوي فـــــــي كتابه " وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي الجزء الأول الطبعة الأولى صفحة 130 ، قـــــال تعالى : " ياأيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ، وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا، فان كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا اولا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ، واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكراحداهما الأخرى ولا باب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم اقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى الا ترتابو الا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح الا تكتبوها، واشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وأن تفعلوا فانه فسوق بكم ، واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم ، وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة، فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه والله بما تعلمون عليم "
ومعلوم أن الشريعة اشترطت عددا معينا من الشهود حسب نوع القضايا وتبعا لخطورة النتائج المترتبة عن هذه الشهادة ، ففى إثبات الزنا لابد من شهادة أربعة عدول بقول الله تعالى في كتابه العزيز : " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون " وشهادة عدلين في سائر الأمور باستثناء الزنا وهو ما اتفق عليه الفقهاء تأسيسا على قوله تعالى : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " أو شهادة رجل وامرأتين بخصوص الأموال وما يؤول الى المال كالبيع والرهن والصلح استنادا إلى قوله تعالى : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان مما ترضون من الشهداء " وشهادة امرأتين دون رجل وذلك فيما لا يطلع عليه الرجال كالحيض والنفاس والحمل ، وشهادة رجل مع يمين في أحوال خاصة ، وشهادة امرأتين مع يمين في الأموال أو ما يؤول إليها . وشهادة الصبيان في الجرح والقتل الذي يقع بينهم ، علما بأن ابن عاصم تظم هذه الشهادات على النحو الآتـــــــــــي :
تختص أولاها على التعييــــــــــن *** أن توجب الحــــق بلا يميـــــــــــن
ففي الزنا من الذكور أربعــــــــــــة *** وما عدا الزنــــى ففي اثنين سعـــة
ورجل بامرأتين يعتضـــــــــــــــــد *** في كل ما يرجع للمال اعتمــــــــــد
وفي اثنين حيث لا يطلـــــــــــــــــع *** إلا النساء كالمحيض مقنــــــــــــــع
وواحد يجزئ في باب الخبـــــــــــر *** واثنان أولى عند كل ذي نظـــــــــر
وبشهادة من الصبيان فــــــــــــــي *** جرح وقتــــــل بينهم قد اكتفـــــــــى
وشرطها التمييز والذكــــــــــــــورة *** والاتفاق في وقوع الصــــــــــــورة
من قبل أن يتفرقوا أو يدخــــــــــــلا *** فيهم كبير خوف أن يبــــــــــــــدلا .
أنواع الشهادات باعتبار إسنادهـــــــــــــا :
هناك نوعان من الشهادات انطلاقا من اسنادهـــــــــــــــــا :
شهادة أصلية وشهادة استرعائيـــــــة .
ــ الشهادة الأصليــــــة :
هي التي يكون مضمنها وموضوعها من إملاء المشهود عليه ويقتصر فيها دور العدلين الشاهدين على تسجيل ما يسمعانه فقط ، وبعبارة أخرى ، فالشهادة الأصلية هي التي يكون مصدر المعرفة فيها هو المشهود عليه ، وتنطبق هذه الشهادة على جميع الإتفاقات والإشهادات والعقود المتبادلة من بيع وكراء ومعاوضة ووصية ، كان يقول المشهود عليه للعدلين اشهدا علي بأنني وهبت أو تصدقت أو تزوجت فيكتب العدلان :
الحمد لله اشترى فلان .. أووهب أو تصدق ..
ــ الشهادة الإسترعائيــــة :
وهي شهادة الشاهد بما في علمه مما سمعه من المشهود عليه أو حضرله أو بلغه عنه بصفة عامة عن طريق المخالطة والمجاورة والإطلاع دون أن يقول اشهد علي ، وتصدر بالعبارة التالية مثلا : يشهد الواضعان شكليهما أسفله عقب تاريخه . وشهادة اللفيف تندرج ضمن هذا النـــوع من الشهـــــــــادة .
من أراد التوسع فليراجع كتاب وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي للدكتور محمد ابن معجـــــــــــوز .
المحـــور الأول :
ــ شهادة اللفيــــف :
اللفيف في اللغة هو الجمع أو الخليط يقال طعام لفيف أي مخلوط وجاء القوم بلفيفهم أي بجماعتهم وأخلاطهم ، وإبن منظور في كتابه لسان العرب توسع في معنى اللفيف وأورد لهذا اللفظ عدة معان لا داعي للتطرق لها هنا .
وفي الإصطلاح : يطلق شهود اللفيف على صورتين : الأولى أن يشهد بالأمر عدد من الناس يحصل مع خبرهم العلم لاستحالة تواطئهم على الكذب عادة كشهادة مجموعة من الناس برؤية الهلال ولا يشترط في شهادة هذه الصورة العدالة والذكورة والإسلام . والصورة الثانية من اللفيف هي شهادة من لا يحصل بخبرهم العلم وهذا ما جرى به عمل المتأخرين ، وقد أطلقت الكلمة على سبيل المجاز على الوثيقة التي تضمن بها شهادة عدد من الناس هم في الغالب اثنا عشر ، ويطلق عليها كذلك البينة إلا أن هذه الأخيرة أعم وأشمل باعتبار أنها تدل على كل ما يبين الحق ، ويظهره ، يقول الرسول (ص) : البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، وكذلك يقول : " ألك بينة " ؟ والمقصود بالبينة الشهود وغير ذلك .
إذن فشهادة اللفيف شهادة عدلية ، ليست من المشهود عليه ، ولا من إملاء العدل الكاتب ، وإنما هــي من إملاء مجموعة من الناس العاديين ، أي مطلق الناس بما لهم من علم ومعرفة حول واقعة معينة، أما بمقتضى مستند عام كالمخالطة والمجاورة والإطلاع على الأحوال ، وإما بمقتضى مستند خاص كالمشاهدة والمعاينة . وقد كان الإثبات في الفقه الإسلامي في العصور الأولى للإسلام يعتمد أساسا إما على شهادة عدلين أو شهادة عدد كثير من الناس لا يتصور تواطؤهم وإجماعهم على الكذب ولا وقوعهم في الغلط ، إلا أنه وبمضي الزمن وضآلة الوازع الديني وفقدان المروءة والمصداقية إلى حد كبير، علاوة على قلة العدول ، أخذ الفقهاء لاسيما فقهاء الأندلس والمغرب مع بداية القرن العاشــــــر للهجرة حسب ما يرى كثير من الباحثين ، يتساهلون في قبول شهادة عموم الناس حرصا على مصالحهم وصيانة لحقوقهم من الضياع .
ــ شروط شهادة اللفيف وقواعدهـــا :
أما م قبول شهادة مطلق الناس نظرا لظروف خاصة مستجدة في المجتمع الإسلامي خصوصا في الأندلس والمغرب ، لم يعد الفقهاء يشترطون في شهود اللفيف إلا ستر الحال فقط أي انعدام السوابق المشينة التي تحط من قدر الشاهد، يقول الناظم في هذا الصدد :
ولابد في الشهــــــود في اللفيــــــف *** من ستر حالهم على المعــــــــــروف
وأن يكون أفراده من الرجال ، وقد أفتى العلماء أن اللفيف من النساء لا يقضى به ولو بلغ عددهــــــن المائة ( تراجع مجلة رابطة القضاة عدد : 16 ـ 17 صفحة 23 ) . ومعلوم أن المشهور في المذهب المالكي أن من فقد شروط العدالة ، أو أحدها لا تقبل شهادته ولو في بلد لا عدول فيه يقول ابن عري في أحكام القرآن : إذا كانت قرية ليس فيها عدول، وبعد وعن العدول فالذي عليه الجمهور أن لا تجوز شهادتهم لبعضهم بعضا ، يراجع كتاب وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي صفحة 234 للدكتور محمد ابن معجوز .
إلا أن المتأخرين من المالكية أجازوا شهادة غير العدول ( نفس المرجع صفحة 236 ) .
وقد أحدث المالكية قواعد لقبول شهادة غير العدول ، وأوجبوا أن تأتي تلك الشهادة على شكل معين يتلخص في أن عددا معينا من الرجال من غير العدول يدلون بشهادتهم إلى عدل أو عدلين فيقيد هذا العدل أو العدلان مضمن ما شهد به هؤلاء على نحو معين وطبق شروط وضوابط خاصة، وبذلك تغدو تلك الشهادة بينة يجوز للقاضي أن يحكم بموجبها ، وغالبا ما يكون عدد هؤلاء الرجال هو أثنا عشر رجلا، ويقول الفقهاء إن الإقتصارعلى اثني عشر رجلا في عدد اللفيف لا يرجع إلى نص خاص معين ، وانما أخذ من التواتر ، أي من القول الأوسط في عدد التواتر ، ذلك أن العلماء اختلفوا في العدد الذي يحصل به التواتر، والقول الأوسط من تلك الأقوال المختلفة ، هو ذلك الذي يقول باثتي عشر، ومن ثمة رأى الفقهاء أن يكون عدد اللفيف اثني عشر رجلا رعيا للقول الأوسط في التواتر ،( مجلة رابطة القضاة عدد 16 ـ 17 ص 22 وفيما يتعلق بالترشيد والتسفيه فالأمر يتطلب المزيد من الشهود ( ثمانية عشر شاهدا ) ففي العمل :
وقدره في الغالب اثنا عشــــــــــر *** وزد لك الرشد وفد اكثـــــــــرا
أما إذا نقص العدد عن اثني عشر فلا يعد لفيفا ، وإنما سمي تلقية وتحتاج في تزكيتها إلى اليمين فيما يكون موضوعه المال أو يؤول إلى المال .
وتجدر الإشارة إلى أن العمل الذي كان جاريا به بفاس حسب كتب النوازل هو أن سماع الشهود يتم من قبل عدل واحد ، في حين أن الشهادة على القاضي تتم من قبل عدلين ، وذلك خلا فا لما جرى به العمل بتطوان ومراكش من أن التلقى للشهادة لا يتم إلا عن طريق ، عدلين كما هو الشأن بالنسبــــــة للإشهاد على القاضي ، وإلى ما جرى به العمل بفاس أشار ناظم العمل بقولـــــه :
والعدل يكفى في سماع البينـــــــــة *** من اللفيف فتراها بينــــــة
أما فيما يتعلق بقانون خطة العدالة فقد حسم الأمر حينما اشترط التلقي الثنائـــــــي .
ومن شروطها أيضا الاستفسار، ويقال له الإستفصال ، ويكتب في رسم مستقل على يد عدلين آخرين وبإذن القاضي ، والاستفسار هو بمنزلة التزكية ، وأن يجري داخل ستة أشهر عن أداء الشهود لشهادتهم وفي العمل الفاسي :
وستة الأشهر حـــــد استفســــــــار *** البينا ت قاله في المعيــــار
وقد تأتي شهادة الشهود متطابقة ، مع ما شهدوا به سابقا ، وقد تأتي مخالفة لما شهدوا به ولكل حالة نموذج خاص ، وأول من قام به هو القاضي محمد بن أحمد بن عبد المالك القشتالي كما في جاء العمل المطلـــــــــــق .
العمل الآن لأهـــل فـــــــــــــــاس *** على شهادة لفيف النـــــــاس
كذلك تابعــــــوا على استفصــــــال *** البينات القاضي القشتالـــــي
وقواعد الإستفسار كثيرة منها مقارنة كلام الشهود بما كتب في الرسم الأول عن مدى مطابقة شهادتهم وتبيان ما يمكن أن يكون في الرسم من إبهام أو إهمال في شهادة الشاهـــــــد .
ولم يقف الفقهاء الأقدمون عند حد استفسار شهود اللفيف عن شهادتهم ، بل ذهبوا إلى المطالبة بتحليف هؤلاء الشهود لفساد الزمـــــــان . وقد جاء في العمل الفاســــــي :
وحلف ابن سودة الشهـــــــــــود *** من اللفيف لفجــــــور زيــــــدا
ولا يغرب عن بالنا أن من شروطه كذلك أي اللفيف ، أن لا يشهد شهوده في شئ اعتاد الناس توثيقه وتحصينه لدى العدول ، أوفي حالة وجود هؤلاء كيفما كان نوع المعاملة ، لأن شهادة اللفيف لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة والاقتضاء ، مع العلم أن الضرورة ينبغي أن تقدر بقدرها .
ــ الحكمة من اللفيف والأسباب الداعية لـــــه :
إن الحكمة من اللفيف تتجلى في الضرورة المبررة له ، وذاك عند عدم توفر العدول في كل نازلة ، وتجنبا لإرهاق الشهود بالتنقل إلى مجلس القضاء الذي كثيرا ما يكون نائيا عن مقر سكناهم أخذا بقوله تعالى : " ولا يضار كاتب ولا شهيـــــد ".
باعتبار أن بعض الحوادث قد تحدث صدفة في مكان معين لا عدول فيه ، فتكون الضرورة تبعا لذلك مدعاة على قبول شهادة مطلق الناس وعامتهم ممن حضروا الواقعة أو عايشوها ، حتى لا تتعـــرض الحقوق ـ التي يحرص الدين الإسلامي الحنيف على صيانتها وحفظها ـ للضيـــــاع .
ــ شكــــل اللفيـــــــف :
إن شكل اللفيف طبق ما جرى به العمل هو أن يأتى المشهود له باثني عشررجلا كيفما اتفق له بافتراق أو اجتماع إلى عدلين منتصبين للإشهاد يؤدون شهادتهم التي جيء بهم من أجلها عندها يكتبانها العدلان في وثيقة استرعائية ، كيف أدوها وعلى الطريقة التي سمعاها منهم بألفاظ لا اجمال فيها ولا لبس ، مع توضيح المستند والتاريخ وعقب التاريخ توضع أسماء الشهود في عمودين ثم يكتب اسفل ذلك رسم آخر فيه تسجيل القاضي ابيضا يطالع القاضي فيكتب بخطه تحت أسماء الشهود العبارة التقليدية الشهيرة " شهدوالدا من قدم لذلك بموجبه فثبت " وهناك من يضيف وأعلم به ، ويضع علامته في موضع البياض ، ثم يضع العدلان علامتهما عقب الرسم الثاني شهادة على القاضي لصحته .
هنا يتعين الوقوف ولو قليلا للقول بأن عبارة شهدوا لدا من قدم لذلك بموجبه فثبت معناها : أي أن اللفيف المسطرة أسماؤهم أعلاه أدوا شهادتهم عند العدل الذي قدمه القاضي لسماع الشهادة الذي هو أهل لها وتحقق أداء اللفيف عنده أي عند العدل ، ولفظ لدا بمعنى عند تكتب بالألف الممدودة بخلاف لدى بمعنى في فتكتب بألف مقصورة بقول الناظــــــم :
واكتب لدا بمعنى عند بالألف *** أما بمعنى في فبالياء عرف
يراجع في هذا الصدد كتاب التدريب على تحرير الوثائق العدلية لآبي الشتاء الصنهاجي الجزء الأول وقد صدرت عدة مناشير وزارية ( وزارة العدل ) تهم الوثيقة بصفة عامة واللفيف بصفة خاصة من بينها المنشور رقم 14714 الصادر بتاريخ : 03 . 11 . 59 الذي حدد ضوابط اللفيف.في عدة نقط منهـــــا :
ــ يجب أن تكون مستفسرة لا إجمال فيها ولا لبس .
ــ ويجب أن لا يتلقاها إلا حذاق العدول العارفين وأهل التبريز في العدالة .
ــ ويجب على القضاة ألا يأذنوا في تلقيها إلا بعد التثبت والبحث واستفسار طالبها عن جميــــــــــع المعلومات والمقاصد .
ــ ولا يسوغ للعدول أن يشرعوا في تلقي أي شهادة لفيفية إلا بعد صدور إذن خاص من القاضي بذاــــــــك .
كما صدرت لاحقا عدة مناشير تخص بعض الأنواع من اللفيفيات مثل المنشور عدد : 226 حول التثبت من إقامة اللفيفيات بخصوص إثبات السن والمنشور عدد 818 المؤرخ في 11 .07 .1978 بشأن مراقبة التفويتات في الأوقاف المعقبة ، والذي حث القضاة المكلفين بالتوثيق وأهاب بهم على إثارة انتباه العدول إلى التزام جانب التحري التام في شهادة اللفيف بصفة عامة وفي عمليات تفويـــت الأملاك المحبسة حسبا معقبا بصفة خاصـــــة .
ــ إشكاليات اللفيـــــف :
غير أننا نلاحظ أنه وقع تساهل في هذا الميدان حتى أصبح أداء اللفيف شهادته عند كافة العدول ، ودون إذن من القاضي . وبذلك اختل أمره وطال الفساد بعض وثائقه بل وأنها أصبحت محل رجوع في الشهادة حاليا وشكاية من طرف من يهمه الأمر ، إما من طرف المشهود له أو المشهود عليه أو من طرف الشهود أنفسهم ، وغدت كثير من اللفيفيات معروضة أمام المحاكم وخاصة الجنائية منها بناء على متابعات النيابة العامة أو بمقتضى شكاية مباشرة ، بسبب الطعن فيها بدعوى زوريتها أو بتحريفها عن هدفها فالإراثة قد حولت إلى ملكية ، ولفيف الحيازة تحول إلى ملكية بشروطها المعلومة على سبيل الإضافة والزيادة ، الأمر الذي يعرض العدول لكثير من المشاكل والمضايقات بل والمتابعات بسببها ، مما جعلهم يتذمرون من هذه الوضعية ، ويطالبون بإلحاح بإيجاد حل لهذه المعضلة والقضاء على هذه الإشكالية ، وعلى هذا الأساس تعالت أصوات من طرف بعض العدول بخصوص هذا الشأن ، فمثلا نشرت إحدى الجرائد الوطنية ، وبالتحديد جريدة الإتحاد الاشتراكي في عددها 6381 وتاريخ 28 . 01 . 2001 تعليقا في هذا الصدد لأحد العدول التابعين لهيئة الدار البيضاء تحت عنوان : " خطة العدالة بين مطرقة التحقيق وسندان اللفيف " وعنوان المقال يدل على مضمونه دلالة واضحة فقد ركز فيه على معاناة العدول من جراء اللفيف ، كما نشر نفس العدل وفي نفس الجريدة بتاريخ 6 مايو 2001 عدد : 6478 مقالا تحت عنوان : " خطة العدالة وعاصفة اللفيف ، والعدل يبحث عن عدل " تحدث فيه أيضا عن محنة العدول بسبب إقامتهم للفيفيات ، والمتابعات التي يتعرضون لها بسبب إقامتهم لهذه اللفيفيات ، داعيا في ختام مقاله هذا إلى إصلاح خطة العدالة ، حتى يتسنى للعدول القيام بمهمتهم وأداء واجبهم في هذا المضمار على الوجه المطلوب . ونشير بالمناسبة إلى أن السيد وزير العدل وفي برنامج حوار مفتوح الذي بثته القناة الأولى بتاريخ : 03 . 12 . 2002 ذكر بأن مشروع قانون خطة العدالة يوجد قيد الإعــــــداد .
المحــــــور الثانــــــــي :
ــ اللفيف والقانـــــــون المغربــــــــي :
أ ـ في ميدان الأحوال الشخصيـــــة :
نجد أن المشرع المغربي في ميدان الأحوال الشخصية اعتبر اللفيف كحجة إثباتية لبعض الحقوق فمثلا بالنسبة للزواج ، ينص الفصل الخامس من م.ح.ش. وخاصة الفترة الرابعة منه على أنه يجـــوز للقاضي بصفة استثنائية ـ سماع دعوى الزوجية واعتماد البينة الشرعية في إثباتهـــــا.
والمقصود بالبينة الشرعية كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مقدمة العرض كل ما يبين الحق ويظهره ، واللفيف في طليعة ذلك .
ومعلوم أن الأصل في الزواج هو أن يبرم بشأنه عقد صحيح مستجمع لسائر أركانه وكافة شروطه أمام العدلين ، وذلك تطبيقا لمقتضيات الفقرتين الأولى والثانية من الفصل الخامس المذكور حيث جاء في الفقرة الأولى ما يالي : " لا يتم الزواج إلا برضى الزوجة وموافقتها وتوقيعها على ملخص عقد الزواج لدى العدلين " وجاء في الفقرة الثانية : يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين عدلين سامعين في مجلس واحد الإيجاب والقبول من الزوج أو نائبه، ومن الولي " ويتجلى من هذا كله أن عقد الزواج لا يصح إلا إذا ابرم أمام عدلين منتصبين للإشهاد به ، ومع ذلك فانه ما زالت حالات كثيرة لا تتقيد بمضمون ما ذكر بل تسجل إبرام النكاح اكتفاء بحضور جماعة من المسلمين أو ما سمي " بالفاتحة " لأسباب كثيرة منها أن كثيرا من سكان البادية وحتى البعض منهم في الحواضر يستغنون عن إحضار العدول وهم بصدد الزواج اعتقادا منهم بأن إشهار الزواج فيه الكفاية ، كما أن العادة المستحكمة في نفوس هؤلاء تلعب دورها ، علاوة على بعد العدول عن مقر سكنى الزوجيـن ، علما بأن السبب لم يعد قائما الآن ، لكون العدول أضحوا يغطون كامل التراب الوطني بدون جدال ولا ننسى جهل البعض لأهمية عقد الزواج وكتابته في ابانــــــه .
ولعلاج مثل هذه الحالات ، أجاز المشرع المغربي بصفة استثنائية.
ــ سماع دعوى الزوجية ، واعتماد البينة الشرعية في إثباتها ، وهذا الإستثناء لا يجوز التوسع في تفسيره ، كما لا يسوغ الإستجابة لطلب إقامة لفيف بثبوت الزوجية إلا بتوافر حالة الإستثناء ، والنص عليها صراحة بالرسم حتى يمكن لمحكمة الموضوع تقييم صحتها : مثل تعذر وجود العدول ، وفي هذا الإتجاه سار المنشور الصادر عن وزارة العدل عدد : 383 بخصوص شهادة ثبوت الزوجية الذي أشار إلى أن المشرع المغربي حينما جعل من عقد الزواج عقدا رضائيا شكليا ، فانه قصد بذلك أن ينقذ الأسرة المغربية مما كانت تتخبط فيه من مشاكل اجتماعية وعائلية التي كثيرا ما كانت تنجم عن عدم الإشهاد بالعقد ، الأمر الذي يسهل معه التملص من التزامات الزواج، خصوصا إنكار ونفي علاقة الزواج كما كان لا يتأتى معه ادعاء الزوجية تأسيسا على بيانات لا يطمأن إلى صحتها . من أجل هذا يضيف المنشور الآنف الذكر ، ارتأى المشرع إرساء دعائم الأسرة المغربية على أسس ثابتة ، وذلك بإحاطة عقد الزواج بشروط معينة وأوكل مهمة الإشهاد على ذلك . إلى العدول المتنصبين للإشهاد . لذا يتعين على العدول أن لا يتلقوا شهادة اللفيف المتعلقة بثبوت الزوجيـــة إلا إذا توافرت الظروف التي تشكل حالة الإستثناء ، حتى لا تتعرض شهادتهم للإلغاء من طرف قضاء الموضوع، والتنصيص عليها في مستهل شهادتهم ، وقد تواتر اجتهاد المجلس الأعلى في هذا الإتجـاه حيث ورد في قرار له ما يلي : " لا تسمع دعوى الزوجية اعتمادا على البينة إلا بصفة استثنائية ، يجب على المحكمة أن تبين حالة الإستثناء وألا تعرض حكمها للنقض ".
ولا ينكر أحد الأهمية لاقامة شهادات ثبوت الزوجية وما تنطوي عليه من فوائد بالنسبة للأفراد وبالتالي للجميع ، خاصة بالنسبة لثبوت نسب الأولاد ، وضمان الحقوق الإرثية بين الآباء والأبنـاء، وكذا بين الأزواج ، وفي الجانب الآخر يمكن القول أن هذه اللفيفيات تفتح الباب على مصراعيه لبعض الأشخاص المنعدمي الضمير لاقامة شهادات ثبوت الزوجية بدون وجه حق ، وبهدف تحقيق أغراض دنيوية معنية كان يقم شخص عقد زواج مع إمراة متوفاة طمعا في الإرث والعكس صحيـح،أو من أجل نسب أولاد غير شرعيين لرجل لا علاقة له بهم إلى غير ذلك ، مما ينبغي والحالة هذه الحرص وابداء الحذر أثناء إقامة هذه اللفيفيات ، وهو ما يهدف إليه المنشور الذي أصدرته وزارة العدل مؤخرا بشأن ثبوت الزوجية ، والذي الزم طالب إقامة رسم ثبوت الزوجية بالإدلاء بنفس الوثائق المطلوبة أثناء كتابة عقد الزواج في أبانه والمنصوص عليها في الفصل 41 من م . ح . ش . وخضوع كتابة العقد لموافقة قاضي التوثيق في حالة اقتران الطلب بمسطرة تعدد الزوجات أو بتزويج من لم يبلغ سن الزواج ، وقد جاء في هذا المنشور ما يلي : " يتعين كلما تعلق الأمر بإقامـــة بينة بإثبات الزوجية أمام عدلين ، إدلاء المعنيين بالأمر بالوثائق المطلوبة من الفصل 41 المشار إليه ، وذلك حسبما تقتضيه كل حالة على حدة ، فإذا أريد اثبات زوجية وقعت دون توفر سن أهلية النكاح، أو في حالة التعدد ، يمنع تلفي الإشهاد بذلك ، إلا بعد إدلاء من يعنيه الأمر ضمن المستندات المطلوبة بموافقة كتابية من القاضي المكلف بالتوثيق ومراجعها .
ــ في التطليــق لعدم الإنفاق :
إن التطليق لعدم الإتفاق كثيرا ما يثبت بشهادة اللفيف طبقا لمقتضيات الفصل 53 من م.ح.ش إذا لم يكن هناك حكم سابق قضى على الزوج بأداء النفقة وتم تنفيذه بمقتضى محضر يفيد الإمتناع وعدم وجود ما يحجز . ونفس الشيء يقال بالنسبة للتطليق للضرر . في غياب أي حكم في الموضوع قضى بإدانة الزوج للضرر بزوجته طبقا للفصل 56 من م . ح . ش . كما أن اللفيف يلعب دوره في التطليق لغيبة الزوج طبقا لمقتضيات الفصل 57 من نفس القانون .
أما بخصوص الرجعة فان المذهب المالكي ينص على أنه يجوز إثباتها بالبينة الشرعية ولم يساير المجلس الأعلى هذا الإتجاه حينما ذهب في عدة قرارات إلى أن الرجعة كالزواج لا يجوز إثباتها بالبينة الشرعية . هذا ويمكن إثبات النسب والرشد والسفه والحضانة والإحتياج والوصية والتنزيل والإراثات بموجب اللفيف .
وعلى هامش إمكانية إثبات الضرر من أجل التطليق بسببه بمقتضى اللفيف يجدر بنا أن نوضح أن من يريد التطليق للضرر عليه الإدلاء بلفيف عدلي في هذا المجال ، وإمكانية إيجاد هذا النوع مـن اللفيف بالتراب الوطني نظرا لعدة اعتبارات من بينها تماسك أواصر العلاقة بين الجيران والأصدقاء . فإن إمكانية إيجاد هذا النوع من الإثبات خارج التراب الوطني ( المهجر ) بالنسبة للجالية المغربية بالمهجر يكتسي طابع الصعوبة نظرا لطبيعة المغاربة المقيمين بهذه البلاد المعروفين بتمسكهم بحرصهم على إخفاء مشاكلهم وعدم إفشاء أسرارهم للغير بحكم تنوع الأجناس المجاورة بهم الأمر الذي يصعب معه أن لم يستحيل معه أحيانا وجود من يشهد بثبوت الضرر صراحة اللهم إلا إذا تم ذلك على سبيل المجاملة فقط ، وهي شهادة غير مقبولة قانونا . هذا فضلا عن عدم إمكانية إنجاز رسوم ثبوت الضرر أمام القنصليات المغربية وكذا عدم إمكانية إنجازها بالتراب الوطني لكون الشهود غير مطلعين على غالب أحوال الزوجين المغتربين ، وبالتالي لا يمكن اعتمادها بينة شرعية أمام المحاكم المغربية ، الأمرالذي يتطلب إيجاد حل لهذه المشكلة بالنسبة لجاليتنا بالخارج ينسجم وطبيعة الحال المعيش هناك وطبيعة الحال المعيش هنـــــــاك .
ــ في ميدان العقــــــار غير المحفـــظ :
من المعلوم أن التصرفات في العقار غير المحفظ تخضع للإثبات لقواعد الفقه الإسلامي ، ولا ينطبق عليها ق . ل . ع . كما درج على ذلك المجلس الأعلى في عدد من قراراتـــه، ومن هذه التصرفات البيع مثلا والذي يمكن إثباته( بشهادته) بشهادة الشهود يقول المجلس الأعلى في أحد قراراته : " حيث إنه طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية فإن بيع العقار غير المحفظ ، يمكن إثباته بصفة استثنائية بشهادة الشهود وأن المحكمة لما استبعدت اللفيف المدلى به لإثبات هذا البيع بعلة أنه لا يثبت بشهادة الشهود ولابد فيه من الدليل الكتابي الثابت التاريخ .. تكون قد طبقت نص الفصل 489 من ق. ل.ع المتعلق ببيع العقار المحفظ ، والذي لا مجال لتطبيقه ، واستبعدت الفقه الإسلامي الواجب التطبيق ، والذي يجيز في الأحوال الخاصة إثبات البيع بشهادة الشهود ، ومنها شهادة اللفيف " إلا أنه يشترط في هذه الشهادة أن يتوفر فيها المستند الخاص وهو حضور الشهود لتحديد المشهود فيه ، وأداء الثمن بمحضرهم ونفس الشيء يقال بالنسبة للصلح المتعلق بنفس العقــار والذي هو بمثابة البيع ، وكذا بالنسبة لإثبات القسمة ، وهو ما نص عليه المجلس الأعلى في أحد قراراته ، مسايرا في ذلك اتجاه الفقه في هذا المجـــــال . ويعتمد اللفيف على نطاق واسع في النزاعات العقارية ، كإثبات الحوز والإستمرار وعدد الورثــة ، وإحصاء المتروك ، وإثبات التملك(تراجع مجلة القضاء والقانون عدد : 146 وخاصة المقال المكتوب من طرف ذ/ إبراهيم بحماني رئيس غرفة بالمجلس الأعلى حول شهادة اللفيف ). ولعل الفرصة مناسبة لتسطير نموذج من رسم الملكية باللفيف .
ــ نموذج رسم الملكيـة باللفيف :
الحمد لله شهوده الموضوعة أسماؤهم عقب تاريخه يعرفون فلآن بن فلان الفولاني المعرفة التامة الكافية شرعا بها ومعها يشهدون بأن له وبيده وعلى ملكه مالا من ماله وملكا صحيحا خالصا له من جملة أملاكه الدار أو الجنان أو غير ذلك الكائن بموقع كذا حدوده كذا يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه وينسبه لنفسه والناس ينسبونه إليه كذلك مدة تزيد على عشرة أعوام سلفت عن تاريخه من غير منازع له في ذلك ولا معارض طول المدة المذكورة ، ولا يعلمون باعها ولا وهبها ولا صدقها ولا فوتها ولا فوتت عليه ، ولا خرجت عن ملكه بوجه من وجوه الفوت وأسبابه إلى الآن ، كل ذلك في علمهم وصحة يقينهم . " ومستند علمهم في ذلك " . وبمضمنه قيدت شهادتهم مسؤولة منهم لسائلها في كذا أسماء الشهود وعناوينهم وتعريفهم . ثم يكتب القاضي الثبوت هكذا : شهدوا لدا من قدم لذلك بموجبه فثبت " ثم يكتب العدل رسم التسجيل هكذا : الحمد لله اشهد قاضي التوثيق بثبوت الرسم أعلاه الثبوت التام بواجبه ، وهو حفظه الله بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر وفي التاريخ أعلاه .
وانطلاقا من هذا النموذج يتبين أن شروط الملكية سبعة وهي :
(1 ) وضع اليد أي الحوز .
( 2) المشهود به مال من أموال مالكه أي المشهود له .
(3) تصرف الحائز بمختلف أنواع التصرف الشرعي .
(4) النسبة أي كون المالك ينسب الشئ لنفسه والناس ينسبونه إليه كذلك .
(5) بيان مدة الحوز والتصرف
(6) عدم المنازع والمعارض طول تلك المـــــدة .
(7) عدم تفويت المالك للمشهود به لا باختياره ولا بسبب الحكم عليه بذلك .
وقد لخص الزقاق شروط الملكية بقوله :
يد نسبة طول كعشرة أشهـــــــر *** وفعل بلا خصم بها الملك يجتـــــــلا
وهل عدم التفويت في علمهم كما *** ل أم صحة للحي للميت فاا جعــــلا
ــ اللفيف وقانـــــــــون ل. ع . م :
ينص الفصل 418 من ق . ل .ع على أن الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك على الشكل الذي يحدده القانون، وتكون رسمية أيضا .
ــ الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم .
إذن فهذا القانون اعتبر الوثيقة العدلية وثيقة رسمية . كما نص الفصل 443 من نفس القانون ، على أن : " الإتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنفى أو تنقل أو تعدل الالتزامات أو الحقوق والتي تتجاوز فيمتها 250 درهما لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود ، ويلزم أن تحرر بها حجة أمام الموثقين أو حجة عرفيــــــة . وأن ق.م . م لم ينص على شهادة اللفيف ضمن مقتضياته وخاصة في الفرع الرابع المتعلق بالأبحاث .
كما أن القانون المنظم لخطة العدالة وتلقي الشهادة وتحريرها المنفذ بظهير 6 مايو 1982 لم يتحدث عن شهادة اللفيف ، وكذلك المرسوم المؤرخ في 28 . 04 . 83 بشأن تعيين العدول ومراقبة خطة العدالة وحفظ الشهادات وتحريرها لم ينص كذلك على شهادة اللفيف باسمها ، وانما نص فقط على الشهادة بصفة عامة ، حيث اعتبرها الفصل 30 من ظهير 06 . 05 . 82 شهادة رسمية . ولا ننس أن نشير في هذا الصدد ونحن نتحدث عن موقع اللفيف في القانون المغربي إلى أن ظهير حوادث السير الصادر بتاريخ : 02 . 10. 84 أحال على م . ح . ش فيما يتعلق بإثبات استحقـــــاق التعويض عن فقد مورد العيش أو التعويض المادي في صورة موجب الإنفاق وموجب الكفالة ، وهذا لا يتأتى إلا باللفيف .
ــ موقف الفقه من اللفيــــف :
إن موقف الفقه مختلف بخصوص شهادة اللفيف . ويمكن تلخيص هذا الموقف في اتجاهيـــــــــــــن :
الإتجاه الأول من أنصار اللفيف وينادي بكل قوة بالإ بقاء على شهادة اللفيف اعتبارا لأهميتها فـــــــي ميدان الإثبات ، ونظرا لكونها في أحايين كثيرة هي الوسيلة الوحيدة للإثبات كإثبات الوفاة وعدد الورثة . وهناك اتجاه آخر عكس الإتجاه الأول والذي يطالب بإبعادها من ميدان الإثبات لعدة اعتبارات في طليعتها انعدام الصلة بينها وبين الشريعة ، وانعدام الضمانات في مثل هذه الشهادات .
ــ موقف القضـــاة من اللفيف :
إن المجلس الأعلى الذي يجسد اجتهاد القضاء المغربي اعتبر في بعض قراراته أن اللفيف مجرد لائحة شهود ، وبالتالي ليست لها أي قيمة إثباتية ، وهذا الإتجاه يساير في نفس الخط مقتضيات ق.م.م المنظمة للاستماع إلى الشهود (1) ( منشور مجلة المحاماة عدد : 12 ص 80 رقم القرار 529 ـ 77 ) كما يتفق مع أحكام الشهادة في الفقه الإسلامي الذي يقرر أداء الشهادة في مجلس القضاء ، ولكنه في قرارات أخرى اعتبرها حجة شرعية ، يقول في أحد قراراته : شهادة اللفيف التي يتلقاها العدول نيابة عن القاضي وتسجل عليه هي بمثابة شهادة العدول في إثبات الحقوق ، وليست مجرد لائحة شهود ( قرار عدد 354/87 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد : 40 ص : 149 . وحبذا لو أن المجلس استقر في اجتهاده بهذا الخصوص على منحى واحد . حتى لا تكون هناك بلبلة على مستوى محاكم الموضوع بل وحتى على مستوى المجلس الأعلى نفسه مما ينعكس ذلك سلبا على حقوق المتقاضين ومصداقية العــــــدالة .
المحـــــــور الثالث :
ــ الآفاق المستقبليــــة للفيـــــف :
كما سبق ذكره أن هناك من يعارض اللفيف ويطالب بإلغائه وهذا التيار كما رصده بعض الباحثين قلة دون أن يقدم بديلا . طالما أن شهادة اللفيف لا أساس لها من الشرع الحكيم الذي يشترط العدالة في الشاهد " وأشهدوا ذوي عدل منكم " كما أن الظروف التي استوجبتها لم تعد قائمة الآن ، ومن أنصار هذا الإتجاه الدكتور احمد الخمليشي في كتابه التعليق على ق . ح. ش . الجزء الأول صفحة 174 الذي يرى أن أداء الشهادة يجب أن تكون أمام القاضي وبعد أداء اليمين القانونية ، وتمشيا مع نفس الإتجاه أشار في نفس المرجع صفحة 175 إلى أنه لا يجوز للمحكمة استنادا إلى الإستثناء المشار إليه في الفصل الخامس من م . ح . ش . أن تحكم بصحة زواج أبرم في ظروف كان في إمكان المعنيين بالأمر الإشهاد به أمام العدلين ، حتى ولو ثبت لديها الزواج بحجة قاطعة غير الإشهـــــــاد ". وهناك تيار آخر يرى أن شهادة اللفيف جديرة بالإبقاء عليها والمحافظة على كيانها ووجودها باعتبار أنها تكاد تكون هي الوسيلة الوحيدة لاثبات بعض الحقوق أمام عدد كثير من الإدارات وكذا القضاء ، مثل إثبات الموت وعدد الورثة ، فلإثبات الصفة في دعاوي القسمة لابد من الإدلاء برسم الإراثة وإلا قضى بعدم قبول الدعوى شكلا لانعدام الصفة طبقا لمقتضيات الفصل الأول من ق.م.م وهو الإتجاه الذي أكده المجلس الأعلى في عدة قرارات كما أن هذه الحجة أي اللفيف يلجا إليها الناس أحيانا لتحصين حقوق لم يثر بشأنها نزاع بعد ، وهم بعملهم هذا يحتاطون من وفاة الشهود الذيــــن علموا مما لم يعلمه غيرهم من جهة ، وتحسبا لكل نزاع محتمل ، من جهة أخرى ( انظر مجلــــــة رابطــــــة القضاة عدد : 16 ـ 17 ما رس 86 ) وخاصة المقال المكتوب من طرف ذ/ أمحمد امغار بعنـــــوان شهادة اللفيف واعتمادها كحجة إثبات .
ــ إعادة النظر في شهادة اللفيف :
لا مراء أنه لا أحد ينفي ما تسببه شهادة اللفيف من مشاكل ومتاعب سواء على صعيد الأشخاص أو الممتلكات والحقوق ، الأمر الذي حدا ببعضهم إلى القول بنزع القيمة الإثباتية للفيف دفعة واحدة نظرا للعيب الذي تتسم به ،إلا أن هذا الرأي ينطوي على كثير من المحاذير وبالتالي ينعكس سلبا على كثير من حقوق ، الناس وسيؤدي بنتائج ضارة بالأفراد ، كما أن القول في نفس الوقت يترك شهادة اللفيف تهيمن على الميدان ، ويكون لها القدح المعلي في الإثبات ينطوي كذلك على نفس المحاذير إن لم اكثر اخطر وأقدح ، وبناء على كل هذا انبرت بعض الأصوات من هنا وهناك تنادي لإبعاد اللفيف وإقصائه بصفة مطلقة ولا لتركه سيدا لموقف ، وإنما بإعادة النظر في هذه الشهادة وفي كيفية إقامتها بطريق يمنع قدر الإمكان التلاعب بواسطتها في حقوق الناس مالية كانت أم غير مالية ومن أنصار هذا الرأي ذ/ احمد امغار في نفس المقال المشار إليه أعلاه حيث يقول : إن شهادة اللفيف كوسيلة إثبات دخلت حياتنا التعاملية سواء القضائية أو الإدارية ، وأن الذين يدعون إلى إلغاء شهادة اللفيف ، والإستعاضة عنها بالإستماع إلى الشهود أمام المحكمة ، وبعد اليمين ، ربما نسوا ان الحجة اللفيفية ، تكاد تكون هي الوسيلة الوحيدة لاثبات بعض الحقوق أمام الكثير من الإدارات نذكر من ذلك إثبات الموت وعدد الورثة ،كما أن هذه الحجة يلجا إليها الناس أحيانا لتحصين حقوق لم ينشب بشأنها نزاع بعد ، وهو يفعلون ذلك خشية وفاة الشهود الذين علموا ما لم يعلمه غيرهم من جهة ، وتحسبا لكل نزاع مستقبلي من جهة أخرى ، لذلك نرى يضيف نفس الكاتب ، أن الحل السليم هو إعادة النظر في كيفية إقامة شهادة اللفيف ، بطريق يمنع قدر الإمكان التلاعب والتساهل بشأن حقوق الناس " انتهى . ونعتقد أن هذا الرأي هو عين الصواب ، فالإستغناء عن اللفيف جملة وتفصيلا وبصفة نهائية ومرة واحدة سيحدث هزة في ميدان الإثبات وسيزلزل كثيرا من الحقوق خصوصا في الوقت الراهن ، كما أن ترك اللفيف يصول ويجول في معمعة التوثيق من شأن ذلك إحداث أضرار بالغة ، هذا في الوفت الذي يسوغ فيه القول أنه من الممكن الحد من غلوائه إن صح التعبير وبصفة تدريجية بعد وضع تصور مستقبلي للحدمنه على الأقل إن لم نقل إقصاه نهائيا ، بمواكبة تدخلات من قبل المشرع وسن أحكام في هذا الميدان تبعد اللفيف وفي نفس الوقت تجعل حقوق الأفراد وممتلكاتهم في مأمن من كل ضياع ، منها مثلا :
تعميم كتابة عقود الزواج ، فمن المعلوم أن المشرع المغربي استلزم توثيق عقد الزواج بمقتضى نص خاص معروف ولم يعد يسمح .بإثبات العلاقة الزوجية بواسطة البينة أي اللفيف إلا على وجه الإستثناء ، وقد مضت عقود من الزمن على تاريخ إصدار مدونة الأحوال الشخصية ( 1958 )ومع ذلك مازالت كثير من حالات الزواج لا تبرم أمام العدول المنتصبين للإشهاد ، وإنما يكتفي فيهـــــــا بالإشهار أو بدونه وبدون إشهاد العدلين ، مما جعل كثيرا من الباحثين والنقاد يتساءلون إلى أي مدى يمكن أن يستمر العمل بحالة الإستثناء في الوقت الذي انعدم فيه المبرر لبقائها ، خصوصا وأن العدول حاليا يغطون كامل التراب الوطني ، ويرون أنه لآيكفي لتنظيم عقود الزواج النص في مدونة الأحوال الشخصية على وجوب إبرامها أمام العدول ، بل بالإضافة إلى هذا تقريرجزاء جنائي على من يخالف هذه المقتضيات من الزوج أو الولي وكذا الزوجة كما يرى ذلك الدكتور الخمليشي وأن تعميم سجلات الحالة المدنية لجميع المواطنين مع تضمين عقود الأبناء بيانات عقد زواج الأبوين لمن شأنه أن يساهم بدوره في إقصاء اللفيفيات المتعلقة بالوفاة ، كما أن التحفيظ العقاري لمن شأنه أن يساهم بقسط أوفر في إبعاد اللفيفيات المتعلقة بإثبات الملك . طالما أن العقار المحفظ لا يحتاج إلى مثل هذه اللفيفيات التي مرتعها الخصب العقار غير المحفظ ، ومن أجل تحقيق هذه الغاية يتعين تشجيع الملاك وتحفيزهم على تحفيظ عقاراتهم .
ولا يفوتنا أن نشير إلى ما ورد في الفصل السادس من المنشور رقم : 14714 المؤرخ فــــــــــــي 03 . 11 . 59 من أنه يجب على القضاة أن لا يسند وا تلقي الملكيات وتحريرها إلا للعدول العارفين النبهاء الذين يعرفون فقه الوثيقة وأحكامها وتراكيبها ."
كما نصت الفقرة الرابعة من الفصل السابع من المنشور السالف الذكر على أنه :
لا يتلقى من اللفيف الاحذاق العدول العارفين ، لأن السماع من اللفيف موكول إلى أهل التبريز ، في العدالة العارفين بما تصح به شهادة اللفيف ، كما نصت الفقرة الخامسة من نفس الفصل على أنه يجب على القضاة ألا يأذنوا في تلقي أي شهادة لفيفية ، إلا بعد التثبت والبحث واستفسار طالبها عن جميع المعلومات والمقاصد والوجوه المحتفية بالقضية ، ونصت الفقرة السادسة منه على أنه لا يسوغ للعدول بتاتا أن يشرعوا في تلقي (في تلقي) أي شهادة لفيفية إلا بعد صدور إذن خاص من القاضي بذلك . وبناء على مقتضيات هذا المنشور هناك من ينادي بالعودة إلى الأخذ بنظام الإذن في إقامة اللفيفيات ، بحيث لا يؤذن في إنجازها إلا بعد قيام القاضي المكلف بالتوثيق بجميع التحريات اللآزمة ، ولعل في ذلك في رأي هؤلاء حماية للعدول أنفسهم مما يلاقونه من الويلات والمتاعب وكيد الكائدين بخصوص هذه اللفيفيات ، علاوة على أن من شأن ذلك صيانة حقوق الناس قدر المستطاع وضمانا لسلامة الوثائق العدلية من أي شك أو ريب ، وكسبا في ذات الوقت لمزيد من ثقة المواطنين ، وحدا من تلاعبات بعض المتلاعبين من الشهود ، وذلك على غرار الشهادة العلمية التي ينص قانون خطة العدالة بعدم إنجازها إلا بعد صدور إذن خاص من القاضي ، وأن تسند هذه الشهادات إلى العدول الذين تتوفر فيهم كفاءة معينة كما يرى ذلك ذ/ ابراهيم بحماتي رئيس غرفة بالمجلس الأعلى في مقاله عن اللفيف المنشور بمجلة القضاء والقانون عدد : 146. ونعتقد انطلاقا من الواقع العملي أن جل العدول إن لم نقل كلهم مؤهلون لتلقى مثل هذه الشهدات نظرا للدراية التي يتمتعون بها والخبرة التي اكتسبوها ، خلال عملهم في ميدان التوثيق . وطالما أنهم من ذوي الكفاءة والشهادات الجامعية العليـا وبالتالي فالكفاءة اللازمة العلمية ، والأدبية متوفرة في أغلبهم إن لم نقل في كلهم ، لذا فإسناد إنجاز الشهادة اللفيفية للبعض منهم دون الآخرين حسب الرأي المشار إليه سلفا من شأنه أن يثير الحساسيات والتعليقات ، ميدان التوثيق قي غنى عنها . هذا وأن استفسار الشهود تزكية لشهادتهم بمقتضى رسم آخر أمام عدلين آخرين غير العدلين اللذين حررا رسم الشهادة من الأهمية بمكان قصد ضمان صحة شهادة الشهود ، بالدرجة الأولى ، وهذه العملية ، أي استفسار الشهود ليس من شأنها بطبيعة الحال أن تنال بأي وجه من الوجوه أو تقدح في مصداقية العدول في تقييد ما يقال أمامهم ، كل ما في الأمر، أن ذلك يعتبر تأكيدا لشهادة الشهود وإضفاء الحجية عليها بل وحماية لمن أنجزها من العدول قبل كل شــئ آخــــــــــــــــــر .
وفي الختام ، لا يفوتنا أن نشير إلى أن شهادة اللفيف حاليا في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى تقنين قواعدها وأحكامها وكذا تحديثها بشكل يتلاءم والمستجدات الظرفية ، وفق ضوابط معينة ، كما ينبغي تحديد مجالاتها التي يجب أن تكون فيها حتى لا تتعداها إلى سواهــــــا .
ومن شأن تحقيق هذه الغاية ، وتقنين هذه الشهادة في قانون واضح المعالم تكريس لأهميتها وإزالة ما علق بأذهان الناس من عدم الإطمئنان تجاهها ، وما ذلك على المشرع المغربي بعزيز
ومعلوم أن شهادة اللفيف شغلت الناس ولاسيما المهتمين ومن له صلة خاصة في المغــــرب قديما وحديثا ، وملأت الساحة ، واختلفت بشأنها الآراء وتباينت حولها الأفكار. وإني سأتناول هــــذا العرض المتواضع في أربعة محاور بعد نظرة أو مقدمة عن الشهادة بصفة عامـــــة .
ــ المحور الأول : سأتناول فيه شهادة اللفيف وشروطها وقواعدها والحكمة منها والأسباب الداعية لها ، وشكلها وإشكالياتها .
ــ المحور الثاني : سأتطرق فيه لشهادة اللفيف والقانون المغربي وخاصة في ميــــــــــدان الأحوال الشخصية ، في ميدان العقار غير المحفظ، وقانون الالتزامات والعقود المغربي ، وموقــف الفقه والقضاء من اللفيف .
ــ وفي المحور الثالث : سأتحدث عن الآفاق المستقبلية للفيف وكيفية إعادة النظر فيــــه وتفصيـــــــلا .
نظرة عن الشهادة بصفة عامــــــة :
الشهادة في اللغة كما يقال معروفة ولا تحتاج إلى تعريف .
أما في الإصطلاح فقد قيل عنها بحق أنها أهم وسيلة لإثبات الحقوق على اختلاف أنوا عها ومشاربها مالية كانت أم غير مالية ، طالما أن هذه الشهادة متاحة في جميع الحالات ومسيرة في شتى الظروف وفي متناول أي شخص أداها أمام القضــــــاء .
وبالتالي الحكم بموجبها . وتكون من معروف لمعرف في معروف طبقا لتعبير الفقهاء . ومصدرهـــا الأساسي هو الشريعة الإسلامية المجسدة في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة ، ونظرا لخطورتها وجسامتها فقد تم اشتراط العدالة في الشهود . والقرآن الكريم أتى بأرقي وأسمى مبــــــادئ الإثبات في العصر الحديث وذلك في أية المداينة كما يرى الدكتور إدريس العلوي العبدلاوي فـــــــي كتابه " وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي الجزء الأول الطبعة الأولى صفحة 130 ، قـــــال تعالى : " ياأيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ، وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا، فان كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا اولا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ، واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكراحداهما الأخرى ولا باب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم اقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى الا ترتابو الا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح الا تكتبوها، واشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وأن تفعلوا فانه فسوق بكم ، واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم ، وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة، فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه والله بما تعلمون عليم "
ومعلوم أن الشريعة اشترطت عددا معينا من الشهود حسب نوع القضايا وتبعا لخطورة النتائج المترتبة عن هذه الشهادة ، ففى إثبات الزنا لابد من شهادة أربعة عدول بقول الله تعالى في كتابه العزيز : " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون " وشهادة عدلين في سائر الأمور باستثناء الزنا وهو ما اتفق عليه الفقهاء تأسيسا على قوله تعالى : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " أو شهادة رجل وامرأتين بخصوص الأموال وما يؤول الى المال كالبيع والرهن والصلح استنادا إلى قوله تعالى : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان مما ترضون من الشهداء " وشهادة امرأتين دون رجل وذلك فيما لا يطلع عليه الرجال كالحيض والنفاس والحمل ، وشهادة رجل مع يمين في أحوال خاصة ، وشهادة امرأتين مع يمين في الأموال أو ما يؤول إليها . وشهادة الصبيان في الجرح والقتل الذي يقع بينهم ، علما بأن ابن عاصم تظم هذه الشهادات على النحو الآتـــــــــــي :
تختص أولاها على التعييــــــــــن *** أن توجب الحــــق بلا يميـــــــــــن
ففي الزنا من الذكور أربعــــــــــــة *** وما عدا الزنــــى ففي اثنين سعـــة
ورجل بامرأتين يعتضـــــــــــــــــد *** في كل ما يرجع للمال اعتمــــــــــد
وفي اثنين حيث لا يطلـــــــــــــــــع *** إلا النساء كالمحيض مقنــــــــــــــع
وواحد يجزئ في باب الخبـــــــــــر *** واثنان أولى عند كل ذي نظـــــــــر
وبشهادة من الصبيان فــــــــــــــي *** جرح وقتــــــل بينهم قد اكتفـــــــــى
وشرطها التمييز والذكــــــــــــــورة *** والاتفاق في وقوع الصــــــــــــورة
من قبل أن يتفرقوا أو يدخــــــــــــلا *** فيهم كبير خوف أن يبــــــــــــــدلا .
أنواع الشهادات باعتبار إسنادهـــــــــــــا :
هناك نوعان من الشهادات انطلاقا من اسنادهـــــــــــــــــا :
شهادة أصلية وشهادة استرعائيـــــــة .
ــ الشهادة الأصليــــــة :
هي التي يكون مضمنها وموضوعها من إملاء المشهود عليه ويقتصر فيها دور العدلين الشاهدين على تسجيل ما يسمعانه فقط ، وبعبارة أخرى ، فالشهادة الأصلية هي التي يكون مصدر المعرفة فيها هو المشهود عليه ، وتنطبق هذه الشهادة على جميع الإتفاقات والإشهادات والعقود المتبادلة من بيع وكراء ومعاوضة ووصية ، كان يقول المشهود عليه للعدلين اشهدا علي بأنني وهبت أو تصدقت أو تزوجت فيكتب العدلان :
الحمد لله اشترى فلان .. أووهب أو تصدق ..
ــ الشهادة الإسترعائيــــة :
وهي شهادة الشاهد بما في علمه مما سمعه من المشهود عليه أو حضرله أو بلغه عنه بصفة عامة عن طريق المخالطة والمجاورة والإطلاع دون أن يقول اشهد علي ، وتصدر بالعبارة التالية مثلا : يشهد الواضعان شكليهما أسفله عقب تاريخه . وشهادة اللفيف تندرج ضمن هذا النـــوع من الشهـــــــــادة .
من أراد التوسع فليراجع كتاب وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي للدكتور محمد ابن معجـــــــــــوز .
المحـــور الأول :
ــ شهادة اللفيــــف :
اللفيف في اللغة هو الجمع أو الخليط يقال طعام لفيف أي مخلوط وجاء القوم بلفيفهم أي بجماعتهم وأخلاطهم ، وإبن منظور في كتابه لسان العرب توسع في معنى اللفيف وأورد لهذا اللفظ عدة معان لا داعي للتطرق لها هنا .
وفي الإصطلاح : يطلق شهود اللفيف على صورتين : الأولى أن يشهد بالأمر عدد من الناس يحصل مع خبرهم العلم لاستحالة تواطئهم على الكذب عادة كشهادة مجموعة من الناس برؤية الهلال ولا يشترط في شهادة هذه الصورة العدالة والذكورة والإسلام . والصورة الثانية من اللفيف هي شهادة من لا يحصل بخبرهم العلم وهذا ما جرى به عمل المتأخرين ، وقد أطلقت الكلمة على سبيل المجاز على الوثيقة التي تضمن بها شهادة عدد من الناس هم في الغالب اثنا عشر ، ويطلق عليها كذلك البينة إلا أن هذه الأخيرة أعم وأشمل باعتبار أنها تدل على كل ما يبين الحق ، ويظهره ، يقول الرسول (ص) : البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، وكذلك يقول : " ألك بينة " ؟ والمقصود بالبينة الشهود وغير ذلك .
إذن فشهادة اللفيف شهادة عدلية ، ليست من المشهود عليه ، ولا من إملاء العدل الكاتب ، وإنما هــي من إملاء مجموعة من الناس العاديين ، أي مطلق الناس بما لهم من علم ومعرفة حول واقعة معينة، أما بمقتضى مستند عام كالمخالطة والمجاورة والإطلاع على الأحوال ، وإما بمقتضى مستند خاص كالمشاهدة والمعاينة . وقد كان الإثبات في الفقه الإسلامي في العصور الأولى للإسلام يعتمد أساسا إما على شهادة عدلين أو شهادة عدد كثير من الناس لا يتصور تواطؤهم وإجماعهم على الكذب ولا وقوعهم في الغلط ، إلا أنه وبمضي الزمن وضآلة الوازع الديني وفقدان المروءة والمصداقية إلى حد كبير، علاوة على قلة العدول ، أخذ الفقهاء لاسيما فقهاء الأندلس والمغرب مع بداية القرن العاشــــــر للهجرة حسب ما يرى كثير من الباحثين ، يتساهلون في قبول شهادة عموم الناس حرصا على مصالحهم وصيانة لحقوقهم من الضياع .
ــ شروط شهادة اللفيف وقواعدهـــا :
أما م قبول شهادة مطلق الناس نظرا لظروف خاصة مستجدة في المجتمع الإسلامي خصوصا في الأندلس والمغرب ، لم يعد الفقهاء يشترطون في شهود اللفيف إلا ستر الحال فقط أي انعدام السوابق المشينة التي تحط من قدر الشاهد، يقول الناظم في هذا الصدد :
ولابد في الشهــــــود في اللفيــــــف *** من ستر حالهم على المعــــــــــروف
وأن يكون أفراده من الرجال ، وقد أفتى العلماء أن اللفيف من النساء لا يقضى به ولو بلغ عددهــــــن المائة ( تراجع مجلة رابطة القضاة عدد : 16 ـ 17 صفحة 23 ) . ومعلوم أن المشهور في المذهب المالكي أن من فقد شروط العدالة ، أو أحدها لا تقبل شهادته ولو في بلد لا عدول فيه يقول ابن عري في أحكام القرآن : إذا كانت قرية ليس فيها عدول، وبعد وعن العدول فالذي عليه الجمهور أن لا تجوز شهادتهم لبعضهم بعضا ، يراجع كتاب وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي صفحة 234 للدكتور محمد ابن معجوز .
إلا أن المتأخرين من المالكية أجازوا شهادة غير العدول ( نفس المرجع صفحة 236 ) .
وقد أحدث المالكية قواعد لقبول شهادة غير العدول ، وأوجبوا أن تأتي تلك الشهادة على شكل معين يتلخص في أن عددا معينا من الرجال من غير العدول يدلون بشهادتهم إلى عدل أو عدلين فيقيد هذا العدل أو العدلان مضمن ما شهد به هؤلاء على نحو معين وطبق شروط وضوابط خاصة، وبذلك تغدو تلك الشهادة بينة يجوز للقاضي أن يحكم بموجبها ، وغالبا ما يكون عدد هؤلاء الرجال هو أثنا عشر رجلا، ويقول الفقهاء إن الإقتصارعلى اثني عشر رجلا في عدد اللفيف لا يرجع إلى نص خاص معين ، وانما أخذ من التواتر ، أي من القول الأوسط في عدد التواتر ، ذلك أن العلماء اختلفوا في العدد الذي يحصل به التواتر، والقول الأوسط من تلك الأقوال المختلفة ، هو ذلك الذي يقول باثتي عشر، ومن ثمة رأى الفقهاء أن يكون عدد اللفيف اثني عشر رجلا رعيا للقول الأوسط في التواتر ،( مجلة رابطة القضاة عدد 16 ـ 17 ص 22 وفيما يتعلق بالترشيد والتسفيه فالأمر يتطلب المزيد من الشهود ( ثمانية عشر شاهدا ) ففي العمل :
وقدره في الغالب اثنا عشــــــــــر *** وزد لك الرشد وفد اكثـــــــــرا
أما إذا نقص العدد عن اثني عشر فلا يعد لفيفا ، وإنما سمي تلقية وتحتاج في تزكيتها إلى اليمين فيما يكون موضوعه المال أو يؤول إلى المال .
وتجدر الإشارة إلى أن العمل الذي كان جاريا به بفاس حسب كتب النوازل هو أن سماع الشهود يتم من قبل عدل واحد ، في حين أن الشهادة على القاضي تتم من قبل عدلين ، وذلك خلا فا لما جرى به العمل بتطوان ومراكش من أن التلقى للشهادة لا يتم إلا عن طريق ، عدلين كما هو الشأن بالنسبــــــة للإشهاد على القاضي ، وإلى ما جرى به العمل بفاس أشار ناظم العمل بقولـــــه :
والعدل يكفى في سماع البينـــــــــة *** من اللفيف فتراها بينــــــة
أما فيما يتعلق بقانون خطة العدالة فقد حسم الأمر حينما اشترط التلقي الثنائـــــــي .
ومن شروطها أيضا الاستفسار، ويقال له الإستفصال ، ويكتب في رسم مستقل على يد عدلين آخرين وبإذن القاضي ، والاستفسار هو بمنزلة التزكية ، وأن يجري داخل ستة أشهر عن أداء الشهود لشهادتهم وفي العمل الفاسي :
وستة الأشهر حـــــد استفســــــــار *** البينا ت قاله في المعيــــار
وقد تأتي شهادة الشهود متطابقة ، مع ما شهدوا به سابقا ، وقد تأتي مخالفة لما شهدوا به ولكل حالة نموذج خاص ، وأول من قام به هو القاضي محمد بن أحمد بن عبد المالك القشتالي كما في جاء العمل المطلـــــــــــق .
العمل الآن لأهـــل فـــــــــــــــاس *** على شهادة لفيف النـــــــاس
كذلك تابعــــــوا على استفصــــــال *** البينات القاضي القشتالـــــي
وقواعد الإستفسار كثيرة منها مقارنة كلام الشهود بما كتب في الرسم الأول عن مدى مطابقة شهادتهم وتبيان ما يمكن أن يكون في الرسم من إبهام أو إهمال في شهادة الشاهـــــــد .
ولم يقف الفقهاء الأقدمون عند حد استفسار شهود اللفيف عن شهادتهم ، بل ذهبوا إلى المطالبة بتحليف هؤلاء الشهود لفساد الزمـــــــان . وقد جاء في العمل الفاســــــي :
وحلف ابن سودة الشهـــــــــــود *** من اللفيف لفجــــــور زيــــــدا
ولا يغرب عن بالنا أن من شروطه كذلك أي اللفيف ، أن لا يشهد شهوده في شئ اعتاد الناس توثيقه وتحصينه لدى العدول ، أوفي حالة وجود هؤلاء كيفما كان نوع المعاملة ، لأن شهادة اللفيف لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة والاقتضاء ، مع العلم أن الضرورة ينبغي أن تقدر بقدرها .
ــ الحكمة من اللفيف والأسباب الداعية لـــــه :
إن الحكمة من اللفيف تتجلى في الضرورة المبررة له ، وذاك عند عدم توفر العدول في كل نازلة ، وتجنبا لإرهاق الشهود بالتنقل إلى مجلس القضاء الذي كثيرا ما يكون نائيا عن مقر سكناهم أخذا بقوله تعالى : " ولا يضار كاتب ولا شهيـــــد ".
باعتبار أن بعض الحوادث قد تحدث صدفة في مكان معين لا عدول فيه ، فتكون الضرورة تبعا لذلك مدعاة على قبول شهادة مطلق الناس وعامتهم ممن حضروا الواقعة أو عايشوها ، حتى لا تتعـــرض الحقوق ـ التي يحرص الدين الإسلامي الحنيف على صيانتها وحفظها ـ للضيـــــاع .
ــ شكــــل اللفيـــــــف :
إن شكل اللفيف طبق ما جرى به العمل هو أن يأتى المشهود له باثني عشررجلا كيفما اتفق له بافتراق أو اجتماع إلى عدلين منتصبين للإشهاد يؤدون شهادتهم التي جيء بهم من أجلها عندها يكتبانها العدلان في وثيقة استرعائية ، كيف أدوها وعلى الطريقة التي سمعاها منهم بألفاظ لا اجمال فيها ولا لبس ، مع توضيح المستند والتاريخ وعقب التاريخ توضع أسماء الشهود في عمودين ثم يكتب اسفل ذلك رسم آخر فيه تسجيل القاضي ابيضا يطالع القاضي فيكتب بخطه تحت أسماء الشهود العبارة التقليدية الشهيرة " شهدوالدا من قدم لذلك بموجبه فثبت " وهناك من يضيف وأعلم به ، ويضع علامته في موضع البياض ، ثم يضع العدلان علامتهما عقب الرسم الثاني شهادة على القاضي لصحته .
هنا يتعين الوقوف ولو قليلا للقول بأن عبارة شهدوا لدا من قدم لذلك بموجبه فثبت معناها : أي أن اللفيف المسطرة أسماؤهم أعلاه أدوا شهادتهم عند العدل الذي قدمه القاضي لسماع الشهادة الذي هو أهل لها وتحقق أداء اللفيف عنده أي عند العدل ، ولفظ لدا بمعنى عند تكتب بالألف الممدودة بخلاف لدى بمعنى في فتكتب بألف مقصورة بقول الناظــــــم :
واكتب لدا بمعنى عند بالألف *** أما بمعنى في فبالياء عرف
يراجع في هذا الصدد كتاب التدريب على تحرير الوثائق العدلية لآبي الشتاء الصنهاجي الجزء الأول وقد صدرت عدة مناشير وزارية ( وزارة العدل ) تهم الوثيقة بصفة عامة واللفيف بصفة خاصة من بينها المنشور رقم 14714 الصادر بتاريخ : 03 . 11 . 59 الذي حدد ضوابط اللفيف.في عدة نقط منهـــــا :
ــ يجب أن تكون مستفسرة لا إجمال فيها ولا لبس .
ــ ويجب أن لا يتلقاها إلا حذاق العدول العارفين وأهل التبريز في العدالة .
ــ ويجب على القضاة ألا يأذنوا في تلقيها إلا بعد التثبت والبحث واستفسار طالبها عن جميــــــــــع المعلومات والمقاصد .
ــ ولا يسوغ للعدول أن يشرعوا في تلقي أي شهادة لفيفية إلا بعد صدور إذن خاص من القاضي بذاــــــــك .
كما صدرت لاحقا عدة مناشير تخص بعض الأنواع من اللفيفيات مثل المنشور عدد : 226 حول التثبت من إقامة اللفيفيات بخصوص إثبات السن والمنشور عدد 818 المؤرخ في 11 .07 .1978 بشأن مراقبة التفويتات في الأوقاف المعقبة ، والذي حث القضاة المكلفين بالتوثيق وأهاب بهم على إثارة انتباه العدول إلى التزام جانب التحري التام في شهادة اللفيف بصفة عامة وفي عمليات تفويـــت الأملاك المحبسة حسبا معقبا بصفة خاصـــــة .
ــ إشكاليات اللفيـــــف :
غير أننا نلاحظ أنه وقع تساهل في هذا الميدان حتى أصبح أداء اللفيف شهادته عند كافة العدول ، ودون إذن من القاضي . وبذلك اختل أمره وطال الفساد بعض وثائقه بل وأنها أصبحت محل رجوع في الشهادة حاليا وشكاية من طرف من يهمه الأمر ، إما من طرف المشهود له أو المشهود عليه أو من طرف الشهود أنفسهم ، وغدت كثير من اللفيفيات معروضة أمام المحاكم وخاصة الجنائية منها بناء على متابعات النيابة العامة أو بمقتضى شكاية مباشرة ، بسبب الطعن فيها بدعوى زوريتها أو بتحريفها عن هدفها فالإراثة قد حولت إلى ملكية ، ولفيف الحيازة تحول إلى ملكية بشروطها المعلومة على سبيل الإضافة والزيادة ، الأمر الذي يعرض العدول لكثير من المشاكل والمضايقات بل والمتابعات بسببها ، مما جعلهم يتذمرون من هذه الوضعية ، ويطالبون بإلحاح بإيجاد حل لهذه المعضلة والقضاء على هذه الإشكالية ، وعلى هذا الأساس تعالت أصوات من طرف بعض العدول بخصوص هذا الشأن ، فمثلا نشرت إحدى الجرائد الوطنية ، وبالتحديد جريدة الإتحاد الاشتراكي في عددها 6381 وتاريخ 28 . 01 . 2001 تعليقا في هذا الصدد لأحد العدول التابعين لهيئة الدار البيضاء تحت عنوان : " خطة العدالة بين مطرقة التحقيق وسندان اللفيف " وعنوان المقال يدل على مضمونه دلالة واضحة فقد ركز فيه على معاناة العدول من جراء اللفيف ، كما نشر نفس العدل وفي نفس الجريدة بتاريخ 6 مايو 2001 عدد : 6478 مقالا تحت عنوان : " خطة العدالة وعاصفة اللفيف ، والعدل يبحث عن عدل " تحدث فيه أيضا عن محنة العدول بسبب إقامتهم للفيفيات ، والمتابعات التي يتعرضون لها بسبب إقامتهم لهذه اللفيفيات ، داعيا في ختام مقاله هذا إلى إصلاح خطة العدالة ، حتى يتسنى للعدول القيام بمهمتهم وأداء واجبهم في هذا المضمار على الوجه المطلوب . ونشير بالمناسبة إلى أن السيد وزير العدل وفي برنامج حوار مفتوح الذي بثته القناة الأولى بتاريخ : 03 . 12 . 2002 ذكر بأن مشروع قانون خطة العدالة يوجد قيد الإعــــــداد .
المحــــــور الثانــــــــي :
ــ اللفيف والقانـــــــون المغربــــــــي :
أ ـ في ميدان الأحوال الشخصيـــــة :
نجد أن المشرع المغربي في ميدان الأحوال الشخصية اعتبر اللفيف كحجة إثباتية لبعض الحقوق فمثلا بالنسبة للزواج ، ينص الفصل الخامس من م.ح.ش. وخاصة الفترة الرابعة منه على أنه يجـــوز للقاضي بصفة استثنائية ـ سماع دعوى الزوجية واعتماد البينة الشرعية في إثباتهـــــا.
والمقصود بالبينة الشرعية كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مقدمة العرض كل ما يبين الحق ويظهره ، واللفيف في طليعة ذلك .
ومعلوم أن الأصل في الزواج هو أن يبرم بشأنه عقد صحيح مستجمع لسائر أركانه وكافة شروطه أمام العدلين ، وذلك تطبيقا لمقتضيات الفقرتين الأولى والثانية من الفصل الخامس المذكور حيث جاء في الفقرة الأولى ما يالي : " لا يتم الزواج إلا برضى الزوجة وموافقتها وتوقيعها على ملخص عقد الزواج لدى العدلين " وجاء في الفقرة الثانية : يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين عدلين سامعين في مجلس واحد الإيجاب والقبول من الزوج أو نائبه، ومن الولي " ويتجلى من هذا كله أن عقد الزواج لا يصح إلا إذا ابرم أمام عدلين منتصبين للإشهاد به ، ومع ذلك فانه ما زالت حالات كثيرة لا تتقيد بمضمون ما ذكر بل تسجل إبرام النكاح اكتفاء بحضور جماعة من المسلمين أو ما سمي " بالفاتحة " لأسباب كثيرة منها أن كثيرا من سكان البادية وحتى البعض منهم في الحواضر يستغنون عن إحضار العدول وهم بصدد الزواج اعتقادا منهم بأن إشهار الزواج فيه الكفاية ، كما أن العادة المستحكمة في نفوس هؤلاء تلعب دورها ، علاوة على بعد العدول عن مقر سكنى الزوجيـن ، علما بأن السبب لم يعد قائما الآن ، لكون العدول أضحوا يغطون كامل التراب الوطني بدون جدال ولا ننسى جهل البعض لأهمية عقد الزواج وكتابته في ابانــــــه .
ولعلاج مثل هذه الحالات ، أجاز المشرع المغربي بصفة استثنائية.
ــ سماع دعوى الزوجية ، واعتماد البينة الشرعية في إثباتها ، وهذا الإستثناء لا يجوز التوسع في تفسيره ، كما لا يسوغ الإستجابة لطلب إقامة لفيف بثبوت الزوجية إلا بتوافر حالة الإستثناء ، والنص عليها صراحة بالرسم حتى يمكن لمحكمة الموضوع تقييم صحتها : مثل تعذر وجود العدول ، وفي هذا الإتجاه سار المنشور الصادر عن وزارة العدل عدد : 383 بخصوص شهادة ثبوت الزوجية الذي أشار إلى أن المشرع المغربي حينما جعل من عقد الزواج عقدا رضائيا شكليا ، فانه قصد بذلك أن ينقذ الأسرة المغربية مما كانت تتخبط فيه من مشاكل اجتماعية وعائلية التي كثيرا ما كانت تنجم عن عدم الإشهاد بالعقد ، الأمر الذي يسهل معه التملص من التزامات الزواج، خصوصا إنكار ونفي علاقة الزواج كما كان لا يتأتى معه ادعاء الزوجية تأسيسا على بيانات لا يطمأن إلى صحتها . من أجل هذا يضيف المنشور الآنف الذكر ، ارتأى المشرع إرساء دعائم الأسرة المغربية على أسس ثابتة ، وذلك بإحاطة عقد الزواج بشروط معينة وأوكل مهمة الإشهاد على ذلك . إلى العدول المتنصبين للإشهاد . لذا يتعين على العدول أن لا يتلقوا شهادة اللفيف المتعلقة بثبوت الزوجيـــة إلا إذا توافرت الظروف التي تشكل حالة الإستثناء ، حتى لا تتعرض شهادتهم للإلغاء من طرف قضاء الموضوع، والتنصيص عليها في مستهل شهادتهم ، وقد تواتر اجتهاد المجلس الأعلى في هذا الإتجـاه حيث ورد في قرار له ما يلي : " لا تسمع دعوى الزوجية اعتمادا على البينة إلا بصفة استثنائية ، يجب على المحكمة أن تبين حالة الإستثناء وألا تعرض حكمها للنقض ".
ولا ينكر أحد الأهمية لاقامة شهادات ثبوت الزوجية وما تنطوي عليه من فوائد بالنسبة للأفراد وبالتالي للجميع ، خاصة بالنسبة لثبوت نسب الأولاد ، وضمان الحقوق الإرثية بين الآباء والأبنـاء، وكذا بين الأزواج ، وفي الجانب الآخر يمكن القول أن هذه اللفيفيات تفتح الباب على مصراعيه لبعض الأشخاص المنعدمي الضمير لاقامة شهادات ثبوت الزوجية بدون وجه حق ، وبهدف تحقيق أغراض دنيوية معنية كان يقم شخص عقد زواج مع إمراة متوفاة طمعا في الإرث والعكس صحيـح،أو من أجل نسب أولاد غير شرعيين لرجل لا علاقة له بهم إلى غير ذلك ، مما ينبغي والحالة هذه الحرص وابداء الحذر أثناء إقامة هذه اللفيفيات ، وهو ما يهدف إليه المنشور الذي أصدرته وزارة العدل مؤخرا بشأن ثبوت الزوجية ، والذي الزم طالب إقامة رسم ثبوت الزوجية بالإدلاء بنفس الوثائق المطلوبة أثناء كتابة عقد الزواج في أبانه والمنصوص عليها في الفصل 41 من م . ح . ش . وخضوع كتابة العقد لموافقة قاضي التوثيق في حالة اقتران الطلب بمسطرة تعدد الزوجات أو بتزويج من لم يبلغ سن الزواج ، وقد جاء في هذا المنشور ما يلي : " يتعين كلما تعلق الأمر بإقامـــة بينة بإثبات الزوجية أمام عدلين ، إدلاء المعنيين بالأمر بالوثائق المطلوبة من الفصل 41 المشار إليه ، وذلك حسبما تقتضيه كل حالة على حدة ، فإذا أريد اثبات زوجية وقعت دون توفر سن أهلية النكاح، أو في حالة التعدد ، يمنع تلفي الإشهاد بذلك ، إلا بعد إدلاء من يعنيه الأمر ضمن المستندات المطلوبة بموافقة كتابية من القاضي المكلف بالتوثيق ومراجعها .
ــ في التطليــق لعدم الإنفاق :
إن التطليق لعدم الإتفاق كثيرا ما يثبت بشهادة اللفيف طبقا لمقتضيات الفصل 53 من م.ح.ش إذا لم يكن هناك حكم سابق قضى على الزوج بأداء النفقة وتم تنفيذه بمقتضى محضر يفيد الإمتناع وعدم وجود ما يحجز . ونفس الشيء يقال بالنسبة للتطليق للضرر . في غياب أي حكم في الموضوع قضى بإدانة الزوج للضرر بزوجته طبقا للفصل 56 من م . ح . ش . كما أن اللفيف يلعب دوره في التطليق لغيبة الزوج طبقا لمقتضيات الفصل 57 من نفس القانون .
أما بخصوص الرجعة فان المذهب المالكي ينص على أنه يجوز إثباتها بالبينة الشرعية ولم يساير المجلس الأعلى هذا الإتجاه حينما ذهب في عدة قرارات إلى أن الرجعة كالزواج لا يجوز إثباتها بالبينة الشرعية . هذا ويمكن إثبات النسب والرشد والسفه والحضانة والإحتياج والوصية والتنزيل والإراثات بموجب اللفيف .
وعلى هامش إمكانية إثبات الضرر من أجل التطليق بسببه بمقتضى اللفيف يجدر بنا أن نوضح أن من يريد التطليق للضرر عليه الإدلاء بلفيف عدلي في هذا المجال ، وإمكانية إيجاد هذا النوع مـن اللفيف بالتراب الوطني نظرا لعدة اعتبارات من بينها تماسك أواصر العلاقة بين الجيران والأصدقاء . فإن إمكانية إيجاد هذا النوع من الإثبات خارج التراب الوطني ( المهجر ) بالنسبة للجالية المغربية بالمهجر يكتسي طابع الصعوبة نظرا لطبيعة المغاربة المقيمين بهذه البلاد المعروفين بتمسكهم بحرصهم على إخفاء مشاكلهم وعدم إفشاء أسرارهم للغير بحكم تنوع الأجناس المجاورة بهم الأمر الذي يصعب معه أن لم يستحيل معه أحيانا وجود من يشهد بثبوت الضرر صراحة اللهم إلا إذا تم ذلك على سبيل المجاملة فقط ، وهي شهادة غير مقبولة قانونا . هذا فضلا عن عدم إمكانية إنجاز رسوم ثبوت الضرر أمام القنصليات المغربية وكذا عدم إمكانية إنجازها بالتراب الوطني لكون الشهود غير مطلعين على غالب أحوال الزوجين المغتربين ، وبالتالي لا يمكن اعتمادها بينة شرعية أمام المحاكم المغربية ، الأمرالذي يتطلب إيجاد حل لهذه المشكلة بالنسبة لجاليتنا بالخارج ينسجم وطبيعة الحال المعيش هناك وطبيعة الحال المعيش هنـــــــاك .
ــ في ميدان العقــــــار غير المحفـــظ :
من المعلوم أن التصرفات في العقار غير المحفظ تخضع للإثبات لقواعد الفقه الإسلامي ، ولا ينطبق عليها ق . ل . ع . كما درج على ذلك المجلس الأعلى في عدد من قراراتـــه، ومن هذه التصرفات البيع مثلا والذي يمكن إثباته( بشهادته) بشهادة الشهود يقول المجلس الأعلى في أحد قراراته : " حيث إنه طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية فإن بيع العقار غير المحفظ ، يمكن إثباته بصفة استثنائية بشهادة الشهود وأن المحكمة لما استبعدت اللفيف المدلى به لإثبات هذا البيع بعلة أنه لا يثبت بشهادة الشهود ولابد فيه من الدليل الكتابي الثابت التاريخ .. تكون قد طبقت نص الفصل 489 من ق. ل.ع المتعلق ببيع العقار المحفظ ، والذي لا مجال لتطبيقه ، واستبعدت الفقه الإسلامي الواجب التطبيق ، والذي يجيز في الأحوال الخاصة إثبات البيع بشهادة الشهود ، ومنها شهادة اللفيف " إلا أنه يشترط في هذه الشهادة أن يتوفر فيها المستند الخاص وهو حضور الشهود لتحديد المشهود فيه ، وأداء الثمن بمحضرهم ونفس الشيء يقال بالنسبة للصلح المتعلق بنفس العقــار والذي هو بمثابة البيع ، وكذا بالنسبة لإثبات القسمة ، وهو ما نص عليه المجلس الأعلى في أحد قراراته ، مسايرا في ذلك اتجاه الفقه في هذا المجـــــال . ويعتمد اللفيف على نطاق واسع في النزاعات العقارية ، كإثبات الحوز والإستمرار وعدد الورثــة ، وإحصاء المتروك ، وإثبات التملك(تراجع مجلة القضاء والقانون عدد : 146 وخاصة المقال المكتوب من طرف ذ/ إبراهيم بحماني رئيس غرفة بالمجلس الأعلى حول شهادة اللفيف ). ولعل الفرصة مناسبة لتسطير نموذج من رسم الملكية باللفيف .
ــ نموذج رسم الملكيـة باللفيف :
الحمد لله شهوده الموضوعة أسماؤهم عقب تاريخه يعرفون فلآن بن فلان الفولاني المعرفة التامة الكافية شرعا بها ومعها يشهدون بأن له وبيده وعلى ملكه مالا من ماله وملكا صحيحا خالصا له من جملة أملاكه الدار أو الجنان أو غير ذلك الكائن بموقع كذا حدوده كذا يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه وينسبه لنفسه والناس ينسبونه إليه كذلك مدة تزيد على عشرة أعوام سلفت عن تاريخه من غير منازع له في ذلك ولا معارض طول المدة المذكورة ، ولا يعلمون باعها ولا وهبها ولا صدقها ولا فوتها ولا فوتت عليه ، ولا خرجت عن ملكه بوجه من وجوه الفوت وأسبابه إلى الآن ، كل ذلك في علمهم وصحة يقينهم . " ومستند علمهم في ذلك " . وبمضمنه قيدت شهادتهم مسؤولة منهم لسائلها في كذا أسماء الشهود وعناوينهم وتعريفهم . ثم يكتب القاضي الثبوت هكذا : شهدوا لدا من قدم لذلك بموجبه فثبت " ثم يكتب العدل رسم التسجيل هكذا : الحمد لله اشهد قاضي التوثيق بثبوت الرسم أعلاه الثبوت التام بواجبه ، وهو حفظه الله بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر وفي التاريخ أعلاه .
وانطلاقا من هذا النموذج يتبين أن شروط الملكية سبعة وهي :
(1 ) وضع اليد أي الحوز .
( 2) المشهود به مال من أموال مالكه أي المشهود له .
(3) تصرف الحائز بمختلف أنواع التصرف الشرعي .
(4) النسبة أي كون المالك ينسب الشئ لنفسه والناس ينسبونه إليه كذلك .
(5) بيان مدة الحوز والتصرف
(6) عدم المنازع والمعارض طول تلك المـــــدة .
(7) عدم تفويت المالك للمشهود به لا باختياره ولا بسبب الحكم عليه بذلك .
وقد لخص الزقاق شروط الملكية بقوله :
يد نسبة طول كعشرة أشهـــــــر *** وفعل بلا خصم بها الملك يجتـــــــلا
وهل عدم التفويت في علمهم كما *** ل أم صحة للحي للميت فاا جعــــلا
ــ اللفيف وقانـــــــــون ل. ع . م :
ينص الفصل 418 من ق . ل .ع على أن الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك على الشكل الذي يحدده القانون، وتكون رسمية أيضا .
ــ الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم .
إذن فهذا القانون اعتبر الوثيقة العدلية وثيقة رسمية . كما نص الفصل 443 من نفس القانون ، على أن : " الإتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنفى أو تنقل أو تعدل الالتزامات أو الحقوق والتي تتجاوز فيمتها 250 درهما لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود ، ويلزم أن تحرر بها حجة أمام الموثقين أو حجة عرفيــــــة . وأن ق.م . م لم ينص على شهادة اللفيف ضمن مقتضياته وخاصة في الفرع الرابع المتعلق بالأبحاث .
كما أن القانون المنظم لخطة العدالة وتلقي الشهادة وتحريرها المنفذ بظهير 6 مايو 1982 لم يتحدث عن شهادة اللفيف ، وكذلك المرسوم المؤرخ في 28 . 04 . 83 بشأن تعيين العدول ومراقبة خطة العدالة وحفظ الشهادات وتحريرها لم ينص كذلك على شهادة اللفيف باسمها ، وانما نص فقط على الشهادة بصفة عامة ، حيث اعتبرها الفصل 30 من ظهير 06 . 05 . 82 شهادة رسمية . ولا ننس أن نشير في هذا الصدد ونحن نتحدث عن موقع اللفيف في القانون المغربي إلى أن ظهير حوادث السير الصادر بتاريخ : 02 . 10. 84 أحال على م . ح . ش فيما يتعلق بإثبات استحقـــــاق التعويض عن فقد مورد العيش أو التعويض المادي في صورة موجب الإنفاق وموجب الكفالة ، وهذا لا يتأتى إلا باللفيف .
ــ موقف الفقه من اللفيــــف :
إن موقف الفقه مختلف بخصوص شهادة اللفيف . ويمكن تلخيص هذا الموقف في اتجاهيـــــــــــــن :
الإتجاه الأول من أنصار اللفيف وينادي بكل قوة بالإ بقاء على شهادة اللفيف اعتبارا لأهميتها فـــــــي ميدان الإثبات ، ونظرا لكونها في أحايين كثيرة هي الوسيلة الوحيدة للإثبات كإثبات الوفاة وعدد الورثة . وهناك اتجاه آخر عكس الإتجاه الأول والذي يطالب بإبعادها من ميدان الإثبات لعدة اعتبارات في طليعتها انعدام الصلة بينها وبين الشريعة ، وانعدام الضمانات في مثل هذه الشهادات .
ــ موقف القضـــاة من اللفيف :
إن المجلس الأعلى الذي يجسد اجتهاد القضاء المغربي اعتبر في بعض قراراته أن اللفيف مجرد لائحة شهود ، وبالتالي ليست لها أي قيمة إثباتية ، وهذا الإتجاه يساير في نفس الخط مقتضيات ق.م.م المنظمة للاستماع إلى الشهود (1) ( منشور مجلة المحاماة عدد : 12 ص 80 رقم القرار 529 ـ 77 ) كما يتفق مع أحكام الشهادة في الفقه الإسلامي الذي يقرر أداء الشهادة في مجلس القضاء ، ولكنه في قرارات أخرى اعتبرها حجة شرعية ، يقول في أحد قراراته : شهادة اللفيف التي يتلقاها العدول نيابة عن القاضي وتسجل عليه هي بمثابة شهادة العدول في إثبات الحقوق ، وليست مجرد لائحة شهود ( قرار عدد 354/87 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد : 40 ص : 149 . وحبذا لو أن المجلس استقر في اجتهاده بهذا الخصوص على منحى واحد . حتى لا تكون هناك بلبلة على مستوى محاكم الموضوع بل وحتى على مستوى المجلس الأعلى نفسه مما ينعكس ذلك سلبا على حقوق المتقاضين ومصداقية العــــــدالة .
المحـــــــور الثالث :
ــ الآفاق المستقبليــــة للفيـــــف :
كما سبق ذكره أن هناك من يعارض اللفيف ويطالب بإلغائه وهذا التيار كما رصده بعض الباحثين قلة دون أن يقدم بديلا . طالما أن شهادة اللفيف لا أساس لها من الشرع الحكيم الذي يشترط العدالة في الشاهد " وأشهدوا ذوي عدل منكم " كما أن الظروف التي استوجبتها لم تعد قائمة الآن ، ومن أنصار هذا الإتجاه الدكتور احمد الخمليشي في كتابه التعليق على ق . ح. ش . الجزء الأول صفحة 174 الذي يرى أن أداء الشهادة يجب أن تكون أمام القاضي وبعد أداء اليمين القانونية ، وتمشيا مع نفس الإتجاه أشار في نفس المرجع صفحة 175 إلى أنه لا يجوز للمحكمة استنادا إلى الإستثناء المشار إليه في الفصل الخامس من م . ح . ش . أن تحكم بصحة زواج أبرم في ظروف كان في إمكان المعنيين بالأمر الإشهاد به أمام العدلين ، حتى ولو ثبت لديها الزواج بحجة قاطعة غير الإشهـــــــاد ". وهناك تيار آخر يرى أن شهادة اللفيف جديرة بالإبقاء عليها والمحافظة على كيانها ووجودها باعتبار أنها تكاد تكون هي الوسيلة الوحيدة لاثبات بعض الحقوق أمام عدد كثير من الإدارات وكذا القضاء ، مثل إثبات الموت وعدد الورثة ، فلإثبات الصفة في دعاوي القسمة لابد من الإدلاء برسم الإراثة وإلا قضى بعدم قبول الدعوى شكلا لانعدام الصفة طبقا لمقتضيات الفصل الأول من ق.م.م وهو الإتجاه الذي أكده المجلس الأعلى في عدة قرارات كما أن هذه الحجة أي اللفيف يلجا إليها الناس أحيانا لتحصين حقوق لم يثر بشأنها نزاع بعد ، وهم بعملهم هذا يحتاطون من وفاة الشهود الذيــــن علموا مما لم يعلمه غيرهم من جهة ، وتحسبا لكل نزاع محتمل ، من جهة أخرى ( انظر مجلــــــة رابطــــــة القضاة عدد : 16 ـ 17 ما رس 86 ) وخاصة المقال المكتوب من طرف ذ/ أمحمد امغار بعنـــــوان شهادة اللفيف واعتمادها كحجة إثبات .
ــ إعادة النظر في شهادة اللفيف :
لا مراء أنه لا أحد ينفي ما تسببه شهادة اللفيف من مشاكل ومتاعب سواء على صعيد الأشخاص أو الممتلكات والحقوق ، الأمر الذي حدا ببعضهم إلى القول بنزع القيمة الإثباتية للفيف دفعة واحدة نظرا للعيب الذي تتسم به ،إلا أن هذا الرأي ينطوي على كثير من المحاذير وبالتالي ينعكس سلبا على كثير من حقوق ، الناس وسيؤدي بنتائج ضارة بالأفراد ، كما أن القول في نفس الوقت يترك شهادة اللفيف تهيمن على الميدان ، ويكون لها القدح المعلي في الإثبات ينطوي كذلك على نفس المحاذير إن لم اكثر اخطر وأقدح ، وبناء على كل هذا انبرت بعض الأصوات من هنا وهناك تنادي لإبعاد اللفيف وإقصائه بصفة مطلقة ولا لتركه سيدا لموقف ، وإنما بإعادة النظر في هذه الشهادة وفي كيفية إقامتها بطريق يمنع قدر الإمكان التلاعب بواسطتها في حقوق الناس مالية كانت أم غير مالية ومن أنصار هذا الرأي ذ/ احمد امغار في نفس المقال المشار إليه أعلاه حيث يقول : إن شهادة اللفيف كوسيلة إثبات دخلت حياتنا التعاملية سواء القضائية أو الإدارية ، وأن الذين يدعون إلى إلغاء شهادة اللفيف ، والإستعاضة عنها بالإستماع إلى الشهود أمام المحكمة ، وبعد اليمين ، ربما نسوا ان الحجة اللفيفية ، تكاد تكون هي الوسيلة الوحيدة لاثبات بعض الحقوق أمام الكثير من الإدارات نذكر من ذلك إثبات الموت وعدد الورثة ،كما أن هذه الحجة يلجا إليها الناس أحيانا لتحصين حقوق لم ينشب بشأنها نزاع بعد ، وهو يفعلون ذلك خشية وفاة الشهود الذين علموا ما لم يعلمه غيرهم من جهة ، وتحسبا لكل نزاع مستقبلي من جهة أخرى ، لذلك نرى يضيف نفس الكاتب ، أن الحل السليم هو إعادة النظر في كيفية إقامة شهادة اللفيف ، بطريق يمنع قدر الإمكان التلاعب والتساهل بشأن حقوق الناس " انتهى . ونعتقد أن هذا الرأي هو عين الصواب ، فالإستغناء عن اللفيف جملة وتفصيلا وبصفة نهائية ومرة واحدة سيحدث هزة في ميدان الإثبات وسيزلزل كثيرا من الحقوق خصوصا في الوقت الراهن ، كما أن ترك اللفيف يصول ويجول في معمعة التوثيق من شأن ذلك إحداث أضرار بالغة ، هذا في الوفت الذي يسوغ فيه القول أنه من الممكن الحد من غلوائه إن صح التعبير وبصفة تدريجية بعد وضع تصور مستقبلي للحدمنه على الأقل إن لم نقل إقصاه نهائيا ، بمواكبة تدخلات من قبل المشرع وسن أحكام في هذا الميدان تبعد اللفيف وفي نفس الوقت تجعل حقوق الأفراد وممتلكاتهم في مأمن من كل ضياع ، منها مثلا :
تعميم كتابة عقود الزواج ، فمن المعلوم أن المشرع المغربي استلزم توثيق عقد الزواج بمقتضى نص خاص معروف ولم يعد يسمح .بإثبات العلاقة الزوجية بواسطة البينة أي اللفيف إلا على وجه الإستثناء ، وقد مضت عقود من الزمن على تاريخ إصدار مدونة الأحوال الشخصية ( 1958 )ومع ذلك مازالت كثير من حالات الزواج لا تبرم أمام العدول المنتصبين للإشهاد ، وإنما يكتفي فيهـــــــا بالإشهار أو بدونه وبدون إشهاد العدلين ، مما جعل كثيرا من الباحثين والنقاد يتساءلون إلى أي مدى يمكن أن يستمر العمل بحالة الإستثناء في الوقت الذي انعدم فيه المبرر لبقائها ، خصوصا وأن العدول حاليا يغطون كامل التراب الوطني ، ويرون أنه لآيكفي لتنظيم عقود الزواج النص في مدونة الأحوال الشخصية على وجوب إبرامها أمام العدول ، بل بالإضافة إلى هذا تقريرجزاء جنائي على من يخالف هذه المقتضيات من الزوج أو الولي وكذا الزوجة كما يرى ذلك الدكتور الخمليشي وأن تعميم سجلات الحالة المدنية لجميع المواطنين مع تضمين عقود الأبناء بيانات عقد زواج الأبوين لمن شأنه أن يساهم بدوره في إقصاء اللفيفيات المتعلقة بالوفاة ، كما أن التحفيظ العقاري لمن شأنه أن يساهم بقسط أوفر في إبعاد اللفيفيات المتعلقة بإثبات الملك . طالما أن العقار المحفظ لا يحتاج إلى مثل هذه اللفيفيات التي مرتعها الخصب العقار غير المحفظ ، ومن أجل تحقيق هذه الغاية يتعين تشجيع الملاك وتحفيزهم على تحفيظ عقاراتهم .
ولا يفوتنا أن نشير إلى ما ورد في الفصل السادس من المنشور رقم : 14714 المؤرخ فــــــــــــي 03 . 11 . 59 من أنه يجب على القضاة أن لا يسند وا تلقي الملكيات وتحريرها إلا للعدول العارفين النبهاء الذين يعرفون فقه الوثيقة وأحكامها وتراكيبها ."
كما نصت الفقرة الرابعة من الفصل السابع من المنشور السالف الذكر على أنه :
لا يتلقى من اللفيف الاحذاق العدول العارفين ، لأن السماع من اللفيف موكول إلى أهل التبريز ، في العدالة العارفين بما تصح به شهادة اللفيف ، كما نصت الفقرة الخامسة من نفس الفصل على أنه يجب على القضاة ألا يأذنوا في تلقي أي شهادة لفيفية ، إلا بعد التثبت والبحث واستفسار طالبها عن جميع المعلومات والمقاصد والوجوه المحتفية بالقضية ، ونصت الفقرة السادسة منه على أنه لا يسوغ للعدول بتاتا أن يشرعوا في تلقي (في تلقي) أي شهادة لفيفية إلا بعد صدور إذن خاص من القاضي بذلك . وبناء على مقتضيات هذا المنشور هناك من ينادي بالعودة إلى الأخذ بنظام الإذن في إقامة اللفيفيات ، بحيث لا يؤذن في إنجازها إلا بعد قيام القاضي المكلف بالتوثيق بجميع التحريات اللآزمة ، ولعل في ذلك في رأي هؤلاء حماية للعدول أنفسهم مما يلاقونه من الويلات والمتاعب وكيد الكائدين بخصوص هذه اللفيفيات ، علاوة على أن من شأن ذلك صيانة حقوق الناس قدر المستطاع وضمانا لسلامة الوثائق العدلية من أي شك أو ريب ، وكسبا في ذات الوقت لمزيد من ثقة المواطنين ، وحدا من تلاعبات بعض المتلاعبين من الشهود ، وذلك على غرار الشهادة العلمية التي ينص قانون خطة العدالة بعدم إنجازها إلا بعد صدور إذن خاص من القاضي ، وأن تسند هذه الشهادات إلى العدول الذين تتوفر فيهم كفاءة معينة كما يرى ذلك ذ/ ابراهيم بحماتي رئيس غرفة بالمجلس الأعلى في مقاله عن اللفيف المنشور بمجلة القضاء والقانون عدد : 146. ونعتقد انطلاقا من الواقع العملي أن جل العدول إن لم نقل كلهم مؤهلون لتلقى مثل هذه الشهدات نظرا للدراية التي يتمتعون بها والخبرة التي اكتسبوها ، خلال عملهم في ميدان التوثيق . وطالما أنهم من ذوي الكفاءة والشهادات الجامعية العليـا وبالتالي فالكفاءة اللازمة العلمية ، والأدبية متوفرة في أغلبهم إن لم نقل في كلهم ، لذا فإسناد إنجاز الشهادة اللفيفية للبعض منهم دون الآخرين حسب الرأي المشار إليه سلفا من شأنه أن يثير الحساسيات والتعليقات ، ميدان التوثيق قي غنى عنها . هذا وأن استفسار الشهود تزكية لشهادتهم بمقتضى رسم آخر أمام عدلين آخرين غير العدلين اللذين حررا رسم الشهادة من الأهمية بمكان قصد ضمان صحة شهادة الشهود ، بالدرجة الأولى ، وهذه العملية ، أي استفسار الشهود ليس من شأنها بطبيعة الحال أن تنال بأي وجه من الوجوه أو تقدح في مصداقية العدول في تقييد ما يقال أمامهم ، كل ما في الأمر، أن ذلك يعتبر تأكيدا لشهادة الشهود وإضفاء الحجية عليها بل وحماية لمن أنجزها من العدول قبل كل شــئ آخــــــــــــــــــر .
وفي الختام ، لا يفوتنا أن نشير إلى أن شهادة اللفيف حاليا في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى تقنين قواعدها وأحكامها وكذا تحديثها بشكل يتلاءم والمستجدات الظرفية ، وفق ضوابط معينة ، كما ينبغي تحديد مجالاتها التي يجب أن تكون فيها حتى لا تتعداها إلى سواهــــــا .
ومن شأن تحقيق هذه الغاية ، وتقنين هذه الشهادة في قانون واضح المعالم تكريس لأهميتها وإزالة ما علق بأذهان الناس من عدم الإطمئنان تجاهها ، وما ذلك على المشرع المغربي بعزيز
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق