-->

اختصاص المحاكم التجارية

اختصاص المحاكم التجارية
للبث في النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير 24/5/1955
على ضوء  قرار المجلس الاعلى عدد 248
الأستاذ محمد صابر
وكيل الملك لدى المحكمة التجارية بفاس

بمقتضى  القرار المشار اليه اعلاه الصادر تحت عدد 2243 بتاريخ 2001/11/14 في الملف التجاري عدد 2227/2000 (1) بت المجلس الاعلى في مسالة ثار حولها خلاف فقهي وقضائي بعد دخول القانون رقم 53 لسنة 1995 المتعلق باحداث المحاكم التجارية حيز التنفيذ وقد تمحور  هذا الخلاف حول ما إذا كانت المحاكم التجارية مختصة للبت في النزاعات المتعلقة بتطبيق ظهير 25 ماي1955 ام غير مختصة وقبل ان نتطرق إلى تقييم الموقفين المذكورين وكذا عن الموقف الوسط الذي يقول بازدواجية الاختصاص بين المحاكم التجارية والمحاكم الابتدائية مع القيام بمحاولة لتحليل مقتضيات الفقرة الخامسة  من المادة الخامسة من القانون رقم 53 لسنة 1955. ام غير مختصة وقبل  ان نتطرق الى تقييم الموقف الذي تبناه المجلس الاعلى سنحاول في البداية اعطاء نظرة موجزة عن كل واحد من الموقفين المذكورين وكذا عن الموقف الوسط الذي يقول بازدواجية الاختصاص بين المحاكم التجارية والمحاكم الابتدائية مع القيام بمحاولة لتحليل مقتضيات الفقرة الخامسة من المادة الخامسة من القانون رقم 53 لسنة 1995.

أولا : الرأي القائل بعدم اختصاص المحاكم التجارية للبت في النزاعات المتعلقة بتطبيق ظهير24 ماي1955:
يقول هذا الرأي بعدم اختصاص المحاكم التجارية للبت في هذا النوع من النزاعات وسنتولى معالجته من خلال استعراض موقف القضاء والفقه.

موقف القضاء :
لقد تبلور هذا الاتجاه من خلال القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس تحت عدد227 بتاريخ 1998/12/21 في الملف عدد 339/98 (2) الذي قضى بتاييد الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بفاس القاضي بعدم اختصاص المحاكم التجارية  للبت في النزاعات المتعلقة بتطبيق مقتضيات ظهير 24 ماي1955 وقد تم تعليل هذا القرار بما يلي: وحيث ان المشرع بقانون 53-95 القاضي باحداث المحاكم التجارية وان خول السيد رئيس المحكمة التجارية  نفس الصلاحية التي كانت مسندة لرئيس(3) المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية الا انه لم يتعدها للاختصاصات التي كان يبت فيها الرئيس ولا المحكمة بمقتضى  قوانين خاصة ومنها ظهير 24 ماي1955 علما بان مقتضيات الظهير المذكور لا تدخل في زمرة القضايا المنصوص عليها بمدونة التجارة ودفع المستانف بان الأمر يتعلق بالمنازعة في الاصل التجاري والمشروع وبقانون احداث المحاكم التجارية لم يحدد المسائل المتعلقة بالاصل التجاري دفع مردود، إذ ان الأمر اصلا يتعلق بانهاء عقد كراء تجاري وان كان يؤول الى افراغ لاصل التجاري ثم ان النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية وخلاف ما ورد بالمقال الاستئنافي محددة على سبيل الحصر بمدونة التجارة إذا اقتصر فيها المشرع على بيع الاصل التجاري أو تقديمه حصة في شركة أو رهنه او التسيير الحر له دون امكانية ادخال النزاعات الناتجة عن تطبيق ظهير 24 ماي1955 ثم انه وفي جميع الاحوال فان هذه المحاكم استثنائية ولا يمكن التوسع في الاختصاص المخول لها ما دام اختصاصها ضيقا وفي اطار محدد وشرع لفائدة اشخاص معينين  ولاغراض خاصة بناء  على نصوص واردة  بمدونة التجارة وهي المتعلقة بالعقود التجارية والاصول التجارية والاوراق التجارية وصعوبة المقاولة...(4).

موقف الفقه :
ذهب الاستاذ بوعبيد عباسي (5) الى القول بوجود عدة مبررات  تدفع الى القول بان الاختصاص في مادة
الكراء التجارية يظل لفائدة المحاكم الابتدائية مستندا الى كون المشرع لم يتوصل تنظيم عقد الكراء التجاري في مدونة التجارة بالنظر الى طبيعته المدنية وان اضفاء الوصف التجاري على عقد الكراء لا يغير من طبيعته الاصلية في شيء لكونه يعد تجاريا فقط من جانب المكتري والى كون هذا العقد لا يدخل في اطار العقود الواردة على الاصل التجاري وانه إذا كانت المحاكم التجارية تختص للبت في النزاعات المتعلق بالأصول التجارية فان النزاعات المتعلقة بعقد الكراء لا تدخل ضمن النزاعات المنصبة على الاصل التجاري لكون هذا الاصل لا ينشا الا بعد الكراء وبالتالي  فالنزاع يتعلق بعقد كراء ادى إلى تكوينه بالإضافة إلى ذلك فانه لا يمكن اعتماد الصياغة العامة للقول باختصاص المحاكم التجارية في كل ما له علاقة بالاصل التجاري لان هذه الصياغة تحددها النصوص الواردة بالمدونة التي لم تتضمن ما يتعلق بعقد الكراء كما ان عنوان  القسم الثاني من الكتاب من المدونة جاء كما يلي: " العقود المتعلقة بالاصل التجاريويرى هذا الفقه وجوب الربط بين هذا العنوان والعبارة الواردة بالفقرة 5 من المادة 5 التي تنص على : " النزاعات المتعلقة بالاصل التجاري" وهذه العبارة تنصرف الى التبرعات المتعلقة بالعقود التجارية التي تتخذ الاصل التجاري كمحل لها كما هو الشان بالنسبة لبيع الاصل التجاري ورهنه او تسييره او إكراهه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر هذا الحكم بمجلة المحاكم المغربية عدد 91.
2- منشور بمجلة المنتدى العدد الاول رجب  1402 - اكتوبر1999 التي تصدرها جمعية منتدى  البحث القانوني بمراكش  ص230.
3- يجب  التوضيح هنا بان الأمر يتعلق بمؤسسة الصلح.
4- منشور بمجلة المنتدى العدد الأول اكتوبر1999 ص 230.
5- تضارب الاجتهاد التجاري بشان الاختصاص في مادة الكراء التجاري ( ظهير24 ماي1955) مقال منشور بمجلة المنتدى
 العدد الاول ص 162.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اما بخصوص دعوى الصلح المنصوص عليها  في ظهير24 ماي1955 فقد ذهب البعض من الفقه الى كون هذا الظهير منح المحكمة الابتدائية اختصاص البت في هذه الدعوى ولم يسندها لرئيس المحكمة التجارية لكون المادة 20 من قانون احداث المحاكم التجارية حدد اختصاصاته في المادة التجارية وتلك المسندة لرئيس المحكمة الابتدائية  بموجب قانون المسطرة المدنية وبالتالي فان اختصاصات رئيس المحكمة التجارية لا تمتد إلى الاختصاصات المسندة لرئيس المحكمة الابتدائية بمقتضى نص خاص كما هو الشان بالنسبة لظهير24 ماي1955.

ثانيا: الرأي القائل باختصاص المحاكم  التجارية للبت في النزاعات المتعلقة بتطبيق هذا الظهير
على خلاف الرأي السابق فان هذا الرأي يقول باختصاص المحاكم التجارية للبت في النزاعات المتعلقة بتطبيق  24 ماي1955 وسنحاول تبسيطه من خلال استعراض موقف القضاء والفقه.

موقف القضاء : ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش بمقتضى قرارها رقم 186/98 الصادر بتاريخ 1998/10/26 في الملف عدد 189/98 الى التصريح باختصاص المحاكم التجارية للبت في النزاعات المتعلقة بتطبيق ظهير 24 ماي1955 استنادا الى ان:" … عبارة النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية الواردة في المادة  الخامسة من قانون احداث المحاكم التجارية لا تقتصر على المنازعات التي يكون الاصل التجاري بكافة عناصره موضوعا لها بل جاءت شاملة لجميع المنازعات سواء تعلق الامر بالعقود المنصبة على الأصل التجاري أو النزاعات الرامية إلى رفض أو تجديد العقود في اطار ظهير أو غيرها من المنازعات الاخرى سواء  تعلق الامر بنزاع حول الاصل التجاري برمته او احد عناصره اذ ان مناط اختصاص المحاكم التجاري هو وجود نزاع يتعلق بالاصل التجاري بصرف النظر عن كون العقد مدني او تجاري" انظر قرار محكمة الاستئناف التجارية بمراكش عدد 105 الصادر بتاريخ 1998/10/21 في الملف 107/98(6).

موقف الفقه : بالنسبة لموقف الفقه سنقتصر على ما ذهب اليه الاستاذ المهدي شبو (7) من كون عبارة الاصول التجارية الواردة في الفقرة الخامسة من المادة الخامسة جاءت مطلقة ودون تحديد ولو ان المشرع اراد قصر هذه النزاعات على العقود  والتصرفات التي يكون الاصل التجاري بجميع عناصره مسرحا لها لاستعمل عبارة المنصبة بدلا  من المتعلقة بالأصول التجارية بالاضافة إلى ذلك فانه لا يتصور تطبيق ظهير 24 ماي1955 إلا مع  وجود اصل تجاري والحق في الكراء الذي يتوخى  هذا الظهير  حمايته يعتبر أهم عنصر في الاصول التجارية بالمغرب.

ثالثا : الرأي القائل بازدواجية الاختصاص بين المحاكم التجارية والمحاكم الابتدائية :
هذا الاتجاه يجسده القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 25/6/1998 الذي جاء فيه : "... ان عقد الكراء لم يذكر ضمن العقود التجارية المنظمة بمقتضى مدونة التجارة، يضاف الى ذلك انه لا يعتبر عملا تجاريا بالطبيعة الا اذا ابرم بين تاجرين وهي الحالة التي تكون  من اختصاص المحاكم التجارية تطبيقا لمقتضيات الفقرة 2 من المادة الخامسة كما جاء فيه انه : " اذا ابرم العقد بين تاجر المكتري وغير تاجر المالك فاننا نكون امام عقد مختلط بالنظر الى انه تجاري بالنسبة الى الطرف الاول اذ يشكل عملا تمهيديا واولويا للممارسة النشاط التجاري، ومدني بالنسبة للطرف الثاني باعتبار ان الكراء يشكل عقدا مدنيا  وهو الشيء الذي يترتب عليه الا يكون من اختصاص المحاكم التجارية الا باتفاق الطرفين طبقا لمقتضيات الفقرة الاخيرة من المادة 5(8).

ــــــــــــــــــــــــــــــ
6- منشور بمجلة المنتدى العدد الاول ص 235.
7- " محاولة في تاصيل الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية على ضوء المادة 5 من قانون رقم 53.95" منشور بمجلة المنتدى العدد الاول ص 78.
8- مجلة الإشعاع عدد 18 يناير1999 صفحة 223.
ــــــــــــــــــــــــــــــ

رابعا : موقف المجلس الاعلى
ذهب المجلس الاعلى في   قراره المشار اليه في بداية الموضوع الى ما يلي :  " حيث  ان المادة الخامسة من القانون المحدث للمحاكم التجارية اسند الاختصاص لهذه الاخيرة بالنسبة للنزاعات المتعلقة بالاصول التجارية  وان  حق التوبة  يخضع لمسطرة تجديد عقد كراء محل معد للتجارة الذي هو احد عناصر الاصل  التجاري  الداخل في النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية …"

ويلاحظ على هذا التعليل انه يتسم بالايجاز وكان المفروض ان يعمد  المجلس الاعلى الى القيام بتحليل هذه المسالة حتى يبادر بذلك الى إزالة  الغموض الذي لا زال يسيطر على اذهان البعض بشان اختصاص المحاكم التجارية  للبت في النزاعات المتعلقة بتطبيق ظهير 24 ماي1955، ولعل عذر المجلس الاعلى  في هذا ما علمتنا اياه التجربة من كون القضاة في بعض الاحيان يميلون الى الايجاز والاختصاص في احكامهم تسليما منهم بكون القضية تتسم بالبداهة ولا تحتاج الى توضيح كبير وهذا ما نلمسه من خلال تعبير المجلس الاعلى بكون قانون  احداث المحاكم التجارية اسند الاختصاص لهذه الاخيرة بالنسبة للنزاعات المتعلقة بالاصول التجارية وان مسطرة تجديد عقد الكراء تدخل في اطار هذه النزاعات.

خامسا : تقييم هذه الآراء
ـ تقييم  الاتجاه الاول والثالث : اذا رجعنا الى الاتجاه الاول الذي يسلب الاختصاص بصورة نهائية عن المحاكم التجارية والراي الثالث الذي   يسلبها هذا الاختصاص بصورة جزئية فانه يمكن حصر المبررات التي يستند عليها انصار  الراي الاول في كون مقتضيات ظهير1955 لا تدخل في زمرة القضايا المنصوص عليها في مدونة التجارة، وان النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية محددة على سبيل الحصر  بمدونة التجارة في بيع الاصل التجاري او تقديمه حصة في شركة او رهنه او التسيير الحر وبالتالي فان النزاعات المتعلقة بعقد الكراء لا تدخل ضمن النزاعات  المنصبة على الاصل التجاري بالاضافة الى  هذا فانه لا يمكن اعتماد الصياغة العامة للقول باختصاص المحاكم التجارية في كل ما له علاقة بالاصل التجاري لان هذه الصياغة تحددها النصوص  المنصوص عليها في المدونة التي لم تتضمن ما يتعلق بعقد الكراء، كما ان عنوان القسم الثاني من الكتاب الثاني من المدونة ورد كما يلي : " العقود المتعلقة بالاصل التجاري" وبالتالي فانه يجب الربط بين العنوان ونظيره الوارد بالبند الخامس من المادة  الخامسة  من القانون رقم 53 لسنة1995 الناص على : " التبرعات المتعلقة بالاصل التجاري".

أما المبررات التي يستند عليها  الراي الثاني فتنطلق من كون عقد الكراء  المنصب على محل معد للتجارة لم يذكر بضمن العقود التجارية التي نظمتها المدونة وبالتالي فهو عقد مدني ولا يدخل في اختصاص  المحاكم التجارية الا اذا ابرم بين تاجرين اما اذا كان احد طرفيه غير تاجر فان يعد عقدا مختلطا  فيخرج بذلك عن اختصاص هذه المحاكم.

ـ وبقراءة اولية لهذه المبررات يلاحظ انها جميعا تنطلق في تحديد اختصاص المحاكم التجارية للبت في النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير 1955  من مدونة التجارة وليس من المادة الخامسة من القانون رقم 53 لسنة1995  وتبعا لذلك فان الاختصاص  لا ينعقد للمحاكم التجارية  لكون المدونة  لم تنظم عقد الكراء المنصب على المحلات المعدة للتجارة أو انها لم تندرج هذا الظهير ضمن نصوصها وانطلاقا من هذه المفاهيم  فان المقصود بالنزاعات المتعلقة بالاصول  التجارية  المنصوص عليها في   المادة الخامسة من القانون رقم 53 لسنة1995 هي تلك المنصبة على الاصول التجارية الناتجة عن العقود المنظمة  بمقتضى المدونة،   وزيادة في التدليل  على كون ارادة المشرع اتجهت الى ابعاد مقتضيات ظهير 24 ماي1955 عن نطاق اختصاص المحاكم التجارية هو العنوان الذي اورده المشرع للقسم الثاني من  الكتاب   الثاني من المدونة الناص على  ما يلي : " العقود المتعلقة بالاصل التجاري" فتعبير المشرع بالعقود المتعلقة بالاصل التجاري يجب ربطه بالتبرعات المتعلقة بالاصل التجاري" المنصوص عليها في المادة الخامسة المذكورة ليخلص إلى ان المقصود بما نصت عليه هذه المادة هو النزاعات المتعلقة بالعقود المنصبة على الاصل التجاري".

ونرى بان هذين الاتجاهين جانبا الصواب فيما ذهبا اليه لان المشرع في البداية اصدر  مدونة التجارة وضمنها كثيرا من الاحكام التي تخص التجار والتجارة وبعد ذلك اصدر القانون رقم 53 لسنة 1995  المتعلق باحداث المحاكم التجارية ونص بصورة  واضحة في المادة الخامسة على الاختصاصات المخولة لهذه المحاكم وبالتالي  فان المرجع  في تحديد اختصاص هذه المحاكم هو ما جاءت به هذه المادة لان المشرع لو اراد تحديد اختصاص هذه المحاكم هو ما جاءت به هذه المادة لان المشرع لو اراد تحديد اختصاص هذه المحاكم التجارية من خلال نصوص المدونة لاكتفى بالقول بان هذه المحاكم تختص في  النزاعات  الناشئة عن تطبيق المدونة فيفتح بذلك المجال للقول بان النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير24 ماي1955 تخرج عن اختصاص المحاكم  التجارية لكون المدونة لم تقم بتبني احكامه والبحث فيما اذا كان عقد الكراء المنصب على  المحلات التجارية عقدا مدنيا او تجاريا والقيام باجراء المقارنة  بين التعابير المتشابهة بين نصوص المدونة وقانون الاحداث  وبالتالي فانه كون على هذا الجانب  من الفقه والقضاء  ان يبحث عن ارادة المشرع من خلال النص المحدد للاختصاص والا يتعداه إلى البحث في نصوص المدونة إلا إذا كان نص المادة الخامسة يستدعي استحضار نصوص المدونة لتحديد هذا الاختصاص كما هو الشان  بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية او الدعاوى  التي تنشا بين التجار  والمتعلقة باعمالهم التجارية  مثلا في  هاتين  الحالتين فانه لابد من الرجوع الى المدونة  للقول بما اذا كان العقد تجاريا ام لا  ولا بد  من الرجوع الى المدونة  لتحديد العمل التجاري من غيره اما بالنسبة للفقرة الخامسة  التي تنص على النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية فان يجب الرجوع الى  المدونة مثلا اذا حدث اشكال في تحديد مفهوم الاصل التجاري الا انه لا يمكن  حصر النزاعات المتعلقة به فيما  نصت عليه المدونة   والا أسأنا فهم النص انطلاقا  من اننا عوض ان نقوم   بقراءة مجردة للنص كنا نحمل في أذهاننا  أفكارا مسبقة من كون  المحاكم التجارية  لا تختص الا فيما نصت عليه المدونة، وحتى اذا كنا  امام نص تقتضي صياغته  العامة شمول نزاعات  ناتجة عن  قوانين أخرى تشملها المدونة حاولنا بشتى الوسائل التضييق من نطاقه حتى لو ادى بنا الامر إلى اعادة  صياغة النص بصورة تتناسب مع ما تحمله  من افكار ويتجلى هذا مثلا في القول بان الفقرة الخامسة تخص النزاعات المنصبة على الاصول التجارية والحال ان المشرع يتحدث عن النزاعات المتعلقة  بالاصول التجارية وشتان ما بين الشيء المنصب على شي اخر والشيء المتعلق بشيء اخر فما يتجلى في القول بوجوب تحقيق صياغة الفقرة الخامسة التي تتصف بالعمومية وبالعنوان الذي اورده المشرع للقسم الثاني من الكتاب الثاني من المدونة والحال ان القواعد الاصولية لا تسمح له للاخذ بهذا التفسير لان قانون احداث المحاكم التجارية يعد نصا خاصا وبالتالي فان جاءت الفقرة الخامسة من المادة الخامسة مطلقة فانه لا يمكن تقييدها بنصوص المدونة التي تعتبر نصوصا عامة وانها يجب ان تبقى  على اطلاقها.

ـ تقييم الاتجاه الثاني وموقف المجلس الاعلى: قبل اعطاء رأينا فيما ذهب اليه هذا الجانب من الفقه والقضاء ارتأينا  ان نقوم باستعراض المشروع الذي تقدمت به الحكومة في هذا الشان والتعديلات التي ادخلت عليه قبل ان ننتقل الى تحليل  صياغته في وضعيته النهائية.

أ- الفقرة الخامسة من المادة الخامسة من القانون رقم 53 لسنة1955 قبل المصادقة عليه من مجلس النواب.
لقد نصت الفقرة الرابعة من الماد الخامسة   من المشروع على ما يلي : " تختص محاكم التجارة بالنظر في النزاعات الناشئة بين جميع الاشخاص فيما يتعلق باصل تجاري" وبعد عرض المشروع على المناقشة اقترحت فرق الوفاق الوطني صياغة هذه الفقرة كالتالي : " في النزاعات المتعلقة بالاصل التجاري باستثناء قضايا اداء الكراء ويستثنى من اختصاص المحاكم التجارية قضايا  حوادث السير" في حين اقترح فريق الاتحاد الاشتراكي والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية وفريق التجديد والتقدم ما يلي : " بين جميع الاشخاص فيما يتعلق بالنزاعات في الاصول التجارية" (9).

وفي هذا الصدد ذهب الاستاذ عبد الكبير طبيح الى ان الاستثناء المتعلق باداء الكراء يتناقض مع ظهير 24 ماي1955 لكون المطالبة باداء  واجبات الكراء بالنسبة لاصل تجاري معين قد تنقلب  الى دعوى   افراغ الاصل التجاري وبالتالي فإن مسايرة  التعديل الاول كان سيجعل اهم النزعات حول الاصول التجارية خارج اختصاص  المحاكم التجارية (10).

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
9- المحاكم التجاريةمنشورات المجلة  المغربية للادارة المحلية والتنمية سلسلة " نصوص ووثائق" 12 الطبعة الاولى 1997.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبتفحص ما جاء به المشرع وما اقترح من تعديل بشانه يتضح ان ارادة المشرع اتجهت إلى جعل  النزاعات المتعلقة بتطبيق  ظهير24 ماي1955 من اختصاص المحاكم التجارية فتعبير المشرع باختصاص المحاكم التجارية بالنظر في   النزاعات  الناشئة  بين جميع الاشخاص فيما يتعلق   باصل تجاري واقتراح استثناء قضايا  اداء الكراء من هذا النوع من النزاعات  كلها تؤكد قيام هذا التوجه.

ب- الفقرة الخامسة بعد المصادقة  والإصدار : لقد نصت هذه الفقرة على ما يلي :
" النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية" اذا  كان انصار الاتجاه القائل بعدم اختصاص المحاكم التجارية  للبت في النزعات المتعلقة بتطبيق ظهير24 ماي1955 وكذا انصار الاتجاه القائل بازدواجية الاختصاص  يعتمدون منهجا يتخذ من مدونة التجارة  اساسا ومنطلقا لقراءة  هذه الفقرة كما اشرنا الى ذلك أعلاه فان انصار الاتجاه القائل باختصاص المحاكم التجارية للبت في  هذه النزاعات  ينطلقون من صياغتها   التي تتحدث عن النزاعات  المتعلقة بالاصول التجارية كيفما كان اساس هذا النزاع  ولتوضيح ذلك يجب التساؤل عما اذا كانت النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير 24 ماي1955 تتعلق بالاصول التجارية ام لا ؟

وجوابا عن هذا التساؤل فانه بالرجوع إلى المادة 79 من المدونة يتضح انها  تعرف الاصل التجاري بانه  : " مال منقول معنوي يشمل جميع الاموال المنقولة المخصصة  لممارسة نشاط تجاري آو عدة أنشطة تجارية" وبالرجوع إلى المادة 80 من نفس المدونة يتضح انها تنص أيضا على الاصل التجاري يشتمل وجوبا على زبناء وسمعة تجارية ويشمل أيضا كل الاموال  الاخرى الضرورية  لاستغلال الاصل التجاري  كالشعار والحق في الكراء وغيرها.
وحسبما هو مستفاد من هذه المادة ومن المبادئ العامة للقانون التجاري انه لا  يسكن تصور الحق في الكراء التجاري  وحده فنحن امام فرع واصل  و لا جود للفرع دون الاصل (11).

ومعلوم ان المكتري للمحل المعد للتجارة والصناعة او الحرفة (12) لا يصبح متمتعا بهذا الحق الا اذا  انتفع بالعين سنتين متتاليتين ان كانت  العقدة كتابية او مدة اربع سنوات متتالية ان كانت  العقدة شفوية،  ومؤدى ذلك ان ظهير 24 ماي1955   لا يطبق إلا على المحلات التي اصبح من يكتريها  متمتعا بحق تجديد  عقد الكراء  وذلك بانصرام احدى  المدتين المنصوص عليهما اعلاه بالنظر لما إذا كانت العقد  كتابية او شفوية وبعبارة أخرى انه لا يطبق إلا إذا  توفر الاصل التجاري على عنصر حق التجديد الذي يسمى بحق الكراء أو حق الإيجار أما قبل ذلك قبل قيام هذا العنصر فان الظهير لا يطبق،  وتطبيق الظهير قد يكون قصد منه  تجديد العقد بشروط  أخرى وانها العقد مقابل منح التعويض الكامل  او الجزئي او بدون مقابل،  وفي جميع هذه الحالات فان المنازعة التي ستثار امام المحكمة طبقا للمسطرة المنصوص  عليها في الفصل 27 من الظهير إلى غاية الفصل35 منه ستؤدي لا محالة إلى المساس بحق الكراء إما عن طريق زواله بصورة نهائية او على الاقل الى انتقاله  إلى محل اخر واما عن طريق تغيير قيمته  لان تجديد العقد بشروط  أخرى وعلى الاخص عن طريق الرفع من الوجيبة الكرائية  من شانه التاثير  على قيمة الاصل التجاري.

وبالنتيجة فان النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير24 ماي1955 تدخل في اطار النزاعات المتعلقة بالاصل التجاري  لكون المشرع لم يحدد مدى هذا التعلق وبالتالي فان أي نزاع  تعلق  بالاصل التجاري يدخل  في اختصاص المحاكم التجارية لكونه بالرجوع الى  المادة الخامسة  من القانون رقم 53 لسنة 1995  يلاحظ ان المشرع تحدث  عن الدعاوي المتعلقة بالعقود التجارية والاوراق التجارية والاصول التجارية  وتلك الناشئة بين الشركاء في شركة  تجارية دون الاشارة الى صفة اطراف العلاقة  ومؤدى ذلك ان المشرع اعتمد معيارا  موضوعيا في تحديد هذه الاختصاصات وبالنتيجة فمتى توفر النزاع المتعلق بالعقد التجاري مثلا او الاصل التجاري مثلا والا انعقد اختصاص المحاكم التجارية  ولم يعتمد المشرع المعيار الشخصي الا في الفقرة الثانية من المادة  الخامسة لما تحدث   عن الدعاوى  التي تنشا بين التجار والمتعلقة باعمالهم التجارية وحتى في هذه الحالة فانه لم يعتمد معيارا شخصيا  فقط وانما اقرنه بمعيار  موضوعي ذلك  انه تحدث عن الدعاوى التي تنشا بين التجار لكنه أقرنها بوجوب تعلقها باعمالهم التجارية. وقبل ان نختتم في هذا الموضوع لابد من الاشارة هنا ونحن بصدد اختصاص المحاكم التجارية  للبت في  النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير24 ماي1955 إلى مدى اختصاص رئيس المحكمة التجارية للبت في دعوى الصلح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
10- المحاكم التجارية الاسباب والغايات،  سلسلة حقوق الناس منشورات الرهان الاخر الطبعة الاولى يناير2000 ص 38.
11- محمد الكشبور : الحق في الكراء  عنصر في الاصل التجاري دراسة في طار ظهير2 ماي1955 والمدونة التجارية الجديدة الطبعة الاولى 1988- 1419  مطبعة النجاح الجديد ة الدار البيضاء.
12- بدخول مدونة التجارة حيز التنفيذ  وتنصيصها في المادة السادسة على اكتساب الصفة التجارية  بالممارسة الاعتيادية  والاحترافية  لمجموعة من الانشطة  التي من ضمنها النشاط الصناعي او الحرفي اصبح النقاش الذي كان قائما بشان خضوع الأنشطة الحرفية لمقتضيات ظهير24 ماي1955 أم لا غير ذي موضوع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

اختصاص رئيس المحكمة التجارية للبت في دعوى الصلح :
بمناسب حديثنا أعلاه عن الاتجاه القائل بعدم اختصاص المحاكم التجارية للبت في النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير24 ماي1955  اشرنا الى القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية تحت عدد 227 الذي نص على ان قانون احداث المحاكم التجارية وان كان قد خول رئيس  المحكمة التجارية نفس الصلاحيات البت في النزاعات التي كانت مسندة لهذا الاخير بمقتضى قوانين خاصة كظهير 24 ماي1955 ونرى بان هذا الاتجاه غير سليم ذلك انه اذا سلمنا ان المحاكم التجارية مختصة للبت في النزاعات الناشئة عن تطبيق  هذا الظهير وفق ما بسطناه اعلاه فان رؤساء هذه المحاكم بوصفهم جزءا منها يستمدون اختصاصهم مما تختص فيه محاكمهم (13).

خاتمــة:
من خلال ما تقم حاولنا اعطاء رأينا في مسالة  اختصاص المحاكم التجارية  للبت في النزاعات الناشئة عن تطبيق ظهير 24 ماي1955 من خلال استعراض موقف محاكم الموضوع وكذا موقف المجلس الاعلى الذي يبدو لنا  بانه منسجم مع مقتضيات الفقرة الخامسة من المادة الخامسة من القانون رقم 53 لسنة1995 ونتمنى ان تكون هاته المحاولة المتواضعة مساهمة في اثراء النقاش  الدائر حول هاته المسالة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
13- انظر رأينا حول هذه النقطة، المنتدى، مرجع سابق ص 120.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ





TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *