-->

الوسائل السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية

مقدمة:
تعتبر نزاعات الشغل الجماعية من أصعب واخطر النزاعات التي يعرفها قانون الشغل وذلك إلى درجة أن مثل هذا النوع من النزاعات لا ينص قانون الشغل نفسه على إحالتها على المحاكم وإنما ينص إحالتها على آليات إدارية ومهنية لحلها.وهذا ما يلاحظ سواء في القانون المغربي أم في غيره من القوانين. (كقانون العمل الموريتاني الصادر بتاريخ 23 يناير 1963).
وما يدل على ذلك هو أن الفصل 20 من قانون المسطرة المدنية المغربي لا ينص على اختصاص المحاكم الابتدائية بالنظر في نزاعات الشغل الجماعية وإنما ينص على أن اختصاص هذه المحاكم هو النظر والبت في النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل والتدريب المهني، والخلافات الفردية التي لها علاقة بالشغل والتدريب المهني .
ولكن هذا لا يعني أن نزاعات الشغل الجماعية لا يوجد بشأن حلها أي إطار قانوني ذلك أن ظهير 19 يناير 1946 الذي تم إلغاؤه بموجب صدور مدونة الشغل الجديدة والذي ينص في فصله الأول على ما يلي "يجب أن تجرى طرق المصالحة والتحكيم على جميع النزاعات الناشئة عن الخدمة والعمل قبل أن يغلق المؤاجرون أبواب المصانع وان يشرع الأجراء في الإضراب وذلك بالنسبة للمؤسسات الفلاحية والتجارية والصناعية وكذا مؤسسات المهن الحرة."
وهكذا نلاحظ أن ظهير 1946 ينص على أن تسوية نزاعات الشغل الجماعية تتم عن طريق أليات المصالحة والتحكيم ولكن هذه الآليات لا تشتغل في الواقع العملي الشيء الذي جعل أن نزاعات الشغل الجماعية بقيت تحل عن طريق تدخل السلطات المختصة (وزارة التشغيل ، الوزارة الأولى وأحيانا وزارة الداخلية على مستوى العمالة أو الأقاليم).
كما يلاحظ أن الأطراف المعنية غالبا ما تتفق فيما بينها على آليات خاصة لإنهاء نزاعات الشغل الجماعية وتنص على هذه الآليات وتحددها في الاتفاقيات الجماعية التي تبرمها.
وسنتناول هذا الموضوع في فرعين:
-       الفرع الأول : ماهية نزاعات الشغل الجماعية وهيئات تسويتها .
-      الفرع الثاني: الوسائل المسلمة لحل نزاعات الشغل الجماعية .

الفرع الأول:
ماهية نزاعات الشغل الجماعية وهيئات تسويتها

وسنتناول هذا الفرع في مبحثين نخصص ( المبحث الأول ) لماهية نزاعات الشغل الجماعية بينما نخصص المبحث الثاني للهيئات التي تقوم بمهمة هذه التسوية.
المبحث الأول: ماهية نزاعات الشغل الجماعية .
وسنتعرض في هذا المبحث للتعريف القانوني لنزاعات الشغل الجماعية (مطلب أول ) على ان نتعرض في مطلب ثاني لمعايير التمييز بين نزاعات الشغل الجماعية ونزاعات الشغل الفردية وفي الأخير سنتناول أثار التمييز بين النزاعات الجماعية والنزاعات الفردية (مطلب ثالث).
المطلب الأول: التعريف القانوني لنزاعات الشغل االجماعية.
عرفت مدونة الشغل الجديدة نزاعات الشغل الجماعية في المادة 549 بأنها "...كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء الأجراء .
كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد اطرافها مشغل واحد أو عدة مشغلين أو منظمة مهنية للمشغلين ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين."
وما يمكن ملاحظته في الواقع المهني أن هذه الخلافات أو النزاعات قد تؤدي إلى توقف الشغل من جانب العمال فيلجأ هؤلاء إلى الإضراب عن العمل.
فيأخذ النزاع هنا شكل (إضراب) كما قد يأخذ النزاع شكلا أخر وهو منع العمال من العمل كذلك بالنسبة للمشغل أي إغلاق المؤسسة في وجه العمال.
كما يلاحظ أن المجلس الأعلى يعتمد على عنصرين أساسيين هما اللذان ذكرا في المدونة أثناء تعريفها لنزاعات الشغل الجماعية وهذان العنصران هما:
-أولا: أن يكون أحد أطرف النزاع مجموعة من العمال مؤطرين تاطيرا قانونيا في شكل نقابة او تاطيرا واقعيا فقط (مجموعة من العمال) 
ثانيا: أن يكون هدف هؤلاء العمال هو الدفاع عن مصلحتهم الجماعية:
وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 24/09/1990. ملف اجتماعي في عدد 9750/89 ما يلي "لكن خلافا لما في الوسائل فإن الأمر يتعلق بنزاع فردي بين عمال تعرضو للطرد من طرف مشغلهم وانه لا يهم مجموعة عمال منظمين في إطار نقابة أو جمعية مهنية أو بفعل الواقع، كما لا توجد مصلحة جماعية يسعون إلى تحقيقها والمحكمة حين ردت هذا الدفع يقولها " حيث أنه من المتفق عليه أن النزاع الجماعي يستلزم توافر عنصرين أساسين هما:
أولا- أن يكون أحد أطراف النزاع مجموعة من العمال مؤطرة تأطيرا قانونيا نقابة مثلا، أو واقعيا ويعني مجموعة من العمال أو صنف مهني فقط.
ثانيا- أن يمثل النزاع مصلحة جماعية لهؤلاء العمال تستهدف تعديل ما هو متفق عليه أو منصوص عليه في القانون أو العقد تكون طبقت القانون تطبيقا سلميا".[1]
وجاء في قرار أخر صادر عن المجلس الأعلى كذلك بتاريخ 14/3/2000 في ملف اجتماعي عدد 615 بتاريخ 5/1/1999 ما يلي:
"لكن وحيث إن القرار اعتمد في تعليله على ان الطاعن قد قام بإضراب تضامني مع عامل تم توقيفه عن العمل من طرف مشغله وهو ما ثبت للمحكمة من شهادة الشهود المستمع إليهم في المرحلة الابتدائية والإضراب وإن كان حقا مشروعا فإن الغاية منه هي الدفاع عن حقوق مكتسبة ومشروعة للعمال وإن الإضراب التضامني لا يهدف إلى مصلحة عامة للمضربين ويشكل بالتالي عملا غير مشروع وهو ما انتهى إليه القرار الذي اعتمد وعن صواب مقتضيات الفصل 6 من قرار 23/10/48  حين اعتبر أن الإضراب التضامني يشكل خطأ جسميا يستوجب الطرد من العمل مما كان معه معللا ومطابقا للقانون والوسائل جميعها على غير أساس.."[2]
المطلب الثاني: معايير التمييز بين النزاعات الشغل الجماعية ونزاعات الشغل الفردية:
بعد أن تعرضنا لتعريف النزاع الجماعي في الفصل الأول سنتناول في هذا المطلب العناصر التي تحدد الصفة الجماعية للنزاع وكذلك معرفة النزاع الفردي عن طريق مفهوم المخالفة .
وهذه العناصر كما أبرزها الفقه ترتكز اساسا حول أطرف النزاع (فقرة أولى) وكذلك موضوعة(في فقرة ثانية).
-الفقرة الأولى: أطراف النزاع :
ليكون النزاع جماعيا يظهر أنه يلزم تعدد الأشخاص المعنيين به، ومن هنا يمكن اعتبار النزاع الجماعي هو ذلك النزاع الذي يقوم بين مجموعة من أرباب العمل إلا أنه ما يمكن ملاحظته هنا أن رب العمل الذي قد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا يمثل في حد ذاته وحدة قانونية وقوة اقتصادية قادرة على تعويض مجموعة.
ومن ثم فقد أجمع الفقه والتشريع على أن رب العمل المنفرد يمكن أن يكون طرفا في النزاع الجماعي.
ومن ذلك فإن التعدد المطلوب ليكون النزاع جماعيا هو في الجانب العمالي، ومن ثم فلكي يكون النزاع جماعيا لابد أن يكون أحد أطرافه تجمعا عماليا.
فإذا قلنا بأن أحد أطراف النزاع الجماعي تجمع عمالي فإنه يجب التساؤل حول هل من الواجب أن يكون هذا التجمع منظما من الناحية القانونية (كنقابة مثلا)-أم يكفي أن يكون تجمعا واقعيا لا تنظيم سابق بين أفراده أن الواقع والحقيقة تفرض أخذ التجمع الواقعي في الاعتبار ولو لم يكن له أي تنظيم قانوني لكن الشرط الوحيد الذي يظهر أنه مطلوب هو أن تكون للجماعة بعض الأهمية أي مركبة من حد أدنى من الأعضاء أو تمثل نصابا معينا.
ومن هنا يمكن أن نأخذ معيارين لتحديد الصفة الجماعية للطرف العمالي في النزاع هما المعيار العضوي (I) والمعيار الكمي (II) [3]
I-                     المعيار العضوي :
وهو المعيار الذي يعطي تعريفا جد بسيط للنزاع الجماعي باعتبار أن النزاع يكون جماعيا عندما يكون أحد طرفيه جماعة عمالية منظمة قانونيا أي نقابة عمالية .
بل إن بعض الفقه ذهب إلى أبعد من ذلك واعتبر أن النزاع لا يعتبر جماعيا إلا إذا كانت النقابة الداخلة في النزاع هي أهم الممثلين للجانب العمالي أي النقابة الأكثر تمثيلا.
والذي يدعوا البعض إلى التأكيد على هذا الجانب العضوي هو كون النقابة تامة التنظيم وتتصف بالديمومة ومهمتها تتمثل في الدفاع عن المصالح المهنية للعمال .
مما جعل لها القدرة على تحديد المصالح العمالية الجماعية والدفاع عنها بصفة أكثر فعالية وأكثر جدية مما لدى الأفراد.
ومن ثم فإن النقابة تظهر كتنظيم قابل لتحمل المسؤولية وقادر على إبرام الاتفاقيات الجماعية وعلى احترام وتطبيق قرارات هيئة التسوية،وعند الضرورة تحمل المسؤوليات الناتجة عن ذلك.
إن بساطة هذا المعيار وتبريراته جعلت بعض الفقه يفضله وبعض التشريع يعتمده ويشترط في الطرف العمالي أن يكون منظما في شكل نقابة[4].
لكن الأخذ بهذا المعيار يعني أن النزاع الجماعي لا يعتبر مشروعا إلا إذا أثير وسير من قبل منظمة نقابية وبالتالي فإن الحركات المطلبية لا تكون مشروعة إلا إذا قدمت من قبل تنظيم نقابي.
ومن هنا فإن غياب التنظيم النقابي أو حضوره لا يمكن أن يؤخذ كمعيار للنزاع الجماعي لذلك نبحث في المعيار الكمي لنرى مدى قدرته في تحديد أطراف النزاع .
II-                 المعيار الكمي :
إن المعيار الكمي يسمح بالتمييز بين النزاع الجماعي والنزاع الفردي للشغل عن طريق تحديده لحد أدنى من الأفراد، أو عن طريق تحديده لنصاب معين إذا توفر أو زاد اعتبر النزاع جماعيا، وإن لم يتوفر كان النزاع فرديا.
ويمتاز هذا المعيار بالدقة والبساطة مادام أنه يستند إلى تحديد عددي وهذا ما جعل عدد من التشريعات تعتمده للتغلب على صعوبة التمييز بين النزاعات الجماعية والنزاعات الفردية والتي من بينها المشرع الليبي والغيني.... المادة 257 من ق الشغل الغيني. "النزاع الجماعي هو كل نزاع بين رب العمل و 10 من عماله أو مستخدميه على الأقل. على أن يشمل هذا النزاع ¼ العمال"
لكن هذا المعيار إذا كان دقيقا وبسيطا فإنه لا يقدم عونا من الناحية العملية للتمييز بين نزاع الشغل الجماعي والفردي.
وبالتالي لم تأخذ به جل التشريعات بل اهتمت بموضوع النزاع أكثر مما اهتمت بعدد العمال المشاركين فيه كما سنرى في الفقرة التالية [5]

الفقرة الثانية: موضوع النزاع:
إن تحديد أطراف النزاع لا يكفي للتمييز بين النزاع الجماعي والنزاع الفردي وإنما يلزم إضافة إلى ذلك النظر في موضوع النزاع.
وعند تناول هذا العنصر نجد أن الفقه والتشريع في تمييزهما للنزاع الجماعي عن الفردي قد أخذ بأحد المعيارين. الأول يستند إلى تعداد المواضيع والثاني يعتمد على عنصر المصلحة.
I-                     تعداد المواضيع :
لقد اقترح البعض تمييز النزاعات الجماعية عن النزاعات الفردية وذلك بتعريف الأولي عن طريق تعداد المواضيع التي يمكن أن تتسبب فيها، ومعرفة الثانية عن طريق مفهوم المخالفة .مما يوفر معيارا واضحا وبسيطا يمكن من التغلب على الصعوبات التي تحيط بالتمييز.
ولبساطة هذا المعيار فقد أخذ به التشريع الأسترالي والنيوزيلاندي.
لكن الاعتماد على هذا المعيار وإذا كان يظهر على أنه بسيط وسهل ولا يثير صعوبات عملية، فالملاحظ أنه لا ينسجم مع حقيقة علاقات الشغل وبالتالي فلن يمكن من التغلب على المشاكل المثارة .
فمن جهة فإن الواقع يعبر عن إمكانية تعايش النزاع الجماعي إلى جانب النزاع الفردي وتولدها عن نفس الواقعة، وبالتالي فالأخذ بهذا المعيار لن يميز بينهما وإنما سيعترف بأحدهما دون الأخر، ومن جهة أخرى فإن عالم الشغل عالم دائم ومتطور يمكن أن يفرز كل يوم اوضاعا جديدة تكون مجالا لظهور نزاعات لا يستطيع المشرع أن يتصور مواضيعها مما يعني أن كل تعداد تشريعي سيكون قاصرا ولا يستطيع أن يفي بالغرض المنشود منه. ومن هنا يجب النظر في المعيار الثاني:


II- معيار المصلحة:
إن هذا المعيار يربط النزاع بالمصلحة، فيعتبر النزاع جماعيا إذا كان موضوعة المطالبة بمصلحة جماعية للعمال ويعتبره فرديا إذا كان موضوعة لا يتعلق بمصلحة جماعية وإنما بمجرد مصلحة فردية.
لكن الأخذ بهذا المعيار الذي أخذ به معظم الفقه يقتضي توضيح معنى المصلحة الجماعية التي يستند إليها في التمييز هل هي المصلحة المشتركة بين مجموعة من الأفراد أم هي مجموعة المصالح الفردية لأعضاء الجماعة؟
أن المصلحة الجماعية تتميز أولا عن المصلحة الفردية للعامل المنفرد ولو كان عضوا في جماعة من العمال ومن ثم فبالإمكان التأكيد بأن الإجراءات التي لا تمس إلا بمصالح فردية ولو كانت متعددة لا تمثل إلا نزاعات فردية .وهذه هي الحالة عندما يتولد النزاع عن تسريح أحد العمال بسبب الخطأ المهني أو أي خطأ أخر يتعلق بالكفاءة المهنية.
ونفس الشيء عندما تمتد الإجراءات لتمس عدد من العمال في وقت واحد. فتزامن عدد من النزاعات الفردية لا يغير من طبيعتها. وإنما تبقى نزاعات فردية، بالإضافة إلى ذلك فإن النزاع الذي يتعلق بمصلحة فردية، ويتخذ صفة النزاع الفردي لا يتحول إلى نزاع جماعي نتيجة للأحداث اللاحقة.
اذا فالمصلحة الجماعية تعني مصلحة مجموعة من الأفراد باعتبار أنهم ينتمون إلى المجموعة فهي مصلحة الجميع ومصلحة كل فرد على حدة.[6]ومن ثم فإن النزاعات ذات المصلحة الجماعية هي تلك التي تتعلق بموضوع يمس المصالح الجماعية أو المشتركة لمجموعة من العمال كان يتعلق بأجورهم أو بتحسين ظروف عملهم أو يتعلق بضرورة تطبيق قانون ما أو اتفاقية عمل جماعية ما عليهم.
كما أن النزاع يمكن أن يعتبر جماعيا ويتعلق بمصلحة جماعية حتى ولو تولد عن إجراء اتخذ من طرف المؤاجر في حق عامل واحد إذا كان هذا الإجراء من شأنه أن يهدد حقوق أو مصالح مجموعة من العمال حيث يصبح كل العمال طرفا في النزاع بجانب الأجير المعني وتكون هذه في الحالة التي يكون فيها الأجير ضحية للطرد بصفته ممثلا للعمال، أو بمناسبة ممارسة لنشاط نقابي أو مجرد أرائه السياسية فإن هذا الطرد الفردي يشكل إجراءا خطير يهدد العمال في حقوقهم ومصالحهم .
المطلب الثالث: أثار التمييز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي .
يترتب بين التمييز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي أثر مهم يتمثل في تحديد الجهة المختصة بالنظر في النزاع وانعكاس ذلك على مدى السلطة التي تتوفر عليها هذه الجهة للبت في ما هو معروض عليها من نزاعات.
ذلك أنه وحسب الغالبية العظمى من التشريعات المقارنة فإن النزاعات الفردية يختص بها القضاء العادي وهذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 20 من قانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 28 شتنبر 1974 والذي حدد اختصاص المحكمة الابتدائية بالنظر في النزاعات الفردية دون أن يشير إلى اختصاصها بالنظر في النزاعات الجماعية. والتي تناط مهمة البيت فيها إلى هيئات المصالحة والتحكيم سواء كانت هذه المنازعات الجماعية من طبيعة قانونية أم اقتصادية بالنسبة لبعض التشريعات كالمشرع الفرنسي والمصري والموريتاني والتونسي أو من طبيعة اقتصادية فقط بالنسبة للبعض الآخر كالتشريع الألماني والاسكندنافي واللذان يعتبران أن النزاع الجماعي ذو الطبيعة القانونية يبقى من اختصاص القضاء العادي.[7]


المبحث الثاني: الهيئات التي تقوم بحل نزعات الشغل الجماعية:
إن اهتمام التشريعات المقارنة بمنازعات الشغل الجماعية لم يقف عند حد وسائل حل هذا النزاع من المنازعات وإنما تعداه إلى الاهتمام بالهيئات المنوط بها أعمال وتطبيق هذه الوسائل. لهذا وقبل أن نتطرق إلى كل من المصالحة والتحكيم كوسيلتين لحل منازعات الشغل الجماعية في التشريع المغربي (في الفرع الثاني).
فإننا سنطرق إلى الهيئات المنوط بها أعمال هاتين الوسيلتين سواء من حيث طبيعتها (المطلب الأول) أو من حيث دوامها أو تأقيتها. (المطلب الثاني) أو من حيث تكوينها وكذلك من حيث مدى اختياريتها أو الزاميتها (المطلب الثالث).
المطلب الأول: تقسيم هيئات التسوية السلمية لمنازعات الشغل الجماعية من حيث طبيعتها.
تنقسم الهيئات المتدخلة في حل نزاعات الشغل الجماعية من حيث طبيعتها إلى هيئات رسمية تكون من وضع الدولة وإلى هيئات اتفاقية يتم إيجادها وتنظيمها بمعرفة طرفي أو أطراف النزاع أنفسهم.
حيث أن لكل اتجاه معارضون ومناصرون لكل منهم حجيته وأدلته لدرجة يصعب معها تفضيل أحد الأسلوبين على الآخر. وهو ما جعل بعض التشريعات تأخذ بأسلوب آخر يشكل مزجا بين الهيئات الرسمية والهيئات الاتفاقية. وسنتناول الهيئات الاتفاقية "أولا" ثم الهيئات الرسمية "ثانيا" وأخيرا الهيئات ذات الطبيعة المزدوجة.
أولا: الهيئات ذات الطبيعة الاتفاقية:
وهي الهيئات التي تكون من خلق أطراف النزاع الجماعي أنفسهم بحيث أن هؤلاء الأطراف هم اللذين يتولون تحديد جميع القواعد التي يحل النزاع الجماعي في ضوئها سواء تلك الخاصة بالهيئة نفسها، خاصة من حيث الشكل والتكوين أو بالإجراءات التي تحكم سير النزاع أمامها، منذ أن يعرض عليها وإلى حين الانتهاء منه.
فالهيئات الاتفاقية هي التي يخلقها الأطراف أنفسهم وتخطي في ذات الوقت بتأييد المشرع الذي يرى أن إجراءات الحل السلمي لنزاعات الشغل الجماعية والتي يتم وضعها من طرف الأطراف المعنية يكون لها من فرص النجاح ما لا يكون لغيرها.
ومن التشريعات التي تأخذ بالهيئات الاتفاقية لحل منازعات الشغل الجماعية التشريع المغربي في الفصل 28 من ظهير 19 يناير 1946م (الملغي) وكذلك المادة 582 من مدونة الشغل الجديدة والتي تنص على أنه: "لا تحول أحكام هذا الكتاب دون تطبيق إجراءات التصالح أو التحكيم المحددة بموجب اتفاقية شغل جماعية أو نظام أساسي خاص ".[8]
ثانيا: الهيئات ذات الطبيعة التنظيمية:
عملت معظم التشريعات المقارنة على خلق هيئات رسمية أنيطت بها مهمة النظر في منازعات الشغل الجماعية والمحافظة على السلم الاقتصادي والاجتماعي داخل المؤسسات الشغلية[9].
تحرك أمامها الإجراءات إذا لم توجد الهيئات الاتفاقية أو إذا لم تحرك أمامها الإجراءات رغم وجودها.
ومن التشريعات التي عملت على خلق هيئات تنظيمية رسمية لحل نزاعات الشغل الجماعية المشرع الفرنسي. والذي يعتبر من التشريعات الأولى التي أخذت بأسلوب الهيئات الرسمية لتفادي ولحل منازعات الشغل الجماعية ونفس الاتجاه يسير عليه المشرع الموريتاني ومن بين هذه الهيئات في القانون الموريتاني مفتشية الشغل المادة 32 من الكتاب الرابع من قانون العمل الموريتاني وكذلك لجنة الوساطة(المادة 36) من نفس الكتاب كما أن المشرع المغربي لم يشذ كذلك عن هذا الاتجاه ومن بين الهيئات التي نص عليها المشرع المغربي في مدونة الشغل الجديدة. مفتشية الشغل في المادة 551 واللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة المادة 557 واللجنة الوطنية للبحث والمصالحة المادة 564 .
وما تمكن ملاحظته هنا أن أول محاولة للتصالح بين أطراف النزاع الجماعي سواء كان إضرابا أو إغلاقا أو أي نزاع جماعي آخر تتم أمام مفتشية الشغل وهذا ما نصت عليه مدونة الشغل الجديدة في المادة 553 من المدونة: "يتم الشروع فورا في محاولة التصالح، سواء بمبادرة من الطرف الآخر الراغب في التعجيل وذلك بمقال...".
وقد أحسنت المدونة صنعا حينما جعلت جهاز تفتيش الشغل هو المتدخل الأول في نزاعات الشغل الجماعية وذلك لأن هذا الجهاز هو الأقرب إلى كل من العامل ورب العمل. وهو الأكثر اطلاعا على ظروف العمل وأسباب النزاع ووضعية المقاولة كما أن مفتش الشغل مؤهل أكثر من غيره لإيجاد حل مناسب للنزاع القائم[10].
ثالثا: الهيئات ذات الطابع المزدوج:
وهي الهيئات التي تجمع بين خصائص كل من الهيئات الاتفاقية والهيئات الرسمية. وهي الهيئات التي تتميز بأن الخطوط العريضة أو الضوابط التي تحكمها تكون من خلق السلطة العامة للدولة، في حين أن فعاليتها وقوتها تستمدها من الأطراف أنفسهم، حيث أن هؤلاء الأطراف هم الذين لهم وضع القواعد التفصيلية الخاصة بتسيير الهيئة وذلك في ضوء الضوابط العامة التي تحددها السلطة العامة.
كذلك تتميز هيئات التسوية السلمية ذات الطبيعة المزدوجة بازدواجية التشكيل، ذلك أن هذه الهيئات تضم فضلا عن ممثلي طرفي أو أطراف النزاع الجماعي ممثلا أو أكثر حسب التشريعات عن السلطة العامة حيث تكون رئاسة الهيئة لهذه الأخيرة.[11]
المطلب الثاني: تقسيم هيئات التسوية من حيث الدوام والتأقيت.
إن تشكيل الهيئات المنوط بها حل منازعات الشغل الجماعية، يثير في مختلف التشريعات المقارنة، مشاكل كثيرة، من أهمها طابعها الدائم أو المؤقت.
حيث نجد بان بعض هذه التشريعات تختلف هيئات دائمة للنظر في عدد غير محدد من النزاعات، في حين عمل البعض الآخر على اختيار أسلوب الهيئات المؤقتة التي لا تنشأ إلا بعد نشوب النزاع، وسنتناول كلا من الأسلوبين.
أولا: الهيآت المؤقتة:
هي تلك التي يتوقف إنشاؤها على نشوب النزاع الجماعي، أو على وجود خطر قيامه، بحيث ينتهي عملها ويقع حلها بانتهائها من النظر فيه.
وقد وجهت عدة انتقادات إلى أسلوب الهيآت المؤقتة، لحل خلافات الشغل الجماعية، ذلك انه إذا كان هذا الأسلوب يسمح بتشكيل الهيئة حسب معطيات النزاع على اعتبار أن تشكيلها لا يتم إلا بعد نشوبه، وهو ما يسمح باختيار شخصية أو شخصيات ذات تجربة، أو تتمتع باحترام كبير من طرفي النزاع، يؤهلها للحسم فيه. إلا أن تشكيلها اللاحق على نشوب النزاع يأخذ وقتا طويلا يمكن أن يؤدي إلى المزيد من العناد، ومن التصلب في المواقف.
هذا بالإضافة إلى أن تشكيل الهيآت المؤقتة، عقب نشوب نزاع بعينه، غالبا ما يجعل أعضائها على صلة بطرفي أو بأطراف النزاع، مما لا يضمن حيادهم، حيث يصعب على هؤلاء الأعضاء الوقوف ضد من اختاروهم. فغالبا ما يجد العضو نفسه منصاعا وراء طلبات من يمثله في الهيئة بل ويدافع عنها.


ثانيا: الهيآت الدائمة:
وهي التي تتشكل بصفة دائمة، وذلك بصرف النظر عن طبيعة النزاع، أو خصوصياته، كما هو الحال بالنسبة للجان المحلية، والمجلس المركزي لتسوية المنازعات الجماعية للعمل في مصر، وكذلك لهيئة الوساطة ومفتشية الشغل في القانون الموريتاني، وكذلك الشان بالنسبة لهيئة مفتشية الشغل واللجن الإقليمية والوطنية، للبحث والمصالحة في التشريع المغربي[12].
فكل هذه الهيآت شكلت للنظر في عدد غير محدد من المنازعات، وذلك على خلاف الهيآت المؤقتة. وهكذا فالطابع الدائم لهيأت حل نزاعات الشغل الجماعية يجعلها دائما على أهبة الاستعداد، للنظر في أي نزاع جماعي. بل ويمكنها في بعض الأحيان التدخل ولو قبل نشوبه، ذلك لأن انعقادها المستمر والمنتظم، يسمح لها بعقد اجتماعات منتظمة بين عنصري الإنتاج، بهدف خلق الجو المناسب للعمل المشترك.
كما أن هذه الاجتماعات من شانها تذليل الصعاب والعراقيل التي تكون من شانها إثارة النزاعات الجماعية.
هذا بالإضافة إلى أن طابعها الدائم يكسبها خبرة وتجربة كبيرتين، تساعدها على إيجاد الحل المناسب لما يعرض عليها من منازعات[13].
المطلب الثالث: التكوين الفردي والجماعي، لهيئة التسوية، وكذلك الصفة الاختيارية أو الإلزامية لإجراءات التسوية السلمية:
وسنتناول (أولا) التكوين الفردي أو الجماعي لهيئة التسوية، على أن نتناول (ثانيا) الصفة الاختيارية أو الإلزامية لإجراءات التسوية السلمية.



أولا: التكوين الفردي أو الجماعي لهيئة التسوية:
إن تكوين هيئات التسوية السلمية، لمنازعات الشغل الجماعية يتجاذبه اتجاهان رئيسيان، الأول يعتمد على العضو الفرد، بينما يعتمد الثاني على جماعية هذا التكوين.
فالتكوين الفردي لهيئة التسوية السلمية لمنازعات الشغل الجماعية، هو التكوين الذي يعتمد على عضو واحد تسند إليه مهمة النظر في النزاع.
وهو أسلوب يعطي لهيئة التسوية عدة مزايا تجعله مفضلا بالنسبة لبعض وسائل الحل السلمي، كما هو الشان بالنسبة للمصالحة، وفي هذا الصدد ذهب المكتب الدولي للشغل في دراسته له، إلى انه بالنسبة لتسوية نزاعات الشغل الجماعية عن طريق المصالحة، فانه خير وسيلة في هذا الصدد، هي تكوين الهيئة المنوط بها النزاع من عضو واحد بدل تكوينها من عدة أعضاء.
فالقيام بمهمة المصالحة في نظر المكتب الدولي للشغل من طرف عضو واحد من شانه أن يعطي نتائج افضل من هيئة مشكلة من عدة أعضاء ذلك انه، ولحل نزاعات الشغل الجماعية يجب التدخل في الوقت المناسب، والامساك بالأسباب الحقيقية للنزاع، دون إغفال التعرف على وجهة نظر كل طرف من أطرافه ومدى تقييمه لوجهة نظر الطرف الآخر.
وكل هذه الأعمال والتي تقتضي السرعة في الإنجاز، لا يمكن لهيئة مكونة من عدة أعضاء القيام بها بالدقة، وخاصة بالسرعة المطلوبة لمواجهة منازعات الشغل الجماعية، فهي أعمال لا يصح لها إلا عضو واحد. ويكون محل احترام وتقدير من أطرف النزاع.
فهكذا فأسلوب التكوين الفردي يتطلب من الشخص المكلف به أن يكون ذا شخصية قوية وأن يكون على علم بمشاكل الوسط المهني والصعوبات التي يثيرها سواء بالنسبة للأجراء أو المشغلين وأن يكون على علم بالقرارات والقوانين التي تنظم شروط الشغل ... إلا أنه يصعب توافر كل هذه الشروط في شخص واحد. وإن كان يصعب توافرها في شخص واحد فإنها يمكن أن تتوافر في مجموعة من الأشخاص يكمل بعضهم البعض الأخر. هذا بالنسبة للتكوين الفردي أما بالنسبة للتكوين الجماعي لهيئة التسوية السلمية لمنازعات الشغل الجماعية فهو الذي يعتمد على عدد من الأشخاص تناط بهم مهمة النظر في النزاع المعروض على الهيئة، حيث أن هذا التشكيل الجماعي من شأنه أن يضمن توافر مجموعة متكاملة من الأشخاص ينظرون النزاع من جميع جوانبه فيصلون بذلك إلى الحل المناسب الذي يضع حدا لحالة النزاع. هذا بالإضافة إلى أن هيئة مكونة من مجموعة من الأعضاء تتمتع باحترام أكثر من هيئة مكونة من عضو واحد وبالتالي يتمتع القرار والتوصية الصادر عنها باحترام وبتنفيذ طرفي أو أطراف النزاع دون مشاكل خاصة إذا كان القرار صادر عنها بإجماع .وعلى أي حال ومهما يكن من خلاف فقهي حول فردية أو جماعية تكوين هيئة التسوية السلمية لنزاعات الشغل الجماعية فإنه يجب هنا التفرقة بين المصالحة الذي يرى جانب كبير من الفقه أنه ولكي تؤدي المهام المنوطة بها مثل التدخل في الوقت المناسب والحاسم وفي ظرف وجيز أن تتكون من عضو فرد أما بالنسبة للتحكيم الذي غالبا ما يصاحبه اجراء تحقيقات في أماكن الشغل واستدعاء لبعض الأطراف وأيضا مناقشة أطراف النزاع أنفسهم وغيرها من الإجراءات فإنه لا تتلائم معه الا الهيئة ذات تكوين جماعي.[14]
ثانيا: الصفة الاختيارية أو الإلزامية لإجراءات التسوية السلمية . 
وتتجلى الصفة الاختيارية لإجراءات الحل السلمي لمنازعات الشغل الجماعية في كون طرفي أو أطراف النزاع تكون لهم الحرية في اللجوء إلى إجراءات الحل السلمي لنزاعات الشغل الجماعية التي تنشأ بينهم أو من عدم اللجوء إليها لحل النزاع الذي يجمع بينهم، كما تتجلى الاختيارية كذلك في الحرية التي يتمتع بها طرفا النزاع الجماعي في اللجوء إلى تجارب القوة – الإضراب أو الإغلاق- دون أية مراعاة لإجراءات التسوية السلمية ودون أن يمس هذا اللجوء إلى تجارب القوة من شرعيتها فأطراف النزاع تكون لهم الحرية الكاملة في اللجوء إلى الإضراب أو الإغلاق سواء قبل تحريك الإجراءات أو أثنائها أو بعد صدور القرار الفاصل في النزاع إذا كان هذا النزاع عرض على هيئات التسوية السلمية، وهذا ما يمكن معه القول بأن القرار الذي يمكن أن تتمخض عنه إجراءات التسوية السلمية في حالة ما إذا حركت لا يتمتع مع الطابع الاختياري لهذه الإجراءات بآية قوة تنفيذية ويبقى تنفيذه رهينا بمدى اتفاق الطرفين على هذا التنفيذ.
وهذا ما ذهب ببعض الفقه. إلى القول بأنه النزاع الجماعي الذي ينظر وفق إجراءات اختيارية لا تملك فيه الهيئة المنوط بها نظرة في الحقيقة اصدار قرار بمعنى الكلمة، فكل ما لها هو تقديم مقترحات. أو تقديم مشروع اتفاقية جماعية و لا تكون له أية قوة قانونية إلا إذا تم قبوله من الطرفين. حيث أن هذا القبول هو الذي يحول مشروع الاتفاقية إلى اتفاقية بالمعنى الكلمة .
أما الطابع الإلزامي لإجراءات التسوية السلمية لمنازعات الشغل الجماعية فيكتسي أشكالا عديدة ومختلفة، فالطابع الإلزامي لهذه الإجراءات وإن كان في غالب الأحيان يفيد أن على طرفي النزاع الجماعي أن يحاولا بمساعدة هيئة التسوية السلمية المختصة إيجاد حل للنزاع الذي يجمعها، من غير أي إلزام بالتوصل إلى هذا الحل بالضرورة أو تنفيذه في حالة التوصل إليه، فإنه في أحيان أخرى يفيد ضرورة تحريك إجراءات التسوية السلمية وأيضا ضرورة وإلزامية الوصول إلى حل وتنفيذه، وذلك تحت طائلة الجزاء، كل هذا طبعا على اختلاف فيما بين التشريعات.
ومن التشريعات التي تنص على إلزامية تحريك إجراءات التسوية لأول مرة التشريع المغربي وأن قرنها أيضا. باعتبار الإضراب الذي يتم اللجوء إليه قبل تحريك إجراءات المصالحة والتحكيم غير مشروع (الفصل الأول من ظهير يناير1946 الملغي) .
هذا إضافة إلى أن المشرع المغربي ذهب إلى أبعد من ذلك بالنص على إلزامية الاتفاق الذي يقع إثباته في تقرير المصالحة والتحكيم.
بحيث أنه يجب على طرفي النزاع وفق التشريع المغربي ليس فقط تحريك إجراءات التسوية السلمية والامتناع عن الدخول في أية تجربة قوة سواء قبل تحريك إجراءات المصالحة والتحكم أو أثناء السير فيها وإنما يجب أيضا عليها تنفيذ النتيجة التي قد تتمخض عنها إجراءات التسوية السلمية (المادة 581 من مدونة الشغل).

الفرع الثاني:
الوسائل السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية.
تنتج نزاعات الشغل الجماعية عن اختلاف وتباين مصالح كل من المشغلين من جهة، والأجراء من جهة أخرى. وهو ما يؤدي إلى اللجوء إلى كل من الإضراب أو الإغلاق باعتبارهما تجربتي قوة لحل هذه النزاعات. إلا أن غالبية التشريعات تلزم أطراف علاقة الشغل باعتماد عدة وسائل سليمة لحل نزاعاتهم الجماعية قبل اللجوء إلى وسائل القوة.
وبالرجوع إلى مدونة الشغل الجديدة، نجد المشرع قد حدد هذه الوسائل السلمية في كل من المصالحة (المبحث الأول) والتحكيم (المبحث الثاني).
المبحث الأول: المصالحة.
تشكل المصالحة كوسيلة من الوسائل السلمية لحل النزاع الجماعي، المرحلة الأولى من مراحل التسوية السلمية، إذ لا يلجأ إلى غيرها من الوسائل إلا بعد استنفاذ إجراءاتها، سواء في التشريعات التي تأخذ بإجبارية التسوية السلمية أو تلك التي تتبنى طابعها الاختياري[15].
هذا ويقتضي منا بحث المصالحة أن نتناول ماهيتها وهدفها (المطلب الأول)، إضافة إلى هيئاتها (المطلب الثاني) على أن نختم هذا المبحث بالتطرق إلى النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها (الطلب الثالث).
المطلب الأول: ماهية المصالحة وهدفها.
لتناول هذا المطلب سنعمد إلى تقسيمه إلى فقرتين، نتناول في الأولى مفهوم أو ماهية المصالحة باعتبارها وسيلة من الوسائل السليمة لحل نزاعات الشغل الجماعية. على أن نتناول في الفقرة الثانية الهدف المتوخى منها.


الفقرة الأولى: ماهية المصالحة.
بالرجوع إلى المادة 550 من مدونة الشغل الجديدة نجدها تنص على أنه "تسوى نزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها في هذا الشأن". وعليه يتضح أن المشرع لم يعمد إلى تحديد مفهوم المصالحة، و إنما قام فقط بتعداد وسائل حل نزاعات الشغل الجماعية. وذلك بخلاف بعض التشريعات الأخرى كالتشريع الجزائري الذي عرف المصالحة في المادة 10 من القانون المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل، بأنها "إجراء يتفق بموجبه طرفا الخلاف الجماعي على إسناد مهمة اقتراح تسوية ودية إلى شخص من الغير يدعى الوسيط ويشتركان في تعيينه".
وعليه فإن المصالحة تعد بمثابة أداة لتفادي وقوع النزاعات الجماعية، أكثر مما تعتبر أداة لحلها. حيث إن اللجوء إليها يساعد على الوصول إلى حل توفيقي بين الأطراف قبل أن تتطور حدة الخلاف بينهما إلى اتخاذ أحد أشكال القوة، المتمثلة إما في الإضراب من قبل الأجراء، أو في الإغلاق الذي يمكن أن يلجأ إليه المشغلون.
وبالتالي فإن المصالحة تتطلب مشاركة طرف ثالث يتخلص دوره في بلورة اتفاق بين الطرفين مع العلم أنه لا يتمتع بأية سلطة لفرض تسوية على الأطراف[16]. فدوره يكمن فقط في محاولة التوفيق بين الطرفين دون أن يمتد عمله إلى البحث عن المصيب من المخطئ، أو في جدية أو عدم جدية إدعاء الأطراف. وبعبارة أوضح فإن المصالحة لا تقوم على أساس الدور الذي يقوم به القاضي أو المحكم الذي يبحث عن المصيب أو المخطئ.
وهكذا فإن هذه الخصوصية التي تتميز بها المصالحة تعتبر شرطا ضروريا لنجاحها في التوفيق بين المصالح المتضاربة للأطراف[17].
الفقرة الثانية: هدف المصالحة.
تهدف المصالحة باعتبارها وسيلة سليمة لحل نزاعات الشغل الجماعية، إلى محاولة التقريب بين وجهات نظر أطراف النزاع بغية وضع حد للنزاع الذي نشب بينهم حفاظا على السلم الاجتماعي، وحتى لا تتطور تلك النزاعات لتتخذ أحد أشكال وسائل العنف المتمثلة في الإضراب أو الإغلاق[18].
وهكذا فإن الدور الأساسي الذي تلعبه المصالحة يكمن في مساعدة الأطراف على الوصول إلى اتفاق مؤقت، تمهيدا لإبرام اتفاقية جماعية تساعد على تنظيم شروط وظروف العمل. والتي ستتحول فيما بعد إلى قانون يحكم تنظيم العلاقة بين أطراف الشغل[19].
حيث إن من شأن هذا الاتفاق المتوصل إليه من خلال الأطراف ذاتها أن يضمن الاستقرار أكثر في العلاقة بينهم، وأن يجعل السلام والتعاون يهيمن على هذه العلاقة. وهذا بخلاف الحل الذي يفرض على الأطراف، إذ بالرغم من فعالية هذا الحل الأخير، إلا أن هذه الفعالية ليست بالشكل وبالكيفية التي يكون عليها الحل الذي يتوصل إليه الأطراف من ذاتهم. لذلك تحرص غالبية التشريعات على أن تمر مرحلة المصالحة بأكثر من درجة تمهيدا للوصول إلى حل توفيقي يكون من صنع أطراف النزاع الجماعي.
المطلب الثاني: هيئات المصالحة.
نظرا للأهمية الكبيرة التي تحظى بها المصالحة كوسيلة سلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية، إذ أنها تعطي للأطراف إمكانية تسوية خلافهم بعيدا عن التحكيم أو القضاء. فإن هذه الأهمية تفرض خلق عدة هيئات تشجيعا على حل نزاع الشغل الجماعي في بدايته[20].
وهكذا فإنه بالرجوع إلى مدونة الشغل الجديدة نجد أنها حددت هيئات المصالحة في التصالح على مستوى مفتشية الشغل (الفقرة الأولى)، واللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة (الفقرة الثانية)، واللجنة الوطنية للبحث والمصالحة (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: التصالح أمام مفتش الشغل.
إن أول محاولة للتصالح بين أطراف النزاع الجماعي كيفما كان نوعه، تتم بداية أمام العون المكلف بتفتيش الشغل حسب ما نصت عليه المادة 552 من مدونة الشغل. وعليه فإن المشرع أحسن صنعا حينما جعل مفتش الشغل هو المتدخل الأول لحل النزاع الجماعي، على اعتبار أن هذا الجهاز هو الأكثر قربا إلى العمال وأرباب العمل، والأكثر إطلاعا على ظروف العمل وأسباب النزاع ووضعية المقاولة[21]. كما أنه اعتاد منذ بداية عمله التدخل لمحاولة تسوية نزاعات الشغل بصفة حبية وسليمة منعا لها من أن تتسع وتكبر[22].
أولا: مجال تدخل مفتش الشغل:
إن السؤال الأول الذي يطرح في هذا الإطار، يتعلق بتحديد الوقت الذي يتدخل فيه مفتش الشغل في النزاع بغية تسويته؟.
بالرجوع إلى المادة 552 من مدونة الشغل الجديدة نجدها تنص على أنه :"إذا كان الخلاف الجماعي يهم أكثر من مقاولة فإن محاولة التصالح تجري أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم.
إذا كان الخلاف الجماعي يهم مقاولة واحدة فإن محاولة التصالح تجري أمام العون المكلف بتفتيش الشغل".
يتضح من خلال قراءة هذه المادة أن معيار تدخل مفتش الشغل هو تحديد عدد المقاولات أو المؤسسات أو الشركات التي يقع فيها النزاع. فإذا تعلق الأمر بنزاع يهم مقاولة واحدة فإن النزاع الجماعي يعرض على مفتش الشغل. أما إذا طال النزاع أكثر من مؤسسة فإنه يعرض على المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم.
إلا أن الإشكال المطروح في هذا الصدد يتعلق بالحالة التي نكون فيها أمام نزاعين في شركتين مختلفتين في نفس العمالة أو الإقليم. فهل يجب إسناد هذا النزاع إلى مفتش الشغل أو إلى المندوب المكلف بالشغل على مستوى العمالة أو الإقليم؟.
للجواب على هذه الإشكالية يجب التمييز بين حالتين. فإذا كان كل نزاع مستقل عن النزاع الآخر وكانت الشركتان مختلفتين، فإن النزاع يعرض على مفتش الشغل. أما إذا تعلق الأمر بنفس النزاع ولكن في مقاولات مختلفة، فإنه يعرض على المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم[23].
إضافة إلى ذلك هناك إشكال آخر يتعلق بالحالة التي يتعدى فيها النزاع الجماعي النفوذ الترابي لأكثر من مندوب شغل، كما في الحالة التي تكون فيها كل مقاولة تابعة لنفوذ ترابي معين.
لحل هذا الإشكال، يرى بعض الفقه[24]، ضرورة أن يجتمع مندوبو الشغل التابعين لمختلف هذه العمالات أو الأقاليم للنظر في النزاع بغية الوصول إلى حل توفيقي له، أي لا يجب تجزيء النزاع وإعطاء كل مندوب حق التدخل في النزاع الذي يقع في دائرته، وذلك تفاديا لتضارب الحلول المتوصل إليها من طرف كل مندوب.
 ثانيا: إجراءات التصالح أمام مفتش الشغل.
بالرجوع إلى المادة 553 من مدونة الشغل الجديدة نجدها تنص أنه:"يتم الشروع فورا في محاولة التصالح سواء بمبادرة من الطرف الراغب في التعجيل وذلك بمقال يحدد فيه نقط الخلاف أو بمبادرة من المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم أو من العون المكلف بتفتيش الشغل".
وهكذا يتضح أن طلب فتح مسطرة المصالحة جعله المشرع المغربي في يد جميع أطراف النزاع الجماعي،  إذ يمكن فتحها بطلب من النقابة أو بطلب من المشغل، وذلك بواسطة مقال مكتوب موجه إلى مفتش الشغل يوضح فيه أسباب النزاع الجماعي.
وبعد أن يتوصل مفتش الشغل بالطلب، يجب عليه تطبيق مقتضيات المواد 558، 559و 560 من مدونة الشغل الجديدة. أي أنه يبادر باستدعاء أطراف النزاع الجماعي بواسطة برقية داخل آجل 48 ساعة من توصله بالطلب، وهو أجل قصير ينسجم والسرعة التي توخاها المشرع بغية التوصل في أسرع وقت لحل سلمي وتوفيقي بين أطراف النزاع الجماعي. وبعد أن يتوصل الأطراف بالبرقية عليهم الحضور أمام مفتش الشغل شخصيا أو بواسطة من ينوب عنهم إذا حال دون حضورهم سبب قاهر منعهم من الحضور شخصيا، شريطة أن يكون الشخص الذي أنابه هذا الطرف مؤهلا لإبرام اتفاق التصالح.
كما أنه بالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 558 من مدونة الشغل نجدها تعطي للأطراف إمكانية أن يكون مؤازرين بعضو من نقابتهم أو المنظمة المهنية التي ينتمون إليها أو بمندوب الأجراء. وعليه فإن مشاركة هذه الفئات في صياغة اتفاق التصالح من شأنها أن تضمن الوصول إلى حل توفيقي، مبني على ما فيه مصلحة لطرفي النزاع الجماعي وللجهة التي تمثلها.
كما يحق كذلك لكل طرف من أطراف النزاع الجماعي أن يتقدم إلى مفتش أو مندوب الشغل بمذكرة كتابية تتضمن ما لديه من ملاحظات. ويجب على مفتش أو مندوب الشغل في هذه الحالة أن يبلغ نسخة منها إلى الطرف الآخر[25].
أما بخصوص المدة التي يلتزم مفتش الشغل أو مندوب الشغل بتسوية النزاع خلالها فقد حددتها المادة 560 من مدونة الشغل في 6 أيام من تاريخ رفع النزاع[26]. وهي مدة قصيرة تنسجم من خصوصية هذه المسطرة التي ترمي إلى تسوية النزاع بأقصى سرعة حتى لا يتطور إلى درجة يمكن أن تهدد السلم الاجتماعي والاقتصادي.
أما في حالة فشل محاولة التصالح أمام مفتش أو مندوب فإن النزاع يرفع إلى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.
الفقرة الثانية: التصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.
بالرجوع إلى المادة 556  من مدونة الشغل نجدها تقضي بأنه في حالة عدم التوصل إلى أي اتفاق أمام مفتش الشغل، فإن المندوب الإقليمي أو العون المكلف بالشغل أو أي أحد من الأطراف يبادر داخل ثلاثة أيام برفع نزاع الشغل الجماعي أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.
فماذا عن تكوين هذه اللجنة؟ وما هي الإجراءات المتبعة أمامها؟

أولا: تكوين اللجنة الإقليمية.
إضافة إلى هيئات المصالحة على المستوى المحلي، تعمل الكثير من التشريعات على خلق هيئات للمصالحة على مستوى إقليم معين، حيث يكون لها نظرا نزاعات الشغل الجماعية التي تهم ذلك الإقليم. بل إن بعض التشريعات كالتشريع الفرنسي يخول لهذه الهيئات الإقليمية نظر حتى النزاعات المحلية إذا كانت على درجة من الأهمية والخطورة ومن شأنها أن تهدد السلم الاجتماعي والاقتصادي في الإقليم برمته[27].
أما بخصوص تكوين اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة فقد نصت عليه المادة 557 من مدونة الشغل، والتي تقضي بأنه تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة يترأسها عامل العمالة أو الإقليم، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للإجراء الأكثر تمثيلا[28]. أما كتابة اللجنة فيتولاها المندوب المكلف بالشغل.
كما تجدر الإشارة إلى أن حضور مفتش الشغل يبقى ضروريا في هذا اللجنة رغم حضور مندوب الشغل وذلك لتتبع تطور النزاع وإبداء الملاحظات الخاصة به في الوقت المناسب، وكذا اقتراح الحلول المناسبة[29].
كما أنه بالرجوع إلى المادة 561 من مدونة الشغل نجدها أعطت لرئيس اللجنة صلاحية الاستعانة بخبراء، وهو ما من شأنه أن يسهل مهمة اللجنة في التوفيق بين أطراف النزاع الجماعي.
ثانيا: إجراءات التصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.
لا تختلف الإجراءات المتبعة أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة عن الإجراءات المتبعة أمام مفتش أو مندوب الشغل. إذ بعد رفع النزاع أمامها يقوم رئيسها باستدعاء أطراف النزاع بواسطة برقية داخل أجل 48 ساعة من تاريخ رفعه أمام اللجنة.

وهو ما يفرض على الأطراف أن يمثلوا أمام اللجنة شخصيا أو أن ينيبوا عنهم في حالة القوة القاهرة من هو مؤهل لإبرام اتفاق التصالح. أما إذا تعلق الأمر بشخص اعتباري، وكان طرفا في النزاع فعليه أن ينتدب ممثلا عنه[30].
كما يحق لكل طرف توجيه مذكرة كتابية لرئيس اللجنة يضمنها ما لديه من ملاحظات، ومقابل ذلك يلزم رئيس اللجنة بتبليغ نسخة منها إلى الطرف الأخر.
أما بخصوص المدة التي تعمل داخلها اللجنة لأجل التوصل إلى حل النزاع الجماعي المعروض أمامها فقد حددتها المادة 560 في 6 أيام من تاريخ رفع النزاع أمام اللجنة.
إلا أن ما يميز الإجراءات المتبعة أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، عن الإجراءات المتبعة أمام مفتش أو مندوب الشغل، هو أنه يمكن لرئيس اللجنة الإقليمية أن يأمر بإجراء جميع الأبحاث والتحريات لدى المقاولات والأجراء العاملين بها، وأن يطلب تقديم كل المستندات والمعلومات كيفما كان نوعها والتي يمكنه أن يستنير بها، كما يمكنه أن يستعين بخبراء أو بأي شخص آخر يرى فائدة في الاستعانة به.
وما يثير الانتباه في هذا الإطار أن المشرع المغربي حينما تطرق إلى الإجراءات المتبعة أمام مفتش أو مندوب الشغل أحال على المواد 558، 559، 560 دون أن يضيف المادة 561 التي تعطي صلاحية إجراء الأبحاث والتحريات. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كان مفتش أو مندوب الشغل يملك هذه الصلاحية أو لا؟.
في الواقع فإن النزاعات التي تعرض على اللجنة الإقليمية غالبا ما تكون ذات أهمية اجتماعية واقتصادية كبيرة، لذلك فإن المشرع أعطى تلك الصلاحية للجنة الإقليمية بغية تسهيل الوصول إلى حل توفيقي. بينما في غالب الأحيان تكون النزاعات المعروضة على مفتش أو مندوب الشغل ذات أهمية محدودة. وعليه ربما يكون هذا هو السبب الذي لم يعط لأجله المشرع صلاحية طلب تقديم المستندات لمفتش أو مندوب الشغل. إلا أن هذه الصلاحية يمكن أن يستفيد منها النزاع المعروض على مفتش أو مندوب الشغل، إذا ما تمت إحالته على اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة في حالة فشل التصالح على مستوى مفتشية الشغل. وبالتالي يستفيد النزاع الجماعي في نهايته من الإجراءات التي حرم منها في بدايته.
كما أنه بالرجوع إلى المواد 583، و 584و 585 نجدها تعاقب بغرامة تتراوح ما بين 10000و 20000 درهم كل من استدعي بصفة قانونية للمثول أمام اللجنة الإقليمية ولم يحضر، من غير أن يكون له عذر مقبول ودون أن ينيب عنه ممثلا قانونيا. وذلك بعد تحرير تقرير في الموضوع من طرف رئيس اللجنة الذي يوجهه إلى الوزير المكلف بالشغل، الذي يوجهه بدوره إلى النيابة العامة.
كما يعاقب بنفس الغرامة الطرف الذي يمتنع عن تقديم الوثائق المشار إليها في المادة 561 السابقة الذكر.
الفقرة الثالثة: التصالح أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.
طبقا للمادة 563 من مدونة الشغل الجديدة،إذا لم يحصل اتفاق أو تصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة فإن النزاع يحال داخل 3 أيام مباشرة إلى اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.
فماذا عن تكوين هذه اللجنة؟ وما هي الإجراءات المتبعة أمامها؟
أولا: تكوين اللجنة الوطنية.
بالرجوع إلى المادة 564 من مدونة الشغل نجدها تنص أنه :"تحدث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل لجنة تسمى "اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة" يترأسها الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا".
كما أنه يمكن لرئيس اللجنة أن يستدعي لحضور أشغالها كل شخص يراعي في اختياره ما يتمتع به من كفاءات في مجال اختصاصات اللجنة.
أما بالنسبة لكتابة اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة فتسند لرئيس مصلحة تفتيش الشغل.
وهكذا وانطلاقا من التمعن في الأعضاء المشكلين لهذه اللجنة، وخاصة على مستوى الرئاسة والكتابة تتضح الأهمية التي تحظى بها، وما ذلك إلا نتيجة لخطورة وحجم النزاعات التي تبث فيها، والتي تكون لها علاقة بعدة أقاليم أو عمالات وهو ما من شأنه أن يهدد السلم الاجتماعي والاقتصادي في حالة عدم إيجاد حل لهذه النزاعات[31].
كما تختص هذه اللجنة بالبحث في النزاعات الجماعية التي لم يتم التوصل بشأنها إلى أي اتفاق أو تصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة[32].
ثانيا: إجراءات التصالح أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.
تتبع أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة نفس الإجراءات المتبعة أمام كل من مفتش أو مندوب الشغل، وكذا الإجراءات المتبعة أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة المحددة في المواد 558 و 559و 560 و 561 من مدونة الشغل.
وعليه فإن النزاع يرفع أمام اللجنة الوطنية بداية من طرف رئيس اللجنة الإقليمية أو من الأطراف. وبعد ذلك يقوم وزير التشغيل باعتباره رئيس اللجنة الوطنية، أو من ينوب عنه باستدعاء الأطراف بواسطة برقية داخل أجل 48 ساعة من تاريخ عرض النزاع على اللجنة. وهو ما يفرض على الأطراف أن يمثلوا أمام اللجنة شخصيا أو بواسطة من ينوب عنهم شريطة أن تكون له صلاحية توقيع الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه، وذلك إذا حالت قوة قاهرة دون حضور الطرف المعني بالأمر.
كما يجوز لكل طرف أن يتقدم بمذكرة كتابية يضمنها ما لديه من ملاحظات، وهو ما يفرض على رئيس اللجنة الوطنية أن يبلغ نسخة منها إلى الطرف الأخر.
وبالرجوع إلى مدونة الشغل نجد أنها خولت للجنة الوطنية للبحث والمصالحة القيام بكل الأبحاث والتحريات، وطلب المستندات اللازمة من الأطراف، كما يتعين عليها أن تبذل كل جهودها لتسوية النزاع الجماعي المعروض عليها داخل أجل 6 أيام من تاريخ رفع النزاع إليها بغية التوصل إلى اتفاق بين الأطراف.
كما تجدر الإشارة إلى أن التخلف عن المثول أمام اللجنة الوطنية وكذا الامتناع عن تقديم المستندات والوثائق التي تطلبها من الأطراف يعاقب عليه بغرامة تتراوح ما بين 10000و 20000 درهم.
وفي ختام هذه النقطة لا بد من الإشارة إلى أن القرارات لا تتخذ عن طريق التصويت وإنما عن طريق الاقتناع، لأن الهدف هو الوصول إلى تصالح يعيد الأمور إلى نصابها.
المطلب الثالث: نتائج عمل هيئات المصالحة.
إن نتيجة المصالحة كمرحلة من مراحل التسوية السلمية لنزاعات الشغل الجماعية لا تخرج عن وجه من الوجوه التالية: فإما أن تؤدي إلى عدم حضور أحد طرفي النزاع (الفقرة الأولى) وإما أن تؤدي إلى نجاح هيئة المصالحة في حل   النزاع الجماعي (الفقرة الثانية). وإما أن تفشل المصالحة في التوفيق بين الطرفين إما كليا أو جزئيا (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: امتناع أحد الأطراف عن الحضور.
في الحالة التي يمتنع فيها الطرف الذي حرك إجراءات التسوية السلمية عن الحضور، فإن ذلك يعتبر بمثابة تنازل عن طلبه بإجراء المصالحة[33]. أما في الحالة التي يكون فيها من تخلف عن الحضور ليس هو الطرف الذي حرك المسطرة فإن المندوب المكلف بالشغل أو العون المكلف بالشغل يحرر فورا في ختام جلسات الصلح محضرا يوقعه ويثبت فيه عدم حضور الأطراف. أما إذا تعلق الأمر بنزاع جماعي معروض على اللجنة الإقليمية أو الوطنية للبحث والمصالحة، فإن المحضر المحرر بمناسبة عدم حضور أحد الأطراف يتم توجيهه إلى الوزير المكلف بالشغل، الذي يحليه بدوره إلى النيابة العامة. إذ يتعرض الطرف الذي امتنع عن الحضور دون عذر، ودون أن ينيب عنه ممثلا قانونيا لغرامة تتراوح ما بين 10000و 20000 درهم[34].
الفقرة الثانية: نجاح مسطرة المصالحة.
إذا حصل وحققت مسطرة المصالحة النتيجة أو الهدف المتوخى منها، أي أدت إلى اتفاق الأطراف على حل تتم بمقتضاه تسوية النزاع الذي نشب بينهم، فإنه يقع على عاتق الهيئة المشرفة أن تحرر محضرا بذلك على الفور تضمنه ما تم الاتفاق حوله. إذ يتم توقيعه من طرف مفتش أو مندوب الشغل أو رئيس اللجنة الإقليمية أو الوطنية حسب الأحوال، كما يوقعه أطراف النزاع الجماعي أو من ينوب عنهم. وتسلم نسخة منه إلى الأطراف المعنية أو يبلغ إليهم عند الاقتضاء.
الفقرة الثالثة: الفشل الكلي أو الجزئي للمصالحة.
في الحالة التي لا تسفر فيها إجراءات المصالحة عن أي اتفاق، فإن على الهيئة –سواء تعلق الأمر بمفتش أو مندوب الشغل أو اللجنة الإقليمية أو الوطنية- تسجيل النتيجة التي تم التوصل إليها في ختام جلسات الصلح في محضر يحرر فورا، ويوقع من طرف رئيس اللجنة والأطراف وتسلم نسخة منه إلى الأطراف المعنية، أو يتم تبليغه لهم عند الاقتضاء.
أما إذا أسفرت مسطرة المصالحة عن مجرد اتفاق جزئي، فيتم تحرير محضر بذلك يوجه إلى الأطراف وتبين فيه النقط التي بقيت عالقة، حيث تتم إحالتها إلى التحكيم بعد موافقة أطراف النزاع[35]، بواسطة رئيس اللجنة الإقليمية أو الوطنية خلال أجل 48 ساعة الموالية لتحرير المحضر. ويطبق نفس الحكم في حالة الفشل الكلي لمسطرة المصالحة وكذا في حالة ما إذ تخلف الأطراف أو حدهم عن الحضور وذلك عملا بالمادة 567 من مدونة الشغل الجديدة.

المبحث الثاني: التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية
لم يكن الجنس  البشري في مرحلته البدائية بقادر على أن يتصور وجود قانون معين يحكمه بعدل وإنصاف، لذا لم يكن من الغريب أن تصبح القوة هي الحق والقانون في تلك المرحلة، فالفرد في إطار الجامعات القديمة كان يسعى دائما إلى أخذ حقه بنفسه. بحيث لم تكن هناك أية شرعة تنظم العلاقة بينه وبين أفراد الجماعة إلا شرعة القوة، إلا أنه مع تسارع الزمن والتطور الذي عرفته المجتمعات أدرك الإنسان مدى ضرر الالتجاء إلى قوة لحل الخلافات والمنازعات واستشعر هذا الإنسان الحاجة إلى إيجاد حلول سلمية لما قد يثور بينه وبين غيره من منازاعات وخلافات، فكان التفكير في عرض تلك المنازعات على طرف ثالث أجنبى عن النزاع يتولى نظرها والفصل فيها، وتعد هذه الفكرة هي النواة الأولى لنظام التحكيم الذي تعرفه الأنظمة القانونية المعاصرة سواء ذلك التحكيم في الميدان التجاري أو السياسي، أو التحكيم الذي تعرفه علاقات الشغل الجماعية، وبخصوص هذا الأخير يذهب الفقيه (جورج ميل) إلى أن هناك تقابلا بينه وبين التحكيم الذي عرفته الجماعات البدائية، إذ كلاهما يهدف إلى وضع حد لحالة شاذة غير طبيعية وهي اللجوء إلى القوة وإلى العنف، ولدراسة هذا النوع الأخير من التحكيم ( التحكيم في النزاعات الشغل الجماعية) فقد ارتأينا أن نتناول في ثلاثة مطالب، على نخصص المطلب الأول لمفهوم التحكيم وهدفه، والحالات التي يتم فيها اللجوء إليه، ثم نتناول في المطلب الثاني مسطرة التحكيم ومدى القوة الإلزامية لقراراته على أن يكون المطلب الثالث والأخير خاص بطرق الطعن في القرارات اللتحكيمية والجزاء الذي قد يتعرض له الأطراف.
المطلب الأول: مفهوم التحكيم وهدفه والحالات التي يتم فيها اللجوء إليه :
يعتبر التحكيم في نظر الحقوقيين من أقدم الأنظمة التي اعتمدها الإنسان وسيلة لحل مشاكله وفض نزاعات حيث يعتقد أنه  كان معروفا عند المقدونيين والبابليين .. وغيرهما من الحضارات القديمة كما أن نبي الله سليمان كان يقوم به[36].
لذا سنحاول أن نتناول في (فقرة أولى) مفهوم وهدفه على أن نتناول في (فقرة ثانية) الحالات التي يتم فيها اللجوء إليه.
الفقرة الأولى: مفهوم التحكيم وهدفه:
  -Iمفهوم التحكيم :
إن التحكيم هو الوسيلة التي تهدف إلى وضع حد للنزاع الجماعي من طرف شخص أو هيئة أجنبية عنه، وذلك بمقتضى قرار ملزم، كما أنه الوسيلة التي تساعد من خلال قراراتها في إبرام الإتفاقيات الجماعية التي يعجز طرفاها عن التوصل إليها بمفردهما[37]
وبشكل أدق فالتحكيم هو اجراء اختيار يعتمده الطرفان المتنازعان (العمال والمشغل) بمحض ارادتهما كوسيلة لحل نزاع الشغل القائم بينهما، ويقتضي هذا الإجراء انتقائهما معا لطرف محايد من غير القضاء يوكلان إليه أمر الفصل في النزاع بإصدار قرار تحكيمي يعتبرانه نهائيا وملزما لكليهما برضاهما وباتفاق مسبق بينهما.
ويستشف مما سبق أن إرادة أطراف النزاع (العمال والمشغل) عنصر أساسي يرتكز عليه نظام التحكيم وتتوقف عليه مصداقيته، ومن ثم فإن كل محاولة لإرغام هذا الطرف أو ذاك على اللجوء إلى التحكيم يشكل تقييدا لحريته في الاختيار ويؤدي إلى إلغاء ذلك الحاجز الذي يميز التحكيم عن القضاء. وهنا أشير إلى أن المشرع المغربي كاد يجرد نظام التحكيم من مصداقية عندما أجاز للوزير المكلف بالشغل تعيين محكم إذا ما تعذر توصل الأطراف إلى اتفاق على اختيار المحكم لأي سبب كان (الفصل 569م ش) المغربي ونفس الشيء فعله المشرع الموريتاني م 40 ش موريتانيا .
إن ما يميز البلدان المتقدمة والتي تأخذ بالديمقراطية هو احترامها لإرادة أطراف النزاع وتشجيعهم على حل مشاكلهم بالطريقة التي يفضلونها ويختارونها، ولعل هذا هو سر نجاح التحكيم في نزاعات الشغل بتلك الدول [38] وأخيرا أشير إلى أنه قد ثار جدل فقهي كبير وما يزال حول طبيعة نظام التحكيم حيث انقسم الفقه إلى من ينادي بطبيعة القضائية ومن يحجب عنه تلك الطبيعة وينادي بطبيعته التنظيمية[39]
وأنا أميل إلى طبيعته التنظيمية وذلك لعدة اعتبارات يضيق المقام عن ذكرها بشكل مفصل، فمنها الطبيعة الاختيارية للتحكيم والسلطة الواسعة المخولة للحكم وكونه يستمد تلك السلطة من الأطراف وليس من الدولة، هذا فيما يتعلق بمفهوم التحكيم وطبيعة فماذا عن هدفه.
II-         هدف التحكيم:
يهدف التحكيم إلى حل النزاع أو النقاط التي بقيت منه ولم تحل عن طريق المصالحة، كما يسعى إلى تحسين علاقات المتنازعين والارتقاء بها إلى مستوى عال من الانسجام والتعاون عكس القضاء الذي يكتفي بإقرار الذنب وفرض العقوبة. يقول روبيرت كولسون (عضو الأكاديمية الوطنية للتحكيم بأمريكا) "إن النزاعات لا تنشئ من عدم بل تتمخض عن التناقضات المحيطة بعلاقات الشغل خصوصا أن لكل طرف مصلحة أكيدة في نجاح سير المؤسسة، فمن جهة نجد العمال ينشغلون بتأمين مناصب عملهم والحفاظ على حقوقهم ومكتسباتهم ويناضلون باستمرار من أجل الحصول على زيادة في الأجور وتحسين ظروف عملهم ومن جهة ثانية نرى أن شغل أرباب العمل الشاغل هو رفع من الإنتاج بتكلفة أقل ما تمكنهم من التصدي لمنافسهم وضمان حصتهم في السوق وتضخيم أرباحهم، ومعنى هذا ان الطرفين مصلحتهما تستوجب أن يحرصا معا على تفادي أي تعطيل أو انخفاض في الإنتاج وأن يسعيا إلى ضمان استمرارية علاقة الشغل القائمة بينهما وتحسينها، ولعل هذا ما يفسر تفضيل المنازعين في أحيان كثيرة نظام التحكيم على القضاء لحل مشاكلهم"[40]
وأخيرا يمكن القول إن التحكيم قد تمكن من اختزال الزمن داخل سوق يطالب فيها المستهلكون (المشغلون والعمال) بنظام عادل وفعال.
وذلك لبساطة إجراءاته وسرعته وسريته ولكون أقل تكلفة من غيره.
كان هذا عن مفهوم التحكيم وهدفه فما هي الحالات التي يتم اللجوء إليه؟
الفقرة الثانية: الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى التحكيم.
تعتبر المنازعات الجماعية للشغل من أهم المخاطر التي تهدد السير العادي للإنتاج داخل المؤسسات الصناعية والتجارية والفلاحية بل ومن أهم المخاطر التي تهدد السلم الاقتصادي والاجتماعي برمته، لذلك تعمل مختلف التشريعات المقارنة على إيجاد الوسائل الكفيلة بتجنب هذه المنازعات الجماعية وحلها بطرق سلمية،ووسائل تختلف من تشريع لأخر لذا نجد المشرع المغربي قد جعلها تندرج كما رأينا من المصالحة إلى التحكيم وهكذا فإذا فشلت إجراءات المصالحة في التقريب بين وجهة نظر أطراف النزاع الجماعي فإن التشريعات ومعها الأطراف أيضا لا تقف عند هذا الحد وإنما تسعى دائما إلى إيجاد الحل الذي يمكن من إيجاد مخرج للنزاع ويعيد التعاون بين عنصري الإنتاج[41]، وذلك من خلال عرض النزاع على وسيلة أخرى من وسائل الحل السلمي هي التحكيم.
فطبقا للمادة 567ق ش م فإنه يتم اللجوء إلى المسطرة التحكيم في الحالات التالية:
1-           إذا لم يحصل أي اتفاق أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة وكذا اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.
2-           إذا اتفق الأطراف على تسوية بعض النقاط وبقيت هناك نقاط أخرى لم يتم الاتفاق بشأنها.
3-           إذا تخلف كل الأطراف عن الحضور أو تخلف أحدهم فقط عن الحضور أمام اللجنة الوطنية أو الإقليمية للبحث والمصالحة.
وطبقا للمادة 567 ق.ش.م فإن اللجنة المعنية هي التي تقوم بإحالة النزاع الجماعي على التحكيم بعد موافقة أطراف النزاع وفي هذه الحالة يقوم رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو رئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة عند الاقتضاء بإحالة الملف على الحكم خلال 48 ساعة الوالية لتحرير المحضر المتعلق بالنزاع كما يجب أن يكون هذا الملف مرفقا كذلك بالمحضر الذي حررته اللجنة في هذا الشأن، وبعد توصل الحكم بالملف والمحضر المذكورين[42]، عليه أن يقوم بتتبع إجراءات معينة من أجل إصدار قراره في القضية المعروضة عليه، وما يمكن ملاحظته هنا هو أن المشرع المغربي جعل مجرد إحالة النزاع على المصالحة إحالة ضمنية له على التحكيم.
المطلب الثاني: مسطرة التحكيم ومدى إلزامية القرارات التحكيمية
إذا وصل النزاع إلى مرحلة التحكيم فإن أطراف النزاع تقوم باتفاق فيما بينها باختيار حكم وذلك من لائحة الحكام التي تصدر بواسطة قرار يتخذه وزير الشغل ويتم وضع هذه اللائحة بناءا على اقتراحات المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، لكن قبل الشروع في التحدث عن مسطرة التحكم يحق لنا أن نتساءل عن الشروط الواجب توافرها في الحكم الذي سينظر في النزاع؟
تنص المادة 568 من مدونة الشغل المغربية على ما يلي:
"يراعى عند وضع لائحة الحكام ما للشخص من سلطة معنوية وما له من كفاءات واختصاصات في المجال الاقتصادي والاجتماعي، تراجع لائحة الحكام مرة كل ثلاث سنوات يحدد تعويض للحكم حسب القواعد الجاري بها العمل".
وعند التمعن في هذه المادة يمكن إبداء بعض الملاحظات باقتضاب وهي:
1- أنه كان بالإمكان ما دام الأمر يتعلق بنزاع جماعي في المجال الاجتماعي أن تتم إضافة عنصر آخر، وهو التوفر على الاختصاص في مجال القانون الاجتماعي بالنسبة لهذا الحكم مع تسجيل أن المدونة وفقت إلى حد ما في ذكر أهم العناصر التي ينبغي توافرها في الحكم.
2- إن التعويض المنصوص عليه الذي يدفع للحكم يجب أن يكون محددا بواسطة نص تنظيمي وأن يكون تعويضا يضمن فعلا للحكم استقلاله عن طرفي النزاع.
3- إنه في نظرنا المتواضع أن حكما واحدا لا يستطيع دراسة كل جوانب النزاع الجماعي وذلك لأن هذه النزاعات كثيرا ما تكون معقدة تتداخل فيها العناصر الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، وبالتالي فقد كان بالإمكان التنصيص على أن أطراف النزاع يختارون باتفاق فيما بينهم حكما أو أكثر.
 هذا عن الشروط الواجب توافرها في الحكم فما هي الإجراءات الواجب عليه القيام بها؟
الفقرة الأولى: مسطرة التحكيم:
طبقا للمادة 567 من ق.ش.م فإن اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة أو اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة يحق لكل منهما أن تقوم بإحالته على التحكيم بعد موافقة أطراف النزاع، لذا فإن الحكم بعد توصله بالملف والمحضر المذكورين في المادة 567 م.ش.م عليه القيام بعدة إجراءات لعل أهمها:


1- استدعاء الأطراف:
طبقا للمادة 570 من المدونة فإن الحكم يقوم باستدعاء الأطراف بواسطة برقية في أجل أقصاه 4 أيام ابتداء من تاريخ تلقيه أو توصله بالمحضر ويجب على أطراف النزاع أن يحضروا شخصيا أمام الحكم أو ينيبوا عنهم نائبا قانونيا وذلك في الحالة التي يتعذر عليهم فيها الحضور بصفة شخصية، وإذا تعلق الأمر بشخص اعتباري فإنه يتم تمثيله من طرف الممثل القانوني له، وتضيف المادة 570 من مدونة الشغل أن الحكم يتمتع بنفس الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة حسب المادة 561 من مدونة الشغل، وبالتالي فإنه يحق له أن يقوم بجميع إجراءات لتقصي الحقائق حول أوضاع المقاولات والأجراء المعنيين بالنزاع الجماعي، كما يمكنه أن يطلب من الأطراف الإطلاع على كل المستندات والوثائق المتعلقة بالنزاع، كما يجوز له أن يستعين بأحد الخبراء أو أحد الأشخاص الذين يرى في الاستعانة بهم فائدة، وهنا يمكننا أن نتساءل هل يمكن للحكم أن يبت في نقاط جديدة يثيرها أطراف النزاع لأول مرة؟ وهل من حقه أ، يبت في الوقائع التي حدثت بعد توصله بمحضر عدم التصالح؟
من خلال المادة 573 من مدونة الشغل يمكن أن نستشف أن الحكم ليس حرا في تناول أي موضوع أو البت فيه، وإنما يجب عليه أن يبت في المواضيع والاقتراحات التي جاءت في محضر عدم التصالح أو في الوقائع التي طرأت بعد تحرير هذا المحضر، ومعنى هذا أن النقاط التي يثيرها الأطراف والمتعلقة بعناصر لا علاقة لها بالنزاع، أو غير المدرجة في محضر عدم التصالح، أو التي تتعلق بوقائع طرأت بعد النزاع ولكنها ليست ناتجة عنه، كل هذه العناصر الآنفة الذكر لا تدخل في اختصاص الحكم. أما بخصوص القواعد التي يطبقها الحكم فقد نصت المادة 572 من .مش على أن الحكم يطبق في النزاع المعروض عليه القواعد القانونية الواجبة التطبيق، سواء تعلق الأمر بنصوص تشريعية أو تنظيمية أو تعاقدية مثل الاتفاقيات الجماعية، فإذا لم توجد هناك نصوص قانونية بشأن هذا النزاع تولى الحكم تطبيق قواعد العدالة والإنصاف[43].
وهنا أشير إلى نزاعات الشغل الجماعية ليست قاصرة على الخلافات التي تقوم حول تفسير عقد من العقود أو قانون من القوانين، وإنما تتعدى ذلك إلى الأساس الذي تقوم عليه علاقة الشغل أصلا، لذلك فإن معظم التشريعات المقارنة تسمح لهيئات التحكيم بإنشاء علاقات قانونية جديدة بين طرفي النزاع أو تعديل العلاقات القائمة، فالحكم في نزاعات الشغل الجماعية له العدول إلى مبادئ العدالة وقواعدها كلما تعلق الأمر بنزاعات اقتصادية، لأن هذه النزاعات لا تنصب أساسا على تأويل نص أو تفسيره، وإنما تتعلق بحقوق غير متطرق إليها من طرف المشرع، أو حقوق وامتيازات لم تعد منسجمة مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة، مما لا يمكن معه للطبقة العاملة الانتظار لغاية أن يتدخل المشرع بتعديل القانون المعمول به ليساير الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة، لاذا عادة ما تلجأ الطبقة العاملة إلى الحكم أو هيئة التحكيم الذين يكون لهم الحق في تقرير هذه الحقوق وتلك الامتيازات إذا تبين لهم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية تتطلبها فعلا، والهيئة في كل الأحوال تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطرفين معا مما لا يخشى معه أن يلحق بأي منهما أي إجحاف أو حيف[44].
أما بخصوص الأجل القانون لصدور الحكم فقد نصت المادة 574 م.ش.م على أن الحكم عليه أن يصدر قراره في فترة وجيزة لا تزيد عن أربعة أيام ابتداء من تاريخ حضور الأطراف أمامه، وهنا يحق لنا أن نتساءل هل تأخر الحكم في إصدار قراره بعد المدة المحددة له قانونا يترتب عليه بطلان قراره أم لا؟ يلاحظ أن المشرع نظرا لتخوفه من الآثار السلبية التي قد تنجم عن تطويل أمد النزاع الجماعي نص على مدة محدد ينبغي لقرار التحكيم أن يصدر فيها، إلا أن التأخر عن هذه المدة لا يترتب عليه بطلان قرار التحكيم، ويلاحظ هنا أن هذه الفترة قصيرة وقياسية مما تنبغي معه المطالبة بفترة أطول خصوصا وأن اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة تتوفر على مدة أطول تقدر بستة أيام لتسوية النزاع المعروض عليها الفصل 560 م.ش، وفي الأخير أشير إلى أن الحكم بحاجة إلى أن يشغل معه طاقم من الخبراء والمستشارين لأنه ومهما بلغت خبرته وكفاءته فسيحتاج إلى مؤازرة تقنية وقانونية واقتصادية، كما أن قراره ينبغي تبليغه للأطراف عند صدوره في فترة وجيزة تقدر ب 24 ساعة، وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل[45].
الفقرة الثانية: مدى القوة الإلزامية لقرار التحكيم
انطلاقا من الفصل 581 من م.ش فإن قرار التحكيم له قوة تنفيذية وفق ما ينص عليه قانون المسطرة المدني، وحسب القواعد الواردة بهذا القانون بالخصوص 428 وما بعدها من قانون المسطرة المدنية، واعتبارا لكون القرار التحكيمي بمثابة حكم فإن التنفيذ يتم بناء على طلب من المستفيد من القرار أو من ينوب عنه ، ويتم التنفيذ بواسطة كتابة الضبط التي توجد في دائرتها المقاولة المعنية بالنزاع الجماعي، إلا أنه في نظري أن المشرع كان عليه أن ينص في المدونة الجديدة على تحديد نوعية القواعد المتعلقة بالتنفيذ الواردة في المسطرة المدنية التي تطبق في مجال تنفيذ القرارات التحكيمية، كما أنه كان بالإمكان وضع بعض القواعد الخاصة بتنفيذ هذه القرارات مراعاة لطبيعة النزاع في المادة الاجتماعية[46].
وتنبغي الإشارة هنا إلى أنه في إطار ظهير 1946 الملغى كان امتناع أحد الأطراف أو عضو من نقابة أو هيئة مهنية كانت طرفا في النزاع عن تنفيذ حكم أصبح نهائيا يعطي الحق لكل من يهمه الأمر أن يطلب من المحكمين أو من الحكم الممتاز الذي أصدر الحكم أن يحكم على النقابة أو الهيئة المهنية أو على الطرف الذي يرفض تنفيذ الحكم بأداء غرامة تهديدية، كما أن عدم تنفيذ أجير أو عدة أجراء لقرار المحكم يعتبر حالة من حالات فسخ العقد الفردي للشغل بدون سند مشروع الفصل 23 من ظهير 1946[47].
وهنا نتساءل لماذا تخلى المشرع عن هذه المقتضيات ولم يضمنها في المدونة الجديدة للشغل، وأخيرا أشير إلى أنه إذا كانت هناك اتفاقية شغل جماعية تسري على أطراف النزاع القائم أو كان هناك نظام أساسي يطبق داخل المقاولة أو المؤسسة، أ, كانت هذه الاتفاقية تنص على عدة آليات وإجراءات لتسوية النزاع الجماعي القائم فإن هذه الآليات أو الإجراءات أو المساطر يتعين احترامها ولا يمكن تجاهلها، بل إن الحكم في قرار ه عليه أن يعتمد بالإضافة إلى النصوص التشريعية على الأحكام الواردة في اتفاقيات الشغل الجماعية الفصل 572 م.ش[48].
المطلب الثالث: الطعن والجزاء الذي قد يتعرض له الأطراف
إن الطعن في القرارات التحكيمية في المجال الاجتماعي يختلف عن الطعن في الأحكام القضائية وحتى القرارات التحكيمية في الميدان التجاري لذا سأحاول أن أتناول في (فقرة أولى) الطعن في القرارات التحكيمية على أن أتعرض في (الفقرة الثانية) للجزاءات التي قد يتعرض لها الأطراف.
الفقرة الأولى: الطعن في القرارات التحكيمية
بداية نود أن نتساءل هل يمكن أصلا الطعن في القرارات التحكيمية التي يصدرها الحكم؟ وما هي الجهة المختصة بالنظر في تلك الطعون؟ وهل هناك مسطرة قانونية خاصة في هذا الشأن؟
فيما يخص الطعن في القرارات التحكيمية فإن الفصل 575 من مدونة الشغل نص صراحة على إمكانيته.
أما الجهة القضائية المختصة في النظر في تلك الطعون فهي الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى (الفصل 575) وبذلك فإن هذه الطعون لا تقدم أمام أية جهة قضائية أخرى، وما يمكن ملاحظته هنا هو أن الطعن في القرارات التحكيمية الصادرة في نزاعات الشغل الجماعية تتميز عن قرارات التحكيمية التي تتم في ميادين أخرى مثل التحكيم التجاري، حيث أن هذا النوع الأخير يمكن القول بشكل عام أنه لا يقبل الطعن بأية حالة طبقا لما هو وارد في المسطرة المدنية، كما أنه يصير قابلا للتنفيذ بأمر من رئيس محكمة الابتدائية التي صدر في دائرتها.
وهنا يمكننا أن نتساءل عن الطبيعة التي تنظر به الغرف الاجتماعية في الطعون المقدمة أمامها ضد قرار الحكم، هل تنظر فيها باعتبارها هيئة قضائية أم كغرفة تحكيمية؟
الواضح من النصوص القانونية (الفصل 576) ومن الطبيعة الخاصة للتحكيم أن هذه الغرفة تنظر في الطعون المقدمة أمامها ضد القرارات التحكيمية كغرفة تحكيمية، أو كامتداد لمسطرة التحكيم التي انطلقت على يد الحكم، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الطعون التي تقدم أمام الغرفة التحكيمية المذكورة إنما تقدم للأسباب التالية:
1- الشطط في استعمال السلطة.
2- خرق القانون.
وأختم هذه الفقرة بالتساؤل حول الإمكانية المتاحة لأطراف النزاع في عزل الحكم أثناء سريان مسطرة التحكيم؟
إن النصوص المتعلقة بالتحكيم الوارد في م.ش لم تنص على هذه الإمكانية مما يفرض علينا البحث عن موقف الفقه في هذه القضية، وأنا من وجهة نظري أعتقد بهذه الإمكانية، وذلك لطبيعة التحكيم الاختيارية.
هذا فيما يتعلق بالجهة المختصة برفع الطعون أمامها فماذا عن المسطرة التي تتبع أمام الغرفة التحكيمية؟

- الإجراءات أمام الغرفة التحكيمية:
يقوم الأطراف بتقديم طعونهم داخل أجل 15 يوما ابتداء من تاريخ تبليغهم أو توصلهم بالقرار المطعون فيه ويجب على الأطراف كذلك أن يقدموا طعونهم بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل إلى رئيس الغرفة (الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى)، وبالإضافة إلى ذلك يجب أن تتضمن طلبات الطعن أسباب الطعن، وأن تكون الرسالة المذكورة مرفقة بنسخة من القرار المطعون فيه (الفصل 577)، وبعد دراسة الطعن والبت فيه من قبل الغرفة التحكيمية تقوم هذه الأخيرة بإصدار قرارها في أجل أقصاه 30 يوما ابتداء من تاريخ رفع الطعن غليها ويجب أن يتم تبليغ القرار الصادر عن الغرفة التحكيمية على الأطراف داخل 24 ساعة من تاريخ صدوره (الفصل 578)، لكن ما هو الإجراء الذي تتخذه الغرفة في حالة نقض القرار التحكيمي كليا أو جزئيا؟ في هذا الصدد ينص الفصل 579 من م.ش على ما يلي "إذا قضت الغرفة التحكيمية بنقض القرار التحكيمي كله أو بعضه وجب عليها أن تحيل النازلة إلى حكم جديد يعين وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين  568-569".
وهنا نتساءل عن الحالة التي يقدم فيها الأطراف مرة أخرى على الطعن في القرار الذي أصدره الحكم الجديد الذي عينته الغرفة التحكيمية فعندئذ ما العمل؟ لقد نص الفصل 580 على أنه "إذا قضت الغرفة التحكيمية بنقض القرار الجديد الصادر عن الحكم المطعون فيه أمامها مرة أخرى وجب عليها تعيين مقرر من بين أعضائها لإجراء بحث تكميلي وتصدر الغرفة التحكيمية في ظرف 30 يوما الموالية لصدور قرار النقض الثاني قرارا تحكيميا غير قابل لطعن".
كان ذلك فيما يتعلق بطرق الطعن في القرارات التحكيمية فما هي الجزاءات الأتي تترتب على عدم حضور الأطراف أو أحدهم أو الامتناع عن تقديم الوثائق المطلوبة؟

الفقرة الثانية: الجزاءات التي قد يتعرض لها الأطراف
كما سبق وأن أشرت فإنه على أطراف النزاع أن يتعاونوا مع الحكم المكلف بتسوية النزاع الجماعي القائم بينهم، وبالتالي فإنه يجب عليهم بعد استدعائهم الحضور شخصيا أمام الحكم أو الغرفة التحكيمية (الفصل 570 م.ش) وذلك في حالة إجراء بحث تكميلي، فإذا امتنع أحدهم عن الحضور دون أن يكون لديه عذر مقبول ودون أن ينيب عنه ممثلا قانونيا،  فإن الحكم يقوم في هذه الحالة بتحرير تقرير في الموضوع يوجهه إلى وزير الشغل الذي يقوم بدوره بالإحالة على النيابة العامة (الفصل 583 م.ش)، ويلاحظ أن نفس الإجراء يطبق في حالة ما إذا امتنع أحد الأطراف عن تقديم الوثائق المشار إليها في الفصل 561 من م.ش طبقا للفصل 584 من م.ش، مثل المستندات أو المعلومات المفيدة في النزاع القائم، وتجدر الإشارة إلى أن المدونة قد حددت الجزاء المذكور في الفصل 585 من مدونة الشغل فنصت على أنه "يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 10000 و 20000 درهم عن مخالفة مقتضيات المادتين 583-584 أعلاه"[49].
                                                  

خاتمة:
ما يمكن قوله في الأخير أن المشرع المغربي ورغم إتيانه بمقتضيات مهمة في مدونة الشغل الجديدة فيما يخص الوسائل السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية، إلا أنه مطالب بالمزيد وخصوصا فيما يتعلق بالمصالحة والتحكيم، مثل إلغاء إجبارية اللجوء إليهما، لأنه يفترض في أطراف هذا النزاع أنهم على درجة كبيرة من الوعي والمسؤولية، كما يمكن القول أنهم بلغوا سن الرشد، وبالتالي فالأولى بالمشرع هو تشجيعهم على حل كل الخلافات التي قد تنشأ بينهم بالطرق التي يختارونها هم، وخلق الإطار القانوني الذي يساعدهم على ذلك، بدل إجبارهم على سلوك طرق أخرى قد لا يقتنعون بها كما أنه مطالب بالمزيد فيما يتعلق بتنفيذ قرارا المحكم مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النزاع...

قائمة المراجع:
الكتب:
- ذ. عبد اللطيف خالفي، الوسيط في علاقات الشغل الجماعية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 1999.
- ذ. أكثم أمين الخولي، دروس في قانون العمل.
- ذ. الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى 2004.
- ذ. أحمد بهرو، نزاعات الشغل بالمغرب، ج: 2- علاقات الشغل الجماعية دار النشر المغربية، الطبعة: 1985.
- ذ. موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1987.
الأطروحات:
- علي الصقلي، نزاعات الشغل الجماعية وطرق تسويتها السلمية في القانون المغربي والمقارن، أطروحة لنيل دكتوراه دولة في القانون الخاص، كلية الحقوق فاس، 1988-1989.
- عبد اللطيف خالفي، الوسائل السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية، أطروحة لنيل الدكتوراه، القاهرة، 1987.
المجلات:
- مجلة المحاكم المغربية- عدد 66- 1992.
المقالات:
ذ. سعيد الشيلح، مقال بعنوان: مزايا التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية، المجلة المغربية للقانون الاجتماعي عدد: 2.

الفهــــــرس
مقدمة.......................................................................1
الفرع الأول: ماهية نزاعات الشغل الجماعية وهيئات تسويتها................3
المبحث الأول: ماهية نزاعات الشغل الجماعية...............................3
المطلب الأول: التعريف القانوني لنزاعات الشغل الجماعية...................3
المطلب الثاني: معايير التمييز بين نزاعات الشغل الجماعية والفردية..........5
الفقرة الأولى: أطراف النزاع................................................5
الفقرة الثانية: موضوع النزاع................................................8
المطلب الثالث: آثار التمييز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي............10
المبحث الثاني: الهيئات التي تقوم بحل نزاعات الشغل الجماعية.............11
المطلب الأول: تقسيم هيئات السلمية لمنازعات الشغل الجماعية
من حيث طبيعتها...........................................11
أولا: الهيئات ذات الطبيعة الاتفاقية.........................................11
ثانيا: الهيئات ذات الطبيعة التنظيمية........................................12
ثالثا: الهيئات ذات الطابع المزدوج..........................................13
المطلب الثاني: تقسيم هيئات التسوية من حيث الدوام والتأقيت...............14
أولا: الهيئات المؤقتة.......................................................14
ثانيا: الهيئات الدائمة........................................................15
المطلب الثالث: التكوين الفردي أو الجماعي لهيئة التسوية السلمية...........16
ثانيا: الصفة الاختيارية أو الإلزامية لإجراءات التسوية......................17
الفرع الثاني: الوسائل السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية.................20
المبحث الأول: المصالحة...................................................20
المطلب الأول: ماهية المصالحة وهدفها.....................................20
الفقرة الأولى: ماهية المصالحة.............................................22
الفقرة الثانية: هدف المصالحة..............................................22
المطلب الثاني: هيئات المصالحة............................................22
الفقرة الأولى: التصالح أمام مفتش الشغل...................................23
الفقرة الثانية: التصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة...............26
الفقرة الثالثة: التصالح أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة................29
المطلب الثالث: نتائج عمل هيئات المصالحة................................31
الفقرة الأولى: امتناع أحد الأطراف عن الحضور...........................31
الفقرة الثانية: نجاح مسطرة المصالحة......................................32
الفقرة الثالثة: الفشل الكلي أو الجزئي للمصالحة.............................32
المبحث الثاني: التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية.........................34
المطلب الأول: مفهوم التحكيم وهدفه والحالات التي يتم فيها اللجوء إليه......34
الفقرة الأولى: مفهوم التحكيم وهدفه.........................................35
الفقرة الثانية: الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى التحكيم.......................37
المطلب الثاني: مسطرة التحكيم ومدى إلزامية القرارات التحكيمية............38
الفقرة الأولى: مسطرة التحكيم...............................................39
الفقرة الثانية: مدى القوة الإلزامية لقرار التحكيم..............................42
المطلب الثالث: الطعن والجزاء الذي قد يتعرض له الأطراف.................43
الفقرة الأولى: الطعن في القرارات التحكيمية.................................43
الفقرة الثانية: الجزاءات التي قد يتعرض لها الأطراف........................46
خاتمة........................................................................47
قائمة المراجع والمصادر.....................................................48
الفهرس......................................................................49





[1]  قرار منشور في مجلة المحاكم المغربية عدد 66-1992ص 134.
[2] - قرار منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد: 57-58، 2001 ص: 301.
[3]  - علي الصقلي- نزاعات الشغل الجماعية وطرق تسويتها السلمية في القانون المغربي والمقارن: أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص كلية الحقوق فاس 1988 –1989 ص102
[4] - في المكسيك لا يمكن اثارة النزاع الجماعي إلا بمبادرة من نقابة تمثل العمال المعنيين ولا تستثني من ذلك إلا الحالة التي يطالب فيها بتطبيق اتفاقية جماعية.
[5] -  علي الصقلي- المرجع السابق ص105.
[6] - علي الصقلي- المرجع السابق ص108.
[7] - د- عبد اللطيف خالفي- الوسيط في علاقات الشغل الجماعية- دراسة مقارنة في ضوء أحكام التشريع والقضاء وأراء الفقه - المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش  الطبعة الأولى 1999 ص: 35
[8] - د- عبد اللطيف خالفي- المرجع السابق ص: 187  
[9] - اكثم أمين الخولي- دروس في قانون العمل- الطبعة 1957 ص: 92
[10] - د الحاج الكوري- مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99 – 65 – مطبعة الأمنية الرباط ط:2004 ص:337   
[11] - د عبد اللطيف خالفي- المرجع السابق ص: 188

[12] - المادة 551 و557 و564 من مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65- الصادر بتاريخ 11 سبتمبر 2003.
[13] - د.عبد اللطيف خالفي، المرجع السابق، ص:193.
[14] - د عبد اللطيف خلفي – المرجع السابق ص 196
[15] - عبد اللطيف خالفي: الوسيط في علاقات الشغل الجماعية. المطبعة والوراقة الوطنية. مراكش، الطبعة الأولى، سنة 1999، ص: 201.
[16] - أحمد بوهرو: نزاعات الشغل الجماعية وفق المدونة الجديدة للشغل. دار القلم. الرباط الطبعة الأولى، سنة 2004. ص: 44.
[17] - محمد سعيد بناني: قانون الشغل بالمغرب ج2، علاقات  الشغل الجماعية. دار النشر المغربية. سنة 1985. ص: 53.
[18] - موسى عبود: دروس في القانون الاجتماعي. مطبعة النجاح الجديدة. الطبعة الأولى 1987. الدار البيضاء، ص: 307.
[19] - عبد اللطيف خالفي. الوسائل السليمة لحل نزاعات الشغل الجماعية، أطروحة دكتوراه. القاهرة 1987، ص: 296.
[20] - بالرجوع الفصل 3 من ظهير 19 يناير 1946 نجد أنه لم يكن ينص سوى على هيئتين للمصالحة إحداهما إقليمية تختص بنظر النزاعات الجماعية التي تشمل إقليما معينا والثانية وطنية تختص بالنزاعات الجماعية التي تهم مجموعة من الأقاليم. دون أن تشكل الهيئة الوطنية درجة ثانية لنظر النزاعات الجماعية غير المتوصل بشأنها إلى حل. وذلك بخلاف ما جاءت به المادة 563 من مدونة والتي أعطت إمكانية إحالة النزاع الجماعي إلى اللجنة الوطنية بعد فشل اللجنة الإقليمية في التوفيق بين الأطراف.
[21] - الحاج الكوري: مدونة الشغل الجديدة. القانون رقم 99-65، أحكام عقد الشغل، مطبعة الأمنية، الرباط. الطبعة الأولى. سنة 2004. ص: 337.
[22] - علي الصقلي: مرجع سابق، ص: 337.
[23] - الحاج الكوري: مرجع سابق، ص: 338.
[24] - الحاج الكوري، نفس المرجع، ص: 339.
[25] - المادة 559 من مدونة الشغل الجديدة.
[26] - وهي نفس المدة التي كان ينص عليها ظهير 19 يناير 1946 المنسوخ، والذي كان يلزم هيئة المصالحة بالاجتماع داخل 4 أيام من تقديم الطلب. على أن تبث فيه داخل 6 أيام من تقديمه.
[27] - عبد اللطيف خالفي. الوسيط في علاقات الشغل الجماعية. مرجع سابق. ص: 206.
[28] - تعتبر منظمة نقابية أكثر تمثيلا على الصعيد الوطني، إذا حصلت على أكثر من 6% من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين أما لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة، يتعين الأخذ بعين الاعتبار الحصول على نسبة 35% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو المؤسسة. وذلك حسب المادة 425 من مدونة الشغل.
[29] - الحاج الكوري: مرجع سابق. ص: 343.
[30] - المادة 558 من مدونة الشغل الجديدة.
[31] - عبد اللطيف خالفي، الوسيط في علاقات الشغل الجماعية. مرجع سابق. ص: 206.
[32] - المادة 565 من مدونة الشغل الجديدة.
[33] - عبد اللطيف خالفي، الوسيط في علاقات الشغل الجماعية. مرجع سابق. ص: 209.
[34] - المادة 585 من مدونة الشغل الجديدة وذلك بخلاف مقتضيات ظهير 19 يناير 1946 والذي لم يكن ينص على أية إجراءات في هذا الصدد، إذ كان يكتفي بإعطاء رئيس هيئة المصالحة صلاحية دعوة الطرفين لكي يعين كل واحد منهما حكما أو يعينان حكما مشتركا ثم يعرض النزاع على التحكيم (وذلك حسب الفصل السابع من نفس الظهير).
[35] - وذلك بخلاف ظهير 19 يناير 1946 الذي كان يخول لهيئة المصالحة إحالة النزاع مباشرة إلى هيئة التحكيم المختصة ولو بدون رضا أطرافه.
[36] - سعيد الشيلح، مقال بعنوان مزايا التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية المجلة المغربية للقانون الإجتماعي ، عدد 2 ،ص69.
[37] - عبد اللطيف خالفي مرجع سابق ص217
[38] - سعيد الشيلح مرجع سابق ص 70- 73
[39] - عبد اللطيف خلفي مرجع سابق ص 218
[40] - سعيد الشيلح مرجع سابق ص 72- 73
[41] - عبد اللطيف خالفي. مرجع سابق ص: 219.
[42] - الحاج الكوري مرجع سابق ص: 348 وما بعدها
[43] - أحمد الكوري مرجع سابق ص: 350.
[44] - عبد اللطيف خالفي- مرجع سابق ص: 227-228.
[45] - أحمد الكوري مرجع سابق ص: 354 وما بعدها.
[46] - أحمد الكوري مرجع سابق ص: 358.
[47] - موسى عبود مرجع سابق ص: 312.
[48] - أحمد الكوري مرجع سابق ص: 359.
[49] - أحمد الكوري مرجع سابق ص: 353 وما بعدها.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *