-->

تمثيل الشخص المعنوي العام أمام القضاء، جزئية من جزئيات مسطرة مقاضاة الشخص المعنوي.


تمثيل الشخص المعنوي العام أمام القضاء،
جزئية من جزئيات مسطرة مقاضاة الشخص المعنوي.

الأستاذ محمد الزياتي الوكيل القضائي للمملكة

في بداية تدخله أشار السيد الوكيل القضائي إلى أن مساهمته لن تقتصر فقط على كيفية تمثيل الشخص العام ولكن ستتطرق إلى كيفية تمثيل الدولة بكل مكوناتها، سواء الأشخاص المعنوية العامة أو الأشخاص المعنوية الخاصة، كشركات المساهمة ما دام أن شركات الدولة هي الأخرى تخضع للقانون الخاص في معاملاتها مع المتقاضي.

فقبل فترة كانت الدولة، أو ما كان يعرف بالمخزن، لا تسأل عن التصرفات والأعمال الصادرة عنها، إلى غاية سنة 1913، تاريخ صدور قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي أقر في الفصل 79 منه، أن الدولة والبلديات تسأل عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها، كما جاء في الفصل 80 بعده أن موظفي الدولة والبلديات مسؤولون عن الأخطاء الجسيمة المرتكبة من قبلهم، ولا تحل الدولة محلهم إلا في حالة إعسار هؤلاء. فالفصل 79 أقام، إلى جانب المسؤوليات الأخرى كمسؤولية حارس الشيء ومسؤولية حارس الحيوان ومسؤولية حارس البناء، مسؤولية الدولة عن نشاطاتها التي تقوم بها في جميع المجالات، وهذا النص مقتبس من النص التونسي الذي يرجع على الظهير البيلكي.

وإذا كان هذا هو الجوهر الذي يعالج مسؤولية الدولة، فكيف يمكن أن نقاضي الدولة بجميع مكوناتها، وهي الإدارة العمومية والمكاتب والمؤسسات وشركات الدولة وشركات الاقتصاد المختلط. فشركات الدولة هي الشركات التي تملك فيها الدولة الأسهم بنسبة %99 أو %100 وشركات الاقتصاد المختلط هي الشركات التي تملك فيها الدولة نسبة معينة إلى جانب نسب أخرى يملكها الخواص.



وللتعرف على كيفية رفع الدعوى ضد الدولة أو كيف ترفع الدولة دعاويها سوف نقسم هذه المداخلة إلى قسمين:

- القسم الأول: تمثيل الدولة أمام القضاء ؛
- القسم الثاني: الدفاع عن الدولة أمام القضاء.

القسم الأول: تمثيل الدولة أمام القضاء

إن عملية تمثيل الدولة أمام القضاء ليست بالمسألة السهلة، وهي غير متاحة إلا للخبراء، وهذا ما عبر عنه بعض الفقهاء لا سيما جون براتس في مؤلفه "مسؤولية السلطة العمومية بالمغرب" إذ اعتبر المسطرة مليئة بالحواجز والعقبات حيث يبرز في كل مرحلة حاجز معين؛ وهذا التعقيد راجع إلى ثلاثة أسباب أساسية هي:

1.    تشتت النصوص القانونية التي تنظم تمثيل الدولة، فمنها ما هو وارد في قانون المسطرة المدنية ومنها ما هو وارد في نصوص خاصة؛
2.    تعدد ممثلي الدولة القانونيين، حيث كان -على سبيل المثال- مدير المكتب الوطني للنقل هو الذي يمثل الدولة في ميدان حوادث السير ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في مجال الأحباس، وبصفة عامة الوزير الأول هو ممثل الدولة أمام القضاء ؛
3.    قلة البحث في هذا الميدان حيث لم يتناول الموضوع إلا القليل، فالمراجع التي تناولت موضوع المنازعات القضائية لم تتطرق للموضوع إلا بشكل عرضي.

أولا-  المبدأ العام لتمثيل الدولة أمام القضاء

قبل صدور قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 لم يكن ثمة نص قانوني يعالج مسألة تمثيل الدولة أمام القضاء، باستثناء قرار المجلس الأعلى الصادر سنة 1959 (كالونديني) الذي قرر فيه أن الوزير الأول هو الممثل القانوني للدولة أمام القضاء، معتمدا على الفرمان المؤرخ في 1912 الذي أوكل إلى الصدر الأعظم مسألة إدارة البلد واعتبر مسألة تمثيل الدولة أمام القضاء جزءا من هذه الإدارة. وفي سنة 1974 صدر قانون المسطرة المدنية الذي نص في الفصل 515 على أن: "ترفع الدعوى ضد :

1.    الدولة، في شخص الوزير الأول وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء؛
2.    الخزينة، في شخص الخازن العام؛
3.    الجماعات المحلية، في شخص العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم وفي شخص رئيس المجلس القروي بالنسبة للجماعات؛
4.    المؤسسات العمومية، في شخص ممثلها القانوني.

وإذا كان القانون المذكور قد بين كيفية رفع الدعوى ضد الدولة، فإنه لم يتطرق لكيفية رفع الدولة للدعوى ضد خصومها، واقتصر الأمر على اجتهادات منها أنه طالما بإمكان ممثل الدولة القيام بإجراءات الدفاع عن الدولة، فإنه يمكنه رفع دعوى ضد خصوم الإدارة، لكن بالرغم من ذلك يجب أن يتدخل المشرع ليوضح صفة الدولة مدعى عليها ومدعية.

وإذا كان الوزير الأول هو الذي يستطيع تمثيل الدولة، كمبدأ عام فإنها ترد عليه بعض الاستثناءات في بعض المجالات:

- في المجال الجبائي ينص الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية على أن الخازن العام للمملكة هو الذي يمثل الدولة في مجال تحصيل الضرائب ؛
- في مجال الجماعات المحلية، وحسب نفس الفصل، فإن رئيس المجلس الجماعي هو الذي يمثل الجماعة أمام القضاء، مع التمييز بين العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، حيث تمثل العمالة من طرف العامل والمجلس الإقليمي من قبل العامل أو رئيس المجلس، بينما يتولى رئيس المجلس الجماعي تمثيل الجماعات الحضرية والقروية، على أن يحترم شرط الحصول على الإذن المنصوص عليه في الميثاق الجماعي ؛
- أما المؤسسات العمومية (مع التمييز بينها وبين شركات الدولة)، فيمثلها حسب الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية شخصها القانوني ؛
- وفي مجال الضرائب تمثل الدولة بواسطة مدير الضرائب ؛


- وبخصوص حوادث السير التي تسببها عربات الدولة ، فقد كان ومنذ سنة 1939، يمثل الدولة أمام القضاء مدير الاستغلالات الصناعية ثم انتقل هذا الاختصاص إلى مدير المكتب الوطني للماء الصالح للشرب سنة 1973، وتحول هذا الاختصاص بعد ذلك إلى مدير المكتب الوطني للنقل بمقتضى ظهير 8 أكتوبر 1977 الذي أدخل الفصل 13 مكرر على ظهير 12 شتنبر 1963 المتعلق بالنقل عبر الطرق، ومنذ ذلك العهد أصبح يظهر نوع من الخلط بين الذمة المالية للمكتب الوطني للنقل و بين مديره فإذا كان المدير هو الذي يمثل الدولة أمام القضاء في مادة حوادث السير فإنه كان ينبغي التفريق بين المهمة المسندة إلى المدير وبين الذمة المالية للمكتب الوطني للنقل. فغالبية المتقاضين كانوا يقيمون الدعوى في مواجهة مدير المكتب الوطني للنقل، وليس في مواجهة الدولة ممثلة من قبل مدير المكتب، الأمر الذي سبب نوعا من الخلط ذهب حد اعتقاد بعض المتقاضين أن المكتب الوطني للنقل هو الذي يؤمن سيارات الدولة أمام القضاء، وهذا كان يخلق الإلتباس عند التنفيذ الذي كان يمارس في مواجهة المكتب وليس في مواجهة الدولة، إلى أن تدخل المجلس الأعلى بعدة قرارات واعتبر أن هناك فرقا بين المكتب وبين الدولة ممثلة في شخص مدير المكتب. وقد انتهى هذا الإلتباس بعد أن أدخل تغيير على ظهير 12 شتنبر 1963 بمقتضى القانون رقم 25.02 الصادر سنة 2006 الذي ألغى تمثيل الدولة من قبل مدير المكتب الوطني للنقل، وألغى مقتضيات الفصل 13 مكرر التي أدخلت على ظهير 1963، وابتداء من فاتح يناير 2007 انتقل الاختصاص الذي كان موكولا إلى مدير المكتب الوطني للنقل إلى المبدأ العام وهو تمثيل الدولة من طرف الوزير الأول في مادة حوادث السير ؛   
- أما الأملاك العامة أو الخاصة للدولة : فتمثل على التوالي من قبل وزير التجهيز أو وزير الأشغال العمومية، ومدير الأملاك المخزنية ؛
- وبالنسبة للأملاك الغابوية، فإن وزير الفلاحة هو المختص بتمثيل الدولة عن الأملاك الغابوية حسب المادة 10 من ظهير 10 أكتوبر 1917، لكن هناك مشكل مطروح اليوم بعد تعيين مندوب سام للمياه والغابات حيث ينتظر من الاجتهاد القضائي النظر في كيفية تنزيل النصوص القانونية على هذه المشكلة ؛


- في ميدان الأوقاف يمثل وزير الأوقاف الدولة عند التقاضي بخصوص أراضي الأحباس ؛
- أما بخصوص شركات الدولة، فيطرح سؤال حول تمثيلها ومدى تطبيق الإجراءات المسطرية آنفة الذكر عليها، وذلك على ضوء تمتع هذه الشركات العامة بالذمة المالية المستقلة عن ذمة الدولة وهي تخضع للقانون الخاص في عملياتها التجارية. فبخصوص كيفية رفع الدعوى ضدها وتمثيلها فيحددها قانونها الأساسي، حتى ولو كانت الدولة هي الشريك الوحيد في هذه الشركات، إذ لا عبرة بالأسهم التي تملكها الدولة لكن العبرة بالشخصية المعنوية لهذه الشركات التي تتمتع باستقلال مالي وإداري وإن كانت تخضع للمراقبة المالية للدولة في إطار مرسوم 14 أبريل 1960 الذي ألغي وحل محله القانون رقم 69-00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 195-03-1 بتاريخ 11 نونبر 2003 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى، الذي يجعل من المراقبة على هذه الشركات مراقبة إما قبلية أو مصاحبة أو بعدية.  

القسم الثاني: الدفاع عن الدولة أمام القضاء

إن تمثيل الأشخاص هو على خلاف الدفاع عنها. فكيف يمكن الدفاع عن هذه الأشخاص المعنوية ؟

أولا : الإطار القانوني للدفاع عن الدولة أمام القضاء

- الفصل 34 من قانون المسطرة المدنية ؛
- الفصل 354 من قانون المسطرة المدنية ؛
- الفصل 529 من قانون المسطرة الجنائية ؛
- الفصل 33 من قانون المحاماة ؛
- ظهير 2 مارس 1953 ؛
- المادة 10 من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية ؛
         - مدونة الجمارك.

فالفصل 34 من قانون المسطرة المدنية أعفى الإدارات العمومية من مساعدة المحامي وتكون ممثلة بصفة قانونية بأحد الموظفين المنتدبين لهذه الغاية، كما أن الفصل 354 من قانون المسطرة المدنية كذلك يعفى الدولة من مساعدة المحامي طالبة كانت أو مطلوبة ويوقع في هذه الحالة على مقالاتها ومذكراتها الوزير المعني بالأمر أو موظف منتدب لهذه الغاية، والفصل 529 من قانون المسطرة الجنائية، فيعفي الدولة والنيابة العامة من مساعدة المحامي والفصل 33 من قانون المحاماة كذلك فقد تعرض لهذه المسألة بينما ظهير 2 مارس 1953 فيعطي للوكيل القضائي مهمة الدفاع عن الدولة إذا كلف بذلك من طرف الإدارة المعنية.

وأخيرا فقد أكدت، المادة 10 من القانون المتعلق بإحداث محاكم الاستئناف الإدارية على أن الاستئناف يقدم إلى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم المستأنف بواسطة مقال مكتوب يوقعه محامي، على أنه بالنسبة للإدارات العمومية تكون نيابة المحامي أمرا اختياريا.

والخلاصة هي أن هناك ثلاثة خيارات أمام أشخاص القانون العام:

- الاختيار الأول : اللجوء إلى أحد موظفيها المنتدبين لهذه الغاية للقيام بالدفاع عنها أمام القضاء، ماعدا شركات الدولة ؛
- الاختيار الثاني : اللجوء إلى أحد المحامين للدفاع عنها أمام القضاء ؛
- الاختيار الثالث : اللجوء إلى الوكيل القضائي باستثناء شركات الدولة، لأن هذا الأخير لا يمكنه أن ينوب سوى عن إدارة أو مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة، أي أشخاص القانون العام.



ثانيا : دفاع الوكالة القضائية عن أشخاص القانون العام

أحدثت الوكالة القضائية للمملكة بتاريخ 7 يناير 1928 ثم عرفت بعض التعديلات سنة 1938، وأخرى سنة 1938 إلى أن جاء ظهير 2 مارس 1953 لتحديد اختصاصات هذه الوكالة ومن جملتها حسب الفصل 4 منه أن الوكيل القضائي يمكنه أن يقوم في ذلك مقام رؤساء الإدارات العمومية المختصين في إقامة الدعوى على مديني الدولة ومكاتبها ومؤسساتها العمومية،  قصد الاعتراف بما عليهم من دين وتصفية حساباتها، ويتعلق الأمر بالديون التي لا تدخل في جملة الضرائب ولا في ريع الأملاك المخزنية.

فالوكيل القضائي يمكنه أن ينوب عن الإدارات العمومية والمكاتب والمؤسسات العمومية سواء بصفته مدعي أو مدعى عليه، ولا يمكنه أن ينوب عن شركات الدولة التي يمكنها اللجوء إلى خدمات المحامي، ولا يمكنها اللجوء إلى خدمات أحد موظفيها لكونها تخضع للقانون الخاص.

وحسب الفصل 514 وكذلك ظهير 2 مارس 1953، كلما كانت الدعوى تهدف إلى التصريح بمديونية الدولة أو مكتب أو مؤسسة عمومية في قضية لا علاقة لها بالضرائب والأملاك المخزنية، وجب إدخال الوكيل القضائي في المسطرة تحت طائلة البطلان.

كما أن هناك مقتضيات أخرى في قانون المسطرة الجنائية، ولا سيما في المواد            3 و95 و351 التي ألزمت -عند متابعة قاض أو موظف أو مأمور للسلطة- بإشعار الوكيل القضائي للمملكة، تحت طائلة البطلان، ويلاحظ أن النص الجديد على عكس النص القديم، لم يرتب أي جزاء على عدم إشعار الوكيل القضائي إلا ما يمكن أن يأتي في الاجتهاد القضائي.

من جهة أخرى هناك الفصل 19 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية الذي لا يجعل بصفة مباشرة الوكيل القضائي مكلفا بالدفاع عن الموظفين المتابعين أمام القضاء، لكن الدولة ملزمة في إطار الفصل 19 المشار إليه، بتأمين الحماية لموظفيها من كل تهديد أو سباب، والحماية يدخل ضمنها تأمين الدفاع أمام القضاء.

وإذا كان ظهير 2 مارس 1953 قد أوجب إدخال الوكيل القضائي على كل من يريد التصريح في دعواه بمديونية الدولة، فإن السؤال بخصوص الشركات العامة للدولة يظل قائما، خاصة أمام بعض الاجتهادات القضائية التي نحت منحى خاصا، فقد اعتبر الاجتهاد القضائي أن الشركات إنما تدير مالا عاما ومادام الوكيل القضائي هو الساهر على حماية المال العام، فإنه يجب إدخاله في المسطرة تحت طائلة البطلان، ومنه قرار صدر بتاريخ 26/9/2001 بخصوص شركة التنمية الفلاحية حيث اعتبرت كمؤسسة عمومية لكونها تدير أموالا عمومية، لذلك وجب إدخال الوكيل القضائي في الدعوى تحت طائلة بطلان المسطرة.

وهناك اجتهاد آخر سنه قرار بتاريخ 22/7/1977 اعتبر شركة التبغ بمثابة مؤسسة عمومية تمارس احتكارا مخولا للدولة في مادة الاتجار في التبغ، بالرغم من كونها شركة، وأن عدم إدخال الوكيل القضائي في الدعوى المرفوعة ضدها يجعلها باطلة.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *