-->

شركة الشخص الواحد بين البناء القانوني وواقع الممارسة التجارية

" شركة " الشخص الواحد بين البناء القانوني وواقع الممارسة التجارية

فؤاد معلال*

  ـ من المستحدثات الاساسية للقانون المغربي الجديد للشركات أخذه " بالشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد"، حيث انه قد اجاز لاول مرة للشخص الواحد ان يؤسس " شركة"  لا يكون مسؤولا عن ديونها الا في حدود ما خصصه لها من راسمال، وهذا نوع من " الشركات" سبق ان شق طريقه إلى العديد من التشريعات المقارنة مدة لا يستهان بها(1) ولقد اقتبسها القانون المغربي عن القانون الفرنسي.

  ـ و " الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد "  هي في حقيقتها  مقاولة  فردية لا يتحمل فيها صاحبها المسؤولية عن ديونها الا في حدود الرأسمال الذي رصده لها،  لذلك  فهي  تقوم  على  تخصيص  الشخص  بارادته المنفردة  لجزء من ذمته المالية الخاصة ودون ان تمتد إلى ذمته المالية العامة(2).

  - ولقد جاء الاخذ بهذا النوع من الشركات استجابة لحاجة ملحة تعكسها بشكل واضح الممارسة التجارية وهي سعي التجار الدائم إلى تحديد مسئوليتهم عن نشاطهم التجاري في حدود ما يخصصونه له من رأسمال، ولما كان القانون لا يتيح ذلك الا في اطار بعض الانواع من الشركات التجارية ولا يتيحه للتاجر الفرد، فقد دفع  هذا  التاجر إلى التحايل على القانون عن طريق احداث شركات صورية هي في حقيقتها مقاولات  فردية  تم  ضم  بعض  الشركاء الوهميين إليها لاستكمال الشكل الذي يتطلبه القانون مما ادى إلى شيوع الشركات  الوهمية  في  العمل. والشكل  القانوني الذي اختاره المشرع للاستجابة إلى هذا المعطى الواقعي، ومن ثم لمواجهة مشكل الشركات الوهمية، هو شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة المكونة من شريك واحد، وهو شكل لا يتلاءم وحقيقة هذا النوع من المشاريع التي لا تمس بصلة لنظام الشركات من الوجهة القانونية.

  ـ هذا، ويندرج ارساء " شركة" الشخص الواحد كاطار قانوني حديث للاستثمار ضمن تصور تشريعي متطور يسعى إلى ملاءمة المفاهيم القانونية مع الحاجات المستجدة  لعالم الاعمال والتجارة، غير ان هذا البناء إذا كان يوفر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) استاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس.
(1) اخذ بها منذ سنة 1926 القانون المدني للنمسا في المادة834 في شكل مقاولة فردية ذات مسؤولية محدودة، ثم تبنته بعد ذلك العديد من دول امريكا اللاتينية مثل كوستريكا سنة1966 والسلفادور سنة1971، ولقد كان لتنظيم القانون الالماني سنة 1980 لهذا النوع من الشركات كشكل خاص من شركات ذات المسؤولية المحدودة دوره في دفع العديد من التشريعات الاوروبية وغير الاوروبية إلى الاخذ به كذلك، ومنها فرنسا التي تبنته بمقتضى قانون11 يوليو1985 ـ راجع بشان تطور فكرة تحديد المسؤولية في المقاولة ذات المسؤولية المحدودة في القوانين المقارنة :
M- Rolondi. La limitation de la  responsabilité dans l' entreprise individuelle - R.T.D com.1968-1
2 - J- Aussedat. Société unipersonnelle et patrimoine d'affectation. Rev. Stes. 1974.221.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اداة متطورة للاستثمار، ويتيح إمكانيات حقيقية ومتعددة للمقاولات وللمستثمرين (  المبحث الأول) فان الاداة التي اختيرت لادخاله للقانون المغربي تبدو لنا غير ملائمة من الوجهة القانونية ( المبحث الثاني)

المبحث الأول ;وظائف " الشركة " الشخص الواحد
  ـ لقد سعا المشرع من وراء ارساء " شركة الشخص الواحد إلى اقرار نظام للحد من مسؤولية المقاول الفرد والى محاربة ظاهرة الشركات الوهمية (المطلب الأول) غير انه إلى جانب هاتين الوظيفتين التي يفترض ان تحققها هذه " الشركة" ينتج عن الاخذ بهذا النوع من المقاولات تحقيقها مجموعة من الفوائد غير المباشرة متعددة الوجوه
( المطلب الثاني)

المطلب الأول..الوظائف المفترضة " الشركة " الشخص الواحد
 - ان الهدف الاساسي من وراء ارساء هذا النمط الجديد من " الشركات" هو السماح للشريك الوحيد (صاحب المقاولة) بتحديد مسؤوليته عن نشاطه التجاري في مقدار راس المال الذي يخصصه لمشروعه، حيث تبنى المشرع هذا الاطار كوسيلة للقضاء على ظاهرة الشركات الوهمية.

الفرع الأول : تحديد مسؤولية المقاول الفرد
 - السبب الرئيسي وراء ادخال الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد إلى القوانين الوضعية هو تبنيها كاداة لتحديد مسؤولية التاجر الفرد عن نشاطه التجاري.
فالمبادرة التجارية تنطوي على كثير من المخاطرة غير ان درجة المخاطرة تختلف باختلاف الاطار القانوني الذي يتخذ لتحقيق الاستثمار التجاري، فاذا تم هذا الاخير في اطار مقاولة فردية، أي من قبل التاجر الفرد فان مسؤولية هذا الاخير عن ذلك الاستثمار تكون كاملة من حيث ان فشل مبادرته يتحمله كليا في ذمته المالية وهو ما قد يؤدي إلى افقاده كامل امواله بخلاف ما لو تم الاستثمار في اطار شركة حيث يمكن تحديد المسؤولية عن ذلك في حدود الاموال التي تم وحدها لذلك الاستثمار، أي في حدود اموال الشركة.

وهذا الاختلاف في النظام القانوني للمسؤولية عن الديون بين المقاولة الفردية وبين المشاركة جاء كنتيجة طبيعية لمبدا ظل راسخا في الفكر القانوني هو مبدأ وحدة الذمة المالية للشخص والذي مؤداه ان لكل منا ذمة مالية واحدة ترتبط بشخصه، وان تلك الذمة لا تتجزأ انطلاقا من ان الشخص نفسه لا يمكن ان يتجزأ، لذلك فان كافة الاموال المشكلة لتلك الذمة تضمن كافة ديون صاحبها (1).

هذا التصور الذي تكرسه غالبية القوانين (2) بما فيها القانون المغربي (3) يعمل بالنسبة لكل شخص طبيعيا كان أو اعتباريا، فالشركة كشخص اعتباري لها كذلك ذمتها المالية التي لا تتجزأ، والتي تشكل ضمانا لديونها، كافة ديونها، غير انه باعتبار ان الشركة انما تتكون نتيجة تجمع مجموعة من الاشخاص لتحقيق استثمار مشترك، 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )  Aubry et Rau. Cours de droit civil français - 6éme ed- n° 573 - et suite.
(2) مثلا المادة 234 من القانون المدني المصري والمادة2002 من القانون المدني الفرنسي.
(3) الفصل 1241 من ق ل ع الذي ينص على ان  : " اموال المدين ضمان عام لدائنيه ويوزع ثمنها  عليهم بنسبة دين كل واحد منهم ما لم توجد بينهم اسباب قانونية للأولوية "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وان ذلك يتم عن طريق مساهمة كل واحد منهم بقدر من امواله في ذلك الاستثمار فان الحصص التي يتقدمون بها تخرج من ذمة الشركة كشخص اعتباري مستقل، ومن هنا تنشأ امكانية تحديد مسؤولية عن ذلك الاستثمار في حدود الحصة التي رصدوها لتلك المشاركة بحيث اذا كان لا يتصور، انطلاقا من مبدا وحدة الذمة المالية، ان يحد التاجر الفرد من مسؤوليته عن نشاطه التجاري، فان ذلك متصور وممكن بالنسبة للمشاركة في شركة، لان القائم بالنشاط التجاري وفي هذه الحالة وهو الشركة كشخص اعتباري مستقل، وهذه لها ذمتها المالية التي تشكل ضمانا لديونها،اما الشريك فيمكنه ان يكتفي بتقديم المال دون ان يمارس التجارة، حيث يدخل ذلك المال في تكوين ذمة الشركة، وتتعلق به اموالها الاخرى حقوق دائنيها من دون ان يمتد ذلك الضمان إلى الذمة الخاصة للشريك، فتكون مسؤولية هذا الاخير محدودة  في حصته في الشركة.

الشخص الواحد في القانون المقارن، والان في القانون المغربي انما جاء بقصد الاستجابة لحاجة اكيدة طالما عبرت عنها المقاولات في العمل هي حاجتها، أو بالاحرى حاجة المقاول، إلى توقي مخاطر الاستثمار التجاري عن طريق تحديد مسؤوليته عن ذلك الاستثمار في مقدار راس المال الذي يخصصه لمقاولته، وبالنظر إلى ان تحقيق ذلك لم يكن ممكنا في ظل الوضع القانوني السابق الذي كان لا يقبل ذلك الا في اطار نظام الشركة، فان ذلك  دفع  المقاولين إلى التحايل على القانون بخلق شركات وهمية  هي  في  حقيقتها  مقاولات  فردية  تستر اصحابها  وراء  نظام الشركة للاستفادة من ميزة الحد من مسؤوليتهم عن استثمارهم التجاري. ومثل هذه الحاجة إذا كانت قد تكرست في العمل منذ القديم؟، وتعاملت معها التشريعات المقارنة بوسائل متعددة منها السماح  بتحديد المسؤولية  حتى  في اطارالمقاولات الفردية(1)  فان القانون المغربي تاخر كثيرا في الالتفات إليها إلى ان  جاءت فرصة اصلاح  القانون  التجاري  في اواخر التسعينات في اطار موجة الاصلاحات التي عرفها الاقتصاد المغربي ليتعامل معها المشرع  التجاري  بنفس الطريقة التي تعامل بها القانون الفرنسي، وهي المساح للمقاولة الفردية بان تنتظم في  شكل  شركة  ذات  مسؤولية محدودة من شريك وحيد.

 - من هنا فان تقبل القانون لتحديد مسؤولية التاجر الفرد انما يعتبر استثناء من المبدا الذي لا زال راسخا فيه : مبدا وحدة الذمة المالية، ذلك ان تطلب اطارا استثنائيا محددا لا بد منه ليتحقق ذلك التحديد هو الانتظام في اطار الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد كما نظمها القانون رقم 96-5 بتاريخ 13 فبراير1997 (2) المتعلق بشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية بالاسهم والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصة.
وهو اطار يمكن المقاول من تحقيق مبتغاه على مستوى تحديد مسؤوليته، غير انه يضع مجموعة ضوابط قصد بها المشرع كفالة حقوق الاغيار حتى لا يتضرروا من مبدا التحديد ذلك، وهذا يتطلب من ناحية،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع في ذلك :
A- Rotondi -op. cit. - Jean-Paillusseau - l'EURL: ou des intérêts pratiques et des conséquences  théoriques de la société unipersonnelle - J C P- 1986-I 3242- n° 7 et 8 - aussi le compte rendu sur la conférence - débat : la société  unipersonnelle  en France et dans les états membres  des communautés européennes : Rev - Société 1980- P. 636.
وهو القانون الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم-4997-1 بتاريخ 5 شوال1417 ( 13 فبراير1997) ـ
 الجريدة  الرسمية عدد : 4478 بتاريخ 23 ذي الحجة 1417 (فاتح ماي1997)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اختيار التاجر الفرد ممارسة نشاطه التجاري من خلال هذه الشركة بما يقتضيه ذلك من اتباع  الإجراءات القانونية لتاسيسها، ويتطلب منه ثانية احترام مبدا الاستقلال بين شخصه وبين الشخص الاعتباري على اعتبار ان هذا الاخير هو الذي يمارس التجارية وليس التاجر الفرد، وهذا  يقتضي منه اتباع الضوابط  الشكلية المجسدة  للشخص الاعتباري على مستوى الإدارة والتسيير، وخاصة احترام مبدا الاستقلال بين ذمته المالية والذمة المالية للشخص الاعتباري لان من شان كل اختلاط على هذا المستوى ان يعني ان الشخص الاعتباري غير موجود، وان التجارة تمارس اذن من قبل التاجر الفرد وليس الشركة، فيعود من ثم،  المبدأ الاصلي الذي يحكم الذمة المالية للعمل، وهو ان كافة اموال التاجر تعتبر ضامنة لديونه.

 - ومبدا تحديد المسؤولية إذا كان مفيدا للتاجر الفرد لانه يقيه عواقب تعثر تجارته، هو من امتداد ذلك إلى باقي امواله، لانه ينطوي على جانب سلبي له اهميته على مستوى نجاح تجارته، هو انه يؤدي إلى اضعاف ائتمان المقاولة لان الضمان الذي توفره للدائنين ينحصر في موجوداتها ولا يمتد إلى موجودات المقاول صاحب الاستثمار، وهذا قد يشكل معوقا يحول دون نجاح المقاولة، أو على الاقل دون توسعها، من هنا فان اختيار اطار المقاولة الفردية ذات المسؤولية المحدودة يتوقف على شخص المقاول، وعلى نوع الاستثمار الذي يسعى إلى تحقيقه، فاذا كان المقاول مليئا من الناحية المالية، ويطمح إلى توسيع نشاطه التجاري حيث يرسم له اهدافا على امتداد الزمن في المستقبل، فان تحديد المسؤولية قد لا يعني بالنسبة إليه شيئا تماما مثل المقاول الذي لا يرى في استثماره التجاري سوى وسيلة للكسب ومن ثم للعيش المترف فيرغب بالتال ان يكون بامكانه الاغتراف من مالية مقاولته بدون رقيب ولا قيد، ولا يعنيه في شيء  من ثم، ان تكون لمقاولته ذمة مالية مستقلة عن ذمته، هذا بخلاف ما لو كان المقاول غير ميسور ويريد ان يحقق استثمارا تجاريا الا انه يريد ان يؤمن نفسه من عواقب فشل مبادرته، أو كان ما يهمه هو الربح السريع، ولا يعنيه دوام مقاولته أو توسعها، أو كان مبتدئا يريد استكشاف عالم الاعمال، ويريد ان يحتاط في البداية إلى ان ينكشف له المخفي في التجارة، فيوفر له اطار الشركة ذات المسؤولية المحدودة الغطاء الواقي الذي يحصنه من المسؤولية لذلك فان عوامل متعددة يصعب حصرها هي التي ترجح هذا الاختيار أو ذاك بالنسبة للمقاول تبعا للاهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلال تجارته.

 - هذا بالنسبة للتاجر، اما بالنسبة للدائنين فقد ينطوي مبدا تحديد المسؤولية على بعض الفائدة من حيث انه يمكنهم على الاقل من الاطمئنان إلى ضمان محدد لديونهم هو مقدار راس المال الذي خصصه المقاول لمقاولته، فيتعاملون من ثمة مع المقاولة انطلاقا مما توفره من ضمان، أي تبعا لما توفره من ائتمان تجاري حقيقي تعكسه وضعيتها المالية التي يؤشر الرأسمال الذي تأسست به على حده الادنى، وهذا الاطمئنان يتدعم بعلمهم انه لا يمكن للمقاول ان يستحوذ على ممتلكات المقاولة، أو ان يستعملها لضمان ديونه الشخصية، فالنظام القانوني الذي تقوم عليه هذه الشركة يضمن منع حصول الاختلاط بين اموال المقاول واموال المقاولة هذا بخلاف المقاولة الفردية العادية التي بالنظر إلى ان رأسمالها غير محدد ولا يخضع إلى أي نظام للشهر  فان الدائنين يكونون مضطرين إلى الاعتماد على ما يستأنسونه من ائتمان ظاهري يعكسه صاحبها، والذي في كثير من الاحيان لا يكون حقيقيا لانه يستند في قيامه على ما تؤشر إليه تصرفات المقاول في السوق، وخصوصا على الاشاعات، والاقاويل التي كثيرا ما تضخم الحقيقة في هذا الاتجاه أو ذلك، فيفاجأ الدائنون في كثير من الاحيان بان ما يعرفونه عن مدينهم من ملاءة غير صحيح.

الفرع الثاني  محاربة ظاهرة الشركات الوهمية
  ـ يشكل ارساء شركة الشخص الواحد كذلك وسيلة لمحاربة ظاهرة الشركات الوهمية المنتشرة في العمل، فلا احد يمكنه ان ينكر بان اغلبية الشركات القائمة الان هي في حقيقتها " شركات فردية" وهذه ظاهرة معروفة ومقبولة من الجميع، ولا نعتقد انه بامكان رجل قانون كيفما كان موقعه، أو موثق أو خبير محاسبي ادعاء خلاف ذلك، فالتواطؤ على هذا المستوى يكاد يكون شبه عام، إذا الجميع يعرف ذلك ويتعامل معه كواقع لا يرتفع.

ونفس الشيء يصدق على مجموعات الشركات التي في الغالب ما تحدث فروعا تمتلك فيها الشركة الام الرأسمال بكامله وتلجأ، لاجل اضفاء الصبغة القانونية على ذلك، إلى منح عدد من الحصص او الاسهم إلى بعض المتعاونين لاستكمال عدد الشركاء الذي يتطلبه القانون.
كما يصدق على العديد من شركات القطاع العام المؤسسة في شكل  شركات مساهمة والتي لا زالت الدولة تمتلك كامل اسهمها (1).

وقد سبق لنا ان بينا ان السبب وراء هذه الظاهرة هو في الغالب سعي التجار إلى الحد من مسؤوليتهم عن نشاطهم التجاري، وهو الذي لم يكن يتحقق لهم لحد الان الا من خلال نظام الشركة.
من هنا، وحتى يتلاءم القانون مع الواقع ليس بالخضوع له ولكن بالتعامل معه بشكل يمكن من اخضاعه لما يحققه مصلحة المجتمع، اختار المشرع محاربة ظاهرة الشركات الصورية المنتشرة في العمل عن طريق اضفاء الشرعية عليها مع تنظيمها على نحو يكفل حقوق المتعاملين معها، وهو ما بدا انه يمكنه ان يتحقق من خلال السماح بإنشاء شركة ذات مسؤولية محدودة من شريك واحد.

المطلب الثاني *الفوائد غير المباشرة الناتجة عن الاخذ بشركة الشخص الواحد
  ـ بالإضافة إلى المقاصد التي سعا المشرع من خلال ارسائه لشركة الشخص الواحد فان الاخذ بهذا النوع من المقاولات يؤدي إلى تحقيق مجموعة من الفوائد غير المباشرة ذات الاهمية وتتمثل هذه الفوائد في  :

الفرع الأول ..التشجيع على الاستثمار
  ـ إذا كان اقرار مبدا المسؤولية المحدودة للمقاول الفرد من خلال الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد يمكن ان يشكل حلا ناجعا بالنسبة للتاجر من حيث تمكينه من الحد من مخاطر الاستثمار التجاري، فان لذلك اهميته القصوى على المستوى الاقتصادي العام لانه من شانه ان يشجع على الاستثمار والمبادرة، واستثمار الاموال في المشاريع التجارية عوض اكتنازها أو توظيفها في المضاربات العقارية، أو غيرها من التوظيفات المالية التي ليس لها دور في تحقيق التنمية الاقتصادية.

فالنشاط التجاري تحف به مخاطر كبيرة، وقد ازدادت هذه المخاطر في ظل ظروف السوق الحالية حيث تتميز الاقتصاديات بالانفتاح وبرفع الحواجز أمام تنقل السلع والخدمات مما ادى إلى اشتداد المنافسة على نحو لم يعد أي كان في منأى من السقوط  ضحية الظرفيات الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها كل مرة قطاع أو مجموعات قطاعات اقتصادية، والى خلق  أوضاع اقتصادية متأزمة ترجع إلى عوامل خارجية لا بد للفاعلين الاقتصاديين فيها غالبا (1)،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلغت إلى حدود النصف الأول من سنة2000، 50 شركة مساهمة- راجع ملخص اللقاء الذي اجرته القناة التلفزية المغربية الثانية مع السيد رشيد الفيلالي وزير الخوصصة
Maroc Hebdo international, n°406- du 18 au 24 février 2000- p.27.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لذلك فان هؤلاء اصبحوا يتخوفون كثيرا من الاستثمار، وهذا اصبح يشكل من ناحية، عائقا أمام المبادرة الاقتصادية وادى من ناحية ثانية إلى اتساع تامين المبادرين الاقتصاديين لانفسهم من مخاطر الاستثمار بوسائل شتى منها خلق شركات وهمية ـ شركات ذات مسؤولية محدودة، أو شركات مساهمة ـ تؤمن لهم ممارسة نشاطهم التجاري مع تحديد مسؤوليتهم عن ذلك في حدود الرأسمال الذي رصدوه للشركة.

  ـ فلا يخفى على احد ان نمط المقاولة الفردية بشكلها التقليدي نمط يخنق المقاول، فكثيرا ما تصبح المقاولة غولا تبتلع صاحبها تبتلعه  في شخصه فيجد نفسه عبدا لها يعيش لها ومن اجلها بما يترتب على ذلك من انعكاسات ليست دائما حميدة سواء عليه ( على صحته ونفسيته) أو على اسرته.

وتبتلعه في ماليته وممتلكاته، وقد تبتلع مالية وممتلكات اسرته وعائلته ( زوجته، وأبواه بحكم عامل التضامن العائلي الذي لم يختف تماما عندنا) ومن هذه الناحية يمكن القول ان المقاولة الفردية محدودة المسؤولية توفر وصفة دواء شافية يمكن للمقاول بعد تجرعها ان يعيش في امان واطمئنان على المستوى المالي من حيث ان ضمان المقاولة لا يمتد إلى امواله الذاتية، ومن ثم على مستوى الراحة الشخصية والنفسية الذي يمكن ان يتدعم اكثر ؟ـ وان كان هذا ليس ضروريا دائما ـ باسناد التسيير إلى شخص مؤهل، وهذا كله من شانه ان يزيل احد العوائق الاساسية أمام الاستثمار ألا وهو الخوف من المبادرة الاقتصادية : الخوف من ضياع الاموال، الذي يصبح محدودا هنا، والخوف من الفشل في تحمل مسؤولية التسيير والتدبير.

الفرع الثاني  //توفير اطار حديث لتنظيم المقاولة
  ـ اضافة إلى ما سبق فان الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد تشكل اطارا منظما للاستثمار يفرضه على المقاول هيكلة مقاولته في شكل شركة تسيير وفق ضوابط قانونية دقيقة، ذلك ان المشرع حماية للاغيار حتى لا يتضرروا من مبدا تحديد المسؤولية الذي تقوم عليه الشركة، فرض عليها ( أو فرض بالاحرى على المقاول) احترام مجموعة من الضوابط سواء عند تاسيسها، أو في تسييرها : على مستوى كيفية تكوين راس المال والاحتياطات المالية وتعيين مراقبي الحسابات في بعض الاحيان، وتثبيت اهم القرارات المتعلقة بحياة الشركة ( مثل المصادقة على الموازنة السنوية وعلى العقود المبرمة بين الشركة والشريك الوحيد...) مما يجعله تتوفر على تسيير إدارة  مالية ومحاسبة دقيقة.

من هنا فان نمط هذه الشركة باعتباره يلائم المقاولات الصغرى والمتوسطة، والمقاولات ذات الصبغة العائلية يوفر اطارا ملائما لتنظيم المقاولة بالمغرب، فالجميع يعرف ان اقتصادنا يعاني من معوق اساسي يطرح له صعوبات جمة على مستوى مقدرته على الاندماج في الاقتصاد العالمي المفروض عليه بفعل سياسية العولمة التي اصبحت تحكم النظام الاقتصادي العالمي الجديد، هو ضعف المقاولة المغربية خاصة الصغرى والمتوسطة بفعل الطابع العائلي الطاغي عليها ان على مستوى الهيكلة والتنظيم أو على مستوى الرسملة والتمويل، والاغلبية الساحقة منها اما فردية أو شركات وهمية هي في حقيقتها مقاولات  فردية، لذلك فبالنظر للمزايا التي توفرها شركة الشخص الواحد على المستوى التنظيمي فانها يمكنها ان تضطلع بدور اساسي في هيكلة المقاولة المغربية خاصة إذا اقترن ذلك بتشجيعات ضريبية.

  ـ هذا ناهيك عما في تبني هذا النوع من الشركات من تقريب وملاءمة لتشريعنا مع قوانين شركائنا الاقتصاديين الاساسيين، وخاصة الدول المصدرة للاستثمارات منها في وقت اصبحت  السياسة الاقتصادية المغربية تراهن بشكل كبير على جلب الاستثمار الاجنبي لتغطية نقص الاستثمار الوطني ان على مستوى الكم أو على مستوى كفاءته في احداث تطور نوعي في نمط المشاريع التي تمتاز بتحقيق قيمة مضافة كبيرة، والتي تقتضي في الغالب استعمال تكنولوجيا متطورة قليلا ما يستطيع الاستثمار الوطني تحقيقها لوحده فمن الناحية القانونية من المهم جدا ان يجد المستثمر الاجنبي نفس الانظمة القانونية لاشكال المقاولة المألوفة لديه، فهذا في حد ذاته قد يشكل احد حوافز الاستثمار لديه (1). ويكفينا ان نتصور ان مستثمرا اجنبيا يريد الاستثمار في المغرب، وانه لديه الاموال الكافية، ولا يريد بالتالي المشاركة مع احد ففي ظل الوضع القانوني السابق، الاطار القانوني الوحيد الذي كان يوفره له القانون المغربي لتحقيق استثماره هو المقاولة الفردية التقليدية، وهذا اطار كما هو واضح لا يلائم هذا النوع من الاستثمارات فماذا يتبقى لديه غير غض الطرف عن هذا الاستثمار، أو اقامة شركة وهمية؟

الفرع الثالث"ارساء  نظام قانوني خاص بالمقاولة الفردية
  ـ يؤشر ارساء القانون المغربي لشركة الشخص الواحد لبدء بلورة تصور قانوني خاص بالمقاولة الفردية، ذلك انه لحد الان لم يكن قانونيا يعرف الا الشركات والتاجر الفرد اما المقاولة ككيان قانوني ذاتي مستقل عن المقاول الفرد فلم يعتد به القانون المغربي فيما سبق الا بشكل عرضي غير مقصود، اذ نجد بعض معالم ذلك في نظام المحاسبة التجارية المطبق على التاجر الفرد، والذي يتعلق في الحقيقة بمحاسبة المقاولة ـ ما دام انه لا يخضع لتلك المحاسبة الا كل ما يرتبط بالعمليات التجارية المجراة داخل المقاولة دون تلك المتعلقة بباقي الانشطة التجارية أو المدنية الاخرى للتاجرـ وكذلك الشان بالنسبة لنظام صعوبات المقاولة كما أرسته مدونة التجارة الجديدة حيث يلاحظ ان المشرع أعطى كل الاهمية للحفاظ على استمرارية المقاولة كمنظومة انتاجية لاعتبارات اقتصادية واضحة وهذا ادى به كثير من الاحيان إلى تجاهل التاجر أو المقاول واستحضار المقاولة(2) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) خاصة إذا علمنا ان هذا النمط من الشركات منتشر، ويعرف اقبالا كبيرا عليه في الانظمة القانونية لبعض الدول الغربية المتقدمة التي تسمح به حتى في اطار شركة المساهمة المكونة من شريك واحد مثل المانيا :
راجع: Norbert Horn - L'entreprise personnelle à responsabilité limitée l'expérience allemande - R.T.D com. 1984-1.
وانجلتر . راجع :
André Tunk. Le droit anglais des sociétés anonymes - 2éme edi- Dlloz -1978 - n° 43 et s.
والولايات المتحدة الامريكية، راجع :
Le compte - rendu sur la conférence - débat : la société unipersonnelle en France et dans les états  membres des communautés européennes - Rev. sociétés. 1980-636- A. Tunk. Le droit américain des sociétés anonymes - paris -1935.
(2) وهو ما يظهر من خلال نص المادة 545 من مدونة التجارة الجديدة على انه : " يتعين على المقاولة ان تقوم بنفسها عن طريق الوقاية الداخلية من الصعوبات بتصحيح ما من شانه ان يخل باستمرارية استغلالها، وإلا تم ذلك عن طريق الوقاية الخارجية بتدخل من رئيس المحكمة"
وكذلك من خلال اعطاء المشرع لأطراف اجنبية غير المقاول  صلاحية التدخل في مسطرة الوقاية من الصعوبات
( راجع المواد من 546 إلى 559 من المدونة) وفي مسطرة التسوية القضائية
(المواد من 571 الى618)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا يظهر كذلك من خلال مقتضيات قانون الشغل التي تقضي باستمرار عقود الشغل داخل المقاولة بالرغم من تغييرات رب العمل (1). وكذلك من خلال فرض القانون لنظام تمثيلي للعمال داخل المقاولة مما يجعل من هذه الاخيرة كيانا اقتصاديا واجتماعيا متميزا عن المقاول، هذا اضافة إلى مؤشرات قانونية عديدة اخرى تسمح بالقول حاليا ان المقاولة ككيان قانوني مستقل اصبحت تتبلور الان بشكل تدريجي في القانون المغربي تماما كما هو حاصل الان في القوانين القريبة منا وخاصة القانون الفرنسي، والقوانين ذات الاتجاه اللاتيني الجرماني عموما (2).
  ـ ولكن مع ذلك يظل التساؤل قائما إلى حد الان متى يكتمل مثل هذا النظام، ويتبلور بشكل جلي، وخاصة بشكل واعي ومقصود من قبل المشرع؟

  ـ فالاهمية القصوى للمقاولة الفردية باعتبارها الشكل الغالب للاستثمار لا تخفى على احد، اذن ان الاغلبية الساحقة للمقاولات في المغرب هي مقاولات فردية، وبالرغم من ان المستقبل الان هو للتكتلات والتجمعات الاقتصادية الكبرى الاكثر قدرة على مواجهة المنافسة في ظل ظروف السوق الحالية والمستقبلية كما رسمها النظام الاقتصادي العالمي الجديد، فانه ليس من شان ذلك ان يغير كثيرا من هذا المعطى بالنظر إلى ان الاستثمار الفردي  يظل هو الايسر والاقرب بالنسبة للشريحة  الواسعة من التجار المغاربة بحكم ضعف رأسمالهم ونقص مداركهم، ومن ثم طغيان العقلية الاستثمارية في مفهومها التقليدي لديهم.
ولعل هذا ما يعطي للمقاولة الفردية اهميتها الكبرى من الناحية الاقتصادية باعتبارها خزانا من هنا فقد وجب الالتفات إلى النظام القانوني الذي تخضع له والذي يشكل معوقا لها لحد الان يمنعها من القيام بدورها الاقتصادي والاجتماعي الذي يراد لها.

  ـ فذاك النظام يمتاز  بكونه ينظر إلى المقاولة في حد ذاتها ولكن من خلال المقاول، فعلى خلاف الشركة التي تطورت النظرة إليها فاصبح المشرع ينظر إليها ويتعامل معها كمنظومة انتاجية تستدعي وضع الاليات التي تضمن استمرارها وهو ما حضر بقوة في القانون الجديد لبقائها ومن خلال اصلاح نظام الإدارة والتسيير تفاديا لحصول كل تعتر على هذا المستوى، ومن خلال وضع اليات كذلك لضمان 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفصل 754 من ق ل ع بحسب التعديل الذي ادخله عليه ظهير26 شتنبر1938 ـ الفقرة7.
(2) راجع  :
M- Despax - l'entreprise et le droit L.G.D.J 1956 - D- Alibert- à le recherche d'une structure juridique pour l'entreprise  individuelle- in dix ans de droit  de l'entreprise - 1978 - p.63 voir aussi : quelle organisation  juridique pour l'entreprise individuelle ? - in J.C.P - cahier de droit de l'entreprise 1990 - supplément n° 1 consacre au colloque : vignt-ans de recherche pluridisciplinaire … à propos des structures juridiques de l'entreprise.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الشركاء تفاديا لوقوع الخلافات بينهم، وهو الذي كثيرا ما يؤدي الى العصف بالشركة(1). فان النظرة التقليدية التي تحكمت في القانون التجاري الفرنسي لسنة1807 لا زال متحكمة إلى الان حتى في مدونة التجارة المغربية الجديدة، والتي بمجرد فتحها تجدها تتحدث عن التاجر، وعن اكتساب صفة " تاجر"، وعن التزامات التاجر، وهذا قادها إلى النظر إلى المقاولة على انها مجرد محل لملكية التاجر، فتعاملت معها من خلال مؤسسة الأصل التجاري كوحدة قانونية مستقلة قائمة الذات ولكن ليس عن التاجر بل عن العناصر المادية المشكلة لذلك الأصل، وهذا جعل التجاري نفسه، كتصور قانوني مؤسسة غير محكمة وغير مكتملة التكوين(2).

  ـ فهو من ناحية ليس مجموعة قانونية من الاموال لان القانون لم يعترف به كذمة مالية مستقلة ولم يجعل منه ضمانا خاصا للديون المتعلقة به، وهو ما من ناحية ثانية لا يشمل الا بعض عناصر المقاولة فلا يشمل كل الاصول، العقارات والديون ـ هو على الخصوص لا يتضمن خصوم المقاولة، كما انه لا يشمل العقود بالرغم من الاهمية القصوى التي اصبحت تمثلها حاليا بالنسبة للمقاولات.

(3) لانه في ظل الوضع التشريعي الحالي عملا بمبدا نسبية اثار العقد، العقود هي عقود التاجر  وليست عقود المقاولة، وبالتالي هي تتبعه هو ولا تتبع الأصل التجاري.
هذا كله جعل نظرة القانون للتاجر وللمقاولة نظرة غير منسجمة وغير محكمة، وعلى الخصوص غير متطابقة مع حقائق الممارسة التجارية المعاصرة فالتاجر على خلاف الاعتقاد السائد ليس كل شيء في المقاولة حتى ننظر إليها من خلاله، فهو احد مكوناتها فقط، قد يكون مكونا اساسيا بل محوريا فيها بالتاكيد لانه يرجع له الفضل في تجميع باقي عناصر الانتاج الاخرى، غير ان هذا لا يجعل منه كل شيء في المقاولة، فهو احد العناصر فيها فقط  ينضاف إلى العناصر الاخرى لتتشكل  منظومة انتاجية مركبة تتعداه لتشمل راس المال واليد العاملة وغيرها من العناصر المادية والمعنوية الاخرى التي تتضافر لتحقيق نشاط المقاولة وهذا يستوجب تعامل القانون مع هذه الاخيرة ككيان قانوني مستقل عن التاجر، كيان له ذاتيته واستقلاليته، له مصالح وحقوق الاغيار من دائنين وعمال، وتتعلق به حقوق ومصالح التاجر حقيقة، ولكن تتعلق به كذلك مصالح وحقوق الاغيار من دائنين وعمال، وتتعلق به المصلحة العامة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مؤلفنا ـ شرح القانون التجاري المغربي الجديد ـ مطبعة النجاح الجديدة ـ الدار البيضاء ـ 1999 ص. 225 فما بعدها.
(2) لعل السبب في ذلك يرجع إلى ان تصور الأصل التجاري جاء بداية بقصد الاستجابة لمتطلبات ظرفية فرضت نفسها على المشرع الفرنسي فوجد هذا الاخير نفسه منساقا للاعتراف به تلاؤما مع الواقع  الذي كرسه في العمل، ذلك ان فكرة الأصل التجاري كمفهوم قانوني ظهرت في فرنسا خلال القرن التاسع عشر حيث اخذت تتكرس بشكل تدريجي، من ناحية بفعل مطالبة التجار بحماية حقهم على زبنائهم من المنافسة سعيا لاستقرار هذا العنصر ما أمكن حماية للاستثمارات المالية والادبية التي وظفوها في انشائهم لمقاولاتهم التجارية، ومن ناحية ثانية بفعل مطالبة الدائنين باعتراف القانون بالاصل التجاري كوحدة  قانونية مستقلة عن العناصر المادية والمعنوية التي يتشكل منها والتي  يعتمد عليها التاجر في تجارته منعا لتصرف هذا الاخير فيها وتهريبا منهم لحرمانهم من استيفاء ديونهم ( راجع : 643 Guyon - op cit - n°).
غير ان التشريع الفرنسي، ومن ثم التشريعات التي تدور في فلكه، عجز عن تصوره  كذمة تجارية مستقلة لان ذلك يتطلب منه الاعتراف بتعدد الذمم لدى التاجر وهذا يرفضه الفكر القانوني التقليدي الذي يرى في الذمة المالية احد مظاهر الشخصية القانونية بحيث كما انه لا يمكن ان تكون للشخص الا شخصية قانونية واحدة فانه لا يمكن ان تكون له الا ذمة مالية واحدة.
(3) اذ كثيرا ما تمثل هذه العقود موقعا محوريا بالنسبة للمقاولة لانها هي مصدر نشاطها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ككل، فلعل هذه الحقائق هي التي جعلت المشرع  يضع العديد من الاليات التي سبق لنا الاشارة إليها(1) والتي تؤشر إلى استحضاره  للمصالح المنوه بها، غير انه في كل ذلك لم ينطلق من تصور واضح للمقاولة على النحو الذي بيناه أعلاه، وانما جاء في ذلك منه بشكل عرضي بمناسبة معالجته لمشكلة من المشاكل تتعلق باحد المصالح المذكورة، غير انه يمكننا القول انه قد اقترب الان كثيرا من ذلك من خلال إرسائه للشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد من زاوية النتيجة التي يسفر عنها هذا الاطار، فالامر يتعلق في النهاية بنظام قانوني متكامل للمقاولة الفردية في الحالات التي تختار فيها هذه الاخيرة ـ أو بالاحرى يختار المقاول ـ الانتظام في شكل هذه الشركة، وذلك بغض النظر عن المآخذ التي يمكننا أن نؤاخذها على ذلك من حيث وجاهة الاطار القانوني المختار كما سوف يتبين لنا بعد قليل، ومع ذلك فان المشكل لازال قائما بالنسبة لمئات الاف من المقاولات الفردية الاخرى التي تحافظ على طابعها الاصلي والتي لازال النظام القانوني للتاجر الفرد هو الذي يعمل بالنسبة إليها.

الفرع الرابع"توفير اطار مرن لتغيير الوضع القانوني للمقاولة
  ـ فبالنظر إلى ان شركة الشخص الواضح تتوفر على شخصية اعتبارية مستقلة عن المقاول مالك المقاولة وانها تتوفر بالتالي على نظام قانوني ذاتي يخصها، فان ذلك يمكنها من القيام بمجموعة من العمليات القانونية التي لا تسمح بها المقاولة الفردية العادية، من ذلك مثلا، يمكن للمقاول تقديم اصله التجاري حصة في الشركة، وفي حالة امتلاكه العقار المشغل فيه ذلك الأصل التجاري يمكنه تاجيره للشركة فيحصل مقابل ذلك على وجيبة كرائية تدخل ضمن تكاليف الاستغلال، وفي حالة وفاة المقاول يسمح اطار الشركة باستمرار بعض الورثة أو كلهم في استغلال المقاولة في شكل شركة ذات مسؤولية محدودة متعددة الشركاء على خلاف المقاولة الفردية العادية التي غالبا ما يضطر الورثة إلى تصفيتها لاقتسام الاموال الناتجة عن ذلك بينهم، كما ان اطار الشركة يسمح للشريك الوحيد ان يدخل معه بكل سهولة شريكا أو اكثر إلى الشركة بمجرد تفويت بعض حصصه إليهم فتتحول الشركة تلقائيا إلى شركة ذات مسؤولية محدودة متعددة الشركاء على خلاف المقاولة الفردية التي تستوجب في مثل هذه الحالات تأسيس شركة لما يتطلبه ذلك من إجراءات قانونية وتكاليف  مالية.
وهذه المرونة تتأكد بشكل واضح عند تفويت المقاولة إلى الغير، وعند فتح رأسمال الشركة وعند تحويلها إلى شكل آخر من الشركات.

أولا : في حالة تفويت المقاولة إلى الغير.
 - ففي حين تستعصي المقاولة العادية على التفويت إلى الغير من الناحية القانونية لعدم اعتراف القانون بها كوحدة قانونية مستقلة عن المقاول، فان ذلك متيسر لشركة الشخص الواحد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقرة رقم 18.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتفويت المقاولة الفردية العادية لا يمكن ان يتحقق الا من خلال بيع الأصل التجاري الذي لا  يشكل المقاولة بمجموعها ولكن احد مكوناتها فقط(1) وفي هذه الحالة فان ذلك يقتضي بيع عقاراتها أو تاجيرها بشكل مستقل إلى مشتري الأصل التجاري، اما باقي مكونات المقاولة من ديون والتزامات، وعقود فلا يشملها التفويت(2) بسبب مؤسسة الأصل التجاري كما هي متصورة  حاليا عن شمول كل ذلك.

هذا بخلاف ما لو اتخذت المقاولة شركة حيث يجري تفويتها كلا أو بعضا عن طريق تفويت الحصص فيها، وحينئذ فان التفويت يشمل تلقائيا كافة مكونات الشركة حسب النسبة التي تمثلها الحصص المفوتة، اذ تنتقل إلى المالك الجديد المقاولة أو جزء المقاولة المفوت باصولها وخصومها، وعقودها والتزاماتها، وباليد العاملة فيها... فالمقاولة ظلت على ما هي عليه، كل ما هناك ان الحصص الممثلة لرأسمالها انتقلت من مالك إلى اخر.

فمحل التفويت في الحالتين ليس واحدا، اذ في الحالة الأولى نحن أمام بيع اصل تجاري وفي الحالة الثانية أمام تفويت حصص شركة، والنظام القانوني لكلا العمليتين يختلف تماما ان على مستوى كيفية حصول التفويت، أو على مستوى الآثار المترتبة عليه فعلى خلاف نظام بيع الأصل التجاري الذي يمتاز بتعقيده وبقصوره تبعا لقصور مؤسسة الأصل التجاري ذاتها  من حيث فشلها في تمثل المقاولة ككيان قانوني مكتمل. يمتاز نظام تفويت حصص الشركة ببساطته وشموليته من حيث معالجته لكافة الآثار المترتبة عن التفويت من الناحية القانونية بالنسبة للمقاولة(3)، وهذا يوفر للمقاولين إمكانيات افضل لانه يمكنهم من اداة قانونية فعالة تتعامل مع مقاولتهم في شموليتها فيجنبهم ذلك تعقيدات التنافر القائم عليه نظام الأصل التجاري.

ثانيا : في حالة وفاة المقاول.
  ـ بالنظر إلى ان المقاولة الفردية تلتصق بصاحبها لانها لسيت لها شخصية قانونية مستقلة، فان لوفاة صاحبها انعكاسات خطيرة على بقائها،اذ غالبا ما يتوقف نشاطها نتيجة ذلك، لانه بتلك الوفاة تفقد المقاولة مسيرها الذي كان يسهر على سيرها العادي، وحتى في حالة وجود وكلاء يتولون ذلك فان الوفاة تؤدي إلى اسقاط كافة صلاحياتهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقرة رقم 22.
(2) باستثناء عقود الشغل التي نص القانون على انتقالها مع المقاولة عند تفويت هذه الاخيرة إلى الغير.
(3) فبيع الأصل التجاري يتميز بتعقيده من حيث انه يتطلب ابرام عقد مكتوب يتضمن مجموعة من البيانات الالزامية تحت طائلة اعطاء المشتري الحق في طلب ابطال البيع  خلال سنة من اجرائه كما انه يستوجب شهر البيع عن طريق ايداع العقود في المحكمة التجارية، ونشره في الجريدة الرسمية وفي جريدة للاعلانات القانونية بالإضافة إلى قيده في السجل التجاري مع امتياز البائع في حالة وجوده، اضافة إلى وجوب شطب البائع من ذلك السجل وقيد المالك الجديد، واتباع إجراءات اخطار مصلحة الضرائب، وعند الضرورة القيام بقيد حقوق الملكية الصناعية في حالة وجدوها  كما يقتضي  انتظار مهلة التعرضات وبالتالي وقف اداء الثمن، وفي حالة وجود تعرضات وجوب تسوية الديون المتعرض بشانها، وقد تتعقد الامور اكثر في حالة ممارسة الدائنين حق كسر الثمن، كل هذا اضافة إلى ضرورة اتباع اجراءات اخطار مكري العقار عند الضرورة بالتنازل عن حق الايجار التجاري ـ راجع بشان كل ذلك بتفصيل مؤلفنا ـ مرجع سابق ـ ص 192 إلى 203.
اما بيع حصص الشركة ذات المسؤولية المحدودة فهو ابسط من ذلك بكثير لكونه يتم بعقد مكتوب يجب تبليغه إلى الشركة اما بصفة رسمية أو بايداع نظير منه بمقر الشركة مقابل شهادة تسلم مع قيده في السجل التجاري 4.
( المادة 16) من القانون المنظم لشركات التضامن والتوصية البسيطة والتوصية بالاسهم وشركة المحاصة والشركة ذات المسؤولية المحدودة) راجع بشان ذلك مؤلفنا ـ مرجع سابق ـ ص 318.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المتعلقة بالتسيير، وتتجمد ارصدة المقاول في البنوك فيصبح من المتعذر سحب شيكات أو إجراء تحويلات من تلك الارصدة لتسديد ديون المقاولة أو تمويل التزاماتها، كما يصبح  من المتعذر استيفاء ديونها لغياب جهة تتمتع بالصلاحية القانونية لاجراء ذلك، وهذا يؤدي في الغالب إلى اغلاق المقاولة في انتظار تصفية تركة المقاول المتوفى وقد يؤدي إلى تصفيتها تماما من اجل توزيع حاصل ذلك بين الورثة ضمن موجودات التركة(1). الا إذا كان جميع الورثة راشدون وحصل الاتفاق بينهم على الابقاء على المشروع  التجاري، أو كان بينهم قاصر ووافق وليه الشرعي على ذلك، حيث يتطلب ترتيب الاوضاع القانونية للمقاولة في هذه الحالة اما تحويلها إلى شركة واتباع الإجراءات القانونية المتعلقة بذلك، وإلا تحولت إلى شركة واقع تخضع للمقتضيات القانونية المتعلقة بشركة المحاصة كما هي عليها في قانون الشركات(2).

وكل هذه التعقيدات تزول عندما تتخذ المقاولة الفردية شكل شركة ذات مسؤولية محدودة، اذ باعتبار ان هذه الاخيرة لها شخصية قانونية مستقلة عن صاحبها فانه ليس لوفاة هذا الاخير مبدئيا تاثير على استمرار المقاولة(3)، فإطار الشركة يوفر الامكانيات القانونية الكافية لحل المشاكل المرتبطة بتصفية تركة المقاول المتوفى من حيث ان الشركة تتحول تلقائيا في هذه الحالة إلى شركة متعددة الشركاء بحيث اما ان يكون المقاول نفسه قد ضمن، في حياته النظام الاساسي للشركة مقتضيات تحدد لكل وريث الحصص التي ستؤول إليه على اثر الوفاة في الشركة وهذا هو الافضل أو ان يكون قد اعفل ذلك وحتى في هذه الحالة فان الشركة تصبح مالا مشاعا لكل وارث منابه الشرعي فيه، غير انه يستحسن في هذه الحالة تفاديا للخلافات بين الورثة ان يتفقوا على تحديد حصص كل واحد منهم حيث سيسهل عندئذ على الوريث الذي لا رغبة له في الخروج  بنصيب في الشركة ان يتفرغ  عن حصصه إلى احد الورثة أو إلى احد الاغيار وفقا للمقتضيات القانونية بذلك(4) غير انه في جميع الاحوال يجب القيام  باجراءات الشهر المتطلبة قانونا.

ثالثا : عند فتح راسمال الشركة
  ـ على خلاف المقاولة الفردية التي تفترض قيام الاستثمار التجاري واستمراره من قبل التاجر الفرد، بما ينطوي عليه ذلك في الغالب من سلبيات على مستوى ضعف الاستثمار وقيامه عائقا أمام نمو المقاولة واتساعها بالنظر لضعف الامكانيات المالية للمقاول الفرد، فان شركة الشخص الواحد توفر اطارا ملائما ومرنا لفتح راسمال المقاولة عند قيام الحاجة إلى ذلك، فالشركة قائمة في هذه الحالة ويكفي تفويت بعض حصصها إلى الشريك أو الشركاء الجدد او اللجوء إلى الزيادة في راسمالها لفائدة هؤلاء، نفس الامكانية توفرها الشركة في حالة رغبة المقاول اشراك ابنائه تدريجيا فيها بقصد نقلها إليهم في نهاية المطاف فالشركة تقبل بسهولة في مثل هذه الحالات التحول إلى شركة متعددة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بعد تسديد ديون المتوفى  بطبيعة الحال حسب القاعدة الشرعية : " لا تركة الا بعد تسديد الديون"
(2) راجع بشان ذلك مؤلفنا ـ مرجع سابق ـ ص 288 وما بعدها.
(3) إذ المبدأ بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة انها لا تحل بوفاة احد الشركاء ما لم ينص النظام الاساسي على خلاف ذلك. ( المادة 85 ـ 2 شركات)
(4) راجع بالنسبة لانتقال الحصص، داخل الشركة ذات المسؤولية المحدودة ـ مؤلفنا ـ مرجع سابق ـ ص318.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشركاء، اذ يكفي نظامها الاساسي، والقيام باجراءات الشهر القانونية، وكل هذا لا تسمح به المقاولة الفردية العادية التي يكون من الضروري تحويلها إلى شركة اذ ما رغب صاحبها فتح رأسمالها.

رابعا ـ في حالة تحويل الشركة إلى شركة مساهمة.
  ـ قد تقوم الحاجة إلى تحويل شركة الشخص الواحد إلى شركة مساهمة، وذلك اما لفتح رأسمالها أمام الاكتتاب العام بقصد دعم نموها وتوسعها، أو لاجل إدخالها في البورصة، أو للرغبة في تبني اسلوب للادارة والتسيير اكثر ملاءمة للشركة، أو للاستفادة من الامتيازات الضريبية أو الاجتماعية التي يوفرها  القانون للمسيرين، ففي مثل هذه الاحوال يمكن ان يتحقق التحويل باتباع إجراءات بسيطة تتمثل في تعيين مراقب أو اكثر للحسابات يقوم باعداد تقرير عن وضعية الشركة بعد القيام بتقدير قيمة عناصر أصولها وخصومها، على ان يشهد ان الوضعية الصافية للشركة لا تقل عن راسمالها وتتبع بعد ذلك الإجراءات المتطلبة قانونا لتاسيس شركة المساهمة(1).

الفرع الخامس"إيجاد حل قانوني لمشكل فروع الشركات
  ـ لقد كانت فروع الشركات تطرح مشكلا قانونيا عويصا فيما سبق بالنظر إلى ان الشركة، باعتبارها شخصا قانونيا واحدا، لم يكن بإمكانها ان تؤسس شركات اخرى عملا بمبدأ تعدد الشركات الذي يقوم عليه مفهوم الشركة، ولقد كان هذا يدفع الشركات ومجموعات الشركات التي تريد انشاء فروع لها في شكل شركات ذات مسؤولية محدودة إلى التحايل على القانون بإنشاء شركات وهمية تضم إليها شركاء وهميين بقصد استيفاء شرط تعدد الشركاء، من هنا فان ادخال شركة الشخص الواحد إلى القانون المغربي يشكل حلا ناجعا لهذا الشكل اذ انه قد اصبح بالامكان تنظيم فروع الشركات في شكل شركات ذات مسؤولية محدودة من شريك واحد فتكون الشركة الام الشريك الوحيد  المكونة للفرع، وهذه الامكانية تتيح لها المحافظة على رقابتها على فروع كاملة مع الاستفادة من ميزة تحديد مسؤوليتها عن التزامات تلك الفروع.

المبحث الثاني"عدم ملاءمة الاطار القانوني المختار
  ـ شركة الشخص الواحد هي وفق التصور الذي اخذ به القانون المغربي شركة ذات مسؤولية محدودة مكونة من شريك واحد، ذلك ان المادة 44 من القانون رقم96-5 نصت في فقرتها الأولى على انه : " تتكون الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شخص أو اكثر لا يتحملون الخسائر سوى في حدود حصصهم".
واضافت الفقرة الثالثة : " ... إذا كانت الشركة تتكون حيادا من مقتضيات الفصل982 من قانون الالتزامات والعقود من شخص واحد، سمي هذا الشخص بالشريك الوحيد، ويزاول الشريك الوحيد الصلاحيات المخولة لجمعية الشركاء والمنصوص عليها في هذا الباب."

ونذكر ان الفصل982 من ق ل ع ينص على ان : " الشركة عقد بمقتضاه يضع شخصان أو اكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشا عنها."
وهذا يعني ان المشرع المغري اصبح يسمح، استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بان الشركة تتأسس بشريكين فاكثر، بتكوين الشركة ذات المسؤولية المحدودة بشريك وحيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع بشانها مؤلفنا ـ مرجع سابق ـ ص 328 وما بعدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولقد جاء ذلك كذلك استثناء من الفصل 1241 من ق ل ع الذي يقضي بان : " اموال المدين ضمان عام لدائنيه..." اذ لاستثماره التجاري في شكل شركة ذات مسؤولية محدودة من شريك واحد، فتنحصر مسؤوليته عن ديونه التجارية حينئذ في ذلك الجزء الذي تتعلق به وحده حقوق دائني الشركة وهذا يعني كذلك ان القانون المغربي اصبح ياخذ بمبدأ تخصيص الذمة المالية شريطة ان يتم ذلك في شكل شركة ذات مسؤولية محدودة من شريك واحد.

  ـ فيكون المشرع المغربي قد اختار بذلك تنظيم المقاولة الفردية ذات المسؤولية المحدودة وفق نفس النظام القانوني المطبق على الشركة ذات المسؤولية المحدودة انطلاقا من ان الاطارين معا يسعيان لتحقيق نفس الهدف المبتغى على مستوى تحديد مسؤولية المستثمر عن استثماره ( المطلب الأول) غير انه يلاحظ على هذا الاطار انه غير ملائم من الناحية القانونية ( المطلب الثاني)

المطلب الأول "مبررات اختيار اطار الشركة ذات المسؤولية المحدودة
 - لقد اتبع المشرع المغربي في تنظيمه للمقاولة ذات المسؤولية المحدودة نفس النهج الذي سلكه المشرع الفرنسي
 ( الذي سبق له ان ارساها منذ سنة1985) حيث اكتفى المشرع المغربي كعادته بنقل هذه " الشركة" من القانون الفرنسي وأقحمها في القانون المغربي.

وعلى ما نعتقد فان منحى المشرع المغربي هذا لا يمكن تفسيره الا بنزعة التقليد الاعمى التي طالما تحكمت في اختيارته، وبعقدة التبعية العمياء للقانون الفرنسي التي جسدتها توجهاته التشريعية إلى حد الان، من هنا فان سلوكه لنفس المقاربة القانونية في تنظيمه للمقاولة الفردية ذات المسؤولية  المحدودة، بالرغم من المآخذ التي وجهت إليها من قبل الفقه الفرنسي ذاته، انما جاء نتيجة عقم الاجتهاد لديه، ومن باب الكسل في التفكير والتسرع في الانجاز، وليس انطلاقا من اختيار تشريعي واعي.

  ـ ويرجع الشراح (1) اختيار المشرع الفرنسي لاطار الشركة ذات المسؤولية المحدودة  لتحقيق هدف تحددي المسؤولية بالنسبة للمقاولة الفردية، إلى ان هذا الاطار مألوف وشائع في العمل ومن الافضل من ناحية السياسة  التشريعية، اعمال نفس الاطار لتفادي التعقيدات التي من شان تصور اطار جديد ان يطرحها.
 - فلقد كان على المشرع الفرنسي ان يختار بين تقنيتين قانونيتين، اما اطار الشركة ذات المسؤولية المحدودة، أو نظام ذمة التخصيص.

الاطار الأول يتميز بانه اطار موجود وقائم منذ القديم، وانه من تم مألوف ومنتشر في اوساط المستثمرين سواء في شكله القانوني المنظم أو في شكل شركة صورية هي في حقيقتها مقاولات فردية، وهذا يؤكد معطى اساسيا وهو ان " للشركة " كإطار قانوني للاستثمار التجاري، جاذبية حقيقية لدى المقاولين سواء كان لتلك الجاذبية ما يبررها على مستوى الفوائد القانونية التي يوفرها نظام الشركة، أو كانت جاذبية مجانية تجد تفسيرها في عوامل نفسية واجتماعية اكثر منها قانونية.

فضلا عن ذلك فان شكل الشركة يتميز على المستوى القانوني بانه افضل بكثير من الشكل الفردي سواء بالنسبة لطريقة تنظيم المقاولة ذاتها أو تنظيم علاقتها بالمقاول أو بالاغيار، أو بالنسبة لطريقة تنظيم علاقة المقاول بهؤلاء.
كلها هذه معطيات بدا انه لا يمكن للقانون ان يتجاهلها وإلا حكم على نفسه بالانزواء في دائرة الخيال وعدم الواقعية،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) J. J Daigre - Défense de l'entreprise unipersonnelle a responsabilité, JCP, 1986- I-3225, J. J. Paillusseau - Op-cit-n° 25.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن ثم، بعدم الفاعلية والقابلية للتطبيق، بما يترتب على كل ذلك من انعكسات  سلبية على مستوى السلامة القانونية، من هنا فقد اختار المشرع الفرنسي، وتبعه في ذلك المشرع المغربي تسوي, وضعية الشركات الوهمية المنتشرة في العمل، ليس عن طريق تحريمها، وهو الذي ابان عن عدم جدواه لحد الان، ولكن عن طريق اضفاء الشرعية عليها بالسماح بإنشاء الشركة الممارسة، بشريك واحد، مع تنظيمها في شكل الشركة ذات المسؤولية للمقاول الفرد، وتتحقق الحماية للمتعاملين من خلال النظام القانوني لهذه الشركة كما هو مقرر في القانون، وكل ذلك من خلال مؤسسة قانونية وراسخة في الوسط التجاري ومألوفة من المعنيين، توفر إطارا منظما للاستثمار بالنسبة للمقاولين وإطارا واضحا بالنسبة للاغيار الذين يتعاملون مع المقاولة وهذا يسهل الامر على المشرع الذي يجد نفسه في غنى عن تصور بناء قانوني جديد في الغالب ما يحتاج إلى وقت طويل قبل ان يتبلور بشكل واضح  ومحكم، وقبل ان يعتاد ويستأنس به سواء المعنيون المخاطبون بأحكامه أو الجهات المكلفة بالسهر على تطبيقه.

وهذا هو العائق الذي يحف بالاختيار الثاني على اقامة النظام القانوني للمقاولة الفردية ذات المسؤولية المحدودة على أساس نظرية ذمة التخصيص، فمثل هذا النظام غير موجود لحد الان كتصور قانوني مكتمل في القانون الفرنسي، فبالاحرى في القانون المغربي، فذمة التخصيص لا زالت مجرد نظرية نادى بها الفقه الالماني عرفت بعض التطبيقات لها في القوانين المقارنة(1) كاستثناء من مبدا وحدة  الذمة المالية غير انها لم تتبلور بعد كنظام قانوني واضح.

  ـ ولقد اخذ العديد من الفقهاء على ذمة التخصيص، كإطار المقاولة الفردية ذات المسؤولية المحدودة، كونها لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، وهذا يخلق مشاكل جمة على مستوى إيجاد الاليات القانونية الكفيلة بضمان استقلال الذمة الخاصة عن ذمة المقاولة العامة، اذ في غياب الشخصية الاعتبارية ليس هناك شخص مستقل يمكن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من ذلك في القانون المغربي الاستثناء المتعلق بممارسة التجارة من طرف القاصر المأذون الذي اكمل الخامسة عشر من عمره، والذي اجاز القانون تسليمه قدرا من امواله لادارتها قصد التدرب  على المعاملات ( الفصل 7 ق ل ع ) بحيث إذا اذن له بممارسة التجارة فان امواله المستعملة في التجارة هي التي تضمن ديونه التجارية دون باقي امواله الاخرى مما يجعل منها ذمة خاصة ضمن  ذمته المالية العامة، ( راجع مؤلفنا ـ مرجع سابق : ص 113 وما بعدها)
ونفس الشيء يقال عن الاذن الذي يمنح للنائب القانوني للقاصر أو المحجور عليه بالاستمرار في تجارة ناجحة الت إليه ( الفصل 13 ق ل ع)  اذ هنا كذلك ينحصر الضمان في اموال تلك التجارة التي تقوم كذمة خاصة إلى جانب ذمته العامة.
كما ان هناك من الشراح من يرى في اموال التركة ذمة مالية بالتخصيص تقوم إلى جانب ذمة الوارث العامة، حيث تظل ذمة التركة مستقلة إلى ان تسدد جميع الديون المتعلقة بها عملا بالقاعدة : " لا تركة الا بعد تسديد الديون". ـ راجع : عبد المنعم البدراوي - المدخل للعلوم القانونية- ص473 - سليمان مرقس- المدخل للعلوم القانونية- رقم 323 -  ص591 ـ حسن كيرة ـ المدخل إلى القانون  ـ ص683.
هذا فضلا عما يعرف في القانون البحري " بالذمة البحرية" حيث تقوم كل سفينة كذمة مالية مستقلة  بحقوقها والتزاماتها، تتحدد فيها مسؤولية مالكها في مواجهة الدائنين راجع  :
R. Rodière - la limitation  de responsabilité du propriétaire de navire, passé présent et avenir D.M.F - 1973- 259
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ربط الذمة الخاصة به وممارسة التجارة باسمه ولحسابه حتى  يتجسد، من تم الاستقلال حقيقة بين الذمة الخاصة والذمة العامة، وهذا يعني ان الذمة الخاصة ستظل جزءا من الذمة العامة للمقاول، كل ما هناك ان القانون يفترض ان الذمة تنقسم إلى جزأين: ذمة شخصية وذمة متخصصة، أي ان الذمة الخاصة تبقى ضمن الذمة العامة، تظل مقررة ضمنها كمال خاص خصص للاستثمار التجاري، ولكنها لا تنتقل لتدخل ملكية شخص اخر طبيعيا كان أو اعتباريا، بل تظل ملتصقة بصاحبها، وهذا تصور يصعب تجسيده في العمل، فتواجد الذمتين معا ضمن وعاء واحد ( شخص واحد) سيؤدي لا محالة إلى حصول الاختلاط بينهما، خاصة ان الامر يتعلق باموال والتزامات وحقوق تستند إلى نفس الشخص القانوني فما الذي سيمنع هذا الاخير من التصرف بحرية مطلقة في كافة امواله على نحو يؤدي إلى اختلاط الالتزامات الناشئة عن نشاطه التجاري بتلك المتعلقة بحياته الخاصة، أو بباقي انشطته المهنية الاخرى مما يجعل ذمة التخصيص مجرد افتراض قانوني.

  ـ كل هذا يعني ان نظرية ذمة التخصيص تعجز بمفردها عن تحقيق  الغرض  من  اقامة  المقاولة  الفردية ذات المسؤولية المحدودة، وانها في حاجة إلى  الانضمام  إلى  تقنية  قانونية اخرى تضفي عليها الاستقلالية وتجسدها في العمل ككيان قائم بذاته، هذه التقنية هي  مفهوم  الشخصية  الاعتبارية.  من  هنا  فقد  بدا  من  الضروري  منح ذمة التخصيص الشخصية القانونية الاعتبارية، أي الاعتراف  لها بكيان مستقل تستند إليه غير كيانها الاصلي ( الشخص الطبيعي) حتى يتحقق التخصص حقيقة بالنسبة إليها،  ولما  كان  الغرض  من هذا البناء ككل هو الوصول إلى نظام قانوني تتحقق من خلاله ميزة  تحديد  المسؤولية  بالنسبة  للمقاول،  وكان  هذا  البناء  يقتضي  الاستناد  إلى تقنيتين قانونيتين، ذمة التخصيص الشخصية الاعتبارية فقد نظر إلى الشركة ذات المسؤولية المحدودة على انها النظام الذي يمكن ان يتحقق من خلاله كل ذلك، فهي شخص اعتباري  تتحدد  مسؤوليته عن  نشاطه  التجاري  في  حدود  ذمته الخاصة، كل ما هناك انه يجب ملاءمتها مع خصوصيات المقاولة  الفردية  التي  تفترض وجود مستثمر واحد، اذن نسمح لهذا المستثمر الوحيد بان ينشئ شركة ذات مسؤولية محدودة  من شريك واحد، خاصة ان هذا الاطار يمكننا من استعمال نفس الاليات القانونية المتبعة في تحديد  راسمال الشركات  التجارية  في  تحديد  محتوى  الذمة المالية المتخصصة ضمانا لاستقلالها، كما يسمح بتطبيق جزاءات مماثلة لتلك الموجودات في قانون الشركات عند ارساء استعمال اموال ذمة التخصيص.





ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *