-->

جريمة التعسف في استعمال اموال الشركة

جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة
المقدمة:
مما لا شك فيه أن العلاقة بين القانون الجنائي وقانون الشركات علاقة ثابتة، ذلك أن قانون الشركات ينظم علاقات خاصة يترتب عليها مصالح جماعية ومشتركة تهم الشركاء على وجه الخصوص والغير على وجه العموم، ويأتي القانون الجنائي ليحمي المصلحة الخاصة لكل متعاقد كما يحمي المصلحة الجماعية أو ما يسمى بمصلحة الشركة.
وعلى هذا الأساس فإن المشرع من أجل الحفاظ على مصالح الشركاء والأغيار وكذا مصلحة الشركة، عاقب كل مسير يستغل أموال الشركة لمصلحته الشخصية أو يتعسف في أموالها بأي وجه من أوجه التعسف بعقوبات زجرية، وهو ما جعل بعض الفقه يطلق وصف القانون الجنائي للشركات التجارية كفرع جديد من فروع القانون الجنائي على المقتضيات الجنائية التي تضمنها قانون شركات المساهمة في قسمه الأخير وكذا قانون الشركات التجارية الأخرى
ويغلب على العقوبات التي تتضمنها المقتضيات الزجزية الخاصة بالشركات الطابع المالي، فهي عبارة عن غرامات مالية في غالبيتها ويرجع السبب في ذلك إلى كون تلك العقوبات هي التي تتلاءم مع الجرائم المرتكبة من طرف مسيري الشركات الذين لا يهمهم إلا الربح.
وإذا كان المشرع قد عاقب المسيرين عديمي الضمير الذين يجعلون الشركة مطية للإثراء الشخصي على حساب الشركة وباقي الشركاء بمقتضى المادة 384 من قانون شركات المساهمة والمادة 107 من قانون شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية بالأسهم والشركة ذات المسؤولية المحدودة .
فإن تحليل الجرائم التي يرتكبها المسيرون في هذا الصدد يتطلب منا تعريفها وتمييزها عن جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في الفصل 547 من القانون الجنائي، وجريمة التفالس المنصوص عليها في المادة 721 من مدونة التجارة.
ثم نتناول بعد ذلك أركان وشروط عقوبة جريمة إساءة استعمال أموال الشركة.
وسيكون ذلك على الشكل التالي:
المبحث الأول: تعريف وتمييز جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة عن
الجرائم المتشابهة الأخرى.
المبحث الثاني: أركان وشروط وعقوبات جريمة إساءة استعمال أموال الشركة.
المبحث الأول: تعريف وتمييز جريمة التعسف استعمال أموال الشركة عن بعض الجرائم المشابهة:
يتعين في بداية تحليل هذا الموضوع إعطاء تعريف لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة (أولا) حتى يسهل بعد ذلك إجراء المقارنة والتمييز بينها وبين بعض الجرائم المماثلة لها (ثانيا)
أولا: تعريف جريمة إساءة استعمال أموال الشركة:
لم يعرف المشرع المغربي جريمة إساءة استعمال أموال الشركة سواء في مدونة التجارة أو في قانون الشركات، بل اكتفى بتحديد الأفعال التي تشكل إساءة استعمال أموال الشركة وذلك بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 384 من قانون رقم 95-17 المتعلق بشركات المساهمة التي جاء فيها ما يلي: "... الذين استعملوا بسوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة، وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة".
وكذلك بمقتضى البند الثالث من المادة 107 من القانون رقم 5.96 المنظم لباقي الشركات الذي جاء فيه ما يلي: " المسيرون الذين استعملوا عن سوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا يعلمون انه ضد المصلحة الاقتصادية للشركة وذلك لتحقيق أغراض شخصية أو لمحاباة شركة أو مقاولة لهم فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة .
ولذلك يمكن تعريف جريمة إساءة استعمال أموال الشركة بأنها كل أوجه الاستعمال لأموال الشركة الذي يتم من طرف المسير بسوء نية وبشكل يتعارض مع المصلحة الاقتصادية للشركة.
يتبين من هذا التعريف إذن أن جريمة إساءة استعمال لأموال الشركة تتم بأي شكل من أشكال الاستعمال ولو لم يكن بغاية التملك وحتى من دون أن يلحق ضرر بالشركة، ويشترط فيه أن يتعارض مع المصلحة الاقتصادية للشركة وأن يتم بسوء نية كما سيتضح من خلال معالجة أركان هذه الجريمة في المبحث الثاني.
وفيما يلي بعض الأمثلة عن جريمة إساءة استغلال أموال الشركة
-
قيام الشريك بسحب شيكين دون إذن شريكه
-
دفع مرتب صوري من حساب الشركة إلى زوجة المدير
-
تنازل رئيس مجلس إدارة لمصلحة الغير، خدمة لمنفعة شخصية عن شهادة اختراع تولت أبحاثها الشركة المتضررة
-
سحوبات من حساب الشركة لتمويل الأنشطة الرياضية للمدير .
ثانيا: تمييز جريمة إساءة استعمال أموال الشركة عما يشابهها
1
- تمييز جريمة إساءة استعمال أموال الشركة عن جريمة خيانة الأمانة.
قبل التنصيص في قانون الشركات على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة كان القضاء المغربي يتابع المتصرفين والمسيرين من أجل هذه الجريمة بناء على الفصل 547 من القانون الجنائي المتعلقة بخيانة الأمانة .
فلماذا إذن تدخل المشرع في التسعينات ليعاقب على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة؟ هل لأن جريمة خيانة الأمانة لا تستغرق هذه الجريمة ولا تحتويها؟ ألا يعتبر النص الجديد زائد ا طالما أن في وجود النص العام كفاية لتأمين المصلحة المراد حمايتها جنائيا؟
على الرغم من التشابه القائم بين جريمة خيانة الأمانة والجريمة موضوع هذا البحث، وعلى الرغم أيضا من أن المادة 547 من القانون الجنائي أفرغت في عبارات واسعة، فإن هناك بعض الفوارق بينهما في عدة جوانب تكمن فيما يلي:
أ-على مستوى تطبيق كل جريمة:
يختلف نطاق تطبيق الجريمتين من حيث الأشخاص ذلك أن نطاق جريمة خيانة الأمانة يتسع ليشمل جميع الأشخاص بمن فيهم الأجراء والمستخدمين ولا ينحصر في فئة المسيرين القانونيين أو الفعليين كما هو الحال بالنسبة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة.
كما أن نطاق جريمة خيانة الأمانة واسع إذ يشمل سائر الشركات والهيئات الاعتبارية الأخرى كالجمعيات.
ب-على مستوى العناصر التكوينية للجريمة
إنهما تختلفان أيضا في الركنين المادي والمعنوي فالاختلاس أو التبديد الذي يشكل الركن المادي في جريمة خيانة الأمانة يعتبر مفهوما ضيقا إذا ما قورن بالاستعمال الذي تتحقق به جريمة إساءة استعمال لأموال الشركة.
وبالفعل فاستعمال المال بوجه مخالف لما هو متفق عليه وقت التسليم غير كاف لاعتباره خيانة للأمانة، بل ينبغي أن يظهر الجاني بمظهر المالك أي يظهر نيته في تغيير الحيازة لفائدته
كما أن جريمة خيانة الأمانة لا تتحقق إلا بثبوت الضرر وفقا لما ينص عليه الفصل 547 من القانون الجنائي على اعتبار أن هذه الجريمة من جرائم الضرر، وهذا ما كرسه المجلس الأعلى في القرار الصادر بتاريخ 28-03-1985 .
وبالمقابل فإن جريمة خيانة الأمانة لا تشترط في الجاني تحقيق مصلحة شخصية كما هو الحال في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة التي اشترط المشرع فيها أن تتجه إرادة المسير إلى تحقيق أغراض شخصية أو تفضيل شركة أخرى له بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة.
ج-على مستوى درجة العقوبة:
كما سيتضح من خلال المبحث الثاني فإن العقوبة المخصصة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة عقوبة مخففة إذا ما قورنت بتلك المخصصة لجريمة خيانة الأمانة وعلى الرغم من هذه الفوارق فإن بعض الفقه الفرنسي لاحظ أن جريمة خيانة الأمانة تستغرق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة لأنها تطبق على المسيرين وغيرهم، ولأن هذه الجريمة الثانية، مشتقة من الجريمة الأولى ومتفرعة عنها .
2
- تميز جريمة إساءة استعمال أموال الشركة عن جريمة التفالس.
ينص المشرع في المادة 721 من مدونة التجارة في فقرة ثانية يدان بالتفالس المسيرون القانونيون أو الفعليون الذين: "اختلسوا أو اخفوا كلا أو جزءا من أصول المدين".ولتطبيق عقوبة التفالس على المسيرين لابد من توفر شرط مسبق وهو افتتاح مسطرة معالجة الصعوبات في مواجهة المقاولة إذا لم يعد يكفي التوقف عن الدفع في ظل القانون الحالي لإجراء المتابعة من أجل ارتكاب التفالس .
وإذا كانت جريمة التفالس تقوم بدورها على اختلاس أو إخفاء كل أصول المدين أو جزءا منها فإن ثمة فوارق بينها وبين جريمة إساءة استعمال أموال الشركة.
ولعل أول فارق بينهما هو أن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تقوم ولو لم تكن مسطرة المعالجة مفتوحة في مواجهة المقاولة على خلاف جريمة التفالس.
وإذا كان القضاء التجاري هو الذي يختص بإصدار الحكم القاضي بفتح المسطرة وتحديد تاريخ التوقف في الدفع فإن تحديد هذا التاريخ هو المعيار الحاسم للتفرقة بين الجريمتين فإذا كانت الوضعية القانونية أو المالية للمقاولة غير مختلة، فإن ما يرتكبه من سلوكات غير مشروعة في أموالها إنما يعتبر إساءة لاستعمال أموال الشركة، أما إذا كانت وضعيتها مختلفة بحيث تعجز عن الوفاء بديونها أو التزاماتها فإن الاختلاسات أو الإخفاءات تحصل تقع تحت طائلة عقوبة التفالس .
المبحث الثاني: الأركان والشروط والعقوبات الخاصة بجريمة استعمال أموال الشركة
المطلب الأول: أركان جريمة استعمال أموال الشركة
أولا: أركان جريمة استعمال أموال الشركة.
إن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تخضع لنفس الأركان التي يخضع لها سائر الجرائم أي إلى الركن القانوني، والركن المادي والركن المعنوي.
الفقرة الأولى: الركن القانوني
يقتضي توافر الركن القانوني وجود نص قانوني يعاقب على هذه الجريمة إذ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" وتبعا لذلك فالنص القانوني الذي يجرم جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة والعقوبة عليها هو الفصل 384 من ق. ش الذي ينص على "يعاقب بعقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 1000.000 إلى 1000,000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة مساهمة؛ الذين استعملوا بسوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا لا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة، وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة" ومن هنا يبدو لنا ويتضح أن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة أو اعتماداتها تجد أساسها القانوني أو شرعيتها القانونية في الفصل 384 من قانون الشركة المغربي.
الفقرة الثانية: الركن المادي:
بالرجوع إلى المادة 384 ق.ش نجد أن أهم عنصري الركن المادي في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة واعتماداتها يكمن في الاستعمال، غير انه لا يكفي لقيام الجريمة أن يكون هناك استعمال فقط بل لابد أن يكون هذا الأخير متعارضا مع مصلحة الشركة.
أ- عنصر الاستعمال:
يقتضي تحليل هذا العنصر تحديد مفهومه من جهة وبيان مضمونه من جهة ثانية
أ-1.مفهوم الاستعمال:
تكمن علة التجريم في إساءة استعمال أموال الشركة في العقاب على كل نشاط يسعى الجاني من ورائه إلى الاستئثار المباشر بأموال الشركة أو تسخير ميزانيتها لسداد مصاريف ذات صبغة شخصية. حيث يتحقق النشاط المكون للركن المادي في الجريمة بمجرد الاستفادة من القرض أو التسهيلات المالية أو الاستخدام غير المبرر لسيارات الشركة ومعداتها أو الاستعانة بإجرائها للقيام بخدمة شخصية لفائدة المدير أو المسير.
حيث يتضح أن مفهوم الاستعمال هو مفهوم شاسع يعاقب عليه المشرع كافة الأشخاص القائمين به.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان الأصل في الاستعمال أن يكون إيجابيا، هل يمكن أن يتحقق بنشاط سلبي أو من طريق الامتناع كعدم مطالبة المتصرف أو المدير بدين الشركة التي يديرها على شركة أو مقاولة أخرى له بها مصالح شخصية؟ .
إلا أن الإجماع غير منعقد على اعتبار السلوك السلبي كاف لان يكون استعمالا فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها بان مجرد الإهمال أو الامتناع لا يمكن أن يشكل استعمالا .
كما أن القضاء اعتبر استخدام عمال الشركة من أجل إنجاز أشغال في المنزل الشخصي للمتصرف يشكل استعمالا لأموال الشركة.
بل يمكن أن نرد هذه الجريمة حتى على الحقوق المعنوية للشركة إذ يسجل المدير براءة اختراع باسمه ليستغلها لصالحه مع أن الشركة هي التي أنفقت على بحوث إعدادها يعتبر مرتكبا لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة .
أما اعتمادات الشركة فهي تتحدد في سمعتها وقدرتها على تحمل وضمان الديون، حيث تعتبر إساءة في استعمال اعتمادات الشركة تعريفها لأخطار معينة دون مبرر تقتضيه مصلحتها، إضافة إلى التوقيع على ورقة تجارية دون أن تجني الشركة من ورائها مقابلا وبدافع مصلحة الفاعل الشخصية.
ب-تعارض الاستعمال مع المصلحة الاقتصادية للشركة:
إن العنصر الثاني في الركن المادي لجريمة إساءة استعمال أموال أو اعتمادات الشركة يكمن في ضرورة كون الاستعمال يتعارض مع المصلحة الاقتصادية للشركة وإلا فإن الجريمة تنتفي، إلا أن الإشكال المطروح في هذا الصدد يتعلق بمعرفة متى يكون التصرف أو الفعل متعارضا مع مصلحة الشركة؟ إن غياب تعريف من طرف المشرع المغربي جعل الباب مفتوحا على مصراعيه لآراء فقهية اجتهدت لتحديد معايير التصرف المخالف لمصلحة الشركة.
ونجد أن أي تصرف أو استعمال لأموال الشركة تترتب عنه أضرار بالشركة مما يفيد تعارضه مع مصلحة مباشرة أو غير مباشرة للمسير .
أما الضرر المجرد من سوء النية الذي قد تتحمله الشركة نتيجة ظروف اقتصادية أو سياسية فإنه لا يعتد به.
كما نجد بعض الحالات التي يتابع فيها المسير بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة بالرغم من غياب ضرر مادي يلحق بالشركة كحالة دمج أموال المسير في أموال الشركة واستعمالها للمصلحة الشخصية .
كما أن إساءة استعمال أموال الشركة قد تتخذ صورة بالغة التعقيد حيث إن تعارضها مع المصلحة الاقتصادية للشركة بصورة متقطعة وبشكل غير جلي أو من حيث مادية الاستعمال كحالة الاستعمال الشخصية لأموال الشركة دون امتلاكها .
وفي هذه الحالة فالقضاء اعتمد على معيار المخاطر أو الخطر لقيام هذه الجريمة. بحيث يعتبر استعمالا سيئا لأموال الشركة كل استخدام يعرضها للخطر وذلك بدافع المصلحة الشخصية للفاعل حتى ولو لم ينتج عنه ضرر شخصي للشركة.
كما أن الاستعمال يجب أن يرد على أموال الشركة من عقارات أو منقولات معنوية أو غير معنوية.
ب-1.مضمون الاستعمال
طبقا لنص الفقرة الثالثة من المادة 384 من ق.ش.م يجب أن ينصب الاستعمال على أموال الشركة أو على اعتماداتها. والأموال biens قد يكون عقارات أو منقولات تدخل في الذمة المالية للشركة حيث يدخل ضمن أموال الشركة منقولاتها والبضائع التي تحتفظ بها في مخزونها والديون التي تتصرف فيها وعماراتها وعقاراتها، وكمثال على ذلك من مدير الشركة الذي يرهن الشركة عقارات من عقاراتها للحصول على قرض استولى عليه لنفسه أو لشركة أخرى له فيها مصالح خاصة .
الفقرة الثالثة: الركن المعنوي
يلزم لقيام جريمة إساءة استعمال أموال الشركة بالإضافة إلى الركن المادي توافر القصد الجنائي لدى المتهم إذ أن المادة 384 من فقرتها الثالثة من قانون 95-17 والمادة 3/107 من قانون96/5 إنما تعاقب المسيرين "الذين استعملوا بسوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة"
من هنا كان لازما لاكتمال مقومات الركن المعنوي توافر القصد الجنائي بنوعيه القصد العام والقصد الخاص.
أولا: القصد العام
يتوفر هذا القصد بتوافر علم المسير بالاعتداء على مصلحة الشركة واتجاه إرادته لتحقيق الواقعة الإجرامية، فمقتضى العنصر الأول أن يكون المسير على علم بكون الفعل الذي يأتيه يتعارض مع مصالح الشركة الذي من شأنه تعريضها للخطأ الذي سيمس أصول وأموال الشركة، ومقتضى العنصر الثاني أن يستهدف الجاني بسلوكه إحداث النتيجة التي ينهي عنها القانون من هنا كان مجرد الإهمال أو الخطأ في التسيير يدخل في تكوين الركن المعنوي لهذه الجريمة.
وفي سبيل إثبات هذا القصد تعتمد محكمة الموضوع على قرائن مادية معنية من قبيل: إحالة الأعمال المرتكبة بسياج من الحرية أو منح مكافحات ضخمة في وقت تعاني فيه المقاولة من ضائقة مالية شديدة.
صحيح أن عناء إثبات أركان الجريمة ومنها القصد الجنائي يقع نظريا على عاتق النية العامة وان صالح المتهم هو الأولى بالرعاية متى جاء هذا الإثبات ناقصا أو مشوبا بالشك إلا أن الممارسة القضائية تجري على افتراض سوء النية لدى المسير اعتبارا للمركز الرفيع الذي يشغله والمسؤولية الحتمية التي يتجشمها داخل المقاولة فإذا ما تأكد أن المتهم قد سعى من وراء الفعل المنسوب إليه مجرد تحقيق مصلحته الشخصية أصبحت مسؤوليته الجنائية قائمة بغض النظر عن إجازة باقي الشركاء لهذا الفعل ولا التمسك به لكونه لم يسبب ضررا ما للشركة.
ثانيا: القصد الخاص
ينبغي ثبوت عنصر آخر زيادة على القصد العام وهذا العنصر يتمثل في القصد الخاص هذا الأخير يعني وجود قصد خاص لدى المتهم قوامه تحقيق أغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مقاولة له بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة.
وهذا العنصر هو الأهم الذي يجب تزويد القاضي به لدى اضطلاعه بتحديد الوقائع لأنه يشكل الباعث المحرك للفعل المرتكب زيادة على القصد الجنائي العام.
وتقرير وجود القصد الخاص يشكل قرينة قاطعة ودليلا حاسما على وجود القصد الجنائي للمسير.
المطلب الثالث: شروط العقاب و العقوبات المطبقة على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة:
إن المعاقبة على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تشترط شروطا خاصة بالشركات (الضحية) وأخرى خاصة بالفاعلين.
أولا: شروط العقاب:
الفقرة الأولى: الشروط الخاصة بالشركات:
إذا كان العقاب على هذه الجريمة يهدف إلى حماية أموال الشركات من التجاوزات والخروقات المرتكبة من قبل مسيرها، فهذه الجريمة لا تشمل جميع الشركات في القانون الفرنسي خلافا للمشرع المغربي
أ- بالنسبة للمشرع المغربي:
إن المشرع المغربي لا يميز بين الشركات التجارية يعني أنه يمكن متابعة جميع الشركات التجارية سواء كانت شركات أشخاص أو شركات أموال (الشركة ذات المسؤولية المحدودة أو شركات المساهمة) متى توافرت أركانها، وهذا ما يستفاد من المادة 100 من ق التي تنص على أنه "تطبق أحكام هذا الباب التي تنص مسيري الشركات موضوع هذا القانون على كل شخص يكون قد زاول فعلا سواء مباشرة أو بواسطة شخص آخر لتسيير شركة إما باسم ممثلها القانوني أو بالحلول محله".
وكذلك نص المشرع في الفصل المتعلق بالعقوبات والمخالفات والعقوبات المشتركة على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 586 على كل من شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية بالأسهم والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المخاصة.
ب-بالنسبة للقانون الفرنسي:
خلافا للمشرع المغربي فالمشرع الفرنسي قد استثنى شركات الأشخاص (شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة من نطاق الجريمة
هذا الإقصاء أقرته محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 3 أكتوبر 1963 رفضت من خلاله متابعة مسير شركة تضامن بجريمة إساءة أموال الشركة غير أنه استثناءا يمكن في حالة التصفية متابعة جميع الشركات التجارية بغض النظر عن طبيعتها سواء كانت شركات أموال أو شركات الأشخاص ذلك أنه استنادا إلى مقتضيات الفصل 423 من قانون الشركات الذي يقابل الفصل 488 من القانون الفرنسي لسنة 1966 الذي لا يميز بين الشركات التجارية في هذا الصدد.
ونفس الإشكال يطرح بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة من شخص آخر إلا أن البعض يرى أن مقتضيات شركات المسؤولية المحدودة تطبق على الأولى إذ أنه يمكن متابعة مسيري الشركة ذات الشخص الواحد بهذه الجريمة بالرغم من أن تكوينها من شخص واحد قد يطرح أكثر من إشكال خاصة عندما يكون المسير هو نفسه المساهم الوحيد في هذه الشركة، إذ هل يمكن متابعة المسير الذي أساء استعمال أموال شركته؟ في هذا الإطار نجد محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 14 يونيو 1933 أدانت من خلاله مسير شركة ذات مسؤولية محدودة من شخص وحيد بجريمة استعمال أموال الشركة.
واستندت في ذلك إلى مقتضيات المادة 34 من قانون 24 يوليوز 1966 الذي يقابل المادة 44 من قانون رقم 96/5 المغربي الذي ينص على أن "شركة ذات المسؤولية المحدودة تتكون من شخص أو أكثر".
وجريمة إساءة استعمال أموال الشركة لا تهدف فقط الحفاظ على أموال الشركة بل تهدف كذلك إلى حماية مصلحة الاغيار الذين تعاقدوا معها وهذا ما أثار إليه القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 26 ماي 1994.
الجدير بالذكر أن فتح مسطرة التصفية القضائية في مواجهة الشركة تضع حدا لإمكانية متابعة مسيرها بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة لتحل محلها جريمة التفالس ليس فقط في الاختلاسات التي ارتكبت بعد فتح المسطرة بل تشمل حتى تلك السابقة لتاريخ فتح المسطرة .
ج-شرط تمتع الشركة بالشخصية المعنوية
إن الشركات التجارية موضوع هاته الجريمة يجب أن تتمتع بالشخصية المعنوية بحيث أن الشركات التي لا تتمتع بها لا يمكن أن تكون ضحية هاته الجريمة وبالتالي فالمسير الذي يستعمل أموال شركة غير مسجلة بالسجل التجاري بشكل يتعارض مع مصلحتها الاقتصادية لا يمكن أن يتابع بهذه الجريمة لأنها غير موجودة من الناحية القانونية، نفس الشيء يطبق على تلك الشركات التي تم الحكم ببطلانها وهنا يمكن متابعة المسير في هذه الشركات (غير المعنية بصفة قانونية/ ثم الحكم ببطلانها) بجريمة خيانة الأمانة أو النصب.
الفقرة الثانية: الشروط المرتبطة بصفة الفاعل:
تعتبر جريمة إساءة استعمال أموال الشركة من الجرائم التي لا تقترف إلا من أعضاء أجهزة الإدارة أو التسيير لشركة وذلك ما نص عليه المشرع في المادة 384 من ق. الشركات وحدد الأشخاص المخاطبين بهذه الجريمة في أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير فقط.
"
ويقصد حسب المادة 373 من نفس القانون قانون 95/17 بتعبير أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير" في شركات المساهمة ذات مجلس الإدارة: أعضاء مجلس الإدارة بما في ذلك (الرئيس والمديرون العامون غير الأعضاء في المجلس وفي شركات المساهمة ذات مجلس الإدارة الجماعية ومجلس الرقابة أعضاء هذين الجهازين).
غير أن العقوبات المحددة في المادة 384 لا يقتصر تطبيقها على المسيرين القانونيين أي المسيرين الشرعيين الذين تم تعيينهم طبقا للقواعد المحددة في قوانين الشركة أو الذين يتولون بصفة نظامية مهام الإدارة والتسيير أو التدبير أو التسيير في الشركة بل إنها تطال كذلك المسيرين الفعليين "وهم الذين يمارسون بصورة مباشرة أو غير مباشرة نشاطا إيجابيا ومستقلا داخل الشركة تحت غطاء أو نيابة عن الممثلين القانونيين أو كأن يتلاعب بهؤلاء ويجدر بالذكر أن متابعة المسير القانونيين بهذه الجريمة تمكن حتى بعد انتهاء مدة علمهم، إذ العبرة بتاريخ ارتكاب الفعل وليس بتاريخ اكتشافه إلا أن الإشكال الذي يطرح هو مدى إمكانية متابعة الأشخاص المعنوية التي تتولى تسيير الشركات.
أ- حالة للمشرع الفرنسي:
إن الفقيه الفرنسي يستبعد الأشخاص المعنوية التي تتولى تسيير الشركات التجارية من نطاق تطبيق هذه الجريمة إذ أنه ليس هناك أي نص قانوني نص صراحة على إمكانية متابعة الأشخاص المعنوية بهذه الجريمة ويضيف هذا الاتجاه قائلا أن ارتكاب الأشخاص المعنوية لجرائم التسيير محدودة ومحظورة لطالما أن هناك نصوص قانونية تمنعها من تولي بعض المناصب أو القيام ببعض مهام تسيير في بعض الشركات كما هو الشأن بالنسبة للفصل 49 (ف1) من قانون 24 يوليوز 1966 الذي ينص على أن تسيير شركة ذات المسؤولية المحدودة يكون من طرف الأشخاص الطبيعيين فقط وكذا المادة 120 (ف.3) التي تمنع الأشخاص المعنوية من المساهمة أو المشاركة في مجلس الإدارة لشركة المساهمة ذات مجلس الإدارة، إلا أن عدم إمكانية متابعة الأشخاص المعنوية لجريمة إساءة استعمال لا يعني عدم إمكانية متابعة ممثليها القانونيين بهذه الجريمة.
ب- بالنسبة للمشرع المغربي:
إن المشرع المغربي نص في المادة 6 من قانون 96-5 في فقرتها الثانية على أنه "إذا كان المسير شخصا معنويا، فإنه مسيره يخضعون لنفس الشروط والالتزامات ويتحملون نفس المسؤولية المدنية والجنائية كما لو كانوا مسيرين باسمهم الخاص، بصرف النظر عن المسؤولية (التضامنية) للشخص المعنوي الذي يسيرونه".
ثانيا: العقوبات المطبقة على مرتكبي جريمة استعمال أموال الشركة.
الفقرة الأولى: عناصر العقاب:
نتناول هذه الفقرة مساهمة الأشخاص في الجريمة بصورة أصلية أو تبعية كخطوة أولى في سبيل تحريك المتابعة وتطبيق العقاب:
أ-المساهمة في الجريمة:
أ-1-المساهمة الأصلية في جريمة استعمال أموال الشركة:
تعتبر جريمة إساءة استعمال أموال الشركة من الجرائم التي لا تقترف إلا من طرف أعضاء الجهاز الإداري للشركة أي ضرورة ثبوت صفة المسير في مرتكبها، وهذا الأخير يقع تحت طائلة العقاب المقرر لهذه الجريمة سواء أكان مسيرا قانونيا أم فعليا.
وتتحدد صفة المسير القانوني Dirigeant de Droit بالنظر إلى النظام الذي تخضع له الشركة فبالنسبة لشركات المساهمة مثلا تتمتع بصفة مسير قانوني كل شخص معين بشكل نظامي ووفقا للمقتضيات القانونية الخاصة بهذه الشركات الذين أسندت إليهم مهمة إدارة وتسيير الشركة.
وتختلف أجهزة الإدارة تبعا لاختلاف أسلوب تسيير الإدارة المتبع في شركات المساهمة بحيث أن ثمة شركات ذات مجلس إدارة وأخرى ذات مجلس الإدارة الجماعية وذات مجلس الرقابة.
أما المسير الفعلي Dirigeant de fait فتبثث مسؤوليته عن الجريمة بناءا على المادة 374 من قانون 95-17.
وقد عرفت محكمة النقض الفرنسية المسير الفعلي بكونه الشخص الذي يملك سلطة إلزام الشخص المعنوي بالقرارات التي يتخذها ويتبين من هذا التعريف أن الخاصة الأولى تتميز الفعلي إنما تتمثل في ممارسة النشاط المتصل بإدارة الشركة أو المنشأة بصورة مستقلة بمعنى أن يمتلك المسير القدرة على التصرف بإرادته الحرة ومن غير أن يتقيد بالأوامر الصادرة من الرؤساء الأعليين، على خلاف الأجير الذي يدين للغير بعلاقة التبعية.
وهناك خاصة ثانية تتمثل في أن المسير يفترض فيه التدخل الإيجابي والمستمر في نشاط يومي بالشركة، والعبرة ليست بالسلطات الممنوحة لهذا المسير بل بممارسة هاته الأعمال على أرض الواقع فعلا من خلال تصرفات محددة من قبل: صلاحية التوقيع واستخلاص الأموال باسم الشركة وإصدار الأوامر إلى الأجراء والتعامل مع المؤسسات المصرفية .
أ-2-المساهمة التبعية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة:
تتحقق صفة المشارك فيمن لم يتبين ارتكابه الفعل المادي للواقعة الجرمية، إلا أنه تدخل فيه إما بالتحريض أو المساعدة أو تقديم الإعانة ومن قبل المشاركة في هذه الجريمة تسخير المسير من قبل أحد أعضاء مجلس الإدارة الذي يملك أغلبية أسهم الشركة في اتخاذ قرارات تؤثر على الذمة المالية لهذه الأخيرة خدمة لأغراضه ومصالحه الشخصية ولكن هل يجوز أن تتحقق المشاركة في الجريمة عن طريق الامتناع كما إذا علم أحد أعضاء مجلس المراقبة في الشركة بالخروقات ولم تتم الاعتراض عليها؟
رغم بعض الاجتهادات المخالفة: فإن موقف قضاء محكمة النقض الفرنسية تبدو مقتصرة على كون المشاركة في الجريمة إنما تتطلب الإتيان بفعل إيجابي سابق أو معاصر لتنفيذ الجريمة وأنها تنتفي بمجرد عدم الفعل أو الامتناع.
الفقرة الثانية: مسطرة المتابعة والعقاب المطبق على مرتكب جريمة استعمال أموال الشركة.
-1-تحريك الدعوى العمومية وتقادمها:
إن تحريك الدعوى العمومية في جريمة إساءة أموال الشركة تطبق بشأنه القواعد العامة في قانون المسطرة الجنائية وعليه يمكن إثارتها من طرف النيابة العامة ومن طرف المتضرر عن طريق تقدم شكاية إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية؟
والانتصاب كطرف مدني ويرجع حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في هذه الجريمة إلى كون الشركة أداة ووسيلة لتنشيط الاقتصاد الوطني وتنميته، ومما لاشك فيه أن المس بهذه الأخيرة (الشركة) يعني المس بالنظام لاقتصادي والاجتماعي القائم وهو ما يفتح الباب للنيابة العامة للدفاع عن مصالح المجتمع بواسطة تحريك الدعوى العمومية ضد كل من سولت له نفسه الإخلال بهذا النظام .
ومن بين من يتضرر من تصرفات أعضاء الجهاز الإداري المتمثلة في إساءة استعمال أموال الشركات نجد بشكل أساسي الشركة والمساهمين وعلى هذا الأساس يمكن للشركة أن تتقدم بشكاية ضد المدير أو المتصرف أو المسير الجاني باسم ممثلها القانوني ويمكنها أيضا الانتصاب كطرف مدني للمطالبة بتعويض الضرر الذي لحقها من جراء الجريمة، وكما تبين بالنسبة للشركة فالمساهمين أيضا يمكنهم أن يقيموا إما فرادى أو جماعات، دعوى الشركة ضد المتصرف أو المسير المخالف، غير أن التعويضات المحكوم بها في هذا الصدد تمنح للشركة وليس للمساهمين، ولأجل ذلك فإن المساهمين يجوز لهم تكليف أحد منهم وعلى حسابهم الخاص لتمثيل الشركة أمام القضاء. ولا يؤثر انسحاب احد المساهمين على مواصلة الدعوى المدنية التابعة كما لا تتوقف هذه الأخيرة على موافقة الجمعية العامة.
ويمكن لكل مساهم تضرر شخصيا من الفعل المجرم تقديم شكاية إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية قصد تحريك الدعوى العمومية ضد الفاعل، كما يحق له الانتصاب كطرف مدني أثناء جريان الدعوى العمومية.
وللإشارة في هذا الصدد فالقضاء الفرنسي استقر على أن دائن الشركة لا يمكنه الانتصاب كطرف مدني لجريمة إساءة أموال الشركة لأنه لا يتضرر مباشرة من أفعال المتصرف أو المسير إلا أن الصعوبة تكمن في إثبات الجريمة من طرف المساهمين نظرا لعدم علمهم وإلمامهم الشامل بعلم المحاسبة والمراجعة، أضف إلى ذلك أن المخالفات الخطيرة والجسيمة لا يتم إدراجها في دفاتر الشركة ولا يمكن الوقوف عليها إلا بواسطة خبير مختص في مراجعة الحساب وتدقيقها كمراقب الحسابات وهنا يظهر قصور وعدم جدوى المنحى الذي ساهم عليه المشرع المغربي حينما لم يخول لمراقب الحسابات إبلاغ الجرائم المكتشفة من طرفه أثناء مباشرة مهامه إلى وكيل الملك "وذلك ما تبينه جليا المادة 169 من قانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة والمادة 13 من قانون 96-5 المتعلق بباقي الشركات التي تحيل على أحكام القانون 95-17" وإبلاغ مراقب الحسابات الجرائم المكتشفة إلى وكيل الملك إمكانية من شأنها أن تقوي سلطات مراقب الحسابات واستقلالهم وتمكن كذلك الكشف عن مجموعة من الجرائم التي تبقى خفية ومستترة ولذلك فتبليغ أعضاء المجلس الإداري بهاته الجرائم ليس من شانه الحيلولة دون وقوع الشركة فيها،
أما فيما يتعلق بتقادم الدعوى العمومية في إطار جريمة إساءة أموال الشركة فإنه يخضع للتقادم الخميسي الذي نصت عليه المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية إلا أن القضاء ولتفادي بقاء الجريمة مستترة مما يجعل التقادم يطالها أقر بأن بداية أمد التقادم هو التاريخ الذي يمكن فيه اكتشاف الجريمة والذي يمكن فيه تحريك الدعوى العمومية أي في الوقت الذي يمكن فيه للنيابة العامة أو المطالب بالحق المدني ممارسة الدعوى.
2-العقاب على الجريمة:
لعل أهم ما يميز العقاب الجاري على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة خاصيتان اثنتان: التساهل المفرط الذي يطغى على هذا العقاب في شقه الخاص بالعقوبة المالية المحرمة من جهة واختلاف العقوبات السالبة للحرية من حالة إلى أخرى باختلاف النصوص القانونية الواجبة التطبيق من جهة أخرى.
فإذا كان القانون الفرنسي الذي يعد المصدر التاريخي المباشر المقتبس عنه النظام الساري على هذه الجريمة يرصد عقوبة حسية تتراوح مدتها بين سنة واحدة وخمس سنوات وغرامة مالية مقدارها 375000 أورو، فإن المشرع المغربي لا يعاقب عليها كأصل عام إلا بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة تتراوح ما بين 100.000 إلى 1000.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كما نص على ذلك في الفصل 384 من قانون 95-17 المتعلق بشركة المساهمة ونص كذلك في المادة 107 من قانون 96-5 بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة ونص المشرع كذلك في المادة 118 من قانون 96-5 على نفس العقوبة بخصوص شركات التوصية البسيطة.
وتطبق على المصفى في القانونين معا العقوبة السالبة للحرية ذاتها والغرامة المالية المحددة في مقدار تتراوح بين 8000 و 400.000 درهم وذلك ما نص عليه المادة 423 من قانون 96-17 والمادة 105 من قانون 96-5 التي تحيل على مقتضيات المواد من 421 إلى 424 من قانون 95-17 المتعلق بشركة المساهمة.
هذا إلى جانب العقوبات الأصلية ثمة عقوبات إضافية يمكن للمحكمة النطق بها وهي تلك المخولة لها بمقتضى المادة 442 من ق. الشركات المساهمة التي "تقتضي بأنه يمكن للمحكمة أن تأمر نشر قرارها كاملا أو نشر مستخرج منه على نفقة المحكوم عليه في الصحف التي تحددها أو بإعلانه في الأماكن التي تعينها.
**
وهناك حالة أخرى خاصة يصطلح عليها بمسطرة التمديد التي أشار إليها المشرع في الفصل 706 من مدونة التجارة التي يحكمها يمكن متابعة المسير بجريمة استعمال أموال الشركة، ولعل ما جعل المشرع ينص على تجريم الأفعال المنصوص عليها في المادة 706 من مدونة التجارة هو رغبته في ردع المسيرين الذين قد يجعلون الشركة مطية للاستغلال والاحتيال والإثراء غير المشروع على حساب الشركاء أو المساهمين والدائنين والائتمان والاقتصاد الوطني في ذات الوقت.
ومن هنا كانت فكرة تمديد المسطرة ضد المسير جزاءا يترتب عنه الإخلال بالالتزامات المفروضة عليه وخيانة للائتمان الموضوع في شخصه، ولابد من الإشارة إلى أن هناك علاقة بين الحكم القاضي بفتح المسطرة في مواجهة الشركة وتطبيق هذه المسطرة على المسير بحيث أن تمديد المسطرة لا يكون بقوة القانون بل لابد من صدور حكم في الموضوع أقر بمسؤولية المسير وذلك إذا توفرت فيه الشروط الشكلية والموضوعية لذلك، وفي حالة توفرها فإنه لا يمكن للمحكمة إعمال السلطة التقريرية بل يصبح عليه لزاما النطق بالتسوية أو التصفية القضائية في مواجهة المسير.
أ-الشروط الشكلية :
-
ضرورة وجود شخصية معنوية في حالة الصعوبة:
فلا يمكن الحديث عن مسطرة التمديد إلا إذا تعلق الأمر بالشخصية المعنوية- أما إذا تعلق الأمر بالشخص الطبيعي فلا يمكن الحديث عن تمديد المسطرة لأن هذه الأخيرة تفتح مباشرة في حق الشخص الطبيعي الذي يكون ملزما بقوة القانون بتغطية الخصوم، سواء بواسطة أدوات أو معدات يمكن بيعها لتغطية النقص الحاصل في باب الأصول.
-
وجود حكم قضائي بفتح المسطرة في حق المقاولة:
إن مسطرة التمديد هي مسطرة لاحقة للمسطرة الأم، مسطرة صعوبة المقاولة والتي تفتح في حق المقاولة بمقتضى حكم قضائي، فإذ تبين للمحكمة أن التوقف عن الدفع كان سبب الخطأ في التسيير، فإنها تقضي تمديد المسطرة، ونظرا لما للمحكمة من صلاحية في وضع يدها تلقائيا على المسطرة فإن التمديد يمكن أن يكون ابتداء من فترة الملاحظة ولا يمكن في أي حال من الأحوال افتراض حكم يقضي بالتمديد، من غير حكمها في الموضوع قضى بالتسوية أو التصفية القضائية في مراجعة الشركة.
*
الصفة في طلب تمديد المسطرة:
مثل جميع الدعاوى فإن طلب تمديد المسطرة يجب أن يقدم من ذوي الصفة للمطالبة بالتمديد وعكس المشرع الفرنسي الذي أعطى الصلاحية لكل من المحكمة بصفة تلقائية أو المتصرف بالشركة أو ممثل الدائنين المصفي أو النيابة العامة فإن المشرع المغربي حصر هذه الإمكانية في السنديك أو المحكمة فقط وذلك حسب المادة 708 من مدونة التجارة إذ أن نقطة الاختلاف بين التشريع الفرنسي والمغربي تتضح من خلال إدخال المشرع الفرنسي للنيابة العامة كذي صفة والمشرع المغربي استثناها من ذلك، ذلك أن المشرع المغربي لو أراد إعطاء هذه الصلاحية للنيابة العامة جاءت المادة صريحة وواضحة كما هو الشأن بالنسبة لطلب فتح مسطرة صعوبة المقاولة حيث جاء في المادة 563 الفقرة الثانية "يمكن للمحكمة أيضا أن تضع يدها على المسطرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة..." .
-
المحكمة المختصة لإصدار الحكم:
نظرا للعلاقة الموجودة بين المسطرة المفتوحة في مواجهة الشركة تلك والتي قد تفتح في مواجهة المسير، فإن المحكمة التي أصدرت الحكم القضائي بفتح مسطرة صعوبة المقاولة في مواجهة المقاولة هي وحدها المختصة بإصدار الحكم بالتسوية أو التصفية القضائية في مواجهة المسير، وهذا ما نصت عليه المادة 703 من مدونة التجارة التي جاء فيها "تكون المحكمة المختصة بإصدار العقوبات المادية المنصوص عليها في هذا الباب هي المحكمة التي فتحت المسطرة".
ب-الشروط الموضوعية:
وهي التي تتعلق بالمسير بالأخطاء التي قد ترتكبها في التسيير حيث جاءت في المادة 704 من مدونة التجارة ما يلي "حينما يظهر من خلال سير المسطرة في مواجهة شركة تجارية نقص في باب الأصول، يمكن للمحكمة في حالة حصول خطأ في التسيير ساهم في هذا للنقص، أن تقرر تحميله كليا أو جزئيا تضامنيا أم لا لكل المسيرين أو للبعض منهم فقط".
ولكن فمن أجل تمديد المسطرة للمسير، لا يكفي وجود خطأ في التسيير بل لابد من وجود علاقة سببية بين هذا الخطأ، والنقص الحاصل في الأصول، وهذا ما كرسه القضاء المغربي في مجموعة من الأحكام .
إذا كان المشرع في المادة 706 من مدونة التجارة عدد الحالات التي يجب فيها على المحكمة أن تحدد المسطرة إلى المسير فإنه بالعكس من ذلك لم يحدد في المادة 704 من مدونة التجارة طبيعة الخطأ الذي يمكن اعتماده كسبب لتحميل المسير جزءا أو كل الخصوم، لتبقى المحكمة المعروضة أمامها الدعوى تتمتع بسلطة تقديره واسعة في استنتاج الخطأ في التسيير وعلاقته بالوضعية التي آلت إليها المقاولة وفي هذا السياق يمكن اعتبار وأحجام المسير عن اتخاذ أية مبادرة إيجابية لتصحيح وضعية المقاولة في باب الأصول، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته أما إذا كانت الصعوبات التي اعترضت المقاولة خارجة عن إرادة المسير فإنه لا يمكن تمديد المسطرة إليه ونخلص إلى أنه وجب التأكد من العلاقة بين الخطأ في التسيير والنقص الحاصل في باب الأصول مع الأخذ بعن الاعتبار حجم الضرر في هذا الصدد.
خاتمة:
نخلص من هذا البحث إلى القول إن المشرع لم يكتفي بالنص العام –الفصل 547 من ق.ج الذي يجرم بمقتضاه خيانة الأمانة بالنظر لما يمكن أن تلحقه من أضرار بالمال المشترك بل جرم بنص خاص الفصل 384 من ق. شركات المساهمة والفصل 107 من قانون باقي الشركات عملا دقيقا يتجلى في السلوك المسيء لاستعمال أموال الشركة بما يخالف مصلحتها الاقتصادية.
وعلى الرغم من أوجه التشابه التي يمكن مصادفتها بين جريمة إساءة استعمال أموال الشركة وبعض الجرائم القريبة منها مثل جريمة خيانة الأمانة وجريمة التفالس فإن أوجه الاختلاف بينها تبقى قائمة على المستوى القانوني.
ولعل السبب في تجريم الأفعال التي تسيء استعمال أموال الشركة يرجع إلى رغبة المشرع في المحافظة على المال المشترك والمصلحة المشتركة والاقتصاد الوطني في النهاية، ويبدو أن العقوبات التي نص عليها المشرع ضد المسير في حالة ارتكابه لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة متلائمة مع هذا النوع من الجرائم، والأفضل من ذلك أن المشرع اعتمد العقوبات المالية لكونها تكون رادعة أكثر من الثانية على أساس أن المسير غالبا ما يهدف من خلال إساءة استعمال أموال الشركة إلى تحقيق أغراض أو منافع ومزايا خاصة، وبعبارة مختصرة فالتاجر أو المسير يبحث طبعا عن المزيد من الربح ولاشك أن أفضل عقوبة لردعه تتجلى في المساس بوضعيته المالية لأنها هي المنطقة الحساسة بالنسبة إليه.
ويتضح كذلك من خلال النصوص المجرمة للأفعال التي تمس بأصول وأموال الشركة أن المشرع كان حريصا على بيان الأوجه إلي يمكن أن يتجلى فيها التصرف الشيء لمصلحة الشركة، ومع ذلك فإن مفهوم المصلحة الاقتصادية يشكل مجالا لاختلاف التفسيرات الفقهية، كما أن المشرع كان حريصا على التنصيص صراحة على ضرورة تحقق الركن المعنوي لقيام الجريمة وذلك كله تفاديا للاختلاف في التفسير الذي يضر بدون شك بالقانون الجنائي ويعرض السلامة القانونية للخطر.
وأخيرا يلاحظ أن المشرع بدأ شيئا فشيئا يؤسس لما ينص بالقانون الجنائي للشركات وهو عماد القانون الجنائي للأعمال إذ يصاحب الشركة منذ نشأتها وأثناء تسييرها إلى حين انقضائها.
لائحة المصادر والمراجع
المراجع باللغة العربية:
المؤلفات:
وجدي سليمان حاطوم: دور المصلحة الجماعية في حماية الشركات التجارية، منشورات الجبلي الحقيقية.
الطيب الفصايلي: المدخل لدراسة القانون، الطبعة الخامسة، مطبعة النجاح الجديدة.
أحمد شكري السباعي: الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، الجزء3، دار النشر المعرفة، الطبعة الأولى 2000.
صعوبات المقاولة وميدان التسوية القضائية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، الندوة الجهوية الثامنة، قاعة عمالة الفحص، أنجرة – طنجة، 21-22 يونيو 2007، احتفاء بالذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى.
المقالات:
بوعبيد عباسي: تدخل القانون الجنائي في تأسيس شركات المساهمة، مقال منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن عدد 41، 2004.
محمد كرم: جريمة إساءة استعمال أموال أو اعتمادات الشركة في قانون شركات المساهمة المغربي، مقال منشور بمجلة المحامي، ع39، يوليوز، 2001.
عبد الحفيظ بلقاضي: جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، ع11، أكتوبر 2006.
الرشيد صلاح الدين: المسؤولية الجنائية لمسيري المقاولة حال تعرضها للصعوبة (جريمة التفالس)، مقال منشور بمجلة المنتدى، ع3، 2002.
المراجع باللغة الفرنسية:
Laurent GODON : Abus de confiance et Abus de biens sociaux, Rev. Soc. N°2, avr. Juin. 1997.
الفهرس
المبحث الأول: تعريف وتمييز جريمة التعسف استعمال أموال الشركة عن بعض الجرائم المشابهة
أولا: تعريف جريمة إساءة استعمال أموال الشركة
ثانيا: تمييز جريمة إساءة استعمال أموال الشركة عما يشابهها
1-تمييز جريمة إساءة استعمال أموال الشركة عن جريمة خيانة الأمانة
2-
تميز جريمة إساءة استعمال أموال الشركة عن جريمة التفالس
المبحث الثاني: الأركان والشروط والعقوبات الخاصة بجريمة استعمال أموال الشركة
المطلب الأول: أركان جريمة استعمال أموال الشركة
أولا: أركان جريمة استعمال أموال الشركة
الفقرة الأولى: الركن القانوني
الفقرة الثانية: الركن المادي
الفقرة الثالثة: الركن المعنوي
أولا: القصد العام
ثانيا: القصد الخاص
المطلب الثالث: شروط العقاب و العقوبات المطبقة على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة
أولا: شروط العقاب
الفقرة الأولى: الشروط الخاصة بالشركات
الفقرة الثانية: الشروط المرتبطة بصفة الفاعل
ثانيا: العقوبات المطبقة على مرتكبي جريمة استعمال أموال الشركة
الفقرة الأولى: عناصر العقاب
الفقرة الثانية: مسطرة المتابعة والعقاب المطبق على مرتكب جريمة استعمال أموال الشركة



ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *