-->

شرط عدم المنافسة


 
 
مقدمة:

إنه انطلاقا من القاعدة العامة التي تسود جميع العقود ألى وهي أن العقد شريعة المتعاقدين التي ينص عليها الفصل 230 من ظ.ل.ع، فإنه بإمكان أطراف العقد أن يضعوا ما شاء لهم من الشروط التي ارتضوا عليها، ومن بين هذه الشروط شرط عدم منافسة المشغل من قبل الأجير أثناء سريان عقد الشغل وبعد انتهائه خلال المدة المحددة لشرط عدم المنافسة.
وإن شرط عدم المنافسة في عقود الشغل يخدم مصلحة المشغل لأن من شانه حماية مشروعه من أي منافسة قد تضر بمصالحه لأن الأجير غالبا ما يتمكن بحكم عمله داخل المقاولة من الإحاطة بجميع أسرار العمل وتقنياته، وفي المقابل يثير شرط عدم المنافسة إشكالا باعتباره يشكل قيدا على حرية الشغل ومفاده عدم جبر الإنسان على العمل فيما لا يريده، أو منعه من مزاولة عمل يستطيع أن يبرز فيه خبراته وقدراته العقلية والجدسية.
وإذا كان المشرع المغربي قد نظم شرط عدم المنافسة في الفصل 109 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي فإنه حاول أن يحقق نوعا من التوازن في اتجاه تحقيق أغراض المشغل التي تتمثل في المحافظة على اسرار العمل وحماية المقاولة من كل منافسة, أما بالنسبة لمصالح الأجير فتتمثل في عدم حرمانه من العمل في المكان الذي يريده.
وانطلاقا مما سبق يمكن طرح الإشكالية التالية: إلى اي حد حاول المشرع المغربي تحقيق نوع من التوازن بين مصالح المشغل ومصالح الأجير خلال تنظيمه لشرط عدم المنافسة؟
وهذا ما سنعالجه من خلال اتباع منهج تحليلي وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: الأحكام العامة لشرط عدم المنافسة.
المبحث الثاني: تطبيق شرط عدم المنافسة.


المبحث الأول: الأحكام العامة لشرط عدم المنافسة

إن إلتزام الأجير بعدم المنافسة أثناء العقد وبعد انتهاءه يعد التزاما مرتبطا بالمحافظة على أسرار العمل وأن من شأن قيام الأجير بخرق هذا الالتزام الإضرار بمصالح المقاولة.
لذلك سوف نتطرق في هذا المبحث إلى ما هو المقصود بشرط عدم المنافسة وذلك في (المطلب الأول) على أن نتناول شروط صحة في (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم شرط عدم المنافسة

سوف نتطرق في هذا المطلب إلى مفهوم شرط عدم المنافسة في فقرة أولى على أن نتطرق إلى مشروعية هذا الشرط في فقرة ثانية.

الفقرة الأولى: مفهوم شرط عدم المنافسة

        بالرجوع إلى المشرع المغربي نجده لم يتطرق إلى تعريف شرط عدم المنافسة تاركا الأمر للفقه.
       وبالرجوع إلى الفقه نجده عرف هذا الشرط بأنه: " الاتفاق الذي بمقتضاه يلتزم الأجير بعدم منافسة مشغله سواء من خلال إنشاء مشروع منافس، أومن خلال الاشتغال عند مشغل منافس وذلك ليس فقط أثناء سريان العقد بل حتى بعد انتهاءه"1. كما عرفه بعض الفقه2 الآخر بأنه " الاتفاق الذي بمقتضاه يلتزم الأجير بعدم منافسة مشغله، سواء بإنشاء مشروع منافس، او بالعمل عند رب عمل منافس بعد انتهاء عقد الشغل".
يتضح من خلال هذين التعريفين أنهما يسيران في اتجاه واحد ، وينبغي التأكيد على أنه لا مجال للتحدث عن الالتزام بعدم منافسة المشغل الجديد من طرف أجراءه إلا إذا كان هناك شرط اتفاقي بين المشغل وأجرائه، وهذا الالتزام ليس مصدره نص القانون الذي يحرم تلقائيا على الأجير منافسة مشغله سواء أثناء العقد أو بعد إنتهائه أو فسخه، وإنما مصدره الشرط الإتفاقي بينهما1.
لكن تضمين شرط عدم المنافسة في عقد الشغل والذي يمنع الأجير من ممارسة نشاط مماثل لنشاط المشغل يجد مبرره في عدة اعتبارات منها أن الأجير بحكم عمله لدى المشغل يتمكن من الاطلاع على أسرار العمل, وتوطيد العلاقات بعملاء المنشاة الأمر الذي يغريه إن ترك المشغل للاستفادة من مشروع خاص وذلك على حساب المصالح الاقتصادية للمشغل، كما أن الأجير بعد انتهاء عقد الشغل يسترد كامل حريته في أن يمارس نشاطه المهني سواء بالتعاقد مع مشغل آخر، أو بإقامة مقاولة يديرها لحسابه الخاص.
ومقابل الاعتبارات السابقة الذكر التي تمليها مصلحة المشغل هناك اعتبارات تتعلق بمصلحة الأجراء من حيث أن حرية الشغل مبدأ دستوري وهذا المبدأ يكفل للفرد حرية اختيار نوع العمل ومكانه والشخص المتعاقد الذي يناسبه.
كما أن إعمال شرط عدم المنافسة فيه مساس بوضع الأجير الاجتماعي وأن حرمانه من المنافسة قد يحرمه من مهنته الطبيعية والأجير عادة ما يقبل هذا الشرط تحت حاجته للشغل.
ويظهر أن شرط عدم المنافسة يثير تعارض قانوني وواقعي بين مصلحتين متقابلتين ويكون من الضروري التوفيق بينهما، لذلك ينبغي أن تكون شروط عدم المنافسة ملائمة للحدود المتعلقة بالمهنة والمدة بما يتوافق وطبيعة السماح للأجير بإمكانية الشغل إذ لا ينبغي لها ان تحرم الأجير من ممارسة نشاط موافق لتجربة وتكوينه1.

الفقرة الثانية: مشروعية شرط عدم المنافسة

ويدخل شرط عدم المنافسة في إطار التزامات الأجير الذي يمتنع عن القيام بها أثناء مدة عقد الشغل أو بعد انتهائها.
كما أنه يقتضي تنفيذ عقد الشغل بحسن النية التزام الأجير بالمحافظة على أسرار المؤسسة، وعدم منافسة الأجير لمشغله سواء من خلال الاستغلال عند مشغل منافس أثناء وقت الفراغ, أو إفادة المشغل المنافس بالمعلومات والخبرات التي يكون قد اضطلع عليها بفضل مشغله, وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض -المجلس الأعلى سابقا- في قرار لها حيث جاء فيه: "... المستأنف(أي طالب النقض) قد التزم بمقتضى عقد الشغل الذي كان يربطه بمشغلته السابقة, بعدم العمل- في حالة توقفه عن الشغل لديها لأي سبب كان- لمدة: 3 سنوات من تاريخ مغادرته العمل لدى مشغلة تمارس نفس النشاط في مدينة الدار البيضاء.
وأن مبادرة الطاعن إلى العمل لدى المؤاجرة الجديدة(مخابر فارما 5) داخل أجل سنتين دون احترام ما التزم به بمقتضى عقد الشغل, يعتبر خرقا لبنود هذا العقد, وإضرارا بالمشغلة السابقة, الأمر الذي لا يحلله من التزامه المضمن برسالته المؤرخة في: 14/4/86 من تعويض هذه الأخيرة في حدود ما تستحقه عن أجرة سنتين..."2.
لكن الإشكال المطروح هو ما مدى مشروعية اشتغال الأجير عند شغل آخر أو لحسابه الخاص أثناء وقت الفراغ.
يمكن القول بأنه من حيث المبدأ أن الأجير له حرية الاشتغال في أوقات فراغه لكن شريطة أن تكون حريته مقيدة بألا يكون عمله الجديد منافسا لعمله مع مشغله, او كأن من شأنه أن يحول زبناء المشغل عن التعامل مع هذا الأخير.
وهكذا يمكن القول بأن التزام الأجير بعدم منافسة مشغله يدخل في إطار تنفيذ عقد الشغل بحسن نية مما يجعل منافسة الأجير للمشغل تشكل خطأ جسيما يبرر فصله.
وأما فيما يخص الإلتزام بعدم المنافسة من قبل الأجير بعد انقضاء علاقة الشغل فالأصل أن يسترد هذا الأخير حريته الكاملة وبالتالي يستطيع أن يمارس نشاطه إما بإبرام عقد عمل جديد أو ان يمارس نشاطا جديد لحسابه الخاص.
ورغم أن الأجير لا يلتزم عند ترك مشغله بعدم منافسته تلقائيا إلا أن حريته في المنافسة تكون مقيدة بما تفرضه بعض القواعد الخاصة المتعلقة بحماية الأسرار الصناعية والتجارية وتتخذ هذه القيود إحدى الحالتين:
- حالة اقتران المنافسة بإفشاء أسرار المقاولة بعد انتهاء عقد الشغل.
- حالة مساهمة الأجير في منافسة المشغل عن طريق الكشف عن معلومات لا تستجيب لوصف الأسرار الصناعية بالمعنى الدقيق.
وهكذا يظهر لنا ان الأجير ملزم بعدم منافسة مشغله سواء أثناء سريان علاقة الشغل أو بعد إنتهاء هذه العلاقة الشغلية1, وذلك ما لم يكن المشغل قد أعفاه من هذا الالتزام وهذا ما جاء في محكمة النقض الذي جاء فيه:  "حيث أنه يتضح من خلال رسالة توجيه مؤرخة في 8/9/1993 سلمتها المشغلة للأجير يشهد فيها رئيس الشركة المشغلة السيد حسن بن عبد الله بان الأجير عبد القادر النيفي قد غادر شركة نيتووركس , وهو حر من كل التزام سواء كان تعاقدي أو ناتج عن تسيير المقاولة.
وحيث أن عبارة حر من كل التزام تعاقدي تفيد تحلل الأجير من مقتضيات الفصل 8 من عقد العمل التي تلزمه هذه المشغلة بعدم العمل بمقاولة منافسة خلال مدة سنة من تاريخ فسخ العلاقة الشغلية مع المستأنفة شركة نيتووركس"2.
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي قد وسع من نطاق شرط عدم المنافسة بحيث يفرض على الأجير أن لا ينافس المشغل أثناء مرحلة تنفيذ العقد حتى ولو لم ينص على الشرط في العقد وفي هذا الصدد جاء قرار لمحكمة الاستئناف بتولوز الصادر بتاريخ 7 مايو 1998 ما يلي: "إن الأجير ملزم أثناء مرحلة تنفيذ عقد الشغل بواجب الإخلاص تجاه مشغله ولا يمكن له أن يمارس نشاطا منافسا له ولو في غياب شرط صريحا خاص في العقد"1

المطلب الثاني: شروط صحة شرط عدم المنافسة

إنه بالرجوع إلى الفصل 109 من ق.ل.ع2 نجد المشرع ينص في الفقرة الثانية منه على صحة الشرط التعاقدي الذي يمنع فيه أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت وفي منطقة محددين، أي أن شرط عدم المنافسة الذي يلتزم به الأجير يكون صحيحا بشرط أن يكون مقيدا في الزمان والمكان3.
كما كرست المادة 403 من مدونة التجارة المغربية والمتعلقة بالتزامات الوكيل التجاري وقد كسرت هذه المادة بدورها شرط عدم المنافسة بحيث قضت بان الوكيل التجاري يكون ملزما بعدم منافسة مشغله إذا نص العقد على هذا الشرط ويتعلق هذا الأخير بمنطقة جغرافية أو مجموعة من الأشخاص المعنيين، وكذا انواع الأمور والخدمات التي يقوم بتمثيلها تبعا للعقد.
ونصت هذه المادة كذلك على أن شرط عدم المنافسة لا يمكن ان يتجاوز مدة أقصاها سنتان من تاريخ إنهاء العقد.
وهكذا فإذا كان المشرع قد أجاز تضمين العقد بشرط عدم المنافسة فإنه اوجب أن يقيد هذا المنع من حيث الزمان والمكان ونوع العمل وهو ما يسمى بنسبية شرط عدم المنافسة في (الفقرة الأولى) بالإضافة إلى حماية المصلحة المشروعة للمقاولة في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: نسبة شرط عدم المنافسة

سبق وأشرنا أن لكي يكون شرط عدم المنافسة مشروعا يجب أن يتضمن بشكل دقيق النطاق الجغرافي، ومدة المنع من المنافسة ونوع العمل، وتستهدف هذه النسبة أن يظل باب العمل مفتوحا أمام الأجير قدر الإمكان.

أولا: نسبية شرط عدم المنافسة من حيث الزمان

لقد قيد المشرع شرط عدم المنافسة بتحديده في زمان معين، بحيث يحرم الأجير في هذه المدة من ممارسة نشاطه1 وإذا لم تحدد المدة في العقد كان مصيره البطلان.
ولقد حددت المادة 403 من م.ت الحد الأقصى للتحديد الزماني لشرط عدم المنافسة والمشغل في سنتين تبتدئ من وقت إنهاء عقد الشغل.
وعموما يمكن القول أن للقضاء السلطة التقديرية لتحديد المدة الزمنية للإتفاق بعدم المنافسة، لان ذلك يعد متماشيا مع مقتضيات الفصل 727 من ظ.ل.ع المتضمن لمبدأ حرية العمل، وكذلك الفصل 728 ظ.ل.ع الذي ينص على أنه يبطل كل اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص بتقديم خدماته طوال حياته، أو لمدة تبلغ من الطول بحيث يظل ملتزما حتى الموت2.
وفي هذا الصدد ذهب مقرر وزير الشغل والشؤون الاجتماعية الصادر بتاريخ دجنبر 1964 المحدد لنموذج عقد الشغل تبعا لظهير 1934 المتعلق بالعمال المهاجرين في المغرب والذي نص على أن اشتراط عدم فتح محل من نفس النوع لا يجب أن يمتد لأكثر من 12 شهرا و 100 كلم عن مقر الشغل.

ثانيا: نسبية شرط عدم المنافسة من حيث المكان

إضافة إلى ما سبق، يجب تحديد المكان الذي يسري عليه شرط عدم المنافسة بالقدر الضروري اللازم للحفاظ على مصلحة رب العمل المشروعة، وهكذا يكون الحظر قاصرا على منطقة جغرافية معينة، داخل المغرب وهو عادة المكان الذي يباشر فيه المشغل نشاطه المهني.
ولقد كان هناك اختلاف قضائي حول ما إذا كان التحديد المكاني مطلقا أو نسبيا؟
فنجد الاتجاه الأول يذهب إلى القول بأن المشغل الذي يباشر عمله في الدار البيضاء لا يجوز له أن يشترط على الأجير عدم منافسة في مدينة وجدة لعدم وجود مصلحة في هذه المدينة وفي هذا الصدد قضت ابتدائية الدار البيضاء في حكم لها بسنة 1993 ببطلان الشرط الذي يمنع بمقتضاه الأجير من العمل لحساب شخص آخر في كل أنحاء المملكة المغربية مبينة أن المنع يجب أن يكون محددا من حيث الزمان والمكان لأن في ذلك مساس بحرية العمل المنصوص عليها في الفصل 727 ظ.ل.ع1.
وهذا يتضح أن المنع من المنافسة محدد بزمان معين, أما إذا كان المنع مطلقا فهذا غير جائز ومخالف للنظام العام ومن ثم يبطل هذا الشرط وهذا ما يتماشى مع ما اعتمده القضاء التونسي في حكمه الابتدائي عدد 39131 الصادر بتاريخ 13/1/2005 عندما اعتبرت أن إدراج شرط عدم المنافسة دون تقيد بمعايير من شأنها حماية مصالح العامل يتعارض مع أحكام الدستور, وورد في أحد حيثياته: "وحيث أن منع المدعي من العمل بكامل تراب الجمهورية ولمدة خمس سنوات سيحرمه من حق العمل الذي ضمنه له الدستور بالديباجة والميثاق العالمي لحقوق الإنسان بفصله 23 والاتفاقية الدولية للتشغيل عدد 122 المتعلقة بسياسة الاستخدام..."1.
وهناك اتجاه ثان جاءت به محاكم الموضوع بحيث إذا كان النشاط المقرر شرط عدم المنافسة فيه محتكرا من طرف مشغل واحد في التراب الوطني بأكمله جاز لهذا المشغل أن يشترط على المؤجر أن يمارس نشاطه في جميع التراب الوطني، حيث قضت محكمة الاستئناف بمراكش إلى إمكانية منع منافسة المشغل في جميع التراب الوطني إذا كان محتكرا للنشاط في جميع التراب الوطني2.
وفي نفس الاتجاه جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بأكادير الذي قضى في منطوقه بأداء الأجير لمشغلته تعويضا قدره 5 ملايين الدرهم بناء على التزام صادر عن الأجير التزم فيه بعدم تأجير خدماته لشركة منافسة لمدة 5 سنوات وجاء في تعليل القرار "...أن التمسك بعدم تحديد الحيز الجغرافي لا تأثير له في النازلة على اعتبار أن التزام المستأنف عليه بعدم المنافسة في مكان معين فهدفه هو تلافي الأضرار التي قد تلحق بالمستأنفة نتيجة قيامه بممارسة النشاط الذي يزاوله, وقد تبت أن الشركة كرين ريالتي تمارس نشاطها في المغرب والخارج, أي شمل حتى المنطقة التي توجد بها المستأنفة"1

ثالثا: نسبية شرط عدم المنافسة من حيث نوع العمل

في بعض الأحيان لا تتحقق الحماية الفعلية للأجير من خلال شرطي الزمان والمكان، فيكون من الواجب أن يتضمن العقد تقيدا يتعلق بالأجير والمتمثل في تحديد نوع العمل الذي يشمله المنع وفي ذلك حماية لمصالح الأجير.
وهناك بعض الفقه يعتبر أن قيام الأجير بنفس العمل بعد انتهاء عقد الشغل لا يعد منافسة نظرا لكون الأجير لا يستطيع في غالب الأحيان، إنشاء مقاولة شبيهة بالمقاولة التي يشتغل بها وإنما يقوم فقط بتأمين كسب عيشه، فالعمل شيء وتأسيس مقاولة شيء آخر1.

الفقرة الثانية: حماية المصلحة المشروعة للمقاولة

إن حماية المشغل من المنافسة غير المشروعة يجب أن تكون في الحالة التي تكون فيها المنافسة حقيقية يمكن للأجير أن يمارسها وذلك بسبب نشاطه السابق في المقاولة.
فشرط عدم المنافسة حسب الفقه يجب أن يحقق لنا مصالح المشغل وأن يحافظ على حقوقه، بحيث إذا رأى القاضي الاجتماعي انطلاقا من الطابع النهائي لقواعد الشغل ان مخاوف المشغل لا اساس لها أو أن أهميتها محدودة فإنه يقضي بعدم توافر شرط المصلحة في تضمين مثل هذا الشرط وبالتالي إعفاء الأجير منه2.
وبالرغم من عدم تنصيص المشرع في الفصل 109 ظ.ل.ع على شرط المصلحة لصحة شرط عدم المنافسة، فإن القضاء المغربي يأخذ بعين الاعتبار ويستنتج ذلك من خلال بعض الاجتهادات القضائية.
وفي هذا الصدد قضي المجلس الأعلى (محكمة النقض) في أحد قراراته أن الأجير بتأسيسه شركة منافسة تقوم بنفس النشاط الذي تمارسه الشركة المؤجرة له يكون قد أخل بما التزم به في عقد الشغل من عدم إنشاء واستخدام الوسائل والمعلومات والأساليب الخاصة المستعملة من طرف هذه الأخيرة ويشكل مخالفته لهذا الالتزام خطأ جسيما3.
وهكذا فإن تضمين شرط عدم المنافسة في عقد الشغل يفترض أن له مصلحة مشروعة يرجو حمايتها ما دامت مصلحة المشغل هي التي تبرر وجود شرط عدم المنافسة فإنها لا تنحصر في نطاقه فقط وإنما يتعين البحث فيها أولا قبل باقي الشروط الأخرى أي البحث عما إذا كان الشرط يحقق للمشغل مصلحة جدية ومشروعة من عدمها.

المبحث الثاني: إثبات شرط عدم المنافسة وآثاره

سوف نعالج في هذا المبحث كيفية إثبات شرط عدم المنافسة(مطلب أول), والآثار المترتبة عليه في (مطلب ثان)

المطلب الأول: إثبات شرط عدم المنافسة

يعتبر شرط عدم المنافسة من الشروط التي قد يتم إدراجها في عقد الشغل قصد إلزام الأجير بعدم منافسة مشغله السابق، ونظرا لخطورة هذا الشرط على الأجير إذ يمس بحرية الشغل والمنافسة، فإنه يجب إثبات وجوده حتى يتسنى للمشغل الإدعاء بوجود اتفاق، وبالتالي المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء المنافسة الممارسة من طرف الأجير1.
ومن هذا المنطلق سوف نتطرق إلى وسائل إثبات شرط عدم المنافسة (في الفقرة الأولى)، ثم إلى توزيع عبء إثبات (في الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: وسائل إثبات شرط عدم المنافسة

إذا كان شرط عدم المنافسة يشكل قيدا استثنائيا على حرية الأجير، فإن إثباته مقرون بالتنصيص عليه صراحة في العقد، أو الاتفاق عليه كتابة من قبل المشغل، وذلك بدون الاحتجاج بمسألة أن شرط عدم المنافسة يعد أحد البنود التي يتم إدراجها في عقد الشغل بشكل تلقائي سواء كان شفويا أو كتابيا، ما دام إثبات هذا الأخير يتم بكافة وسائل الإثبات كما هو واضح في المادة 18 من مدونة الشغل1، ومكرس قضائيا حيث ذهبت محكمة النقض على أنه يمكن للأجير أن يثبت عقد الشغل بكافة وسائل الإثبات2.
ولعل ما يؤكد إثبات شرط عدم المنافسة بكافة وسائل الإثبات، هو الإستناد إلى القاعدة العامة التي مفادها قبول جميع الوسائل في إثبات الالتزامات وعدم تقييد الدليل إلا إذا كان القانون ينص على شكل خاص، كما تنص على ذلك الفقرة الأولى من المادة 401 من ظ.ل.ع3 وهذا ينصرف معناه إلى أنه ما دام المشرع المغربي لم يقرر صراحة شكلا خاصا ومعينا لإثبات الاتفاق على عدم المنافسة فإن هذا الأخير يخضع لهذا الشرط4.
وعلى الرغم مما ذكر، فإن بعض الفقه يرى أن شرط عدم المنافسة لا يكون نافدا إلا إذا تم الاتفاق عليه كتابة وذلك لمجموعة من الاعتبارات.
- إن شرط عدم المنافسة يعد من الاتفاقات غير محددة الحتمية، على اساس أن الأجير يحرم من فرص الشغل خلال مدة معينة وخلال زمن محدد، وبالتالي لا يمكن تحديد قيمتها الاقتصادية، ما دامت أن الاتفاقات غير محددة القيمة لا يمكن إثباتها إلا بالكتابة.
- إن الاتفاق على عدم المنافسة يشكل قيدا استثنائيا، وبالتالي لا يجب أن يستنتج من الظروف، بل لابد من النص عليه صراحة في العقد أو الاتفاق عليه كتابة حتى يتمكن من التعبير بوضوح عن قصد المتعاقدين5.
وعليه، يتعين على المشغل إذا ما ادعى وجود شرط عدم المنافسة إثباته فقط دون أية وسيلة أخرى، مما يطرح السؤال عما إذا كان يتعين على الأجير أن يثبت شرط عدم المنافسة بالكتابة فقط في حالة ما إذا كانت له مصلحة في إثباته للمطالبة بالتعويض المالي.
بالرجوع إلى مدونة الشغل المغربية نجدها لم تنص على مقتضيات خاصة تخول الأجير وجوب إثبات حقوقه بكافة وسائل الإثبات في حالة عدم وجود عقد مكتوب خلافا لبعض التشريعات العربية1 التي نصت صراحة على أنه إذا لم تتوفر الكتابة جاز للعامل وحده إثبات حقوقه بجميع وسائل الإثبات.

الفقرة الثانية: توزيع عبء إثبات شرط عدم المنافسة

إذا كان عبء إثبات إدعاء ما، يضمن لصاحبه عند تحقيق ذلك (أي الإثبات) مصلحة وحقوقا، فإن عدم إمكانية تحقق ذلك يؤدي إلى خسارة إدعاءه بالرغم من أنه صاحب حق فيما يدعيه2.
ونظرا لأهمية معرفة الشخص الذي يتحمل عبء الإثبات، فقد تدخل القانون لوضع أحكام تنظم توزيع هذا العبء بين الخصوم، وذلك بمقتضى المادتين 399 و 400 من ظ.ل.ع، حيث تنص الأولى على أن: " إثبات الالتزام على مدعيه"، أما الثانية فتنص على أنه: " إذا أثبت المدعي وجود الالتزام كان على من يدعي انقضاءه أو عدم نفاذه تجاهه أن يثبت إدعاءه".
وبناء على هاتين المادتين يتبين أن من يدعي حقا أن يثبته وهو الأصل، ذلك أن أي شخص في المقابل يبقى بريء الذمة من أي التزام حتى يثبت وجوده، ومن يدعي خلاف هذا المبدأ، أي وجود التزام على عاتق الغير، يكون مكلفا بإثبات إدعاءه3.
وهكذا فإن إثبات شرط عدم المنافسة يخضع للمبدأ القائل بأن من يدعي شيئا يكون ملزما إثباته، ومن ثم فإن إثبات هذا الشرط يقع على عاتق المشغل: لأنه في غالب الأحيان هو الذي يدعي وجود شرط من هذا القبيل، إلا أنه أحيانا يثار الإشكال في الحالة التي يدعي فيها الأجير بطلان شرط عدم المنافسة وحسب الفصل 400 من ظ.ل.ع، المذكورة أعلاه، فإن هذا الأخير هو الذي يقع عليه الإثبات في حالة إدعائه ببطلان الاتفاق على عدم المنافسة، حيث يمكنه المطالبة بإلغاء هذا الشرط، إذا تضمن مساسا خطيرا بالشغل كحق أو كحرية، سواء من حيث المكان أو من حيث الزمان، لكن يبقى على الأجير المدين بهذا الالتزام أن يثبت تجاوز الشرط للنطاقين الزمني والمكاني المسموح بهما للمحافظة على مصالح المشغل إن أراد إلغاء شرط عدم المنافسة.
كما يتعين على الأجير إثبات عدم توافر شرط المصلحة الجدية في تضمين مثل هذا الشرط في عقد الشغل، وبالتالي إعفاء الأجير منه، لكونه ليس ضروريا لحماية المصالح المشروعة للمقاولة1.

المطلب الثاني: آثار شرط عدم المنافسة

سوف نتطرق في هذا المبحث إلى اثر تعديل عقد الشغل على شرط عدم المنافسة في (الفقرة الأولى) على أن نتطرق إلى مسؤولية طرفي العلاقة الشغلية على مخالفة شرط عدم المنافسة في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: أثر تعديل عقد الشغل على مخالفة شرط عدم المنافسة

يعتبر نقل الأجير من مصلحة إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى في بعض الأحيان من اختصاص المشغل ما دام أنه لا يخالف شروط العقد أو نوع العمل وبالتالي فالسؤال المطروح هو هل هذا التغيير يؤدي إلى إلغاء شروط المنافسة؟
بالرجوع إلى القضاء الفرنسي نجد تضارب الآراء بشأن إلغاء شرط عدم المنافسة من عدم إلغاءه في حالة نقل الأجير داخل نفس المقاولة.
بالنسبة لمحكمة الاستئناف بفرساي اعتبرت أن المشغل يفترض فيه أنه تخلى عن شرط عدم المنافسة المنصوص عليه في العقد الذي تجدد بعد نقل الأجير دون أن تتم الإشارة إليه، وفي مقابل ذلك قضت محكمة الاستئناف بباريس سنة 1989 بأن التجديد لا يلغي شرط عدم المنافسة ومن أجل رفع اي لبس يتعين آثار التعديلات الواردة في عقد الشغل على الالتزام بعدم المنافسة بكل وضوح.
وهكذا فإذا كان القضاء الفرنسي قد تضارب في الرأي فإن الفقه على خلاف ذلك حيث يكاد يجمع على أن شرط عدم المنافسة المدرج في عقد الشغل الأول يستمر بين الأجير والمشغل بالرغم من التعديلات المتتالية لعقد الشغل. ومن تم لا يكون للأجير المطالبة بإبطال شرط عدم المنافسة ويكون محقا في الإنتفاع من شرط عدم المنافسة ضد الأجير السابق الذي كان يشتغل لديه.
وفي حالة انتقال الأجير إلى شركة تنتمي إلى نفس المجموعة التي أبرم معها اتفاق عدم المنافسة فإن المادة 19 من م.ش تنص على أنه يحتفظ الأجير المرتبط بعقد شغل في إطار الحركة الداخلية للمؤسسة أو المقاولة أو مجموعة المقاولات بنفس الحقوق والمكاسب الناشئة عن عقد الشغل.
غير أنه رغم المزايا التي جاءت بها هذه المادة 19 إلا أنها لم تحدد مآل التزامات الأجير خاصة التزام عدم المنافسة1.
اما على مستوى القضاء المغربي فلم تتح له الفرصة لتحديد مصير التزام  عدم المنافسة في حالة نقل الأجير داخل مجموعة المقاولات.
أما القضاء الفرنسي فقد ذهبت محكمة النقض في البداية إلى أن شرط عدم المنافسة لا يفيد إلا الشركة التي أبرمته وليس الشركات المنتمية إلى نفس المجموعة. لكن هذه المحكمة تراجعت عن هذا القرار واعتبرت أن الشرط لا يمنع الأجير من الدخول إلى مقاولة أخرى تمارس نفس النشاط، وأن مرور الأجير من الواحدة إلى الأخرى هو نتيجة تفاهم بينه وبين المشغلين المتتاليين.
وهذا عن الأجير الذي تغير مركزه القانوني داخل المقاولة أو نقله داخل نفس المجموعة وأما عن تغيير المركز القانوني للمشغل فالقاعدة الأساسية تقتضي باستمرار عقود الشغل عند تغيير مركز المشغل، وهو ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 754 من ظ.ل.ع قبل أن يؤكده في المادة 19 من مدونة الشغل. كما ساير القضاء المغربي هذا الطرح والعمل على استمرارية العمل واستمرار التعاقد رغم المركز القانوني للمشغل1.

الفقرة الثانية: مسؤولية طرفي علاقة الشغل (الأجير والمشغل الجديد) عند مخالفة شرط عدم المنافسة

لقد سبقت الإشارة أن هذا الشرط يمنع على الأجير منافسة مشغله السابق، وهكذا في حالة الإخلال يكون الأجير مسؤولا مسؤولية عقدية.
إضافة إلى مسؤولية الأجير تقوم مسؤولية المشغل الجديد رغم كونه طرفا خارجا عن العقد غير مضمن فيه إلا أنه ساهم أو ساعد الأجير السابق في تجاهل شرط عدم المنافسة وبالتالي يصبح متهما بالمنافسة غير المشروعة.

أولا: مخالفة الأجير لشرط عدم المنافسة

إن المشرع لم يتطرق لمسؤولية الأجير في حالة إخلاله بشرط عدم المنافسة تاركا ذلك للقضاء، وبالرغم من ذلك إذا أخل الأجير بشرط عدم المنافسة كان مسؤولا مسؤولية تعاقدية، حيث يجوز للمشغل أن يطالبه بالتعويض عن الأضرار التي لحقته من جراء منافسة الأجير له طبقا للقواعد العامة.
ويجب في هذه المسالة أن نتطرق إلى حالتين، الحالة التي يتضمن العقد شرطا جزائيا والحالة التي ينعدم فيها وجود هذا الشرط الجزائي.

- في الحالة التي ينعدم فيها وجود الشرط الجزائي يفترض أن مبدأ حسن النية، وذلك بأن يطبق كل طرف التزامه على الوجه الصحيح، فإذا تقاعس أحد الأطراف عن التزامه جاز للطرف الأخر المتضرر أن يلجأ إلى القضاء لطلب فسخ العقد1.
وتعتبر منافسة المؤاجر خلال سريان عقد الشغل يعتبر خطأ جسيما يبرر فصله من العمل، وذلك تطبيقا للاتجاه المكرس على صعيد القضاء، الذي يرى أن إخلال الأجير بالتزام عدم المنافسة أثناء سريان عقد الشغل يعتبر مبررا قانونيا لفسخ عقد الشغل ولطرد الأجير2.
ولما كان التزام عدم المنافسة هو التزام بعدم العمل فإن خرقه يتحول إلى تعويض3 ونظرا لكون التنفيذ بمقابل غالبا ما يكون تافها بالنسبة للضرر، فإن المشغل غالبا ما يسعى إلى الحصول على التنفيذ عيني للالتزام عدم المنافسة، بحيث يطلب المشغل القديم بإيقاف تصرفات الأجير الضارة وذلك في الحالة التي يكون هذا الأجير قد قام بتأسيس مقاولة تزاول نفس نشاط المقاولة لكن يصعب الحديث عن التنفيذ العيني في الحالة التي يقوم فيها الأجير بالعمل عند مشغل جديد، بحيث يصعب على المشغل القديم أن يحتج بإبطال العقد تطبيقا لنسبية العقود.
أما بخصوص التنفيذ بمقابل فإنه يتمثل في استحقاق المشغل السابق للتعويض، ولا يتطلب ذلك إثبات فعل المنافسة المقترن وإنما يكفي أن يتواجد الأجير في وضعية منافسة للمشغل حيث يعد هذا الفعل في حد ذاته خرقا للالتزام التعاقدي، فمثلا في حالة قيام الأجير بعد استقالته بتأسيس مقاولة خاصة به، فإن الأمر لا يستوجب لإدانته بالمنافسة غير المشروعة إثبات أنها تقوم ببيع وأداء نفس الخدمات وإنما يكفي أن يتم تحويل جزء من زبناء المشغل السابق إليه.
وتقدير التعويض يرجع إلى القاضي وعادة ما يأخذ ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة وكذلك رقم المعاملات الذي حققه الأجير من مممارسة نشاط منافس ممنوع.
-أما في الحالة التي يتضمن فيها العقد شرطا جزئيا، فإن الأجير يكون ملزما بعدم المنافسة وبدفع التعويض في حالة الإخلال بهذا الالتزام. وفي هذا الصدد قضت محكمة الاستئناف بأكادير في قرار لها سنة 2006 بالحكم بأداء المستأنف عليه تعويضا للمستأنفة قدره خمسة ملايين درهم وذلك تحقيقا لما التزم به في العقد لكونه خالف التزامه بعدم منافسة المشغلة تحت طائلة أداء تعويض قدره خمسة ملايين درهم. 1
 لكن هل يمكن للأجير المطالبة بإلغاء التعويض الاتفاقي عن طواعية واختيار، فبالرجوع إلى المشرع المغربي نجده لم يورد حكما خاصا بالشروط الجزائية في مجال شروط عدم  المنافسة وبالتالي لا يكون أمام القضاء إلا تطبيق القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني2.
وطبقا للفصل 264 من ظ.ل.ع تكون للقضاء السلطة التقديرية في تعديل الشرط الجزائي لكن دون أن تخول لهذه السلطة إبطال الشرط الجزائي.

ثانيا: مسؤولية المشغل الجديد

تتحقق مسوؤلية المشغل الجديد عن مخالفة شرط عدم المنافسة عن طريق التحاق الأجير بمؤسسته ولما كان المشغل الجديد أجنبي عن الإطار التعاقدي بين الأجير والمشغل السابق فإن مسؤوليته تقصيرية تستوجب لإعمالها توافر الخطأ التقصيري من جانب المشغل الجديد، لكن السؤال المطروح هو هل يكفي لقيام مسؤولية المشغل الجديد مجرد علمه بشرط عدم المنافسة، أم ان الخطأ التقصيري يستلزم أكثر كتحريض الأجير على عدم احترام تعهده؟
هذا وبالرجوع إلى المادة 42 من م.ش التي تنص على أنه: " إذا أنهى الأجر عقد الشغل بصفة تعسفية ثم تعاقد مع مشغل جديد أصبح هذا المشغل متضامنا معه في تحمل المسؤولية عن الضرر اللاحق بالمشغل السابق وذلك في الأحوال الآتية:
- إذا تبت أنه تدخل من أجل إخراج الأجير من شغله.
- إذا شغل الأجير مع علمه أنه مرتبط بعقد شغل.
- إذا استمر في تشغيل الأجير بعد علمه أنه ما زال مرتبط بمشغل آخر بموجب عقد شغل."
في الحالة التي يحرض المشغل الجديد الأجير على الإخلال بالتزامه بعدم منافسة المشغل السابق يكون قد ساهم في هذا الخرق وبالتالي تتحقق مسؤوليته.
ولقد جرم المشرع في الفصل 251 ق.ج الذي ينص على أنه: " من استعمل عنفا أو تهديدا أو قدم وعدا او عرضا أو هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى لكي يحصل على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو على مزية او فائدة مما أشير إليه في الفصول 243 إلى 250 وكذلك من استجاب لطلب رشوة ولو بدون أي اقتراح من جانبه، يعاقب بنفس العقوبات المقررة في تلك الفصول سواء كان للإكراه أو للرشوة نتيجة أم لا".
وحتى تتحقق مسؤولية المشغل يجب إثبات أن المشغل الجديد قد قام بدور أساسي في التأثير على احاسيس الأجير في نقض التزامه سواء عن طريق التهديد أو الإكراه أو استعمال وسائل احتيالية أو مساعدة الأجير على بلوغ هدفه.
أما في الحالة التي يشغل المؤاجر أجيرا يعلم أنه مرتبط بشرط عدم المنافسة، بحيث تحقق مسؤولية المشغل الجديد بغض النظر عن الوقت الذي علم فيه بشرط عدم المنافسة، فالمشغل الجديد الذي علم بوجود شرط عدم المنافسة ليست له مصلحة في مواصلة علاقة الشغل مع أجير ارتكب إخلالا بشرط عدم المنافسة.
لكن التساؤل حول كيفية إثبات علم المشغل الجديد بشرط عدم المنافسة؟ إن علم المشغل الجديد بشرط عدم المنافسة يعتبر واقعة مادية يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات، حيث يمكن أن يتحقق العلم من طرف الأجير الذي يلزم بغعلام المشغل الجديد بوجود هذا الشرط وإلا ارتكب خطأ جسيما، كما يتحقق العلم عن طريق توجيه المشغل القديم إندارا إلى المشغل الجديد1.



خاتمة:

وتأسيسا على ما سبق يتبين أن شرط عدم المنافسة يصطدم مع مبدأ أساسي هو حرية الشغل الذي يفضي إلى نتيجة منطقية مفادها أن أي مساس بحرية الأجير في ممارسة عمله وفي اختيار مهنته يكون باطلا، وإذا اقتضت الضرورة إجازة شرط عدم المنافسة، فيجب أن ينظر إليه على أنه أمرا استثنائي تحيط به قيود مشددة أقرها التشريع والقضاء من أجل توفير الحماية للأجراء من جهة، ومصالح المقاولات الصناعية والتجارية وضمانا لاستمراريتها من جهة أخرى.
وعليه، فعلى الرغم من تنصيص المشرع المغربي على شرط عدم المنافسة في الفصل 109 من ظهير الالتزامات والعقود، وربط تنفيذه من حيث الزمان والمكان والعمل، فإن موقفه هذا لم يساير التطور الفقهي والقضائي في هذا المجال ويبقى قاصرا عن تحقيق العدالة والتوازن الذين يصبوا إليهما أطراف العلاقة الشغلية خاصة وأن مدونة الشغل لم تتعرض لتنظيم شرط عدم المنافسة من حيث تحديد التزامات وحقوق الأطراف.
وفي هذا الإطار إرتأينا تقديم بعض الاقتراحات التالية:
- إعادة تنظيم شرط عدم المنافسة في مدونة الشغل مع تحديد شروطه.
- إعطاء الأجير حق الحصول على مقابل مالي لالتزامه بعدم المنافسة مسايرة للقضاء الفرنسي.
- تنظيم الآثار المترتبة عن خرق شرط عدم المنافسة.
- إبطال مفعول شرط عدم المنافسة كلما تم فسخ عقد الشغل خلال فترة التجربة ماعدا إذا تم النص على خلاف ذلك.
- يجب إثبات شرط عدم المنافسة بالكتابة فقط، لأن ذلك يحقق حماية فعالة بالنسبة للأجير إذ يصبح التراضي مؤكدا حول وجود الشرط وحدوده، وفي حالة غياب وجود العقد المكتوب يجب أن يمنع للأجير وحده إثبات هذا الشرط بجميع وسائل الإثبات، على غرار ما هو معمول به في التشريع المصري.




المراجع المعتمدة

* الكتب:

- إدريس العلوي العبدلاوي: " وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي"، مطبعة النجاح الدار البيضاء بدون طبعة، سنة 1981 .
- محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل – علاقات الشغل الفردية، .......
- موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2004 .
- عبد اللطيف الخالفي: الوسيط في مدونة الشغل الجزء الأول علاقات الشغل الفردية, المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 2004.

*الرسائل :
- بوبكر توفيق، الإثبات في عقود الشغل الفردية على ضوء قانون الشغل المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث، قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، س 2011/2012 .
- عبد الصماد راشيد، شرط عدم المنافسة في علاقات الشغل، دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر القانون الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش.
- حسن حسي، تغيير المركز القانوني للمشغل واستقرار علاقات الشغل، رسالة لنيل دبلوم الماستر، ماستر القانون الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش .


* المقالات:
- إبراهيم المنكيبي, شرط عدم المنافسة في قانون الشغل- تعليق على قرار-, سلسلة الاجتهاد القضائي, العدد 3, 2013.
- أمينة ناعمي, حدود شرط عدم المنافسة على ضوء مدونة الشغل, ص2, منشور في الموقع الالكتروني: www.diwenrb2.com

* المواقع الإلكترونية:










1  - عبد اللطيف الخالفي: الوسيط في مدونة الشغل الجزء الأول علاقات الشغل الفردية, المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 2004، ص 416.
2  - بوبكر توفيق، الاثبات في عقود الشغل الفردية على ضوء قانون الشغل المغربي, رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث القانوني الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس السيوسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي 2012 / 2011 ص 74.
1  - حسن حسي، تغيير المركز القانوني للمشغل واستقرار علاقات الشغل، رسالة لنيل دبلوم الماستر، ماستر القانون الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش ص 105.
1  - عبد الصماد راشيد، شرط عدم المنافسة في علاقات الشغل، دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر القانون الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، ص 12 وما بعدها.
2  - محكمة النقض, قرار عدد 1114, المؤرخ في 17/12/2002, في الملف الاجتماعي عدد 182/5/1/2002, المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى, عدد 63, ص287

1  - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق، ص 31.
2  - محكمة النقض قرار عدد 386, مؤرخ في 18/04/2007, ملف اجتماعي عدد 868/5/1/2006, منشور بمجلة المحاكم المغربية, عدد مزدوج, 137-138, سنة2012, ص289 وما بعدها.
1 - CA.toulouse.4ech. 7mai1998. inf cass n° 497.oct 1998. p37.
- قرار منشور في مقال لأمينة ناعمي, حدود شرط عدم المنافسة على ضوء مدونة الشغل, ص2, منشور في الموقع الالكتروني:
www.diwenrb2.com  19/5/2013  13h30
2 – الفصل 109 ظ.ل.ع: " ... ولا يطبق هذا الحكم على الحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت وفي منطقة محددين.
3  - موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2004 ص 159.
1  - محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل – علاقات الشغل الفردية، .......
2  - عبد الصماد راشد، مرجع سابق، ص 48 – 49.
1  - حكم منشور في رسالة عبد الصماد رشيد، مرجع سابق، ص 50.
1  - حكم ابتدائي عدد 39131, الصادر بتاريخ 13/1/2005, منشور بالموقع الالكتروني:
- www.pulpit.alwatanvoice.com  19/5/2013  13h00

2  - قرار رقم 462 صادر عن محكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 6 ماي 2003 منشور على الموقع الالكتروني:
-ابراهيم المنكيبي, شرط عدم المنافسة في قانون الشغل- تعليق على قرار-, سلسلة الاجتهاد القضائي, العدد 3, 2013, ص3131
1 - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق، ص 54.
2  - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق، ص 55.
3  - قرار رقم 330 صادر بتاريخ 22 – 9 – 1980 في الملف الاجتماعي 853 – 83 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 27 السنة السادسة غشت 1981، الصفحة 133.
1  - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق ص 61.
1  - تنص المادة 18 من مدونة الشغل على ما يلي: " يمكن إثبات عقد الشغل بجميع وسائل الإثبات".
2  - قرار محكمة النقض عدد 925 الصادر بتاريخ 29/11/1982 في الملف الاجتماعي عدد 93422 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 31 مارس 1983 ص 111 – 112 أورده عبد الصماد راشيد، مرجع سابق ص 63.
3  - تنص الفقرة الأولى من الفصل 401 من ظ.ل.ع على أنه: " لا يلزم لإثبات الالتزامات أي شكل خاص إلا في الأحوال التي يقرر القانون فيها شكلا معينا".
4  - بوبكر توفيق، الإثبات في عقود الشغل الفردية على ضوء قانون الشغل المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث، قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، س 2011/2012 ص 77 – 78.
5  - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق، ص 63.
1  - المادة 32 من قانون العمل المصري التي تنص على أنه: " في حالة إذا لم يوجد عقد مكتوب فإنه يكون للأجير وحدة إثبات حقوقه بكافة طرق الإثبات"، كما تنص المادة 15 من الاقنون الأردني على أنه: " ينظم عقد العمل باللغة العربية نسختين على الأقل، يحتفظ كل من الطرفين بنسخة منه، ويجوز إثبات حقوقه بجميع طرق الإثبات القانونية إذا لم يحرر العقد كتابة". أوردهما بوبكر توفيق ,مرجع سابق، ص 79.
2  - بوبكر توفيق، مرجع سابق، ص 80.
3  - إدريس العلوي العبدلاوي: " وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي"، مطبعة النجاح الدار البيضاء بدون طبعة، سنة 1981 ص 45.
1  - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق، ص 73.
1  - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق، ص 92.
1  - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق، ص 95.
1  - عبد الصماد راشيد، مرجع سابق، ص 98.
2  - قرار رقم 330، سابق ذكره.
3  - يخص الفصل 262 ظ.ل.ع على ما يلي: " إذا كان محل الالتزام امتناعا عن العمل أصبح المدين ملتزما بالتعويض بمجرد حصول الإخلال..."
- ابراهيم المنكبي, مرجع سابق, ص 3131
2  - عبد الصامد راشيد، مرجع سابق، ص 103.
1  - عبد الصامد راشيد، مرجع سابق، ص 108.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *